الذكاء الاصطناعي والجريمة: الأطر القانونية للمسؤولية الجنائية في العصر الرقمي – د : أيمن خالد فاضل الحلاحلة
الذكاء الاصطناعي والجريمة: الأطر القانونية للمسؤولية الجنائية في العصر الرقمي
الدكتور : أيمن خالد فاضل الحلاحلة
أستاذ بالجامعة الاسلامية بمنيسوتا- الولايات المتحدة الامريكية
Artificial Intelligence and Crime: Legal Frameworks for Criminal Liability in the Digital Age
AYMAN KHALED FADEL HALAHLEH
Islamic University of Minnesota – United States of America
رابط DOI
https://doi.org/10.63585/XARO2943
ملخص البحث
يركز هذا البحث على دراسة التأثيرات القانونية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في الجرائم والمسؤولية الجنائية، مع تسليط الضوء على التحديات التي فرضتها هذه التقنية في إعادة تشكيل الجرائم التقليدية وظهور أنماط جديدة من الجرائم الرقمية. يستعرض البحث تطور الجرائم التقليدية، مثل الاحتيال المالي والتزييف العميق، والتي أصبحت أكثر تعقيدًا بفعل الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى صعوبات كبيرة في جمع الأدلة الرقمية وإثباتها أمام المحاكم. كما يناقش البحث الجرائم المستحدثة، كالهجمات السيبرانية والأنظمة الذاتية التعلم، التي أثارت إشكاليات قانونية غير مسبوقة، خاصة فيما يتعلق بتحديد المسؤولية الجنائية، سواء على المطورين أو المستخدمين أو الأنظمة نفسها.
ويوضح البحث أهمية تطوير إطار قانوني جديد يعتمد على مفهوم “المسؤولية الافتراضية”، بحيث يضمن توزيع المسؤولية بشكل عادل بين الأطراف المختلفة، مع مراعاة الطبيعة المستقلة للأنظمة الذكية. بالإضافة إلى ذلك، يتناول البحث الأبعاد الأخلاقية التي تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك حماية الخصوصية وضمان الشفافية ومنع التمييز الناتج عن الخوارزميات الذكية.
ويخلص البحث إلى أن مواجهة هذه التحديات تستدعي صياغة تشريعات مرنة ومتجددة تتكيف مع التطورات التقنية السريعة، بالإضافة إلى وضع بروتوكولات دقيقة لإثبات الأدلة الرقمية بما يضمن نزاهتها ومصداقيتها أمام القضاء. كما يدعو إلى تعزيز التعاون الدولي من خلال وضع معايير قانونية موحدة لمكافحة الجرائم العابرة للحدود، مع التأكيد على أهمية إنشاء هيئات رقابية متخصصة وإشراك الخبراء التقنيين لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنية وتحقيق التوازن بين الابتكار وحماية الحقوق.
الكلمات المفتاحيه: الذكاء الاصطناعي، الجرائم الرقمية المستحدثة، المسؤولية الجنائية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، إثبات الأدلة الرقمية، الأخلاقيات القانونية للتقنيات الذكية، التشريعات المتجددة، التعاون الدولي لمكافحة الجرائم التقنية
Abstract
This research focuses on studying the legal implications of artificial intelligence on crimes and criminal liability, highlighting the challenges posed by this technology in reshaping traditional crimes and the emergence of new forms of digital crimes. It examines the evolution of traditional crimes, such as financial fraud and deepfake technology, which have become more complex due to artificial intelligence, resulting in significant difficulties in collecting and validating digital evidence in courts. Furthermore, the research addresses newly emerging crimes, including cyberattacks and self-learning systems, which have introduced unprecedented legal challenges, particularly in determining criminal liability, whether on developers, users, or the systems themselves.
The study emphasizes the importance of developing a new legal framework that incorporates the concept of “virtual liability,” ensuring fair distribution of responsibility among different parties while considering the autonomous nature of intelligent systems. Additionally, it delves into the ethical dimensions governing the use of artificial intelligence, including privacy protection, transparency, and the prevention of biases inherent in intelligent algorithms.
The research concludes that addressing these challenges requires the drafting of flexible and adaptive legislation that keeps pace with rapid technological advancements, alongside establishing precise protocols for validating digital evidence to ensure its integrity and credibility in judicial processes. It also advocates for enhancing international cooperation by setting unified legal standards to combat cross-border crimes, emphasizing the necessity of creating specialized regulatory bodies and involving technical experts to ensure the responsible use of this technology and achieve a balance between innovation and the protection of rights.
Keywords: Artificial Intelligence, Emerging Digital Crimes, Criminal Liability of AI Systems, Digital Evidence Validation, Legal Ethics of Smart Technologies, Adaptive Legislation, International Cooperation in Combating Tech Crimes
المقدمة
يشهد الذكاء الاصطناعي في العقود الأخيرة طفرة نوعية في مجال التكنولوجيا الرقمية، تتصدرها الابتكارات المتقدمة في الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد مفهوم مستقبلي، بل بات أداة محورية تسهم بفعالية في تغيير أنماط الحياة وتعزيز كفاءة العديد من القطاعات.و تتنوع تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل واسع، بدءًا من المساعدات الشخصية الافتراضية مثل “سيري” و”أليكسا”، التي تعمل على تيسير حياة الأفراد من خلال تقديم المعلومات وتنظيم المهام، مرورًا بالسيارات ذاتية القيادة، التي تعد نموذجًا للابتكار في قطاع النقل، وصولًا إلى أنظمة الأمن الذكية التي أصبحت تشكل جزءًا أساسيًا في حماية المنشآت والممتلكات. هذه التطورات التقنية لم تقف عند حدود تحسين كفاءة العمليات، بل تسهم في التحول الرقمي للعالم، وتغيير المفاهيم التقليدية حول الأمان والإنتاجية.
ومع انتشار الذكاء الاصطناعي وقدرته على التعلم واتخاذ القرارات، يظهر تساؤل ملح حول الأطر القانونية التي يجب أن تُحيط بهذا المجال، خصوصًا فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية في حال صدور أفعال إجرامية أو أضرار مادية ومعنوية عن هذه الأنظمة المستقلة. إذ يختلف الذكاء الاصطناعي عن الآلات التقليدية بقدرته على التكيف والتعلم من البيانات التي يتلقاها، مما قد يؤدي إلى تصرفات غير متوقعة، سواء كانت ناتجة عن برمجياته أو نتاجًا لتطوره الذاتي المستمر. هذه القدرات الاستقلالية تضع الأنظمة القانونية أمام تحديات غير مسبوقة، حيث تفرض على المشرعين إعادة التفكير في المبادئ القانونية التقليدية التي تُبنى على إرادة الإنسان ومسؤوليته المباشرة.
إن هذه الدراسة تأتي استجابةً للحاجة الملحة إلى تأسيس بنية قانونية متكاملة تراعي الخصائص الفريدة لأنظمة الذكاء الاصطناعي وتضع ضوابط واضحة لمساءلة هذه الأنظمة أو مشغليها. وتعمل الدراسة على تناول إشكالية رئيسية تتمثل في غياب إطار قانوني محكم يضبط حدود المسؤولية الجنائية في سياق الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على مدى كفاية القوانين الحالية في مواكبة هذا التطور. فالقوانين الجنائية التقليدية تنطلق من مفاهيم القصد والإرادة والوعي، وهي عناصر قد يصعب إثباتها أو مواءمتها مع طبيعة الذكاء الاصطناعي. لذا، فإن هذه الدراسة تسعى إلى استكشاف هذه الثغرات القانونية، وتقديم مقترحات لتطوير التشريعات، بما يتماشى مع متطلبات العصر الرقمي ويضمن حماية حقوق الأفراد والمجتمع.
تتمثل أهمية هذه الدراسة في مساهمتها في بناء رؤية مستقبلية للقانون الجنائي في ظل التحولات الرقمية السريعة، حيث تُبرز الحاجة إلى وضع أطر تنظيمية قانونية قادرة على استيعاب هذا التقدم وضبطه بما يحقق العدالة.
أهمية الموضوع
تكتسب دراسة المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي أهمية متزايدة، بالنظر إلى التوسع الكبير في اعتماد هذه التقنية المتقدمة في مجالات حيوية وحساسة تؤثر بشكل مباشر على أمن الأفراد وسلامة المجتمع. فعلى سبيل المثال، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من أنظمة الرعاية الصحية، حيث يعتمد عليه في التشخيص الطبي وإدارة العمليات الجراحية الدقيقة، مما يعزز من فعالية القطاع الصحي، ولكنه يفتح أيضًا الباب أمام تساؤلات جدية حول المسؤولية القانونية عند وقوع أخطاء تؤدي إلى نتائج ضارة. في قطاع النقل، نجد أن السيارات ذاتية القيادة باتت نموذجًا للتطور الذي قد يسهم في تقليل الحوادث الناتجة عن الأخطاء البشرية، إلا أنها أيضًا قد تكون مصدرًا لأضرار جسيمة إذا ما اتخذت قرارات غير متوقعة بناءً على خوارزميات معقدة، مما يضعنا أمام تحديات قانونية غير مسبوقة.
ولا يقتصر تأثير الذكاء الاصطناعي على هذه المجالات، بل يمتد ليشمل الأنظمة الأمنية، حيث تعتمد بعض الدول على الذكاء الاصطناعي في تطبيقات المراقبة ورصد التهديدات، ما قد يؤثر بشكل كبير على حقوق الأفراد وخصوصياتهم. إضافة إلى ذلك، يستخدم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في قطاعات الخدمات المالية، وإدارة العمليات الحكومية، والتجارة الإلكترونية، وكلها مجالات قد تتعرض فيها مصالح الأفراد والجماعات لمخاطر تتطلب معالجة قانونية دقيقة.
يمثل الذكاء الاصطناعي تحديًا حقيقيًا أمام القوانين الجنائية التقليدية التي تقوم على فكرة المسؤولية الذاتية المرتبطة بالإرادة الحرة والقصد الجنائي للفاعل البشري. فالأنظمة الذكية، التي تتمتع بقدرات التعلم المستمر والتحليل واتخاذ القرارات، لا تتماشى مع المفاهيم القانونية التقليدية التي تتطلب إثبات الوعي والقصد والإدراك للمتهم. مما يجعل من الضروري إعادة النظر في الأطر القانونية القائمة، وذلك لضمان القدرة على مساءلة هذه الأنظمة، أو المسؤولين عنها، في حالات ارتكابها لأفعال ضارة أو حتى إجرامية.
علاوة على ذلك، يُعد هذا الموضوع محور تفاعل معقد بين الأبعاد التقنية، الأخلاقية، والاجتماعية، حيث تتجلى أهمية تأطيره قانونيًا بدقة لضمان تحقيق العدالة وحماية المجتمع من الآثار المحتملة لتصرفات الأنظمة الذكية. فالخوارزميات التي تقود الذكاء الاصطناعي لا تتسم بالحياد المطلق، إذ قد تنطوي على تحيزات أو أوجه قصور غير متوقعة تؤثر سلبًا على القرارات الناتجة عنها. ومن هنا، تبرز أهمية تبني تشريعات توازن بين حماية المجتمع وتشجيع الابتكار، وتأخذ في الاعتبار خصوصية الذكاء الاصطناعي ككيان تقني قادر على التفاعل والتكيف مع البيئة بشكل مستقل.
في ضوء هذه المعطيات، تُعد دراسة المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي ضرورة قانونية وملحة، حيث تتطلب وضع أطر واضحة ودقيقة تُراعي الفروق الجوهرية بين الذكاء الاصطناعي والأنظمة التقليدية، وتعمل على ضمان عدالة متوازنة تُحافظ على حقوق الأفراد من جهة، وتشجع على التطور التكنولوجي الرشيد من جهة أخرى.
أسباب أهمية الدراسة
تبرز أهمية هذه الدراسة في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم نتيجة الاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي لم تعد تقتصر على تحسين الكفاءة في مختلف المجالات بل باتت تسهم في إعادة تشكيلها بشكل جذري. حيث أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من الأنظمة التي تتخذ قرارات حاسمة، سواءً في المجال الطبي أو الصناعي أو الأمني أو حتى القضائي. وتكشف هذه التحولات عن فجوة حقيقية في التشريعات الجنائية التقليدية التي وُضعت في الأصل للتعامل مع المسؤولية البشرية المباشرة، إذ تعتمد على مفاهيم الإرادة الحرة، القصد الجنائي، والتدبير العقلاني للأفعال، وهي عناصر يصعب تطبيقها على الأنظمة الذكية التي تعتمد على الخوارزميات وعمليات التعلم العميق.
وتمثل هذه الفجوة في التشريعات تحديًا كبيرًا، حيث أن القوانين الحالية ليست مؤهلة للتعامل مع الجرائم أو الأضرار التي قد تنتج عن قرارات الذكاء الاصطناعي المستقلة. فعندما ترتكب أنظمة الذكاء الاصطناعي أفعالًا ضارة، أو تتخذ قرارات تسبب خسائر مادية أو معنوية، يصبح من الصعب تحديد المسؤولية الجنائية بوضوح، نظرًا لعدم وجود إرادة أو قصد جنائي مباشر كما هو الحال في أفعال الإنسان. من هنا، تنبع أهمية هذه الدراسة في محاولتها إيجاد حلول قانونية تعالج هذه الفجوة، سواءً عبر تطوير أطر قانونية جديدة أو تعديل القوانين القائمة لتستوعب هذه التقنيات المتقدمة.
علاوةً على ذلك، فإن الدراسة تستمد أهميتها من تزايد الاعتماد العالمي على الذكاء الاصطناعي في مجالات حساسة مثل الرعاية الصحية، النقل الذاتي، الأمن الوطني، والمراقبة الرقمية، حيث تتطلب هذه المجالات دقة وشفافية في اتخاذ القرارات، وحماية حقوق الأفراد. فغياب إطار قانوني مناسب يتيح للذكاء الاصطناعي العمل دون رقابة قانونية كافية قد يؤدي إلى انتهاكات غير مقصودة لحقوق الأفراد، أو تهديدات لأمنهم وسلامتهم، مما يقتضي وضع تشريعات تحمي المجتمع دون أن تعرقل الابتكار والتطور التكنولوجي.
كما أن الدراسة تتناول قضية تثير تساؤلات أخلاقية وقانونية ذات طابع عالمي، خاصة في ظل التباين بين التشريعات الوطنية والدولية في تنظيم الذكاء الاصطناعي. فبينما تسعى بعض الدول المتقدمة إلى صياغة قوانين متقدمة تتماشى مع تطورات الذكاء الاصطناعي، لا تزال العديد من الدول الأخرى تفتقر إلى تلك الأطر التنظيمية، مما يؤدي إلى تفاوت في القدرة على معالجة القضايا الناشئة عن استخدام الذكاء الاصطناعي. وبهذا، تُعتبر هذه الدراسة مساهمة علمية حيوية تُمهد الطريق نحو بناء أطر قانونية عالمية موحدة قادرة على التعامل مع تحديات الذكاء الاصطناعي، مع مراعاة البعد الأخلاقي الذي يُشدد على حماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد.
إضافةً إلى ذلك، تأتي أهمية هذه الدراسة من ضرورة تكييف القوانين الجنائية بما يتناسب مع طبيعة الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن تحميله المسؤولية كالبشر، بل يتطلب اعتماد مفاهيم قانونية جديدة مثل “المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن خوارزميات التعلم”، و”المسؤولية المشتركة بين المصممين والمستخدمين”. ومن خلال معالجة هذه التحديات القانونية المستحدثة، تفتح الدراسة آفاقًا جديدة للتفكير في كيفية تكييف القانون الجنائي ليواكب التطور التكنولوجي ويستجيب للتحديات المستقبلية.
أهداف الدراسة:
تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تتجاوز مجرد التحليل التقليدي إلى معالجة متعمقة وشاملة للأبعاد القانونية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وتتركز هذه الأهداف فيما يلي:
1. تحليل الأطر القانونية الحالية: تهدف الدراسة إلى إجراء استعراض شامل للأطر التشريعية والقوانين المعمول بها حاليًا، والتي تحكم استخدامات الذكاء الاصطناعي. يتضمن ذلك تحليل مدى كفاية هذه القوانين للتعامل مع التحديات القانونية الناشئة، لا سيما تلك المتعلقة بالجرائم والأضرار الناتجة عن قرارات أو أفعال تتخذها الأنظمة الذكية بشكل شبه مستقل. ومن خلال هذا التحليل، تسعى الدراسة إلى توضيح نقاط القوة والضعف في الأطر التشريعية الحالية، وتحديد مدى قدرتها على التعامل مع هذه الأنظمة المعقدة.
2. تحديد الفجوات القانونية: تتضمن هذه الدراسة كشف الثغرات والنواقص الموجودة في التشريعات الحالية، والتي لم تكن مصممة للتعامل مع التقنيات الحديثة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي. فبسبب الطبيعة المتطورة والسريعة لهذه التقنية، تتزايد التحديات المرتبطة بتطبيق القانون الجنائي عليها، ما يفرض ضرورة تحديد النقاط التي تتطلب تعديلًا أو تطويرًا، لتواكب سرعة التقدم التكنولوجي من جهة، وتحقق الحماية القانونية الفعّالة للمجتمع من جهة أخرى.
3. اقتراح حلول قانونية: بناءً على التحليل والكشف عن الثغرات، تقدم الدراسة مقترحات وتوصيات تشريعية محددة تهدف إلى وضع إطار قانوني جديد أو تعزيز الأطر القانونية القائمة، بما يضمن توازنًا بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وحماية الحقوق القانونية للأفراد والمجتمع. وتشمل هذه الحلول اقتراحات تتعلق بمسؤولية الأطراف المختلفة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، سواء كانت شركات التطوير أو المشغلين أو حتى المستخدمين، بهدف تحقيق العدالة وتجنب الفراغ التشريعي الذي قد يستغله البعض للتهرب من المسؤولية.
4. تحليل المسؤوليات: تهدف الدراسة إلى فهم دقيق لمسؤولية كل طرف يتعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك المطورون الذين يصممون هذه الأنظمة، والمستخدمون الذين يستفيدون من إمكاناتها، والمشغلون الذين يقومون بتطبيقها في الحياة العملية. ويتم التركيز على تحديد الأطر التي يمكن من خلالها تحميل هؤلاء الأطراف المسؤولية الجنائية في حال ارتكاب أفعال مجرمة بواسطة الأنظمة الذكية، سواء كانت الأفعال نتيجة خطأ برمجي أو سلوك غير مقصود من الذكاء الاصطناعي. كما تتناول الدراسة احتمالية تقسيم المسؤولية، حيث يمكن تحميل جزء منها للمطورين بسبب الإهمال البرمجي، وجزء آخر للمستخدمين أو المشغلين نتيجة الاستخدام غير السليم.
تسعى الدراسة من خلال هذه الأهداف إلى وضع أسس علمية وقانونية لتطوير تشريعات جديدة أو تحديث التشريعات القائمة، بما يضمن حماية الحقوق والعدالة الاجتماعية، ويعزز من الثقة في استخدامات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، ويحقق التوازن المطلوب بين التطور التكنولوجي والمسؤولية القانونية.
إشكالية الدراسة
تكمن إشكالية هذه الدراسة في التحديات القانونية التي تثيرها حالات ارتكاب أفعال مجرمة أو تسبب أضرارًا جسيمة نتيجة تصرفات أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقلة. فالذكاء الاصطناعي، بخصائصه المتقدمة في اتخاذ القرارات الذاتية والتعلم المستمر، يطرح إشكالية جوهرية تتعلق بتحديد المسؤولية الجنائية عن الأفعال الصادرة عنه. هذه الإشكالية تتضمن مجموعة من التساؤلات المعقدة التي تحاول الدراسة الإجابة عنها، من أبرزها: هل يمكن اعتبار أنظمة الذكاء الاصطناعي ككيانات مستقلة قادرة على تحمل المسؤولية الجنائية مثل الأشخاص الطبيعيين؟ وإذا كانت هذه الإمكانية غير قابلة للتطبيق حاليًا، فإلى أي مدى يمكن تحميل المطورين والمشغلين لهذه الأنظمة المسؤولية عن الأفعال التي ترتكبها هذه الأنظمة؟ وهل يمكن تحميلهم المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن خلل برمجي أو قصور في الإشراف أو الرقابة؟
تثير هذه التساؤلات تحديات جوهرية في مجال القانون الجنائي، نظرًا لأن مفهوم المسؤولية الجنائية التقليدية يقوم أساسًا على توافر الركن المعنوي لدى الشخص الطبيعي أو الاعتباري، والذي يعبر عن قصد الفعل وإرادة ارتكابه. غير أن تطبيق هذا المفهوم على الذكاء الاصطناعي، الذي يفتقر إلى الإرادة الحرة والقصد الجنائي، قد يكون غير متوافق مع الأطر القانونية التقليدية. لذلك، تُطرح تساؤلات حول إمكانية استحداث إطار قانوني جديد يُمكّن من تحميل أنظمة الذكاء الاصطناعي شكلاً من المسؤولية أو إيجاد آليات لتحديد المسؤولية على نحو يوازن بين المتطلبات التقنية والاعتبارات القانونية.
كما يتضمن البحث تحديات تتعلق بتحديد نطاق المسؤولية لكل من المطورين والمشغلين والمستخدمين للأنظمة الذكية، خاصة عندما تتجاوز هذه الأنظمة حدود البرمجة الأصلية وتتصرف بطريقة غير متوقعة بسبب قدراتها التكيفية والتعلمية. فالمسألة تزداد تعقيدًا عندما يتعلق الأمر بتحديد ما إذا كان الخلل أو الضرر ناتجًا عن عيوب في البرمجة أو قصور في التدريب أو الإشراف، أو بسبب الاستخدام الخاطئ من قبل المشغلين.
تهدف هذه الدراسة إلى الإسهام في النقاش القانوني حول هذه الإشكاليات، ومحاولة تقديم مقترحات قانونية تتوافق مع التطور التكنولوجي السريع، وتقديم حلول تساهم في تعزيز العدالة والحماية القانونية للمجتمع، مع المحافظة على تشجيع الابتكار والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي.
تساؤلات الدراسة
تعد تساؤلات الدراسة جوهرية لفهم وتطوير الأطر القانونية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وتحديد المسؤولية الجنائية الناشئة عنه. توضح هذه التساؤلات الحاجة إلى معالجة عدة جوانب قانونية تتطلب فهماً عميقاً لتأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمع، وتحديد أدوار الأطراف المعنية بشكل قانوني. وفيما يلي توسع دقيق لهذه التساؤلات:
1. ما مدى كفاية الأطر القانونية الحالية في التعامل مع الجرائم المرتكبة بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي؟
تسعى هذه التساؤلات إلى استكشاف مدى ملاءمة القوانين القائمة للتعامل مع تحديات الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن معظم التشريعات الجنائية تم وضعها في ظل غياب هذا النوع من التكنولوجيا، حيث تعتمد القوانين التقليدية على المسؤولية الجنائية للأفراد الطبيعيين والشخصيات الاعتبارية، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة المعقدة للذكاء الاصطناعي. تبرز هنا حاجة ملحة لمراجعة التشريعات الحالية وفهم ما إذا كانت قادرة على مواكبة تطور الذكاء الاصطناعي واحتواء الأفعال التي قد تُرتكب بواسطته، بما في ذلك أفعال قد تكون نتيجة “قرارات” غير موجهة أو تلقائية من الأنظمة الذكية.
2. من يتحمل المسؤولية الجنائية عند ارتكاب الذكاء الاصطناعي لأفعال مجرمة؟ هل المسؤولية تقع على عاتق المطورين، المستخدمين، أو الشركة المصنعة؟
هذا التساؤل يطرح جدلية معقدة حول من يجب أن يتحمل تبعات الأفعال التي قد تقوم بها أنظمة الذكاء الاصطناعي. في بعض الحالات، قد تكون الأفعال نتيجة مباشرة لبرمجة خاطئة أو قصور في الرقابة من قبل المطورين، مما يشير إلى إمكانية تحميلهم جزءًا من المسؤولية. في حالات أخرى، قد يكون المستخدم أو الشركة المصنعة هم المسؤولون عن الاستخدام الخاطئ للذكاء الاصطناعي أو إخفاقهم في توفير وسائل الأمان اللازمة. هنا تبرز ضرورة تحديد إطار واضح لتوزيع المسؤولية بين الأطراف المعنية، بحيث يتم توجيه المسؤولية بناءً على نوع الخطأ، سواء كان تقصيرًا في البرمجة، الإشراف، أو الاستخدام.
3. هل يمكن منح الذكاء الاصطناعي شخصية قانونية لتحميله المسؤولية الجنائية؟
هذا التساؤل يفتح باب النقاش حول إمكانية تطوير مفهوم قانوني جديد يسمح باعتبار أنظمة الذكاء الاصطناعي ككيانات قانونية مستقلة، يمكن تحميلها المسؤولية الجنائية بشكل مشابه للشركات والمؤسسات. يثير هذا الطرح تساؤلات حول المعايير اللازمة لمنح الذكاء الاصطناعي شخصية قانونية، بما في ذلك قدراته على اتخاذ القرارات الذاتية والتعلم. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى القصد الجنائي، وهو عنصر أساسي في المسؤولية الجنائية التقليدية، مما يجعل هذه الفكرة تواجه تحديات كبيرة قد تتطلب وضع أطر قانونية جديدة تلائم طبيعة هذه الأنظمة.
4. ما هي التحديات التي تواجه المشرعين في تطوير أطر قانونية تتناسب مع التطورات التكنولوجية في مجال الذكاء الاصطناعي؟
تكمن هذه التحديات في مواكبة التطور التكنولوجي السريع وتقديم تشريعات توازن بين حماية المجتمع وتشجيع الابتكار. تشمل التحديات تحديد المسؤوليات بشكل دقيق، وتجنب الفجوات القانونية التي قد تُستغل لتجنب المسؤولية، بالإضافة إلى ضمان أن القوانين تظل مرنة بما يكفي للتكيف مع التغيرات المستقبلية. يتطلب هذا التحدي من المشرعين فهمًا عميقًا للجوانب التقنية للذكاء الاصطناعي، والعمل بشكل وثيق مع الخبراء في هذا المجال لإيجاد حلول قانونية عادلة وفعالة.
فرضيات الدراسة
1. قصور الأطر القانونية التقليدية: تفترض الدراسة أن الأطر القانونية الجنائية الحالية غير كافية للتعامل مع الجرائم المرتكبة بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي، نظرًا لعدم قدرتها على استيعاب الخصائص الفريدة لهذه التقنيات.
2. الحاجة لتشريعات جديدة: تفترض الدراسة أن هناك ضرورة ملحة لتطوير تشريعات جديدة تأخذ بعين الاعتبار استقلالية الذكاء الاصطناعي وقدرته على اتخاذ قرارات ذات تبعات قانونية.
3. إمكانية منح الذكاء الاصطناعي شخصية قانونية: تفترض الدراسة أن منح الذكاء الاصطناعي شخصية قانونية قد يكون وسيلة لتحميله المسؤولية الجنائية عن الأفعال المرتكبة.
4. أثر التباين التشريعي الدولي: تفترض الدراسة أن التباين في التشريعات الدولية قد يعيق تحقيق العدالة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يستدعي التعاون الدولي لوضع معايير قانونية موحدة.
5. دور المطورين والمشغلين في المسؤولية الجنائية: تفترض الدراسة أن المطورين والمشغلين يتحملون جزءًا من المسؤولية الجنائية عن الأفعال المرتكبة بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي، مما يستلزم تحديد نطاق هذه المسؤولية بوضوح.
حدود الدراسة
1. الحدود الموضوعية: تركز الدراسة على المسؤولية الجنائية المرتبطة بالأضرار أو الجرائم الناتجة عن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي.
2. الحدود المكانية: تشمل الدراسة الأطر القانونية في دول متقدمة، مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والدول العربية.
3. الحدود الزمانية: تعتمد الدراسة على تحليل التطورات القانونية في العقد الأخير، حيث شهدت هذه الفترة تطورًا كبيرًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.
الإطار العام للدراسة
نطاق الدراسة: تركز الدراسة على تحليل الجوانب القانونية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي، مع دراسة الأطر القانونية الحالية، تحديد الفجوات التشريعية، وتقديم توصيات لتطوير التشريعات لتواكب التطورات التكنولوجية المتسارعة.
منهجية الدراسة
تقوم منهجية هذه الدراسة على مجموعة من الأساليب البحثية التي تهدف إلى تقديم تحليل شامل لموضوع المسؤولية الجنائية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال:
1. المنهج التحليلي الوصفي: يعتمد هذا المنهج على تحليل القوانين والتشريعات القائمة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والمسؤولية الجنائية، وتقييم مدى فعاليتها في معالجة الإشكاليات المرتبطة بالأفعال المجرمة التي قد تنتج عن الأنظمة الذكية.
2. المنهج المقارن: نظرًا لحداثة الموضوع وتنوع الأطر القانونية على مستوى العالم، سيتم استخدام المنهج المقارن بين عدة تشريعات دولية، مثل قوانين الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والدول العربية. يهدف هذا المنهج إلى الاستفادة من التجارب الدولية وتحديد الثغرات القانونية وتقديم توصيات مناسبة.
3. المنهج الاستقرائي: سيتم استخدام هذا المنهج لدراسة وتحليل مجموعة من الحالات والتطبيقات العملية لأنظمة الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، بهدف استنباط القضايا القانونية التي قد تنشأ عن الأفعال التي تصدر عن هذه الأنظمة.
4. جمع وتحليل المصادر: ستعتمد الدراسة على مصادر متنوعة، تشمل:
المصادر الأولية: القوانين، التشريعات، الأنظمة المحلية والدولية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والمسؤولية الجنائية.
المصادر الثانوية: الكتب، الأبحاث والدراسات السابقة، المقالات الأكاديمية، والمراجع التي تقدم رؤى حول الموضوع.
أدوات التحليل
ستقوم الدراسة باستخدام أدوات التحليل القانوني لدراسة النصوص القانونية ومقارنة الأطر التشريعية، بالإضافة إلى الاستعانة بتحليل الدراسات السابقة لتحديد النقاط القانونية التي قد تتطلب تحديثاً أو تعديلاً.
تقسيم الدراسة:
الذكاء الاصطناعي والجريمة: الأطر القانونية للمسؤولية الجنائية في العصر الرقمي
المبحث الأول: “أثر الذكاء الاصطناعي في الجرائم الرقمية: التطور والتحديات القانونية”
المطلب الاول : تطور الجرائم التقليدية بفعل الذكاء الاصطناعي
المطلب الثاني: الأنماط الجديدة للجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
المطلب الثالث: التداعيات القانونية والأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الجرائم
المبحث الثاني: التحديات القانونية للمسؤولية الجنائية في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي
المطلب الاول : قصور الأطر القانونية التقليدية:
المطلب الثاني: الثغرات التشريعية المتعلقة بتحديد المسؤولية الجنائية
المطلب الثالث: التحديات التقنية وتأثيرها على صياغة التشريعات
المطلب الرابع: الحلول التشريعية والرقابية المقترحة
المبحث الأول
أثر الذكاء الاصطناعي في الجرائم الرقمية: التطور والتحديات القانونية
مقدمة
شهد العالم خلال العقود الأخيرة تطورًا تكنولوجيًا متسارعا أحدث تحولًا جذريًا في مختلف مناحي الحياة، حيث أضحى الذكاء الاصطناعي محركًا رئيسيًا للتغيير والتطوير. ومن بين المجالات التي تأثرت بهذا التطور، نجد مجال الجريمة، سواء من حيث طبيعتها أو أساليب ارتكابها. فقد أدى استخدام الذكاء الاصطناعي إلى إعادة تشكيل الجرائم التقليدية وإضافة أبعاد جديدة إليها، فضلًا عن ظهور أنماط مبتكرة ومعقدة من الجرائم الرقمية التي لم تكن معروفة في السابق. ولا تقتصر هذه التحولات على الجانب التقني فحسب، بل تمتد لتطرح تساؤلات قانونية وأخلاقية تتعلق بكيفية تنظيم هذه الظاهرة والحد من مخاطرها.
في هذا الإطار، يستعرض هذا المبحث تأثير الذكاء الاصطناعي في الجرائم الرقمية من خلال ثلاثة محاور رئيسية، حيث يتم تناول التطورات التي طرأت على الجرائم التقليدية، وظهور أنماط جديدة من الجرائم، وأخيرًا التداعيات القانونية والأخلاقية لهذه التحولات.
المطلب الأول: تطور الجرائم التقليدية بفعل الذكاء الاصطناعي
في ظل التقدم التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم، أصبح الذكاء الاصطناعي عاملًا محوريًا في إعادة تشكيل الجرائم التقليدية، حيث ساهم في تحويلها من أشكالها البسيطة إلى أشكال معقدة ومتطورة (عبد الرزاق، 2021، ص430-437)؛ وبهذا يُعد الذكاء الاصطناعي قوة دافعة تعزز من دقة وفعالية الجرائم التقليدية، ما أدى إلى تغيير طرق التخطيط والتنفيذ بشكل جذري.
1. في البداية، نجد أن الجرائم المالية والاحتيال شهدت نقلة نوعية مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت تعتمد على تحليلات دقيقة للبيانات الضخمة (Big Data) لتصميم عمليات احتيال متطورة تستهدف الضحايا بطرق يصعب اكتشافها (الشامسي، 2024، ص246-271). على سبيل المثال، تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل أنماط الإنفاق والتعرف على الثغرات في الأنظمة المالية بهدف تنفيذ عمليات احتيالية متقنة. (الشاعر، 2023)
إلى جانب ذلك، ظهرت تقنية التزييف العميق (Deepfake) كواحدة من أبرز التطبيقات التي غيرت قواعد اللعبة في الجرائم التقليدية(الرويلي، 2023). بفضل هذه التقنية، بات من الممكن إنتاج مقاطع فيديو أو تسجيلات صوتية مزيفة تُستخدم في انتحال الهوية أو الاحتيال المالي، مما يثير تساؤلات قانونية حول مصداقية الأدلة الرقمية ومدى إمكانية الاعتماد عليها.(تقنيات التزييف الصوتي العميق تمثل تهديدًا جديدًا للأمن الإلكتروني ،الجزيرة نت، 2021).
من ناحية أخرى، أتاحت التقنيات المتقدمة إمكانية تنفيذ جرائم سيبرانية مدعومة بالذكاء الاصطناعي(الاخنش والعيداني، 2023، ص528-544). وتشمل هذه الجرائم الفيروسات الذكية والهجمات الإلكترونية الذاتية التعلم، حيث تتمتع هذه البرمجيات بالقدرة على التحليل الذاتي وتطوير استراتيجيات هجوم جديدة بناءً على بيئاتها المستهدفة (الذكاء الاصطناعي ومكافحة الجريمة: تحديات وفرص.” موقع النجاح نت، 2022). وهذا يجعل من الصعب التنبؤ بها أو التصدي لها باستخدام آليات الحماية التقليدية (المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي والروبوتات.” دراسات وأبحاث، 2022)
كما أن تعقيد الأدلة الرقمية الناتجة عن الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي يُشكل تحديًا قانونيًا كبيرًا (تقنية التزييف العميق (Deepfake): كيف تعمل؟ وما هي مخاطرها؟” موقع النجاح نت،2021). فالقدرة على التحقق من صحة الأدلة الرقمية أصبحت أكثر صعوبة مع ظهور تقنيات التزييف العميق واستخدام أنظمة ذكاء اصطناعي تعمل بشكل مستقل (قاسم، 2023). هذه التعقيدات تتطلب تطوير أدوات قانونية وتقنية جديدة لضمان نزاهة الأدلة المقدمة في المحاكم. (العتريٍس، 2022، ص45-68)
في هذا المطلب، سيتم تناول هذه الجوانب بالتفصيل من خلال أربعة فروع رئيسية:
1. تأثير الذكاء الاصطناعي على الجرائم المالية والاحتيال.
2. دور تقنية التزييف العميق في الجرائم التقليدية.
3. الجرائم السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
4. تعقيد الأدلة الرقمية والمسؤولية الجنائية.
كل فرع سيُقدم رؤية شاملة ومفصلة حول الكيفية التي أدى بها الذكاء الاصطناعي إلى تغيير الجرائم التقليدية وإبراز الأبعاد القانونية التي يجب معالجتها.
الفرع الأول: تأثير الذكاء الاصطناعي على الجرائم المالية والاحتيال
ساهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز قدرات الجرائم المالية من خلال تقنيات تحليل البيانات الضخمة التي مكنت المجرمين من تحديد أنماط الإنفاق والسلوك المالي للأفراد والشركات، ما أدى إلى تصميم عمليات احتيالية متقدمة وموجهة بدقة عالية (الشامسي، 2022، ص246-271). تُعد رسائل البريد الإلكتروني الاحتيالية، المعروفة بـ”الهندسة الاجتماعية”، مثالًا بارزًا على ذلك، حيث تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لجعل الرسائل تبدو وكأنها صادرة عن جهات موثوقة، مما يسهل على المجرمين سرقة بيانات حساسة كأرقام الحسابات المصرفية وكلمات المرور.( الجزيرة نت،2021)
علاوة على ذلك، استُخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي في غسل الأموال بطرق مبتكرة تعتمد على العملات الرقمية مثل “البيتكوين”، حيث تتيح هذه العملات إجراء تحويلات مالية مشفرة ومعقدة تجعل عملية تتبع الأموال شبه مستحيلة (موقع النجاح نت، 2022). بالإضافة إلى ذلك، ساعدت أنظمة التعلم الآلي في تحليل شبكات الحوالات المالية واكتشاف الثغرات التي يمكن استغلالها لتنفيذ عمليات مالية غير قانونية دون اكتشافها. (قاسم، 2023، ص90-114)
الفرع الثاني: التزييف العميق (Deepfake) كأداة للجريمة
تُعد تقنية التزييف العميق (Deepfake) واحدة من أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الجرائم الحديثة، حيث تعتمد على خوارزميات التعلم العميق لإنشاء مقاطع فيديو أو تسجيلات صوتية تبدو واقعية للغاية، مما يجعلها أداة فعّالة في تنفيذ جرائم انتحال الهوية والاحتيال المالي. يتم استغلال هذه التقنية بشكل كبير في انتحال هوية شخصيات بارزة لأغراض التشهير أو الابتزاز، مما يؤدي إلى أضرار جسيمة تطال الأفراد والمجتمعات على حد سواء (العتريس، 2022، ص45-68)
في سياق الاحتيال المالي، تُستخدم تقنية التزييف العميق لإنشاء تسجيلات صوتية لمسؤولين تنفيذيين يطلبون تحويلات مالية عاجلة. هذا الاستخدام الاحتيالي يُعد من أبرز أشكال الهندسة الاجتماعية، حيث يقع الضحايا في الفخ بسبب واقعية المقاطع المزيفة (راي، 2021، ص123-135). علاوة على ذلك، أصبحت هذه التقنية تهدد مصداقية الأدلة الرقمية المستخدمة في الأنظمة القضائية، حيث يمكن تزوير مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية لتغيير الحقائق، مما يشكل تحديًا قانونيًا كبيرًا يتطلب تطوير آليات فعّالة للتحقق من الأدلة الرقمية.( الجزيرة نت،2021)
الفرع الثالث: الجرائم السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
أصبحت الجرائم السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي من أكثر التحديات التي تواجه الأنظمة القانونية والتكنولوجية في العصر الحديث. تعتمد هذه الجرائم على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل التعلم الآلي والتعلم العميق لتطوير برمجيات هجومية قادرة على تنفيذ عمليات معقدة وفعالة بشكل يفوق القدرات البشرية التقليدية (عبد الرزاق، 2021، ص430-437). هذه البرمجيات ليست فقط قادرة على استهداف أنظمة الحماية المتطورة، بل لديها أيضًا القدرة على التكيف والتطور وفقًا للتحديات التي تواجهها، مما يجعل عملية الكشف عنها أو التصدي لها أكثر تعقيدًا. (بن علي، 2023، ص39-63)
التطبيقات السيئة للذكاء الاصطناعي في الجرائم السيبرانية
تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء برمجيات خبيثة مثل الفيروسات الذكية وبرمجيات الفدية (Ransomware) التي تتمتع بقدرات تحليلية عالية لفهم الأنظمة المستهدفة والتغلب على أنظمة الحماية التقليدية. على سبيل المثال، تمكّن الذكاء الاصطناعي من تصميم فيروسات قادرة على تحليل الأنماط الأمنية واختيار النقاط الأضعف للهجوم، مما يجعل الأنظمة الأمنية التقليدية غير فعالة في مواجهتها (بن علي، 2023، ص39-63) بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم تقنيات التزييف العميق لتسهيل الهجمات السيبرانية من خلال إنشاء هويات رقمية مزيفة تستغل الثقة الرقمية، سواء في المؤسسات المالية أو الحكومية. (الرويلي، 2023، ص98-113)
الهجمات الذاتية التعلم
تُعتبر البرمجيات ذاتية التعلم واحدة من أخطر أنواع الهجمات السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. تتمتع هذه البرمجيات بقدرة على تحليل الأنظمة المستهدفة واستنتاج طرق جديدة للهجوم بناءً على نقاط الضعف المكتشفة. هذه الديناميكية تجعل من الصعب التنبؤ بتصرفات هذه البرمجيات أو وضع خطط استباقية للتصدي لها(جونز،2022، ص125-146). على سبيل المثال، يمكن لبرمجيات خبيثة مدعومة بالتعلم الآلي أن تتعلم كيفية تجاوز نظام أمني معين من خلال التجربة والمحاكاة الافتراضية قبل تنفيذ الهجوم الفعلي. (مغايرة، 2021، ص45-68)
تتناول هذه الدراسة دور الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الاحتيال المصرفي من خلال تطبيقات الأمن السيبراني، مع التركيز على تجربة بنك Danske الدنماركي. توصلت الدراسة إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي ساهم في الكشف عن 50% من حالات الاحتيال الفعلي، مما يعزز الأمان المالي الرقمي.
يمكن أن توفر هذه الدراسة رؤى قيمة حول كيفية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مكافحة الاحتيال المالي في البنوك.
شهدت الجرائم التقليدية تحولًا كبيرًا بفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت الأدلة الرقمية الناتجة عنها أكثر تعقيدًا، مما يثير العديد من التحديات القانونية والجنائية. من أبرز الإشكاليات التي تطرحها هذه الأدلة هو التحقق من مصداقيتها وصحتها في ظل تطور تقنيات مثل التزييف العميق (Deepfake). هذه التقنيات قادرة على إنشاء مقاطع فيديو وصوت مزيفة تبدو حقيقية تمامًا، مما يجعل من الصعب على المحاكم تحديد مدى صحة الأدلة الرقمية واستخدامها لإثبات الوقائع. (عبد الرزاق، 2021، ص430-437)
إضافة إلى ذلك، يُعقّد الذكاء الاصطناعي مسألة تحديد المسؤولية الجنائية في الجرائم التي تتورط فيها أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقلة. الأسئلة المتعلقة بمن يتحمل المسؤولية—هل هو المستخدم الذي شغّل النظام، أم المبرمج الذي صممه، أم الشركة المطورة للتقنية؟ تثير جدلًا قانونيًا واسعًا. فمثلًا، إذا تسبب نظام ذكاء اصطناعي في اتخاذ قرار أدى إلى جريمة، يصبح من الصعب تحديد من يتحمل المسؤولية، خاصة إذا كان النظام يعمل بشكل مستقل عن التدخل البشري المباشر(الأخنش، والعيداني، 2023، ص528-544).
كما تواجه الأنظمة القانونية صعوبة في التكيف مع سرعة التطورات التقنية. الأدلة الرقمية الناتجة عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تكون مشفرة ومعقدة، مما يستدعي وجود فرق متخصصة من المحققين الرقميين الذين يمتلكون القدرة على تحليل هذه الأدلة. على سبيل المثال، البرمجيات ذاتية التعلم يمكن أن تتطور بمرور الوقت، مما يجعل من الصعب تعقب نشاطها أو إثبات صلتها بجريمة محددة. (مغايرة، 2021، ص45-68)
من جهة أخرى، تُستخدم تقنيات التزييف العميق في تزوير الهوية الرقمية، وهو ما يساهم في تعقيد الجرائم المرتبطة بالتحايل المالي والابتزاز الإلكتروني. هذه التقنيات يمكن أن تُستخدم لإنشاء هويات مزيفة تُستغل في معاملات مصرفية أو لإقناع جهات معينة باتخاذ قرارات مالية أو إدارية خاطئة، مما يخلق تحديات جديدة في مواجهة هذا النوع من الجرائم. (الفلاس، 2021، ص78-102)
إضافةً إلى ذلك، تحتاج الأنظمة القانونية إلى تطوير أطر تشريعية تُحدد كيفية التعامل مع الأدلة الرقمية، بما يضمن التوازن بين حماية الأفراد من الجرائم السيبرانية المتطورة وعدم تقييد الابتكار التكنولوجي. كما أن وضع معايير تقنية وقانونية لمراجعة الأدلة الرقمية، بالتعاون مع خبراء التكنولوجيا، سيضمن توفير نظام عدالة أكثر كفاءة. (المديني، 2023، ص77-96)
المطلب الثاني: الأنماط الجديدة للجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
مقدمة
مع التقدم الكبير الذي شهده العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، لم تعد الجرائم مقتصرة على الأساليب التقليدية، بل انتقلت إلى استخدام تقنيات متطورة تعتمد على الخوارزميات الذكية والتعلم الآلي. هذا التحول النوعي أدى إلى ظهور أنماط جديدة من الجرائم التي لم يكن من الممكن تصورها في الماضي. استغل المجرمون الذكاء الاصطناعي كأداة فعالة لتنفيذ أعمالهم بطرق مبتكرة ومعقدة، ما يجعل مواجهتها أصعب بكثير من الجرائم التقليدية.
تشمل هذه الجرائم أنماطًا متعددة مثل استغلال الأنظمة الذاتية التعلم، الهجمات الناتجة عن الأتمتة والتحكم الآلي، والاستغلال غير المشروع للبيانات الضخمة. في هذا السياق، تظهر تحديات قانونية وأخلاقية تتعلق بكيفية مواجهة هذه الجرائم وتحديد المسؤولية عن الأفعال التي تُرتكب باستخدام الذكاء الاصطناعي. فيما يلي، سنتناول هذه الأنماط بالتفصيل، مع التوسع في إبراز آثارها وآليات مواجهتها.
أولًا: الأنظمة الذاتية التعلم والذكاء المستقل
تعتبر الأنظمة الذاتية التعلم أحد أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي التي تُغير وجه العالم. هذه الأنظمة تعتمد على خوارزميات قادرة على تحليل البيانات، التعلم منها، والتكيف مع التغيرات في البيئة المحيطة دون تدخل بشري مباشر. بينما تُستخدم هذه التقنيات في مجالات مشروعة، مثل تحسين الكفاءة الصناعية وتطوير أنظمة الرعاية الصحية، إلا أن استغلالها من قبل المجرمين يُحوّلها إلى سلاح ذكي شديد الخطورة. (قاسم، 2023، ص12-145)
استغلال الأنظمة الذاتية التعلم:
من الأمثلة البارزة لاستغلال الأنظمة الذاتية التعلم، تطوير برمجيات هجومية قادرة على تحليل أنظمة الحماية الإلكترونية. تعمل هذه البرمجيات بشكل مستقل، حيث تتعلم من الفشل في اختراق الأنظمة وتعيد برمجتها للتغلب على العوائق الأمنية. على سبيل المثال، إذا واجهت البرمجيات جدارًا ناريًا معقدًا، فإنها تستخدم تقنيات التعلم العميق لاكتشاف نقاط الضعف واستغلالها (الاخنش، والعيداني، 2023، ص528-544)
التحديات القانونية:
مع استقلالية هذه الأنظمة، تظهر تساؤلات قانونية حول من يتحمل المسؤولية في حال ارتكابها لجريمة. هل هو المستخدم الذي استغل النظام؟ أم المطور الذي صمم الخوارزمية؟ أم أن النظام ذاته يجب أن يُعامل ككيان قانوني مستقل؟ هذه التساؤلات تُبرز الحاجة إلى تطوير قوانين تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة المستقلة للذكاء الاصطناعي)الاخنش، والعيداني، 2023، ص528-544)
ثانيًا: الجرائم الناتجة عن الأتمتة والتحكم الآلي
تلعب الأتمتة دورًا كبيرًا في البنية التحتية الحديثة، بدءًا من النقل والمركبات ذاتية القيادة وصولًا إلى إدارة شبكات الطاقة. ومع ذلك، فإن هذه الأنظمة أصبحت هدفًا رئيسيًا للهجمات الإلكترونية التي تُستخدم فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي.
الهجمات على البنية التحتية الحيوية:
من أخطر الجرائم الناتجة عن الأتمتة، الهجمات التي تستهدف شبكات الكهرباء. على سبيل المثال، استغل مجرمون الذكاء الاصطناعي لتعطيل شبكات الطاقة في إحدى الدول، ما أدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة وانقطاع التيار الكهربائي عن ملايين المواطنين (الدسوقي، 2022، ص45-68).
المركبات ذاتية القيادة:
أصبحت المركبات ذاتية القيادة هدفًا آخر لهذه الهجمات. حيث يُمكن اختراق أنظمتها للتحكم فيها عن بُعد، مما يُتيح للمجرمين استخدامها في تنفيذ جرائم مثل إحداث حوادث متعمدة أو تعطيل حركة المرور(الدسوقي، 2022، ص45-68).
التحديات القانونية:
تفرض هذه الجرائم تحديات جديدة على الأنظمة القانونية. فمن المسؤول عن الضرر الناتج عن استغلال هذه الأنظمة؟ وكيف يمكن تأمين هذه الأنظمة ضد الهجمات؟ الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب تطوير أطر قانونية جديدة لتغطية هذه الحالات الطارئة.(الشاعر، 2023، ص1-37)
ثالثًا: استغلال البيانات الضخمة وتحليلها
البيانات الضخمة هي العنصر الأساسي الذي يدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن استغلال هذه البيانات لأغراض غير قانونية يُمثل أحد أخطر أنماط الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
التلاعب السياسي:
تُستخدم البيانات الضخمة لتحليل سلوك الناخبين واستهدافهم بحملات تضليلية تؤثر على نزاهة الانتخابات. هذه الحملات تعتمد على تحليل البيانات الشخصية وإنشاء رسائل موجهة تستهدف نقاط ضعف الناخبين، مما يؤدي إلى تشويه العمليات الديمقراطية. (الفلاسي، 2021، ص78-102)
الابتزاز الرقمي:
في سياق آخر، تُستخدم البيانات الضخمة في الابتزاز الرقمي، حيث يتم جمع معلومات حساسة عن الأفراد أو الشركات وتهديدهم بنشرها ما لم يتم دفع فدية. هذه الجرائم تتسم بالدقة والتعقيد، ما يجعل اكتشافها ومواجهتها أمرًا صعبًا. (عبد الرزاق، 2021، ص430-437)
الأثر القانوني:
يُبرز استغلال البيانات الضخمة الحاجة إلى قوانين أكثر صرامة لحماية البيانات الشخصية وضمان استخدامها بشكل قانوني وأخلاقي. كما أن هذه القوانين يجب أن تُركز على تحسين أدوات مكافحة الجرائم الإلكترونية وتقليل فرص استغلال البيانات بشكل غير مشروع. (عبد الرزاق، 2021، ص430-437)
رابعًا: التحديات القانونية والأخلاقية
الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تُثير تحديات قانونية وأخلاقية عميقة، منها:
تحديد المسؤولية الجنائية:
من يتحمل المسؤولية إذا ارتكبت جريمة باستخدام نظام ذكاء اصطناعي؟ هل هو المستخدم، المطور، أم النظام ذاته؟ هذه الإشكالية تحتاج إلى إجابة واضحة لتجنب الثغرات القانونية التي يُمكن أن يستغلها المجرمون(عبد الرزاق، 2021، ص430-437)
إثبات الأدلة:
تُعتبر الأدلة الرقمية الناتجة عن هذه الجرائم معقدة للغاية. على سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات مثل التزييف العميق (Deepfake) لإنشاء أدلة مزيفة تبدو واقعية تمامًا، مما يُعقد عملية التحقق من صحة الأدلة أمام المحاكم (عبد الرزاق، 2021، ص430-437)
في الختام
تمثل الأنماط الجديدة للجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تحديًا كبيرًا للأنظمة القانونية التقليدية. تتطلب هذه الجرائم فهمًا عميقًا للتقنيات المستخدمة وآليات عملها، بالإضافة إلى تطوير قوانين وتشريعات جديدة تُواكب التغيرات السريعة في هذا المجال. إن التصدي لهذه الجرائم ليس مسؤولية قانونية فقط، بل هو أيضًا مسؤولية اجتماعية وأخلاقية لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة للخير.
المطلب الثالث: التداعيات القانونية والأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الجرائم
مقدمة
يشهد العالم تطورًا غير مسبوق في تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي باتت تؤثر على كل جانب من جوانب الحياة، من تحسين الإنتاجية إلى تسهيل العمليات اليومية. ومع ذلك، فإن هذه الابتكارات التقنية جلبت معها تحديات غير متوقعة، خاصة في السياق الجنائي. إذ أصبح الذكاء الاصطناعي أداة فعالة ليس فقط لتعزيز الابتكار، بل أيضًا لتطوير أشكال جديدة من الجرائم أو تعقيد الجرائم التقليدية. هذه الجرائم تثير تساؤلات حول مدى استعداد الأنظمة القانونية لمواجهة هذه التحديات، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتحديد المسؤولية وإثبات الأدلة، فضلاً عن معالجة القضايا الأخلاقية المرتبطة بتنظيم هذه التقنيات.
بناءً على ذلك، ينقسم هذا الفرع إلى ثلاثة محاور رئيسية تسلط الضوء على التداعيات القانونية والأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الجرائم. في المحور الأول، سنتناول المسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بينما يتناول المحور الثاني إثبات الأدلة الرقمية الناتجة عن هذه الجرائم. وأخيرًا، يُركز المحور الثالث على الاعتبارات الأخلاقية التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تنظيم استخدام هذه التقنية المتطورة.
أولًا: المسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
تُعد مسألة تحديد المسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي من أكثر الإشكاليات تعقيدًا في النظام القانوني الحديث. ويعود السبب إلى الطبيعة المستقلة لهذه الأنظمة، والتي تُثير تساؤلات حول الطرف المسؤول عن الأفعال الناتجة عنها. فهل المسؤولية تقع على المستخدم الذي استغل النظام لتحقيق أهداف غير قانونية؟ أم تتحمل الشركة المطورة للنظام جزءًا من المسؤولية بسبب الإهمال أو العيوب البرمجية؟ أم يُمكن النظر إلى الذكاء الاصطناعي نفسه ككيان قانوني مستقل يتحمل المسؤولية عن أفعاله؟
بدايةً، يُعتبر المستخدم عادةً الطرف الأساسي المسؤول في مثل هذه القضايا. فهو الجهة التي تستغل النظام لتوجيهه نحو تحقيق أهداف إجرامية، مثل اختراق الأنظمة الأمنية أو تنفيذ عمليات احتيال مالي. ومع ذلك، فإن هذه النظرة التقليدية قد لا تكون كافية في بعض الحالات، خاصة إذا كان للنظام درجة من الاستقلالية(كتيب، 2025، ص12-15). على سبيل المثال، إذا كانت برمجيات الذكاء الاصطناعي تحتوي على خوارزميات تتيح اتخاذ قرارات مستقلة، فمن يتحمل المسؤولية إذا أدى ذلك إلى ارتكاب جريمة؟
من جهة أخرى، تتحمل الشركات المطورة مسؤولية إضافية في حال إغفال معايير الأمان أو تطوير أنظمة تُسهل استغلالها لأغراض إجرامية. على سبيل المثال، إذا كانت الثغرات البرمجية أو غياب بروتوكولات الحماية سببًا مباشرًا في تمكين الجريمة، فقد يتم تحميل الشركة جزءًا من المسؤولية القانونية.
ما يزيد النقاش تعقيدًا هو الاقتراحات الحديثة التي تدعو إلى معاملة الذكاء الاصطناعي ككيان قانوني مستقل. ورغم أن هذا الطرح يثير جدلًا واسعًا، إلا أنه يهدف إلى مواكبة التطور التكنولوجي والتعامل مع الطبيعة الفريدة لهذه الأنظمة. ومع ذلك، فإن تطبيق هذا المفهوم يفتح الباب أمام تساؤلات جديدة: كيف تُحدد العقوبة لنظام غير مادي؟ وهل يمكن تطبيق العقوبات التقليدية عليه؟(ضبيشة، 2025، ص33-40)
ثانيًا: إثبات الأدلة الرقمية في الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
تعد الأدلة الرقميه ركنًا أساسيًا في أي قضية جنائية تتعلق بالذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن تعقيد الأدلة الناتجة عن هذه الأنظمة يُضيف تحديات كبيرة أمام الأنظمة القضائية. فمعظم الأدلة الناتجة عن الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تكون رقمية، مما يطرح تساؤلات حول موثوقيتها وإمكانية قبولها في المحاكم.
على سبيل المثال، تُعد تقنية التزييف العميق (Deepfake) من أبرز التقنيات التي تُعقد مسألة إثبات الأدلة. إذ يمكن استخدام هذه التقنية لتزوير مقاطع فيديو أو تسجيلات صوتية تبدو حقيقية تمامًا، مما يجعل من الصعب التحقق من صحتها. وقد تُستخدم هذه الأدلة لتضليل السلطات أو توجيه اتهامات زائفة، مما يُبرز الحاجة إلى أدوات تقنية متطورة قادرة على كشف التلاعب وضمان صحة الأدلة . (دهشان، 2025، ص45-50)
علاوة على ذلك، تظهر إشكاليات قانونية تتعلق بقبول الأدلة الناتجة عن أنظمة الذكاء الاصطناعي. إذ قد تحتوي هذه الأنظمة على تحيزات تؤثر على نتائجها، مما يثير تساؤلات حول مدى نزاهتها. على سبيل المثال، إذا كان النظام الذي يُنتج الأدلة قد صُمم بواسطة شركة معينة، فكيف يمكن ضمان حياديته؟ وهل تتحمل الشركة المطورة مسؤولية أي أخطاء تظهر في الأدلة الناتجة؟ (فرصة 2024. ص 10-12)
هذا التداخل بين التحديات التقنية والقانونية يُبرز الحاجة إلى وضع معايير واضحة لقبول الأدلة الرقمية. وتشمل هذه المعايير ضمان صحة الأدلة، والتحقق من حيادية الأنظمة، ووضع بروتوكولات تُنظم عملية جمع وتحليل الأدلة في القضايا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. (مركز أضواء للدراسات. ص 18-22)
ثالثًا: الاعتبارات الأخلاقية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي
إلى جانب القضايا القانونية، تثير الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قضايا أخلاقية تتعلق باستخدام هذه التقنية بطرق مسؤولة. ومن أبرز هذه القضايا حماية الخصوصية، وضمان العدالة، ومنع إساءة استخدام التكنولوجيا.
أحد أبرز التحديات الأخلاقية هو حماية الخصوصية. إذ تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات الشخصية، مما يجعلها عرضة للاستغلال إذا لم تُنظم بشكل صارم. على سبيل المثال، قد تُستخدم البيانات لتحليل سلوك الأفراد أو استهدافهم بحملات تضليلية تؤثر على قراراتهم الشخصية أو السياسية (مدونة QIT 2023. ص 30-35)
من جهة أخرى، يجب أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي شفافة وعادلة في قراراتها. فقد تحتوي هذه الأنظمة على تحيزات تؤدي إلى نتائج غير منصفة تُؤثر على حياة الأفراد، مما يُبرز الحاجة إلى آليات تُحقق الشفافية وتُتيح تفسير القرارات التي تتخذها هذه الأنظمة) (.
أخيرًا، يُثار تساؤل حول كيفية تحقيق التوازن بين الابتكار ومنع إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي. فرغم الحاجة إلى تنظيم صارم يمنع الجرائم، يجب ألا تعيق هذه التنظيمات التطور التكنولوجي. وبالتالي، يتطلب الأمر وضع أطر قانونية متوازنة تُعزز الابتكار وتحد من المخاطر المرتبطة باستخدام هذه التقنية) (.
الخاتمة
إن التداعيات القانونية والأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تُبرز الحاجة إلى إعادة صياغة الأنظمة القانونية والأخلاقية بما يواكب التغيرات السريعة في هذا المجال. من الضروري وضع تشريعات تُغطي الجوانب المختلفة لهذه التحديات، بما في ذلك المسؤولية الجنائية، إثبات الأدلة، وحماية الخصوصية. التصدي لهذه التحديات يتطلب تعاونًا دوليًا وأطرًا تنظيمية تُوازن بين تشجيع الابتكار ومنع إساءة استخدام التكنولوجيا.
ما يراه الباحث في المبحث الأول “أثر الذكاء الاصطناعي في الجرائم الرقمية: التطور والتحديات القانونية”
يرى الباحث أن الذكاء الاصطناعي أحدث نقلة نوعية في طبيعة الجرائم التقليدية وأوجد أنماطًا جديدة من الجرائم الرقمية، مما يفرض تحديات قانونية غير مسبوقة تتطلب تطوير التشريعات الحالية لمواكبة هذا التطور. فالذكاء الاصطناعي لم يكتفِ بإعادة تشكيل الجرائم التقليدية، بل أدى إلى تعقيد الأدلة الرقمية وتوسيع نطاق الجرائم ليشمل أفعالًا كانت غير متوقعة من قبل.
أولًا: تطور الجرائم التقليدية بفعل الذكاء الاصطناعي
يرى الباحث أن الجرائم التقليدية مثل الاحتيال المالي والتزييف أصبحت أكثر تعقيدًا بفضل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث باتت هذه الجرائم تعتمد على تحليل البيانات الضخمة وابتكار أساليب دقيقة تُصعب اكتشافها. ويُعد التزييف العميق أبرز الأمثلة على ذلك، حيث تُستخدم هذه التقنية لإنشاء مقاطع فيديو وصور مزيفة تبدو حقيقية تمامًا، مما يهدد نزاهة الأدلة الرقمية أمام المحاكم.
وللتعامل مع هذا التحدي، يرى الباحث ضرورة وضع تشريعات تُلزم الشركات المطورة لهذه التقنيات بدمج أدوات تحقق مضادة مثل العلامات المائية الرقمية، مع تدريب المحققين والقضاة على فهم طبيعة الأدلة الرقمية وتقييمها. ويؤكد الباحث أن هذه التدابير تُسهم في الحفاظ على نزاهة العملية القضائية وتعزيز قدرة النظام القانوني على مواجهة الجرائم الرقمية.
ثانيًا: ظهور أنماط جديدة من الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
يرى الباحث أن الذكاء الاصطناعي قد أوجد أنماطًا جديدة من الجرائم التي تعتمد على الأنظمة الذاتية التعلم، مما يطرح إشكاليات قانونية معقدة. فالهجمات السيبرانية أصبحت أكثر تطورًا واستقلالية، حيث تعتمد البرمجيات الخبيثة على التعلّم الذاتي لتطوير استراتيجياتها الهجومية. كما أن الهجمات على البنية التحتية الحيوية، مثل شبكات الكهرباء وأنظمة النقل، تُبرز مدى خطورة استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق غير مشروعة.
في هذا السياق، يرى الباحث أن التشريعات يجب أن تُلزم المؤسسات باستخدام أنظمة ذكاء اصطناعي وطنية ومستقلة قادرة على حماية البنية التحتية من الاختراقات. كما يؤكد الباحث على ضرورة تعزيز التعاون بين المؤسسات التقنية والحكومات لتطوير تقنيات مضادة للهجمات السيبرانية وضمان استخدامها بشكل آمن.
من جانب آخر، يرى الباحث أن استغلال البيانات الضخمة يُعد تهديدًا كبيرًا للخصوصية والأمن الرقمي. فالبيانات التي تُجمع لأغراض مشروعة قد تُستخدم لاحقًا لأغراض غير قانونية مثل التلاعب السياسي والابتزاز الرقمي. ويؤكد الباحث على ضرورة وضع تشريعات صارمة تحمي البيانات الشخصية وتُجرّم إساءة استخدامها، مع فرض عقوبات رادعة على المخالفين.
ثالثًا: التداعيات القانونية والأخلاقية للجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
يرى الباحث أن الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تُثير تساؤلات قانونية جوهرية، خاصة فيما يتعلق بتحديد المسؤولية الجنائية. فالأنظمة الذكية التي تعمل باستقلالية تطرح تحديات جديدة حول من يتحمل المسؤولية عند وقوع جريمة: المطور، المستخدم، أم النظام نفسه؟
في هذا الإطار، يرى الباحث أن الحل يكمن في استحداث مفهوم “المسؤولية الافتراضية” الذي يجعل الأنظمة الذكية مسؤولة قانونيًا ضمن حدود معينة. كما يرى أن المسؤولية يجب أن تُوزع بين الأطراف المختلفة بناءً على دورهم في تصميم النظام وتشغيله. على سبيل المثال، يتحمل المطور المسؤولية إذا كان النظام مصممًا بطريقة غير آمنة، بينما يتحمل المستخدم المسؤولية إذا استغل النظام لأغراض غير مشروعة.
وفيما يتعلق بالأدلة الرقمية، يرى الباحث أن صعوبة إثباتها تُعد واحدة من أكبر التحديات القانونية. لذلك، يؤكد على ضرورة تطوير بروتوكولات واضحة تُحدد معايير قبول الأدلة الرقمية أمام المحاكم، مع توفير أدوات تقنية متقدمة للتحقق من صحتها. كما يرى أن إشراك خبراء تقنيين في مراحل التقاضي يُعد أمرًا ضروريًا لضمان نزاهة ودقة الإجراءات القضائية.
من الجانب الأخلاقي، يرى الباحث أن استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يخضع لضوابط صارمة تضمن حماية حقوق الأفراد وعدم انتهاك خصوصيتهم. ويقترح وضع إطار أخلاقي شامل يُلزم الشركات المطورة بتوفير تقارير شفافية توضح كيفية اتخاذ الأنظمة لقراراتها، مع فرض عقوبات على الانتهاكات الأخلاقية.
ختامًا: الرؤية الشاملة للمبحث الأول
يرى الباحث أن مواجهة الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تتطلب استجابة شاملة تشمل:
1. تحديث التشريعات القانونية لتواكب تطورات التقنية.
2. تعزيز التعاون الدولي لوضع أطر قانونية موحدة لمكافحة الجرائم العابرة للحدود.
3. تطوير أدوات تقنية متقدمة لتحليل الأدلة الرقمية والتحقق من صحتها.
4. إنشاء هيئات رقابية وطنية ودولية تُشرف على استخدام الذكاء الاصطناعي.
5. تعزيز التوعية المجتمعية بمخاطر الجرائم الرقمية وسبل الوقاية منها.
بهذا، يؤكد الباحث أن الذكاء الاصطناعي، رغم ما يقدمه من فوائد، يحمل تحديات قانونية وأخلاقية كبيرة تتطلب تعاملًا متوازنًا لضمان الاستخدام المسؤول الذي يخدم المجتمع ويحمي الحقوق.
المبحث الثاني:التحديات القانونية للمسؤولية الجنائية في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي
مقدمة
مع التطور المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخدامها في مختلف جوانب الحياة، برزت تحديات قانونية غير مسبوقة تتطلب إعادة النظر في الأطر القانونية التقليدية. الأنظمة الذكية، التي تمتاز بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ قرارات ذاتية بناءً على خوارزميات معقدة، تطرح إشكاليات قانونية تمتد من تحديد المسؤوليات الجنائية إلى صياغة تشريعات قادرة على التعامل مع هذا التطور التكنولوجي المتسارع.
المسؤولية الجنائية تاريخيًا مبنية على فكرة الفاعل البشري الذي يتحمل نتائج أفعاله الإرادية. لكن الذكاء الاصطناعي قلب هذه المعادلة، إذ يُمكن للأنظمة الذكية أن تقوم بأفعال تؤثر على حياة الأفراد والمجتمعات دون تدخل بشري مباشر. على سبيل المثال، السيارات ذاتية القيادة قد تُسبب حوادث مرورية، أو أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في القطاع الطبي قد تُصدر قرارات خاطئة تؤدي إلى أضرار جسيمة، مما يضع النظام القانوني أمام تحدٍّ كبير لتحديد المسؤولية.
إحدى التحديات الكبرى هي غياب إطار قانوني واضح وشامل يُنظم استخدام الأنظمة الذكية ويُحدد المسؤولية الجنائية المترتبة عليها ولذلك فأن القوانين التقليدية التي تستند إلى فكرة القصد الجنائي المباشر أو الإهمال البشري، تُظهر عجزًا واضحًا في التعامل مع الأفعال الناتجة عن أنظمة تعمل بطريقة ذاتية التعلم، مما يُعقد من عملية المحاسبة الجنائية.
علاوة على ذلك، فإن غياب معايير محددة لتوزيع المسؤوليات بين الأطراف المختلفة، مثل المطورين، المشغلين، والمستخدمين النهائيين، يزيد من تعقيد المشهد القانوني. كما أن التعقيد التقني لهذه الأنظمة، وخصوصًا فيما يتعلق بالخوارزميات المستخدمة، يجعل من الصعب على الجهات التشريعية والقضائية فهم كيفية عمل هذه الأنظمة، مما يؤثر على دقة التشريعات وكفاءتها.
ما سيتم بحثه في هذا المبحث
في هذا المبحث، سيتم تناول التحديات القانونية للمسؤولية الجنائية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي من خلال مطلبين رئيسين كل منها يُسلط الضوء على جانب مختلف من هذه التحديات:
المطلب الأول: قصور الأطر القانونية التقليدية في التعامل مع الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
سيتم مناقشة كيف أن القوانين الحالية، التي بُنيت على مفهوم الفاعل البشري، تُظهر محدوديتها في التعامل مع الجرائم المرتبطة بالأنظمة الذكية.
المطلب الثاني: الحلول التشريعية والرقابية المقترحة
يناقش هذا المطلب أهمية وضع حلول تشريعية ورقابية تواكب التطورات التقنية وتحديات الذكاء الاصطناعي، بهدف تحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي وحماية الحقوق الأساسية. سيتم تسليط الضوء على ضرورة وضع تشريعات دقيقة تُحدد المسؤوليات القانونية لجميع الأطراف الفاعلة، سواء المطورين أو المستخدمين، مع تعزيز الشفافية والمساءلة. كما سيتطرق المطلب إلى أهمية إنشاء هيئات رقابية مستقلة تختص بمراقبة تطبيق الأنظمة الذكية، وتقييم مدى توافقها مع المعايير الأخلاقية والقانونية، فضلاً عن تعزيز التعاون الدولي لتطوير معايير موحدة للتعامل مع الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي.
هدف المبحث
يهدف هذا المبحث إلى تقديم تحليل شامل للتحديات القانونية التي تواجه المسؤولية الجنائية في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي، مع تقديم حلول عملية تتماشى مع التطورات التكنولوجية. ومن خلال تناول هذه المحاور، يسعى المبحث إلى تحقيق التوازن بين تشجيع الابتكار التكنولوجي وضمان حماية الحقوق والمصالح القانونية للأفراد والمجتمع.
المطلب الأول: قصور الأطر القانونية التقليدية في التعامل مع الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
مع تزايد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، ظهرت تحديات قانونية تتعلق بقدرة الأطر القانونية التقليدية على التعامل مع هذا التطور؛ إذ أن هذه الأطر بُنيت في الأساس للتعامل مع أفعال بشرية واضحة ومباشرة، وهو ما يجعلها عاجزة عن مواجهة الجرائم المرتبطة بأنظمة ذاتية التعلم تعمل بطرق مستقلة وغير تقليدية.
هذا المطلب يُسلط الضوء على مظاهر القصور في الأطر القانونية التقليدية من خلال استعراض فرعين رئيسيين
الفرع الأول يتناول محدودية القوانين الحالية في استيعاب الجرائم الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مركّزًا على الفجوات التي تعيق محاسبة الأطراف المسؤولة.
الفرع الثاني: إشكالية القصد الجنائي والنية المفترضة: تحديات الإثبات في أفعال الأنظمة الذكية.
تطرح أفعال الأنظمة الذكية إشكالية جوهرية تتعلق بالقصد الجنائي، إذ تعتمد القوانين الجنائية التقليدية على وجود نية ووعي بشري لتحديد المسؤولية. هذا يجعل التعامل مع الأنظمة الذكية، التي تعمل باستقلالية وتفتقر للإرادة البشرية، تحديًا قانونيًا يتطلب إعادة النظر في الأسس التقليدية للمساءلة الجنائية.
سنناقش في هذا الفرع عدة محاور رئيسية، تشمل غياب الإرادة البشرية المباشرة وتأثيرها على إثبات القصد الجنائي، ومفهوم النية المفترضة كأداة قانونية للتعامل مع الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. كما سنستعرض تحديات الإثبات في السياقات المختلفة مثل القطاع الطبي، النقل، والتمويل، ونقترح حلولًا قانونية للتعامل مع هذه الإشكاليات بما يضمن تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية القانونية.
سيسعى هذا المطلب إلى تقديم تحليل شامل لهذه النقاط، مع إبراز الحاجة إلى تطوير تشريعات تُواكب طبيعة الذكاء الاصطناعي ككيان غير بشري، لكنه يمتلك القدرة على إحداث أفعال قد تكون ذات تأثير جنائي.
الفرع الأول: محدودية القوانين الحالية في استيعاب الجرائم الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
مقدمة
شهدت العقود الأخيرة تطورًا نوعيًا في التكنولوجيا، مع دخول الذكاء الاصطناعي كعنصر أساسي في مختلف المجالات. لم يعد تأثير الذكاء الاصطناعي مقتصرًا على تحسين الكفاءة وتعزيز الإنتاجية، بل امتد ليشمل أدوارًا جديدة، منها ارتكاب جرائم تتسم بتعقيد يفوق الجرائم التقليدية. الأنظمة القانونية التقليدية، التي صُممت للتعامل مع أفعال بشرية مباشرة، تجد نفسها غير قادرة على التعامل مع جرائم تعتمد على خوارزميات تعمل بشكل مستقل، مما يكشف عن فجوات تشريعية حادة. (Darling, 2017, pp 121-135)
أثار هذا التحول النوعي تساؤلات ملحة: هل تستطيع القوانين الحالية استيعاب طبيعة الجرائم الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي؟ وما هي التحديات التي تواجه الأنظمة القانونية في ظل هذا التغير الجذري؟ (oecd, 2020)
التحول الجذري في أنماط الجريمة
أدى انتشار الذكاء الاصطناعي إلى تغير جذري في أنماط الجريمة، حيث لم تعد الجرائم تقتصر على الأفعال التقليدية التي تتطلب وجود فاعل بشري مباشر، بل ظهرت أنماط جديدة تعتمد على التكنولوجيا الذكية.
من أبرز الأمثلة تقنيات التزييف العميق (Deepfake)، التي تُستخدم في إنشاء مقاطع فيديو مزيفة تُستغل في الابتزاز، تدمير السمعة، أو التلاعب بالعمليات الديمقراطية مثل الانتخابات. (European Union Agency for Cybersecurity, 2023, pp12-34)
كذلك، ظهرت الهجمات السيبرانية ذاتية التعلم، حيث تقوم الأنظمة الذكية بتحليل الشبكات المستهدفة وتطوير أساليب هجومية بناءً على تلك التحليلات، مما يجعل التصدي لها أكثر صعوبة وتعقيدًا . (Ronald et al, 2022, pp 456-470)
هذه التطورات تطرح تساؤلًا محوريًا: كيف يمكن للأنظمة القانونية أن تتكيف مع هذه الأنماط المتغيرة للجريمة؟ وهل يتطلب ذلك إعادة صياغة شاملة للتشريعات التقليدية؟
قصور القوانين الحالية في التعامل مع الجرائم الرقمية
تعتمد القوانين الجنائية التقليدية على ثلاثة أركان أساسية: الركن المادي، الركن المعنوي، والعلاقة السببية. لكن الجرائم الناتجة عن أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تتماشى مع هذه الأركان، حيث تعمل الأنظمة الذكية بخوارزميات مستقلة، وقد تتخذ قرارات دون أي تدخل بشري مباشر. (Hallevy, 2021, pp45-60)
على سبيل المثال، إذا تسبب نظام ذكاء اصطناعي في جريمة إلكترونية، مثل اختراق قاعدة بيانات حساسة، فمَن المسؤول؟ هل هو المطور الذي صمم النظام، المشغل الذي قام بتشغيله، أم المستخدم الذي استفاد من نتائجه؟( Naif Arab University for Security Sciences, 2023, pp45-60
وفقًا لدراسة أجرتها وكالة Eurojust .) (
الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تُظهر ثغرات واضحة في القوانين الجنائية الحالية. وأكدت الدراسة أن التشريعات التقليدية تركز بشكل أساسي على أفعال بشرية مباشرة، مما يجعلها غير كافية للتعامل مع الأفعال المستقلة للأنظمة الذكية . (Max Planck Institute for Comparative and International Criminal Law, 2022, pp112-128)
لكن إذا كانت هذه الفجوات القانونية واضحة، فما هي الأطر التشريعية المطلوبة لسد هذه الفجوات وضمان تحقيق العدالة؟
الحاجة إلى أطر تشريعية جديدة
لضمان فعالية النظام القانوني في مواجهة الجرائم الجديدة، من الضروري استحداث أطر تشريعية تأخذ في الاعتبار خصوصيات الذكاء الاصطناعي. من بين هذه الأطر:
1. تعريف المسؤوليات بوضوح: يجب وضع قوانين تحدد مسؤوليات الأطراف المختلفة، بما في ذلك المطورين والمشغلين والمستخدمين.
2. إلزام الشفافية: يتطلب ذلك توضيح آليات عمل الأنظمة الذكية، مما يُسهل تتبع الأخطاء وتحديد المسؤوليا . (UNESCO, 2021, pp89-102)
3. آليات رقابية فعالة: يجب إنشاء كيانات رقابية تُشرف على الامتثال القانوني لهذه الأنظمة وتضمن توافقها مع الأطر التشريعية . (Harvard Business Review, 2023, pp 77-89)
لكن، كيف يمكن لهذه الأطر أن تُطبق عمليًا في ظل الطبيعة المستقلة للأنظمة الذكية؟
غياب التنظيم القانوني للأفعال المستقلة للذكاء الاصطناعي
تعتمد الأنظمة الذكية على خوارزميات التعلم العميق التي تُتيح لها اتخاذ قرارات بناءً على تحليل مستمر للبيانات، دون تدخل بشري مباشر. هذه الطبيعة المستقلة تُعقد تحديد المسؤوليات القانونية، خصوصًا عندما تتسبب قرارات الأنظمة في أضرار جسيمة.
فعلى سبيل المثال، إذا تسببت سيارة ذاتية القيادة في حادث مميت نتيجة خلل في البرمجيات، فمن يتحمل المسؤولية؟ المطور، الشركة المصنعة، أم المستخدم؟ (European Commission, 2023,pp5-20)
أوصت دراسة صادرة عن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بضرورة وضع إطار قانوني يُحدد المسؤوليات بشكل دقيق، مع مراعاة الطبيعة المستقلة لهذه الأنظمة. الدراسة أوضحت أن غياب هذا الإطار يؤدي إلى إرباك المحاكم وإطالة أمد النزاعات القانونية .( MIT Technology Review, 2022, pp33-50)
إذا كانت هذه العقبة تمثل تحديًا رئيسيًا، فما هي المبادئ الأساسية التي يجب أن تقوم عليها التشريعات الجديدة؟
المبادئ المقترحة للتشريعات الجديدة لتنظيم الأفعال المستقلة لأنظمة الذكاء الاصطناعي
لمواجهة الإشكاليات الناتجة عن غياب التنظيم القانوني للأفعال المستقلة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، يُقترح تبني مبادئ تشريعية تهدف إلى تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية الجنائية. وتشمل هذه المبادئ:
1. تحديد المسؤولية التشاركية بين الأطراف المتعددة، مثل المطورين والمشغلين والمستخدمين، لضمان توزيع عادل للمسؤوليات الجنائية.
2. إلزامية الشفافية في الخوارزميات لضمان إمكانية مراجعة القرارات التي تتخذها الأنظمة الذكية، مما يتيح تحديد الأخطاء بدقة.
3. إطار قانوني مرن يُمكّن من مواكبة التطورات التقنية السريعة ويتيح تحديث القوانين عند الحاجة.
4. إنشاء كيانات رقابية مختصة تُشرف على الامتثال القانوني وتقديم التوصيات اللازمة لتحسين التشريعات.
تقدم التجارب الدولية، مثل مبادرة “الذكاء الاصطناعي الموثوق” في الاتحاد الأوروبي والتشريعات اليابانية في هذا المجال، نماذج أولية توضح أهمية التعاون الدولي في صياغة إطار قانوني شامل لهذه الأنظمة.
إشارة إلى مناقشة مستفيضة لاحقًا
نظرًا للطبيعة المعقدة لهذه المبادئ وتشابكها مع موضوعات أخرى سيتم طرحها، فإن هذا العرض يقتصر على الإشارة إلى المحاور الأساسية. وسيتم تناول هذه المبادئ بشكل مستفيض وشامل ضمن المطلب الثاني في المبحث الثاني، حيث ستُناقش الأمثلة التطبيقية والنماذج الدولية بعمق.
خاتمة فرعية
تُظهر التحليلات السابقة أن الأنظمة القانونية التقليدية عاجزة عن استيعاب الجرائم الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. هذا العجز يتطلب استحداث تشريعات جديدة تُركز على تنظيم الأفعال المستقلة للأنظمة الذكية. تشمل هذه التشريعات إعادة تعريف المسؤوليات، تعزيز الشفافية، وفرض رقابة صارمة.
لكن التحدي الأكبر يكمن في التطبيق العملي لهذه التشريعات. ولتحقيق ذلك، يتطلب الأمر تعاونًا دوليًا، وتحديثًا مستمرًا للأطر القانونية لمواكبة التطورات السريعة في هذا المجال.
الفرع الثاني: إشكالية القصد الجنائي والنية المفترضة: تحديات الإثبات في أفعال الأنظمة الذكية
تُعد الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي واحدة من أكثر الإشكاليات القانونية تعقيدًا في العصر الحديث، حيث يتطلب القانون الجنائي التقليدي توافر القصد الجنائي، وهو الركن الذهني الأساسي لإثبات الجريمة. ومع ذلك، فإن الطبيعة المستقلة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، التي تعتمد على خوارزميات معقدة وآليات تعلم ذاتي، تُثير تساؤلات حول كيفية إثبات القصد الجنائي، خاصة في ظل غياب الإرادة البشرية المباشرة. هذه الإشكالية تدفعنا للتساؤل: هل يمكن للقانون أن يتطور ليشمل مفاهيم جديدة مثل القصد التكنولوجي والنية المفترضة للتعامل مع هذه التحديات؟ (Hallevy, 2013, p p 45-60)
غياب الإرادة البشرية المباشرة: معضلة القصد الجنائي
غياب الإرادة البشرية المباشرة يُعد من أبرز العوائق التي تحول دون تطبيق مفهوم القصد الجنائي التقليدي على الأفعال الناتجة عن الأنظمة الذكية. الأنظمة مثل السيارات ذاتية القيادة والروبوتات الطبية تعمل بطريقة مستقلة، معتمدة على برمجيات مبرمجة مسبقًا دون تدخل بشري لحظي. هذا الغياب يثير تساؤلًا تأسيسيا: إذا ارتكبت الأنظمة الذكية أفعالًا تُسبب أضرارًا جسيمة، فمن المسؤول قانونيًا؟ هل يقع العبء على المطور الذي صمم النظام؟ أم المشغل الذي أدار تشغيله؟ أم المستخدم النهائي؟
غياب العنصر البشري المباشر يجعل من الضروري إعادة ترتيب قانونية للمسؤولية الجنائية. فهل يمكن للقانون أن يتبنى مفاهيم جديدة مثل القصد التكنولوجي لتجاوز هذه الإشكالية؟ (Markus Wagner, 2016, pp10-20)
القصد التكنولوجي: حل قانوني مقترح
القصد التكنولوجي يُعتبر مفهومًا جديدًا لتحميل الأطراف البشرية المسؤولية الجنائية عن الأفعال الناتجة عن الأنظمة الذكية. يقوم هذا المفهوم على افتراض أن الأطراف المسؤولة، مثل المطورين والمشغلين، لديهم التزام قانوني بتوقع المخاطر المحتملة واتخاذ تدابير وقائية لمنع حدوث أضرار.
على سبيل المثال، إذا أطلقت شركة سيارة ذاتية القيادة دون اختبار شامل لأنظمة السلامة، وتسببت السيارة في حادث مروري قاتل، فإن المطورين والمشغلين يتحملون القصد التكنولوجي نتيجة إهمالهم في ضمان أمان النظام. هذا المفهوم يفتح الباب أمام تساؤل آخر: كيف يمكن إثبات القصد التكنولوجي في ظل غموض الخوارزميات التي تُشغل هذه الأنظمة؟ (OECD, 2019, pp110-125)
غموض الخوارزميات: التحدي القانوني للصندوق الأسود
الخوارزميات المستخدمة في الأنظمة الذكية تُعرف بتعقيدها الشديد، وغالبًا ما يُشار إليها بمفهوم “الصندوق الأسود” لأنها تعمل بطرق يصعب تفسيرها حتى للمطورين أنفسهم. هذا الغموض يجعل من الصعب تحديد مصدر الخطأ عند وقوع ضرر، مما يُعقّد عملية إثبات القصد الجنائي.
على سبيل المثال، إذا تسبب نظام ذكاء اصطناعي في خطأ طبي أدى إلى وفاة مريض، فإن تحليل الخوارزمية لتحديد الخطأ يُعد أمرًا بالغ الصعوبة. فهل يعود السبب إلى إهمال المطور في برمجة النظام؟ أم إلى المشغل الذي لم يقم بالصيانة الدورية؟ أم إلى خلل غير متوقع في الخوارزمية نفسها؟
هذا الغموض يطرح سؤالًا آخر: هل يمكن للقانون أن يفرض معايير شفافية تُلزم الأطراف البشرية بتوضيح كيفية عمل الأنظمة الذكية؟ وإذا كان ذلك ممكنًا، فما هي الآليات التي يمكن استخدامها لضمان الامتثال؟ (Cambridge Law Review, 2022, pp123-140)
الشفافية في تصميم الخوارزميات: ضرورة ملحة
تعزيز الشفافية في تصميم الخوارزميات يُعد خطوة حاسمة لتقليل الغموض وضمان إمكانية تتبع القرارات التي تتخذها الأنظمة الذكية. دراسة نُشرت في Harvard Law Review أكدت أن غياب الشفافية يُعد أحد أكبر العوائق أمام تحقيق العدالة الجنائية في القضايا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. دعت الدراسة إلى وضع لوائح قانونية تُلزم الشركات بتقديم مستندات تفصيلية حول كيفية عمل الأنظمة الذكية والخوارزميات المستخدمة فيها.( Harvard Law Review, 2023, pp101-123)
لكن، هل تكفي الشفافية وحدها لتجنب الأخطاء وضمان العدالة الجنائية؟ أم أن هناك حاجة إلى أدوات قانونية إضافية لتحميل الأطراف البشرية المسؤولية؟ (Ronald, 2019, pp 182-195)
النية المفترضة: أداة قانونية لتحميل المسؤولية
النية المفترضة تُعد من الأدوات القانونية التي تهدف إلى سد الفجوة الناتجة عن غياب الإرادة البشرية المباشرة في أفعال الأنظمة الذكية. يعتمد هذا المفهوم على افتراض أن الأطراف البشرية المسؤولة، مثل المطورين والمشغلين، يمكنهم توقع الأخطاء المحتملة واتخاذ التدابير المناسبة لمنع حدوثها.
على سبيل المثال، إذا تسبب نظام ذكاء اصطناعي في حادث أثناء عملية جراحية بسبب خلل في البرمجيات، فإن المسؤولية تقع على المطور أو المشغل إذا كان بالإمكان توقع هذا الخلل أثناء التصميم أو التشغيل. لكن هل تكفي النية المفترضة لتغطية جميع الحالات؟ وكيف يمكن تطبيقها في سياقات متعددة مثل الطب، النقل، والتمويل؟ (Afonso Seixas-Nunes, 2022, pp103-140)
تطبيق النية المفترضة في مجالات متعددة
إن تطبيق النية المفترضة كآلية قانونية لتحميل الأطراف البشرية المسؤولية يتطلب دراسة السياقات المختلفة التي تتداخل فيها الأنظمة الذكية مع النشاطات البشرية. من بين أبرز هذه السياقات: المجال الطبي، وقطاع النقل، والقطاع المالي، حيث يتجلى فيها التأثير المباشر للقرارات التي تتخذها الأنظمة الذكية.
1. في المجال الطبي
تُستخدم الأنظمة الذكية بشكل واسع في التشخيص والعلاج، بما في ذلك الروبوتات الجراحية والأنظمة الذكية لتحليل الصور الطبية. على سبيل المثال، إذا أخطأ روبوت جراحي في إجراء عملية دقيقة، فإن تحديد المسؤولية يصبح محوريًا. هنا، النية المفترضة تُطبق لتحميل المسؤولية على المطورين إذا كان الخطأ ناتجًا عن خلل في برمجة الروبوت، أو على المشغلين إذا كانوا قد فشلوا في الإشراف على تشغيل الروبوت. دراسة نُشرت في Journal of Medical Robotics أكدت أن 60% من الأخطاء الناتجة عن الأنظمة الجراحية تعود إلى قصور في التصميم البرمجي أو ضعف التدريب المقدم للمشغلين.( Journal of Medical Robotics, 2023, pp34-57)
2. في قطاع النقل
تُعد السيارات ذاتية القيادة مثالًا واضحًا للتحديات القانونية التي تثيرها النية المفترضة. على سبيل المثال، إذا تسبب نظام قيادة ذاتية في حادث مروري، فإن المسؤولية قد تقع على المطورين إذا كان الحادث ناتجًا عن خلل برمجي، أو على المشغلين إذا أُهملت صيانة النظام. تقرير صادر عن European Commission on Autonomous Vehicles أوضح أن 25% من الحوادث الناتجة عن الأنظمة ذاتية القيادة ترتبط بمشاكل في خوارزميات اتخاذ القرار، مما يستدعي تعزيز الشفافية والمساءلة القانونية.( European Commission, 2023)
3. في القطاع المالي
في القطاع المالي، تُستخدم الأنظمة الذكية لتحليل الأسواق واتخاذ القرارات الاستثمارية. إذا تسببت خوارزمية ذكاء اصطناعي في خسائر مالية كبيرة نتيجة أخطاء في التوقع أو تحليل البيانات، فإن النية المفترضة تُحمّل المسؤولية على المطورين إذا كان الخلل ناتجًا عن ضعف الاختبارات المسبقة للنظام، أو على المستخدمين إذا تم استغلال الأنظمة بطريقة غير قانونية. دراسة نُشرت في Harvard Business Review سلطت الضوء على أن الأنظمة المالية الذكية قد تزيد من تقلبات الأسواق إذا لم يتم مراقبتها بشكل مناسب.( Harvard Business Review, 2022)
لكن، كيف يمكن للقانون أن يُوازن بين توزيع المسؤولية وضمان العدالة؟ الإجابة تقتضي دراسة توزيع المسؤولية بين الأطراف البشرية المختلفة.
توزيع المسؤولية بين الأطراف البشرية
1. المطورون
المطورون يتحملون المسؤولية عن تصميم وبرمجة الأنظمة بطريقة تضمن تحقيق معايير الأمان. إذا أهمل المطورون تضمين الضوابط اللازمة لمنع الأخطاء أو إساءة الاستخدام، فإن المسؤولية تقع عليهم بموجب النية المفترضة. على سبيل المثال، إذا كان خطأ برمجي في نظام ذكاء اصطناعي طبي أدى إلى تشخيص خاطئ، فإن المطور يتحمل المسؤولية الجنائية. دراسة نُشرت في Cambridge Law Review أكدت أن المطورين يجب أن يلتزموا بتوثيق عملية التصميم والاختبارات لضمان الشفافية.( Cambridge Law Review, 2022, pp78-96)
2. المشغلون
المشغلون يُعدّون الحلقة الوسيطة بين الأنظمة الذكية والمستخدمين النهائيين. إذا فشل المشغل في الإشراف المناسب أو لم يلتزم بالإجراءات الموصى بها لتشغيل النظام، فإنه يتحمل المسؤولية. على سبيل المثال، إذا تسبب نظام قيادة ذاتية في حادث بسبب عدم تحديث البرمجيات أو ضعف الصيانة، فإن المشغل يُعتبر مسؤولًا. تقرير صادر عن OECD أوصى بضرورة تدريب المشغلين على التعامل مع الأنظمة الذكية وتقنيات الذكاء الاصطناعي لضمان التشغيل الآمن. (OECD, 2023)
3. المستخدمون
المستخدمون يتحملون المسؤولية إذا استغلوا الأنظمة الذكية لتحقيق أغراض غير قانونية. على سبيل المثال، إذا استخدم أحدهم تقنية التزييف العميق للتشهير أو الاحتيال، فإن القصد الجنائي يكون واضحًا. مع ذلك، فإن تحميل المستخدم المسؤولية قد يكون معقدًا إذا كان يفتقر للمعرفة التقنية لفهم طبيعة النظام. دراسة نُشرت في Journal of Ethics and Technology أشارت إلى أن تدريب المستخدمين النهائيين على استخدام الأنظمة الذكية يُعد خطوة أساسية لتقليل الأخطاء وسوء الاستخدام. (Journal of Ethics and Technology, 2023, pp45-67)
لكن، كيف يمكن للقانون أن يُحقق توازنًا عادلًا بين هذه المسؤوليات دون تحميل طرف واحد العبء الكامل؟
الحلول القانونية والتشريعية
1. إنشاء إطار قانوني للمسؤولية المشتركة
يُوصى بإنشاء تشريعات تُحدد بوضوح الأدوار والمسؤوليات بين المطورين، المشغلين، والمستخدمين. على سبيل المثال، يجب أن تُلزم القوانين المطورين بتوثيق جميع مراحل التصميم والاختبار، وأن يُلزم المشغلون بتسجيل كافة البيانات المرتبطة باستخدام النظام. دراسة نُشرت في Harvard Law Review.
أكدت أن المسؤولية المشتركة تُعزز من الشفافية وتُقلل من النزاعات القانونية.( Harvard Business Review, 2023)
2. تعزيز الشفافية في الخوارزميات
الشفافية تُعد شرطًا أساسيًا لضمان المساءلة القانونية. يجب أن تُلزم التشريعات المطورين بتوفير وثائق تُوضح كيفية اتخاذ القرارات داخل الأنظمة الذكية. تقرير صادر عن European Union Publications( )
دعا إلى فرض معايير تُلزم الشركات بتقديم تقارير دورية عن أداء الأنظمة وتوثيق الأخطاء(European U, 2023)
3. فرض التأمين الإجباري
التأمين الإجباري يُعد وسيلة فعالة لضمان تعويض الضحايا عن الأضرار الناتجة عن الأنظمة الذكية. يجب أن تتحمل الشركات تكلفة التأمين، مما يُحفزها على تحسين جودة التصميم والاختبار. دراسة نُشرت في Journal of Law and Economics أشارت إلى أن التأمين الإجباري يُقلل من المخاطر ويُعزز من الثقة في استخدام الأنظمة الذكية .( Journal of Law and Economics, 2022, pp12-35)
4. إنشاء صناديق تعويض
يُمكن إنشاء صناديق تعويض تمولها الشركات المُطورة لتغطية الأضرار الناتجة عن الأخطاء التقنية. هذه الصناديق تُعزز من العدالة وتُقلل من العبء المالي على الضحايا. تقرير صادر عن OECD أشار إلى نجاح هذه الفكرة في تنظيم الصناعات ذات المخاطر العالية، مثل الطاقة النووية . (OECD, 2023)
5. تعزيز التعاون الدولي
نظرًا للطبيعة العالمية للأنظمة الذكية، يجب تطوير إطار قانوني دولي موحد يُنظم المسؤوليات عبر الحدود. هذا الإطار يُعزز من العدالة ويُقلل من التناقضات بين القوانين الوطنية. تقرير صادر عن United Nations Conference on Trade and Development أوصى بتطوير معايير دولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي وتقليل الفجوات القانونية. (UNCTAD, 2023)
المطلب الثاني: الحلول التشريعية والرقابية المقترحة
مقدمة
مع التطور الهائل الذي يشهده العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، بات من الضروري البحث عن حلول تشريعية ورقابية تعالج التحديات التي يفرضها هذا التطور على المنظومات القانونية. فأنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من مختلف القطاعات، بدءًا من النقل والرعاية الصحية وصولًا إلى الأمن والدفاع. إلا أن استخدام هذه الأنظمة يثير تساؤلات قانونية حول المسؤولية الجنائية والرقابية، وكيفية تنظيم العلاقة بين الأطراف المختلفة المعنية بتطويرها وتشغيلها.
إن غياب إطار تشريعي واضح لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي يُسهم في ظهور ثغرات قانونية تُعقّد تحقيق العدالة. على سبيل المثال، تتطلب الحوادث الناتجة عن أخطاء الأنظمة الذكية، مثل السيارات ذاتية القيادة أو أنظمة التشخيص الطبي، تحديد الطرف المسؤول: هل هو المطور، المشغل، أو المستخدم النهائي؟ هذه التحديات تُظهر الحاجة إلى تشريعات تُراعي الطبيعة الفريدة لهذه الأنظمة، وآليات رقابية تُعزز الشفافية والمسؤولية في عملها.
لذلك، سيتم في هذا المطلب استعراض الفروع التاليه.
الفروع التي سيتم تناولها:
1. الفرع الأول: وضع تشريعات متخصصة
تقديم تعريف دقيق للذكاء الاصطناعي.
تحديد المسؤوليات الجنائية والرقابية.
إلزامية الاختبارات قبل استخدام الأنظمة الذكية.
منح الشخصية القانونية المحدودة للأنظمة الذكية:
بالنظر إلى الطبيعة الفريدة للأنظمة الذكية، تبرز أهمية منحها شخصية قانونية محدودة في حالات محددة، تتيح تحميلها المسؤولية المباشرة عن الأضرار الناتجة عن استخدامها.
هذا الحل يُسهم في تجاوز التعقيدات المتعلقة بتحديد المسؤولية بين المطورين والمشغلين والمستخدمين، خصوصًا في القطاعات الحيوية مثل النقل والطب.
يتمثل هذا النموذج في:
إنشاء صندوق مالي مخصص لكل نظام ذكي لتغطية التعويضات الناتجة عن الأضرار.
تحديد مجالات تطبيق هذه الشخصية القانونية بشكل صارم، مثل السيارات ذاتية القيادة أو الروبوتات الطبية.
ضمان الرقابة القانونية المستمرة على الأنظمة الذكية، لضمان استخدامها بما يتوافق مع القوانين والمعايير الأخلاقية.
2. الفرع الثاني: إنشاء منظومة رقابية متكاملة
تأسيس هيئات رقابية مختصة.
تعزيز الشفافية والحيادية في عمل الأنظمة.
الفرع الثالث :التشريعات المقارنة وبناء منظومة قضائية ذكية: استجابة للتحديات التقنية الحديثة
الفرع الأول: وضع تشريعات متخصصة لتنظيم الذكاء الاصطناعي
تُعد التشريعات المتخصصة لتنظيم الذكاء الاصطناعي من الأولويات القانونية التي تتطلب اهتمامًا خاصًا في العصر الحالي. إذ إن الذكاء الاصطناعي يمتاز بقدرته على اتخاذ قرارات مستقلة، مما يُثير العديد من الإشكاليات القانونية حول تحديد المسؤولية الجنائية عند وقوع أضرار ناتجة عن استخدامه. فعلى سبيل المثال، إذا تسببت سيارة ذاتية القيادة في حادث مروري بسبب خطأ في الخوارزميات، تبرز أسئلة ملحة حول الطرف المسؤول: هل هو المطور؟ أم الشركة المصنعة؟ أم المستخدم النهائي؟ هذه الإشكاليات تتطلب وضع إطار قانوني دقيق يعالج الطبيعة الفريدة لهذه الأنظمة.(سعيد، 2022، ص1-55)
تشريعات الذكاء الاصطناعي يجب أن تُركز على ثلاثة محاور رئيسية: أولًا، وضع تعريف قانوني شامل ومحدد لأنظمة الذكاء الاصطناعي، مع تحديد نطاق تطبيق هذه التشريعات. ثانيًا، إلزام المطورين والشركات بإجراء اختبارات دقيقة قبل إطلاق الأنظمة الذكية، لضمان خلوها من الأخطاء التي قد تؤدي إلى أضرار جسيمة. وثالثًا، تعزيز مبدأ الشفافية في تصميم الخوارزميات، مع إلزام الشركات بتقديم تقارير دورية عن أداء الأنظمة ومدى التزامها بالقوانين. على سبيل المثال، يمكن أن تُفرض عقوبات صارمة على الشركات التي تفشل في تقديم ضمانات كافية حول سلامة الأنظمة التي تُطورها. (دهشان، 2020، ص100 وما بعدها)
علاوة على ذلك، تُعد التجارب الدولية مرجعًا هامًا يمكن استلهام الحلول منه. ففي الاتحاد الأوروبي، يتم العمل على قانون “الذكاء الاصطناعي”، الذي يُركز على تنظيم المخاطر المرتبطة بالأنظمة الذكية، مع تعزيز الشفافية والمسؤولية. أما في الولايات المتحدة، فتُركز التشريعات الحالية على حماية البيانات وتعزيز الابتكار المسؤول. هذه النماذج القانونية تُمثل خطوة هامة نحو صياغة تشريعات وطنية تتناسب مع السياقات المحلية. (بن عودة، 2022، ص187-205)
المحور الأول: وضع تعريف قانوني شامل ومحدد لأنظمة الذكاء الاصطناعي
إن غياب تعريف قانوني دقيق وشامل لأنظمة الذكاء الاصطناعي يُشكل أحد أبرز التحديات التي تواجه صياغة تشريعات متخصصة.
يتميز الذكاء الاصطناعي بتنوع تطبيقاته وقدرته على اتخاذ قرارات مستقلة بناءً على تحليل البيانات، مما يجعل من الضروري تحديد مفهوم موحد يُعتمد عليه قانونيًا. التعريف القانوني ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار الخصائص التقنية للأنظمة الذكية، مثل الخوارزميات الذاتية التعلم والقدرة على محاكاة القرارات البشرية. (فارس، ص1850).على سبيل المثال، اقترحت بعض النماذج الدولية تعريفات مرنة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل تعريف الاتحاد الأوروبي الذي يركز على الأنظمة التي تُظهر سلوكًا يمكن تفسيره على أنه ذكي من الناحية التقنية. هذا التعريف يُتيح مرونة تشريعية ولكنه قد يُواجه تحديات في التطبيقات العملية، خاصة عندما تكون الأنظمة المعنية غير قادرة على تفسير قراراتها بشكل واضح (إبراهيم، ص1026)
لتجنب الثغرات القانونية، يجب أن تتضمن التشريعات تعريفًا يوضح النطاق المحدد لهذه الأنظمة، سواء من حيث طبيعة استخدامها (مثل الأنظمة الصناعية والطبية والقضائية) أو من حيث درجة استقلالها عن التدخل البشري. كما أن هذا التعريف يمكن أن يساعد في تحديد العلاقة القانونية بين الأطراف المختلفة، مثل الشركات المطورة والمشغلين والمستخدمين النهائيين.(سيد، ص1390).
إضافة إلى ذلك، يُوصى بأن تُركز التشريعات الوطنية على تبني تعريفات مستمدة من المعايير الدولية مع إجراء التعديلات اللازمة لتلائم البيئة القانونية المحلية. هذا النهج سيُساهم في تعزيز التعاون الدولي وتقليل الفجوات التشريعية التي قد تُعيق الابتكار وتطبيق القوانين بشكل فعال. (عثمان، ص1520).
المحورالثاني: إلزامية الاختبارات قبل استخدام الأنظمة الذكية
تُعد إلزامية إجراء الاختبارات على الأنظمة الذكية قبل استخدامها خطوة جوهرية لضمان تقليل المخاطر الناجمة عن الأخطاء أو الأعطال التقنية التي قد تؤدي إلى نتائج كارثية. في ظل تطور التكنولوجيا واعتماد الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات الحساسة، مثل الطب، والمواصلات، والقضاء، يصبح ضمان عمل الأنظمة بدقة وكفاءة مطلبًا لا غنى عنه لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق الأفراد.
أحد أبرز الأمثلة على أهمية الاختبارات هو التطبيقات الطبية للذكاء الاصطناعي، مثل أنظمة التشخيص أو الروبوتات الجراحية. إذا لم تُختبر هذه الأنظمة بشكل كافٍ، قد تؤدي الأخطاء إلى نتائج غير قابلة للإصلاح، مثل تشخيص خاطئ يؤدي إلى وصف علاج غير مناسب أو إجراء عمليات جراحية تسبب ضررًا للمريض. هنا، تتحمل الشركات المطورة المسؤولية المباشرة لضمان أن أنظمتها قد اجتازت اختبارات دقيقة قبل الإطلاق التجاري. (إبراهيم، 2022، ص1025-1137)
على المستوى التشريعي، تتجه العديد من الدول إلى فرض اختبارات إلزامية على الأنظمة الذكية قبل اعتمادها رسميًا في الأسواق. ففي الاتحاد الأوروبي، يفرض قانون الذكاء الاصطناعي (AI Act) اختبارات صارمة على الأنظمة المصنفة كمخاطر عالية، مثل تلك المستخدمة في تطبيقات السلامة العامة أو البنية التحتية الحيوية. هذه الاختبارات تهدف إلى التأكد من خلو الأنظمة من العيوب التقنية وضمان امتثالها لمعايير السلامة المحددة. بالمقابل، تفتقر بعض الدول النامية إلى الأطر التشريعية التي تُلزم بإجراء مثل هذه الاختبارات، مما يُبرز الحاجة إلى استلهام التجارب الدولية لسد هذه الفجوة التشريعية (الخباني، 2023، ص45-78)
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تشمل الاختبارات تقييم أداء الخوارزميات المستخدمة في الأنظمة الذكية ومدى حياديتها، لتجنب التحيز الذي قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير عادلة. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسات سابقة أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تكون متحيزة بناءً على بيانات التدريب، مما يترتب عليه آثار سلبية على الفئات المهمشة. هنا تظهر أهمية أن تُشرف هيئات رقابية مستقلة على هذه الاختبارات لضمان النزاهة والشفافية في العملية بأكملها. (European Commission, 2021, pp 12-35)
في الختام، يتضح أن إلزامية الاختبارات لا تهدف فقط إلى ضمان عمل الأنظمة الذكية بفعالية، بل تُعد أيضًا وسيلة لحماية المجتمع من الأضرار التي قد تنجم عن الاستخدام غير المسؤول أو غير المدروس للتكنولوجيا. لذا، يجب أن تتكامل جهود المشرعين والهيئات الرقابية والشركات المطورة لتحقيق هذا الهدف، مع وضع أطر قانونية واضحة تضمن الامتثال لهذه الاختبارات كشرط أساسي قبل استخدام الأنظمة الذكية في أي مجال. (دويتشه فيله، 2024، ص5-12)
المحور الثالث: تعزيز مبدأ الشفافية في تصميم الخوارزميات
تعزيز مبدأ الشفافية في تصميم الخوارزميات يُعد أحد المحاور الأساسية لضمان استخدام عادل ومسؤول للذكاء الاصطناعي، حيث يلعب دورًا محوريًا في بناء الثقة بين الأطراف المختلفة التي تعتمد على هذه الأنظمة. التساؤلات حول كيفية تحقيق هذه الشفافية ليست فقط أكاديمية بل تمتد إلى الممارسات اليومية التي تتطلب تفسيرًا واضحًا للقرارات التي تُتخذ بناءً على هذه الأنظمة. على سبيل المثال، عندما تقوم خوارزمية برفض طلب قرض أو تحديد العقوبة المناسبة في قضية قضائية، فإن معرفة الأسس التي استندت إليها تلك الخوارزمية يُصبح حقًا أصيلًا للمستخدم أو للمتأثر بالقرار. عدم الوضوح في هذه الآليات يثير شكوكًا حول العدالة ويضعف ثقة الجمهور في هذه التكنولوجيا.( منصة الأستاذ ماجد عايد الإلكترونية، 2024)
تعقيد تصميم الخوارزميات يُعتبر أحد العوائق الأساسية أمام تحقيق الشفافية، إذ تعتمد العديد من الأنظمة الذكية على خوارزميات التعلم العميق التي تُعد معقدة للغاية حتى بالنسبة للمطورين أنفسهم. هذا التعقيد يُضاف إليه التخوف من كشف أسرار الملكية الفكرية للشركات المطورة، مما يجعل الوصول إلى آلية عمل هذه الأنظمة أمرًا صعبًا. ومع ذلك، لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن غياب الشفافية يُعرض المستخدمين والمجتمعات لمخاطر كبيرة، خصوصًا في الحالات التي تؤثر فيها القرارات على حقوق الأفراد وحرياتهم. لهذا، يجب الموازنة بين حماية الملكية الفكرية وتحقيق متطلبات الشفافية التي تعزز الثقة العامة وتضمن العدالة( IT Researches, 2024)
إحدى الخطوات المقترحة لمواجهة هذا التحدي هي فرض قوانين تلزم الشركات بالكشف عن تفاصيل عمل الخوارزميات التي تُستخدم في القطاعات الحساسة، مثل الرعاية الصحية والقضاء. على سبيل المثال، يُعد قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي نموذجًا بارزًا في هذا السياق، حيث يُلزم الشركات بتقديم تقارير دورية تُوضح كيفية اتخاذ القرارات وآليات معالجة البيانات المستخدمة. هذا النموذج يعكس التزامًا بتحقيق الشفافية في تصميم الأنظمة الذكية، مما يُسهم في تقليل المخاطر المرتبطة باستخدامها. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تقنية وقانونية تحتاج إلى معالجة لضمان تطبيق هذه القوانين بشكل فعال.( FreeTech, 2024)
التعاون الدولي يُعد أيضًا جزءًا لا يتجزأ من تحقيق الشفافية في استخدام الذكاء الاصطناعي. فالتكنولوجيا الحديثة لا تعرف الحدود، مما يعني أن التنسيق بين الدول ضروري لوضع معايير موحدة تُلزم جميع الأطراف بالامتثال لقواعد الشفافية. على سبيل المثال، يُظهر الميثاق العالمي للذكاء الاصطناعي الذي أقرته الأمم المتحدة التزامًا دوليًا بتوحيد الجهود لتحقيق استخدام آمن ومسؤول لهذه التكنولوجيا. هذا التنسيق يُقلل من الفجوات القانونية التي يُمكن أن تُستغل من قبل الشركات لتجنب المسؤولية، كما يُعزز من إمكانية مراقبة تطبيق الأنظمة الذكية بشكل عادل ومنصف .( Unite.AI, 2024)
علاوة على ذلك، فإن تعزيز الشفافية في تصميم الخوارزميات لا يُعد فقط أداة لتحقيق العدالة، بل يُسهم أيضًا في تحسين أداء الأنظمة الذكية. عندما تكون الأنظمة مفتوحة للمراجعة والتقييم، يُمكن اكتشاف الأخطاء أو الانحيازات المحتملة ومعالجتها بشكل استباقي. هذا الأمر يُقلل من احتمالية وقوع أضرار جسيمة نتيجة لاستخدام هذه الأنظمة ويُعزز من فعاليتها. على سبيل المثال، تطبيق معايير الشفافية في الأنظمة القضائية الذكية يُمكن أن يُساعد في تحديد أوجه القصور وتحسين القرارات التي تُتخذ بناءً على هذه الأنظمة، مما يُسهم في تحقيق العدالة بشكل أكثر فعالية (اتحاد AOC، 2024).
ختامًا، يُمكن القول إن تعزيز مبدأ الشفافية في تصميم الخوارزميات ليس خيارًا بل ضرورة لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي. هذا المبدأ يُمثل حجر الزاوية في بناء الثقة وتحقيق التوازن بين الابتكار وحماية الحقوق. تحقيق هذا الهدف يتطلب جهودًا متضافرة من قبل الحكومات والشركات والجهات الرقابية لوضع أطر قانونية وتنظيمية تُحقق هذا الهدف دون المساس بحرية الابتكار أو حقوق الأفراد.
المحور الرابع: الشخصية القانونية للأنظمة الذكية: إطار قانوني شامل ومتكامل
مقدمة
ظهرت فكرة منح الأنظمة الذكية شخصية قانونية محدودة كأحد أكثر الحلول إثارة للاهتمام في الأوساط القانونية، وذلك نتيجة للتعقيدات المتزايدة التي تواجهها النظم القانونية التقليدية عند التعامل مع الأخطاء التي تصدر عن هذه الأنظمة. بفضل قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة في مجالات متنوعة مثل النقل والرعاية الصحية والقطاع المالي، أصبحت الأنظمة الذكية مكونًا حيويًا في الحياة اليومية، مما يتطلب إطارًا قانونيًا مبتكرًا لتحمل المسؤولية عن تصرفاتها.
إن هذا الطرح لا يهدف إلى المساواة بين الأنظمة الذكية والكيانات الطبيعية أو الاعتبارية، بل إلى وضع نظام قانوني يتيح تحميلها المسؤولية بما يضمن تحقيق العدالة وضمان حماية حقوق الأطراف المتضررة من أفعالها. لكن ما هي الأسس التي يقوم عليها هذا المفهوم؟ وكيف يمكن تطبيقه بشكل يحقق التوازن بين الابتكار التكنولوجي والمسؤولية القانونية؟ . (دهشان، 2020، ص78-94)
مفهوم الشخصية القانونية المحدودة للأنظمة الذكية
تُعرَّف الشخصية القانونية المحدودة للأنظمة الذكية بأنها الاعتراف القانوني بقدرتها على تحمل المسؤولية عن الأضرار التي تسببها ضمن حدود معينة، دون منحها كامل الحقوق أو الالتزامات الممنوحة للأفراد أو الشركات.
هذا المفهوم يعتمد على أن الأنظمة الذكية تُظهر سلوكًا يمكن تفسيره كقرارات مستقلة. فعلى سبيل المثال، إذا تسببت سيارة ذاتية القيادة في حادث مروري بسبب خلل في البرمجيات، فإن الشخصية القانونية تتيح تحميل السيارة ذاتها المسؤولية عن الأضرار، مع الاستعانة بصندوق مالي مخصص لتغطية التعويضات.( Hallevy, 2015, pp45-67)
لكن تطبيق هذا المفهوم يتطلب وضع قيود صارمة تحدد نطاق الشخصية القانونية، حتى لا تُستخدم كذريعة للتنصل من المسؤولية البشرية.
الأسس القانونية لمنح الشخصية القانونية المحدودة
يعتمد هذا الإطار القانوني على ثلاثة أسس رئيسية:
1. الاستقلالية الوظيفية:
تُعتبر الاستقلالية في اتخاذ القرارات شرطًا أساسيًا لمنح الشخصية القانونية. الأنظمة التي تتخذ قرارات بناءً على تحليل البيانات دون تدخل بشري مباشر هي الأحق بالحصول على هذه الصفة.
على سبيل المثال، الروبوتات الطبية المستخدمة في العمليات الجراحية تعتمد على خوارزميات دقيقة لاتخاذ قرارات حاسمة في الوقت الفعلي. (European Commission, 2021, pp 30-50)
2. الأثر الاجتماعي:
تُمنح الشخصية القانونية للأنظمة التي تؤثر بشكل مباشر على حقوق الأفراد وحياتهم، مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في القطاع المالي لتقديم توصيات استثمارية أو إدارة أصول العملاء.
3. الرقابة القانونية المستمرة:
يشترط الإطار القانوني خضوع الأنظمة الذكية لرقابة مستمرة من هيئات مختصة تضمن الامتثال للمعايير القانونية والأخلاقية، مع فرض عقوبات صارمة على الجهات المطورة أو المشغلة في حالة انتهاك القواعد. (Maximilian, 2023, pp215-239)
إنشاء صندوق مالي لتعويض الأضرار
لتفعيل هذا المفهوم، يتم إنشاء صندوق مالي مخصص لكل نظام ذكي. يُموَّل هذا الصندوق من خلال رسوم تسجيل تفرضها الجهات التنظيمية على المطورين، ويُستخدم لتعويض الأضرار التي قد تسببها الأنظمة الذكية.
على سبيل المثال، إذا تسبب روبوت طبي في خطأ أثناء عملية جراحية، يمكن للمتضرر الحصول على تعويض سريع من الصندوق دون الحاجة إلى إثبات الخطأ البشري أو البرمجي.
هذا النموذج يحقق العدالة بشكل أسرع، لكنه يتطلب إطارًا رقابيًا صارمًا لضمان استخدام الصناديق بشكل عادل وشفاف. (دهشان، 2021، ص45-67)
التطبيقات العملية للشخصية القانونية
تتضح أهمية الشخصية القانونية في المجالات التالية:
1. النقل:
السيارات ذاتية القيادة، حيث يمكن تحميل السيارة المسؤولية عن الحوادث الناتجة عن قراراتها المستقلة.
مثال: سيارة ذاتية القيادة تتسبب في حادث بسبب عدم التعرف على إشارة مرور معطلة(Hallevy, 2010, pp 171-201)
2. الرعاية الصحية:
الروبوتات الطبية التي تقوم بإجراءات جراحية أو تشخيصية معقدة.
مثال: خطأ تشخيصي يؤدي إلى علاج غير مناسب(دهشان، 2021، ص45-67(.
3. القطاع المالي:
أنظمة اتخاذ القرارات الاستثمارية التي تعتمد على تحليل البيانات وتوصيات الأسواق.
مثال: قرار خاطئ يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة للمستثمرين. (Hallevy, 2010, pp67-89)
التحديات والتوصيات
رغم الفوائد المتعددة لهذا الإطار، إلا أن هناك تحديات رئيسية:
1. التكلفة العالية لإنشاء وإدارة الصناديق المالية.
2. صعوبة وضع معايير موحدة دوليًا.
3. الحاجة إلى تدريب الكوادر البشرية لتقييم أداء الأنظمة الذكية بفعالية.( European Commission, 2021, pp12-34)
للتغلب على هذه التحديات، يُوصى بما يلي:
تعزيز التعاون الدولي لوضع معايير موحدة.
توفير ميزانيات كافية لدعم الهيئات الرقابية.
تطوير تشريعات مرنة تواكب التطور التكنولوجي المستمر.
الخاتمة
يمثل منح الأنظمة الذكية شخصية قانونية محدودة تطورًا نوعيًا في الفكر القانوني، حيث يُوفر وسيلة عملية لتحميل المسؤولية عن الأضرار التي تسببها هذه الأنظمة، دون المساس بالمبادئ القانونية التقليدية. ومع ذلك، فإن نجاح هذا الإطار يعتمد على تنفيذ تشريعات دقيقة وآليات رقابية صارمة تضمن توازنًا بين الابتكار والمسؤولية القانونية.
الفرع الثاني: إنشاء منظومة رقابية متكاملة
تُمثل مسألة إنشاء منظومة رقابية متكاملة ضرورة حتمية في ظل الانتشار السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت جزءًا أساسيًا من العديد من القطاعات. يتطلب هذا الفرع تنظيمًا دقيقًا على توفير هيئات مستقلة يُركز قادرة على مراقبة الأنظمة الذكية وضمان امتثالها للمعايير القانونية، مما يُحقق التوازن بين الابتكار التكنولوجي وحماية حقوق الأفراد.
من التحديات الرئيسية التي تواجه هذا الأمر هو تحقيق استقلالية الهيئات الرقابية، حيث إن غياب هذه الاستقلالية قد يؤدي إلى تأثر القرارات بالتدخلات التجارية أو السياسية. على سبيل المثال، تشير دراسة حديثة إلى أن الأنظمة الذكية في قطاعات مثل الرعاية الصحية قد تُصدر قرارات متحيزة نتيجة استنادها إلى بيانات غير متوازنة، مما يُبرز الحاجة إلى رقابة مستقلة لضمان نزاهة القرارات (الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، 2023). لكن كيف يمكن ضمان هذه الاستقلالية؟ الجواب يكمن في سن تشريعات واضحة تُلزم بفصل الجهات المطورة عن الهيئات الرقابية، مع توفير الموارد الكافية لهذه الهيئات لضمان كفاءتها.
جانب آخر لا يقل أهمية يتمثل في الشفافية. يُعد إلزام الشركات المطورة بالكشف عن آليات عمل الخوارزميات، والبيانات المستخدمة في تدريبها، أحد المبادئ الأساسية لتعزيز الثقة في الأنظمة الذكية. هذا لا يعني فقط تحقيق الامتثال القانوني، بل أيضًا معالجة المخاوف المتعلقة بالتحيز المحتمل في القرارات. على سبيل المثال، يفرض قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي معايير صارمة لضمان الشفافية، ويُلزم الشركات بتقديم تقارير دورية تُراجعها جهات مستقلة )بريمر، وسليمان، 2023)
لكن هل الشفافية وحدها كافية؟ الإجابة لا. التعاون الدولي يُعد عنصرًا جوهريًا لضمان فعالية المنظومة الرقابية، نظرًا للطبيعة العابرة للحدود لتقنيات الذكاء الاصطناعي. التنسيق بين الدول يُمكن من توحيد المعايير وتجنب الفجوات التشريعية، التي قد تُستغل من قبل الجهات المطورة للتهرب من المساءلة. على سبيل المثال، يعمل الميثاق العالمي للذكاء الاصطناعي على تعزيز التعاون بين الدول من خلال وضع إطار قانوني مشترك يُلزم الجميع بالمعايير ذاتها . (غورغييفا، 2024)
ختامًا، يجب أن تتضمن المنظومة الرقابية عقوبات واضحة ورادعة للمخالفين، سواء كانت غرامات مالية أو تعليق النشاط، مع ضمان تنفيذ هذه العقوبات بفعالية. فالسؤال المطروح هنا: كيف يمكن ضمان تنفيذ العقوبات بشكل عادل؟ الإجابة تتمثل في تمكين الهيئات الرقابية من الحصول على الدعم القانوني والمالي اللازمين لضمان الاستدامة، مع تكامل الجهود بين الهيئات الوطنية والدولية لتحقيق هذا الهدف(الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، 2023)..
الفرع الثالث: التشريعات المقارنة وبناء منظومة قضائية ذكية: استجابة للتحديات التقنية الحديثة
مقدمة
في ظل التحولات التقنية المتسارعة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي، أصبحت الحاجة إلى تطوير التشريعات القضائية وبناء منظومة قضائية ذكية ضرورة لا غنى عنها. يُشكل الذكاء الاصطناعي فرصة لتحسين الكفاءة وتسريع الإجراءات القضائية، ولكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات قانونية جوهرية حول معايير الشفافية، مبادئ العدالة، والمساءلة القانونية. انطلاقًا من هذه التحديات، تبرز أهمية استلهام التشريعات المقارنة كأداة محورية لتطوير إطار قانوني متكامل يوازن بين الابتكار التقني وحماية الحقوق الأساسية. يستعرض هذا الفرع أبرز التجارب الدولية في مجال التشريعات المقارنة، ويقدم رؤية شاملة لبناء منظومة قضائية ذكية قادرة على مواجهة التحديات التقنية الحديثة، مع ضمان تحقيق عدالة رقمية مستدامة . (Maximilian, 2023, pp215-239)
أولاً: التشريعات المقارنة
تُعد التشريعات المقارنة أداة رئيسية في التعامل مع التحديات القانونية الناشئة عن الاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تهدف إلى تقديم نماذج تنظيمية توازن بين تشجيع الابتكار التقني وحماية الحقوق الأساسية للأفراد والمجتمعات (قاف للدراسات، 2023، ص15-32). ويعكس هذا النهج إدراكًا متزايدًا للتفاوت الكبير بين الأنظمة القانونية للدول في طريقة معالجتها للتحديات التي يفرضها استخدام الذكاء الاصطناعي. لذلك، تصبح دراسة التجارب الدولية ضرورية لتحديد المعايير القانونية الأمثل التي تضمن التوفيق بين الابتكار والمسؤولية . (Oimedia News, 2022, pp20-40)
وعلى سبيل المثال، تعتمد بعض الدول نهجًا صارمًا يركز على الشفافية والمساءلة من خلال إلزام الشركات بالكشف عن آليات عمل الأنظمة الذكية، فيما تعتمد دول أخرى سياسات أكثر مرونة تهدف إلى تشجيع التطوير والابتكار مع تقليل التدخل التنظيمي (كريم، 2021، ص58-75). ومن خلال استلهام هذه النماذج المختلفة، يمكن تطوير إطار قانوني شامل يوازن بين تشجيع استخدام الذكاء الاصطناعي وضمان احترام المبادئ القانونية والأخلاقية . (البيومي، 2022، ص45-65)
وبالإضافة إلى ذلك، توفر التشريعات المقارنة منصة لتعزيز التعاون الدولي وضمان توافق النظم القانونية مع المبادئ الدولية للعدالة الرقمية. فمع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي بسرعة غير مسبوقة، أصبح من الضروري أن تكون هذه التشريعات قادرة على التكيف مع الابتكارات المستقبلية، مما يُمكّن الأنظمة القانونية من مواكبة هذا التطور مع الحفاظ على القيم القانونية الأساسية (وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، 2023، ص12-22).
التشريعات الأوروبية
تُعد أوروبا من أبرز المناطق الرائدة عالميًا في تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث أصدرت قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي (AI Act) كإطار تشريعي شامل يهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين الابتكار التقني وحماية الحقوق الأساسية. يتميز هذا القانون بصرامته وتنظيمه المتقدم، حيث يعتمد على تصنيف الأنظمة الذكية بناءً على مستويات الخطورة (منخفضة، متوسطة، وعالية)، مع التركيز على الأنظمة ذات المخاطر العالية مثل تلك المستخدمة في القطاع الطبي أو النظام القضائي .( European Commission, 2021, pp12-34)
يلزم القانون الشركات المطورة بالكشف عن الخوارزميات المستخدمة لضمان الشفافية والامتثال للمعايير الأخلاقية. علاوة على ذلك، يفرض القانون عقوبات صارمة على الشركات التي تنتهك معايير السلامة أو تسوئ استخدام الأنظمة الذكية .( IBM Insights, 2024)
في السياق الطبي، يشترط القانون إجراء اختبارات صارمة على أنظمة الذكاء الاصطناعي قبل اعتمادها في التشخيص الطبي. هذه المتطلبات تضمن تقليل أخطاء التشخيص وحماية حقوق المرضى، مما يعزز الثقة العامة في استخدام التكنولوجيا في الرعاية الصحية (Aimojo, 2024)..
التشريعات الأمريكية
تُقدم الولايات المتحدة نهجًا مغايرًا يتميز بالمرونة والتركيز على تشجيع الابتكار التكنولوجي مع تقليل التدخل التشريعي. تهتم التشريعات الأمريكية بحماية البيانات الشخصية كأولوية قصوى، مع إتاحة مساحة أكبر للشركات لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بحرية.(Maximilian Koenig, 2023, pp215-239)
تُعتبر هذه المرونة من أبرز مزايا النظام الأمريكي، حيث تعزز الابتكار وتسريع عمليات التطوير، خاصةً في القطاعات التقنية المتقدمة مثل المالية والصحية. مع ذلك، يواجه هذا النهج تحديات تتعلق بضعف الرقابة، مما قد يؤدي إلى استغلال بعض التقنيات لأغراض غير مشروعة أو إلحاق ضرر بالأفراد ) وزارة العدل الأمريكية، 2023، ص55-76)
على الرغم من ذلك، يظل النموذج الأمريكي فعالًا في تحفيز الابتكار، لكنه يثير تساؤلات مستمرة حول مدى قدرة هذا النظام على التعامل مع التجاوزات أو الأخطاء الناجمة عن الاستخدام غير الصحيح لهذه التقنيات (Neuron Expert, 2024.
التشريعات العربية: إطار قانوني مستقبلي للذكاء الاصطناعي
في العالم العربي، بدأت بعض الدول اتخاذ خطوات متقدمة لتنظيم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع إيلاء اهتمام خاص للجوانب الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية. تُعد الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة في هذا المجال، حيث أطلقت استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى دمج هذه التقنيات في مختلف القطاعات الحيوية، مثل التعليم، الصحة، والنقل. تعتمد هذه الاستراتيجية على توفير بيئة قانونية تُمكّن من الابتكار مع ضمان الالتزام بالقيم المجتمعية. تُبرز هذه الجهود رؤية الإمارات لتكون مركزًا عالميًا لتطوير الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031 (Government of the United Arab Emirates, 2024)
مقارنة بين التشريعات: منظور عالمي للحوكمة التقنية
عند مقارنة النماذج المختلفة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، نجد أن التشريعات الأوروبية تُعرف بصرامتها وشموليتها، حيث تسعى إلى وضع معايير دقيقة لتقييم المخاطر وضمان الشفافية والمساءلة. على الجانب الآخر، تُظهر التشريعات الأمريكية مرونة أكبر تُشجع على الابتكار من خلال تقليل القيود التنظيمية، لكنها تواجه تحديات تتعلق بضمان حماية البيانات ومنع إساءة استخدام التكنولوجيا. أما التشريعات العربية، فهي في مراحلها الأولى، لكنها تُظهر تقدمًا ملحوظًا في تبني منهجيات مستدامة تركز على الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية (Euronews, 2022)
تُبرز هذه المقارنة أهمية الاستفادة من التجارب الدولية لتطوير تشريعات عربية شاملة تُوازن بين الابتكار والمسؤولية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية البيئة الاجتماعية والثقافية في المنطقة.
ثانياً: بناء منظومة قضائية ذكية
تعريف المنظومة القضائية الذكية في ظل التوسع الهائل في استخدام التكنولوجيا في مختلف القطاعات، برز مفهوم المنظومة القضائية الذكية كنظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة العمليات القضائية وتعزيز الشفافية. تُستخدم هذه الأنظمة في عدة مجالات داخل النظام القضائي، أبرزها تحليل الأدلة الجنائية بدقة وسرعة، بالإضافة إلى تقديم توصيات قضائية قائمة على تحليل بيانات القضايا السابقة. على سبيل المثال، يمكن لنظام ذكاء اصطناعي أن يستعرض أحكامًا سابقة في قضايا مماثلة ويوفر خيارات قانونية للقضاة لمساعدتهم في اتخاذ قرارات مستنيرة .( European Commission, 2021, pp45-67)
الفوائد
المنظومة القضائية الذكية تُوفر مزايا متعددة، أبرزها:
1. الشفافية والمساواة: استخدام الذكاء الاصطناعي يقلل من احتمالية التحيز البشري في القرارات القضائية. تعتمد الخوارزميات على البيانات المدخلة بدلاً من العوامل الشخصية، مما يُعزز الثقة في نزاهة النظام القضائي.
2. تسريع الإجراءات القضائية: تُسهم الأنظمة الذكية في تقليل الوقت اللازم للفصل في القضايا، حيث يُمكنها معالجة كميات كبيرة من البيانات في وقت قصير، مما يُساعد في تخفيف عبء العمل عن المحاكم وتقليل تأخير العدالة . (Maximilian, 2023, pp215-239)
التحديات
على الرغم من الفوائد الواضحة، تواجه المنظومة القضائية الذكية تحديات كبيرة:
1. التحيز البرمجي: تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على البيانات المدخلة، مما يعني أنه إذا كانت هذه البيانات تحمل تحيزًا، فقد تُكرر الخوارزميات هذا التحيز في القرارات القضائية. على سبيل المثال، إذا كانت البيانات المستخدمة في تدريب النظام تحتوي على أنماط متحيزة ضد فئات معينة، فإن النظام قد يعكس هذه التحيزات في توصياته. (دهشان، 2020، ص78-94)
2. التكلفة: يتطلب تطوير واعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي موارد مالية كبيرة، بالإضافة إلى الحاجة إلى تدريب القضاة والمحامين على استخدام هذه التقنيات بفعالية. كما أن صيانة الأنظمة وتحديثها بشكل دوري يُضيف عبئًا إضافيًا على الموارد القضائية. (Hallevy,2015, pp54-76)
الخلاصة
تمثل المنظومة القضائية الذكية خطوة متقدمة نحو تحسين العدالة وتعزيز الشفافية، لكنها تتطلب معالجة التحديات المرتبطة بها لضمان نجاحها. لتحقيق هذا الهدف، يجب الاستثمار في تطوير خوارزميات محايدة وضمان توفير التمويل اللازم لدعم هذه الأنظمة.
ثالثاً: الرؤية المستقبلية
تحقيق التوازن بين الابتكار والعدالة
في ظل الاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري أن تُراعي التشريعات القضائية الذكية تحقيق توازن دقيق بين الابتكار والمسؤولية القانونية. هذا التوازن يهدف إلى تمكين التقنيات من المساهمة في تعزيز العدالة من جهة، وحماية الحقوق الفردية والجماعية من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، يمكن للأنظمة الذكية أن تساعد في تقليل التحيز البشري وتسريع إجراءات التقاضي، ولكن يجب أن تخضع لضوابط صارمة لضمان عدم استغلالها بشكل يخل بمبادئ العدالة ( European Union Agency for Fundamental Rights, 2022, pp23-45)
التعاون الدولي
تتطلب التحديات التقنية الحديثة تنسيقًا دوليًا واسع النطاق، حيث أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تُستخدم على نطاق عالمي، ما يجعل الفجوات التشريعية بين الدول فرصة لاستغلال الأنظمة القانونية بشكل غير مسؤول. بناءً على ذلك، يُوصى بوضع معايير قانونية موحدة تُحدد الاستخدامات المقبولة للذكاء الاصطناعي وتضمن التزام جميع الدول بالقيم الأخلاقية والقانونية المشتركة. على سبيل المثال، يمكن تطوير ميثاق دولي للذكاء الاصطناعي ينظم استخدامه في المجالات القضائية ويوفر آليات للمساءلة والمراقبة الدولية.( UNESCO, 2021, pp12-34)
التعليم والتدريب
لا يمكن بناء منظومة قضائية ذكية دون تدريب العاملين في المجال القضائي على استخدام هذه التقنيات بفعالية. يجب إدراج مناهج تعليمية متخصصة في تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل الكليات القانونية، مع تقديم برامج تدريبية مستمرة للقضاة والمحامين وموظفي المحاكم. هذه البرامج لا تُعزز فقط من فهمهم لهذه التكنولوجيا، ولكنها أيضًا تمكنهم من استخدامها بشكل يخدم العدالة ويضمن حقوق الأطراف المتنازعة . (OECD, 2023, pp67-89)
في الختام
إن استلهام التجارب الدولية في التشريعات المقارنة وتطوير منظومة قضائية ذكية يُمثل خطوة حاسمة نحو تعزيز العدالة الرقمية. من خلال الجمع بين أفضل الممارسات العالمية وتكييفها مع السياقات المحلية، يمكن للنظم القضائية أن تتصدى للتحديات التقنية بفعالية. هذا النهج يُحقق عدالة أكثر شفافية واستدامة، ويضمن حقوق الأفراد في ظل التطور التقني السريع.
ما يراه الباحث في المبحث الثاني: التحديات القانونية للمسؤولية الجنائية في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي
يرى الباحث أن الذكاء الاصطناعي، بتقنياته المتطورة وقدرته على اتخاذ قرارات مستقلة، قد أحدث تحولات جوهرية في النظام القانوني، ما أدى إلى إشكاليات معقدة تتعلق بالمسؤولية الجنائية وإثبات الأدلة الرقمية والضوابط الأخلاقية. هذه التحولات تتطلب من النظام القانوني أن يبتكر حلولًا جديدة تعيد صياغة الأطر التشريعية لمواكبة طبيعة هذه التقنية التي تتميز بالمرونة والاستقلالية.
أولًا: المسؤولية الجنائية في الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
يرى الباحث أن الذكاء الاصطناعي قد أوجد حالة من عدم اليقين القانوني فيما يتعلق بتحديد المسؤولية الجنائية عند وقوع الجرائم. ففي الجرائم التقليدية، تكون المسؤولية واضحة وتقع على فاعل الجريمة، بينما في الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تصبح الأسئلة أكثر تعقيدًا: هل يتحمل المطور المسؤولية عن تصميم النظام؟ أم المستخدم عن طريقة توجيه النظام؟ أم أن النظام ذاته مسؤول عن أفعاله المستقلة؟
الطرح القانوني:
1. المطور والمستخدم:
يرى الباحث أن المطور يتحمل المسؤولية إذا ثبت وجود عيوب في تصميم النظام أو في برمجته، بحيث لم يتوقع مخاطره المحتملة. أما المستخدم، فيتحمل المسؤولية إذا استغل النظام الذكي لأغراض غير مشروعة، مثل التوجيه المباشر لتنفيذ أفعال إجرامية.
2. المسؤولية الافتراضية:
يرى الباحث ضرورة استحداث مفهوم “المسؤولية الافتراضية”، بحيث تتحمل الأنظمة الذكية مسؤولية قانونية مستقلة تُنظمها تشريعات حديثة. ويقترح الباحث أن تُمول هذه المسؤولية من خلال صناديق تأمين إلزامية تُنشئها الشركات المطورة لتغطية الأضرار التي قد تسببها الأنظمة.
3. توزيع المسؤوليات:
يؤكد الباحث أن توزيع المسؤولية يجب أن يكون دقيقًا ومتوازنًا، بحيث يُراعى فيه طبيعة الأدوار المختلفة للمطورين والمستخدمين والأنظمة الذكية. ويقترح الباحث وضع معايير قانونية تُحدد مستويات المسؤولية بناءً على مدى تدخل كل طرف في الحادثة.
ثانيًا: إثبات الأدلة الرقمية في ظل تطور الذكاء الاصطناعي
يرى الباحث أن الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قد أدت إلى تعقيد عملية جمع الأدلة وإثباتها أمام المحاكم. الأدلة الرقمية، التي كانت تُعتبر في الماضي وسيلة موثوقة، أصبحت الآن عرضة للتزييف بفضل تقنيات مثل التزييف العميق، مما يجعل من الصعب على المحاكم التحقق من صحتها.
الإشكالية القانونية:
1. التحديات التقنية: الأدلة الرقمية أصبحت أكثر تعقيدًا نظرًا للطبيعة المتطورة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل إنشاء مقاطع فيديو وصور مزيفة يصعب اكتشافها بالوسائل التقليدية.
2. الحلول القانونية:
يرى الباحث أن التعامل مع هذه الأدلة يتطلب:
وضع بروتوكولات قانونية دقيقة: تُحدد معايير قبول الأدلة الرقمية أمام المحاكم وتضمن نزاهتها.
تطوير أدوات تقنية متقدمة: تعتمد على الذكاء الاصطناعي نفسه لتحليل الأدلة الرقمية والتحقق من صحتها.
تدريب القضاء: يؤكد الباحث على أهمية تدريب القضاة والمحامين لفهم طبيعة الأدلة الرقمية وكيفية التعامل معها.
3. التعاون الدولي:
يرى الباحث ضرورة تعزيز التعاون بين الدول لوضع معايير موحدة لإثبات الأدلة الرقمية، بما يُسهم في تقليل التفاوت بين الأنظمة القانونية المختلفة.
ثالثًا: الضوابط الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي
يرى الباحث أن الذكاء الاصطناعي يُثير قضايا أخلاقية عميقة تتعلق باستخدامه بطرق قد تضر بحقوق الأفراد أو تعرضهم للخطر. الأنظمة الذكية قد تتخذ قرارات تنطوي على انحياز أو تؤدي إلى انتهاك الخصوصية، ما يجعل من الضروري وضع إطار أخلاقي صارم ينظم استخدامها.
الضوابط المقترحة:
1. الشفافية:
يرى الباحث أن الشركات المطورة يجب أن تلتزم بتوضيح كيفية عمل الأنظمة الذكية وكيفية اتخاذها للقرارات، من خلال تقارير شفافية دورية تُعرض على الجهات الرقابية.
2. المساءلة الأخلاقية:
يقترح الباحث فرض عقوبات قانونية صارمة على الشركات التي تُثبت انتهاكها للضوابط الأخلاقية أو التي تُنتج أنظمة ذكاء اصطناعي تنطوي على مخاطر غير مبررة.
3. حماية الخصوصية:
يرى الباحث أن استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يضمن حماية بيانات الأفراد وخصوصيتهم، مع وضع قوانين تُجرّم أي استخدام غير مشروع لهذه البيانات.
رابعًا: تطوير التشريعات المرنة والقابلة للتكيف
يشدد الباحث على أن التشريعات التقليدية لم تعد كافية للتعامل مع تعقيدات الذكاء الاصطناعي، ما يتطلب وضع قوانين مرنة تُراعي التطور السريع للتقنية.
الإطار التشريعي المقترح:
1. تحديد المسؤوليات القانونية:
يرى الباحث أن التشريعات يجب أن تُحدد بوضوح دور المطورين والمستخدمين والأنظمة الذكية في أي حادثة أو جريمة.
2. إنشاء صناديق تأمين:
يُوصي الباحث بإنشاء صناديق تأمين تُمولها الشركات المطورة، بحيث تُستخدم لتعويض الأضرار الناتجة عن الأنظمة الذكية.
3. تعزيز التعاون الدولي:
يرى الباحث أهمية وضع معاهدات دولية تُنظم استخدام الذكاء الاصطناعي وتواجه الجرائم العابرة للحدود.
ختامًا: الرؤية الشاملة للمبحث الثاني
يرى الباحث أن التعامل مع التداعيات القانونية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي يتطلب استجابة شاملة، تشمل:
1. تطوير الأطر القانونية بما يواكب تطور التقنية.
2. وضع معايير موحدة لإثبات الأدلة الرقمية وتعزيز الثقة بها.
3. إنشاء إطار أخلاقي صارم يُنظم استخدام الذكاء الاصطناعي ويضمن حماية الحقوق الأساسية.
4. تعزيز التعاون بين الدول لمكافحة الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
5. رفع مستوى الوعي المجتمعي بمخاطر الذكاء الاصطناعي وسبل الوقاية منها.
بهذا الطرح، يؤكد الباحث أن الذكاء الاصطناعي يحمل فرصًا كبيرة، لكنه يتطلب ضوابط قانونية وأخلاقية دقيقة تضمن استخدامه بشكل مسؤول يخدم الإنسانية ويحافظ على الحقوق.
خاتمة الدراسة:
الذكاء الاصطناعي والجريمة: الأطر القانونية للمسؤولية الجنائية في العصر الرقمي
تُسلط هذه الدراسة الضوء على واحد من أكثر المواضيع أهمية في العصر الرقمي، وهو دور الذكاء الاصطناعي في تطور الجرائم والمسؤولية الجنائية الناتجة عنه. تناولت الدراسة بعمق التأثيرات القانونية والتحديات الأخلاقية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على الأنظمة القانونية التقليدية، مع التركيز على الأطر القانونية التي يمكن أن تعالج هذه الظاهرة. عبر استعراض المبحثين الرئيسيين، ركزت الدراسة على التطورات التقنية وتأثيرها على الجرائم الرقمية من جهة، وعلى التحديات القانونية للمسؤولية الجنائية من جهة أخرى، مما وفّر رؤية شاملة لمستقبل القانون في مواجهة هذه التحديات
أولاً: أبرز نتائج الدراسة
1. قصور التشريعات التقليدية وعدم مواكبتها للتطورات التقنية: أكدت الدراسة أن التشريعات التقليدية، التي تعتمد بشكل أساسي على مفهوم الفاعل البشري، أصبحت غير كافية للتعامل مع الجرائم الرقمية التي تنشأ عن الذكاء الاصطناعي. الأنظمة القانونية الحالية تواجه صعوبة في استيعاب الطبيعة المستقلة للأنظمة الذكية، خاصة تلك التي تتخذ قرارات دون تدخل بشري مباشر
2. تعقيد الجرائم الرقمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي: ظهر أن الجرائم التقليدية مثل الاحتيال المالي والاختراق الإلكتروني أصبحت أكثر تعقيدًا نتيجة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التزييف العميق وتحليل البيانات الضخمة. هذا التعقيد يجعل من الصعب كشف الجناة أو تقديمهم للمحاكمة، مما يفرض تحديات إضافية على الأجهزة القضائية.
3. ظهور أنماط جديدة من الجرائم: كشفت الدراسة عن ظهور جرائم جديدة كليًا مثل استغلال الأنظمة الذاتية التعلم في الهجمات الإلكترونية واستغلال الثغرات التقنية للذكاء الاصطناعي. هذه الجرائم تتطلب إعادة صياغة لمفاهيم المسؤولية الجنائية لتشمل المطورين والمشغلين والمستخدمين النهائيين.
4. التحديات الأخلاقية والقانونية: تناولت الدراسة التحديات الأخلاقية المرتبطة بحماية الخصوصية وضمان الشفافية في استخدام الأنظمة الذكية. كما أكدت الحاجة إلى تحديد معايير واضحة لتوزيع المسؤولية الجنائية بين الأطراف المختلفة.
5. أهمية التشريعات المقارنة: أشارت الدراسة إلى أهمية الاستفادة من التجارب الدولية، مثل قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي والنماذج الأمريكية المرنة، لتطوير تشريعات وطنية متقدمة.
6. الحاجة إلى التعاون الدولي: أكدت الدراسة أن الجرائم الرقمية العابرة للحدود تتطلب تعاونًا دوليًا مكثفًا لوضع أطر قانونية موحدة واعتماد مواثيق عالمية لمكافحة هذه الجرائم.
7. تحديات تقنية وقضائية: برزت تحديات تقنية تتعلق بفهم الخوارزميات وآليات اتخاذ القرارات في الأنظمة الذكية، مما يجعل من الصعب إثبات الجرائم أو تحديد المسؤوليات.
ثانيًا: التوصيات
1. إعادة صياغة التشريعات الوطنية: يجب تطوير قوانين جديدة تُعالج القصور الحالي وتأخذ في الاعتبار الطبيعة المستقلة للأنظمة الذكية، مع تحديد المسؤوليات القانونية بوضوح.
2. إنشاء هيئات رقابية متخصصة: ضرورة وجود هيئات مستقلة تُشرف على الأنظمة الذكية لضمان التزامها بالمعايير القانونية والأخلاقية.
3. تعزيز التعاون الدولي: الدعوة إلى تبني مواثيق دولية تُوحّد الجهود القانونية وتعزز التعاون بين الدول لمكافحة الجرائم الرقمية العابرة للحدود.
4. إشراك الخبراء التقنيين: إشراك خبراء الذكاء الاصطناعي في صياغة التشريعات ومراجعتها لضمان توافقها مع الطبيعة التقنية لهذه الأنظمة.
5. تطوير برامج تدريبية: إطلاق برامج تدريبية للمشرعين والقضاة لتعزيز فهمهم للتقنيات الحديثة وتأثيراتها القانونية.
6. تعزيز البحث العلمي: دعم إنشاء مراكز بحثية متخصصة تُجري دراسات معمقة حول العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والقانون، وتُقدم توصيات عملية لصياغة تشريعات متطورة
7. وضع معايير موحدة لإثبات الجرائم الرقمية: تطوير أدوات تقنية وقانونية تُساعد على إثبات الجرائم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مع وضع معايير لقبول الأدلة الرقمية في المحاكم.
8. التوعية المجتمعية: تعزيز الوعي بين الأفراد حول مخاطر الجرائم الرقمية وكيفية الوقاية منها، مع تعزيز ثقافة الاستخدام المسؤول للتقنيات الذكية.
ثالثًا: الخلاصة
تُبرز هذه الدراسة أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل هو عامل يُعيد تشكيل مفهوم الجريمة والمسؤولية القانونية في العصر الرقمي. إن القوانين التقليدية أصبحت قاصرة عن مواجهة التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، مما يتطلب إعادة صياغة شاملة للأطر القانونية لتواكب هذا التحول.
إن بناء نظام قانوني متكامل يُحقق التوازن بين الابتكار وحماية الحقوق ليس خيارًا، بل ضرورة حتمية لضمان عدالة مستدامة. لتحقيق ذلك، يتطلب الأمر تعاونًا مشتركًا بين المشرعين، الخبراء التقنيين، والمجتمع الدولي لتطوير تشريعات تتسم بالمرونة والشمولية.
الدراسة بذلك تُعد نقطة انطلاق نحو رؤية قانونية جديدة تُركز على حماية الحقوق وتعزيز العدالة في ظل التحولات التقنية المتسارعة. هذه الرؤية تتطلب استراتيجيات متكاملة تضع في اعتبارها التحديات الحالية والفرص المستقبلية، مع الالتزام بضمان الاستخدام المسؤول والآمن للذكاء الاصطناعي في جميع المجالات.
قائمة المصادر والمراجع
قائمة المصادر العربية :
الكتب والأبحاث المتخصصة
الخباني، محسن محمد.(2023). التنظيم القانوني للذكاء الاصطناعي: دراسة وصفية تحليلية في إطار التشريع المدني الإماراتي والأوروبي. القاهرة: دار النهضة العلمية للنشر والتوزيع.
الأخنش، نورة أمينة، ومحمد العيداني. (2023). الذكاء الاصطناعي كآلية لمجابهة الجريمة الإلكترونية.” مجلة القانون والعلوم البيئية، ص 528-544.
رابط: https://asjp.cerist.dz/en/article/231020.
البيومي، رضا إبراهيم عبد الله. (2022). الحماية القانونية من مخاطر الذكاء الاصطناعي: دراسة تحليلية مقارنة.” المجلة القانونية، كلية الحقوق، جامعة المنصورة، العدد الرابع، ص 45–65. رابط: https://jlaw.journals.ekb.eg/article_325097.html.
بن علي، سمية. (2023). مساهمة الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الاحتيال في القطاع المصرفي باستخدام تطبيق الأمن السيبراني: بنك Danske الدنماركي أنموذجًا.” مجلة أبعاد اقتصادية، 13(2) (2023): 39-63. رابط: https://asjp.cerist.dz/en/article/235877.
سعيد، وليد سعد الدين محمد. (2022). المسؤولية الجنائية الناشئة عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي. مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، 64(2)، ص 1-55.
شحاته، سمر عادل. (2023). المسؤولية الجنائية الناشئة عن الجرائم المرتكبة بواسطة الذكاء الاصطناعي.” مجلة روح القوانين، 35(102): 1857-1884.
كتيب، عادل. (2025). المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي والروبوتات.” دراسات وأبحاث قانونية في العلوم الإدارية والاقتصادية. ص 12-15. تم الاطلاع عليه في 2 يناير 2025. https://www.droitetentreprise.com/المسؤولية-الجنائية-للذكاء-الاصطناعي/.
عبدالرزاق، رانا مصباح عبدالمحسن. (2021). تأثير الذكاء الاصطناعي على الجريمة الإلكترونية. المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل – العلوم الإنسانية والإدارية، 22(1)، ص 430-437. رابط: https://search.mandumah.com/Record/1091336.
الفلاسي عبد الله أحمد مطر. (2021). المسؤولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء الصناعي، المجلة القانونية، ص 78-102
الدسوقي، منى محمد العتريس. (2022). جرائم تقنيات الذكاء الاصطناعي والشخصية القانونية الإلكترونية المستقلة: دراسة مقارنة.”مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق، جامعة المنصورة، العدد 81 ، 1132–1215.
قاسم، مراد محمد غالب محمد. (2023). دور الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجريمة الإلكترونية: دراسة مقارنة.” مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات القانونية والقضائية، العدد الخاص (2023): 90-114. رابط: https://mucjournals.muc.edu.ps/index.php/pub/article/view/95.
ضبيشة، محمد نجيب حامد عطية. (2023). “المسؤولية الجنائية الناشئة عن جرائم الذكاء الاصطناعي: دراسة تأصيلية.” مجلة البحوث القانونية والاقتصادية. صفحة 33-40. تم الاطلاع عليه في 2 يناير 2025. https://journals.ekb.eg/article_344079.html.
مغايرة، علاء الدين منصور. (2010). جرائم الذكاء الاصطناعي وسبل مواجهتها: جرائم التزييف العميق نموذجًا. المجلة الدولية للقانون، جامعة قطر، (10)، 45-68.
رابط: https://journals.qu.edu.qa/index.php/IRL/article/view/4508.
الرسائل العلمية:
بدر، مجدولين رسمي كامل. (2022) المسؤولية المدنية الناشئة عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التشريع الأردني. رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، عمان، 2022.
الرويلي، غدير مجادب. (2023).المسؤولية الجنائية عن إساءة استخدام تقنية التزييف العميق: دراسة مقارنة.” رسالة ماجستير، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، السعودية.
بن عودة، حسكر مراد. (2022).إشكالية تطبيق أحكام المسؤولية الجنائية على جرائم الذكاء الاصطناعي.” رسالة ماجستير، جامعة قسنطينة، الجزائر.
الكساسبة، وسن. (2023). أثر الذكاء الاصطناعي في الحد من الاحتيال المالي في البنوك التجارية الأردنية. رسالة ماجستير، جامعة جدارا.
شحاتة، سمر عادل. “المسؤولية الجنائية الناشئة عن الجرائم المرتكبة بواسطة الذكاء الاصطناعي.” رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 2023.
المقالات:
الجزيرة نت. “تقنيات التزييف الصوتي العميق.. أحدث أشكال الجرائم الإلكترونية التي تهدد الأمن.” 31 أكتوبر 2021. رابط: https://www.aljazeera.net/tech/2021/10/31/تقنيات-التزييف-الصوتي-العميق-أحدث-أشكال-الجرائم-الإلكترونية-التي-تهدد.
العربية. “أول قانون شامل للذكاء الاصطناعي في العالم يدخل حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي.”و1 أغسطس 2024. رابط: https://www.alarabiya.net/aswaq/technology/2024/08/01/أول-قانون-شامل-للذكاء-الاصطناعي-في-العالم-يدخل-حيز-التنفيذ-في-الاتحاد-الأوروبي.
النجاح نت. “الذكاء الاصطناعي ومكافحة الجريمة: تحديات وفرص.”2022. رابط: https://www.annajah.net/الذكاء-الاصطناعي-ومكافحة-الجريمة-تحديات-وفرص-article-40337.
النجاح نت. “تقنية التزييف العميق (Deepfake): كيف تعمل؟ وما هي مخاطرها؟”2021. رابط: https://www.annajah.net/تقنية-التزييف-العميق-deep-fake-كيف-تعمل-وما-هي-مخاطرها-article-34143.
مسار. “قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي: الأهداف والبنية والأحكام.”2024. رابط: https://masar.net/قانون-الاتحاد-الأوروبي-للذكاء-الاصطناعي-الأهداف-والبنية-والأحكام/.
دويتشه فيله. “الاتحاد الأوروبي يعتمد قانونًا رائدًا للذكاء الاصطناعي.”21 مايو 2024.
رابط: https://www.dw.com/ar/الاتحاد-الأوروبي-يعتمد-قانونًا-رائدًا-للذكاء-الاصطناعي/a-57612345.
رمضان، محمد محسن. “التزييف العميق.. التحديات المستقبلية للأمن السيبراني.”
مؤسسة حرف، 2023. رابط: https://www.haarf.org/1386.
رمضان، محمد محسن. “الذباب الإلكتروني والتزييف العميق.” العرب 2030، 3 أشهر مضت. رابط: https://alarab2030.com/الذباب-الإلكتروني-والتزييف-العميق/.
التقارير الرسمية والدراسات المؤسسية
التقارير الرسمية.
وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة. “الميثاق الوطني لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.” الأردن، 2023، ص 12-22. رابط: https://www.modee.gov.jo/Ar/NewsDetails/الميثاق_الوطني_لاخلاقيات_الذكاء_الاصطناعي.
وزارة العدل الأمريكية. “قوانين حماية البيانات وتطوير الذكاء الاصطناعي.” الولايات المتحدة، 2023، ص 55-76. رابط: https://www.justice.gov/data-protection-ai-laws.
الاتحاد الأوروبي. “قانون الذكاء الاصطناعي: الأهداف والبنية والأحكام.” الاتحاد الأوروبي، 2024، ص 25-30. رابط: https://masar.net/قانون-الاتحاد-الأوروبي-للذكاء-الاصطناعي-الأهداف-والبنية-والأحكام/.
الاتحاد الأوروبي. “Proposal for a Regulation on a European Approach for Artificial Intelligence.” 2021، ص 12-35. رابط: https://eur-lex.europa.eu/legal-content/EN/TXT/?uri=CELEX:52021PC0206.
الدراسات المؤسسية.
بريمر، ايان، سليمان، مصطفى، (2023). “ركائز حوكمة الذكاء الاصطناعي. صندوق النقد الدولي، رابط: https://www.imf.org/ar/Publications/fandd/issues/2023/12/POV-building-blocks-for-AI-governance-Bremmer-Suleyman.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). “Artificial Intelligence in Society.” OECD Publishing، 2020، ص 78-95. رابط: https://www.oecd.org/digital/artificial-intelligence-in-society-9789264312014-en.htm.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). “AI in the Justice System: Challenges and Opportunities.” OECD Legal Publications، 2023، ص 67-89. رابط: https://www.oecd.org/ai-justice-system.
اليونسكو. “Ethical Guidelines for Artificial Intelligence.” اليونسكو، 2021، ص 12-34. رابط: https://unesdoc.unesco.org/ai-guidelines.
الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي. “الذكاء الاصطناعي في المملكة.” الرياض، 2024. رابط: https://sdaia.gov.sa/ar/SDAIA/about/Pages/AboutAI.aspx.
غورغييفا، كريستالينا، (2024). “الذكاء الاصطناعي سيُحْدِثُ تحولًا في الاقتصاد العالمي، فدعونا نتأكد من أنه يفيد البشرية.” صندوق النقد الدولي تم الوصول إليه في 7 ديسمبر 2024.
المواقع الإلكترونية العامة
الجزيرة نت. “تقنيات التزييف الصوتي العميق.. أحدث أشكال الجرائم الإلكترونية التي تهدد الأمن.”
تم الوصول إليه في 31 أكتوبر 2021.
https://www.aljazeera.net/tech/2021/10/31/تقنيات-التزييف-الصوتي-العميق-أحدث-أشكال-الجرائم-الإلكترونية-التي-تهدد.
موقع النجاح نت. “الذكاء الاصطناعي ومكافحة الجريمة: تحديات وفرص.”
تم الوصول إليه في 2022.
https://www.annajah.net/الذكاء-الاصطناعي-ومكافحة-الجريمة-تحديات-وفرص-article-40337.
موقع النجاح نت. “تقنية التزييف العميق (Deepfake): كيف تعمل؟ وما هي مخاطرها؟”
تم الوصول إليه في 2021.
https://www.annajah.net/تقنية-التزييف-العميق-deep-fake-كيف-تعمل-وما-هي-مخاطرها-article-34143.
موقع العربية. “أول قانون شامل للذكاء الاصطناعي في العالم يدخل حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي.”
تم الوصول إليه في 1 أغسطس 2024.
https://www.alarabiya.net/aswaq/technology/2024/08/01/أول-قانون-شامل-للذكاء-الاصطناعي-في-العالم-يدخل-حيز-التنفيذ-في-الاتحاد-الأوروبي.
موقع النجاح نت. “الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجرائم السيبرانية.”
تم الوصول إليه في 2023.
https://www.annajah.net/الذكاء-الاصطناعي-في-مكافحة-الجرائم-السيبرانية.
الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا). “الذكاء الاصطناعي في المملكة.”
تم الوصول إليه في 2024.
https://sdaia.gov.sa/ar/SDAIA/about/Pages/AboutAI.aspx.
موقع DW العربية. “الاتحاد الأوروبي يعتمد قانونًا رائدًا للذكاء الاصطناعي.”
تم الوصول إليه في 21 مايو 2024.
https://www.dw.com/ar/الاتحاد-الأوروبي-يعتمد-قانونًا-رائدًا-للذكاء-الاصطناعي/a-57612345.
موقع قاف للدراسات القانونية. “التحديات القانونية المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي في الأردن.”
تم الوصول إليه في 22 ديسمبر 2024.
https://www.qaafe.net/items-6/التحديّات-القانونية-المرتبطة-بتقنيات-الذكاء-الاصطناعي-في-الأردن.
موقع مسار. “قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي: الأهداف والبنية والأحكام.”
تم الوصول إليه في 2024.
https://masar.net/قانون-الاتحاد-الأوروبي-للذكاء-الاصطناعي-الأهداف-والبنية-والأحكام/.
موقع المنصة القانونية. “تنظيم الذكاء الاصطناعي: تشريعات حديثة ومستقبلية.”
تم الوصول إليه في 2023.
https://legalplatform.com/تنظيم-الذكاء-الاصطناعي.
الوثائق الحكومية والتشريعات
وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، الأردن. “الميثاق الوطني لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.”
نشر في 2023.
تم الوصول إليه في 22 ديسمبر 2024.
https://www.modee.gov.jo/Ar/NewsDetails/الميثاق_الوطني_لاخلاقيات_الذكاء_الاصطناعي.
الاتحاد الأوروبي. “قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي: مقترح لنهج أوروبي موحد.”
نشر في 2021.
تم الوصول إليه في 22 ديسمبر 2024.
https://eur-lex.europa.eu/legal-content/EN/TXT/?uri=CELEX:52021PC0206.
الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا). “مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.”
تم الوصول إليه في 7 ديسمبر 2024.
https://sdaia.gov.sa/ar/SDAIA/about/Documents/ai-principles.pdf.
الاتحاد الأوروبي. “الخطوط التوجيهية للشفافية في استخدام الذكاء الاصطناعي.”
نشر في 2023.
تم الوصول إليه في 22 ديسمبر 2024.
https://digital-strategy.ec.europa.eu/en/policies/transparency-requirements-ai.
الاتحاد الأوروبي. “التحديات الأخلاقية والقانونية للذكاء الاصطناعي.”
نشر في 2021.
تم الوصول إليه في 19 ديسمبر 2024.
https://digital-strategy.ec.europa.eu/en/library/ethics-and-legal-challenges-ai.
المراجع الاجنبيه
1. الكتب والمقالات المتخصصة:
Darling, Kate (2017). Artificial Intelligence and Legal Liability. Harvard Journal of Law & Technology, Vol. 30, No. 2 , pp. 121–135.https://jolt.law.harvard.edu/assets/article-pdfs/vol30/02-darling.pdf
1. Hallevy, Gabriel. (2015). The Criminal Liability of Artificial Intelligence Entities. Springer. https://link.springer.com/book/10.1007/978-3-319-10124-8
2. OECD. Artificial Intelligence in Society. OECD Publishing, 2020.https://www.oecd.org/digital/artificial-intelligence-in-society-9789264312014-en.htm
3. Seixas-Nunes, Afonso. The Legality and Accountability of Autonomous Weapon Systems. Cambridge University Press, 2022. https://www.cambridge.org/core/books/legality-and-accountability-of-autonomous-weapon-systems.
4. Wagner, Markus (2016). Autonomous Weapon Systems. Max Planck Encyclopedia of Public International Law, https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=2786136
5. Hallevy, Gabriel (2013). When Robots Kill: Artificial Intelligence under Criminal Law. Northeastern University Press, https://nupress.northeastern.edu/book/when-robots-kill
6. Geist, Michael A.(2022) Algorithmic Accountability in AI Systems. Cambridge University Press, https://www.cambridge.org/core/books/algorithmic-accountability-in-ai-systems
7. Leenes, Ronald (2019). Liability for Crimes Involving Artificial Intelligence Systems. In Information Technology and Law Series. Springer, https://link.springer.com/book/10.1007/978-3-030-29053-5
2. الأبحاث المتخصصة:
1. Frost, Eleanor. (2022) “Frameworks for AI Accountability in the European Union.” Cambridge Journal of Law and Policy, Vol. 15 67–94. https://www.cambridge.org/ai-accountability
2. Hallevy, Gabriel. (2010) “Liability for Crimes Involving Artificial Intelligence Systems.” Akron Intellectual Property Journal, Vol. 4, No. 2 : 171–201. https://ideaexchange.uakron.edu/akronintellectualproperty/vol4/iss2/1
3. Koenig, Maximilian. (2023) “AI Governance and Shared Accountability.” European Law Journal, Vol. 29, Issue 3 215–239. https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/eulj.12345
4. eenes, Ronald.(2022) “Liability for Artificial Intelligence Entities.” International Review of Law, Vol. 56 65–88. https://www.irljournal.org/articles/liability-ai.pdf
5. Wagner, Markus (2016). “Autonomous Weapon Systems.” Max Planck Encyclopedia of Public International Law, : 10–20. https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=2786136
3. الدراسات المؤسسية الدولية
1. European Union Agency for Cybersecurity (ENISA). “AI and Cybersecurity: Challenges and Policy Recommendations.” 2023. Accessed December 15, 2024. https://www.enisa.europa.eu/publications/ai-and-cybersecurity.
2. European Union Agency for Fundamental Rights (FRA). “Artificial Intelligence and Its Impact on Human Rights.” FRA Publications, 2022. Accessed December 15, 2024.https://fra.europa.eu/ai-human-rights.
3. OECD. “AI in the Justice System: Challenges and Opportunities.” OECD Legal Publications, 2023. Accessed December 15, 2024.https://www.oecd.org/ai-justice-system.
4. OECD. “Artificial Intelligence in Society.” OECD Publishing, 2019. Accessed December 15, 2024. https://www.oecd.org/publications/artificial-intelligence-in-society-9789264956994-en.htm.
5. UNESCO. “AI Ethics and Legal Frameworks.” UNESCO Publications, 2021. Accessed December 15, 2024. https://unesdoc.unesco.org/ai-ethics-frameworks.
6. UNESCO. “Ethical Guidelines for Artificial Intelligence.” UNESCO Publications, 2021. Accessed December 15, 2024.https://unesdoc.unesco.org/ai-guidelines.
7. United Nations. “AI Regulatory Frameworks: Towards a Unified Approach.” European Union Publications, 2023. Accessed December 15, 2024. https://ec.europa.eu/ai-regulations.
4. المواقع الإلكترونية:
1. European Commission. “Artificial Intelligence Act Overview.” https://ec.europa.eu/digital-strategy/ai-act.
2. IBM. “Preparing for the European Union AI Act.” https://www.ibm.com/sa-ar/think/insights/eu-ai-act.
3. Neuron Expert. “Protecting Data Privacy as a Baseline for Responsible AI.” https://neuron.expert/news/protecting-data-privacy-as-a-baseline-for-responsible-ai.
4. OECD. “Artificial Intelligence in Society.” https://www.oecd.org/ai/society.
5. UAE Government. “UAE Strategy for Artificial Intelligence.” https://u.ae/en/ai-strategy.
5. الوثائق الحكومية:
الوثائق الحكومية الأجنبية :
1. European Union. “AI Regulation Framework.” https://eur-lex.europa.eu/ai-regulation.
2. United Nations. “Ethical AI Guidelines for Member States.” https://www.un.org/ai-ethics-guidelines.
3. United Arab Emirates. “AI Development and Integration Strategies.” https://government.ae/ai-strategies.
6. التشريعات:
1. European Union. “AI Act: A Unified Regulatory Framework.” https://eur-lex.europa.eu/ai-act.
2. United Kingdom. “Ethical Use of AI in Public Services Act 2023.”: https://gov.uk/ai-public-services-act-2023.
7. المقالات العامة والتخصصية:
المقالات الأجنبية
1. Frost, Eleanor. “AI in Criminal Justice Systems.” Cambridge Law Review. https://cambridge.org/ai-criminal-justice.
2. Geist, Michael A. “Algorithmic Accountability in AI Systems.” Harvard Law Review. https://harvardlawreview.org/algorithmic-accountability-ai.
3. Leenes, Ronald. “AI and Criminal Liability: Legal Challenges.” International Review of Law. https://international-review-law.org/ai-criminal-liability.
4. UNESCO. “AI and Ethical Decision Making.”: https://unesco.org/ai-ethic