بحوث قانونية

الصياغة الفنية لأحكام وقرارات المحاكم المالية “محاولة تأصيلية”

images

إعداد الأستاذ محمد بورمضان

باحث

 

الباب الأول:

أحكام وقرارات المحاكم المالية محررات رسمية

لها حجية المحررات القضائية الرسمية

تصاغ بالعربية المعيارية وتطفح بمصطلحات ميدانية

 

ونفصل العرض في هذا الباب إلى فصلين:

 

الفصل الأول:

أحكام وقرارات المحاكم المالية محررات رسمية لها حجية المحررات القضائية الرسمية

أطلق المشرع في مدونة المحاكم المالية (م م م) ـ بالخصوص في المواد 36، 37، 39، 40، 45، 47، 48، 49، 50، 65، 68، 70، 72، 73، 74، 129، 130، 135، 140، 141 ـ على العمل الذي يصدر عن المجالس الجهوية للحسابات سواء في ميدان التدقيق في الحسابات أو في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية مصطلح حكم وأحكاموعلى نفس العمل الذي صدر عن المجلس الأعلى للحسابات في نفس الموضوعين ابتدائيا أو انتهائيا وعلى وجه الاستئناف مصطلح قرار وقراراتمع اعتبار مجال التأديب مهمة قضائيةبنص القانون (م51 و136).

 

وأوجب المشروع في نفس المدونة (م م م) على المستشار المقرر في نفس الموضوعين أن يحرر الحكم أو القرار، الأمر الذي يستشف معه أن الحكم أو القرار لا يكون إلا محررا مكتوبا.

 

وتعتبر الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم المغربية محررات رسمية بنص الفصل 418 من قانون الالتزامات والعقود (ق ل ع )، وذات حجية قانونية للشيء المقضي به عملا بنص الفصلين 450و451 من ق ل ع .

 

الفضل الثاني :وجوب صياغة أحكام وقرارات المحاكم المالية باللغة العربية المعيارية الطافحة بالمصطلحات الميدانية يترتب على صدور أحكام وقرارات المحاكم المالية على شكل محررات رسمية لها حجية المحررات القضائية الرسمية وعلى أن قضاتها يؤلفون هيئة موحدة ذات نظام أساسي خاص مواز ومشابه للنظام العام للقضاة (الكاتب الثالث من م م م) وجوب تحريرها باللغة العربية عملا بقانون توحيد ومغربة القضاء وتعريبه الصادر الأمر بتنفيذه في 1965.1.26 المتضمن فصله الخامس النص على أن اللغة الغربية هي وحدها لغة المداولات المرافعات والأحكام في المحاكموذلك تفعيلا لما ورد في ديباجة الدساتير المتعاقبة للمملكة من أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة لغتها الرسمية هي اللغة العربية“.

 

وتستلزم صياغة أحكام وقرارات المحاكم المالية باللغة العربية، اللغة العربية الطافحة بالمصطلحات الميدانية أي ميدان الرقابة القضائية في مجال تصريف المال العام تحصيلا وإنفاقا، أي وجوب استعمال المصطلحات الميدانية المتداولة في المالية العامة.

 

وفي مقدمة هذه المصطلحات المتداولة في المالية العامة المصطلحات التي تطفح بها النصوص القانونية للمالية العامة ومدونة المحاكم المالية.

 

إن النصوص مجموعة من المفاهيم إذا حصلت الكليات وإذا لم تفقه الخطاب.

فالنصوص فصوص في عقد فريد تتجلى أفقيا في نسق تصوري شامل متكامل، وتنساب عموديا ركائز منظومة محكمة.

 

ويتلألأ العقد الفريد إذا صادف مهارة في التطبيق (الصنعة) وإبداعا في الإخراج (الفن).

والمصطلح لفظ مفرد أو مركب اكتسب داخل الاستعمال خصوصية دلالية جعلت منه تعبيرا عن مفهوم معين له موقع خاص داخل المنظومة.

 

والدعوة إلى اعتماد المصطلح في صياغة الأحكام والقرارات عموما، والصادرة عن المحاكم المالية على وجه الخصوص، باعتماد هذه الأخيرة المصطلحات المودعة في المنظومة القانونية للمالية العامة، يعني: فهمها فهما صحيحا، واعتماد دلالتها المتواضع عليها زمن نزول خطابها، وتجريدها من كل تحريف أو تأويل فاسد. مع النظر للألفاظ المتكررة في النص، ومراعاة السياق العام والخاص، إذ أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ الاصطلاحي موافقته لما سبق له ن خطاب، واتفاقه مع جملة المعنى، وائتلافه مع القصد الذي جاء له النص بجملته.

 

وهكذا فاصطلاح حكميعني في مدونة المحاكم المالية حكما صادرا عن المجلس الجهوي للحسابات، ومصطلح قراريعني قرارا صادرا عن المجلس الأعلى للحسابات، سواء في ميدان تدقيق الحسابات أو في مجال التأديب المالي، وهو معنى استخلص من الاستعمال هنا وهناك في مدونة المحاكم المالية باطراد.

 

وقد يعمد القانون إلى تحديد معنى المصطلح المستعمل في منظومة مقدما.

وهكذا يشار بمصطلح المجلسفي القانون 99/62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية إلى المجلس الأعلى للحساباتالذي يتولى الرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية (م 2 م م م ويشار بمصطلح المجلس الجهويفي نفس القانون إلى كل مجلس جهوي للحساباتيحدث في كل  جهة  من  جهات  المملكة  لمراقبة  حسابات  الجماعات  المحلية  وهيئاتها  وكيفية  قيامها  بتدبير  شؤونها   (م 117 م م م).

 

وهكذا بعدما نص الفصل 1 من المرسوم الملكي330.66 (1967.4.21)بسن نظام عام للمحاسبة العمومية في فقرته الأولى على أن المحاسبة العموميةهي مجموع القواعد التي تجرى ـ ماعدا في حالة مسن مقتضيات مخالفة ـ على العمليات المالية والحسابية للدولة والجماعات المحلية ومؤسساتها وهيئاتها والتي تحدد الالتزامات والمسؤوليات المنوطة بالأعوان المكلفين بها حدد في الفقرة الثانية مصطلح المنظمات العموميةبالأشخاص المعنويين بنفس المرسوم، كما اعتبر الفصل 3 منه أمرا عموميا بالصرف للمداخيل والنفقاتكل شخص مؤهل باسم منظمة عمومية لرصد أو إثبات أو تصفية أوامر باستخلاص دين أو أدائه. بمثل ما اعتبر محاسبا عمومياكل موظف أو عون مؤهل للقيام باسم منظمة عمومية بعمليات المداخيل أو النفقات أو تناول السندات إما بواسطة أموال أو قيم معهود إليها بها، وإما بتحويل داخلي لحسابات، ,غم بواسطة محاسبين عموميين آخرين أو حسابات خارجية للتوفرات التي يأمر بتروجيها أو مراقبتها، كما اعتبر الفصل 1 من المرسوم الملكي 183.68 (1968.7.31) بمثابة مصالح تسيرها الدولة بصفة مستقلةحسب مدلول الفصل 65 من المرسوم الملكي 330.66 (21/4/1967) ، مصالح الدولة التي يغطى بموارد خاصة بعض نفقاتها غير المقتطعة من الميزانية العامة للدولة.

 

وهكذا يراد ـ حسب مدلول الظهير 1.76.584 (30/9/1976) بمثابة قانون يتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية وهيئاتها ـ بعبارة الجماعات المحليةالعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية ونقابات الأقاليم أو العمالات ونقابات الجماعات، وبعبارة أمر بالصرفالعامل فيما يخص العمالات والأقاليم ورئيس المجلس الجماعي فيما يخص بعض الجماعات الحضرية والقروية ورئيس مجل المجموعة الحضرية ورئيس اللجنة النقابية فيما يخص النقابات وبلفظ قابضالمحاسب العمومي وأمين صندوق الجماعة المحلية أو الهيئة، وبعبارة مجلس تداوليمجلس العمالة أو الإقليم أو المجلس الجماعي أو مجلس المجموعة الحضرية أو اللجنة النقابية (الفصل 2 من الظهير المذكور).

 

وهكذا حدد الفصل 1 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة النافذة بظهير 1977.10.9 المقصود من التراب الجمركيالتراب الوطني بما فيه المياه الإقليمية، ومن التراب الخاضعالجزء الأرضي من التراب الجمركي باستثناء المناطق الحرة ومن المناطق الحرةمناطق مكونة داخل التراب الجمركي لا يسري عليها كل أو بعض التشريع والنظام الجمركيين. ومن الاستيراددخول بضائع آتية من الخارج أو من المناطق الحرة إلى التراب الخاضع للنظام الجمركي، ومن عرض البضائع للاستهلاكقبول الدخول الحر للبضائع الآتية من الخارج أو من المناطق الحرة إلى التراب الخاضع بعد استيفاء عمليات الاستخلاص الجمركي، ومن التصديرخروج البضائع من التراب الخاضع، ومن الإدارةإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ومصالحها وأعوانها.

 

غير أن المشرع ـ وهو بصدد تعديل منظومة قانونية أو إحداث منظمة بديلة ـ يحتفظ بمصطلحات لئن كانت مقبولة في ظل المنظومة القانونية القديمة فإنها مردودة في المنظومة المعدلة أو البديلة.

وهكذا لئن كانت عبارة الأحكام النهائيةو القرارات النهائيةمقبولة ـ إلى حد ما ـ لتمييزها عن الأحكام التمهيديةو القرارات التمهيديةفي ظل القانون المنظم لمجلس الأعلى للحسابات الذي لم تكن قراراته تقبل الطعن بالاستئناف، فإن احتفاظ مدونة المحاكم المالية (البديلة) وقرارات المجلس الأعلى للحسابات (الغير التمهيدية كذلك) تقبل الطعن بالاستئناف أمام غرفة مختصة بنفس المجلس يبقى مردودا، وكان الأولى استبدال عبارة الأحكام النهائيةبمصطلح الأحكام القطعيةوتعويض عبارة القرارات النهائيةبمصطلح القرارات القطعيةلتمييزها عن الأحكام والقرارات التمهيدية“.

 

الباب الثاني

تصدير أحكام وقرارات المحاكم المالية

باسم جلالة الملكوالمركز القانوني لقضاتها

وتذييلها بـ الصيغة التنفيذيةووظيفتها

 

بمقتضى المادة 101 من م م م تصدر قرارات المجلس (المجلس الأعلى للحسابات) باسم جلالة الملك. وتذيل ـ عند الاقتضاء بصيغة التنفيذ.

 

وبمقتضى المادة 159 من م م م تطبق مقتضيات المادة 110 (المذكورة)على المجالس الجهوية (للحسابات) بمعنى أن المجالس الجهوية للحسابات تصدر أحكامها ـ كذلك ـ باسم جلالة الملك، وتذيل ـ عند الاقتضاء ـ بصيغة التنفيذ.

 

وهذا النص تفعيل لنص الفصل 81 من الدستور الذي يوجب بأن تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك“.

ولبيان ذلك وأثره نفصل هذا المحور إلى فصلين:

 

الفصل الأول:

 تصدير أحكام وقرارات المحاكم المالية باسم جلالة الملكوالمركز القانوني لقضائها:

الأصل في إصدار أحكام القضاء باسم جلالة الملك هو ما أنيط بالقضاة من نيابة عن الإمام في إصدار الأحكام القضائية. وأن النيابة عن الإمام لا تعطى إلا من طرف الإمام للقاضي بمقتضى ظهير شريف من الأعتاب الشريفة، وبمقتضاه يتولى النيابة عن جنابه الشريف في إصدار الأحكام القضائية، قرار محكمة الاستئناف بفاس 1938 في 1979.6.9 في الملف 11604.

 

فكلمة قاض تعني كل من عين مباشرة من قبل جلالة الملك أو من قبل سلطة إدارية مختصة بتفويض من جلالته، للقيام بصفة رئيسية ـ نيابة عن الإمام ـ بالحكم بين الناس في بعض أنواع القضايا، أو التماس الحكم كممثل النيابة العامة( قرار المجلس الأعلى عدد 238 في 1970.5.13)

واطراد عمل المجلس الأعلى منذ إحداثه على التصريح بأنه:” يستوجب النقض كل حكم خال من التنصيص على صدوره باسم جلالة الملك( قرار المجلس الأعلى 459 في 1959.6.8 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 27 ص 181).

 

ثم أكد المجلس الأعلى على أنه يجب على المحكمة أن تبين في حكمها السيادة التي باسمها صدر الحكم، ومع أن القانون لا ينص على بطلان الحكم الذي أغفل ذلك،إلا أن السيادة فيه، لها صبغة أساسية وتمس بالنظام العام إلى أعلى درجة( قرار المجلس الأعلى 166/1960 منشور بقضاء المجلس الأعلى عدد 15).

 

والذي يهمنا من هذا الوقوف على حقيقة المنصب القضائي والمركز القانوني للقاضي، فمنصب القضاء ـ في المغرب ـ من وظائف الإمامة ومندرج في عمومها، وأن للقاضي نيابة عن الإمام، وأن هذا المركز في ظل الدستور والتشريع الحالي هو من المبادئ المرعية في الفقه المالكي السائد في المغرب منذ أربعة عشر قرنا خلت وإلى ذلك يشير أبو بكر محمد بن محمد بن عاصم في تحفته:

 

منفذ للشرع بالأحكام له نيابة عن الإمام

 

وبخصوص المركز القانوني لقضاة المحاكم المالية، فإنه بمقتضى المادة 165/2 من م م م: يعين القضاة طبقا لمقتضيات الفصل 30 من الدستور، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات والوكيل العام للملك لديه يعينان مباشرة بظهيرين، وباقي قضاة المحاكم المالية يعينون ـ كذلك ـ بناء على اقتراح الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات بعد موافقة مجلس قضاء المحاكم المالية.

 

ويؤلف قضاة المحاكم المالية هيئة واحدة ويتمتعون بعدم القابلية للعزل والنقل إلا بمقتضى القانون، ويسهر مجلس قضاء المحاكم المالية على تطبيق النظام الأساسي الخاص بقضاة المحاكم المالية بشأن اقتراح التعيين في المناصب والترقية والتأديب (المادة 165 من م م م).

 

ويستفيد قضاة المحاكم المالية من الامتياز القضائي بشأن قواعد الاختصاص الاستثنائية (المادتان 265 و266 من قانون المسطرة الجنائية) حول الحكم في الجنايات والجنح المنسوبة للقضاة (المادة 189 من م م م).

 

ومن تم ندرك المركز القانوني لقضاة المحاكم المالية بالموازاة للمركز القانوني لقضاة المملكة عموما، انطلاقا من إصدار الأحكام باسم جلالة الملك“.

 

الفصل الثاني:

تذييل أحكام وقرارات المحاكم المالية بالصيغة التنفيذية ووظيفة تلك المحاكم

 

وجوب تذييل أحكام وقرارات المحاكم المالية ـ عند الاقتضاء ـ بالصيغة التنفيذية يعني أن تكون قابلة للتنفيذ الجبري، شأنها شأن أحكام وقرارات القضاء عموما المذيلة بالصيغة التنفيذية من حيث قابليتها للتنفيذ.

 

وتذييل الحكم أو القرار بالصيغة التنفيذية أن القضاء قد استنفذ وظيفته بإصدار محرر قابل للتنفيذ الجبري المتضمن في الصيغة التنفيذية، وبناء على ذلك يأمر جلالة الملك جميع الأعوان ويطلب منهم أن ينفذوا الحكم المذكور (أو القرار)، ويأمر الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك لدى مختلف المحاكم أن يمدوا يد المعونة لجميع قواد وضباط القوة العمومية وأن يشدوا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانوناعملا بالفصل 433/2 من قانون المسطرة المدنية.

 

فهل ـ حقا ـ مارست المحاكم المالية وظيفة قضائية بإصدار حكم أو قرار مذيل بالصيغة التنفيذية على غرار الوظيفة القضائية التي تمارسها محاكم المملكة بإصدارها أحكاما وقرارات قابلة للتذييل بالصيغة التنفيذية؟

 

للجواب على ذلك يتعين ـ أولا ـ استحضار وظيفة القضاء عموما، ثم بيان ـ ثانيا ـ إلى أي حد يمكن القول بأن المحاكم المالية مارست ـ بإصدارها حكما أو قرارا مذيلا بالصيغة التنفيذية ـ وظيفة قضائية؟ أو محاولة إلحاق أحكام وقرارات المحاكم المالية المذيلة بالصيغة التنفيذية بالوظيفة القضائية.

 

أولا: استحضار وظيفة القضاء عموما من خلال الدور المتميز للقضاء في الحياة القانونية.

القانون ضرورة تفرضها حاجة الحياة الاجتماعية إلى حد أدنى من الاستقرار العادل، إلا أن إشباع هذه الحاجة لا يتحقق بمجرد وضع لقواعد المنظمة لسلوك الأفراد ومراكزهم القانونية، وإنما يتوقف على مدى فاعلية هذه القواعد، فالقواعد القانونية ـ كمعيار للسلوك الاجتماعي ـ تحقق الاستقرار المنشود، لأنها تحدد للأشخاص مراكزهم القانونية، وتجعلهم على بينة ـ مقدما ـ من نتائج تصرفاتهم، وهذا يشيع فيهم القدر اللازم من الطمأنينة والثقة في الحياة الاجتماعية، ولكن هذا الاستقرار يقوم على ثقة الأشخاص في توافق الواقع الاجتماعي مع هذه القواعد.

 

وهكذا فعن طريق النشاط الأصيل تتحقق فاعلية القانون بطريقة تلقائية بل عفوية أحيانا.

ولكن هذا لا يتحقق دائما، فالشخص لا يتبع النظام القانوني غريزيا، وإنما يخضع سلوكه لإرادة التي تحكمها ملكة التفكير، وما ترتبه من حرية الاختيار.

 

وإذا كانت هناك عوامل عديدة ( الغريزة الاجتماعية ـ الوعي الاجتماعي ـ العادة ـ الخوف من الجزاء) تدفع الشخص إلى التوافق مع القانون، فثمة عوامل أخرى (القصور ـ الفردية) ينزع بالشخص إلى عدم التوافق مع القانون وتؤدي إلى إعاقة فاعلية القانون.

 

ولكن القانون يجب أن تتحقق فاعليته ليحقق رسالته الاجتماعية. وفاعلية القانون تتحقق بقيام نظام يحظر على الشخص اقتضاء حقه بنفسه أو حماية مركزه شخصيا. ويوجد ـ بذلك ـ من يحقق الفعالية للقواعد القانونية لحماية المصالح والمراكز الجديرة بالحماية.

 

وهكذا يبدو الدور المتميز للقضاء في الحياة القانونية عن كل من الوظيفة التشريعية والوظيفة الإدارية: ذلك أنه إذا كانت وظيفة المشرع إنشاء القواعد المجردة. وكانت وظيفة الإدارة تحقيق فاعلية القواعد القانونية بالتطبيق التلقائي لها خلال نشاطها. فإن وظيفة القضاء تنحصر في حماية النظام القانوني عند عدم فاعلية القواعد القانونية، أي أن القضاء يتدخل إذا طرأ عارض قانوني لإزالته دون أن يتجاوز ذلك إلى أسبابه. ذلك أن عدم فاعلية القانون قد تكون مترتبة من أسباب موضوعية أو ذاتية، اقتصادية أو اجتماعية، خلقية أو نفسية.ولكن القضاء لا يعني بهذه الأسباب التي يمكن أن تكون محلا لدراسة على الاجتماع القانوني، وإنما يقتصر دوره القانوني على إزالة ما طرأ من عوارض في حياة القانون، حالة دون نفاذه.

 

ويحصر الفقه المعاصر عوارض النظام القانوني في أربعة عوارض. وبالمقابل يحدد وسائل القضاء لإزالة تلك العوارض في أربعة وسائل هي مجمل الوظيفة القضائية. تتولى بسطها باختصار.

 

أ ـ عارض جهل حكم القانون في حالة واقعية معينة

والعمل القضائي المعلن لليقين تقريرا أو إنشاء.

 

1 ـ عارض جهل حكم القانون في حالة واقعية معينة

إن جهل حكم القانون في حالة واقعية معينة هو حالة موضوعية تنشأ كقاعدة عن تعارض الرأي القانوني الذاتي للمكلف بالقاعدة القانونية بالواقع الخارجي، أو عن عدم الاعتداد بالرأي القانوني الذاتي، وتكون هذه الحالة عارضا يحول دون النفاذ التلقائي للقانون.

 

فطالما كان هناك توافق بين الرأي الذاتي للشخص عن مركزه القانوني والواقع الخارجي فإن هذا يعني السير التلقائي للقانون. وتفشل التلقائية القانونية إذا اصطدم هذا الرأي بواقع اجتماعية مخالف له، سواء تمثل هذا الواقع في واقعة شخصية صادرة عن طرف آخر كسلوك مضاد إيجابي أو سلبي. وذلك كما في حالة تنازع بين رأيي شخصين مختلفين، لا يساور أحدهما شك في حكم القانون. أو تمثل في واقعة موضوعية مخالفة له كما في حالة بطلان تصرف أو عدم اعتداد القانون مقدما بالرأي الذاتي.

ويميز عارض جهل حكم القانون في حالة واقعة معينة عن مجرد الشك فيه، باعتبار الشك يمثل تدبدب التفكير بين فرضين متعارضين لشخص واحد.

 

ولا يتحتم عند قيام عارض جهل حكم القانون أن يكون القانون قد خولف، وإنما قد يكون الرأي الذاتي غير صحيح، أو لا يطمئن له القانون مقدما.

 

وإذا كان الرأي الذاتي قد أصبح غير صالح لتحقيق فاعلية القانون بقيام عارض جهل حكم القانون، وكان لا يجوز للشخص اقتضاء حقه بنفسه أو تبرئة ذمته، فإن الرأي الذاتي يتحول إلى مجرد ادعاء.

 

2 ـ العمل القضائي المعلن لليقين القانوني تقريرا أو إنشاء.

يبدو الدور الأول للوظيفة القضائية في إزالة الجهل بحكم القانون في الإعلان عن حكم القانون بيقين بأحد العملين:

 

1 ـ العمل القضائي التقريري

ويكون العمل القضائي تقريريا إذا قضى بوجود أو عدم وجود حق أو مركز قانوني محل ادعاء دون إلزام بأداء معين أو إحداث أي تغيير في هذا الحق أو المركز.

ويصدر العمل القضائي التقريري في ثلاث حالات:

 

1 ـ حالة الدعوى التقريرية البحثة: وهي الدعوى الهادفة إلى الحكم بالاعتراف بوجود حق أو مركز قانوني أو إنكاره دون إلزام الخصمين بأداء معين كدعوى الاستحقاق،ودعوى النسب، ودعوى المسؤولية، ودعوى بطلان عقد أو شرط، ودعوى صحة توقيع، ودعوى الجنسية.

 

2 ـ حالة رفض الدعوى أو الدفع.

 

3 ـ حالة البت في مسألة أولية.

 

4 ـ العمل القضائي الإنشائي.

 

ويوصف العمل القضائي بالإنشائي إذا قضى بإنشاء أو تعديل أو إنهاء حق أو مركز قانوني موضوعي. أي العمل المحدث تغييرا في حقوق الأشخاص أو مراكزهم الموضوعية، كالقضاء بالشفعة، أو بتعديل التزام تعاقدي لقيام عنصر الاستغلال أو الحوادث الطارئة، أو القضاء بالتطليق أو بالفسخ، أو القضاء بتعديل الوجبة الكرائية.

 

ب ـ عارض مخالفة القانون

والعمل القضائي الإلزامي الجبري.

 

1 ـ عارض مخالفة القانون

إن مخالفة القانون هي الحالة الواقعية المادية التي يتعارض فيها سلوك الأفراد لأسباب عديدة: إما ذاتية كالرغبة في عدم التنفيذ كما هي حال المدين في حالة عدم الوفاء والغاصب في الامتناع عن رد المغصوب، وإما موضوعية كصعوبة استخلاص حكم القانون وذلك إذا كان الحق غير عيني كما لو امتنع من تقررت مسؤوليته من دفع التعويض لصعوبة تقديره وقيام خلاف حول تقديره.

 

2 ـ العمل القضائي الإلزامي الجبري

الحماية القضائية للحقوق والمراكز لا تقف عند تأكيدها بما يحقق الفاعلية النظرية للقانون، وإنما تمتد إلى الإلزام بتنفيذها جبرا بما يحقق الفاعلية العملية المادية للقانون.

 

ج ـ عارض خطر التأخير والإجراء القضائي الوقتي الاستعجالي

1 ـ عارض خطر التأخير

هو المشكل الناتج عن عقم القواعد العادية لمسطرة اقتضاء الحقوق وحماية المراكز، وعدم استجابة مقتضياتها البطيئة لمواجهة ظروف موضوعية حالة بمدعي الحق أو المركز الراجح تهدد محل الحق أو المركز أو الوسائل المؤدية له بخطر وشيك الوقوع يحول ـ لو حصل ـ دون تحقيق فاعلية القانون أو يجعل تحقيق فاعليته صعبا أو قليل الجدوى.

 

2 ـ الإجراء القضائي الوقتي الاستعجالي

للوقاية من خطر التأخير وضمان تحقيق فاعلية القانون كشف الفقه المعاصر عن الحماية القضائية الوقتية الاستعجالية لنجدة الحق أو المركز الراجح من مخاطر الانتظار مما سيفسر عنه التحقيق العادي للدعوى من عمل موضوعي حاسم، بإجراء تحفظي عملي وقائي كالحراسة القضائية والحجز والمعاينات

د ـ عارض القصور القانوني والتدبير القضائي الولائي

 

1 ـ عارض القصور القانوني

ويقوم عند وجود ظروف موضوعية تجعل إرادة الفرد قاصرة عن رعاية المصلحة القانونية لأسباب تتعلق أساسا إما بالإرادة كتخلف الإرادة أو عجزها أو عدم ظهورها (كأن يكون الشخص قد توفي أو لم يولد بعد الجنينأو غائبا أو غير أهل أو ممسكا عن التعبير). أو تتعلق بنوع المصلحة وطبيعتها كأن تتعلق بمصلحة الغير كالصلح في إطار التسوية القضائية للمقاولة أو كأن تتعلق بالنظام العام كبطلان تصرف.

 

2 ـ التدبير القضائي الولائي

وهو وسيلة القضاء القانونية لحل مشكل قصور النشاط الأصيل للأفراد عن تحقيق فاعليته التلقائية أي لحل مشكلة إنشاء واستعمال المراكز المراقبة. فيتخذ إما لتحقيق فاعلية إرادة الشخص القائم بالنشاط الأصيل كوضع شخص تحت الحجر، وتعيين أو عزل مقدم أو وصي أو قيم أو تعيين مصف لتركة أو لجمعية عند حلها قضائيا، أو تعيين مسير للمال الشائع، أو يتخذ لتحقيق فاعلية النشاط الأصيل للأشخاص والتحقق من قيامه بالإذن به أو التصديق عليه كالإذن في بيع عقار قاصر أو يتخذ مراعاة لمصالح ولائية كتقدير نفقة قاصر من ماله، أو يقتصر على التوثيق كالإشهاد بثبوت الوفاة، أو يتخذ للتثبت من واقع موقف مادي والتدليل عليه أو للاحتراز والتحفظ كالأمر بإثبات حال أو توجيه إنذار.

 

ثانيا:

محاولة لإلحاق أحكام وقرارات المحاكم المالية المذيلة بالصيغة التنفيذية بالوظيفة القضائية.

 

أ ـ بخصوص الأحكام والقرارات المتعلقة بالتدقيق والبث في الحسابات

ألزم المشرع المحاسبين العموميين للمنظمات العمومية الوطنية بتقديم حسابات تلك المنظمات سنويا إلى المجلس الأعلى للحسابات ـ وكذا المحاسبين بحكم الواقع ـ بقصد التدقيق والتحقيق والبت في تلك الحسابات بصفة قطعية بقرار يثبت ما إذا كان المحاسب العمومي 1 ـ بريء إذا ما انقطع عن عمله. أو 2 ـ في حسابه فائض ناتج عن مبالغ دفعها المحاسب العمومي لسد عجز ظنه موجودا مع الإذن بالالتجاء إلى السلطات الإدارية لاسترجاع المبالغ المذكورة. وينزل منزلة بريء الذمة في الإذن له ـ عند الاقتضاء ـ بإرجاع ضمانه المالي ورفع اليد عن التقييدات. أو 3 ـ في حسابه عجز يحدده القرار ويلزمه بدفعه بمجرد تبليغ القرار له. ويتم تحصيله بعد تذييله بالصيغة التنفيذية إذا كان مشمولا بالتنفيذ المعجل أو بعد تبليغه وانتهاء أجل الطعن فيه بالاستئناف (المواد من 25 إلى 44 من م م م).

 

بمثل ما ألزم المحاسبين العموميين الجهويين للمنظمات العمومية الجهوية بتقديم حسابات تلك المنظمات سنويا إلى المجلس الجهوي للحسابات ـ وكذا المحاسبين بحكم الواقع ـ بقصد التدقيق والتحقيق والبت في تلك الحسابات بصفة قطعية بحكم يثبت ما إذا كان المحاسب العمومي الجهوي في إحدى الحالات الثلاثة سالفة الذكر (المواد من 126 إلى 133 من م م م).

 

ومقتضى ذلك أن المشرع وقد ألزم المحاسب العمومي بتقديم حسابات منظمات عمومية إلى المحكمة المالية المختصة للتدقيق والتحقيق في تلك الحسابات والبت بصفة قطعية بقرار يثبت براءة ذمته أو عجزا محددا في حسابه يلزمه بدفعه. يفترض قبل صدور الحكم أو القرار القطعي للمحكمة المالية المختصة أن ذمته المحاسبية محل تجهيل يستوجب رفعه بعرض حسابات المنظمة العمومية السنوية التي يمسكها ومستنداتها على أنظار المحكمة المالية المختصة للبت بيقين عما إذا كانت ذمته بريئة بيقين (عمل قضائي تقريري) أو بحسابه عجز محدد يلزم بدفعه. ويجبر على استيفائه منه بعد تذييل الحكم أو القرار بالصيغة التنفيذية إذا كان مشمولا بالتنفيذ المعجل أو بعد تبليغه وانتهاء أجل الطعن بالاستئناف أو أثر استئنافه وتأييده استئنافيا (عمل قضائي مختلط تقريري في شقه المتعلق بأن بحسابه عجز محدد، وإلزامي جبري،بإلزامه بدفعه. وإجباره عليه بعد تذييل الحكم أو القرار بالصيغة التنفيذية بمثل ما يجبر على استيفاء ديون المنظمات العمومية).

 

ب ـ بخصوص الأحكام والقرارات والتأديب

على مخالفات محددةلقوانين الميزانية والشؤون المالية.

لا إشكال في أن المجلس الأعلى للحسابات (المادة 51 من م م م) والمجالس الجهوية للحسابات (المادة 136 من م م م) يمارسون مهمة قضائية ـ ينص القانون ـ في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية.

ويمكن إلحاق هذه المهمة القضائية بالعمل القضائي الإلزامي الجبري حيث يقتضي الحال تذييل هذا العمل بالصيغة التنفيذية بعد أن يصبح قابلا للتنفيذ. وهو العمل القضائي المتخطي لعارض مخالفة القانون.

 

الباب الثالث

استحضار أسباب نقض قرارات المجلس الأعلى للحسابات الانتهائية بمناسبة صياغة أحكام وقرارات المحاكم المالية يقويها ويبرمها

 

في سبيل ممارسة الرقابة العليا القضائية على تنفيذ القوانين المالية أسند المشرع ـ أساسا ـ تلك الرقابة للمجلس الأعلى للحسابات مباشرة بمناسبة البت ابتدائيا أو استئنافيا في قراراته ذات المجال الوطني، وبصفة غير مباشرة للنظر استئنافيا في أحكام المجالس الجهوية للحسابات ذات النطاق الجهوي المحدود، وأخضع قرارات المجلس الأعلى للحسابات لإمكانية الطعن فيها وطلب نقضها أمام المجلس الأعلى لأسباب قانونية.

 

لذا يتعين على المحاكم المالية أن تستحضر تلك الأسباب القانونية للنقض بمناسبة النظر في مجال اختصاصها وعند صياغة أحكامها وقراراتها فتتحرى الصدق وتلتزم بالقانون لتتقوى الأحكام والقرارات القطعية الابتدائية بالتأييد استئنافيا. وتبرم القرارات الانتهائية (التي ثبت على وجه الاستئناف) من طرف المجلس الأعلى إذا ما طلب نقضها أمام على مؤسسة في الهرم القضائي للمملكة تسهر على سيادة الشرعية وتوحيد دلالة القانون.

 

وبمقتضى المادتين 49 و73 من م م م تنحصر أسباب (وسائل) الطعن بالنقض أمام المجلس الأعلى بخصوص القرارات الانتهائية (الاستئنافية) الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات في أربعة أسباب (وسائل) هي:

ـ عدم احترام الإجراءات الشكلية.

ـ عدم احترام قواعد الاختصاص.

ـ انعدام التعليل.

ـ خرق القانون.

وهذه الأسباب (الوسائل) يمكن جمعها تحت سبب واحد هو خرق القانون بمفهومه الواسع.

وهذا يعني أن المجلس الأعلى وهو بصدد النظر في الطعن في قرار المجلس الأعلى للحسابات لا يقبل الوسائل التي تناقش الواقع الذي استخلصه المجلس الأعلى للحسابات في قراره محل الطاعن بالنقض وإنما يتحقق مما إذا كان التزم تطبيق القانون.

 

وهذه الأسباب يتعين استحضارها بمناسبة إصدار المجلس الأعلى للحسابات في قراراته الانتهائية (الاستئنافية) وصياغتها لتلافي نقضها. وتحقيق إبرامها. بمثل ما ينبغي استحضارها بمناسبة إصدار المجلس الأعلى للحسابات قرارات القطعية الابتدائية والمجالس الجهوية للحسابات أحكامها القطعية الابتدائية وصياغتها إذ يمكن أن تتخذ تلك الأسباب (الوسائل) القانونية أسباب (وسائل) للطعن بالاستئناف في الأحكام والقرارات القطعية الابتدائية (بجانب الوسائل الواقعية) لتلافي إلغائها. وتفويتها بتأييد المجلس الأعلى للحسابات لها.

 

الفصل الأول: استحضار الأصول والإجراءات الواجب مراعاتها واتباعها في تشكيل الهيئة وإصدار الأحكام والقرارات وتحريرها بمناسبة صياغتها لتلافي بطلانها

 

لتلافي بطلان الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم المالية والتصريح بإلغاء الابتدائي منها استئنافيا. وتعريض الانتهائي منها للنقض لخرق الأصول والإجراءات الأساسية يتعين استحضار الأصول والإجراءات التالية بمناسبة صياغة تلك الأحكام والقرارات:

 

أولا: وجوب تصدير الأحكام والقرارات باسم جلالة الملك“.

وقد سبق تفصيل ذلك بمناسبة البحث في المركز القانوني لقضاة المحاكم المالية (في محور سابق).

 

ثانيا: تشكيل هيئات المجلس تشكيلا مطابقا للقانون

1 ـ بخصوص تشكيل هيئات المجلس الأعلى للحسابات يتعين التمييز بين ثلاث حالات:

1 ـ حالة البت على وجه الاستئناف بعد نقض قرار انتهائي صادر عن المجلس الأعلى للحسابات. والإحالة عليه مجددا (أو بمبادرة من الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أو بناء على التماس الوكيل العام للملك لديه) فإنه عملا بالمادة 19 من م م م يتعين البت في هيئة الغرف المجتمعة المؤلفة من الرئيس الأول ورؤساء الغرف وقاض عن كل غرفة (ينتخبه نظراؤه لمدة سنة) ويعين منهم مستشارا مقررا.

وتعقد الجلسة للمناقشة وإصدار القرار بحضور الوكيل العام للملك وكاتب الضبط.

 

2 ـ حالة النظر والبت في الطعن بالاستئناف في قرار ابتدائي (قطعي) صادر عن غرفة بالمجلس الأعلى للحسابات في القضايا المتعلقة بالبث في الحسابات أو بالتأديب المالي، فإنه عملا بالمادة 21 من م م م يتعين النظر والبث من هيئة الغرفة المشتركة يترأسها رئيس غرفة يعين سنويا بأمر من الرئيس الأول. وتتألف من خمسة قضاة من بينهم ثلاثة رؤساء غرف على الأقل وتستكمل ـ عند الاقتضاء ـ بمستشارين، على ألا يشارك في تشكلتها أي قاض من قضاة الهيئة التي أصدرت القرار المطعون فيه بالاستئناف، وتعقد الجلسة للمناقشة وإصدار القرار بحضور كاتب الضبط.

 

3 ـ حالات البت في الطعن باستئناف حكم قطعي ابتدائي من أحكام أحد المجالس الجهوية للحسابات. أو البت قطعيا وابتدائيا في ميدان البت في الحسابات أو في مجال التأديب المالي. فإنه عملا بالمادة 23 من م م م بعقد المجلس الأعلى للحسابات جلساته للبت في تلك المواضيع بخمسة قضاة من بينهم رئيس غرفة أو فرع غرفة وبحضور كاتب الضبط.

 

ب ـ بخصوص تشكيل هيئات المجالس الجهوية للحسابات فإنه عملا بالمادة 125 من م م م تعقد جلسات المجلس الجهوي للحسابات بخمسة قضاة من بينهم رئيس المجلس الجهوي للحسابات أو رئيس الفرع به بحضور كاتب الضبط.

 

ثالثا: التقيد بمبدأ سرية المداولة وعلنية الجلسة.

وقد اعتبر المجلس الأعلى التنصيص على صدور الحكم أو القرار بالإجماع (أو بأغلبية محددة إفشاء للمداولة بعرضه للنقض. إذ أن عدم بيان ذلك يحمل على أن المداولة تمت وفق ما يوجبه القانون وأن صدوره تم بعد حصوله على الأغلبية اللازمة أو الإجماع.

 

كما قضت محكمة النقض الفرنسية بكفاية ما جاء بصدر حكم من أنه صدر في جلسة المحكمة المنعقدة يوم كذا في اعتباره صادرا بالجلسة العلنية (قرار 1888.10.24 د 52.1.89).

 

رابعا: إثبات توقيع الرئيس وكاتب الضبط على أصل الحكم أو القرار. وإثبات أسماء أعضاء الهيئة التي حجزت القضية للمداولة وأصدرت الحكم أو القرار به وتاريخ صدوره وإثبات أسماء المعنيين به وصفاتهم وعناوينهم به.

 

فبخصوص توقيع الرئيس وكاتب الضبط لأصل الحكم أو القرار كإجراء تنص عليه المادة 39 م م م فإنه عملا بالفصل 345 من قانون المسطرة المدنية إذا عاق الرئيس مانع استحال معه أن يوقع القرار، وقعه خلال الثمانية والأربعين ساعة الموالية أقدم مستشار شارك في الجلسة. وينص في أصل القرار على هذا الحلول في التوقيع .وإذا حصل العذر لكاتب الضبط اكتفى الرئيس أو المستشار الذي يوقع عوضا عنه بالإشارة إلى ذلك عند التوقيع، وإذا حصل المانع للقضاة ولكاتب الضبط أعيدت القضية إلى الجلسة من أجل المناقشة والحكم من جديد.

ويعتبر الإشهاد بمطابقة النسخة لأصلها أن الأصل تضمن التوقيعات اللازمة.

 

خامسا: التقيد بإجراءات التحقيق وعدم خرق حقوق الدفاع.

فبخصوص مسطرة التدقيق في الحسابات للبت فيها بحكم أو قرار أوجب المشرع (المواد من 36 إلى 44 و46 و126 إلى 133 من م م م ) أن يتم تدقيق الحسابات المقدمة سنويا بفحص الحساب والبيان الحسابي (الوثائق العامة) والمستندات المثبتة للمداخيل والنفقات بواسطة مستشار مقرر (مع إمكانية الاستعانة بقضاة مدققين) وبطلب كتابة من المحاسبين العموميين (ومن في حكمهم) تقديم توضيحات مكتوبة وتبريراتهم والوثائق الملزمين بحفظها والقيام ـ عند الاقتضاء ـ بالتحريات في عين المكان. ويبلغهم ملاحظاته المكتوبة للإجابة عنها كتابة داخل شهرين ثم يعد تقريرين: أحدهما عن نتائج التحقيق. وفي الثاني ملاحظاته بشأن التسيير يسلمها لرئيس الغرفة الذي يسلم الأول إلى مستشار مراجع موازي أو أعلى درجة للإدلاء برأيه. وتقديم النيابة العامة مستنتجاتها الكتابية.

وبعد مناقشة الهيئة يتخذ في شأن كل اقتراح إجراء يسجل في طرق التقرير مع إمكانية الأمر بتحقيق تكميلي.

 

وبخصوص مسطرة التأديب المالي ترفع القضية إلى المجلس من النيابة العامة مباشرة بناء على تقارير الرقابة والتفتيش أو بطلب من الرئيس أو من إحدى هيئات المجلس. وذلك في شكل التماس فتح تحقيق حيث يؤهل المستشار المقرر المكلف بالتحقيق للقيام ـ سريا ـ بجمع التحقيقات والتحريات لدى جميع الأجهزة العمومية أو الخاصة. والاطلاع على الوثائق، وجمع الإفادات وعند انتهائه من التحقيق يوجه المحقق ملف القضية مرفقا بتقريره المتعلق بالتحقيق إلى النيابة العامة لتقديم ملتمساتها داخل15 يوما.

ويشعر المعني بالأمر بالاطلاع على ملف القضية وتقرير المحقق ومستنتجات النيابة العامة لتقديم مذكرة دفاعية خلال 30 يوما والتماس إجراء بحث مع شهود.

 

وبعدما تصبح القضية جاهزة يأمر الرئيس بإدراجها بالغرفة المختصة بقضايا التأديب المالي حيث يتولى رئيس الهيئة الإشراف على المناقشات والتحقيق فيها وحفظ نظام الجلسة. وتعطى للمعني بالأمر الكلمة الأخيرة قبل حجز القضية للمداولة للبت فيها (المواد من 57 إلى 65 ومن 136 إلى 139 من م م م).

فخرق هذه المقتضيات فيه خرق لمقتضيات آمرة تمس حقوق الدفاع يترتب عليه البطلان.

لذا يتعين احترامها وتضمينها بالأحكام والقرارات والإشارة إلى مستنداتها بملف القضية لتلافي إبطال قرارات وأحكام المحاكم المالية بمناسبة الطعن فيها بالاستئناف ثم بالنقض.

 

الفصل الثاني: استحضار وظيفة المحاكم المالية القضائية وحدودها بمناسبة إصدار أحكامها وقراراتها بالإشارة في مقدمتها إلى المقتضيات القانونية المحددة لها في حدود مجال النظر

 

أسفر البحث في الفصل الثاني من الباب الثاني من هذا العارض على إلحاق أحكام وقرارات المحاكم المالية المتعلقة بالتدقيق والبت في الحسابات بالعمل القضائي التقريري في حالتي التصريح بأن ذمة المحاسب بريئة أو بريئة بفائض، وبالعمل القضائي المختلط في حالة التصريح بأن بحسابه عجز محدد (تقريري) وإلزامه بدفعه (إلزامي) بعدما افترض المشرع ـ قبل صدور الحكم أو القرار القطعي ـ أن الذمة المحاسبية للمحاسب العمومي وشبهه محل تجهيل يستوجب رفعه بعرض حساباته السنوية على أنظار المحكمة المالية المختصة للبت بيقين حسب الحالات السالفة الذكر.

 

بمثل ما تم إثبات أنه بمقتضى المادتين 51 و136 من م م م تعتبر المحاكم المالية تمارس مهمة قضائية ـ بنص القانون ـ في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية. وإلحاق هذا العمل بالعمل القضائي الجبري المتخطى لعارض مخالفة القانون.

 

يبقى على المحاكم المالية وهي تستحضر ذلك أن تبين في صياغة أحكامها وقراراتها وتشير في مقدمتها إلى المقتضيات القانونية المحددة لها ومجال نظرها الذي ترومه.

 

وهكذا بخصوص نظر المجلس الأعلى للحسابات يمكن تبني إحدى الصيغ المالية حسب الحالات:

ـ أن المجلس الأعلى للحسابات وهو ينظر في الطعن بالاستئناف في قرار ابتدائي (قطعي) صادر عن غرفة بالمجلس الأعلى في القضايا المتعلقة (بالبت في الحسابات أو التأديب المالي حسب الحال) بالغرفة المشتركة المؤلفة من عملا بالمادة 21 من م م م.

 

ـ أن المجلس الأعلى للحسابات وهو ينظر في الطعن بالاستئناف في حكم قطعي ابتدائي من المجلس الجهوي للحسابات بـ …….. في ……….. بغرفته المتخصصة المؤلفة من ………. عملا بالمادة 23 من م م م.

 

ـ أن المجلس الأعلى للحسابات وهو ينظر قطعيا ابتدائي ( في ميدان البت في الحسابات عملا بالمواد 36 إلى 46 من م م م) ـ أو ـ (في مجال التأديب المالي عملا بالمواد 57 إلى 65 من م م م) ـ حسب الحال ـ بغرفته المتخصصة المؤلفة من …….. عملا بالمادة 23 من م م م.

وبخصوص نظر المجالس الجهوية للحسابات يمكن تبني الصيغة التالية:

 

أن المجلس الجهوي للحسابات بـ ………… وهو ينظر قطعيا ابتدائيا في ميدان (البت في الحسابات) أو مجال (التأديب المالي) حسب الحالبغرفته المتخصصة المؤلف من ………. عملا بالمادة 125 من م م م والمواد من 126 إلى 133 ( بالنسبة لميدان البت في الحسابات) أو المواد من 136 إلى 139 من م م م (بالنسبة لمجال التأديب المالي) حسب الحال.

 

وأن الوقوف عند مجال النظر المحدد يقوي الحكم الابتدائي القطعي بتأييده ـ في هذا الجانب ـ استئنافيا، ويبرم القرار الانتهائي الاستئنافي ـ بهذا الخصوص ـ أمام المجلس الأعلى بمناسبة الطعن بالنقض، بينما يعرض الحكم الابتدائي القطعي الخارق لحدود الاختصاص للإلغاء، والقرار الانتهائي الاستئنافي للنقض.

 

وقواعد اختصاص المحاكم المالية المنوه عنها نوعية محددة حصريا لا مجال للتوسع فيها ومن متعلقات النظام العام وتثار تلقائيا.

 

الفصل الثالث: تضمين أحكام وقرارات المحاكم المالية عللها (أسبابها) المبررة لمنطوقها

تسبيب الحكم أو القرار هو إيراد الحجج الواقعية والقانونية المبني هو عليها. والمنتجة هي له. (نقض فرنسي في 1893.3.22 س 352.1.93 ـ د 129.1.94).

 

ومقصود الشارع من تسبيب الأحكام هو التمكين من مراقبة حسن سير العدالة وحمل القضاة على بذل الجهد في تمحيص القضايا وإخراج أحكامهم فيها على وجه يدعو إلى الإقناع بأنهم قاموا بواجبهم من التحري والتمحيص والحكم بمقتضى القانون (نقض مصريفي 1931.11.19 المحاماة س 12 رقم 117 ص 218 وم ج س 23 رقم 185 ص 381).

 

وينزل نقصان التعليل منزلة انعدامه.

ويجب أن يكون التسبيب (التعليل) جديا تواجه فيه المحكمة نقط النزاع الواقعية والقانونية (نقض فرنسي 1893.3.22 د 129 ـ 1 ـ 94). لا تجهل منها شيئا، أو تسبب رأيها فيه بما يشبه الأسباب فيظاهر المر ولا مقنع فيه كالأسباب التقريرية التي تعيد فيها صورة القضية، أو بأسباب لا علاقة لها بالقضية، أو بأسباب مبهمة أو غامضة أو مجهولة أو متخاذلة أو ناقصة أو متناقضة بمحو بعضها بعضا يعجز ـ معها ـ المجلس الأعلى عن القيام برقابة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله.

 

وإذا كان لقاضي الموضوع ـ محاكم الأساس ـ ومنها المحاكم المالية السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في القضية من الأدلة المقدمة، وفي وزن هذه الأدلة وتقديرها وترجيح بعضها على بعض، فإن خضوعه لرقابة محكمة النقض ـ المجلس الأعلى ـ في تكييف هذا الفهم بحكم القانون وفي تطبيق ما ينبغي تطبيقه من أحكام القانون يحتم عليه أن يسبب حكمه التسبيب الكافي بما يمكن محكمة النقض ـ المجلس الأعلى ـ من إجراء هذه المراقبة. فإن قصر حكمه عن ذلك فعجزت محكمة النقض عن التقرير بنفي المدعي به من مخالفة القانون أو من الخطأ في تطبيق أو في تأويله: نقضت الحكم لخلوه من الأسباب الموضوعية أو لعدم قيامه على أساس قانوني (نقض مصري في 1932.3.23 القانون والاقتصاد س 3 رقم 112 ص 105 والمحاماة س 13 رقم 546 ص 1098) وشبهه نقض مصري في 1934.4.26: القانون والاقتصاد س 4 رقم 42 و43 ص 130 والمحاماة س 16 رقم 173 و174 ص 421 و423).

 

وما يقع فيه الحكم أو القرار من تناقض في أسبابه الواقعية بين بعضها وبعض فيتماحيان ويصبح الحكم أو القرار ولا أسباب يقوم عليها في واقع الأمر ينزل ـ كذلك ـ منزلة خلو الحكم أو القرار من الأسباب.

ولا يكون التناقض في أسباب الحكم مبطلا له إلا إذا كان من شأنه أن يجعل الأسباب متهادمة متساقطة لا شيء فيها باقيا يمكن أن يعتبر قواما لمنطوقه ( نقض مصري 1935.5.30: القانون والاقتصاد س 5 رقم 74 ص 260 والمحاماة س 16 رقم 58 س 120).

 

ويوصف الحكم الناقص الأسباب بالحكم الغير قائم على أساس قانوني يقول المستشار فاي:” إن استعمال عبارة ـ عدم قيام الحكم على أساس قانوني ـ هو استعمال طريف. وأن السبب في استعماله للدلالة على معنى ذلك العيب الخاص ببعض الأحكام المسببة تسبيبا ناقصا هو أن محكمة النقض الفرنسية ـ في سبيل التحقق من تطبيق القانون تطبيقا صحيحا ـ تقيس في الواقع ـ قياس معيارة كما نعير بين المكيالين لامتحان أحدهما بالآخر ـ ما أثبته الحكم المطعون فيه من وقائع القضية بما يكون قد أخذ به فيها من القواعد القانونية، فإن اتضح لها من هذا القياس أن بالحكم مخالفة ظاهرة للقانون أو خطأ في تطبيقه نقضت الحكم على أساس هذه المخالفة. أما إذا ظهر أن أسباب الحكم لا تسمح لها بإجراء هذا القياس لقصورها عن إيراد العناصر الواقعية اللازمة لتبرير ما طبقه الحكم من القواعد القانونية، فإنها تنقضه لعدم ظهور ما قام عليه الحكم من أساس قانوني يجب أن سقام عليها إقامة صحيحة (فاي فقرة 119).

 

لذلك يتعين على محاكم الأساس (المحاكم المالية) أن تولي صياغة أحكامها وقراراتها عناية خاصة في تعليلها بإبراز الأسباب الواقعية والقانونية الجلية والكافية لتبرير منطوق ما قضت به تحت طائلة بطلانها.

الفصل الرابع:

الاحتراز من خرق القانون بمخالفته أو الخطأ في تطبيقه أو الخطأ في تأويله ومن تحريف المستندات المستدل بها بمناسبة صياغة أحكام وقرارات المحاكم المالية

 

يقصد بالقانون ـ بمفهومه الضيق وفي مجال الرقابة القضائية على تنفيذ القوانين المالية الدستور والقوانين الصادرة عن السلطة التشريعية (الملك ـ البرلمان) والمراسيم والقرارات التنظيمية الصادرة عن الإدارة والمؤسسات المالية العامة في مجال المالية العامة أو في المجال المرتبط بها. والقواعد والمبادئ العامة للمالية العامة.

 

وإذا كان الدستور في الفصلين 96 و97 منه قد أسند للمجلس الأعلى للحسابات ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية فإنه وهو بصدد توليه هذه الرقابة مباشرة أو بواسطة الأجهزة التابعة له والتي يشرف عليها وفي إطار إصدار أحكام وقرارات تبت في حسابات المحاسبين العموميين وشبههم وفي تأديب هؤلاء والمراقبين الماليين والآمرين بالصرف عن المخالفات (المحددة) لتلك القوانين وتغريمهم بأحكام تصدر باسم جلالة الملك وتذيل بالصيغة التنفيذية فإنه حري بالمحاكم المالية أن تلتزم ـ بدورها ـ احترام الشرعية تحت طائلة بطلان أعمالها ونقضها ضمانا لسيادة المشروعية.

 

ويتخذ خرق القانون ـ كسبب لبطلان العمل القضائي ـ أربعة صور:

الأولى: مخالفة القانون بمعناه الحقيقي، وتكون بترك العمل بنص قانون لا يحتمل التأويل ولا خلاف في وجوب الأخذ به في القضية.

 

الثانية: الخطأ في تأويل القانون،ويكون بإعطاء النص الواجب التطبيق معنى غير معناه الحق. ولا يجوز التأويل إذا كان النص القانوني محررا بألفاظ واضحة ودقيقة أو بمصطلحات ذات مدلول متعارف عليه أو مبين قانونا، وإذا تم تأويله بالرغم من وضوحه ودقته وبيانه تجسم هذا التأويل في تحريف حرفية النص بدعوى إرادة تأويله. أما إذا كان النص فيه غموض أو إبهام ـ وقلما يحصل ذلك في القوانين التي تحكم المالية العامة والمرتبطة بها ـ فينبغي البحث عن مدلوله وقت نزول خطابه. والبحث عن معناه ومدلوله بتقريبه لمقتضياته المختلفة مع الاستعانة بقواعد تأويل العقود والاتفاقات المنزلة منزلة القانون المنصوص عليها في الفصول من 461 إلى 473 من ق ل ع والقواعد القانونية العامة ومنها القواعد الموالية محل الفصول 474 إلى 477 من ق ل ع

الثالثة: الخطأ في تطبيق القانون، ويتجلى عندما يطبق القرار قاعدة قانونية على حالة لم تعد لها، أو يتغاضى أو يرفض تطبيق قاعدة قانونية على حالة مخصصة لها ولتنظيمها (سوء التكييف).

 

الرابعة: تحريف المحررات المستدل بها، وهي الحالة التي يثبت من التقريرات المعتمدة في الحكم أو القرار ما يتعارض مباشرة مع ما يكون ثابتا بمحرر من محررات ملف القضية. وقد مدت محكمة النقض الفرنسية رقابتها لها وتبعها المجلس الأعلى في ذلك، واعتبر ذلك صورة من صور خرق القانون.

وتسهيلا لمأمورية قضاة المحاكم المالية حدد المشرع في مدونة المحاكم المالية المخالفات ومجالاتها وهكذا.

 

1 ـ بمقتضى المادة 37 من م م م حدد المخالفات (الإخلالات) التي من شأنها أن تؤول إلى التصريح بأن بحساب المحاسب العمومي (أو شبهه) عجزا وتحديده. وهذه المخالفات (الإخلالات) الغير المبررة هي عدم احترام قواعد التقادم وسقوط الحق. أو عدم مراعاة قوة إبراء التسديد. أو عدم اتخاذ الإجراءات التي يتوجب على المحاسب العمومي القيام بها في مجال تحصيل الموارد.

 

2 ـ بمقتضى المادة 56 من م م م حدد المخالفات التي تستوجب تأديب المحاسب العمومي وشبهه وتغريمه، وبمقتضى المادة 55 من م م م حدد المخالفات التي يترتب عليها تأديب مراقب الالتزام بالنفقات وكل مراقب مالي وشبههما وتغريمهم، وبمقتضى المادة 54 من م م م حدد المخالفات التي يؤدب عليها ماليا كل آمر بالصرف أو شبهه ـ عدا أعضاء الحكومة والبرلمان الممارسين لمهامهم بهذه الصفة ـ إذا ارتكبوها أثناء مزاولة مهامهم.

 

وقديما قيل ليس الفقيه من يعرف الفقه، ولكن الفقيه من يعرف المظان ( المظان مفرده مظنة، ومظنة الشيء موضعه ومألفه الذي يظن فيه وجوده ) ومعرفة مظان أحكام القانوني تأتي من سعة الاطلاع عليها والتفقه فيها واكتساب الملكة القانونية والفقهية بالمراس.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى