العملات الافتراضية بين الإباحة والتجريم -دراسة على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي- الباحثة: وجدان الصالبي
العملات الافتراضية بين الإباحة والتجريم -دراسة على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي-
الباحثة: وجدان الصالبي
طالبة باحثة بسلك الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد الخامس بالرباط -كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال- مركز دراسات الدكتوراه في القانون والاقتصاد
تحت إشراف ذة. بشرى النية أستاذة التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال جامعة محمد الخامس
رقم DOI
https://doi.org/10.63585/VDAQ9319
الملخص
أدى افتقار العملات الافتراضية في التشريع المغربي لتنظيم قانوني محكم وصعوبة وضعها في إطار قانوني سابق الوجود، إلى احتدام النقاش القضائي بمحاكم المملكة بخصوص مشروعية التعامل بها؛ فقد وجد القضاء المغربي نفسه عاجزا في العديد من النوازل على إيجاد أساس قانوني للمتابعة والمؤاخذة وتطبيق العقاب الملائم على مرتكبي الأفعال الجرمية المشكلة لبعض صور الجرائم المرتبطة بالعملات الافتراضية؛ ففي حالات عدة تمت تبرئة مرتكبي بعض هذه الأفعال استنادا لمبدأ الشرعية الجنائية الذي يفرض عدم مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون وفي حالات أخرى وحتى لا يفلت الجناة من العقاب كان يتم اسقاط القواعد العامة عليها كما هو الحال في جرائم غسل الأموال الذي يكون محله عملات افتراضية، لكن الأمر نفسه لا يخلو من صعوبة نظرا لخصوصية هاته الجرائم.
Virtual Currencies Between Permissibility and Criminalization – A Study in Light of Moroccan Judicial Jurisprudence
Wijdan Salby
Researcher in the Ph.D. Program, Faculty of Legal, Economic, and Social Sciences, Agdal – Mohammed V University, Rabat Center for Doctoral Studies in Law and Economics
Abstract
Virtual currencies lacking a substantial legal, pre-existing integrated framework in the Moroccan legislation has sparked intense judicial debate in the courts of the Kingdom regarding the legitimacy of implementation. In many cases, the Moroccan judiciary has been found incapable of initiating a legal basis for prosecution, accountability, and the application of appropriate penalties for perpetrators of criminal acts involving virtual currencies. In several instances, individuals accused of such acts have been acquitted based on the principle of criminal legality, prohibiting holding someone accountable for an act or penalizing him/her because of it where the act itself is not explicitly defined as a crime by law. On the other side, to prevent offenders from escaping punishment, general legal principles were applied, as seen in money laundering crimes involving virtual currencies. Yet, such approach is beset with challenges, given the unique nature of such crimes..
مقدمة
ولدت العملة الافتراضية التي تم تشفيرها للتعاملات الأمنة والسرية انطلاقا من فكرة التشفير وفك الشفرة، وأيضا تحليل الشفرة، حيث يتم إنشائها وتخزينها إلكترونيا دون وجود سلطة إشراف أو بنك مركزي يتحكم فيها، وليس لها كيان فيزيائي ملموس مثل العملات الاعتيادية الأخرى أو ما يطلق عن البنوك المركزية.
ويعتبر مفهوم العملات الافتراضية من التعاريف الضبابية التي لم تتضح بشكل كامل بعد، وذلك بسبب الغموض الذي يحيط بالمصطلحات والمفاهيم الجديدة المرتبطة بها، فتعريفها يمزج بين المفاهيم التقنية الحديثة والخصائص الاقتصادية والقانونية في ذات الوقت.
وقد عرفها البنك المركزي الأوروبي European central bank في تقرير صادر عنه عام 2012 بأنها:” نوع من النقود الرقمية غير المنظمة، والتي يتم إصدارها والتحكم فيها من قبل المطورين والمستخدمة والمقبولة بين أعضاء مجتمع افتراضي معين”. وفي تقرير لاحق له صدر عام 2015 عاد وفصل في عناصر تكوينها وحدد طبيعتها فعرفها على أنها:” تمثيل رقمي للقيمة يمكن تحويلها أو تخزينها أو تداولها إلكترونيا، لا تصدر عن مصرف مركزي أو سلطة عامة، وليست بالضرورة مرتبطة بعملة قانونية محددة، ولا يثبت لها المركز القانوني للعملات، ولكن يتم قبولها من قبل الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين كوسيلة للتبادل أو لأي غرض آخر”.
كما حرصت مجموعة العمل المالي الدولية FATF على تعريفها بأنها: “تمثيل رقمي للقيمة التي يمكن تداولها رقمياً، ويمكن المتاجرة بها رقميا وتعمل كوسيلة للتبادل أو وحدة حساب أو مخزن للقيمة وفقا لاتفاق المستخدمين، دون أن يثبت لها المركز القانوني للعملات القانونية بالنظر لعدم صدورها أو ضمانها من قبل أي سلطة مركزية “.
وفي المقابل اعتبرها بنك المغرب وحدة حساب لامركزية، لا يتم إصدارها من طرف دولة أو اتحاد نقدي، بل من قبل مجموعة من الأشخاص (ذاتيين أو معنويين) استنادا إلى سجل يضم كافة المعاملات ويتم تحيينه على مستوى جميع وحدات الشبكة (تقنية قاعدة البيانات التسلسلية). يتم تبادل العملات الافتراضية على الانترنت فقط وبالتالي فلا وجود لها في شكل قطع أو أوراق نقدية.
ومن مجمل هذه التعريفات يمكن تعريف العملات الافتراضية بأنها:” قيمة نقدية مخزونة في صورة أرقام على جهاز إلكتروني أو في برامج الحاسوب الشخصي، تستخدم للوفاء بالالتزامات النقدية المختلفة”.
والواقع، أن تاريخ العملات الافتراضية طويل وليس وليد اللحظة كما يعتقد معظم الناس، فبالعودة إلى عام 1977 ظهرت خوارزمية RSA وهي من اختراع الثلاثي “ليونارد أدليمان” و “آدي شامير” و”رونالد ريفست” في معهد ماساتشوستس للتقنية، والتي أعلن عنها حينها وتم نشر ورقة اختراعها، وفي اختصارها تتكون من 3 أحرف هي الأحرف الأولى لأسمائهم. والفائدة من هذه الخوارزمية التي شكلت النواة الأولى لهذه العملات كونها تسمح بتلقي الإيرادات والأموال عن طريقها.
وفي عام 1982، وقبل عقد من تطوير نظام التجارة الإلكترونية، كتب عالم الرياضيات “ديفيد تشوم” David Chaum مقال بعنوان “التوقيعات السباء للدفعات التي لا يمكن تعقبها، وصف فيه أول نظام مشفر لهذا النوع من الدفعات والذي يمنع الغير من كشف هوية المتعامل ومقدارها، وفي عام 1990 صدر عن نفس الكاتب مقال آخر بعنوان “النقود الإلكترونية التي لا يمكن تعقبها”، والذي يهدف من خلاله إلى إنشاء علم نقدي إلكتروني حر يحفظ للمتعاملين سرية تعاملاتهم وعدم الكشف عن هويتهم.
ولم يكتفي هذا العالم بالشق التأصيلي النظري، بل انتقل إلى اختراعه للنقود الكترونية cash سنة 1993، ويرجح بأنها أول عملة مشفرة إلكترونية وهي التي اعتمدت على التشفير، وبعدها عمل على جمع الأموال لتمويل فكرته ونجح بالطبع في إنشاء شركة Digi Cash التي تدير هذه العملة الرقمية المركزية.
كما تم في عام 1996 إطلاق الذهب الإلكتروني E-gold وهو عبارة عن أول موقع لتبادل الذهب وتداوله، وهو الذي يتطلب فتح حساب عليه واستخدامه في شراء الذهب وبيعه، لكن تم إغلاقه فيما بعد رغم وصول عدد المشتركين فيه إلى أكثر من 3.5 مليون مشترك، وذلك نتيجة اشتباه استخدامه في غسل الاموال.
في حين تم إطلاق أول بنك إلكتروني يساعد في تحويل الأموال عبر الإنترنت سنة 1999، وقد عزز نجاحه وإقبال الناس عليه في التأكيد على ضرورة إطلاق عملات إلكترونية تستخدم في تحويل الأموال.
وفي مطلع 2003 ظهر متصفح تور Tor الذي يوفر تصفح المواقع بإخفاء الهوية، وكذلك تصفح المواقع المحجوبة والممنوع الدخول إليها عبر المتصفحات العادية، وشكل هذا دعما غير مباشر للعملات المشفرة والتشفير وخصوصية التحويلات المالية والصفقات التجارية.
وبوقوع الأزمة المالية العالمية عام 2008، بدأ ظهور أول نوع من العملات الافتراضية المشفرة والتي سميت بالبيتكوين Bitcoin، حيث قام شخص ما أو جهة أو أكثر باستخدام الاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو” Satoshi Nakamoto ونشر مقال بعنوان الورقة البيضاء” على الموقع الإلكتروني cypher punk لشرح بروتوكول إنشاء وإدارة العملة الافتراضية البيتكوين، ووصف بموجبها هذه العملة المبتكرة والمكونة من رموز مشفرة بأنها وسيلة للتبادل ونظام للدفع الإلكتروني وبأن ما يُميزها عن العملات الإلكترونية في مجال التكنولوجيا المالية، عدم ارتباطها بأي سلطة مركزية .
وتبع ذلك انتشار العديد من أنواع العملات الافتراضية الأخرى وأشهرها البيتكوين كاش والإيثيريوم والمونيرو والليتكوين والإيوس والكاردانو.
وبفعل المزايا العديدة التي توفرها العملات الافتراضية من رسوم منخفضة وسرية وخصوصية تبعدها عن رقابة أي جهة كانت، جعلها تحظى بتأييد وقبول من طرف المستخدمين لأمانتها وبساطتها وسهولة حملها، إلا أنها بالمقابل تحمل العديد من المخاطر التي قد تعصف بما حققته أهمها استغلالها في ارتكاب العديد من الجرائم المنظمة العابرة للحدود، وهو ما جعل رجال القانون ينقسمون بصددها إلى مؤيد ومعارض.
وقد أدى افتقار العملات الافتراضية لتنظيم قانوني محكم، إلى احتدام النقاش الفقهي بخصوص طبيعتها القانونية، وفي هذا الإطار تم تقديم عدة تكييفات قانونية بخصوص هذا النوع من العملات، وهو ما كان له انعكاس كبير على التوجهات القضائية بمحاكم المملكة التي انقسمت بخصوص مشروعية التعامل بها إلى توجهين؛
التوجه الأول اعتبرها مشروعة وأباح التعامل بها، وتوجه ثاني اعتبرها غير مشروعة وجرم التعامل بها؛ ولعل مرد هذا التباين في المواقف يرجع بالأساس إلى الاختلاف بشأن طبيعتها ، إذ أن الاتجاه القضائي الذي اعتبرها عملة أو نقودا استنتج أنها تدخل تحت مظلة مخالفات قانون الصرف والفصل 339 من القانون الجنائي الذي يجرم صنع أو تداول عملة تقوم مقام النقود المتداولة قانونا والقانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها رقم 12-103، في حين أن الاتجاه القضائي الذي لم يعتبرها عملة أو نقودا أخرجها من نطاق النصوص المذكورة، وصرح بكون التعامل بها لا يشكل جريمة.
إشكالية البحث:
يطرح الموضوع إشكالية مفادها؛ كيف تعامل الاجتهاد القضائي المغربي مع العملات الافتراضية في ظل غياب تنظيم تشريعي خاص بها؟
منهجية البحث:
تلعب إشكالية البحث دورا رئيسيا في تحديد المنهج الذي سيتم إتباعه، ومن هذا المنطلق قد أملت علينا طبيعة الدراسة والإشكالية التي يثيرها موضوع البحث إتباع المنهج التحليلي والمنهج الوصفي الذي يهدف إلى إيجاد الإطار القانوني المناسب لهذه العملات، والوقوف عند مدى سريان نصوص القانون الجنائي وبعض النصوص الخاصة عليها على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي، إلى جانب المنهج التاريخي قصد تتبع بروز فكرة العملات الافتراضية ونشأتها وتطورها التاريخي، فضلا عن اعتماد المنهج المقارن لبيان موقف بعض التشريعات المقارنة من تداولها.
خطة البحث:
إن الإجابة عن الإشكالية المطروحة بإعمال المناهج المذكورة آنفا تجعل من المناسب تقسيم هذا البحث وفق الخطة التالية:
– المطلب الأول: تمظهرات التجريم
– المطلب الثاني: مبررات الإباحة
المطلب الأول: تمظهرات التجريم
سوف نناقش في هذا المطلب مسألة تجريم التعامل بالعملات الافتراضية استنادا إلى أحكام القانون الجنائي باعتباره الإطار العام للتجريم والعقاب (الفقرة الثانية)، ومن زاوية قانون الصرف والقانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها رقم 12-103 كإحدى النصوص القانونية الخاصة ذات صلة بالموضوع (الفقرة الأولى).
الفقرة الأولى: من زاوية قانون الصرف والقانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها
أصدر بنك المغرب والهيئة المغربية لسوق الرساميل ووزارة الاقتصاد والمالية بتاريخ 21 نونبر 2017 بلاغا مشتركا يحذر من التعامل بعملة البيتكوين باعتبارها نشاطا غير منظم ينطوي على مجموعة من المخاطر المرتبطة بغياب إطار حمائي للزبون وتقلب سعر صرف العملات الافتراضية وإمكانية استعمالها في ارتكاب بعض الجرائم الخطيرة.
وفي نفس السياق ذهب مكتب الصرف أبعد من ذلك وأصدر بلاغا في ذات الموضوع بتاريخ 20 نونبر 2017 أشار من خلاله إلى أن التعامل بالعملات الافتراضية يشكل مخالفة لقانون الصرف الجاري به العمل ويعرض مرتكبيها للعقوبات والغرامات المنصوص عليها في النصوص ذات الصلة.
في هذا الصدد وتكريسا للتوجه أعلاه اعتبرت محكمة النقض المغربية في قرار صادر عنها ” أن اعتراف الطالب باحتراف تحويل العملة المغربية إلى عملة أخرى يتداول بها في مجموعة من المنصات الإلكترونية لتبادل المعاملات المالية بما يعادل قيمتها بالأورو أو الدولار، وكذا في عملات إلكترونية باستعمال “البيتكوين” التي يمتلكها بالمنصات المذكورة وكذلك الاستثمار فيها بإعادة بيعها على المنصات نفسها بعد ارتفاع قيمتها في السوق الإلكتروني، تحويلا للأموال بشكل غير مشروع وبدون ترخيص من مكتب الصرف، وبالتالي جريمة بمقتضى ظهير 30 شتنبر 1949 المتعلق بزجر كل ما يرتكب من مخالفات للضابط المتعلق بالصرف و القرارات الوزارية والمناشير الصادرة عن مكتب الصرف المغربي التي تحظر التعامل بعملات أجنبية من طرف وسائط غير وساطة بنك المغرب أو البنوك ومؤسسات الائتمان المعتمدة كما تحظر التعامل بالعملات غير المقننة.
وعلى الرغم من ازدياد القبول الدولي للتعامل بالعملات الافتراضية، إلا أن غالبية دول العالم لم تسمح رسميا بهذه العملات، بل إن بعضها اعتبر التعامل بها مخالفا للأنظمة ويعاقب عليها، كما حذرت دول أخرى مواطنيها من التعامل بها، وذلك نظرا لعدم وجود ضوابط على العملة الافتراضية وتداولها بشكل مجهول إلى حد كبير في غياب إشراف الحكومات عليها، وهو ما يقلق الجهات الرسمية في أنحاء العالم بشكل كبير.
ومن التشريعات المقارنة التي اتبعت نفس النهج نجد المصرف المركزي الروسي الذي حذر من استخدام العملة الافتراضية ” البيتكوين”، وأشار إلى أنه يمكن استخدامها في غسل الأموال و تمويل الإرهاب أو التعامل بها كعملة موازية مخالفة للقانون، كما أن هذه العملات لا تملك سندا قانونيا لإصدارها، وتعتمد على المراهنة في تحديد سعرها، الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا لفقدان نسبة كبيرة من قيمتها؛ وقال مكتب المدعي العام الروسي: “أنظمة الدفع التي تخفي هوية المستخدم والعملات الإلكترونية واسعة الانتشار -ومن بينها العملة الأشهر-بيتكوين-تعد عملات بديلة ولا يمكن استخدامها بمعرفة الأفراد أو الكيانات القانونية ” ، بالإضافة إلى المصرف المركزي اللبناني الذي حذر هو الآخر من شراء أو حيازة أو استعمال النقود الافتراضية ، حيث ورد في التعميم الصادر عنه: “ونظرا للمخاطر التي قد تنتج عن التعامل بالنقود الافتراضية الـبيتكوين؛ ومنها:
1- أن المنصات ( (platformsأو الشبكات (networks) التي يتم بواسطتها اصدار وتداول هذه النقود لا تخضع لأي تشريعات أو تنظيمات، وفي حال تعرضت لخسائر فلا يوجد أي إطار حماية قانوني يؤمن استرجاع الأموال التي تم بها شراء هذه النقود.
2- أن هذه النقود غير صادرة أو مكفولة من أي مصرف مركزي، وبالتالي فهي معرضة لتقلب حاد وسريع في أسعارها والتي يمكن أن تتدنى إلى الصفر.
3- أن العمليات على النقود الافتراضية تسهل استعمالها لنشاطات إجرامية خاصة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
4 – لا يمكن الرجوع عن العمليات أو التحويلات غير الصحيحة وغير الموافق عليها (Unauthorized or Incorrect) المنفذة بواسطة هذه النقود.
ولذلك، واستدراكا للمخاطر والخسائر الجمة التي قد تنجم عن استعمال النقود الافتراضية فإن مصرف لبنان، يحذر أيا كان من شراء وحيازة واستعمال هكذا نقود”.
كما فرضت الفيتنام حظرا على عملة البيتكوين الافتراضية، مستندة إلى سهولة استخدامها لأغراض جنائية، ومخاطرها الكبيرة على المستثمرين؛ إذ جاء في بيان بنكه المركزي: “إن المعاملات بالعملة الإلكترونية مجهولة بشكل كبير، لذا يمكن أن تصبح تلك العملة أداة لتنفيذ جرائم مثل غسل الأموال وتهريب المخدرات والتهرب من الضرائب والدفع غير القانوني”، وحظر البيان على مؤسسات الائتمان التعامل بتلك العملة، وحذر المواطنين من الاستثمار فيها. وإلى جانبها كل من البنك الأردني المركزي الذي أصدر هو الآخر بيانا رسميا حذر من خلاله المواطنين من تجريب العملة الرقمية التي تفتقد الدعم من أي مؤسسة مالية في العالم. وبنك الشعب المركزي الصيني الذي منع بموجب أمر صادر عنه في شهر أكتوبر من عام 2013 جميع البنوك والمؤسسات المالية الصينية من التعامل بعملة البيتكوين. ولا سيما أيضا البنك المركزي الإيراني من خلال توجيهه لكتب رسمية للبنوك التجارية تحظر التعامل بالعملات الافتراضية، وفقا لما جاءت به هيئة مكافحة غسل الأموال الإيرانية.
وفي ذات السياق، فقد منع قانون البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي -الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020 -إصدار العملات المشفرة أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو إنشاء أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها، ويعاقب من يخالف ذلك بالحبس وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تتجاوز عشرة ملايين جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وكما هو معلوم فإن القيام بالعمليات المصرفية وتحويل وبيع العملات بمقتضى القانون اختصاص حصري للمؤسسات البنكية والائتمانية، وهو عمل مجرم وغير موضوع رهن إشارة الأشخاص لما ينطوي عليه من مخاطر على الأفراد وعلى الدول.
فبالرجوع إلى مقتضيات المادة الأولى من القانون103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها نجدها تنص على أن هذه المؤسسات هي المخولة قانونا لاحتراف واعتياد عمليات تلقي الأموال من الجمهور وتوزيع الائتمان ووضع مختلف وسائل الدفع رهن تصرف العملاء والقيام بإدارتها، كما أن لها صلاحية توظيف القيم المنقولة أو المنتجات المالية والاكتتاب فيها وشرائها وإدارتها وحراستها وبيعها، وتكريسا لذلك عاقبت المادة 183 من نفس القانون كل شخص يقوم بشكل اعتيادي أو احترافي بتلك الأنشطة المالية الواردة في المادة الأولى أعلاه دون أن يكون مخولا له قانونا بذلك باعتباره مؤسسة ائتمان .
وتطبيقا للنصوص أعلاه سبق للمحكمة الابتدائية بالمحمدية أن أدانت متهما من أجل جنح احتراف تلقي الأموال من الجمهور والقيام بعمليات الائتمان بدون اعتماد قانوني وتحويل الأموال بشكل غير مشروع وبدون ترخيص من مكتب الصرف والحكم عليه سنة واحدة ونصف حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها (100.000 درهم مائة ألف درهم)، معتبرة أن متاجرة المتهم في عملة “البيتكوين” بواسطة منصة إلكترونية مع مجموعة من الزبناء مقابل عمولة تتراوح بين 3% و8%، يشكل الركن المادي للجرائم المذكورة، وعللت حكمها وفق ما يلي:
“وحيث توبع المتهم من أجل منح احتراف تلقي الأموال من الجمهور والقيام بعمليات الائتمان بدون اعتماد قانوني وتحويل الأموال بشكل غير مشروع وبدون ترخيص من مكتب الصرف طبقا للفصلين 1 و183 من القانون 12-103 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعبرة في حكمها والفصل 6 من ظهير 17/10/1959 والفصول 1و15و17 من ظهير 30/08/1949، وحيث صرح المتهم أنه يتاجر في عملة “البيتكوين” عبر مواقع إلكترونية مقابل عمولات مستعملا معرف إلكتروني واسم المستخدم وأنه تعامل مع 1000 مقابل عمولة %3% و %8…
وحيث تبين للمحكمة من خلال الاطلاع على وثائق الملف وتصريحات المتهم أن هذا الأخير يتاجر في عملة البيتكوين وهي عملة رقمية افتراضية مستعملا منصات إلكترونية ومعرف إلكتروني ويتعامل مع 1000 زبون مقابل عمولة %3 و %8.
وحيث إن المادة 7 من القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان تنص على أن هذه المؤسسات تحترف اعتياديا عمليات تلقي الأموال من الجمهور وتوزيع الائتمانات ووضع مختلف وسائل الدفع رهن تصرف العملاء أو القيام بإدارتها، كما أن المادة 5 تنص على أن البنوك تقوم بعمليات توظيف القيم المنقولة أو المنتجات المالية والاكتتاب فيها وشرائها وبإدارتها وحراستها وبيعها.
وحيث إن المتهم باعترافه الصريح يقوم ببيع العملة الإلكترونية المشفرة “البيتكوين” وهي عملة غير معترف بها قانونا على الصعيد الوطني حسب الثابت من دورية بنك المغرب المدرجة في الملف والمؤرخة في 2017/01/21.
وحيث إن المتهم اعتاد احتراف تلقي الأموال من الجمهور (1000 زبون) عن طريق تحويل عملة البيتكوين إلى عملات أخرى باستخدام منصات إلكترونية مقابل الحصول على عمولة بين %8 و3% حيث يتأكد من عملية إيداع المبلغ من طرف الزبون بالبنك ثم تقوم بتحويل مقابلها بعملة البيتكوين.
وحيث من المعلوم أن وظائف القيام بعمليات مصرفية وتحويل العملة وبيع العملة تختص بها المؤسسات البنكية والائتمانية بمقتضى القانون وهو عمل مجرم وغير موضوع رهن إشارة الأشخاص لما ينطوي عليه من مخاطر على الأفراد وعلى الدول. وحيث أن المتهم كذلك يقوم وباعترافه بتحويل الأموال بدون ترخيص والتصرف بدون إذن من مكتب الصرف في الممتلكات والموجودات بالخارج من طرف الأشخاص الذاتيين المغاربة المقيمين أو الموجودين بالخارج عن طريق إدخال وإخراج الأموال والتصرف في العملات والقيام بعمليات من اختصاص البنوك ومؤسسات الائتمان.
وحيث إن المتهم يجني من وراء عملياته أموالا كثيرة ويقوم بعمليات مصرفية وتحويل العملة بدون أداء حقوق وواجبات إدارة الجمارك ومكتب الصرف وبدون ترخيص منها.
وحيث لذلك تصرح المحكمة بمؤاخذة المتهم من أجل المنسوب إليه مع تمتيعه بظروف التخفيف وتطبيق الفصل 146 قانون الجنائي”.
وبناء على الطعن بالاستئناف في الحكم المذكور أعلاه قضت غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتأييد الحكم المستأنف والذي جاء فيه: “وحيث إنه تبعا لذلك يكون الحكم الابتدائي قد صادف الصواب فيما قضى به ويتعين تأييده سواء من حيث الإدانة أو العقوبة الحبسية التي قررها كجزاء للمتهم إذ أن العقوبة الحبسية جاءت مناسبة وخطورة الأفعال المرتكبة، وكذا بالنسبة للغرامات المحكوم بها لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة …”
كما قضت محكمة النقض في نفس الحكم أعلاه برفض الطلب المرفوع من طرف الطاعن بعلة خرق القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان، إذ جاء في قرارها ما يلي: والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه وبعد أن اطمأنت لتصريحات الطاعن التمهيدية أعلاه والتي أكدها جزئيا أمامها، اعتبرت أن الطاعن باعتياده تلقي الأموال من الأشخاص المغاربة و الأجانب باعتبارهم زبناء بعد مطالبتهم بنسخة من بطاقتهم الوطنية أو جواز سفرهم، واحترافه لنشاط الوساطة لفائدتهم في بيع العملة الإلكترونية في منصات التبادل الإلكتروني العالمية باستعمال العملات الإلكترونية وخاصة عملة البيتكوين، مقابل عمولة ما بين 3% و 8% من قيمة المعاملة واستثماره في ادخارات الزبناء لحسابه الخاص في هذه العملات الإلكترونية، تشكل العناصر التكوينية للجنح أعلاه استنادا إلى مقتضيات المادة الأولى من القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها رقم 12-103 التي تنص على أن هذه المؤسسات هي المخولة قانونا احتراف واعتياد عمليات تلقي الأموال من الجمهور وتوزيع الائتمان ووضع مختلف وسائل الدفع رهن تصرف العملاء و القيام بإدارتها، وكذلك المادة الخامسة من ذات القانون التي خصت البنوك بعملية توظيف القيم المنقولة أو المنتجات المالية والاكتتاب فيها وشرائها وإدارتها وحراستها وبيعها.
وعاقبت المادة 183 من نفس القانون كل شخص يقوم بشكل اعتيادي أو احترافي بتلك الأنشطة المالية الواردة في المادة الأولى أعلاه، دون أن يكون مخولا له قانونا بذلك باعتباره مؤسسة ائتمان. كما اعتبرت المحكمة أن اعتراف الطالب باحتراف تحويل العملة المغربية إلى عملة أخرى يتداول بها في مجموعة من المنصات الإلكترونية لتبادل المعاملات المالية بما يعادل قيمتها بالأورو أو الدولار، وكذا في عملات إلكترونية باستعمال “البيتكوين” التي يمتلكها بالمنصات المذكورة وكذلك الاستثمار فيها بإعادة بيعها على المنصات نفسها بعد ارتفاع قيمتها في السوق الإلكتروني، تحويلا للأموال بشكل غير مشروع وبدون ترخيص من مكتب الصرف، وبالتالي جريمة بمقتضى ظهير 30 شتنبر 1949 المتعلق بزجر كل ما يرتكب من مخالفات للضابط المتعلق بالصرف و القرارات الوزارية والمناشير الصادرة عن مكتب الصرف المغربي التي تحظر التعامل بعملات أجنبية من طرف وسائط غير وساطة بنك المغرب أو البنوك ومؤسسات الائتمان المعتمدة كما تحظر التعامل بالعملات غير المقننة. والمحكمة بقضائها على النحو المذكور، أعلاه تكون قد استعملت سلطتها في تقدير ما عرض عليها من وقائع وأدلة وعللت قرارها تعليلا كافيا، من غير أن تخرق أي مقتضى قانوني، وتبقى الوسيلتان فيما اشتملتا عليه على غير أساس”.
وفي ختام هذه الفقرة كان لا بد من الإشارة إلى أن المغرب على غرار العديد من الدول الأخرى خصوصا في أوربا، وفي ظل صعوبة تقنين العملات الافتراضية من جهة وللاستفادة من الخصائص الإيجابية التي تميزت بها العملات الافتراضية دون سواها من جهة أخرى، خاصة السرعة في تسوية المعاملات المالية، يستعد لإطلاق عملة رقمية اصطلح عليها “الدرهم الإلكتروني”؛ بحيث أعلن والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري يوم الثلاثاء 25 يونيو 2024 عن وجود مباحثات مع البنك وصندوق النقد الدوليين اعتماد “الدرهم الإلكتروني” في التعاملات؛ وهوعملة رقمية للبنك المركزي، أو CBDC (للعملة الرقمية للبنك المركزي)، والتي تعتمد على blockchain معتمد أو خاص، في حين أن العملات المشفرة مدعومة بسلسلة كتل عامة أو غير مصرح بها. ومن ثم فإن العملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC) هي هيكل مركزي، على عكس العملات المشفرة التي تعتبر لامركزية. بالإضافة إلى ذلك لا تسمح العملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC) بعدم الكشف عن هويته نظرًا لأنها تابعة للبنك المركزي، كما أن إمكانيات المضاربة على CDBC محدودة للغاية، لأن هذه العملة ستكون دائما مرتبطة بالدرهم المغربي، وهذا يقلل بشكل كبير من تقلباتها، لذلك يمكن أن تكون العملات المشفرة متقلبة للغاية.
ووفق خبراء مغاربة، فإن نمو” العملات الافتراضية” دوليا، دفع البنك المغربي إلى محاولة استكشاف هذه العملات، وإقرار الدرهم الإلكتروني، بحثا عن معاملات مالية أسرع وأقل تكلفة مقارنة بالعملات الورقية، وبأن اللجنة الداخلية المخصصة لدراسة فرصة إصدار عملة رقمية للبنك المركزي تعمل على إطلاق دراسات مختلفة تهدف إلى تحديد وتحليل المزايا واستيضاح مخاطر العملة الافتراضية للبنوك المركزية على الاقتصاد المغربي، وهو الموضح ضمن تقرير سنوي سابق حول البنيات التحتية للأسواق المالية ووسائل الأداء ومراقبتها، وأن اللجنة منكبة أيضا على دراسة الأمور المتعلقة بأصول التشفير، من أجل فهم أفضل لاستخدامها والتأثيرات المرتبطة بها، بالإضافة إلى فرصة تحديد إطار تنظيمي مناسب.
وما ينبغي التأكيد عليه أن نجاح اعتماد “الدرهم الإلكتروني” من قبل البنك المركزي رهين بكيفية تصميم وتنفيذ هذه العملة، مع الأخذ في الاعتبار التوازن بين الفوائد والمخاطر، وهو الأمر الذي يتطلب تعاونا وثيقا بين بنك المغرب والفاعلين في القطاع والتكنولوجيا المالية، بما يضمن استغلال العملة الجديدة كوسيلة لتعزيز النظام المالي وليس لتعريضه لمخاطر جديدة، وذلك من خلال وضع أطر تنظيمية قوية، وضمان الأمان والخصوصية، حيث يمكن للبنك المركزي تحقيق فوائد كبيرة عند تبني الدرهم الجديد، مع تقليل المخاطر المحتملة.
يتضح إذن وجود اجتهاد قضائي يقعد لتجريم التعامل بالعملات الافتراضية، من منطلق كونها مخالفة لقوانين الصرف بالرغم من غياب تنصيص صريح على ذلك في هذه القوانين ذات الصلة، الشيء يقودنا للبحث عن إمكانية إيجادها في القانون الجنائي باعتباره الشريعة العامة للتجريم والعقاب، وهو ما سيكون محور النقطة الموالية.
الفقرة الثانية: من زاوية القانون الجنائي
يتمثل الجانب الآخر الجدير بالمعالجة ضمن هذا المطلب في مسألة مدى اعتبار تداول وتعدين العملات الافتراضية بمثابة جريمة صنع وتداول لعملات تقوم مقام النقود المتداولة قانونا؟
وللجواب على هذه المسألة ينبغي الإشارة إلى أن المادة 5 من القانون 40.17 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب تنص على:” أن بنك المغرب يمارس امتياز إصدار الأوراق البنكية والقطع النقدية الرائجة قانونا داخل تراب المملكة”.
وبناء عليه فإنه يمنع منعا كليا على أي جهة أخرى كيفما كانت أن تحتفظ لنفسها بحق إصدار النقد في ظل غياب نص قانوني صريح يجيز لها ذلك.
وفي هذا الإطار ورغبة من المشرع الجنائي المغربي في حماية الثقة في العملة الوطنية وحماية قوتها الإبرائية جرم كل فعل يهدف من ورائه الجاني إلى زعزعة تلك الثقة أو خلق نقود تشبه العملة الوطنية أو تقوم مقامها بما فيها العملات الافتراضية، حيث عاقب في المادة 339 من نفس القانون على:” صنع العملات التي تقوم مقام النقود المتداولة قانونا وكذلك إصدارها أو توزيعها أو بيعها أو إدخالها إلى المملكة يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى عشرين ألف درهم.
ولقد أتيحت الفرصة للقضاء المغربي للحكم بالإدانة نتيجة التعامل بالعملة الافتراضية “بيتكوين” حيث سبق وأن قضت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة بإدانة متهمين تعاملا بعملة البيتكوين” من أجل جنحة التداول بعملات تقوم مقام النقود المتداولة قانونا المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 339 من القانون الجنائي، وقد عللت المحكمة حكمها بأنه:” لما كان الثابت واقعا أن العملة موضوع متابعة المتهمين من أجل تداولها هي عملة رقمية افتراضية، ليس لها وجود مادي معين وملموس، وكذا سعر رسمي محدد كالعملات التقليدية المتداولة قانونا من قطع وأوراق نقدية وغيرها، وإنما تعتمد على مبدأ التشفير عبر شبكة الانترنيت وفق برمجيات وأوراق نقدية وغيرها، وإنما تعتمد على مبدأ التشفير عبر شبكة الانترنيت وفق برمجيات وآليات معينة، ولكونها كذلك غير خاضعة لنظام الصرف بالمغرب وكونها لا تعد من بين العملات المعتمدة من طرف بنك المغرب والصادر بموجبها بيان رسمي عنه يرمي إلى التحذير من التعامل بها، فإنه وعلى الرغم من خصائصها تلك غير النظامية، تبقى عملة ذات مقياس وظيفي كالنقود المتداولة قانونا والمتمثلة أساسا في أنها ذات تمثيل رقمي لقيمة مالية مخزنة وموثقة في شكل إلكتروني عبر شبكة الانترنيت، وتستخدم كوسيلة للتبادل وأداة دفع إلكتروني لتحقيق مختلف أغراض المتعاملين بها عند تحقق التعامل بها بإحدى الصور الواردة بفصل المتابعة ما دام أن مقتضياته جاءت عامة ولم تحدد شكل وخصائص معينة في العملة المجرم تداولها” .
ومن وجهة نظرنا نعتقد على أن التوجه الذي يجرم التعامل بالعملات الافتراضية استنادا للمادة 339 أعلاه يرتكز في ذلك على أن مفهوم التعدين الخاص بالعملات الافتراضية يمكن إقحامه في مفهوم الصنع المتعلق بالنقود المعدنية أو الأوراق النقدية، فقط جوهر الاختلاف بينهما في المعنى اللغوي وليس في المعنى الاصطلاحي؛ بحيث أن الأول مفهوم تقني مرتبط بما هو رقمي افتراضي، في حين أن الثاني هو مفهوم مادي فزيائي، لكن النتيجة واحدة ألا وهي صدور عملة إما في شكل نقود معدنية وأوراق نقدية أو في شكل عملات افتراضية.
يتضح إذن أنه بالرغم من غياب تأطير تشريعي خاص بالعملات الافتراضية، وجود اجتهاد قضائي يكرس تجريم التعامل بها انطلاقا من خطورة التعامل بها وبالنظر إلى مساسها بالسيادة المالية الوطنية، وذلك بالاعتماد على النصوص العامة والخاصة في هذا المجال، غير أنه توجه وجد له نقيضا يبيح التعامل بها، فما هي الأسس المعتمدة في ذلك؟
المطلب الثاني: مبررات الاباحة
يمكن اختصار المبررات التي كانت وراء إباحة التعامل بالعملات الافتراضية في مبررين الأول من زاوية القانون المدني الذي اعتبر أن منطلق الأصل في الأشياء الإباحة (الفقرة الأولى)، والثاني متعلق بمبدأ أصيل كرسته معظم التشريعات الجنائية بما فيها التشريع الجنائي المغربي ألا وهو مبدأ الشرعية الجنائية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: منطلق الأصل في الأشياء الإباحة
وجدت بعض الدول في ابتكار العملات الافتراضية نقلة نوعية في أساليب المدفوعات النقدية، وموجة تحديث لأساليب التعامل المالي التي لابد من ركوبها والاستفادة منها، فانطلقت من المبدأ العام “الأصل في الأشياء في الإباحة” لتبرير تعاملها بها.
وتعد ألمانيا أولى الدول التي أباحت التعامل بها؛ حيث اعترفت رسميا بأن البيتكوين نوع من النقود الإلكترونية وهو ما سمح للحكومة الألمانية بفرض ضريبة على الأرباح التي تحققها الشركات التي تتعامل بالبيتكوين، في حين بقيت المعاملات الفردية معفاة من الضرائب. كما منحت محكمة العدل الأوروبية هذه العملة بعض الشرعية في أكتوبر من عام 2015م، وذلك عندما حكمت باعتبار البيتكوين عملة تقابل السلعة وبالتالي فهي معفاة من ضرائب القيمة المضافة عندما يبادل الأفراد اليورو مقابل الـبيتكوين.
ومن الدول التي مالت للسماح بالتعامل بها مع التحفظ على الاعتراف الرسمي بها نجد إستونيا التي تستضيف عددا من أجهزة الصراف الآلي الخاصة بالبيتكوين والشركات الناشئة مثل “paxful” وتقدم خدمة شراء وبيع البيتكوين العالمية بشبكة الند للند، وكندا كموطن لتجمع العملات الافتراضية والشركات الناشئة، مثل مجموعة Vanbex، وكذلك آلاف من التجار الذين يقبلون الدفع بعملة البيتكوين، فعلى سبيل المثال مدينة فانكوفر وحدها لديها أكثر من 20 من أجهزة الصراف الآلي الخاصة بالبيتكوين.
عملا بالمبدأ أعلاه اتبعت بعض التوجهات الفقهية بالمغرب نفس النهج وسمحت بالتعامل بالعملات الافتراضية استنادا إلى نص الفصل 55 من قانون الالتزامات والعقود الذي نجده ينص على أنه: “يدخل في دائرة التعامل جميع الأشياء التي لا يجرم القانون صراحة التعامل بشأنها”، وهو ما يعني أن مسألة إخراج الأشياء والأموال بما فيها العملات الافتراضية من دائرة التعامل يجب أن تتم بموجب القانون، وهو أمر غير محقق في ظل غياب إطار قانوني خاص من زاوية القانون المدني وكذا القوانين الخاصة ينظمها ويتلاءم وطبيعتها الافتراضية، فضلا عن عدم قدرة النصوص القانونية العامة المتعلقة بالنقود القانونية بما فيها المعدنية والورقية على استيعابها بفعل طبيعتها اللامادية، وهو ما يجعل الأصل في تداول هذه العملات والتعامل بها عامة أمرا مباحا.
وبالرغم من تعدد التوجهات التي حاولت إقحام العملات الافتراضية ضمن الأطر القانونية القائمة، ومنه ضمان سريان النصوص التجريمية ذات الصلة بالموضوع عليها، فإن الطبيعة القانونية لهذه العملات تجعل الأطر القانونية القائمة لا تسعف في تنظيمها وتأطيرها بشكل كامل من الناحية القانونية، فرغم تسميتها بالعملة فهي لا تتوفر على خصائص النقود والعملة كما أشرنا لذلك سابقا، فلكي تقوم مقام النقود يجب أن تحظى بقبول عموم الناس؛ هذا القبول الذي ينبع من الثقة فيها إما بدعمها من قبل الدولة أو لارتباطها بمعدن أو شيء نفيس كما كان عليه الأمر سابقا.
غير أن هذه الوظيفة-أي وظيفة النقود- وما يرتبط بها من ثقة عامة غير متوفرة في العملات الافتراضية فهي لا تحظى بقبول عام كوسيلة للأداء وإجراء المبادلات ، فمن جهة يتم تركيز هذه العملات بيد عدد قليل من الأفراد والجماعات؛ حيث أثبتت الدراسات أن 2.5% من عناوين شبكة العملات الافتراضية تتملك 95% من مجموع العملات المشفرة الرائجة، وفي سنة 2017 امتلك 1000 شخص 40% من مجموع عملة البيتكوين، ومن جهة أخرى فإن الجهات التي تقبل الأداء بالعملات الافتراضية قليلة جدا، إذ حتى في الدول التي تنتشر فيها المعاملات بهذه العملات، تبقى نسبة التعامل بهذه الأخيرة محدودة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً لم تتعدى نسبة التعامل بالبيتكوين 0.3% ومن بين 500 أهم موقع للتجارة الإلكترونية بالولايات المتحدة الأمريكية 4 مواقع فقط كانت تقبل التعامل بالبيتكوين سنة 2018، ولم يتجاوز عدد مواقع الانترنيت التي تقبل التعامل بالبتكوين في العالم 120.000 موقع، كما أن مجموعة من المنصات التي كانت تقبل الأداء بالعملات الافتراضية تراجعت عن ذلك بسبب طول أمد إنجاز المعاملة، حيث لا تتجاوز قدرة البيتكوين على معالجة 80 معاملة في الدقيقة، في حين تعالج Mastercarde و visa 100.000 معاملة في الدقيقة.
ومن جهة أخرى فإن اعتبارها مالا منقولا معنويا، يصطدم بعقبة قانونية تتمثل في عدم وجود إطار قانوني على الأقل في القانون المغربي ينظم الملكية الافتراضية، ولا توجد لحد الساعة أية نصوص قانونية تنظم ملكية البيانات المعلوماتية، فرغم تنظيم بعض الأموال المعنوية كالأصل التجاري وملكية الشخص المعنوي، ورغم تنظيم الملكية الفكرية بما في ذلك الملكية الفكرية على برامج الحاسوب ، فإن هذه الأموال تتميز بارتباطها بأشياء أخرى تجسد وجودها كمال له قيمة اقتصادية، على غرار الاسم التجاري والبضائع والمعدات والأدوات… بالنسبة للأصل التجاري، والكلمات والرسوم والدعامة والآلة بالنسبة لبرامج الحاسوب، والرأسمال والمقر بالنسبة للشخص المعنوي عندما يتعلق الأمر بشركة في حين تبقى العملات الافتراضية مجرد أرقام وشفرات لا تحظى لحد الساعة بأي تنظيم قانوني باعتبارها مالا من الأموال.
أما فيما يتعلق باعتبار العملات الافتراضية وسيلة أداء، فإن هذا التكييف كان يمكن أن يكون مقبولا في ظل التشريع المغربي، ما دام أن المادة 6 من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، تعتبر وسائل أداء “جميع الأدوات التي تمكن أي شخص من تحويل أموال كيفما كانت الدعامة أو الطريقة التقنية المستعملة لذلك “، غير أن نفس المادة في فقرتها الثانية أفردت حكما خاصا للنقود الإلكترونية عندما نصت على أنه “تعتبر كذلك وسيلة أداء النقود الإلكترونية المعرفة كقيمة تمثل دينا على المصدر”، وهو ما يعني أن المشرع وإن كان قد وضع حكما في الفقرة الأولى من المادة 6 السالفة الذكر يمكن أن يشمل العملات الافتراضية فإنه بتخصيصه فقرة فريدة للعملات الإلكترونية كشكل جديد من أشكال وسائل الأداء، يمنع أي تأويل بشأن إضافة وسائل أداء جديدة استنادا إلى الصياغة العامة الواردة في الفقرة الأولى من المادة 6 السالفة الذكر، بحيث كل شكل جديد من أشكال وسائل الأداء لا يمكن أن ينظم إلى لائحة وسائل الأداء ما لم ينظمه المشرع صراحة.
كما أن المادة 185 من نفس القانون تمنع على الأشخاص الممارسة الاعتيادية للعمليات المتعلقة بالأداء إلا بحصوله على رخصة الاعتماد كمؤسسة ائتمان أو مؤسسة أداء ما لم يتعلق الأمر بأحد الاستثناءات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 18 السالفة الذكر، وهذه الاستثناءات لا تشمل التعامل بالعملات الافتراضية.
غير أن عدم قدرة الأطر القانونية القائمة على احتواء العملات الافتراضية، وعدم توفر الأساس القانوني لاعتبار هذه العملات مالا من الأموال، لا يعني أنها بدون أية قيمة اقتصادية، وإلا لما أمكن إجراء معاملات ومبادلات بواسطة هذه العملات، ولما أمكن تحديد سعرها بالنظر إلى العملات التقليدية.
وخلاصة القول، فإن العملات الافتراضية تبقى قيما اقتصادية افتراضية، تتمرد على الأطر القانونية القائمة، ولكنها تحتاج إلى تدخل تشريعي لتنظيمها ونقلها من دائرة المصالح الواقعية إلى دائرة المصالح القانونية، لحماية الملكية المنصبة عليها، وترتيب المسؤوليات عن المعاملات المنجزة بواسطتها، لاسيما عندما يتعلق الأمر باستغلال هذه العملات الافتراضية في أعمال غير مشروعة.
الفقرة الثانية: مبدأ الشرعية الجنائية
يعتبر مبدأ الشرعية الجنائية من المبادئ الكونية التي كرسها المشرع المغربي في مجموعة القانون الجنائي؛ والذي يهدف من خلاله إلى حصر نطاق التجريم والعقاب بيده في شكل نصوص قانونية سواء عامة أو خاصة، ومن هذا المنطلق فلا وجود لأي جريمة في ظل غياب إطار قانوني مناسب للمتابعة الجنائية يشمل العملات الافتراضية، وهو ما كرسه العمل القضائي المغربي في العديد من الأحكام والقرارات.
وقد أشرنا في ضوء المادتين السابقتين أي 334 و339 من مجموعة القانون الجنائي المغربي بأن تداول العملات الافتراضية يشكل جريمة معاقب عليها قانونا. لكن وعلى الرغم من أن الإصدار امتياز مقصور على الدولة، وإن قام به غيرها اعتبر مرتكباً لجريمة وفقاً للمادتين المذكورتين، إلا أن العملات الافتراضية ليس لها مصدر ظاهر كما في العملات التقليدية، وبالتالي فالركن المادي للجريمة لا يمكن تحققه هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن عبارة ” أوراق نقدية أو نقود معدنية أو أوراق مالية” الواردة في المادتين السالفتين الذكر لا يمكن أن تشمل العملات الافتراضية إلا بتكلف، وهو ما لا ينسجم مع مبدأ الشرعية الجنائية، وتفسير الشك لصالح المتهم، ثم مبدأ التفسير الضيق للنص الجنائي.
وهكذا تكون جريمة استعمال أو تداول أو ترويج ورقة نقود مقلدة أو مزورة أو إدخالها إلى البلاد والتي جرمتها المادتين 335 و339 من مجموعة القانون الجنائي غير منطبقة أيضاً على العملات الافتراضية لأنها ليست أوراقاً نقدية بالصورة المتعارف عليها.
أما بشأن مدى اعتبار التعدين في العملة الافتراضية إصداراً للعملة من عدمه، فطالما كان إصدار العملة امتيازاً مقصوراً على الدولة ممثلة بالبنك المركزي من جهة، وعلى تجريم من يقوم بإصدارها من طرف غير البنك المركزي المرخص طبقاً للقانون على الوجه الذي تم بيانه من جهة أخرى، فإن من المسائل ذات الأهمية القصوى معالجة مسألة التعدين بالنسبة للعملات الافتراضية، وبيان ما إذا كان التعدين يعتبر إصداراً للعملة الافتراضية أم أن النص الجنائي قاصر عن تجريم هذا الفعل.
والواضح من خلال قراءة النصوص التشريعية آنفة الذكر أنها قاصرة على تجريم عملية تعدين العملات الافتراضية، نظراً لعدم التأكيد على إسباغ وصف النقود على العملات الافتراضية، فضلاً عن أن إسباغ وصف الإصدار على عملية التعدين هو كذلك أمر غير مؤكد.
من هنا نستنتج أن مقتضيات الفصل 339 من القانون الجنائي وأحكام ظهير الصرف لا يمكن أن تكون إطارا مناسبا للمتابعة الجنائية، إعمالا لمبدأ الشرعية الجنائية، بالنظر إلى أن تلك الأحكام تتعلق بالعملة والنقود الورقية والمعدنية التي يمكن أن تكون موضوعا للتزوير أو التزييف أو صناعة نقود تقوم مقامها ولا تشمل العملات الافتراضية التي تبقى مجرد أرقام وشفرات ولا تشبه النقود في شيء، إذ رغم تسمية “عملة” اللصيقة بها، فهي لا تعدو أن تكون شيئا أو بضاعة، أو تكيف بأنها مال منقول معنوي، وبالتالي فإن أي تجريم أو عقاب بهذا الشأن يجب أن يتم بموجب نص خاص.
ومن جهة أخرى فإن الحالات التي بت فيها القضاء المغربي كما سنفصل في ذلك لاحقا – في حدود ما تم الاطلاع عليه – تتعلق بأشخاص أجروا معاملات بعملة البيتكوين ولم يثبت أن قاموا بتعدين العملة المذكورة، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن تعدين هذه العملات يتم في العالم الافتراضي من طرف أشخاص قد يتواجدون بدول تسمح قانونا بالتعامل بالعملات المشفرة، كفرنسا والولايات المتحدة التي قننت منصات التعامل بهذه العملات، فإن أحكام الفصل 339 تصبح غير منطبقة على مثل هذه النوازل مادام أن الصنع تم في دولة أجنبية ولم يتم إدخال العملات إلى المغرب، وحتى إذا ما أردنا أن نماثل العملات الافتراضية في هذه الحالة بالنقود الورقية والنقود المعدنية، فإنها من الناحية القانونية ستكون بمثابة عملة أجنبية لكونها تصنع خارج المغرب وفي دول تعترف غالبيتها بهذه العملات، وحتى في هذه الحالة لا يمكن إعمال أحكام قانون الصرف، ولا تشمل بذلك العملات الافتراضية التي تبقى مجرد أرقام وشفرات لا ترتبط بأي رأسمال أو قيمة اقتصادية حقيقية، وهو ما يتطلب تقنين عمليات تحويل العملات الافتراضية مقابل العملة الوطنية ووضع أحكام زجرية رادعة خاصة في حالة مخالفة نصوص القانون وذلك لتفادي التحايل على التشريع المتعلق بالصرف وتهريب رؤوس الأموال خارج التراب الوطني وفق ما أوصى بذلك صندوق النقد الدولي في الدراسة التي أعدها سنة2016 .
ومن التطبيقات القضائية لمبدأ الشرعية الجنائية في التعامل بالعملات الافتراضية التي كرست نفس التوجه ولم تعتبرها عملة أو نقودا وأخرجتها من نطاق النصوص المذكورة، وصرحت بكون التعامل بها لا يشكل جريمة في غياب نص جنائي صريح؛ نجد قضية سبق وأن عرضت على المحكمة الابتدائية بمراكش توبع فيها متهم من أجل الاتجار في العملات الافتراضية “بيتكوين” دون إذن من مكتب الصرف طبقا لأحكام ظهير 10 شتنبر 1939 والفصلين 15 و 17 من ظهير 30 غشت 1949 المتعلق بزجر جنح قانون الصرف، قضت فيها ببراءة المتهم معللة حكمها بأن متابعة المتهمين من أجل جريمة الاتجار في العملة الافتراضية “بيتكوين” رغم عدم التنصيص عليها كجريمة ضمن الجرائم المكونة لمجموعة القانون الجنائي أو النصوص الجنائية الخاصة، يتناقض والمبدأ العالمي العريق المعروف بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات -لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص -والمكرس بموجب الفصل 3 من القانون الجنائي المغربي، وبأن القاضي الجنائي لا يجوز له إذا عرضت عليه أفعال لم يقم المشرع بتجريمها أن يؤاخذ المتهم قياسا على أفعال مماثلة نص القانون على عقابها انسجاما مع مبدأ عدم جواز استعمال القياس في القانون الجنائي، في حين يكون ملزما باعتماد التفسير الضيق للنص الجنائي وارتكازا على هذه المبادئ لا يمكن مؤاخذة المتهمين من أجل الاتجار في العملة الافتراضية “بيتكوين” قياسا على مخالفة الضابط المتعلق بالصرف الذي يهم العملات التقليدية.
وبناء على الطعن بالاستئناف في الحكم أعلاه قضى القرار الاستئنافي عدد 4035 الصادر عن محكمة الاستئناف بمراكش بتاريخ 25/07/2018 في الملف عدد 2206/2601/2017 بتأييد الحكم المستأنف والذي وجاء في حيثياته” بأن ارتكاز الحكم المستأنف في التصريح بعدم مؤاخذة المتهمين من أجل الاتجار في العملات الافتراضية بتكوين على استقراء مصدرة الحكم للفصلين 15 و 17 الذين أسست عليها المتابعة اتضح لها أن الفصلين يخصان مخالفات الضابط المتعلق بالصرف بالنسبة للعملات التقليدية وليس الإلكترونية الافتراضية الوهمية – التي ظهرت إلى الوجود بتاريخ 2009/01/03، والتي يتم تداولها عبر الانترنيت فقط من دون وجود فيزيائي لها، وتختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية خلفها، إلا أنها تستعمل كأي عملة أخرى للشراء عبر الانترنيت أو في المتاجر تقبل الأداء باستعمال بطاقات بتكوين أو حتى تحويلها الى العملات التقليدية.
وأضاف الحكم الابتدائي أن جريمة الاتجار في العملة الافتراضية بتكوين غير منصوص عليها كجريمة ضمن الجرائم المكونة لمجموعة القانون الجنائي أو النصوص الجنائية الخاصة، وأن متابعة المتهمين بها يتناقض والمبدأ العالمي بمبدأ شرعية الجرائم وعقوبتها – لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص والمكرس بموجب الفصل 3 من القانون الجنائي المغربي الذي جاء فيه ما يلي:” لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بمقتضى القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون”، بالإضافة إلى هذا أن القاضي الجنائي لا يجوز له قياس أفعال مماثلة نص القانون على عقابها مع أفعال مماثلة لم يحددها المشرع انسجاما مع مبدأ عدم جواز استعمال القياس واعتماد التفسير الضيق للنص الجنائي الذي يكون في صالح المتهم، واسترسل الحكم المطعون فيه في تعليله على أن عمليات تحويل الأموال من الخارج تخضع للقانون ولعمولات مالية مقننة وشرعية عبارة عن نسب مئوية مختلفة حسب المبلغ المرسل يؤديه الطرف المرسل، وهي العمليات لا تستلزم إذن مكتب الصرف…”
وفي هذا الإطار يرى الأستاذ عبد الرحمان اللمتوني أن هذا الاتجاه القضائي يبقى أقرب للصواب، إذ فضلا عما سبق ذكره بشأن عدم استجماع العملات الافتراضية لخصائص النقود والعملة وأنها أقرب لتوصف بأنها مال منقول معنوي، فإن النقود المعنية بأحكام الفصل 339 وباقي فصول الفرع الأول من الباب السادس من القانون الجنائي هي النقود المعدنية والنقود الورقية باعتبارها وحدات ذات تجسيد فزيائي مادي ولها قوة إبرائية وموضوع قبول عام من طرف عموم الناس؛ ذلك أن المشرع كان يهدف من خلال أحكام الفرع المذكور إلى حماية الثقة في العملة الوطنية وحماية قوتها الإبرائية .
ولذلك جرم كل فعل قد يؤدي إلى زعزعة تلك الثقة أو خلق نقود تشبه العملة الوطنية أو تقوم مقامها، في حين أن العملات الافتراضية هي مجرد أرقام ومعادلات رياضية لها قيمة اقتصادية نابعة من دور نظامها في المصادقة على صحة المعاملات المنجزة بواسطة سلسلة الكتل، وليس لها وجود مادي فزيائي أو شكل يشبه النقود المعدنية والنقود الورقية، لاسيما وأن الاتفاقية الدولية لزجر تزوير النقود التي استلهمت منها معظم الدول أحكام الحماية الجنائية للعملة تنص في مادتها الثانية على أنه:” يفهم في هذه الاتفاقية بكلمة “نقد” أوراق النقد بما فيها الأوراق المصرفية والنقود المعدنية المتداولة بموجب القانون .
كما أنه ورغم تنظيم المشرع المغربي للنقود الإلكترونية بموجب التعديل الذي أدخل على القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها سنة 2014 ، فإنه لم يبادر تبعا لذلك إلى تعديل أحكام الفصل 339 وباقي فصول الفرع الأول من الباب السادس من القانون الجنائي، وهو ما يؤكد أن الحماية المقررة في الفصول المذكورة تتعلق بالنقود المعدنية والنقود الورقية ولا تشمل النقود الإلكترونية والعملات الافتراضية لكونها لا يمكن أن تتخذ شكل أو صورة تشبه النقود التقليدية أو تختلط بها على نحو يدخل الشك والريبة في نفوس المواطنين ويضعف الثقة في النقود كوسيلة للأداء ذات قوة إبرائية.
وبمعنى أوضح فإن المشرع جرم كل محاولة لخلق نقود مماثلة للنقود الورقية والنقود المعدنية سواء تم ذلك عن طريق التزييف أو التزوير أو التقليد، إذ رغم أن المشرع استعمل عبارة “صنع” في الفصل 399 فهو في حقيقة الأمر يقصد عملية التقليد والمماثلة، إذ أن الاتفاقية الدولية لمنع تزييف النقود، وجميع التشريعات التي نهلت منها، إنما تهدف إلى محاربة النقود المغشوشة أو غير الصحيحة “Fausse monnaie” ، وهو ما عبر عنه المشرع الجزائري بوضوح في قانون العقوبات الذي نص على أنه: “يعاقب بالسجن المؤبد كل من قلد أو زور أو زيف نقودا معدنية أو أوراقا نقدية ذات سعر قانوني في الإقليم .
ومن جهة أخرى فقد أثبتت الدراسات أن العملات الافتراضية لا تمثل أي تهديد للأنظمة المالية ووسائل الأداء القائمة بسبب النسبة الضعيفة جدا لحجم المعاملات المنجزة بواسطتها مقارنة مع المعاملات المنجزة بواسطة وسائل الأداء التقليدية، فضلا على أن مستوی دمج هذه العملات الافتراضية في النظام المالي التقليدي يبقى محدودا جدا.
كما سبق لمحكمة الاستئناف بورززات أن قضت في قضية من أجل جنحة توزيع العملات التي تقوم مقام النقود المتداولة قانونا طبقا للفصل 339 من القانون الجنائي بأن مجرد التسجيل في موقع للتعامل بالعملات الافتراضية لا يعتبر جريمة، وركزت في تعليل حكمها القاضي بتأييد الحكم بالبراءة الصادر عن المحكمة الابتدائية بورززات -الذي عللته بأن المتهمين قاما بالتسجيل في أحد المواقع الإلكترونية دون الحصول على فائدة أو ربح مقابل الانخراط وبأن شهادة الشهود تفيد فتح حساب إلكتروني دون إثبات وجود توزيع عملات افتراضية تقوم مقام النقود المتداولة قانونا- على أن الأمر يتعلق بالانخراط في أحد المواقع الخاصة بالتسويق الإلكتروني أو الشبكي التابع لشركة SWISSCOIN وأن كل من ساهم في استقطاب منخرطين جدد يتمكن من ربح أموال أكثر. وأن المتهمين قاما بالتسجيل في المواقع الإلكترونية ولم يحصلا على فائدة أو ربح مقابل الانخراط في الموقع الإلكتروني ولم يثبت وجود توزيع لعملات افتراضية تقوم مقام النقود المتداولة قانونا، وبذلك تكون العناصر التكوينية للجنحة موضوع المتابعة بالمفهوم المشار إليه أعلاه منتفية في النازلة ويكون الحكم الابتدائي المستأنف القاضي بالبراءة مؤسس قانونا وواقعا مما يقضي التصريح بتأييده …”
خاتمة:
خلاصة القول أن العملات الافتراضية تشكل ابتكارا عصريا منفصلا ومستقلا، لا يتمتع بأي قوة إبراء قانونية غير قبول الأطراف المتعاملة بها، فرغم قدرتها على القيام بوظائف النقود الرئيسية، إلا أنها ما زالت تفتقد للشرعية القانونية، إذ أن أغلب الدول تتجه نحو التحذير والمنع من التعامل بها بالنظر إلى ما ينطوي عليه التعامل بها من تهديدات تتجلى أساسا في إمكانية استغلالها من طرف المجرمين في ارتكاب مجموعة من الجرائم، مع ما يضعه نظام التشفير الذي تقوم عليه هذه العملات من صعوبات وعقبات أمام أجهزة البحث تحول دون ضبط الجناة وجمع وسائل الإثبات وحجزها متى استعملت في ارتكاب الجريمة أو كانت متحصلة منها.
ولأن العملات الافتراضية أصبحت واقع قائم لا يمكن تجاوزه بفعل الإقبال المتزايد على المنصات الموجودة بالخارج للتعامل بها من شتى دول العالم، وفي ظل اعتراف عدة نظم مالية بدول مختلفة بها كوسيلة أداء قانونية، أضحى تقنينها من جميع الجوانب المدنية والتجارية والجنائية ضرورة ملحة على الأقل في الحدود التي تسمح بتفادي مخاطرها وحماية مصالح الدولة والمستهلك، خاصة إذا ما استحضرنا توصيات مجموعة العمل المالي الملزمة لبلادنا بهذا الشأن، وهو ما يمكن تحقيقه كما أشار إلى ذلك الأستاذ عبد الرحمان اللمتوني من خلال وضع نظام للترخيص والتسجيل يسمح بإحداث منصات للتعامل بها مع إخضاع المقاولات التي تستعملها لمراقبة بنك المغرب أو وحدة معالجة المعلومات المالية ووضع نصوص زجرية رادعة بشأن الممارسات السرية التي لا تراعي قواعد التسجيل والترخيص لنشاط تحويلها.
فضلا عن ذلك، ضرورة وضع مقتضيات قانونية لحماية مستهلكي هذه العملات مما قد يتعرضون له من احتيال أو خداع، وتعديل المقتضيات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال، وذلك بجعل المقاولات التي تباشر نشاط تحويل العملات المشفرة ضمن لائحة الأشخاص الخاضعين وإلزامها بواجبات اليقظة والتصريح بالاشتباه لوحدة معالجة المعلومات المالية، وبجعلها ضمن قائمة الجرائم الأصلية لجريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 547-1 الفقرة السابعة، إلى جانب ضرورة توفير السلطات المالية في الدولة لحسابات أو محفظات رسمية يتم تحويل العملات إليها إما على سبيل الحجز أو المصادرة.
قائمة المراجع
أولا: باللغة العربية
⮚ المؤلفات العامة:
– خالد ممدوح إبراهيم:” إبرام العقد الإلكتروني -دراسة مقارنة-“، دار الفكر الجامعي، 2005.
– علي سيد إسماعيل:” أحكام النقود المزيفة في الاقتصاد الإسلامي والقانون”، دار التعليم الجامعي، 2018.
⮚ المؤلفات والبحوث المتخصصة:
– أحمد هشام قاسم النجار: “العملات الافتراضية المشفرة-دراسة اقتصادية شرعية محاسبية”، الطبعة الأولى، دار النفائس،2019.
– عبد الله بن سليمان بن عبد العزيز الباحوث:”النقود الافتراضية مفهومها وأنواعها وآثارها الاقتصادية”، العدد الأول، المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة، كلية التجارة جامعة عين شمس، القاهرة، 2017.
⮚ المقالات:
– عبد الرحمان اللمتوني:” العملات المشفرة (الافتراضية) والتهديدات ذات الصلة بالجريمة”، مقال منشور بمجلة رئاسة النيابة العامة، العدد الأول، 2020.
⮚ المؤتمرات والندوات:
– جمال عبد العزيز عمر عثمان:” الطبيعة القانونية للعملات الافتراضية والموقف التشريعي منها المؤتمر الدولي الخامس عشر لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة-العملات الافتراضية في الميزان.
⮚ الأحكام والقرارات القضائية:
– قرار محكمة النقض عدد 462/3 المؤرخ في 24/03/2021 في الملف الجنائي عدد 1879/6/3/2020، غير منشور.
– قرار محكمة الاستئناف بورززات عدد 326 بتاريخ 27\11/2018 في الملف عدد 320/2602/2018، غير منشور.
– قرار محكمة الاستئناف بمراكش عدد 4035 بتاريخ 25/07/2018 في الملف عدد 2206/2601/2017، غير منشور.
– قرار غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء تحت عدد 7151 بتاريخ 16/10/2019 في الملف عدد 5605/2601/2019، غير منشور.
– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالمحمدية تحت عدد 750 بتاريخ 23 يوليوز 2019 في الملف عدد 753/2103/2019، غير منشور.
– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بورززات بتاريخ 11-10-2018 في الملف الجنحي عادي تحت عدد 470/2018، غير منشور.
– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش تحت عدد 7929 في الملف عدد 6256/2103/2017 بتاريخ 03/10/2017، غير منشور.
– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة بتاريخ 25/09/2019 في الملف رقم 18-1250 غير منشور.
ثانيا: باللغة الأجنبية
⮚ Articles:
– Raiborn, C. and Sivitanides, M. (2015), Accounting Issues Related to Bitcoins. The Journal of Corporate Accounting & Finance, (DOI 10.1002/jcaf).
⮚ Reports:
– European central bank, 2012, “Virtual currency schemes, Germany 5, On- Line, available:
https://www.ecb.europa.eu/pub/pdf/other/virtualcurrencyschemes201210 en.
– European central bank (2015), Virtual currency schemes a further analysis, Germany, p25. (On-Line), available:
https://www.ecb.europa.eu/pub/pdf/other/virtualcurrencyschemesen.pdf
– Financial action task force (2015). “Guidance for a risk-based approach virtual (1) currencies”, Paris, France, available:
https://www.fatf-gafi.org/media/fatf/documents/reports/Guidance-RBA- Virtual-Currencies.pdf. 1
– FMI : ” Vertual Currencies and Beyand initia Considérations”, Janvier 2016.
⮚ Websites:
– https://www.bkam.ma/ar/
– http://www.sasapost.com/opinion/alpetkoan-virtual-currency/
– http://arabic.arabianbusiness.com/financialmarkets/currencies/2014/feb/10/353431/
– http://www.forbesmiddleeast.com/news/read/articleid/9977#
– https://www.cbe.org.eg/
– https://www.hespress.com.