بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

العملة الرقمية المشفرة بين مخاطر الحاضر وطموح المستقبل الدكتور : محمد السيد محمد عطية بيبرس استاذ الاقتصاد والمالية العامة المساعد جامعة شقراء، المملكة العربية السعودية استاذ زائر للمركز الدولي للسياسة العامة كلية آندروا ينج للدراسات السياسيةجامعة ولاية جورجيا، مدينة اتلانتا الولايات المتحدة الأمريكية – 



العملة الرقمية المشفرة بين مخاطر الحاضر وطموح المستقبل

The encrypted digital currency between the risks of the present and the ambition of the future

?الدكتور : محمد السيد محمد عطية بيبرس

استاذ الاقتصاد والمالية العامة المساعد جامعة شقراء، المملكة العربية السعودية

استاذ زائر للمركز الدولي للسياسة العامة كلية آندروا ينج للدراسات السياسية

جامعة ولاية جورجيا، مدينة اتلانتا الولايات المتحدة الأمريكية


المستخلص:

فتح التطور التكنولوجي السريع، المجال أمام استخدام الوسائل والتقنيات الرقمية، ووفر البيئة المناسبة لذيوع وسائل الدفع الإلكترونية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أيضًا شجع هذا التطور على استخدام أنظمة دفع حديثة أسرع وأكثر مرون من أنظمة الدفع التقليدية، بهدف إنجاز العمليات الاقتصادية المتنوعة عبر الإنترنت بشكل أفضل، كل تلك العناصر السابقة شكلت عوامل جذب لعديد من الأفراد والمجتمعات، لتجربة التعامل بالعملة الرقمية.

وبالتالي انتشرت العملة الرقمية في الآونةِ الأخيرة بشكل كبير، كنتيجة لتزايد انتشار الاقتصاد الرقمى، حيث بلغ عددها حوالي 5017 عملة رقمية، وقد بلغت القيمة السوقية لإجمالي العملات الرقمية حوالى 206 مليار دولار في عام 2020، وقد صاحب انتشار العملات الرقمية وتزايد استخدامها في إتمام المعاملات الاقتصادية، مخاطر عديدة ومتنوعة، منها مخاطر اقتصادية وقانونية وتقنية وأمنية، فضلاً عن وقوع العديد من حوادث السرقات والنصب والاحتيال، مع إمكانية استخدامها في الأنشطة الإجرامية المتنوعة كتجارة المخدرات وتمويل العمليات الإرهابية وغسيل الأموال. ولا شك أن حداثة الموضوع وأهميته على الصعيد المحلى والدولي، قد استرعى انتباه الاقتصاديين، باعتبار أن هذا الامر من أكثر الموضوعات إثارة للاهتمام في الاقتصاديات النقدية الحديثة، من هنا كان البحث الماثل، لبيان ماهية العملة الرقمية المشفرة ومخاطرها، ومستقبل التعامل بها.

الكلمات المفتاحية: العملة الرقمية، العملة المشفرة، المخاطر القانونية، المعاملات الاقتصادية، المدفوعات النقدية.

Abstract: The rapid technological development has opened the way for the use of digital means and technologies and provided the appropriate environment for the dissemination of electronic payment methods. And the matter did not stop there, but this development also encouraged the use of modern payment systems that are faster and more flexible than traditional payment systems, to better accomplish various economic operations via the Internet, all these previous elements formed attractions for many individuals and societies, to experience dealing in currency digital.

Thus, the digital currency has recently spread significantly, as a result of the increasing spread of the digital economy, as there are about 5017 digital currencies, and the market value of the total digital currencies has reached about 206 billion dollars in 2020, and the spread of digital currencies and their increasing use in completing economic transactions has accompanied Many and varied risks, including economic, legal, technical and security risks, as well as the occurrence of many incidents of theft, fraud and forgery, with the possibility of using them in various criminal activities such as drug trafficking, financing terrorist operations and money laundering. Undoubtedly, the novelty of the topic and its importance at the local and international levels have drawn the attention of economists, given that this is one of the most interesting topics in modern monetary economics, hence the present research, to clarify the nature of the encrypted digital currency and its risks, and the future of dealing with it.

Keywords: digital currency, cryptocurrency, legal risks, economic transactions, cash payments.

مــقـــدمــــة: تغيرت حياة الأنسان وأسلوب معيشته بعد اكتشافه لثلاث أشياء في غاية الأهمية: النار والكتابة والنقود، فالنار أضاءه ظلام الليل الدامس، وبالكتابة اتسعت دائرة المعارف، وبالنقود تمكن الإنسان من الحصول على السلع والخدمات التي يطلبها في الوقت الذي يناسبه وبالكميات والأنواع التي يحتاجها. ولقد مر على استخدام النقود زمن طويل، تغيرت فيه أشكالها وظائفها، ولم تعد فقط وسيلة للتبادل أو أداة للوفاء بالالتزامات، بل تجاوزت ذلك للتأثير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لمختلف الأفراد والجماعات ().

والعصر الحديث يمكن للمتابع أن يلحظ ما يَمُرّ به العالم اليوم من تغييرات جذرية في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، والتي تكاد تتشابه مع المتغيرات التي ألمّت بحياة المجتمعات مع بداية الثورة الصناعية الأولى. نحن نمر اليوم بمرحلة انتقالية حاسمة في تاريخنا كأثر مباشر للتطورات والممارسات في كافة المجالات، ومن ضمنها مفاهيم الاقتصاد الرقمي المرتكز على تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة. كما أن المتغيرات الحالية أوجدت لكثير من التكنولوجيات المستقبلية، مكاناً لها في مجتمعات اليوم. ولعل من أبرز هذه التكنولوجيات هي التكنولوجيات الرقمية الثورية في مجال المدفوعات والعملات الرقمية والتي غدت عاملاً محورياً يغير من المفاهيم التقليدية للسياسات الاقتصادية المعتمدة على العملة الورقية ().

وقد استمر التفكير لفترة طويلة من الزمن ينظر للنقود الجيدة على أنها تلك التي لها غطاء من الذهب أو الفضة، ولكن بمرور الزمن وتعود الناس على التعامل بالنقود الورقية والمعدنية، وضمان الدولة لها ومنحها قوة الإبراء، تغير هذا التفكير، بل أصبحت النقود الجيدة هي التي تعتمد على قوة الاقتصاد، متمثلاً فيما ينتجه من سلع وخدمات، واختفت النقود السلعية من التداول. ومن ثم فرضت معظم الدول السعر الإلزامي للنقود الورقية مع سحب الذهب من التداول، واتخذت النقود بذلك صورة من صور الائتمان، تحمل الوعد بدفع مبلغ معين من النقود وقت الطلب، وتمثيل ديون تترتب لصالح حاملها في ذمة الدولة أو البنوك، ولذلك أصبحت النقود المتداولة في المجتمعات الحديثة نقوداً ائتمانية بالدرجة الأولى ().

وقد تطورت العملات عبر العصور وأخذت اشكال مختلفة، بدأت من التبادل السلعي ثم المعادن الثمينة كالذهب والفضة، حتى وصلت إلى العملات الورقية المعمول بها حالياً في جميع دول العالم، كما استمرت هذه النقود في التطور، مستخدمة التقنيات التكنولوجية الحديثة في التبادل التجاري، والتي ساهمت في ظهور ما يعرف بالنقود الالكترونية () والنقود الافتراضية المشفرة. ومن ثم كان التعرف على مفهوم النقود، وتطورها، ووظائفها، الشغل الشاغل للباحثين في العديد من العلوم الإنسانية وعلى رأسها علم الاقتصاد، وهذا ما سيعرضه الباحث في المباحث التالية:

وفى ضوء ما سبق، يثار التساؤل عن خطة الدراسة، ولكن قبل الإجابة عن هذا التساؤل، فإننا نوضح منهج الدراسة، أهمية الدراسة، أهداف البحث، مصادر الدراسة، مشكلة البحـث، وذلك كما يلي:

(أولا) منهج الدراســـة: نظراً لطبيعة موضوع الدراسة اعتمد الباحث على مناهج علمية مختلفة كالمنهج الاستقرائي والاستنباطي، وكذلك المنهج المقارن آحيانا، والمعززين ببعض البيانات الإحصائية المتاحة والمتعلقة بموضوع البحث.

(ثانيا) أهمية الدراســـة: تنبع أهمية الدراسة من خلال تسليط الضوء على أحد المواضيع المهمة، والتي لها تأثير على مستقبل المعاملات المالية للأفراد والدول، ألا وهو العملة الرقمية المشفرة، من خلال التعرف عليها وعلى المخاطر المحيطة باستخدامها، ومستقبل المعاملات المالية مع العملة الرقمية المشفرة والعملة التقليدية.

(ثالثاً) أهـــداف البحث: يهدف البحث إلى بيان ماهية العملة ونشأتها وأنواعها ووظائفها. كذلك بيان ماهية العملة الرقمية، والعملة الالكترونية، والعملة المشفرة. أيضا بيان أهم المخاطر الاقتصادية، والقانونية، والتقنية، والأمنية…الخ، التي تواجهه التوسع في العملات الرقمية المشفرة، وكذلك محاولة بيان الوضع المستقبلي للعملة الرقمية المشفر، وكذلك بيان سياسات الدول بصدد هذه العملة.

(رابعاً) مصادر الدراسة: اعتمد الباحث في جمع المادة العلمية على مجموعة متنوعة من المصادر والأبحاث والدراسات، حيث تم الاطلاع على العديد من الرسائل العلمية للماجستير والدكتوراه، وكتب ودوريات علمية متخصصة، وابحاث المؤتمرات والندوات، وتقارير الهيئات والمؤسسات المالية والاقتصادية المحلية والدولية، بالإضافة إلى الرجوع إلى بعض مواقع الإنترنت المتخصصة…الخ، لجمع المعلومات المتعلقة بموضوع البحث، وإعادة صياغتها بما يخدم موضوع الدراسة.

(خامساً) مشكلة البحـــث: في ضوء تطورات وقد أثارت العملات الرقمية العديد من المسائل القانونية والاقتصادية والأمنية والتقنية التي توجب على المختصّين الاهتمام بها ودراستها، وتكييفها فقهياً، وإعطاءها الأحكام القانونية المناسبة، ومن هنا تبرز مشكلة البحث في أن هذه العملة المؤسّسّة حديثاً على أسس مختلفة عما عهدناه من العملات النقدية التقليدية، فهي مجهولة الماهية والمصدر، ومجهولة الحال والحكم. ومع التزايد المتنامي في حجم الاقتصاد الرقمى، وانتشار التعامل بالعملات الرقمية المشفرة، فإن الوصول للهدف الأساسي من الدراسة يتم صياغة التساؤل الرئيسي التالي:

كيف يمكن أن تؤثر العملات الرقمية على مستقبل المعاملات المالية؟
وتندرج تحت الإشكالية الأسئلة الفرعية التالية: ما مدى قبول وانتشار العملات الرقمية على المستوى العالمي؟ ما هي أبرز الآثار الاقتصادية الناتجة عن استخدام العملات الرقمية؟ ما أهم المخاطر التي تنطوي عليها عمليات نشر وتداول العملات الرقمية؟

(سادساً) خـطة الدراسة: يعرض الباحث لهذه الدراسة في اربعة مباحث كما يلي: الأول: ماهية النقود. الثاني: التطورات النقدية الحديثة. الثالث: مخاطر العملة الرقمية المشفرة. الرابع: مستقبل العملة الرقمية المشفرة.

المبحث الأول

مــاهــيــــــــة الـنــقـــــــــود

بدون شك كلنا يعرف النقود ويحرص على اقتنائها، ويكرس معظم جهده وتفكيره في الحصول عليها لإنفاقها أو ادخارها، باعتبارها دليل ثراء الفرد وسيله لبلوغ غايته وعلو مكانته الاجتماعية، لذلك كانت النقود ومازالت دافعاً للعمل والأبداع، كما هي وسيلة في كثير من الآحيان للجريمة والصراع. هذه الوسيلة من الخطورة بمكان، بحيث أنها تؤثر بطرق مباشر أو غير مباشر، على مستوى التشغيل والدخل، وعلى كميات وقيم السلع والخدمات المختلفة، وعلى توزيع الثروة بين أفراد المجتمع، فضلا عن آثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبالتالي لم تتخل المجتمعات المعاصرة عن النقود، فهي بالنسبة للنظم الرأسمالية ركيزة جهاز الثمن، أو الوسيط الذي يباشر من خلاله جهاز الثمن دوره في توجيه عمليات الإنتاج والتوزيع (). وبالتالي يثار التساؤل عن مفهومها، ووظائفها، وتطورها؟ هذا ما يوضحه الباحث في البنود التالية:


(أولاً) مفهوم النقود
: ويقصد بالنقود في اللغة العربية عدة معان، من بينها الإعطاء المعجل، أوالقبض، وقد يراد بها تمييز الدراهم والدنانير وإخراج المزيف منها، أو بمعنى الوزن الجيد للعملة() بينما يعتقد أن كلمة النقود في اللغة الإنجليزية Money يرجع إلى الكلمة الإيطالية Moneta أوMoneto والتي تعنى المستشار أو المنبه للخطر نسبة إلى الآلة Moneto Junoالذى تقول الأساطير الرومانية أنه قام بتحذير الشعب من خطر الغزو الخارجي عام 390 ق.م. ويرى آخرون أن أصل الكلمة يرجع إلى الدينار الذى سك لأول مرة في الاقتصاد الروماني بمعبد جانو مونيتا، ومن كلمة مونيتا Moneta اشتقت كلمة النقود Money ، والتي تعنى ضارب العملة، أي الشخص الذى يتولى سك العملة().

وقد اختلف علماء الاقتصاد في تعريفهم للنقود إلى فريقين تبعا لاختلاف نظرتهم إلى طبيعة النقود ووظائفها: (الأول) أصحاب النظرية السلعية: أي أن النقود مجرد سلعة لها قبول عام بين الناس، من ثم تعتبر النقود سلعة تعارف الناس على استخدامها كوسيط للمبادلات، لما تتمتع به من صفات لا توجد في غيرها من السلع الآخرى، ومن ثم كان للنقود منفعة ذاتية خاصة بها باعتبارها سلعة، وتدخل في تحديد قيمتها العوامل المختلفة التي تتدخل في تحديد قيم السلع الآخرى. (الثاني) أصحاب النظرية الرمزية: أي أن النقود مجرد رمز للتعبير عن رصيد المجتمع من السلع والخدمات، فالنقود ما هي إلا كالبطاقة أو التذكرة التي تخول حاملها الحق في الحصول على قيمتها من رصيد الجماعة من السلع والخدمات، أي أن لهذه البطاقة قوة شرائية، إذ تمكن حاملها من الحصول على مقابل هذه القيمة من السلع والخدمات في المجتمع ().

وفى ضوء ما سبق، يمكن لنا تعريف النقود، بأنها كل وسيط يستخدم في تبادل السلع وأداء الخدمات، ويصلح في الوقت ذاته كمقياس لقيمة السلع والخدمات، وكمخزن للقيمة وحفظ الثروات، ويتمتع في نفس الوقت بالقبول العام بين أفراد المجتمع في الوفاء بالالتزامات، كما يتمتع أيضا بالحماية الجنائية من الدولة ضد أي محاولات للاعتداء عليه.

(ثانيا) وظائف النقـود: تتمثل هذه الوظائف فيما يلي:

(1) النقود كوسيط للمبادلات: إن وظيفة النقود كوسيط للمبادلات أدت إلى تقسيم عملية التبادل إلى عمليتين منفصلتين: (الأولى) عملية شراء السلع والخدمات مقابل نقود، (الثانية) عملية بيع السلع والخدمات مقابل نقود، وبالتالي أتاحت الفرصة للبائع أن يركز كل اهتماماته في الحصول على أفضل المشترين بأعلى الأسعار، وكذلك أتاحت الفرصة للمشترى أن يركز كل اهتماماته في الحصول على أفضل السلع وبأقل الأسعار. فالنقود هي الشيء الذي يكون كل فرد على استعداد لقبوله في مقابل السلع والخدمات التي يقدمها للطرف الآخر. وعندما يقبل الفرد نقوداً، لا يفعل ذلك من أجل النقود في حد ذاتها، بل لأنه يعرف أن الأفراد الآخرين سوف يقبلونها منه، وذلك في مقابل السلع والخدمات التي يشتريها منهم().

(2) النقود كمقياس موحد للقيمة: حيث تقدير قيمة جميع السلع والخدمات بوحدات نقدية متماثلة سهل المقارنة بين قيم الأشياء المختلفة، كما هو الحال في مقياس الأطوال والأوزان. ولا شك بأن النقود بوصفها مقياس للقيمة تسهل المبادلات والمعاملات بين الأفراد. هذا فضلا عن أن تقدير قيم الأشياء بالنقود من شأنه أن يؤدى إلى تيسير جميع العمليات الحسابية، إذ يستطيع الفرد توزيع نفقاته على أحسن وجه، طالما كان دخله وأسعار السلع مقدرة بوحدات نقدية متماثلة ().وبالتالي تعمل النقود كمقياس موحد للقيمة، باعتبارها الوحدة التي تقاس بها أسعار السلع والخدمات المختلفة، وهي بذلك تساعد على تحديد قيم السلع والخدمات المختلفة بدلالة الوحدات النقدية، وبذلك يمكن المقارنة بين قيم السلع والخدمات المختلفة بعضها ببعض ().

(3) النقود كمخزن للقيمة: النقود سواء أكانت ورقية أو معدنية أو غير ذلك تعد خير وسيلة للادخار والاكتناز، لأنها قابلة للبقاء دون تلف أو تكلفة(). ويترتب على كون النقود مخزناً للقيمة، حرص الأفراد على ألا ينفق كل فرد ما يحصل عليه من نقود في الحال، وإنما يدخر منها ما يعينه على مواجهة متطلبات المستقبل الصعبة، كما أن لهذا الادخار أثره في تنشيط دور البنوك لتجميع المدخرات، وتوظيفها في استثمارات لصالح المجتمع ().وفى هذه الحالة، فإن النقود تؤدى وظيفتها كمستودع ومخزن للقيمة، إذ أن الفرد لا يهدف في الواقع إلى الاحتفاظ بالنقود لذاتها، وإنما من أجل الحصول بواسطتها على سلع وخدمات في المستقبل، لأنه لا يستطيع أن يختزن الخدمات، كما أن السلع قد تكون عرضه للتلف أو تتعرض قيمتها لتقلبات كبيرة. على أن يأخذ في الاعتبار أن النقود ليست هي المستودع الوحيد للقيمة. حيث يمكن للأفراد استخدام الأوراق المالية كالأسهم والسندات، والأصول الثابتة كالعقارات والسلع المعمرة وغير ذلك كمخزن للقيمة ().

(4) النقود أداة للمدفوعات المؤجلة: حيث تلعب النقود دورا هاماً كأداة للوفاء بالمدفوعات المؤجلة، إذ تقوم بإبراء الذمة من الديون وتسوية الحقوق والالتزامات، فالنشاط الاقتصادي الحديث يقوم على الائتمان، فجانب كبير من المعاملات يقوم على التعاقدات الآجلة، وينشأ عنها التزامات مالية تستحق الدفع في المستقبل. فعقود توريد السلع والبيع بالتقسيط، وعمليات اقراض واقتراض الأموال كلها تقوم بالنقود، حيث يلتزم المشترى للسلع أن يرد مبلغاً من النقود عند الأجل المتفق عليه كثمن للسلعة. ونتيجة لهذا تنشأ مجموعة من المعاملات بعضها يتم تسويته في حينه، والبعض الآخر لا يسوى إلا بعد مضى فترة من الوقت، والوسيلة المتاحة التي يمكن من خلالها تسوية مثل هذه المدفوعات المؤجلة هي النقود، فالنقود بما تمثله من قوة شرائية عامة وباعتبارها وحدة للحساب، وبما تتصف به من قبول عام، وبما يضفيه عليها القانون من قدره على الوفاء بالالتزامات، تعتبر الوسيلة المثلى لتسوية هذه المدفوعات ().

(ثالثاً) التطور التاريخي للنقـود: أخذت النقود صورًا عديده عبر المراحل التاريخية المختلفة، وهذا ما سيعرض له الباحث كما يلي:

(1) نظام المقايضة: انتشر نظام المقايضة في العصور والمجتمعات البدائية قبل ظهور فكرة النقود، وقد شكل هذا النظام مرحلة مهمة من مراحل التطور الاقتصادي، حيث عاش الإنسان البدائي مرحلة تاريخية اتسمت بالعزلة إلى حد كبير (). وقد فرضت ظروف التطور البشرى وتعدد حاجات الإنسان وتنوعها، واستحالة قيامه بإشباعها بمفرده إلى أن يحتاج لجهود غيره من أفراد المجتمع () فيما ينتجونه من سلع وما يقدمونه من خدمات. وهنا برز نظام المقايضة في حياة البشرية، والذي يعتبر ثورة في تاريخ الحضارة الإنسانية، لكونه نقلها من المرحلة البدائية والعزلة الاقتصادية إلى مرحلة الإنتاج وبداية التخصص وتقسيم العمل (). ومع تعدد السلع والمنتجات، وتباين حاجات الأفراد واختلاف أذواقهم، بدأت صعوبات هذا النظام تتزايد تدريجياً حتى أصبح من المستحيل استمراره، وبات من الضروري البحث عن صورة أخرى للتبادل تحل محله، وهكذا اكتشف الإنسان بالتجربة فكرة النقود كوسيلة للتبادل أولتها ضرورات تطور طويل في العلاقات الاقتصادية للأفراد والجماعات ().

(2) النقود السلعية: تعتبر النقود السلعية الصورة الأولى للنقود، حيث استخدمت المجتمعات البدائية بعض السلع التي اعتاد الناس على استخدامها بكثرة لشدة ارتباطها بحياتهم، كمقياس لقيم الأموال المتبادلة. وكانت السلع تتمتع بصفة القبول العام مثل الأغنام في مجتمعات الرعي، والغلال في المجتمعات الزراعية، وأدوات الزينة في مجتمعات الصيد…الخ (). ففي العصور الغابرة كان الرومان يشترون ويبيعون بالماشية، والمستعمرون الأوائل من الإنجليز في مقاطعة فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية ظلوا يستعملون أوراق التبغ كنقود حيناً من الدهر، كما استعملوا أيضاً جلود كلب البحر في المستعمرات الشمالية كنقود حيناً آخر، ، كما استعمل لحاء شجر التوت في الصين كنقود (). وكانت معظم السلع التي استخدمت في عملية التبادل كنقود تتفق في بعض الصفات العامة، التي تؤهلها للقيام بوظيفتها، ومن أهم هذه الصفات: أن تكون السلعة ذات منفعة لكل أفراد المجتمع، وأن تكون من السلع المعمرة، وأن تكون وحدات السلعة متجانسة قدر الإمكان، وأن تقبل التجزئة لوحدات صغيرة متماثلة. وبالتالي تغلبت النقود السلعية على بعض صعوبات نظام المقايضة وأهمها توافق الرغبات، إلا أنها لم تتغلب على الصعوبات الآخرى، الأمر الذي أدى لظهور النقود المعدنية في مرحلة تالية ().

(3) النقود المعدنية: يذكر المؤرخون أن القرن السابع قبل الميلاد شهد ظهور النقود المعدنية، حيث ظهرت أول قطعة نقدية في مدينة ليديا في أسيا الصغرى، وهي عبارة عن قطعة نقدية تحمل شعار المدينة تستعمل في عمليات البيع والتبادل السلعي. ويراعى في هذا الصدد أن اختيار أحد المعادن كنقود يعتمد على عدة اعتبارات، منها رونقه وبهاؤه، وندرته وصلابته، وبقائه مدة طويلة دون تلف، وقابليته للتجزئة والانقسام إلى وحدات صغيره. وهذه الصفات هي التي جعلت الذهب على قائمة المعادن المستخدمة كنقود. وقد استلزم استخدام الذهب وغيره من المعادن كأداة للنقد أن يكون لكل معدن وزن معين، ودرجة نقاء يتفق عليها، حتى لا تختلف قيمة كل وحدة منه زيادة ونقصانا فتكون محلاً للخلاف، كل هذا تطلب تدخل الدولة للرقابة على ذلك بقيامها بدمغ المعادن المعتمدة كنقود منعاً للغش والتزوير. ثم امتد نطاق تدخل الدولة في النقد المتداول لتقوم بسك العملة، وذلك لمنع الغش والتزييف للنقود ().

(4) النقود الورقية: يرجع ظهور النقود الورقية إلى القرن السابع عشر بعد الميلاد، حيث اعتاد الأفراد في أوربا على الاحتفاظ بما لديهم من عملات معدنية وسبائك نفيسة أو أية أشياء ذات قيمة لدى التجار والصاغة والصيارفة ممن يملكون بطبيعة عملهم خزائن حديدية قوية للاحتفاظ بتلك الأشياء النفيسة، نظير مبلغ معين يدفعونه لهم مقابل هذه الخدمة. ويقوم هؤلاء التجار بتحرير شهادة ورقية يتعهدون فيها برد ما أودع لديهم بمجرد طلبهم. ومع انتشار استخدام هذه الشهادات وذيوعها بين الأفراد سرعان ما تخلوا عن حمل الذهب في كل مرة لإنجاز صفقات البيع أو الشراء، واكتفوا بتظهيره الشهادات لبعضهم البعض كوسيلة لنقل الملكية لهذه الشهادات. وقد طورت هذه المؤسسات اعمالها، حيث قدمت تسهيلات للمودعين بأن تقوم بإصدار شهادات لحاملها بحيث تنقل ملكيتها بمجرد انتقال حيازتها من فرد لآخر دون حاجة للتظهير، وهكذا بدأت هذه الشهادات تنوب عن النقود المعدنية النفيسة في تأدية وظائف النقود دون أن تصبح في حد ذاتها نقوداً، بل أصبحت من قبيل النقود القريبة التي تصلح لتسوية المبادلات، كبديل للمعدن النفيس الذي تمثله، دون أن تكسب جميع خصائص هذا المعدن الذي ظل وحدة النقود الأساسية في المجتمع، ولذلك عرفت هذه الشهادات الورقية باسم النقود النائبة.

ومع تطور الظروف حدث تطوراً آخر في تاريخ النقود الورقية، حيث ظهرت أول محاولة حقيقية لإصدار نقود ورقية في عام ١٦٥٦ عندما أصدر مصرف استكهولهم في السويد سندات ورقية وبنك انجلترا في سنة ١٦٩٤ وقد أصدر الصيارفة في إيطاليا وهولندا نقود ورقية مشابهة لها أيضاً، ومع تطور الظروف أصبحت كميات الذهب غير كافية لسد حاجة الغطاء الذهبي، مما حدى بالمصارف إلى وقف الصرف بالذهب وإن استمر مكوناً لجزء من غطاء أوراق النقد المصدرة، وكان يسمى بالغطاء المعدني، وأصبحت النقود الورقية غير القابلة للصرف بالذهب، تستند قيمتها إلى قوة الإبراء العام التي يضفيها القانون عليها. ولم يأت القرن التاسع عشر إلا وكانت النقود الورقية التي تصدرها مختلف البنوك تقوم بوظائف النقود جميعها. وكان على الحكومات أن تتدخل لتنظيم إصدار هذه النقود الورقية، حيث قصرت حق إصدارها إلى المصارف المركزية، والتي تقوم بعملية الإصدار وبعض الخدمات المالية والمصرفية الأخرى؛ التي تطلبها منها الحكومة. وهكذا لم تعد أوراق البنكنوت نقود اختيارية، بل أصبحت نقوداً قانونية الزامية انتهائية؛ اعتباراً من ثلاثينات القرن التاسع عشر ().

المبحث الثاني

التطورات التقنية الحديثة للنقود

شهدت النقود على مدى تاريخها تطورات كبيرة في الشكل والمضمون، وما تزال النقود تمر في مراحل تطور مستمرة حتى وقتنا الحاضر، خصوصا ما يلعبه التقدم من دور رئيسي بهذا المجال، وكذلك التطور في الصناعة المالية والمصرفية، وانتشار التجارة الإلكترونية، وتطور وسائل الدفع والتحويل الإلكتروني. ومؤخراً، كثر الحديث عما يسمى بالعملات الرقمية بكافة أشكالها وأنواعها، وبشكل خاص العملات الرقمية الافتراضية المشفرة، خصوصا بعد تحقيق تلك العملات أرقام قياسية استثنائية في تداولها وأسعارها، برغم ما يكتنفها من غموض، وخاصة في ظل الحذر الشديد الذي تنادي به المنظمات الدولية والبنوك المركزية تجاه التعامل بها () وبالتالي ثارت التساؤلات حول مفهوم العملة الرقمية الافتراضية المشفرة، ونشأتها، وخصائصها؟ هذا ما يوضحه الباحث فيما يلي:

(أولا) مفهوم العملة الرقمية:(Digital Currencies): لاقى مفهوم العملة الرقيمة اختلافا كبيراً من لدن من تولوه بالتعريف سواء أكانوا مؤسسات أم باحثين؛ وذلك بسبب حداثته ولتشابهه مع كثير من المفاهيم الاخرى للنقود والتي ظهرت ايضا في الواقع الافتراضي (). وعلى عكس النقد التقليدي المعتاد الذي يظهر العملة بشكل معدني أو ورقي، أظهرت الثورة التكنولوجية نوعاً جديداً من العملات، التي ليس لها شكل مادي، ويتم تداولها عبر شبكة الانترنت، وتسمى بالعملات الرقمية؛ التي تتميز بأنها ليس لها شكل مادي ملموس، كالأوراق النقدية المطبوعة أو المسكوكة (). والشكل التالى يوضح أنواع العملة.

شكل رقم (1) يوضح أنواع العملة


المصدر: فريق عمل الاستقرار المالي في الدول العربية، أمانة مجلس محافظي المصارف المركزية، مخاطر وتداعيات العملات المشفرة على القطاع المالي، صندوق النقد العربي أبو ظبي الإمارات، 2019، http://www.amf.org.ae، ص 6.

وللإحاطة بمفهوم العملة الرقمية، فإنه يمكن النظر إليها من النواحي التالية: (1) من الناحية الفنية، يمكن القول بأنها: عبارة عن وحدات برمجية ليس لها وجود مادي ملموس، متاحة بشكل رقمي ومكونة بواسطة عملية برمجة وفقا لبروتوكول معين، ومحفوظة إلكترونيا عبر انظمة مختلفة، ويمكن تداولها الكترونيا. (2) من الناحية الوظيفية، يمكن القول بأنها عبارة عن وحدات برمجية غير ملموسة ذات قيمة مالية، تستخدم لتأدية وظيفة واحدة من وظائف النقود أو أكثر، كأن تكون واسطة للتبادل، أو مقياسًا للقيمة، أو مستودعا للقيمة، أو جميعها معا. (3) من الناحية القانونية، عبارة عن وحدات برمجية غير ملموسة ذات قيمة مالية، تصدر من سلطة مختصة يجيزها قانون الدولة التي تخضع لها أو التي يبيح القانون تداولها.

ويمكن إجمالاً أن نُعرّف العملة الرقمية بأنها رصيد أو سجلات مخزنة في ملفات أو قواعد بيانات إلكترونية، وهي تشمل النقود الإلكترونية الموضحة في البند التالي (ثانيا)، والعملات الرقمية التي تصدر من البنوك المركزية، والعملات الافتراضية والمشفرة، وتلك التي تقتصر على مجتمعات معينة مثل الألعاب الإلكترونية والشبكات الاجتماعية وبطاقات مكافآت الولاء والمشتريات وغيرها.

للتوضيح فإنه يوجد نوعين رئيسين من العملات الرقمية: (الأول) العملة الرقمية الرسمية، أي الحكومية والتي تصدرها البنوك المركزية، كمكافئ للنقود التقليدية والالكترونية، حيث تتضمن التوجهات العالمية الجديدة إنشاء عملات رقمية حكومية تصدر من البنوك المركزية، وهذا يعنى أن الحكومة تتحمل مسئولية الاحتفاظ بالاحتياطيات والودائع اللازمة لدعمها. (الثاني) العملات الرقمية التجارية، وهي عملات تصدرها جهات خاصة بدون مكافئ نقدي مادي لها، وتعمل بشكل بعيد عن التنظيم والرقابة الحكومية، ولا تعتمد على المصارف المالية المركزية، إنما يحدد السوق قيمتها من خلال عمليات البيع والشراء حسب العرض والطلب، ويطلق على هذا النوع من العملة الرقمية العملة الافتراضية ().

(ثانيا) النقود الالكترونية:
(Electronic money) بدأت العملات الإلكترونية كمكافئ طبيعي للعملة الورقية، حيث يمكن للمتعامل أن يتعامل على سبيل المثال مع البنك بمعاملات الإيداع والصرف رقمياً أو ورقياً كيفما يرغب ().
وبالتالي فإن النقود الإلكترونية هي عبارة عن أرصدة نقدية مسبقة الدفع، مسجلة على وسائط الكترونية مثل بطاقات الجوال الممغنطة، أي أنها عبارة عن مجموعة من البروتوكولات والتواقيع الرقمية التي تتيح للرسالة الالكترونية، أن تحل فعليا محل تبادل العملات التقليدية. وتتم هذه النقود بالتحويل عن بعد بواسطة شبكة الأنترنت، كما تسمح بتحويل أي مبلغ من شخص لأخر تسديداً لأثمان المشتريات المختلفة، وتتطلب هذه النقود وجود ثلاث أطراف هي: العميل، البائع، والبنك مصدر البطاقة.

وعليه يقوم البنك بإصدار البطاقات الائتمانية التي تستخدم في مباشرة التعاملات، وفى بعض الآحيان لا يشترط البنك وجود رصيد دائن في البنك لحامل البطاقة، خاصة إذا كانت بطاقة مدينة أو على شكل قرض بسقف ائتماني معين، يسمح لحاملها بالسحب النقدي أو استخدامها في مشترياته. يدفع حامل هذه البطاقة نسبة معينة كعمولة أو فائدة يحددها البنك كمقابل لإصدار البطاقة أو تجديدها. ومن أشهر هذه البطاقات: (Discover, Visa Card, Master Card,) ().

وقد شهدت السنوات الأخيرة الماضية تطوير شركات التكنولوجيا المالية مجموعة متنوعة من البدائل التي تعتمد إلى حد كبير على نفس الأساليب القائمة، أي من خلال البطاقات الائتمانية والربط مع الحسابات البنكية. على سبيل المثال، تسمح منصة تحويل الأموال، PayPal لمن يملك بطاقة سحب أو ائتمان أو حساب بنكي بإتمام مدفوعات التجارة الإلكترونية وتحويل المال بين الأفراد على عناوين بريدهم الإلكتروني، أو حساباتهم المصرفية كبديل عن الأنظمة التقليدية كالشيكات والحوالات المصرفية. كما تقدم المحافظ الافتراضية مثل: (Apple Pay, Google Wallet, Samsung Pay) خدمة الدفع اللاتلامسى من خلال الهواتف والساعات الذكية، من خلال خصائص (NFC) دون الحاجة لحمل البطاقة. كما وصل الأمر لإمكانيات مبتكرة، مكنت الخصائص التعريفية الحيوية مثل بصمة العين أو الوجه في أن تكون الوسيلة المنفردة والمقبولة في عمليات السداد والتحويل. ما زالت هذه الأنواع من المعاملات غير النقدية هي الأكثر شيوعاً حتى الأن، حيث إنها تعتمد على الحسابات البنكية، أو البطاقات الائتمانية، أو بطاقات الدفع المسبق. وفي المجمل، استمدت هذه الصور العامة من المعاملات قانونيتها بمرور الوقت، والتي اتسمت بخضوعها للسيطرة والرقابة الحكومية من المصارف المركزية ().

(ثالثاً) النقود الافتراضية: (Virtual Currencies) تعد العملات الافتراضية إحدى أشكال العملات الرقمية كما تم الإشارة إليه سابقا، وتكاد تكون الأكثر شهرة من حيث استخدام المصطلح أو من حيث وجود الدراسات التي تبحث في ماهية هذه العملات، وبالرغم من عدم وجود تعريف موحد للعملات الافتراضية إلا أن العديد من المنظمات الدولية والبنوك المركزية قامت بتعريفها؛ وأبرزها ما يلي:

البنك المركزي الأوروبي، حيث عرفعا بأنها نوع من العملات الرقمية غير المنظمة، والتي عادة ما يصدرها ويتحكم بها مطوروها، ويتم استخدامها وقبولها بين أعضاء مجتمع افتراضي محدد. كما عرفتها مجموعة العمل المالي بأنها تمثيل رقمي للقيمة التي يمكن تداولها الكترونيا أو رقميا وتعمل كوسيلة للتبادل ووحدة للحساب ومخزن للقيمة ولا يوجد لها أساس قانوني في الدولة، ولا تصدر بضمانة أي دولة من الدول وتنفذ مهامها المذكورة أعلاه فقط بالاتفاق داخل مجتمع مستخدمي العملة الافتراضية، وتختلف عن العملة القانونية لبلد معين بعدم وجود الغطاء القانوني

من خلال التعريفات السابقة للعملات الافتراضية، نجد أن هناك تباين في وجهات النظر تجاه وظائف العملات الافتراضية وحدود تطبيقها، إلا أن جميعها يتفق على مبادئ موحدة تتمثل بعدم وجود إطار قانوني وسلطة مركزية أو جهة تنظيمية تحكم وتنظم عملية إصدار أو تبادل وتداول هذا النوع من العملات والإشراف والرقابة عليها، كذلك عدم وجود تمثيل حقيقي لهذه العملات مقابل العملات القانونية أو دعمها بغطاء نقدي، ويتم إصدارها وتبادلها إلكترونياً ().

العملة الافتراضية نوع من أنواع العملات التجارية، وتختلف عن العملة الرقمية القانونية بأنها نوع من العملات الرقمية غير المنظمة بأي قانون رسمي، حيث يتم إصدارها والتحكم بها من خلال مطوريها، ويتم استخدامها وقبولها بين أعضاء مجتمع افتراضي معين على الشبكات الرقمية. يكمن السبب الأساسي في تسمية هذا النوع من العملات بأنها افتراضية، نظراً لكونها غير رسمية ولا تتمتع بقبول واسع، بل محدود ضمن مجال المجموعة التي تتعامل بها، وغالباً ما يتم تسميتها (token) كوسيلة لتمييزها ولكونها في الواقع ليست عملة حقيقية. كما أن العملات الافتراضية لا ترتبط بنطاق جغرافي أو دولة محددة، ولا تصدر من بنوك مركزية. ومن أهم ميزات العملات الافتراضية هو أن عمليات البيع والشراء والأطراف المتعاملة فيها تتسم بالمجهولية والسرية، ولا يمكن مراقبة معاملاتها أو تعقبها أو التدخل فيها ().

(رابعاً) النقود المشفرة (Cryptocurrency): مصطلح العملات المشفرةCryptocurrency هو مصطلح مركب من كلمتين: العملة Currency وهي ما يتم استعماله كوسيط للمبادلات، والمشفرة Crypto من Cryptography التي تشير إلى استعمال تقنيات الحاسوب في التشفير، وهو يشير إلى أحد أنواع الأدوات التي تساعد على إتمام المدفوعات عبر الأنترنت .

ويمكن تعريف العملة المشفرة على أنها شكل رقمي للعملة المسجلة في سجل حسابات وصفقات بين مجموعة من الأنداد Peers الذين يستعملون طريقة للتشفير والتحقق. وبخلاف النقود القانونية، التي تدعم قيمتها الحكومة التي تصدرها، لا يوجد جهاز حاكم مركزي .إذن العملة المشفرة هي عملة افتراضية، أي لا وجود مادي لها إلا على الأنترنت، وهي تعتمد على فن التشفير، لحمايتها في شبكة مكونة من عدة كمبيوترات، والفرق الجوهري بينها وبين أشكال النقود الأخرى، حتى الإلكترونية منها، هي أنها لا تعتمد على طرف ثالث ضامن كالبنوك مثلا().

إذن العملات المشفرة عبارة عن عملات رقمية يتم التحكم بها سرًا وتطبق التشفير لضمان أمنها، كما لا توجد أي سلطة مركزية تدعم العملات المشفرة، وليس لديها أي علاقة ثابتة بالعملة الموجودة حاليًا. ويعمل غالبيتها عبر أنظمة دفاتر حسابات يتم تسجيل المعاملات بها والتحقق منها من خلال شبكة من العُقد الكترونياً، ويعني هذا أنه يمكن البحث عن المعاملات السابقة للتحقق من أنه يمكن للمالك “الحقيقي” فقط استخدام العملات الرمزية في أي وقت. ويمكن لمالكي العملات الرمزية استخدام مفاتيح شخصية لمباشرة المعاملات ().

وغالبا ما يربط الناس النقود الإلكترونية بالسرية، أي عدم إمكانية تتبع الصفقات ومعرفة أطرافها. لكن هذا غير صحيح بالنسبة للعملات المشفرة، فنحن لا نبقي على المعلومات حول الصفقة سرية، بل بالعكس كل صفقة يمكن قراءة المعلومات حولها من طرف أي شخص. ولكن نستعمل التقنيات المطبقة في الرسائل المشفرة للسماح للأفراد بإثبات أنهم الملاك الفعليون للصفقة التي تؤكد أنهم متلقي النقود().

وتعد البتكوين (BITCOIN) من أولى العملات المشفرة، وهي عملة رقمية غير ملموسة فلا وجود فيزيائي لها، أي أنها عملة غير ممسوكة وغير مسبوكة غير مطبوعة، فإذا قلنا إن البنكنوت عملة ورقية لها وجود مادي كونها مطبوعة، فإن البتكوين هي مجرد أرقام إلكترونية لا وجود مادي لها، وهذه العملة لا يمكن الحصول عليها من البنوك كسائر النقود، إنما تتم عملياتها إلكترونيا عن طريق شبكة الإنترنت، ويمكن تملكها من خلال محفظة إلكترونية على جهاز الحاسوب الخاص، ويتم فتح المحفظة من خلال اسم المستخدم ورقمة السري الخاص. وتتم عمليات التبادل بعملة البتكوين على مبدأ الند للند، ويعنى التعامل المباشر بين مستخدم وآخر من غير وجود وسيط بينهما، وتدار سائر المعاملات المتعلقة بهذه العملة وغيرها بشكل كامل عن طريق مستخدميها دون أية سلطة رقابية مركزية (). وعند ظهور النقود المشفرة، سواء البتكوين أو غيرها، اختلطت التسميات عند الناس، فتارة يستخدمون مصطلح النقود المشفرة، وتارة النقود الافتراضية، وتارة النقود الرقمية، لذا فإن الجدول التالي يبين الفوارق بين هذه التسميات كما يلي:

جدول رقم (1) الفرق بين العملة الرقمية والعملة الافتراضية والعملة المشفرة

العملة الرقمية

العملة الافتراضية

العملة المشفرة

المصدر

الحكومات

جهات خاصة

جهات غير معروفة

الأصل أو الأساس

عملة ورقية صادرة من الحكومات

عملة تحمل صفة الثمينة من جهات خاصة

أصل يحمل صفة الادخار والتبادل

صورة التخزين

على شكل ارقام تمثل الأوراق النقدية.

المال الذي يوجد في شكله الرقمى، ولا توجد في صيغتها المادية، وغير متاحة في شكل أوراق نقدية.

تخلق عن طريق حل معادلات رياضية معقدة، كما هو الحال في عملة البيتكوين.

محافظ التخزين

البنوك، البنوك الالكترونية، الحسابات المصرفية، رصيد المتاجر الالكترونية.

حسابات خاصة بهذه العملات، وتنتشر في مجال ألعاب الفيديوا والترفيه، حيث يتيح للاعبين فرصة شراء بعض الأمور.

محافظ خاصة تحتوي على قائمة من المفاتيح المشفرة، التي تستخدم لإنشاء عناوين، كل عنوان مرتبط برصيد معين مقيم بالعملة، ولها كلمة السر يعرفها فقط المالك.

طريقة النقل

عن طريق الأجهزة والوسائل الالكترونية، حيث إن نقل هذه العملات تتم دون تبادل عملات مادية أو أوراق نقدية، وتقريبا تجرى جميع المبادلات المالية في العالم بهذا النوع من العملات.

عادة تتم عن طريق منصات خاصة بهذا النوع من العملات.

 

المصدر: د. عبدالبارى مشعل، النقود الرقمية المشفرة، مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي، العدد 2، جوان 2021، الجزائر، ص 52: 53.

وهنا يثار التساؤل عن نشأة العملة الرقمية الافتراضية المشفرة؟
تم إنشاء أول عملة مشفرة لامركزية ، وهي عملة البيتكوين ، في عام 2009 من قبل مطور صاحب اسم مستعار يدعى ساتوشي ناكاموتو(). ففي العقد الاول من القرن العشرين وفي ظل الأزمة العالمية المالية قام Satoshi Nakamoto بنشر دراسة تحوي تفاصيل عملته المبتكرة Bitcoin واصفا اياها بانها ابتكار الكتروني نقدي يعمل وفقا لآلية الند بالند، بمعنى انها قائمة في تعاملاتها على طرفي المعاملة دون الحاجة إلى طرف ثالث يدير هذه المعاملات، كذلك انها تضمن سرية المعلومات للمتعاملين بها كونها قائمة على تقنية التشفير تحديدا تقنية بلوك تشين Block chain فضلا عن انها عملة توصف بأنها غير مركزية كونها لم تصدر من جهة رسمية في اي دولة().

وفي 2009 وﺑﺎلضبط خلال شهر أبريل تمكن ذلك الشخص الذي يقف وراء البيتكوين من تعدين 50 وحدة منها، وبعدها ﺑﺄيام تمت أول صفقة للعملة بين تاكاموتو وهال فينى. وفى 2011 وصل سعر بيتكوين إلى واحد دولار أي أنها تساوت مع الدولار في القيمة، وهذا حسب تداولات بورصة، MTGOX، وبعدها ظلت تتزايد قيمة هذه العملة () واحتفظ مؤسسُّ هذه العملة بهويّتِهِ المستعارة حتّى الثاني من أيار من عام 2016، حين أعلن رجل الأعمال الأسترالي “كريغ ستيفن رايت” أنه هو نفسه ساتوشي ناكاموتو ().

بعد ذلك بدأت تظهر عملات رقمية جديدة منافسة لعملة البيتكوين Bitcoin ومبنية على البلوك تشين مع قدوم كل واحدة منها بتقنية بلوك تشين مخصصة ومطورة ومعدلة لصالحها. في 2012 ﺗﺄسست عملات رقمية جديدة منها الريبل XRP ولايتكوين، تلتها الإيثريوم. () وكذلك عملة داش وهي عملة مشفرة لا تتحكم بها أي سلطة مركزية ويتحكم بها فقط من خلال أصوات المالكين لعُقد التشغيل الرئيسية؛ وعملة الدوج كوين، التي بدأ استخدامها امتدادًا لميم إنترنت شائع وتطورت لتصبح عملة مشفرة تشغيلية…الخ (). وفي 2018 تعدت القيمة السوقية للعملات الرقمية 700 مليار دولار أمريكي بعد تجاوز أزمة التقنين، وينتظر أن تتجاوز قيمتها تريليونات الدولار، وقد تتجاوز قيمتها البورصات العالمية .

ومنذ ذلك الحين صار هناك انفتاح على هذه العملة من قطاعات عديدة منها الطب والعقود الذكية والتجارة والتدريس وهي عبارة عن سجل للمعاملات بالعملة الافتراضية (). ويمكن لأي شخص عنده من الإمكانيات والخبرة في علوم الحاسب الآلي والبرمجيات إصدار عملة رقمية، يتم تداولها عبر الإنترنت، حيث تجاوز عدد العملات الرقمية المشفرة أكثر من 1380 عملة، لكنها متفاوتة في شهرتها وقمتها التجارية كما هو الحال مع عملة البتكوين، لايتكوين، الريبل، الإثريوم، بيركوين (). والجدول التالي يوضح أهم العملات الرقمية المشفرة المتداولة.

جدول رقم (2) أهم العملات الرقمية المشفرة المتداولة.

اسم العملة

الرمز

السعر بالدولار

في 30/6/2020

القيمة الاجمالية (مليار دولار) في 30/6/2020

سنة الاصدار

بيتكوين

BTC

9129.78

145.8

2009

ايثريوم

ETH

236.71

18.92

2015

بيتكوين كاش

BCH

348.97

4.01

2017

رايبال

XRP

0.244

10.94

2013

لايتكوين

LTC

63.36

3.6

2011

آيوتاه

MIOTA

0.232

0.772

2015

داش

DASH

92.76

0.628

2014

مونيرو

XMR

69.08

0.969

2014

نام

XEM

0.054

0.345

2014

بيتكوين غولد

BTG

11.89

0.138

2017

المصدر: من إعداد الباحث طبقا لما ورد في: فوقه فاطمة وآخرين، انعكاس العملات الرقمية المشفرة على شركات التكنولوجيا، مجلة الإدارة والنمي للبحوث والدراسات، المجلد 9، العدد 1، السنة 2020، جامعة الشلف الجزائر، ص 136: 137.

كما يثار التساؤل عن خصائص العملة المشفرة؟ يمكن بيان هذه الخصائص فيما يلي:

-عملة رقمية تخيلية، ليس لها أي وجود مادي، وليس لها أي قيمة ذاتية. ويتم التحكم الأمن فيها من خلال تقنية البلوك تشين، الذي يضمن الأمن لشبكة البتكوين.

– عملة غير قانونية، فهي غير مدعومة من أي جهة رسمية محلية أو دولية. وبالتالي لا يوجد حد معين أو سقف محدد للإنفاق أو الشراء كما في بطاقات الائتمان المختلفة.

– عملة سريعة وسلسة ولها أكثر من طريقة في عمليات التحويل، نظرا للتقنية المتطورة وطبيعتها اللامركزية لشبكتها، وهي ذات برنامج مفتوح، متاح لجميع المتعاملين، ويمكن تعدينها حسب إمكاناتهم الفنية.

– عملة ذات رسوم قليلة على التحويلات مقارنة بالنقود الالكترونية الآخرى، وتستخدم من خلال الانترنت فقط، وذلك في نطاق المؤسسات والمواقع التي تقبل التعامل بها.

– عملة تعتمد على حرية الدفع، فمن الممكن إرسال واستقبال أي مبلغ من الأموال لحظيا من أو إلى أي مكان في العالم في أي وقت، بدون وسيط ثالث، أي البنوك، وبدون قيود تحد من استخدام العملاء لأموالهم.

– عملة يمكن استبدالها بالعملة الورقية الرسمية؛ مثل الدولار واليورو من خلال مواقع متخصصة أو أجهزة صرافة آلية خاصة، وبعمليات تقنية مشفرة.

-عملة تتم عمليات التبادل التجاري، بواسطتها من شخص لآخر بصورة مباشرة، دون حاجة لتوسيط البنك. وبالتالي لا يمكن للسلطات النقدية للدول تتبع أو مراقبة عمليات التحويل التي تتم بواسطتها، ومن ثم لا يمكن لهذه السلطات التحكم في عرضها أو سعرها ().

– اللامركزية. لا توجد سلطة تحكم مركزية في الشبكة، لأن الشبكة موزعة على جميع المشاركين ، وكل عملات تعدين الكمبيوتر هي عضو في هذا النظام. هذا يعني أن السلطة المركزية ليس لديها سلطة لإملاء القواعد على مالكي عملات البيتكوين. وحتى إذا توقف جزء من الشبكة عن الاتصال بالإنترنت ، فسيستمر نظام الدفع في العمل بشكل مستقر().

– الشفافية والحيادية. فلا يمكن لأي أحد التحكم فيها، أو التلاعب ببروتوكولاتها، لأنه مؤمن من خلال نظام التشفير، مما يتيح الوثوق بها. وبالتالي فإن مخاطرها قليلة للتجار، فلا تحتوي على معلومات المستهلك الخاصة، مما يحمى التجار من الخسارة الناشئة عن الاحتيال أو المحاولات غير الآمنة لاسترجاع الأموال ().

المبحث الثالث

مخاطر العملة الرقمية المشفرة

قد يكون من الطبيعي وجود عملة الكترونية تفيد التعاملات الاقتصادية الحديثة، وخاصة مع تزايد التعاملات الالكترونية بصورة كبيرة، إلا أن التعامل بعملة افتراضية يصدرها أشخاص مجهولي الهوية ويتم تبادلها بأسماء مستعارة، وفي ظل عدم وجود أي سلطة مالية تراقبها يفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من المخاطر، كاستخدامها في عمليات غسيل الأموال أو تجارة المخدرات أو تمويل الأنشطة الارهابية وعمليات الجريمة المنظمة، وهي بذلك تساهم في زيادة الأنشطة الإجرامية في العالم، كما أنها قد تؤدي إلى مزيد من عمليات النصب والاحتيال المالي (). ويمكن تفصيل ذلك فيما يلي:

(أولا) مخاطر اقتصادية: تهدد العملات الافتراضية المشفرة اقتصاد الدول التي تنتشر فيها لعدة أسباب أهمها: تزايد الأهمية الاقتصادية للعملات الافتراضية بحيث تصبح الآلية الرئيسية لتسوية المدفوعات، وخاصة التبادلات الدولية، ومن ثم الخوف من هروب رؤوس الأموال إلى العملات الافتراضية المشفرة، وإمكانية تعرضها لخسائر فادحة، خاصة أن هذه العملات لا تتصف بالرسمية ولا يوجد لها إطار قانوني ينظمها، فمن المحتمل أن يحدث انهيار في اقتصاد بعض الدول حال انهيار هذه العملات.

كما أن اعتراف الدول العظمى بالعملات الافتراضية المشفرة كالبيتكوين كوسيلة للتبادل وتسوية مدفوعات التجارة
الدولية، يؤدى إلى فقد العملات الوطنية قوتها الشرائية.
كذلك صعوبة الحفاظ على المعروض النقدي في ظل احتكار المنقبين للعملات المشفرة والإخلال بوظيفة النقود للقيام بوظائفها الرئيسية. أيضاً ارتفاع التداولات المالية للعملات الافتراضية يزيد الفجوة بين الاقتصاد الواقعي والاقتصاد المالي الذي تباع وتشترى فيه المنتجات المالية لغرض الربح المالي ().

يضاف إلى ما سبق تهديد الاستقرار النقدي في الدول التي ينتشر استخدامها فيها وذلك نتيجة لأن التحكم في كميات عرض النقود لم يعد تحت السيطرة للسلطات النقدية لتلك الدول (). فعند حدوث مشكلة الانكماش وفي حال بلوغ هذه العملات مرتبة النقد الأصلي في مجتمع ما، حيث ترتفع قيمة الوحدة الواحدة، بارتفاع الطلب عليها لندرتها، مما يسبب انخفاضا حادا في الأسعار وميلا للاحتفاظ بالنقود، مما يخفض الميل نحو الاستثمار، وهي حالة مدمرة اقتصاديا.

وعند نشوء مشكلة التضخم بتكاثر هذه العملات، ودخولها حيّز التبادلات التجارية، حيث تنتقل القيم الثمينة من النقود الورقية إلى هذه العملات، نقلا نسخيا لا تدميريا، مما ينشأ عنه مضاعفة القيم في الاقتصاد، فالعشرة آلاف دولار تنتقل قيمتها للبتكوين مرة أخرى، وهو سبب لرفع مستويات التضخم العالمي أو المحلي إذا تم التداول في نطاق جغرافي محصور ().

هذه العملة تعد عملة احتكارية، بسبب أنها تتركز في أيدي مجموعة قليلة من الأشخاص ممن يملكون أجهزة حواسيب ذكية وقوية، ويجيدون استخدام تقنية تكنولوجيا المعلومات، وهذا الاحتكار من شأنه أن يضر بالاقتصاد العالمي؛ نظراً لقدرة المحتكرين على التحكم فيه وفق مصالحهم الخاصة. كذلك فإن الغموض الذي يحيط بهذه العملة بدءاً من مخترعها مروراً بالغموض الذي يصاحب طريقة إصدارها وتداولها، يطرح أسئلة كثيرة حول الجهة التي تقف خلف هذه العملة، كونها بهذا الوضع تجعل جزءاً من ثروات واقتصاديات العالم بيد جهة أو اشخاص مجهولين ().

(ثانيًا) مخاطر قانونية: هناك العديد من المشكلات القانونية فيما يتعلق بالعملات الافتراضية المشفرة، حيث إن عدم وجود إطار قانوني مناسب، سيؤدي إلى تفاقم المخاطر القانونية بشكل كبير (). وتتضح هذه المخاطر فيما يلي:

– عدم وجود جهة مركزية تنظم إصدار هذا العملة بشكل علني واضح وشفاف، ويؤدى إلى عدم وجود جهة يحتكم إليها لفض النزاع في حال اختلال موازين العدل بين الجهات تحت أي ظرف مستقبلا. ومن ثم تتفاقم مشكلة استرداد الحقوق عند ضياعها. ومن ناحية أخرى، تعني الطبيعة اللامركزية للعملات المشفرة الحالية أنه لا توجد سلطة مركزية للتحكيم في حالة النزاعات أو لمن تلجأ في حالة السرقة أو الفقدان.

– عدم الاعتراف بهذه العملة كنقود قانونية، وبالتالي لا تتمتع بخاصية الإبراء التي تهم المتعاملين داخل أي مجتمع، مما أدى لمنع بعض الحكومات التعامل بها لمخاطرها المرتفعة.

– عدم وجود تشريعات ناظمة لهذا العملة ومقننة لها، وصعوبة ضبط ذلك ومواكبته، نظرا لسرعة التغيرات في قطاع التكنولوجيا، وكذلك عدم امتلاك القانونيين للأدوات اللازمة للتقنين، وصعوبة ملاحقة القانونيين للمستجدات لفهم الثغرات والمتطلبات التقنية لاستصدار قوانين واقعية وملائمة لتفادي ذلك () مما أدى لحدوث فراغ تشريعي في هذا المجال.

– عدم وجود جهة موثوقة ضامنة لهذه العملة يمكن مطالبتها واللجوء إليها في حالة حصول أي نصب أو احتيال، مما يجعل تداول هذه العملة والقبول بها مخاطرة كبيرة، إذ يمكن أن تختفي هذه العملة كما يذكر بعض المراقبين في ليلة وضحاها من غير أن يتحمل أحد المسؤولية القانونية تجاهها. أيضاً من المخاطر المتوقعة لهذه العملة ما يتعلق بجرائم الغش والتزييف والتزوير، وهذه المخاطر وإن كانت موجودة في بقية أشكال النقود إلا أنها في العملة المشفرة أعلى وأكبر، فعمليات القرصنة الإلكترونية على شبكة الإنترنت كثيرة، ويقوم بها عصابات محترفة ().

(ثالثاً) مخاطر تقنية: إن الجهة المصدرة للعملة المشفرة عليها مواجهة تحديّات ومخاطر كبيرة في حماية العملة المصدرة من هجمات إلكترونيّة مدمّرة محتملة الحدوث من خصوم عديدة وعنيدة ومتمرسة إلكترونياً.
قد تتراوح الهجمات المحتملة من مستوى منخفض، كقطع الخدمات الموزّعة، إلى هجمات مصممة ببراعة على سبيل المثال هجمات ضدّ البنية التحتيّة الأساسية أو من خلال استغلال نقاط الضعف لشن هجوم فوريّ مباغت، يمكن أنّ يؤدى لسرقة العملة.

تتميّز هذه الهجمات بفعاليّة خاصّة قطع الوصول إلى خدمات المحفظة الرقميّة وخدمات التنقيب. في المقابل، إنّ قطع الإنترنت بالكامل يترتّب عنه تكاليف بالغة، في حين أنّ رشحه بطريقة فعّالة في دولة لا تقوم بذلك أصلاً يمكن أن يتطلّب موارد إضافيّة كبيرة. بالإضافة الى ذلك، إنّ أيّ جدار حماية يمكن أن يُهزم بواسطة تقنيّات فعّالة بما فيه الكفاية لإخفاء بروتوكول الإنترنت، مع أنّ هذه التقنيّات عمليّاً يجب أن تدمج في برمجيّات عملة افتراضيّة. أخيراً، هذا الرشح لن يمنع كليّاً استخدام العملات الافتراضيّة محليّاً، شرط أن تدعم بنية الإنترنت التحتيّة وقوّة الحوسبة استمرارية العملة ().

كما يمكن لأي شخص أو جهة أن تقوم بالتنقيب من خلال تطبيقات البتكوين المبنية على تقنية بلوك تشين، لكن كلما ازدادت كمية العملات المستخرجة من عملية التعدين ازدادت معها المعادلات الرياضية المطلوب حلها تعقيدا. لذلك فان معظم الآراء لا توصي حاليا بتعدين عملة البتكوين نظرًا للانتشار الواسع الذي حققته والكميات الكبيرة التي تم ويتم تعدينها منذ عام 2009، والتي تستمر في جعل مسألة تعدين المزيد منها أمرًا صعبًا للغاية يتطلب قوة حاسوبية هائلة، وبالتالي استهلاك كبير في الطاقة وإعدادات خاصة للتبريد، مما قد يؤدي لنتيجة عكسية من حيث العائد المتوقع مقابل التكلفة.

وبما أن عملية التعدين هي عملية تنافسية ذات عائد، فقد أصبح هذا العائد مغريا لعدد كبير من المستثمرين الذين قاموا بإنشاء ما يسمى ب “معامل” أو “مزارع” تحتوي على عشرات وربما مئات أو آلاف الحواسيب المتطورة لحل المعادلات الرياضية المطلوبة. ولأن العملية تنافسية، يحصد عوائدها أول من ينجز العمل، فان فرص نجاح المنقب الذي يعمل بشكل منفرد مستخدما حاسوبا واحدا أصبحت أقل، وعليه حدثت سيطرة ل 5 شركات فقط على أكثر من 50 % من قوة التعدين للبتكوين. وقد تعرضت البتكوين إلى انقسامات متتالية وفق ما تمليه مصالح المنقبين، وقد انقسمت إلى (بتكوين كاش) و (بتكوين غولد) في المنتصف الثاني من 2017 .

كذلك فإن الخدمات الالكترونية والانترنت ومستلزمات التكنولوجيا غير متاحة لأكثر من نصف سكان العالم، وهو ما يجعل هذه النقود غير كفؤة على المستوى العالمي حالياً كنقد أصيل، وقد نصت بعض الشركات المطورة على أن من أهداف هذه العملات التمكين الاقتصادي، أو ما يعرف بالاشتمال المالي للوصول إلى هذه الشرائح، وهذا هدف ربحي، ولا شك سيؤدى إلى مزيد من الطلب على منتجات التكنولوجيا التي تسيطر عليها الشركات التكنولوجية العملاقة في العالم ().

أيضا إمكانية فقدان مبالغ ضخمة عند الخطأ في التحويل أو فقدان كلمة المرور الخاصة بالمحفظة الالكترونية، وعدم إمكانية استردادها؛ كذلك استهلاكها كميات هائلة من الكهرباء مقابل عدد محدود من العمليات، فقد بلغ معدل الكهرباء المستهلك لتشغيل شبكة واحدة من البيتكوين 32 تيراواط، وهي الكمية التي تستهلكها دولة بحجم الدانيمارك. وهذا لإنجاز قرابة 400 ألف عملة في اليوم فقط().

(رابعاً) مخاطر أمنية: اشار خبراء الأمن الشبكي لاحتمالية اختراق منصات هذه العملات وسرقتها من المحافظ الإلكترونية، وقد حصلت عدة حوادث قرصنة موثقة. كذلك إمكانية فقدان مبالغ ضخمة عند الخطأ في التحويل، أو فقدان كلمة المرور الخاصة بالمحفظة الإلكترونية، وعدم إمكانية استردادها.

كما تتفاوت الناس في استخدام التقنية لأسباب مادية وتكنولوجية وسياسية، مما يؤدي إلى عدم استطاعة باقي أفراد الشبكة اللحاق بمستخدمي التقنية، وهو ما يجعل احتمال سرقتها واختراقها والتحكم بها مستقبلا أمرًا محتملاً (). على سبيل المثال، في فبراير 2014 أعلنت شركة مونت غوكس العاملة في تداول العملات المشفرة إفلاسها، بسبب حدوث خرق أمني أدى إلى خسارة عملات بيتكوين تزيد قيمتها على 460 مليون دولار. وبالطبع خسر المتعاملون مستحقاتهم. ورغم أن المتعاملين قد لجأوا إلى القضاء، وبعد سنوات لم يستعيدوا إلا جزءً من أموالهم ().

بالرّغمِ من صعوبةِ الاختراقِ حسب ما أفاد به المختصُّون، إلا أنه في حالة حدوث اختراق للمحفظة المالية الخاصة بعملة بتكوين، يكون المخترق قادراً على نقلِ البتكوينِ الخاصّ بشَّخص ما إلى محُفظته بشكل فوري (). بما إن البتكوين لا تخضع لسيطرة أية سلطة نقدية، كما لا تخضع عملياتها لأية مراقبات رسمية من خلال النظم المصرفية، وبما أنها عملة رقمية، فإن هذه العملة تظل في النهاية مجرد أرقام يتم اكتنازها في محافظ رقمية على الإنترنت، الأمر الذي يفتح المجال على مصراعيه للسطو عليها من خلال اختراق المواقع الإلكترونية، التي تحتفظ بهذه المحافظ وسحبها إلكترونيا دون أي تعويض يمكن أن يحصل عليه مودعها، أوقد تكون عرضة للفيروسات أو الاحتيال، ومن ثم تفقد هذه العملة عنصر الأمان مقارنة بالعملات التقليدية التي غالبا ما تتمتع الودائع بها بالضمان الحكومي المصرفي من خلال التأمين عليها.

وقد وقعت عدة حوادث قرصنة لمحافظ افتراضية لم تكن محمية بشكل جيد على الأقراص الصلبة، فوفقا لوكالة رويترز، استولى قراصنة الانترنت في عام 2011 على مليون عملة بتكوين تقريبا تزيد قيمتها عن 9 مليارات دولار أمريكي في أوائل مايو من عدة شركات صرافة. وبالتالي فإن إصدار العملات بصورة لا مركزية يعني عدم وجود أي كيان يضمن هذه الأصول، ومن ثم فإن قبولها يعتمد اعتمادًا كليًا على ثقة المستخدمين. وعليه فإن تخزين النقود واستخدامها في المعاملات عبر الانترنيت له أثر نقل المسؤولية عن تأمين النقود من المصرف إلى المالك، الذي يجب أن يكون قادرا على التنقل عبر البيئة الالكترونية بأمان وإدراك للتهديدات المحتملة، وأن يكون قادرا على ضمان حماية برمجية كافية من الفيروسات().

(خامساً) مخاطر السلامة والائتمان: حيث إن العملات الرقمية المشفرة لا توجد لديها آليات السلامة، ففي بداية التعامل سيحصل العميل على مفتاح خاص أو كلمات عشوائية تحمى محفظته، وإذا فقد المفتاح الخاص بذلك، سوف تختفي أمواله معه، إذ لا يوجد دعم اتصال، ولا توجد طريقة لتغير كلمة المرور أو استرجاعها، ولا يمكن التحقق من الهوية لاستعادة الحساب، فعندما يختفي الحساب لا يمكن استرجاعه، ولا يوجد أي إجراء يمكن القيام به ().

أما بالنسبة لمخاطر الائتمان التي يتعرض المستخدمون للعملات الافتراضية المشفرة لها، فإن هذا النوع من المخاطر فيما يتعلق بالأموال المحتفظ بها في الحسابات الافتراضية، يظهر حيث لا يمكن ضمان أن الطرف المقابل قادر على تلبية كامل احتياجاته المالية والتزاماته عند استحقاقها في أي وقت في المستقبل. أي لا تتوفر آلية ﺗﺄمين لتعويض أصحاب المحافظ في حالة إخفاق المنصة الإلكترونية التي تنفذ عمليات المحفظة، أو في حال الأعطال التي لا يمكن معها الوصول إلى المحفظة().

(سادسًا) مخاطر السيولة والاحتيال: حيث تظهر مخاطر السيولة في حالة فشل الطرف المقابل في الوفاء بأي التزامات تعهد بها لتوفير السيولة للمشاركين عند حاجتهم لها. كذلك مخاطر عدم القبول العام، والتي تتمثل بعدم قبول العملات الافتراضية المشفرة كوسيلة للدفع من قبل جميع التجار. طاهر الصديق، انتشار العملات الرقمية في ظل جائحة كورونا البيتكوين نموذجاً، مجلة دفاتر بوادكس، اﻟﻤﺠلد 10 العدد 1 السنة 2021، جامعة الجزائر.

أما مخاطر الاحتيال فتتضح من خلال التسبب للمستخدم بخسارة لما يملكه من عملات افتراضية مشفرة نتيجة للقرصنة، أو الاختراق، أو السرقة، أو التحايل. أيضا مخاطر عدم توافر بيانات حول أسعار الصرف تجاه العملات الافتراضية المشفرة من جهات موثوقة، فضلاً عن تعرضه للخسارة الناتجة عن المضاربات والتلاعب في الأسعار.

ومما يزيد الطين بله، أنه على الرغم من أن تقنية علم التشفير المستخدمة في العملات الافتراضية قد تكون قوية ضد بعض الأحداث والهجمات السيبرانية، إلا أن غياب الإطار القانوني والتنظيمي والحوكمة القوية يجعل المستخدمين عرضة للأخطار والسرقات والاحتيالات والمخالفات الأمنية دون وجود حق اللجوء إلى الطعن في المعاملات لدى الجهات القضائية ().

(سابعا) مخاطر التهرب الضريبي: تعد المشكلات الضريبية الناتجة عن التعامل بالعملات الرقمية من اهم المشكلات التي توجه هذه الابتكارات المالية، وهذه المشكلة تتنامى مع تنامي اعداد العملات الرقمية وتنوع خصائصها فضلا عن تنامي قيمتها السوقية من جهة، ومن جهة اخرى عدم خضوعها بشكل جزئي أو حتى كلي لرقابة الإدارة الحكومية؛ كل ذلك يجعل من عملية اخضاع العملات الرقمية للضرائب عملية معقدة تحتاج إلى التعامل معها بصورة غير تقليدية، لتقليل حجم التهرب الضريبي الذى ضيع الكثير من الموارد الضريبية على الدول والمقدرة ب 255 مليار د ولار سنويا لغاية سنة 2005، فكيف الحال مع وجود العملات الرقمية؟

يمكن للدول في هذا الصدد أن تتخذ مسالك قانونية عدة لإخضاع العملات الرقمية للضريبة، فاذا ما أرادت معاملة ضريبية خاصة للعملات الرقمية عليها تشرع بإصدار قانون ضريبي مختص بالعملات الرقمية، اما إذا أرادت الدولة أن تساوي العملات الرقمية مع غيرها من الأنشطة الخاضعة للعبء الضريبي، فهي تلجأ إلى تكييف العملات الرقمية عبر الانفاذ الاداري ضمن القوانين النافذة، خصوصا إذا ما علمنا أن النشاطات التي تتخلل تعاملات العملات الرقمية يمكن أن تتشابه مع غيرها كتصنيف التعدين كعمل، أو اعتبار التداول بالعملات الرقمية هي اعمال مضاربة وهكذا، ويعد الانفاذ الإداري هو الاكثر شيوعا في عملية اخضاع نشاطات العملات الرقمية للضرائب.

إن إدخال عملات جديدة متنوعة يكون له تداعيات أوسع نطاقاً بالنسبة لفرض الضرائب () ويزداد الأمر تعقيداً، لعدم وجود سياسيات وإجراءات واضحة لتداول العملات الرقمية غير الصادرة عن البنوك المركزية في الأسواق العالمية(). وبالتالي تتجه الدول إلى تعظيم مواردها الضريبية التهرب الضريبي، وهذا أمر ينطبق على العملات الرقمية في أي بلد، ومع ذلك ونظراً لما تتمتع به العملات الرقمية من خصائص ذاتية، كونها عملة عالمية عابرة للحدود تتمتع بسهولة التداول، وكونها تقوم على سرية المعاملات التي تجرى بها، وفى نفس الوقت فهي لامركزية لا تخضع لإشراف أية جهة حكومية، كل هذه الخصائص وغيرها تساعد المتعاملين بها على التهرب الضريبي للأنشطة التي تدفع قيمها بالعملة الرقمية ().

(ثامناً) مخاطر تمويل الأنشطة الإجرامية: إن سهولة التعامل بالعملة الرقمية المشفرة خارج النظم المصرفية في العالم، جعلت من السهل استخدامها في تمويل العمليات غير القانونية عبر
أنحاء العالم، لأن العمليات التي تجري بواسطة العملات الافتراضية المشفرة سرية ومباشرة ولا تتطلب بروتوكولات خاصة، تتعلق بالحصول على معلومات المستخدمين أو التحقق من شرعية معاملاتهم أو الاحتفاظ بسجلات عن عملياتهم الجارية. يضاف إلى ذلك أن العملة الافتراضية لا يمكن أن تكون محل للمصادرة أو التجميد أو أي إجراء قانوني آخر بسبب غياب النظام القانوني الواضح الذي يمكن أن يطبق عليها، هذا غير سهولة الوصول إليها عبر وسائل تكنولوجية شائعة. وكل ذلك جعلها أداة مرغوبة تستعمل في عمليات غسيل الأموال وتمويل العمليات الإرهابية والأنشطة المشبوهة الأخرى ().

(1) عمليات غسيل الأموال: جريمة غسل الأموال هي مجموعة من العمليات المالية والتحويلات النقدية للأموال نتيجة الأنشطة غير المشروعة، لمحاولة إكساب هذه الأموال صفة المشروعية ومحو مصادرها الإجرامية من خلال إدخالها في النظام المالي بصفة قانونية، وهذا هو ما يطلق عليه عملية غسل الأموال (). من الناحية الفنية، يعتبر السلوك التالي غسل أموال ، عندما يرتكب عمدا:

أ) تحويل الممتلكات أو نقلها ، مع العلم أن هذه الممتلكات مستمدة من نشاط إجرامي أو من فعل المشاركة في هذا النشاط ، لغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للممتلكات أو لمساعدة أي شخص متورط في ارتكاب مثل هذا النشاط للتهرب من العواقب القانونية لعمل ذلك الشخص.

ب) إخفاء، أو تمويه الطبيعة الحقيقية ،أو المصدر، أو الموقع، أو التصرف، أو الحركة أو الحقوق المتعلقة بالممتلكات أو ملكيتها ، مع العلم أن هذه الممتلكات مشتقة من نشاط إجرامي أو من فعل المشاركة في مثل هذا النشاط .

ج) اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها ، مع العلم ، وقت استلامها ، أن هذه الممتلكات مشتقة من نشاط إجرامي أو من فعل من المشاركة في مثل هذا النشاط.

د) المشاركة في ارتكاب أي من الإجراءات المشار إليها في النقاط أ ، ب ، ج ، المساعدة والتحريض والتسهيل والمشورة لارتكابها().

ونظراً لأن العملات الرقمية الخاصة لا تخضع لأي رقابة أو سلطة إشرافية، مما قد يسهل ربطها بأي نشاط غير قانوني من خلال إجراء العمليات غير المشروعة باستخدام تلك العملة، بالتالي احتمال استخدامها في الأنشطة المتعلقة بغسل الأموال، دون أن تكون هناك عملية تعقب لتلك الأموال التي تستخدم في تداول العملات الرقمية الخاصة.

كذلك عدم اتباع إجراءات شفافة لمعرفة مصادر الأموال وتاريخها، وهو ما يفسح المجال لاستخدام هذه العملات في العديد من العمليات غير المشروعة. أيضاً سرعة تداولها ونقل ملكيتها، حيث إن بعض المعاملات قد لا تستغرق أكثر من 15 ثانية لإنجازها في بعض العملات الرقمية، مما يجعل هناك صعوبة كبيرة في تعقبها، إضافة إلى عدم وجود وسطاء في عملية البيع والشراء، ربما يجعلها الملاذ الأول في عمليات غسل الأموال. الأسباب السابقة ربما جعلتها ملاذا ووجهة أولى لغسل الأموال، إضافة إلى أن تدني أسعار تلك العملات في بداية ظهورها كان من أسباب الإقبال عليها، مما أدى بدوره إلى ارتفاع القيمة السوقية الإجمالية للعملات الرقمية وتضاعفها في وقت قياسي وتحقيقها مكاسب عالية ().

(2) تمويل العمليات الإرهابية: قبول العملة الرقمية المشفّرة في التعاملات وخاصة الصادرة من جهات غير حكومية، سيفتح الباب على مصراعيه للعمليات التجارية المحظورة كتمويل العمليات الإرهابية وتجارة المخدرات والأسلحة غير المرخصة وغيرها، حيث لا يمكن معرفة أصحاب هذه العملة، وبالتالي سهولة الحصول على مثل هذه السلع والخدمات المحرمة بهذه العملة، وهو ما يحول دون الملاحقة القانونية للمتعاملين بهذه العملة بيعاً وشراءً (). وبالتالي فإن عدم خضوع العملة الرقمية المشفرة غير الحكومية للإشراف والرقابة من قبل السلطات النقدية الحكومية، إضافة لعدم القدرة على تحديد مصدر الأموال أو توافر معلومات أو قوائم عن أصل هذه الأموال، جعل هناك إمكانية لاستخدامها في المعاملات غير القانونية ().

في فرنسا حددت الهيئة المسؤولة عن معالجة المعلومات الاستخبارية بوضوح استخدام العملة المشفرة، ولاسيما البيتكوين، كمصدر لمخاطر تمويل الإرهاب، وعلى المستوى الدولي، نشرت مجموعة العمل المالي بشأن مكافحة تمويل الإرهاب عقب اجتماعها في يونية 2013، مبادئ توجيهية بشأن طرق الدفع الجديدة؛ التي تشير إلى مخاطر تمويل الإرهاب المرتبطة بالعملات المشفرة القابلة للاسترداد والاستبدال ().

(تاسعاً) مخاطر التقلبات السعرية الحادة: يلاحظ عدم استقرار أسعار العملات الرقمية في الأسواق، ويمكن القول إنها تشكو من تذبذب يجعلها ترتفع وتنخفض في فترات وجيزة من دون أسباب واضحة أو نتيجة مضاربات على العملة، مما يزيد كلاً من هامش الربح والخسارة، على عكس غيرها من العملات التقليدية التي ترجع أسباب انخفاض أسعارها إلى أسباب اقتصادية واضحة (). فقد كان الدافع وراء شهرة العملات المشفرة في جزء كبير منه هو استخدامها أصلا لتخزين القيمة وتجميعها، وليس وسيطا للتبادل، ويلاحظ أنها بهذا المعنى أقرب للسلع من العملات.

تعمل منصات العملات المشفرة غالبا في بيئة تنظيمية غير واضحة، مما يؤدي إلى تقلبات في الأسعار والافتقار إلى وضوح الوضع القانوني، ويعني غياب السيطرة المركزية على كمية وسعر العملات المشفرة أنها تخضع أساسا لديناميكيات السوق؛ إذ شهد سعر البيتكوين تقلبا ملحوظا في سنوات عديدة، من أدنى مستوياتها أقل من 100 دولار في عام 2013، لأعلى مستوياتها لأكثر من 1000 دولار في عام 2013، ومرة أخرى في عام 2017 قاربت 20000 دولار، وهذا قد يجعلها خياراً جذابا للمستثمرين والمضاربين في العملات، ولكن أقل استقطابا للاستخدام من قبل المستهلكين العاديين().

أسعار صرف العملات المشفرة متقلبة وتكاليف التعامل بها غير واضحة. ففي عام 2014، على سبيل المثال، انخفض سعر صرف البيتكوين مقابل الدولار الأمريكي بنحو 80% في يوم واحد. ويجب أن يكون المستهلكون المتعاملون بالعملات المشفرة مستعدين لاحتمال وقوع مثل هذه التقلبات. كما يجب على المستهلكين مراعاة ما إذا كانت هناك رسوم إضافية أو رسوم أخرى عند التعامل مع أحد مقدمي خدمات تبادل العملات المشفرة أو خدمات المحفظة المشفرة، فقد تفرض الشركات رسومًا على المستهلكين لشراء العملات المشفرة أو إنفاقها أو قبولها ().

المبحث الرابع

مستقبل العملة الرقمية المشفرة

بدايةً يثار تساؤل مفاده لماذا هذا الانتشار السريع والمتواصل للعملة الرقمية المشفرة؟ يرجع ذلك الانتشار لهذه العملة للعديد من المزايا، ومن أهم المزايا الرئيسية لهذه النقود () ما يلى.

(1) الرسوم المنخفضة: تتميز هذه العملة بأن المتعامل فيها لن يدفع أية مصاريف على النقل والتحويل كالتي تتقاضاها البنوك وشركات بطاقات الائتمان عادة، فلن يكون العميل في حاجة إلى وسيط بين الزبون وبن التجار لنقل المال، لأن العملة لم تنتقل، بل رمز العملة هو ما خرج من محفظة المشتري ودخل إلى محفظة البائع، كما أنه لا يوجد عليها رسوم تحويل.

(2) السرعة والسرية: لا يمكن مراقبة عمليات البيع والشراء التي تتم بواسطتها أو التدخل فيها، وهذه نقطة ايجابية لمن يريد السرية والخصوصية، كما أنها تقلل من سيطرة الحكومات والبنوك، حيث يمكن نقلها في أي وقت، وإلى أي مكان دون أن تمر على أي هيئة رقابية أو بنك(). كما تتمثل اهم اسباب استخدام العملات الرقمية في عدم وجود أي وسطاء أو أطراف ثالثة للتحقق من مصداقية الصفقات، مما يجعل المعاملات سريعة، كما توفر العملات الرقمية المشفرة بديلاً أرخص وأسرع بكثير من المعاملات النقدية التقليدية، خاصة بالنسبة للعملاء الذين يقومون بنقل الأموال من خلال الإنترنت ().

(3) العالمية: فهي لا ترتبط بموقع جغرافي معين فيمكن التعامل معها وكأنها عملة محلية، لأنها متوافرة على مستوى العالم، ولا توجد دولة تستطيع أن تحظرها، لأنها لا تخضع لسيطرتها. كما لا يمكن أن تتعرض للمصادرة أو غير ذلك من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها التحويلات بالعملات ()التقليدية. بالإضافة إلى عدم وجود بنوك مركزية مسؤولة عن طباعة الأموال، مما يقلل من احتمالات التضخم الناجم عن صك العملة من دون النظر لتوازنات العرض والطلب، وفي المقابل فإن العملات الرقمية تتسم بمحدودية العدد مما زاد من قيمتها السوقية مع ارتفاع الطلب، فبعد أن كان ثمنها يساوي 6 سنتات فقط، ارتفع سعرها إلى ما يقارب 2500 دولار في مايو 2017().

(4) الشفافية: يقوم برنامج العمولات المشفرة بتخزين أي عملية يتم القيام بها، فإذا كان شخص ما يمتلك محفظة العمولات المشفرة، فيمكن لأي شخص آخر أن يعرف عدد العملات التي يمتلكها صاحب هذه المحفظة، وعدد المعاملات التي تمت من خلالها، حيث يشاهد الجميع وبشفافية تامة حركة تنقل العملة بن المحافظ، ولكن وفي نفس الوقت لن يستطيع أحد معرفة هوية مالكها.

(5) الأمان: تعد تقنية التشفير المستخدم واحدة من أكبر المشاريع المحوسبة الموزعة في العالم، مما يجعل من الصعب تزويرها أو إعادة استنساخها، كما يمكن للمستخدمين تشغيل ممارسات الأمان لحماية أموالهم، بتوفير درجات عالية من الأمان ضد السرقة، لهذا لديها سجل أمان قوي جدًا().

(6) انخفاض مخاطر التضخم: واحدة من المشاكل التي تعاني منها العملات التقليدية الحالية، وهو التضخم، ومع الوقت تفقد العملات القوة الشرائية لها سنويا، لكن العملات المشفرة كالبيتكوين لا تعاني من هذه المشكلة، لأنه تم تصميم هذا النظام لجعل أعداد بيتكوين تكون محدودة. فقد تم تصميم النظام لإنتاج 21 مليون وحدة فقط ، وقد وصل ما تم استخراجه حتى العام 2018 حوالي 17 مليون وحدة، أي ما تبقى هو 04 ملايين وحدة، لذلك فإن عملية الحصول على وحدات جديدة من “البيتكوين” تتباطأ وسوف تتوقف تماما في غضون سنوات فق حسب ما يراه المحللون().

وقد أدى الانتشار السريع للعملة الرقمية المشفرة إلى إثارة العديد من التساؤلات بشأن آفاق المعاملات النقدية التقليدية والرقمية المشفرة، ومن أهم هذه التساؤلات، ما إذا كانت العملة الرقمية المشفرة ستحل بديلاً للعملات التقليدية أم لا؟ وهل ستمثل العملة الرقمية نقود وأموال العصر الجديد؟ هل ستختفي العملات التقليدية مع انتشار العملات الرقمية المشفرة؟ هل إصدار عملة رقمية للبنوك المركزية سيضفي الاستقرار على النظام المالي الجديد؟ الإجابة على هذه التساؤلات لن تكون بسيطة، فهناك مجموعة من التحديات تواجه صانعي السياسات، حيث إن المنافسة بين العملات الرقمية المشفرة والعملات التقليدية ليست بالسهلة.

إن سرعة تطور الاقتصاد الرقمي، قد يدفع بحصر دور العملات التقليدية في عملية شراء العملات الرقمية؛ التي من الممكن أن تمثل وسيلة التعامل الجديدة ونقود العصر الجديد، علماً أن الانتشار والاعتماد على هذه العملات سريع جداً، بما يتطلب استحداث قوانين وتشريعات جديدة تضمن الاستخدام الآمن والشرعي لتلك العملات، للمحافظة على استقرار النظام المالي ().بدأت هذه العمليات مع “ثورة الأموال عبر الهاتف المحمول” في إفريقيا وآسيا قبل بضع سنوات، مما أدى إلى تغيير الطريقة التي يحول بها الأشخاص الأموال في السياقات المحلية والإقليمية. تقدم العملات المشفرة وعدًا بالبناء على ثورة الشمول الرقمي من خلال تحجيم أنظمة التحويلات العالمية المالية التقليدية مع التوسع في التحويلات الحديثة(). وعليه فإن التوقعات المستقبلية لسوق العملات الرقمية يتضمن الآتي:

– سيكون هناك مسار تصاعدي في الطلب على العملات المشفرة، الأمر الذي يعمل على ارتفاع الطلب عليها، وزيادة ثقة الناس فيها بشكل كبير مع مرور الوقت وتزايد الاستخدام.

– تمتلك الأنظمة النقدية القائمة على Blockchain القدرة على التأثير على الاقتصاد الكلي، حيث تتحدى أنظمة الدفع الجديدة الأدوار التقليدية(). للبنوك المركزية. يلاحظ توجهه الحكومات إلى الاعتراف بالعملات المشفرة مع تزايد استخدامها، خاصة مع تحجيم وعلاج أخطار استخدام هذه العملات.

– يتوقع بمرور السنوات أن تظهر عملات مشفرة جديدة في الأسواق، تنافس العملات الموجودة، وبالتالي سيحدث تغيرات كبرى في التشفير الدولي، حيث سيتزايد الاستثمار في مجال العملات المشفرة ودخول أموال ضخمة، وسيرتفع تأثيرها في النمو الاقتصادي العالمي ().

– يتوقع أن تزيد العملات المشفرة أيضًا من الشمول المالي وتغذي النشاط الاقتصادي في الأسواق الناشئة ، لا سيما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث 34 ٪ فقط من البالغين لديهم بنك. قد تكون العملات المشفرة منافسة وقابلة للتطبيق مع العملات الآخرى خلال الفترات التي يكون فيها البنك المركزي ضعيف أو غير جدير بالثقة.

الخلل الذي ميز النظام المالي العالمي، والمتزامن مع تفشي جائحة كورونا، وتسارع التطورات التكنولوجية، والحاجة إلى تسوية المعاملات بسرعة وفعالية، شكل بيئة خصبة لانتشار العملات الرقمية المشفرة، ومما ساعد أيضا على ذلك تمتع هذ ه العملة بجملة من الخصائص منها انخفاض التكلفة وسرعة المعاملات، خاصية الند للند، التحكم اللامركزي، الشفافية والأمان نسبيا.

إلا أن التعامل بعملة افتراضية يصدرها أشخاص مجهولي الهوية، ويتم تبادلها ﺑﺄسماء مستعارة، دون وجود أي سلطة مالية تراقبها، يجعلها تحمل في طياﺗﻬا أخطار من استخدامها، كاستعمالها في عمليات غسيل الأموال، أو تجارة المخدرات، أو عمليات الجريمة المنظمة، كما أنها النصب والاحتيال المالي، ﺑﺎلإضافة إلى مخاطرها الاقتصادية المتمثلة في ﺗﻬديد الاستقرار النقدي العالمي().

نتيجة للمخاطر والتحديات الكبيرة التي واجهت إصدار الأصول المشفرة، ظهر مؤخراً الاتجاه إلى إصدار نوع آخر من الأصول المشفرة سمى “بالعملة المستقرة”، التي يعرفها البنك المركزي الأوربي، بأنها تمثل وحدة رقمية للقيمة لا تشكل في حد ذاتها أي شكل من أشكال أي عملة محددة، ولكن قيمتها عوضاً عن ذلك ترتبط بمجموعة من أدوات التثبيت، بهدف تقليل التذبذبات الحادة في أسعارها.

وتختلف أدوات التثبيت بحسب مستويات الاستقرار المرتبطة بكل أداة من هذه الأدوات وتعقيدها. فكلما زادت بساطة أدوات التثبيت، زادت مستويات استقرار الأصول المشفرة المرتبطة بها، وكلما زاد تعقدها، كلما انخفضت مستويات استقرار العملات المستقرة المرتبطة بها، وتتطلب أدوات التثبيت البسيطة الأقل تعقيداً وجود عمليات حفظ مركزي للتداولات، وتتم في إطار وجود ضمانات، والتي تتمثل في: (1) ربط الأصول المشفرة برصيد نقدي، يتم الاحتفاظ به من مؤسسة الحفظ الأمين، بما يمثل نوعاً من أنواع الأموال المشفرة. (2) ربط الأصول المشفرة بفئات الأصول التقليدية، مثل الدولار أو سلة العملات.

أما فيما يتعلق بأدوات التثبيت، التي تتضمن قدراً أكبر من التعقيد والمخاطر، فهي تتم في إطار عمليات التسجيل اللامركزي للتعاملات، دون وجود جهة مصدرة للعملة أو مؤسسة حفظ أمين، وتتمثل هذه الأدوات في: (1) الربط بأحد الأصول المشفرة الآخرى الأكثر استقراراً، مثل البتكوين. (2) الربط بتوقعات المستخدمين لقيمة الأصول المشفرة، وفيها تتحكم الخوارزميات بعملية خلق وحدات الأصول المشفرة، يتم في إطار هذه الأدوات الاستعاضة عن دور البنوك المركزية من خلال عقود ذكية، مسؤولة عن التحكم في المعروض النقدي من هذه العملة المستقرة، بحسب محددات معرفة مسبقاً بالنسبة للنظام.

وفى ظل الزخم العالمي بإصدار العملات الرقمية ظهر اهتمام كبير من قبل البنوك المركزية بنوع آخر من العملات الرقمية يتمثل في العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية، والتي يعرفها بنك التسويات الدولية بكونها “شكل جديد من أشكال النقود الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية، تختلف عن الاحتياطيات أو أرصدة التسوية التي تحتفظ بها البنوك التجارية لدى البنوك المركزية ().

وتؤكد هذه التجارب على قبول فكرة طرح الحكومات لعملات رقمية مشفرة مستقرة، صادرة من جهات رسمية متاحة للتعامل المباشر من قبل المستخدمين بلا وسطاء بنكيين. ولعل من بين أهم الدوافع التي تضغط للسير في هذا الاتجاه، هو أن مثل هذه العملات الرقمية ستمنح الحكومات القدرة للمحافظة والسيطرة على المجتمع والاقتصاد. فمن جانب، التصميم التكنولوجي – وإن كان جزئياً – يضمن تعزيز حالة المراقبة وتتبع جميع المعاملات في الوقت الفعلي. وسيساعدها ذلك بالطبع في مكافحة جرائم غسيل الأموال والفساد وتمويل الإرهاب والذي بدوره سيعزز سلطة الدولة لحد كبير. كما وستساهم الأنظمة التي تعمل فيها هذه العملات على استخراج مجموعة ضخمة من البيانات عن الأنشطة الاقتصادية، والتي يمكن أن تخدم تصميم واتخاذ القرار على مستويات التخطيط المختلفة ().

في ظل تطورات العملات الرقمية على مستوى العالم، وانتشارها الذي حظي بقبول فئات عديدة من جمهور مستخدمي الشبكة العالمية للمعلومات، تسعى البنوك المركزية إلى توفير وإصدار عملة رقمية للاستفادة منها في توفير المدفوعات الرقمية، والخدمات المالية الأخرى مع الحد من الاستخدام غير القانوني، ووضع الضوابط والتشريعات اللازمة لتداولها كأداة دفع رقمية سواءً بين الأفراد أو بين المؤسسات المالية. وكان من نتائج ظهور العملات الرقمية والمميزات التي جاءت بها، ومن أجل مواكبة التطورات التقنية فقد بدأت العديد من الدول والتكتلات الإقليمية نيتها لإصدار عملتها الرقمية الخاصة بها () والجدول التالي رقم (4) يوضح أبرز مشاريع إطلاق عملات رقمية صادرة عن البنوك المركزية على مستوى العالم.

جدول رقم (3) يوضح أبرز مشاريع العملات الرقمية للبنوك المركزية على مستوى العالم.

م

اسم الدولة

اسم العملة

مضمون المشروع

1

الصين

اليوان الرقمى

بدأ البنك المركزي الصيني تجارب استخدام العملة الرقمية في أبريل 2020 في أربع مدن، حيث أصدر عملات رقمية بقيمة 10 ملايين يوان لعدد 500 مستخدم سيتم اختيارهم عشوائيا. كما يمكن لأي شخص يقطن في مدينة شنجن بجنوب الصين التقدم بطلب للانضمام إلى البرنامج عبر أكبر أربع بنوك بالبلاد، يمكن استخدام العملة الرقمية في 3389 منفذا للبيع بالتجزئة.

2

الاتحاد الأوروبي

اليورو الرقمي

أطلق الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2020 مشاورات عامة، لاتخاذ قرار بشأن جدوى تأسيس يورو رقمي، كما سينظر البنك المركزي الأوروبي في المسائل المرتبطة بالخصوصية، وضمان عدم استخدام اليورو الرقمي في عمليات غسل الأموال. كما ستكون عملة رسمية مكمّلة للنقود يكفلها البنك المركزي الأوروبي تسمح للأفراد والشركات القيام بعمليات الدفع اليومية بطريقة سريعة وسهلة وآمنة.

3

الولايات المتحدة الأمريكية

الدولار الرقمى

دخل بنك الاحتياطي الفدرالي خلال عام 2020 في شراكة مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في دراسة متعددة، لتطوير عملة رقمية للبنك المركزي. وذلك بسبب تتبع تخوفات الاحتياطي الفيدرالي من كون العملات الرقمية الخاصة بفيسبوك، ستكون خارج سيطرة الحكومة الأمريكية وأنظمتها الضريبية، كما قد يمكنها السيطرة على نظام المدفوعات العالمي.

4

السعودية والإمارات

مشروع عابر

قامت كل من السعودية والإمارات بالإعلان عن مشروع مشترك أطلق عليه عابر، لإصدار عملة رقمية يتم استخدامها بين الدولتين في التسويات المالية. ويهدف هذا المشروع إلى دراسة أبعاد العملة الرقمية وجدواها عن كثب من خلال التطبيق الفعلي، ومعرفة مدى أثرها على تحسين وخفض تكاليف عمليات التحويل، وتقييم المخاطر التقنية وكيفية التعامل معها.

5

الإمارات

الدرهم الإلكتروني

مر استخدام الدرهم الإلكتروني بثلاث مراحل، حيث تم إطلاقه في 2001، كما تم إصدار الجيل الثاني منه في عام 2011، كما حقق الدرهم الإلكتروني انتشاراً واسعاً، فقد تم ربطه بمنصة شبكات الدفع الوطنية إضافة إلى منصات الدفع العالمية. شهد عام 2020 إطلاق الجيل الثالث من الدرهم الإلكتروني، وهو إصدار أكثر تطوراً في مجال خدمات الدفع الرقمي.

جزر البهاما

ساند دولار

أطلق البنك المركزي العملة الرقمية التي اسماها Sand Dollar لمساعدة الجزيرة في تجاوز الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية، كما يساعد المشروع الأفراد والشركات على التعافي من آثار الأزمات.

6

تونس

الدينار الرقمى

شكل البنك المركزي التونسي لجنة تحت إشرافه للتفاعل مع مؤسسات التقنيات المالية الحديثة، لإصدار الدينار الرقمي التونسي، وهو عملة رقمية أحادية يتم إصدارها من قبل البنك المركزي التونسي، سيتم تداول الدينار الرقمي من خلال حافظات رقمية لدي المواطنين عبر الشبكة العالمية للمعلومات، وتمكنهم من القيام بالعمليات المالية. ولا يزال المشروع الدينار قيد الدراسة.

5

السويد

الكرونا الالكترونية

في نوفمبر 2020 أطلق برنامج اختبار لعملته الرقمية “الكرونا الإلكترونية” باستخدام تقنية السجلات اللامركزية بهدف تعريف المتعاملين بكيفية استخدام “الكرونا الإلكترونية” في المعاملات المالية الرسمية عوضاً عن استخدام العملات النقدية.

6

كندا

الدولار الرقمي الكندي

مشروع العملة الرقمية الكندية بدأ منذ عام 2016، بالاعتماد على تقنية سلسلة الكتل انتقلت العملة الآن إلى ما بعد مرحلة التجربة بعد إطلاق العديد من التجارب بنهاية العام الماضي.

7

هولندا

دنكوين

البنك المركزي الهولندي يقوم بإجراء التجربة على عملته الافتراضية المسماة دنكوين، التي تعتمد في تصميمها على عملة البتكوين.

8

روسيا

الروبل الرقمي

أعلن البنك المركزي الروسي أنه سيتم إطلاق الإصدار التجريبي منه في نهاية 2021، حيث يعد هذا المشروع تطوراً كبيراً في النظام المالي وتعزيزاً للاقتصاد الرقمي في روسيا.

المصدر: من إعداد الباحث بعد الرجوع لـ عبد الحميد مرغيت والطاهر جليط، توجهات البنوك المركزية نحو إصدار العملات الرقمية، كتاب جماعي دولي بعنوان دور الاقتصاد الرقمى في تحقيق التنمية المستدامة، جامعة محمد الصديق بن يحي، الجزائر،2021، ص 92.

يلاحظ من خلال تتبع الواقع المعاصر في ظل الأزمة العالمية الناجمة عن وباء فيروس كورونا، أن العالم يتجه للرقمة في شتى مجالات الحياة، ومن خلال تتبع سوق النقود الرقمية المشفرة، فإنه يصعب إنكار القفزة التكنولوجية التي أحدثتها النقود الرقمية المشفرة في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية. وبالتالي في ضوء الواقع والتطور المستقبلي لهذه النقود نجد أنه من الصعب أن تزيح النقود الرقمية المشفرة النقود التقليدية الوطنية خلال العقود القريبة القادمة.

وبالمقابل لا ننكر أن النقود الرقمية المشفرة، قد أخذت ومستمرة في الاستحواذ على نصيب أكبر من عالم المال والأعمال. لذا فإن التطور الطبيعي أن النقود الرقمية المشفرة ذاهبة للتوسع والانتشار في المستقبل القريب، وهي لذلك ستصاحب التوسع في الاقتصاد الرقمى المصاحب لانتشار الإنترنت، وبالتالي يجب على الجهات المسئولة في كل دولة أن تتحمل مسؤوليتها، والبدء بدراسة الموضوع بجدية، واتخاذ العديد من الإجراءات على المستويات التالية: التشريعية والتنظيمية، الإدارية والتنفيذية، الرقابية والقضائية ().

من المتوقع أنه في حال تزايد انتشار العملات الرقمية المشفرة، فإنها ستؤثر بشكل ملموس في المتغيرات الاقتصادية الآتية:

(1) الأثر على السياسة النقدية: حيث إنه
تم تصميم النقود الرقمية كنظام لا مركزي فلا توجد سلطة نقدية مركزية تتحكم في إنشائها،
كما يمكن شراؤها من خلال منصات مختلفة، وبالتالي فهي موجودة خارج بيئة الدفع المنظم، ولهذا فإن عرض
النقود لا يعتمد على السياسة النقدية لأي بنك مركزي، بل يتطور بناء على نشاط المستخدمين في عملية
تعدين هذه العملات لإنشاء عملات جديدة، وبناء عليه فإن العرض من هذه العملات محدد بوضوح وهو
ما يعني أنه من الناحية النظرية، لا يمكن تغييره من قبل أية سلطة مركزية أو جهة تريد إصدار نقود إضافية.
وقد يسبب ذلك مشكلة بالنسبة إلى البنوك المركزية، حيث إن سياستها النقدية لا يمكن أن تؤثر على
العملة الرقمية على نحو فعال. فمع زيادة انتشار العملات الرقمية وعدم تفاعل البنوك المركزية مع هذا الموضوع.

(2) الأثر على السياسة المالية: من المتوقع أن يكون للنقود الرقمية أثرًا ملموسا على السياسة المالية، عن طريق تأثيرها على حجم
الإيرادات الضريبية المتوقعة، وذلك لصعوبة مراقبة الصفقات والتبادلات التجارية التي تتم من خلال الأنترنت،
وببن الطرفين المتعاملين مباشرة الند للند، ومن دون وسيط مالي كالبنك، أو شركات الائتمان، مما يزيد من
فرص التهرب الضريبي والجمركي، ويعمق ظاهرة الاقتصاد الخفي، ويؤثر في السياسات الاقتصادية بشكل
عام.

(3) الأثر على الأسواق المالية: يمتد أثر العملات الرقمية على الأسواق المالية، فمن المتوقع أنه في حال انتشار النقود الرقمية، وزيادة أهميتها الاقتصادية بحيث تصبح الآلية الرئيسة
لتسوية المدفوعات، وبخاصة التبادلات الدولية، ومع نمو وتطور التجارة الإلكترونية، فإن حجم النقود في
الاقتصاد سيتعذر تحديده، وذلك نتيجة لعدم خضوع هذه النقود لإشراف مباشر من قبل السلطات النقدية،
الأمر الذي يؤثر سلبا في الأجل الطويل على آلية سير نظم المدفوعات، وهذا بالتبعية يؤثر على استقرار
الأسواق المالية، كما أن ذلك سيساهم أيضا في عدم دقة قياس معدلات سرعة دوران النقود.

(4) الأثر على الاقتصاد الحقيقي: حيث إنه في حال تزايد التعاملات المالية بالنقود الرقمية تتزايد الهوة بن الاقتصاد الحقيقي الذي يتم فيه إيجاد وتبادل السلع والخدمات، وببن الاقتصاد المالي الذي تباع وتشترى فيه المنتجات المالية لغرض رئيسي، وهو الربح المالي فقط من فروقات الأسعار، وقد قدرت إحدى الدراسات أن حجم النقود في الاقتصاد المالي فوق حجمها في الاقتصاد الحقيقي من ثلاثين إلى خمسين مرة. حيث يزداد حجم النقود المتداولة خارج النظام المصرفي، ولأن هذه النقود لن تدخل ضمن مقاييس البنك المركزي لحجم النقود، فسينتج عنها زيادة في العرض الكلي للنقود داخل الاقتصاد، وهي غير مأخوذة في الحسبان عند اتخاذ السياسات النقدية().

الخاتمة: في خاتمة هذه الدراسة، فأن الباحث سيعرض لملخص الدراسة، ثم أهم نتائجها وتوصيات الدراسة، وذلك كما يلي:

(أولا) ملخص الدراسة: عرض الباحث لهذا الدراسة، وموضوعها العملة الرقمية المشفرة بين مخاطر الحاضر وطموح المستقبل في أربعة مباحث متتالية، (الأول) ماهية النقود.(الثاني) التطورات النقدية الحديثة. (الثالث) مخاطر العملة الرقمية المشفرة. (الرابع) مستقبل العملة الرقمية المشفرة.

(ثانيا) أهم النتائج:

  • يتضح من الدراسة أن البشرية مرت بمراحل متطورة عديدة للوصول إلى الأشكال والأنواع المتعارف عليها من العملة، بدءً بنظام المقايضة والمبادلة والنقود السلعية، ثم النقود المعدنية إلى أن ظهرا النقود الورقية في ثلاثينيات القرن الماضي.

 

  • نتيجة للتطور التكنولوجي، ظهرت أشكال متحدثة من العملة، بدءً بالعملة الالكترونية مروراً بالنقود الرقمية الافتراضية، ثم العملة الرقمية المشفرة، والتي هي عبارة عن عملة لامركزية يتم تداولها عبر الإنترنت فقط، دون وجود مادي لها، وهي عملة لا يوجد أية هيئة تنظيمية تشرف عليها، وتتم التعاملات بين المتعاملين بها مباشرة طبقا لمبدأ الند للند.
  • التوسع في استخدام العملات الرقمية المشفرة، هو نتيجة طبيعية للتحول إلى الاقتصاد الرقمى، وللمزايا العديدة التي تتمتع بها العملة الرقمية المشفر، كانخفاض الرسوم، السرعة والسرية، العالمية، الشفافية، الأمان، انخفاض أخطار التضخم…الخ.
  • تواجه النقود الرقمية المشفرة العديد من المشكلات الفنية التي تحد من انتشارها كمخاطر السرقة والضياع والتلف والتزوير، وكذلك المشكلات التشغيلية التي تتعلق بالشبكات، كالخصوصية والأمن والملاءمة وانقطاع الخدمة التي تحدث في بعض الأوقات، كذلك كونها تخضع للضرائب، وقد تستخدم في غسيل الأموال وهو ما يعنى استبدال النقود غير معروفة المصدر بنقود سليمة.

    (ثالثا) أهم التوصيات:

  • يوصي الباحث بتكثيف البحوث والدراسات الفنية المتخصصة حول تقنيات العملات الرقمية المشفرة، بما يساعد في فهم وتطوير هذه الأداة النقدية الجديدة، والحد من مخاطرها حتى تستطيع الدول أن تبني عليها مواقفها القانونية من العملات الرقمية.
  • يوصى الباحث بضرورة وجود تنسيق وتعاون تشريعي إقليمي ودولي يعمل على وضع الأطر الكفيلة بحماية المتعاملين بالنقود الرقمية المشفرة، وصياغة قوانين وأنظمة تضبط إصدار هذه النقود وآليات تداولها وتمنع استخدامها في تمويل الأنشطة الإجرامية.
  • يوصي الباحث بإنشاء منطقة حرة لتكنولوجيا العملات الرقمية المشفرة والبلوك تشين على غرار التجربة الصينية، يكون لها ضوابط القانونية الخاصة، بحيث يتم تجربة التعاملات التي تتم بالعملات الرقمية المشفرة فيها قبل أن يتم تعميم التعامل بها على كافة إقليم الدولة.
  • يوصى الباحث المتعاملين بالعملة الرقمية المشفرة بضرورة أخذ الحيطة والحذر الشديدين، وذلك عند التعامل أو الاستثمار في العملة الرقمية المشفرة، نظراً لتعرضها للتقلبات السعرية الحاد، واحتمال تعرضها للسرقات والاحتيال والنصب.
  • يوصى الباحث بضرورة وضع برنامج عملي للتعامل مع النقود الرقمية المشفرة، وذلك بإنشاء لجنة من جميع الجهات ذات العلاقة، وذلك على المستوى المحلى لكل دولة، ، ويجب أن يكون أعضاء هذه اللجنة على دراية واسعة بمسائل التكنولوجيا والاقتصاد والقانون والصيرفة…الخ، لتكون مسئولة عن وضع إطار قانونى تنظيمي رقابي لهذه النقود الرقمية المشفرة
  • يوصى الباحث بتكثيف الجهود والتعاون الدولي، تحت إشراف الأمم المتحدة وذلك لإيجاد طرق مستحدثة لآليات إصدار وتداول العملات الرقمية المشفرة، وكذلك لمواجهة استخدام العملات الرقمية المشفرة في تمويل العمليات الإجرامية كغسيل الأموال والأنشطة الإرهابية وتجارة المخدرات…الخ.

المراجع والمصادر

(أولا) الكتب العربية:

  • د. أيمن صالح، واقع العملات الرقمية، صندوق النقد العربي، أبو ظبي، كتيبات تعريفية العدد 10، 2021.
  • د. السيد عبدالمولى، النظم النقدية والمصرفية، دار النهضة العربية القاهرة، 1988.
  • د. إياد عبد الفتاح النسور، أساسيات الاقتصاد الكلى، دار صفاء للنشر والتوزيع عمان الأردن، 2013.
  • بتول شعبان وآخرين، العملات المشفرة، البنك المركزي الأردني، دائرة الرقابة لنظام المدفوعات الوطني، 2020.
  • جورج سول، مبادئ الاقتصاد في حياتنا اليومية، ترجمة إبراهيم لطفي عمر، الناشر وكالة الصحافة العربية، 5 شارع عبد المنعم سالم الجيزة مصر، 2019.
  • د. حمدية زهران وآخرين، أصول الاقتصاد، مكتبة عين شمس، القاهرة، 1999.
  • د. خالد سعد زغلول، مبادئ الاقتصاد السياسي، كلية الحقوق جامعة الكويت، 1998.
  • د. رمضان صديق، النقود والبنوك والسياسة النقدية، دار النهضة العربية القاهر، 2008.
  • د. عطية عبد الحليم صقر، مقدمة في النقود والبنوك والتجارة الخارجية، الإيمان للطباعة القاهرة، 1995.
  • د. على أحمد الخوري، المدفوعات الإلكترونية والعملات الرقمية، مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، جامعة الدول العربية، مجلة الدفاع الوطني بدولة الإمارات العربية، العدد الثامن لسنة.2021، الطبعة الأولى.
  • عبد المطلب عبد الحميد، النظرية الاقتصادية، مركز البحوث أكاديمية السادات للعلوم الإدارية القاهرة، 2006.
  • عبد الحميد مرغيت والطاهر جليط، توجهات البنوك المركزية نحو إصدار العملات الرقمية، كتاب جماعي بعنوان دور الاقتصاد الرقمى في تحقيق التنمية المستدامة، جامعة محمد الصديق بن يحي، الجزائر،2021.
  • د. مجيد على حسين وآخر، التحليل الاقتصادي الكلى، دار وائل للنشر والتوزيع عمان، الطبعة الأولى 2004.
  • د. محمود يونس وآخرين، مبادئ الاقتصاد الكلى، قسم الاقتصاد كلية التجارة جامعة الإسكندرية، 2000.
  • د. ميراندا زغلول رزق، النقود والبنوك، التعليم المفتوح كلية التجارة جامعة بنها،2008 .

    (ثانياً) الرسائل العلمية:

  • اثير صلاح إبراهيم، التنظيم القانوني للعملات الرقمية، رسالة ماجستير كلية الحقوق جامعة الشرق الأوسط، عمان الأردن، 2021.

    (ثالثاً) الدوريات المتخصصة:

  • د. أكرم زيدان، سيكولوجية المال، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد351، مايو 2008.
  • د. باسم أحمد عامر، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والدراسات الإسلامية الامارات العربية المتحدة، العدد1 المجلد 16 الترقيم الدولي المعياري 7166- 2616، 2019.
  • حكوم السنية، باحمدرفيس، النظر المآلى في الحكم على العملات الالكترونية المشفرة (البيتكوين نموذجاً)، مجلة الواحات للبحوث والدراسات، المجلد 14، العدد 1، السنة 2021، جامعة غرداية الجزائر.
  • طاهر الصديق، انتشار العملات الرقمية في ظل جائحة كورونا البيتكوين نموذجاً، مجلة دفاتر بوادكس، اﻟﻤﺠلد 10 العدد 1 السنة 2021، جامعة الجزائر.
  • عثمان عثمانية وآخر، العملات المشفرة والعملات التقليدية، مجلة رؤى اقتصادية، جامعة الشهيد حمه لخضر، الوادي، الجزائر، المجلد 11، العدد 01، 2021.
  • عبد الله لعور، عبد الرزاق كبوط، العلاقة بين النقود الإلكترونية، العملات الرقمية، العملات الافتراضية والعملات المشفرة، مجلة الاقتصاد الصناعي (خزارتك(، المجلد 11العد،20، جامعة جيجل الجزائر، 2021.
  • عدنان الغول وأحمد سرحيل، البتكوين ماهيّته، تكييفه الفقهي وحكم التعامل به شرعا، جامعة جوموشان. مجلة كلية اللاهوت، تركيا.
  • عدنان الغول وأحمد سرحيل، البتكوين ماهيّته، تكييفه الفقهي وحكم التعامل به شرعا، جامعة جوموشان. مجلة كلية اللاهوت، تركيا.
  • د. عدنان فرحان الجوارين، وآخر، اقتصاديات العملات الرقمية وآفاقها المستقبلية، مجلة الاقتصاد الخليجي، العدد 47، آذار 202.
  • عبد الرحمن بن معمر السنوسي، وآخر، الغرر والاستدلال به في الحكم على العملات الافتراضية المشفرة، مجلة المعيار4377 ISSN :1112-، مجلد: 52 عدد: 25 السنة: 2021.
  • د. عبدالبارى مشعل، النقود الرقمية المشفرة، تحديات الواقع وآفاق المستقبل، مجلة السلام للاقتصاد الإسلامي، العدد 2، جوان 2021، الجزائر.
  • عبد المالك توبي، ومنصف شرفي، أثر العملات الرقمية المشفرة على مستقبل المعاملات المالية: البيتكوين نموذجا، مجلة الاقتصاد الصناعي (خزارتك(، المجلد 11، العدد 1، 2021.
  • صاليحة بوذريع، وعائشة بوثلجة، العملات الافتراضية ودورها في عمليات الدفع الالكترون، مجلة الادارة والتنمية للبحوث والدراسات، المجلد 10 / العدد: 02 ديسمبر) الجزائر2021.
  • فوقه فاطمة وآخرين، انعكاس العملات الرقمية المشفرة على شركات التكنولوجيا، مجلة الإدارة والتنمية للبحوث والدراسات، المجلد 9، العدد 1، السنة 2020، جامعة الشلف الجزائر.
  • مرزوق آمال، البتكوين: نقود جديدة أم فقاعة مالية؟، مجلة شعاع للدراسات الاقتصادية، المجلد الثالث، العدد الثاني سبتمبر 2019، كلية العلوم الاقتصادية جامعة 8 مايو 1995، الجزائر.
  • د. هبة عبد المنعم، واقع وآفاق إصدار العملات الرقمية، موجز سياسات العدد 11 فبراير 2020، صندوق النقد العربي أبو ظبي الإمارات العربية المتحدة.

    (رابعاً) مراجع الانترنت:

  • جوشوا بارون وآخرين، تداعيات العملة الافتراضية على الأمن القومي، الناشر مؤسسة RAND سانتا مونيكا كاليفورنيا، 2015، 231 www.rand.org/t/rr .
  • د. فريد حبيب ليان، التكنولوجيا المالية، اتحاد شركات الاستثمار، www.unioninvest.org ، 2019.
  • كاثرين ستيوارت وآخرين، العملة الرقمية ومستقبل المعاملات، مؤسسة، RAND EUROPE www.randeurope.org .
  • مثنى وعبد الله يونس النعيمي، البتكوين، نظام الدفع الإلكتروني، 2018، شبكة الالوكة، www.alukah.net.
  • فريق عمل الاستقرار المالي في الدول العربية، أمانة مجلس محافظي المصارف المركزية، مخاطر وتداعيات العملات المشفرة على القطاع المالي، صندوق النقد العربي أبو ظبي الإمارات، 2019، http://www.amf.org.ae
  • (خامساً) المراجع الأجنبية:
  • Glass, E. J. (2019).” What is a digital currency”, The journal of Frankline Pierce center for intellectual property, volume 56, number 3.
  • Katherine Stewart, Digital currency: Transacting and value exchange in the digital age, Published by the RAND Corporation, Santa Monica, Calif., and Cambridge, UK.
  • Robby HOUBEN and others, Cryptocurrencies and blockchain: legal context implications for financial crime, money laundering and tax evasion, European Union, 2018.
  • Malcolm Campbell-Verduyn. BITCOIN AND BEYOND: CRYPTOCURRENCIES, BLOCKCHAINS, AND GLOBAL GOVERNANCE, first published 2018 by Routledge 2 Park Square, Milton Park, Abingdon, Oxon OX14 4RN and by Routledge 711 Third Avenue, New York.
  • Wolfgang Karl Härdle and others, Understanding Cryptocurrencies, this research was supported by the Deutsche Forschungsgemeinschaft through the International Research Training Group 1792, “High Dimensional Nonstationary Time Series”. http://irtg1792.hu-berlin.de ISSN 2568-5619, 2019.
  • Alexander Okhuese Victor, INTRODUCING CRYPTOCURRENCY, Pan African University, Institute of Basic Science, Technology, and Innovation, for this publication at: https://www.researchgate.net/publication/320616742.

    Flamur Bunjaku and Others, CRYPTOCURRENCIES – ADVANTAGES AND DISADVANTAGES ISSN 1857-9973 336.743:004.031.4, Doctoral student, University Goce Delcev Stip, Faculty of Economics, https://eprints.ugd.edu.mk/18707/1/Cryptocurrencies.pdf.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى