في الواجهةمقالات قانونية

القرار الإداري السلبي بين النظرية والتطبيق – الباحث: سالم حداد 

 

القرار الإداري السلبي بين النظرية والتطبيق
The Negative Administrative Decision: Theory and Practice
الباحث: سالم حداد 
باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بوجدة الكلية المتعددة التخصصات بسلوان-
ملخص 
إذا كان الأصل في القرار الإداري هو إفصاح الإدارة عن إرادتها بشكل صريح قبولا كان أو رفضا ، ليحدد المخاطبين بأحكامها مراكزهم القانونية ، فان الإدارة أحيانا تتخذ موقفا سلبيا بحيث لا تفصح عن إرادتها سواء كان ذلك بشكل صريح متخذا صورة الرفض ، أو امتناعا حيث تلتزم الصمت ولا ت رد على الطلبات المقدمة إليها ، وهذا النوع من القرارات الإدارية محل اهتمام متزايد ومثار جدل فقهي وقضائي، ويطرح القرار الإداري السلبي  إشكالات على مستوى التطبيق، وهذا المقال يعالج القرار الإداري السلبي من زوايا متعددة بدءا من الإطار النظري والقانوني وصولا إلى الإشكالات التي تنشا في الممارسة العملية مسلطا الضوء على موقف القضاء الإداري المغربي المتضارب في اجتهاداته في هذا الشأن وهو ما نتج عنها تطبيقات قضائية غير منسجمة بل وغير مستقرة في بعض الأحيان مع خاصيات هذا النوع من القرارات.  
Abstract
While the fundamental principle of an administrative decision lies in the administration explicitly expressing its will—whether acceptance or rejection—to determine the legal positions of those subject to its provisions, there are instances where the administration adopts a negative stance. In such cases, it refrains from expressing its will explicitly, either through an outright rejection or by abstaining, remaining silent without responding to submitted requests. This type of administrative decision has garnered increasing attention and sparked significant jurisprudential and judicial debate.
Negative administrative decisions pose challenges in their practical application. This article addresses such decisions from various angles, starting with their theoretical and legal frameworks and moving on to the issues that arise in practical implementation. It also sheds light on the conflicting stances of Moroccan administrative courts, which have led to inconsistent and, at times, unstable judicial applications regarding the distinctive characteristics of this type of decision.
مقدمة:
       يشكل القرار الإداري محورا أساسيا في عمل ونشاط الإدارة العامة، فهو الأداة التي يتم من خلالها تنفيذ السياسات العامة وتنظيم العلاقات بين الإدارة والأفراد، ومن بين أنواع القرارات الإدارية يظهر القرار الإداري السلبي كحالة مثيرة لاهتمام متزايد ومثار جدل فقهي وقضائي ، فهذا النوع من القرارات لا يتجسد في شكل عمل ايجابي ، بل يظهر في صورة امتناع الإدارة عن أداء ما يفرضه عليها القانون أو اتخاذ إجراء مطلوب.   
   كما أن نظرية القرار الإداري السلبي يصعب تحديدها وتحقيق مناطها،فإذا كان القرار الإداري هو إفصاح السلطة الإدارية عن إرادتها، فان القرار السلبي لا يقوم بالإفصاح الصريح للإدارة عن إرادتها في إنشاء المراكز القانونية أو تعديلها أو إلغائها.
   وإذا كان الأصل في القرار الإداري هو إفصاح الإدارة عن إرادتها بشكل صريح قبولا كان أو رفضا، ليحدد المخاطبين بأحكامها مراكزهم القانونية وليتخذوا موقفهم بشأنها، فان الإدارة قد تلتفت عنه أحيانا وتقف موقفا لا تفصح معه عن إرادتها سواء كان ذلك بشكل صريح متخذا صورة الرفض، أو امتناعا حيث تلتزم الصمت إما إهمالا أو تعنتا فلا ترد على الطلبات المقدمة إليها، فإنها في كلتا الحالتين تتخذ موقفا سلبيا. 
     إن فهم القرار الإداري السلبي لا يقتصر على التعريفات النظرية، بل يتطلب التعمق في أبعاده القانونية والتطبيقية، واعتبارا للموقف السلبي للإدارة وما قد يترتب عنه من آثار خطيرة  من إهدار القانون وتعطيل لمصالح المواطنين، وإلحاق الضرر بالمترفقين المتعاملين مع الإدارة حيث لا يستطيعون ممارسة حقوقهم نتيجة عدم صدور قرار من الإدارة ، كما لا يستطيعون مخاصمة موقف الإدارة قضاء لعدم وجود قرار إداري تتيح لهم إمكانية الطعن فيه، ومن هنا تأتي أهمية دراسة هذا الموضوع، ليس فقط لتوضيح مفهوم القرار الإداري السلبي وخصائصه وتمييزه عن القرار الإداري الضمني، بل أيضا لإبراز واستنباط المبادئ القانونية التي رسخها القضاء الإداري من خلال تطبيقاته القضائية، والإشكالات التي تواجه الأفراد عند الطعن فيه أمام القضاء الإداري.  . 
    وإذا كانت نظرية القرار الإداري السلبي قد أشار إليها المشرع المصري في الفقرة الأخيرة من نص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 والتي تنص على ما يلي: 
“يعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح”، وكان للفقه والقضاء الإداريين الفضل الكبير في ضبط وتنظيم هذه النظرية،فانه على خلاف المغرب الذي يعرف غياب  النص التشريعي المنظم للقرار الإداري السلبي على غرار ما هو معمول به في فرنسا ودول المشرق العربي .
    والجدير بالذكر أن القرارات الإدارية بأنواعها المختلفة (المكتوبة و الصريحة والضمنية والشفوية) لا تثير أي إشكال على مستوى التطبيق، في حين أن القرار الإداري السلبي قد أدى إلى الاختلافات الفقهية والقضائية ولا يزال يطرح العديد من الإشكالات، وهذا المقال يسعى إلى معالجة  القرار الإداري السلبي من زوايا متعددة ، بدءا من الإطار النظري والقانوني وصولا إلى الإشكالات التي تنشا في الممارسة العملية مسلطا الضوء على دور القضاء الإداري المغربي في حماية حقوق الأفراد من الآثار السلبية لهذا النوع من القرارات، بل جاء نتيجة لهذا التضارب في اجتهادات القضاء الإداري المغربي، وما نتج عنها من تطبيقات قضائية غير منسجمة بل وغير مستقرة في بعض الأحيان مع خاصيات هذا النوع من القرارات.
    وانطلاقا مما سبق، فما هو مفهوم القرار الإداري السلبي وخصائصه، وتمييزه عن القرار الإداري الضمني ( المطلب الأول)وكيف تعامل القضاء الإداري المغربي من خلال تطبيقاته القضائية مع هذا النوع من القرارات الإدارية(المطلب الثاني) وللإجابة على هذا الإشكال سيتم تقسيم الموضوع على الشكل التالي:
المطلب الأول:الإطار النظري للقرار الإداري السلبي
الفقرة الأولى: مفهوم القرار الإداري السلبي
الفقرة الثانية: خصائص ومميزات القرار الإداري السلبي 
المطلب الثاني: تطبيقات منازعات القرار الإداري السلبي
الفقرة الأولى: تضارب موقف الاجتهاد القضائي المغربي
الفقرة الثانية: إشكالية وقف تنفيذ القرار الإداري السلبي
  المطلب الأول: الإطار النظري للقرار الإداري السلبي
    يعتبر تحديد مفهوم القرار الإداري السلبي امرأ في غاية الأهمية ، سيما في ظل الغموض النسبي الذي يكتنف هذا القرار، ولقد تعددت الأسباب التي أدت إلى نشأة هذا القرار ومن جملتها انه لا احد يريد أن يقوم بواجبه الكثير منهم يعتقدون أن القيام بالواجب مخاطرة غير مأمونة العواقب. 
والجدير بالذكر أن القرار الإداري السلبي ذو نشأة فرنسية إذ اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي سكوت الإدارة عن اتخاذ قرار خلال فترة معينة ينشا قرار إداري بالرفض، وهذا المبدأ لا يمكن أن يتقرر إلا بنص تشريعي، وانتقلت هذه الفكرة بعد ذلك إلى العالم العربي ممثلا في القضاء المصري والكويتي والسعودي والأردني. 
  كما أن القرار الإداري السلبي يعد من أهم المواضيع التي كان للفقه والقضاء الإداريين دور هام في ضبطها وتنظيمها، وسنتناول في هذا المطلب تعريف القرار الإداري السلبي (الفقرة الأولى) وتمييزه عن القرار الإداري الضمني وتبيان خصائصه (الفقرة الثانية).
                              الفقرة الأولى: مفهوم القرار الإداري السلبي
لقد تعددت تعاريف الفقه والقضاء للقرار الإداري السلبي، فجانب من الفقه يعرفه بأنه تعبير عن موقف سلبي للإدارة ، فهي لا تعلن عن إرادتها للسير في اتجاه أو آخر بالنسبة لموضوع الأمر الواجب عليها اتخاذ موقف بشأنه وان كانت في ذات الوقت تعلن عن إرادتها الصريحة في الامتناع عن إصدار قرار كان يتعين عليها إصداره.  
ويعرفه البعض الآخر بأنه”رفض الإدارة أو امتناعها عن اتخاذ تصرف كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح، أو سكوتها عن الرد على التظلم المقدم إليها وذلك كله خلال مدة معينة يحددها القانون”. 
   كما يعرفه بعض فقهاء القانون الإداري على انه”امتناع الإدارة عن إصدار القرارات الواجب عليها إصدارها طبقا للقانون، أي ألا يكون إصدارها من ملاءمات الإدارة”. 
وعرفه بعض الفقه على انه “امتناع الجهة الإدارية عن الرد على طلبات الأفراد وتظلماتهم، فهو موقف سلبي تتخذه الإدارة عن الرد على الطلبات المقدمة إليها لا بالقبول ولا بالنفي”.  
في حين يعرفه جانب آخر من الفقه على انه”رفض أو امتناع شخص القانون العام عن إصدار قرار كان من الواجب عليه إصداره بالمخالفة لأحد مصادر المشروعية الإدارية مكتوبة أو غير مكتوبة.” 
ومجمل القول انه رغم اختلاف التعاريف الفقهية في تحديد مفهوم القرار الإداري السلبي ، لكنها أجمعت على موقف واحد وهو انه”تعبير عن رفض الإدارة أو امتناعها عن اتخاذ تصرف كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح أو سكوتها عن الرد على التظلم المقدم إليها وذلك خلال مدة معينة يحددها القانون”. 
   كما أن القضاء الإداري لم يغفل بدوره تعريف القرار الإداري السلبي، فلقد نصت بشكل صريح الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة المصري على انه”…ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح.”
   وقد عرفه القضاء المصري على “أن القرار الإداري السلبي يتحقق عندما ترفض الجهة الإدارية أو تمتنع عن اتخاذ إجراءات كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون، فإذا لم يكن إصدار مثل هذا القرار واجبا فان امتناعها عن إصداره لا يشكل قرارا سلبيا مما يقبل الطعن فيه بالإلغاء.  
كما عرفه مجلس الدولة الفرنسي “بان القرار الإداري السلبي ، يتحقق عند سكوت الإدارة عن اتخاذ القرار الواجب عليها اتخاذه ، وهو ما يؤدي إلى ولادة قرار إداري بالرفض، وهذا القرار يجوز الطعن فيه أمام القضاء الإداري.  
   أما بخصوص الفقه الإداري المغربي نجد غياب تعريف دقيق للقرار الإداري السلبي، في حين أن القضاء الإداري المغربي بفضل اجتهاداته القضائية استطاع إيجاد تعريف لهذا النوع من القرارات الإدارية وقد عرفته المحكمة الإدارية باكادير بموجب حكمها،  بان القرار الإداري السلبي هو القرار الذي لا يصدر بالإفصاح الصريح عن إرادة الإدارة بإنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهائه ، بل تتخذ الإدارة موقفا سلبيا من التصرف في أمر كان من الواجب عليها أن تتخذ قرارا فيه طبقا للقانون ، فسكوت الإدارة عن الإفصاح عن إرادتها بشكل صريح يعد بمثابة قرار سلبي بالامتناع ، ليس له وجود مادي إذ انه يتجسد في هيئة خارجية مما يتعارض ما أثير بالمأخذ…”.
   والجدير بالذكر أن المشرع المغربي قد نص في القانون رقم 19-55 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية بتاريخ 06 مارس 2020 إلى آليات وطرق الطعن الإداري في القرارات الإدارية السلبية الناتجة عن تأخر الإدارة في الرد على الطلبات المتعلقة بهذا النوع من القرارات ، مع إلزام الإدارة بالرد على طلبات المرتفقين في آجال محددة سلفا.  
وترتيبا على ما سبق بيانه بتفصيل، فان المشرع لم يستعمل مصطلح القرار الإداري السلبي، وإنما يرجع الفضل للفقه الإداري الذي جاء بهذه التسمية ، ويرجع سبب ذلك إلى أن الفقه بعد أن حلل هذا النوع من القرارات ، وجد انه سلبي في مظهره ، وسلبيnégative في مضمونه،  وبالتالي فان القرار الإداري السلبي ، سواء كان فرديا أو تنظيميا ، يتحقق عندما تمتنع الإدارة عن اتخاذ إجراء كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون، أما إذا لم يكن صدور القرار واجبا عليها ، فان امتناعها لا يشكل قرارا سلبيا موجبا للطعن. 
  وبالتالي فان القرار الإداري السلبي هو صورة من صور القرارات الإدارية يعرف بالامتناع عن التصرف عند وجود التزام قانوني، ورغم كونه غير صريح ، إلا انه يعد  قانونيا كقرار إداري يمكن الطعن فيه أمام القضاء الإداري لضمان حماية حقوق الأفراد والمراكز القانونية.
                  الفقرة الثانية: خصائص ومميزات القرار الإداري السلبي
                                        1) الخصائص:
     إن القرار الإداري السلبي هو رفض السلطة الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من المفروض عليها اتخاذه وفقا للقواعد القانونية المعمول بها في النظام القانوني للدولة ، وبالتالي فان القرار الإداري السلبي يمثل حالة مستمرة ، فالسلطة الإدارية تبقى ممتنعة عن إصدار القرار الواجب عليها إصداره، واعتبارا لكون هذا القرار له طابع سلبي ، فانه يبقى غير خاضع للتسبيب ولا للنشر.
– القرار الإداري قرار مستمر: تقسم القرارات الإدارية من حيث تنفيذها إلى قرارات ذات اثر حال ومباشر وقرارات مستمرة التنفيذ،  ومعظم القرارات الإدارية هي من النوع الأول ذات اثر حال ومباشر، وهو ما يعني أنها تستنفذ مضمونها بمجرد تنفيذها، فهي تنتج آثارها مباشرة فور صدورها ولا يستغرق تنفيذها مدة طويلة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر أن القرار الصادر بترقية موظف ينتهي مضمونه بتغيير المركز القانوني لهذا الموظف بما تضمنه من تقدمه على غيره من العاملين معه في الدرجة الوظيفية، والقرار الصادر بهدم عقار آيل للسقوط ينتهي أثره بمجرد هدم هذا العقار.
والقرار السلبي قرار مستمر بطبيعته ، فهناك قرار سلبي بالامتناع أو قرار سلبي بالرفض، وهو مستمر طالما أن الإدارة مستمرة في الامتناع عن تطبيق حكم القانون. 
ويعزى أساس اعتبار القرار الإداري السلبي من القرارات المستمرة ، هو أن المعني بالأمر يستمد حقه في إصدار القرار من القانون مباشرة، وبالتالي فالامتناع أو الرفض المنسوب للإدارة يعتبر قائما ومستمرا بمجرد عدم الرد على الطلب خلال فترة معقولة،  طالما أن الرفض أو الامتناع مستمرا. 
– القرار الإداري السلبي غير قابل للتسبيب: الأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها الإدارية إلا إذا اوجب عليها المشرع ذلك قانونا، وفي هذه الحالة يعتبر عدم التسبيب أو التعليل عيبا في القرار الإداري السلبي ، وتسبيب القرارات الإدارية يحقق فوائد متعددة ، سواء بالنسبة للإدارة أو صاحب الشأن أو القاضي الإداري،  ومما ينبغي التأكيد عليه أن القرارات الإدارية السلبية لا تخضع لهذه القاعدة، لكونها قرارات غير مكتوبة فهو غير مسبب بحكم طبيعته، ولكن هذا لا يعني عدم وجود ركن السبب في القرار الإداري السلبي أن القضاء لا يراقب مدى وجوده.  
– القرار الإداري السلبي غير قابل للإشهار والنشر: من المعلوم أن القاعدة العامة المتبعة هي أن القرارات الإدارية لا يمكن الاحتجاج بها في مواجهة الأفراد إلا إذا علموا به بإحدى وسائل العلم المقررة قانونا، وهي النشر أو الإعلان اليقيني، ويترتب على ذلك أن القرار الإداري لا يكون نافذا في مواجهة الأفراد المخاطبين بأحكامه إلا من تاريخ علمهم به سواء أكان علما يقينيا أو كان علما افتراضيا أو ظنيا بواسطة النشر في الجريدة الرسمية وذلك حسب طبيعة القرار الإداري فرديا كان أم تنظيميا. 
ومجمل القول أن القرار الإداري السلبي يقوم على محض افتراض من المشرع ، مما يترتب عنه عدم قابليته للشهر أو أن يكون موضوعا للعلانية ، وعليه فان ميعاد الطعن في القرارات السلبية يظل ساريا إلى أن تأخذ طريقها للتنفيذ الفعلي، فيبدأ الميعاد من تاريخ التنفيذ.  
– عدم قابلية القرار السلبي للاقتران بأجل أو معلق على شرط: من المقرر أن القرار الإداري يعتبر نافذا من تاريخ صدوره،إلا أن الفقه والقضاء استقر على المبدأ العام القاضي بجواز تعليق القرار الإداري على شرط أو اقترانه بأجل معين،  وإذا كان هذا ينطبق على القرار الإداري الصريح، فان القرار الإداري السلبي بحكم طبيعته لا يقبل التعليق على شرط أو الاقتران بأجل ، لأنه ليس له وجود مادي، إذ يتمثل في اتخاذ جهة الإدارة موقفا سلبيا بعدم إصدار قرار ما في حالة كان يجب عليها إصدار هذا القرار ، سواء بالقبول أو الرفض. 
                2) تمييز القرار الإداري السلبي عن القرار الإداري الضمني:
يعتبر القرار الإداري أهم الوسائل التي تعتمدها الإدارة في ممارسة نشاطها ويتميز بأشكال متعددة ومن ابرز أنواع القرارات الإدارية التي تشكل تحديا قانونيا، القرارين الإداريين السلبي والضمني ويعتبر فهم الفرق بين هذين النوعين أمرا أساسيا لتحديد الإجراءات القانونية المناسبة في المنازعات الإدارية، ويكمن وجه الشبه بين القرار الإداري الضمني والقرار الإداري السلبي في كون جهة الإدارة في كل من القرارين التزمت الصمت ولم تعبر عن إرادتها بشكل واضح معلن أو خارجي ، إلا أن القرار الضمني يستنتج من خلال ظروف وملابسات وقرائن تدل على موقف ضمني من جانب الإدارة.
ويرى فقهاء القانون الإداري آن ضابط التمييز بين القرارين السلبي والضمني هو السلطة الممنوحة لجهة الإدارة ، فإذا كان نص القانون يقيد إرادتها ويلزمها باتخاذ القرار،وكانت سلطتها مقيدة والتزمت الصمت جاز تحميلها المسؤولية، إما بالطريقة الإدارية أو القضائية، أما إذا كانت سلطتها تقديرية والتزمت الصمت كنا أمام قرار ضمني دلت عليه الملابسات والقرائن.  
ومن ابرز النتائج المترتبة عن التفرقة بين القرارات الإدارية السلبية والضمنية تتجلى ميعاد الطعن القضائي بالإلغاء في كل منهما ، فالقرار الإداري الضمني يتعين الطعن فيه داخل اجل الستين يوما من تاريخ انتهاء الفترة التي يعتبر القانون بمرورها القرار قائما،بينما القرار السلبي فلا يتقيد بميعاد الطعن السالف الذكر،على اعتبار أن القرار الإداري السلبي هو قرار مستمر يتجدد من وقت لآخر على الدوام،مادامت حالة الرفض قائمة لدى الإدارة، وبالتالي فان ميعاد الطعن يظل مفتوحا طالما أن حالة الرفض أو الامتناع قائمة، وفي هذا الإطار قضت المحكمة الإدارية العليا بان:” امتناع جهة الإدارة أو رفضها أو تقاعسها – وهي حالة مستمرة- يشكل قرارا سلبيا بالامتناع عن تطبيق حكم  القانون وهو ما يجوز الطعن فيه في أي وقت ما دامت حالة الامتناع قائمة.   
  ومجمل القول أن القرار الإداري السلبي يعبر عن موقف الإدارة بالامتناع عن أداء ما يفرضه عليها القانون، ويتميز عن القرار الإداري الضمني بغياب التصرف الايجابي أو الافتراضي، وان كلا القرارين معا يعكس دور القضاء الإداري في حماية الحقوق من قرارات الإدارة سواء أكانت صريحة أو ضمنية أو سلبية.
                     المطلب الثاني: تطبيقات منازعات القرار الإداري السلبي
إن القرار الإداري السلبي في النهاية هو قرار إداري يخضع للنظرية العامة للقرارات الإدارية ، الأمر الذي من شانه أن تطبق عليه قواعد الطعن على القرارات الإدارية، فحين يصيب القرار الإداري السلبي عيبا في أركانه أو شروط صحته فانه يكون باطلا وموجبا للإلغاء.
لكن القضاء الإداري المغربي بمختلف درجاته اظهر تضاربا ملحوظا في معالجة الطعون المتعلقة بالقرارات الإدارية السلبية، ويتمحور هذا التضارب حول التعريف القانوني للقرار الإداري السلبي ومدى إلزامية إلغائه وآثاره بعد صدور الحكم ، فبعض التطبيقات القضائية ذات التوجه التقليدي المحافظ تكتفي بإلغاء القرار الإداري السلبي دون إلزام الإدارة بالقيام بالفعل المطلوب، مع اعتبار أن تدخل القضاء يتوقف عند الإلغاء ، تاركا للإدارة مسؤولية التنفيذ،، بينما على النقيض من ذلك هناك أحكام قضائية أخرى ذات توجه تدخلي تلزم الإدارة باتخاذ القرار المطلوب خصوصا إذا كان الامتناع يشكل انتهاكا للحقوق القانونية ، مثل رفض تقديم خدمات أساسية أو الامتناع عن إصدار تراخيص رغم توافر الشروط القانونية.
ولمعالجة الإشكال المطروح هو كيف تعامل القضاء الإداري المغربي مع هذا النوع من القرارات، وسنقسم هذا المطلب إلى فقرتين (الفقرة الأولى) تضارب موقف الاجتهاد القضائي المغربي، و(الفقرة الثانية) إشكالية وقف تنفيذ القرار الإداري السلبي.
                      الفقرة الأولى:تضارب موقف الاجتهاد القضائي المغربي
    إن القرارات الإدارية السلبية تعد موضوعا معقدا ومحل جدل فقهي وقضائي ، حيث تنشا إشكالات كبيرة في تعريفها وفي كيفية التعامل معها أمام المحاكم الإدارية، وهذا النوع من القرارات يتعلق بعدم اتخاذ الإدارة قرارا كان يتوجب عليها اتخاذه بموجب القانون، مما يدفع المتضررين للطعن فيه باعتباره قرارا سلبيا،ومع ذلك يظل هذا النوع من القرارات موضوع تناقض وتضارب في الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن القضاء الإداري المغربي، ومن بين التطبيقات القضائية نورد بعض الأحكام والقرارات القضائية المتناقضة في هذا المجال على سبيل المثال لا الحصر.
    حيث ذهبت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قرارها،  الذي جاء في حيثياته ما يلي:
” القرار الإداري السلبي هو القرار الذي لا يتضمن القيام بأي إجراء تنفيذي فهو ينفذ بنفسه وينتج آثاره عند صدوره في الحال،وهو بذلك لا يتقيد بأجل الستين يوما للطعن بالإلغاء على اعتبار انه قرار مستمر في آثاره، وان الطعن فيه يظل مفتوحا طالما تستمر حالة الامتناع من جانب الإدارة المصدرة له سواء كان قرارا صريحا أو قرارا ضمنيا بالرفض.
إن القرار الضمني الصادر عن المحافظ على الأملاك العقارية برفض إفراز حصة الطاعن وإخراجه من الشياع استنادا إلى حكم نهائي يقضي بذلك ، يجعل هذا الرفض مستمرا في آثاره مما يظل الطعن فيه بالإلغاء مفتوحا وغير مقيد بأجل 60 يوما المحدد لدعوى الإلغاء…” .
كما ذهبت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش في قرار  آخر ما يلي: 
“…حيث إن القرار الإداري السلبي هو الذي لا يتضمن القيام بأي إجراء تنفيذي على اعتبار انه ينفذ بذاته وينتج أثره القانوني عند صدوره في الحال ولا يتقيد بأجل الستين يوما للطعن بالإلغاء لكونه قرار مستمر في إنتاج آثاره التي تبقى مسترسلة في الزمان…الطعن فيه يظل مفتوحا طالما استمرت حالة الامتناع من جانب الإدارة المصدرة له…”
وجاء في حكم المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها،   الذي جاء في حيثياته ما يلي:
“…حيث إن القرار الإداري السلبي هو القرار الذي لا يتضمن القيام بأي إجراء تنفيذي، فهو ينفذ بنفسه وينتج آثاره عند صدوره في الحال، وهو بذلك لا يتقيد بأجل الستين يوما للطعن فيه بالإلغاء، على اعتبار انه قرار مستمر في آثاره، وان الطعن فيه يظل مفتوحا طالما تستمر حالة الامتناع من جانب الإدارة المصدرة له سواء كان قرارا صريحا أو قرارا ضمنيا بالرفض،…وان القرار الضمني الصادر عن وزير العدل برفض إرجاع الطاعن لخطة العدالة يجعل هذا الرفض مستمرا في آثاره، مما يظل الطعن فيه بالإلغاء مفتوحا وغير مقيد بأجل 60 يوما المحدد لدعوى الإلغاء، …وان وضعية التخلي المؤقت تمنح العدل حق الرجوع للمهنة في أي وقت متى ارتفع المانع القانوني المبرر لذلك ، ورفض الإدارة الاستجابة لطلب الرجوع لخطة العدالة بدعوى عدم وجود منصب غير مؤسس، لان الأمر يتعلق بمهنة حرة ، وليس بمنصب وظيفي ، مما يكون معه القرار المطعون فيه مشوب بالتجاوز في استعمال السلطة وحليفه الإلغاء، مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية…”.
وفي نفس السياق ذهبت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قرارها   الذي جاء في حيثياته ما يلي:
“…رسالة عامل العمالة الموجهة للمطلوب في النقض المتضمنة لجواب وموقف الإدارة السلبي من طلبه بخصوص استرجاع رخصة النقل ، يشكل قرارا إداريا مؤثرا في المركز القانوني للمطلوب ، والمحكمة لما اعتبرت أن الأمر يتعلق بقرار قابل للطعن فيه بالإلغاء لاستجماع كافة الشروط ومقومات القرار الإداري لصدوره عن سلطة إدارية مختصة باتخاذه ولكونه ذي صبغة تنفيذية ونهائية ومؤثر في المركز القانوني للمعني بالأمر ، ولم تخرق القانون…”.
 كما نحت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض نفس المنحى وجاء في حيثيات قرارها   ما يلي: 
“…لكن ، حيث إن الأمر بالنازلة يتعلق بطلب إلغاء قرارين إداريين صادرين عن الجماعة الترابية أولاد تايمة بالترخيص بالاحتلال المؤقت بجانب وفوق جزء من عقارات مملوكة للمطلوب في النقض ترتب عنه احتلال وعرقلة الولوج إلى العقارات المذكورة، وان عدم رد الجماعة المعنية على التظلم الذي رفعه الطاعن إليها بتاريخ 04/12/2015، قد ترتب عنه قرارين سلبيين مستمرين يتجددان من وقت لآخر، ويمكن الطعن فيهما في أي وقت دون التقيد بأجل الطعن بالإلغاء، والمحكمة لما اعتبرت الطلب مقبولا لم تخرق المقتضى القانوني المحتج به في شئ، وما بالفرع من الوسيلة على غير أساس.”
وفي نفس التوجه ذهبت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قرارها   الذي جاء في حيثياته ما يلي: 
“…حيث إن المحكمة لما أيدت الحكم المستأنف تكون قد تبنت تعليلاته التي جاء فيها أن الدعوى ترمي إلى إلغاء القرار السلبي الضمني الصادر عن رئيس الجماعة المعنية برفض إتمام تفويت قطعتين أرضيتين لفائدة المدعية، معتبرة قرار الإدارة السلبي قرار مستمر يجوز الطعن فيه في أي وقت ودون التقيد بأجل دعوى الإلغاء ، وان رفض الجماعة المطعون ضدها إتمام إجراءات التفويت لفائدة الشركة المذكورة دون أن تجعل لرفضها سببا مقبولا من القانون والواقع يجعله مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة ، تكون قد أسست قضاءها على سند من الواقع و القانون وعللت قرارها تعليلا كافيا وسليما…”. 
    وفي قرار مخالف للتوجه السابق ذهبت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قرارها،   الذي جاء في حيثياته ما يلي:
“… حيث أن الطاعن – المستأنف عليه- إذا كان قد استصدر عن طريق المحضر المنجز بتاريخ 30/10/2015 قرارا بالرفض من خلال ما عبر عنه مندوب وزارة الصيد البحري بالناظورمن رفض لطلبه الرامي إلى إعادة بناء مركب الصيد الذي يملكه ، فقد كان يتعين عليه اللجوء إلى جهة القضاء الإداري المختص داخل اجل 60 يوما الموالية لهذا التاريخ ، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 23 من قانون 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية …، وهو الأمر الذي لم يتحقق في نازلة الحال لكونه لم يعمل على رفع طلبه إلا بتاريخ 04/03/2016، وانه لا مجال للتمسك بكون الأمر يتعلق بقرار مستمر، لان ذلك يقتضي تجديد الطلب والتقيد في ذلك بالآجال  المنصوص عليها قانونا ، والمحكمة عندما قضت بخلاف ذلك فإنها لم تجعل لحكمها المستأنف أساس من القانون، الأمر الذي قررت معه المحكمة التصريح بإلغائه والحكم تصديا بعدم قبول الطعن…”
   ونفس التوجه تبنته الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قرارها،  حيث انه من المبادئ التي ارتكزت عليها في تعليل قرارها، هوانه قد اعتبرت أن سكوت الإدارة يمكن أن يفسر كرفض ضمني ، لكنه لا يعد بالضرورة قرارا غير مشروع إلا إذا ثبت بشكل واضح أن هذا السكوت يتعارض مع نص قانوني صريح أو يخرق حقا مكتسبا ،كما اعتبرت أن القضاء لا يمكن أن يلزم الإدارة بالرد في جميع الأحوال خصوصا إذا كانت هناك سلطة تقديرية واسعة تمنح للإدارة الحق في اتخاذ القرار أو الامتناع عنه، وان للإدارة سلطة تقديرية لا يمكن للقضاء التدخل فيها إلا إذا كان الامتناع مشوبا بعيب تجاوز السلطة.
كما أن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض ذهبت إلى أن القرارات الضمنية تخضع للأجل المنصوص عليه في المادة 23 من القانون رقم 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية وذلك بموجب قرارها،  الذي جاء في حيثياته ما يلي:
“…لكن حيث إن المحكمة باطلاعها على معطيات النازلة وكذا وثائق الملف ومستنداته، تبين لها أن الطاعنة (المستأنف عليها) لما كانت تستهدف من طعنها الحكم  بإلغاء قرار الرفض الضمني الصادر عن رئيس الجماعة الحضرية للدار البيضاء، والذي بمقتضاه رفض منحها رخصة بناء العقارات المملوكة لها، وهو القرار الضمني الذي نشا في ضوء الطلب الذي سبق لها أن تقدمت به أمام دار الخدمات بتاريخ 01/04/2013، واعتبرت انه كان يتعين عليها وطبقا للمادة 23 من قانون 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية تقديم طعنها داخل اجل 60 يوما الموالي للأجل المحدد لأجل الطعن بالإلغاء ، وأنها لما لم تعمل على رفع طعنها إلا بتاريخ 14/07/2014- أي خارج الآجال القانونية- فيبقى الطعن المذكور غير مقبول باعتبار أن هذه الآجال من النظام العام يمكنها إثارته تلقائيا ولو لم يثره الأطراف، ورتبت عن ذلك إلغاءها للحكم المستأنف الذي قضى بخلاف ذلك وجاء قرارها مبنيا على أساس صحيح من القانون ، وما أثير بالوسيلة على غير أساس.” 
وجاء في حيثيات قرار  آخر للغرفة الإدارية بمحكمة النقض ما يلي:
“…لكن حيث إن محكمة الاستئناف لما استندت فيما انتهت إليه إلى مقتضيات الفقرة الخامسة من المادة 23 من القانون رقم 90-41 المحدث بموجبه محاكم إدارية التي نصت على انه” إذا التزمت الإدارة الصمت طوال ستين يوما في شان طلب قد إليها اعتبر سكوتها عنه ما لم ينص قانون على خلاف ذلك بمثابة رفض له”، وتبين لها من معطيات المنازعة ووثائق الملف أن المستأنف عليه قد تقدم بتاريخ 17/11/2018 بطلب تجديد رخصتي MEP  وSEP  إلى السلطة الإدارية المختصة ولم يتلق أي جواب بشأنه ، وان المستأنفة ولئن تمسكت في سائر مراحل التقاضي بأنها لم تبت سلبا أو إيجابا في طلبه، وان طلبه لازال في طور تحقيق عناصر البت فيه ، أو أنها راسلت الجهة المختصة لفحص مؤهلاته المهنية من اجل تعيين ممتحن له لهذه الغاية  تمهيدا لاتخاذ القرار النهائي ، واعتبرت أن سكوت الإدارة عن الجواب على الطلب المذكور- الالتزام بتطبيق القرار الوزاري عدد 3163 ملحقه التقني الذي يحدد كيفية تجديد القيادة MEP و SEP وإصدار قرار بتجديد الترخيص أو إحالة الطاعن على مركز تكوين معين – يعتبر بمثابة قرار ضمني برفض طلب تجديد الترخيص ، وأيدت الحكم المستأنف فيما قضى به، تكون قد بنت قضاءها على أساس من القانون وعللت قرارها تعليلا سائغا، وما ورد بالقرار المطعون فيه من تعليل بكون القرار الإداري المطعون فيه هو قرار سلبي مستمر لا يخضع لأجل الطعن يبقى علة زائدة يستقيم القرار بدونها ، وما بالوسيلة على غير أساس.”
ومن خلال استعراض بعض التطبيقات القضائية لمنازعات القرار الإداري السلبي يتضح أن الاجتهاد القضائي  المغربي يعرف تضاربا في اجتهاداته القضائية،ومن ابرز الإشكالات والتناقضات في الأحكام و القرارات القضائية تباين تعريف القرار الإداري السلبي، فبعضها تعتبر القرار الإداري السلبي رفضا ضمنيا للطلب المقدم من طرف المعني بالأمر، بينما تذهب بعضها في اتجاه اعتبار القرار الإداري السلبي مجرد امتناع عن إصدار قرار إداري ملزم ، وهذه التناقضات تؤدي إلى نتائج قانونية مختلفة فيما يتعلق بالطعن ومدى مشروعية القرار الإداري السلبي، ويعزى هذا التباين والتضارب إلى غياب نصوص قانونية واضحة تنظم كيفية الطعن في القرارات الإدارية السلبية بالمغرب
                   الفقرة الثانية: إشكالية وقف تنفيذ القرار الإداري السلبي
استقر القضاء الإداري الفرنسي على عدم جواز وقف تنفيذ قرارات الرفض كقاعدة عامة، إلا إذا كان بقاء هذه القرارات متضمنا تغييرا في مركز قانوني، أو واقعي سابق لصدورها.
إن مجلس الدولة الفرنسي ومن خلال قراره الشهير”Amoros” الصادر بتاريخ 23 يناير 1970  يكون قد حدد بصريح اللفظ والعبارة ضوابط وقف تنفيذ القرارات الإدارية السلبية، وتتمثل وقائع القضية في رفض السلطات المختصة إجراء الترتيب والتصنيف اللازمين للتعيين في وظائف أطباء ، بعد أن اجتاز المرشحون لها اختباراتها ، كما رفضت إبلاغهم بتقديراتهم في هذه الاختبارات والتي على أساسها يجب أن يتم ترتيبهم وأولوياتهم في التعيين حسب عدد الوظائف الشاغرة، فقام الطلبة المعنيين ، بالطعن في القرار المذكور، وطلب وقف تنفيذه أمام محكمة مرسيليا، والتي حكمت بالوقف ، مما جعل وزير الدولة في الشؤون الاجتماعية يطعن بالاستئناف ضد الحكم المذكور القاضي بوقف التنفيذ أمام مجلس الدولة ، الذي حدد وضع القرارات الإدارية السلبية من وقف القرارات الإدارية،ووضع المبادئ الخاصة بالقرارات السلبية بعدما قبل استئناف الوزير، وبالتالي رفض طلب الوقف، فقرر المجلس انه لا يستطيع القاضي الأمر بوقف تنفيذ القرارات الإدارية إلا إذا تعلق الأمر بقرار تنفيذي ، وذلك تبعا لعدم استطاعته توجيه أوامر للإدارة، على أن الحالة الوحيدة التي يمكن فيها وقف تنفيذ قرار سلبي، هي عندما يترتب على تنفيذ القرار تغييرا في المراكز الواقعية والقانونية السابقة على إصدار هذه القرارات. 
وترتكز المبادئ التي انتهى إليها مجلس الدولة الفرنسي على ثلاثة اعتبارات، واقعية تتجلى في كون القرار الإداري السلبي ينفذ بمجرد صدوره وينتج آثاره عند صدوره في الحال،  ودون أي مظاهر خارجية، وقانونية تتمثل في عدم توجيه أوامر للإدارة، واعتبارات الملاءمة وهي أن السلطة الإدارية هي وحدها التي تستطيع تقدير ملاءمة أعمالها، ومدى تناسب ترتيب الحقوق ومنح الرخص والمزايا المختلفة لأصحاب الشأن وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، لذلك يجب ألا تشل الإدارة عن القيام بمهامها عن طريق وقف تنفيذ القرارات التي تصدرها. 
أما بالنسبة للوضع في مصر ودول المشرق العربي فانه يختلف عن الوضع فرنسا بالنسبة لطلب وقف تنفيذ القرارات الإدارية السلبية، فقد أجاز الفقه والقضاء المصري وقف تنفيذ القرارات الإدارية ولم يميز بين القرارات الإدارية الايجابية والسلبية،   وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا المصرية صراحة جواز وقف تنفيذ القرارات الإدارية السلبية على أساس أن إقرار الامتناع يشكل قرارا سلبيا ، فقد قضت”بان رقابة المشروعية التي يتولاها القضاء الإداري تستهدف مراجعة قرارات الإدارة وتصرفها الايجابي والسلبي ووزنه بميزان المشروعية وسيادة القانون ووقف تنفيذ أو إلغاء ما تبين خروجه من قرارات الإدارة وتصرفاتها عن ذلك… إعلاء للمشروعية وسيادة القانون”. 
أما بالنسبة للقضاء الفرنسي فقد شهد تحولا ملحوظا وتراجعا عن موقفه السابق فيما يخص وقف تنفيذ القرارات السلبية عندما صدر التقنين الجديد  بالقانون رقم 597 لسنة 2000 في 30 يونيو 2000، والذي ابتدأ العمل به من أول يناير 2001 حيث أجاز طلب وقف تنفيذ قرارات الرفض أو القرارات السلبية وفقا لنص المادة 1-521 منه ، ويقول الفقيه الفرنسي” Hugues LE BERRE ” إن قانون 30 يونيو 2000 جاء بجديد مهم يخص وقف تنفيذ قرارات الرفض، ليزيح الحل القضائي ، الذي جاء به مجلس الدولة من خلال قضاء”Amoros” والذي كرس فكرة عدم جواز وقف تنفيذ القرارات السلبية ، ما عدا تلك التي دوامها يحدث تغييرا في المراكز القانونية .
    وبالتالي فان القضاء الفرنسي وان كان يعترف بإمكانية وقف تنفيذ القرارات الإدارية السلبية بموجب القانون السالف الذكر، لكنه يضع معايير صارمة لتحقيق ذلك، حيث يتطلب الأمر أن يثبت الطاعن أن القرار الإداري السلبي ينطوي على انتهاك خطير لحقوقه أو يلحق به ضررا جسيما. 
أما بالنسبة للوضع في المغرب فان القضاء الإداري بمختلف درجاته وبشكل عام، ظل حبيس النظرة التقليدية لقضاء مجلس الدولة الفرنسي في هذا المضمار، وهذا التوجه كرسته محكمة النقض بشكل متواتر في العديد من قراراتها ، فقد ذهبت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا(محكمة النقض حاليا) في قرارها   الذي جاء في حيثياته ما يلي:
“…إن القرارات السلبية الصادرة عن الإدارة وان كانت قرارات قابلة للطعن بالإلغاء، إلا أنها لا تعتبر قرارات تنفيذية ، وبالتالي لا يمكن طلب إيقاف تنفيذها…”.
وفي نفس التوجه ذهبت المحكمة الإدارية بوجدة في حكمها    الذي جاء في حيثياته ما يلي:
“…لا يوقف تنفيذ القرار الإداري إلا إذا كان من زمرة القرارات الإدارية الايجابية التي تكتسي صبغة تنفيذية والمستجمعة لشروط ومقومات القرار الإداري وان تتوفر فيها حالة الاستعجال بمفهوم القرار الذي يصعب تداركه أو تقويم نتائجه بعد التنفيذ وان تتوافر فيها ركن جدية السبب بمفهوم رجحان إلغائها موضوعا،هذا علاوة على شرط  عدم تمام تنفيذها، وهذا ما تواتر عليه اجتهاد المجلس الأعلى من خلال قراراته منها القرار عدد 228 الصادر بتاريخ 25/07/1991 الذي اعتبر أن من شان إيقاف تنفيذ قرار سلبي تخويل الطاعن الحق الذي رفضت الإدارة منحه إياه وحلول القاضي محل الإدارة في ذلك”.
 كما ذهبت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (سابقا) في قرارها   الذي جاء في حيثياته ما يلي:
“…حيث إن طلب إيقاف التنفيذ ضد القرار الإداري لا يمكن أن يقدم ضد القرارات السلبية، وان قرار تجديد الإقامة يعتبر قرارا سلبيا غير قابل لإيقاف التنفيذ…”.
    ومجمل القول انه باستقراء الأحكام والقرارات السابقة فان موقف القضاء المغربي من وقف تنفيذ القرار الإداري السلبي يتسم بالحذر والتريث،نظرا لطبيعته الخاصة مقارنة بالقرارات الإدارية الايجابية،  بل يتضح بالملموس من خلال الممارسة العملية انه يتعامل مع طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية السلبية بحذر شديد ويخضعها لشروط صارمة،وبالتالي فان القاضي الإداري يتجنب عادة وقف تنفيذ القرار الإداري السلبي احتراما لمبدأ فصل السلطات وعدم تدخل القضاء في اختصاص الإدارة، مما يجعل القضاء الإداري المغربي أكثر تحفظا في الاستجابة لطلبات وقف تنفيذ هذا النوع من القرارات الإدارية.
خاتمة:
  إن القرار الإداري السلبي يعد ضمانة لحقوق الأفراد ضد ما يمكن أن تتخذه الإدارة من مواقف سلبية بشان الطلبات المقدمة إليها بقصد الإضرار بحقوق المواطنين ومصالحهم، وانه كلما تيقنت الإدارة أن هناك نصوصا قانونية واضحة ترتب على موقفها السلبي قرارا افتراضيا يترتب عن ذلك قيام مسؤوليتها عن الأضرار التي قد تلحق بالأفراد من موقفها السلبي، يجعلها أكثر حرصا على القيام بما يفرضه عليها القانون.
   كما يشكل القرار الإداري السلبي تحديا كبيرا في العلاقة بين الإدارة والمواطن، إذ يعكس امتناع الإدارة عن أداء واجبها القانوني تأثيرا مباشرا على حقوق الأفراد وحرياتهم، بينما تبرز الإشكالات النظرية المرتبطة بتعريف هذا القرار الإداري وضوابطه ، وتتجلى التحديات العملية في القضاء الإداري المغربي خاصة فيما يتعلق بالإثبات وسرعة البت في المنازعات الإدارية المعروضة عليه وتنفيذ الأحكام القضائية. 
  وللتغلب على هذه الصعوبات والإشكالات التي تعتري القرار الإداري السلبي، ينبغي على المشرع المغربي أن يفكر أكثر من أي وقت مضى في تطوير الإطار القانوني لتعزيز وضوح مفهوم القرار الإداري السلبي وضوابطه، مع تحديد الحالات التي يعتبر فيها الامتناع أو السكوت بمثابة قرار إداري سلبي لتجنب الالتباس،إلى جانب تكثيف الوعي القانوني لدى المواطنين، فضلا عن ذلك ينبغي على القضاء الإداري المغربي تبني تفسير موسع للقرار الإداري السلبي بما يحمي حقوق الأفراد والجماعات وتوحيد اجتهاداته لتحقيق الأمن القضائي وتبسيط المساطر القضائية، ناهيك على انه يجب على الإدارة المغربية  تعزيز آليات الرقابة الداخلية وضمان تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها، للوصول إلى الهدف المنشود وهو تحقيق توازن عادل بين حماية الأفراد وضمان استمرارية المرفق العام بكفاءة وشفافية.  
                                            قائمة المراجع المعتمدة: 
الكتب:  
– سعد الشتيوي العنزي، الرقابة القضائية على القرار الإداري السلبي، مجلة الحقوق ، الكويت ، السنة الرابعة  والثلاثون ، العدد الأول ، مارس 2010.
– حمدي ياسين عكاشة ، القرار الإداري ،منشاة المعارف، الإسكندرية ، سنة 1987.
– عادل الطبطبائي، نشأة القرار الإداري السلبي وخصائصه القانونية ، مجلة العلوم الإدارية ، القاهرة ، السنة السادسة والثلاثون ، العدد الأول ، يونيو 1994.
– خالد الزبيدي، القرار الإداري السلبي في الفقه والقضاء الإداري ، دراسة مقارنة ، مجلة الحقوق الكويتية ، سنة 2005.
– محمد رفعت عبد الوهاب ، أصول القضاء الإداري، دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية ،2017 .
– احمد علي إبراهيم متولى، القرارات الإدارية السلبية ، دراسة فقهية قضائية مقارنة ، دار الفكر الجامعي ، الطبعة الأولى ، سنة 2018.
– سعد الشتيوي العنزي، “الرقابة القضائية على القرار السلبي”، بمجلة القضاء الإداري ، العدد الأول ، السنة الأولى ، صيف 2012..
– العربي بخوش، “طرق الطعن الإداري في القرارات الإدارية على ضوء القانون رقم 19-55 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية”، منشور بالموقع revuealmanara.com https:// تاريخ الولوج 24/11/2024.
– رأفت فوده، عناصر وجود القرار ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1999.
– حسني دريوش عبد الحميد،نهاية القرار الإداري عن غير طريق القضاء، دراسة مقارنة ، طبعة دار المعارف ، نشر دار الفكر العربي ،2008.
– شعبان عبد الحكيم سلامة ، القرار الإداري السلبي  دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي ، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية ، 2011 .
– عليوة مصطفى فتح الباب، القرار الإداري الباطل والمعدوم، دار النهضة العربية ، القاهرة ، سنة 1997.
– محمد فؤاد عبد الباسط، القرار الإداري ، دار الفكر الجامعي ، الإسكندرية ، سنة 2000.
– سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية،  دراسة مقارنة، دار الفكر العربي ، القاهرة ، الطبعة السادسة ،سنة 1991.
– محمد عمر الجداع ،”مفهوم القرار الإداري السلبي في الفقه والقضاء”، موقع aljameai.org.ly،https:// تاريخ الولوج 23/11/2024.
– عبد الغني بسيوني عبد الله، وقف تنفيذ القرار الإداري في أحكام القضاء الإداري ،منشاة المعارف، الإسكندرية، 1990.
– عيتاوي عبد القادر،”القرار الإداري السلبي” (دراسة مقارنة) ،ص 49، الرابط https//www asjp.cerist.dz تاريخ الولوج 18/11/2024. 
– نجوى محمد مصطفى احمد، وقف القرار الإداري، دراسة مقارنة، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى ، 2018.
 الأحكام والقرارات القضائية:
– حكم المحكمة الإدارية باكادير عدد 797، بتاريخ 31/05/2016، في الملف الإداري رقم 74/7110/2016.
  – قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 703، بتاريخ 28/05/2008، في الملف الإداري عدد 171/5/2007، منشور بمجلة رسالة المحاماة عدد 32 و 33، ص.264 وما يليها.
– قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش ، عدد 364، بتاريخ،04/05/2011، في الملف الإداري رقم 5658/1/2010، منشور بمؤلف محمد بفقير ، قانون المحاكم الإدارية والعمل القضائي المغربي، مطبعة النجاح الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2016، ص.369و 370. 
– حكم المحكمة الإدارية بالرباط ، عدد 2400، في الملف الإداري عدد 74/5/2013، بتاريخ 27/06/2013، منشور بمجلة القضاء الإداري عدد 3، ص.160 وما يليها.
– قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، عدد 1114/2023، بتاريخ 26/10/2023، في الملف الإداري رقم 3233/4/1/2020، منشور بالبوابة القضائية للمملكة ،المنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض، الرابط https//juriscassation.cspj.ma  تاريخ الولوج17/11/2024.
– قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض ، عدد57/2023، بتاريخ 19/01/2023، في الملف الإداري رقم، 6029/4/1/2019، منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض ،.مرجع سابق تاريخ الولوج 17/11/2024.
 – قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عدد 585/2019، بتاريخ 25/04/2019، في الملف الإداري رقم 1735/4/1/2018، منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض ، مرجع سابق ، تاريخ الولوج،23/11/2024.
– قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، عدد 2647، بتاريخ 06/06/2017، في الملف الإداري رقم، 207/7205/2017 ، أورده الصديق بوشهاب، المستشار بالمحكمة الإدارية بمراكش في مقاله،”القرار الإداري السلبي بين غياب النص والعمل القضائي”،منشور في موقع الكتروني الرابطjuridika.ma ، تاريخ الولوج ،23/11/2024.
– قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض رقم 241، بتاريخ 15 يناير 2016.
– قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عدد 1243/1، بتاريخ ،12/10/2017، في الملف الإداري رقم 656/4/1/2017، منشور بمؤلف احمد اجعون، المستحدث في قضاء محكمة النقض في منازعات التعمير خلال السنوات 2015- 2016 -2017-2018، الطبعة الأولى 2020، مطبعة الأمنية الرباط ، ص.164.    
– قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (سابقا) عدد 608، بتاريخ 20/05/1999، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 41، ص.121.
 – حكم المحكمة الإدارية بوجدة،عدد108/2001، بتاريخ 26/04/2001، في الملف الإداري رقم 68/2001، منشور بمؤلف الحسن البوعيسي، كرونولوجيا الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية ، الطبعة الأولى 2002، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص.231.
  قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (سابقا) عدد 62، بتاريخ 15/01/2004، في الملف الإداري ،عدد3006/4/1/2003، منشور بمجلة المعيار عدد 31 ، ص.227 وما يليها .    
                                   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى