بحوث قانونية

اللجان الضريبية ودورها في حل المنازعات

                                                        

                                     تقديم

باعتبار المنازعة الجبائية منازعة مطبوعة دائما بالمواجهة بين أطرافها أي بين للإدارة  الضريبية صاحبة السيادة والسلطان في المادة الضريبية والملزم المجرد من أي امتياز أو سلطة إلا سلطة القانون .

فأمام هذه العلاقة  غير  المتكافئة بين طرفي العلاقة الضريبية كان لزاما على المشرع البحث عن وسيلة لتحقيق التوازن بين الإدارة الضريبيةو الملزم ومن بين أبرز الوسائل التي استعان بها المشرع، في هذا الإطار ثم  التنصيص على جهاز مستقل في صلب القوانين السابقة وفي مدونة الضرائب حاليا ، إنها اللجان الضريبية .

وذلك في سياق محاولة صياغة إطار جديد للعلاقة بين الإدارة والملزم مما يتوجب معه طرح تساؤلات تتعلق بهذه اللجان .

فيما يتعلق بتشكيلها واختصاصها و كذا التساؤل عن المشاكل والمعيقات التي تحد من دورها ؟ و هل كانت هذه اللجان في مستوى رهان المشرع عليها للامتصاص الجفاء الذي يطبع العلاقة بين الملزم والإدارة ؟

إجابة على هده التساؤلات سنعتمد التصميم التالي :

المبحث الأول : تشكيل اللجان الضريبية و آليات اشتغالها

المبحث الثاني : اختصاص اللجان الضريبية و تقييم عملها.

 

 

المبحث الأول : تشكيل اللجان الضريبية و آليات اشتغالها.

المطلب الأول : اللجنة المحلية لتقدير الضريبة.

حاول المشرع الضريبي من خلال اللجان المحلية لتقدير الضريبة ضمان تمثيلية للملزمين الضريبين كصوت معادل لصوت الإدارة الضريبية  في هذه اللجان وضمان حياد هذه اللجان بمناسبة نظرها في النزاع الضريبي.

 وباستقراء المادة 225 من المدونة العامة للضرائب يتضح أن هذه اللجان  تتكون من تمثيلية عادية وهي مؤلفة من[1] :

      قاضي بصفته رئيسا ؛

      ممثلا لعامل العمالة أو للإقليم ؛

      رئيس المصلحة المحلية للضرائب أو ممثله ككاتب مقرر ؛

      ممثل الخاضعين للضريبة يكون تابعا للفرع المهني للأكثر تمثيلا للنشاط الذي يزاوله الطالب .

فبالنظر لتشكيلة هذه اللجان، للملزم  ضمانتين  هامتين تحصنه من سيطرة للإدارة و تمس باستقلال المؤسسة القضائية، والضمانة الثانية لفائدة الملزم تتمثل في تمثيله أمام اللجان المحلية لتقدير الضريبة عبر الفرع المهني الأكثر تمثيلا، يعني ضمان مشاركة الملزم في صنع القرار الضريبي، لكن على ما يبدو أن ما أعطاه المشرع باليد اليمنى سرعان ما سحبه باليد اليسرى.

فضمانة تمثيل الملزم من طرف المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا ثم إفراغها من محتواها على اعتبار أن ممثلين الملزمين يعينون من طرف عامل العمالة أو الإقليم لمدة 3 سنوات من بين الأشخاص المدرجين في القوائم التي تقيمها المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا مما جعل  إستقلالية اللجان المحلية على المحك[2]

فحبذا لو تم اعتماد تقنية للانتخاب بدل التعيين وذلك لضمان تمثلية حقيقية للملزم بدل هذه التمثيلية المقنعة.

 ولا ينبغي أن نفهم هذا كما يذهب البعض إلى أن ممثل الملزم يقوم بدور المحامي عنه وممثل للإدارة يدافع عن الإدارة، فوجود ممثلين عن الطرفين هو فقط لضمان عدالة مسطريه ولكون ممثل الملزم على معرفة واضطلاع بخبايا وأعراف المهنة.

 أما التشكيلة الاستثنائية، فوجه الاستثناء فيها يعود للظروف التي تحول دون انتداب ممثلين الملزمين الجدد  بعد انتهاء مهام الممثلين  المنتهيةولايتهم وللأعضاء المكونين لها فيكون أمام الملزم والحالة هذه خيارين :

 – إما تقديم طلب لرئيس  اللجنة  يلتمس فيه المثول أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة ولكن مؤلفة فقط من  الرئيس، عامل العمالة  أو الإقليم ورئيس المصلحة المحلية للضرائب، أو عرض النزاع على اللجنة الوطنية بمبادرة من الإدارة الضريبية بعد انصرام أجل 30 يوما دون تقديم الملزم لطلب المثول أمام اللجنة المحلية مع إشعار الملزم داخل أجل لا يتعدى 10 أيام .

 ويتضح مما سبق أن الملزم مخير بين المثول أمام اللجنة المحلية مجردا من ضمانة تمثيلية أمامها أو تجاوزها والتوجه للجنة الوطنية، علما بأن الملزم لا يد له في تعيين العضو الممثل له وإذا ما تقاعست الغرف أو الهيئات المهنية  عن القيام بواجبها .

 

ومرد هذا المشكل بطريقة التعيين التي يجب التخلي عنها لفائدة الانتخاب لضمان توفير جسر من التواصل بين الممثل والممثل[3].

وتبث اللجان المحلية لتقدير الضريبة في النزاع المحال عليها وهي متركبة من 3 أعضاء على الأقل بمن فيهم الرئيس وممثل الخاضع للضريبة .

وتتخذ مقررها بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين، فإن تعادلت رجح الجانب الذي يوجد فيه الرئيس وذلك بدعوة من رئيسها للاجتماع إضافة إلى أنه يجب أن تكون مقررات اللجنة المحلية معللة، وثبت في النزاع وهي متقيدة بمساحة زمنية لا تتجاوز 24 شهرا حتى إذا لم تبت داخل الأجل المذكور آنفا أشعر المفتش الضريبي الملزم بإمكانية تقديم طعنه أمام اللجنة الوطنية  داخل أجل 60 يوما تحت طائلة فرض الأسس المعتمدة في الرسالة الثانية.

المطلب الثاني: اللجنة الوطنية للطعون الضريبة

     سنتطرق بدايتا إلى تشكيل هذه اللجنة ( الفقرة الأولى )، على أن نخصص بعد ذلك ( الفقرة الثانية) للحديث عن المسطرة المتبعة أمامها.

الفقرة الأولى: تكوين اللجنة

    يرأس اللجنة الوطنية للطعون الضريبية قاض يعينه الوزير الأول باقتراح من وزير العدل، وتقسم إلى سبع لجان فرعية، وتخضع هذه اللجنة للسلطة المباشرة للوزير الأول، وعلى العموم تضم هذه اللجنة ما يلي :

1- سبع قضاة ينتمون إلى سلك القضاء يعينهم الوزير الأول باقتراح من وزير العدل.

2- ثلاثون موظفا يمثلون الإدارة الضريبية ويتم تعيينهم كذلك من طرف الوزير الأول باقتراح من وزير المالية، ويشترط فيهم أن يكونوا حاصلين على تأهيل في الميدان الجبائي أو في المحاسبة أو في القانون أو في الاقتصاد وأن تكون لهم رتبة مفتش أو رتبة مدرجة في سلم من سلالم الأجور يعادل ذلك.

3-  100 شخص من عالم الأعمال يتم تعيينهم من طرف الوزير الأوللمدة 3 سنوات بصفتهم ممثلين للخاضعين للضريبة ويتم بناء على اقتراح مشترك لكل من الوزراء المكلفين بالتجارة والصناعة التقليدية والصيد البحري والوزير المكلف بالمالية  وذلك من بين الأشخاص الطبيعيين أعضاء المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا الممارسين لنشاط تجاري أو صناعي أو خدماتي أو حرفي أو في مجال الصيد البحري و المدرجين في القوائم التي تقدمها المنظمات المذكورة، إضافة إلى رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات وغرفة الصناعة التقليدية وغرفة الصيد البحري، و ذلك قبل 31 أكتوبر من السنة السابقة التي تبتدئ خلالها مهام الأعضاء المعينين في حظيرة اللجنة الوطنية .

     هذا و تنقسم اللجنة الوطنية كما قلنا إلى سبع لجان فرعية، يترأسها قاض و تضم إلى جانب الرئيس عضوين معينين عن طريق القرعة من بين الموظفين الذين لم يشاركوا في بحث الملف المعروض على نظر اللجنة الفرعية و عضوين كممثلين للخاضعين للضريبة[4].

      انطلاقا مما سبق؛ يمكن القول على أن إسناد رئاسة اللجنة الوطنية لقاض، يعكس رغبة المشرع في استقلال هذه اللجنة في عملها عن السلطة الإدارية، أما بالنسبة لعدد الموظفين، فقد رفع التشريع الضريبي الحالي عددهم من 25 إلى 30 عضو، وذلك للإعطاء نوع من الديناميكية و الفعالية و بالتالي تفادي البطء في سير عملية التحكيم، و نفس الهدف كان من وراء وجود سبع لجان فرعية و ذلك للإسراع في معالجة الملفات العالقة[5].

 الفقرة الثانية:المسطرة أمام اللجنة الوطنية للطعون الضريبية

       يتم تحريك مسطرة الطعن أمام اللجنة الوطنية بمقتضى عريضة مكتوبة، سواء من طرف الإدارة في شخص مدير الضرائب أو من طرف الخاضع للضريبة، و توجه العريضة إلى رئيس اللجنة الوطنية و ذلك داخل أجل 60 يوم من تبليغ مقرر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة إلى المعنيين بالأمر، و يعتبر عدم تقديم الطعن داخل الأجل القانوني بمثابة قبول ضمني للأساس الضريبي المحدد من طرف اللجنة المحلية، مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية؛ و الملاحظ هو أن المشرع المغربي أعاد النظر في أجل الطعن، حيث كان هذا الأخير أمام اللجنة المركزية سابقا هو 20 يوم،  لكن أصبح كما قلنا أمام اللجنة الوطنية 60 يوم وهو ما سيشكل ضمانة مهمة منحها المشرع للخاضع للضريبة، خصوصا أن أجل 60 يوم يسمح له بدراسة موقفه القانوني بتأن و تهيئ أوجه دفاعه، كما يمكنه ذلك من تعليل عريضة الطعن التي يتقدم بها أمام اللجنة الوطنية بكيفية شاملة[6].

     هذا و يجب أن توجه العريضة في رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، على أن تتضمن هذه العريضة البيانات التالية تحت طائلة عدم قبولها من الناحية الشكلية :

– موضوع الخلاف بين الطرفين[7].

– تقديم عرض بالحجج التي يعتمدها الخاضع للضريبة.

     لكن الملاحظ هنا هو أن المشرع المغربي لم يتحدث عن حتمية هذه البيانات إلى بالنسبة للخاضع للضريبة حسب ما تنص عليه المادة 220 من المدونة العامة للضرائب، و التي جاء فيها ما يلي "… تحدد عريضةالخاضعين للضريبة[8] موضوع الخلاف و تتضمن عرضا للحجج المستند إليها ".

    و قبل أن تنظر اللجنة الوطنية في موضوع الطعن تقوم بإجراءين مهمين :

يتمثل الأول في إعلام الطرف الأخر داخل أجل 30 يوم من تسلم الطعن، مع تبليغه نسخة من العريضة المرفوعة إليها، وذلك قصد تمكينه من دراسة مضمون هذه العريضة وتهيئ حججه ووسائل دفاعه[9].

       أما الإجراء الثاني، فيتمثل في أن تطلب اللجنة من الإدارة تسليمها الملف الضريبي المتعلق بالفترة محل النزاع، و ذلك داخل أجل شهر لتاريخ تسلم الطلب المذكور[10] و في حالة عدم تسليم الإدارة الملف الضريبي إلى اللجنة الوطنية داخل أجل 30 يوم، فإن هذه اللجنة لا يمكن لها أن تتجاوز أسس فرض الضريبة، فإما أن تأخذ بالأسس التي حددتها اللجنة المحلية و إما بالأسس التي تم الإقرار بها أو قبولها من طرف الملزم إذا تم الطعن داخل الأجل القانوني[11] .

      بعد التحقيق في الملف، تجتمع اللجنة الفرعية للنظر في الطعن و لها في سبيل ذلك أن تعقد ما شاء لها من الجلسات، و يمكنها أن تستمع إلى الطرفين على انفراد أو هما معا  إما بطلب منهما أو تلقائيا من طرف اللجنة المذكورة متى تبين لها أن هذه المواجهة ضرورية، و هو ما يدعم الطابع التواجهي للمسطرة المتبعة خلال هده المرحلة[12].

     ويحدد بإثنى عشر شهرا ( 12) الأجل الأقصى الذي يجب أن يفصل بين تاريخ تقديم الطعن أمام اللجنة الوطنية و تاريخ المقرر المتخذ في شأنه، أما في حالة عدم بث اللجنة الوطنية في الطعن المعروض عليها داخل الأجل المحدد لذلك قانونا ( 12 شهر)، فإنه لا يجوز إدخال أي تصحيح على إقرار الخاضع للضريبة أو على أساس فرض الضريبة المعتمد من لدن الإدارة في حالة فرض الضريبة بصورة تلقائية بسبب عدم الإدلاء بالإقرار، أما إذا وافق الخاضع للضريبة جزئيا على الأسس المبلغة من لدن إدارة الضرائب، يكون الأساس المعتمد هو الأساس الناتج عن هده الموافقة.

      نشير في الأخير، إلى أن قرارات اللجنة الوطنية يجب أن تكون معللة و مفصلة، كما يجب على القاضي الذي أشرف على سير اللجنة أن يبلغها إلى الطرفين في رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، و ذلك خلال الستة أشهر( 6 ) الموالية لتاريخ صدور المقرر[13]، و تكون مقررات اللجنة الوطنية غير قابلة للاستئناف، لكن يمكن الطعن فيها من طرف الخاضع للضريبة أمام المحكمة الإدارية المختصة وفقا للشروط و الآجال التي يتطلبها القانون، سواء بثت في مسائل واقعية أو قانونية، أما الإدارة الضريبية فلا يمكنها الطعن في مقرر اللجنة الوطنية إلا إذا تبين لها أن اللجنة الوطنية المذكورة بثت بغير حق في مسائل قانونية[14].

 

 

المبحث الثاني : اختصاص اللجان الضريبية و تقييم عملها.

المطلب الأول : اختصاص اللجان الضريبية.

أما على مستوى الاختصاص فاللجان المحلية مقيدة في إطاره نوعيا ومكانيا وقيميا.

فمن حيث اختصاصها النوعي فتدخل اللجان لا يشمل كل النزاعات  بين الإدارة والملزم فالإدارة لا تتدخل إلا عند الإخلال بمسطرة التصحيح التواجهية مما يعني مخالفته أنه لا يحق لها التدخل بعد انتهاء المواجهة أو خلال مسطرة الفرض التلقائي للضريبة[15] .

كما أنها مختصة بالنظر في حدود ما طلب منها أي تنظر في الأسس المقترحة لا غير كما أنها ملزمة بالنظر في المسائل الواقعية دون القانونية.

ولا يجوز إعلان عدم اختصاص اللجنة من طرف الإدارة بل يعلن من طرف اللجنة كما يذهب إلى ذلك المادة  225  و الاجتهاد القضائي، حيث أعلنت إدارية الرباط بأن اللجنة العلمية هي وحدها المختصة بالنظر في مدى اختصاصها وليس للإدارة حق الرقابة عليها في هذا الباب .

أما الاختصاص الترابي فلا تنظر اللجنة إلا في النزاعات بين للإدارة والملزم الكائن مقرها الرئيس أو سكناهم المعتادة في دائرة نفوذ اللجنة أما الاختصاص القيمي فاللجان المحلية تعتبر قراراتها نهائية مادامت تقل أو تساوي عن 50.000 درهم برسم القضايا المتعلقة بالضريبية على الدخل والأرباح العقارية وبواجبات التسجيل ولا يبقى أما الملزم إلى طرق أبواب القضاء الإداري للطعن في مقررات هذه اللجان.

 أما على مستوى اللجنة الوطنية فالاختصاص الترابي يتحدد في النظر في كل الطعون المقامة ضد مقررات اللجان المحلية على المستوى الوطني كما أنها تختص ابتدائيا وانتهائيا حينما يتعذر اجتماع اللجنة المحلية لعدم توفر النصاب  القانوني لعدم حضور ممثل الملزم ويفضل هذا الأخير عرض نزاعه على اللجنة الوطنية .

أما اختصاصها النوعي فشأنها شأن اللجان المحلية فهي ممنوعة من تفسير المقتضيات القانونية أو التنظيمية.

        المطلب الثاني: تقييم عمل اللجان الضريبية.

تعاني اللجان المحلية واللجنة والوطنية من عدة مشاكل ومعوقات تحد من فعاليتها، ومن أبرز ما يلاحظ على تنظيم اللجان المحلية هي مسألة الآجل الأقصى المحدد في 24 شهرا وما يرتبط به من حرمان الملزم من درجة ثانية لتقديم طعنه   خاصة وأن عدم انتداب ممثلين جدد للملزمين لا يتحمل وزرها الملزم الضريبي .

 فإذا كانت كثرة الملفات و بطئ مسطرة البت يشفعان للمشرع الضريبي بهذا المقتضى فإن ذلك لا يجب أن يكون على حساب الملزم الضريبي  بل بتأهيل الموارد البشرية وتكوينها .

إضافة إلى تقييد المشرع للجان بالبت في المسائل الواقعية فقط دون تفسير المقتضيات القانونية أو التنظيمية فتقييد اللجان بهذا المقتضى صعب صعوبة التمييز أو الفصل بين ما هو واقعي وما هو قانوني .

هذا  فضلاعن اعتماد تقنية التعيين بالنسبة لممثلين الملزمين مما يشكل ضربا للاستقلالية هذه اللجان ويحد من فعاليتها،  هذا إضافة إلى مجموعة من المعوقات :

       تغيبممثلي الملزمين مما يدفع اللجنة إلى تأجيل جلساتها للمرة الثانية؛

      ممثلوا الملزمين لا يحضرون في اللجنة بناء على تخصصهم بل الملاحظ أن ممثلا واحدا يحضر مناقشة جميع الملفات على اختلاف مواضيعها؛

      عدم تفرغ السادة القضاة، مما يفوت عليهم المناقشة المستفيضة للملفات.

 هذا و في إطار تقييم عمل اللجنة الوطنية للطعون الضريبية، تبرز لنا إشكالية حقيقية تتعلق أساسا بحدود اختصاص هذه اللجنة بين البث في الواقع أو تطبيق القانون، ومن بين الحالات التي تثير هذه الإشكالية، حالة الإعلام بالتحقيق، فقبل إقدام الإدارة على الفحص لا بد لها من توجيه إعلام بالتحقيق إلى الملزم 15 يوم على الأقل قبل بداية التحقيق، و النص الضريبي واضح هنا بحيث استعمل مصطلح التوجيه أي العبرة بالتوجيه قبل 15 يوم وليست العبرة بالتوصل، و قد أحيلت على اللجنة الوطنية بعض الملفات التي اتضح من خلالها أن المدة التي تفصل بين توجيه الإعلام بالتحقيق و بداية الفحص تقل عن 15 يوم فأصدرت قرارا يلغي مسطرة الفحص.

     و في اعتقادنا، هذه حالة من حالات تفسير القانون التي يُفترض فيها اللجوء إلى القضاء الإداري، هذا الأخير الذي صدر عنه حكم ذهبت فيه المحكمة الإدارية بوجدة[16] إلى أنه " يجب على اللجنة الوطنية أن تصرح بعدم اختصاصها في المسائل التي تتعلق بتفسير نصوص تشريعية أو تنظيمية و أن ذلك يعني أن اللجنة المذكورة يمنع عليها تفسير نص قانوني ضريبي".

    أما على مستوى تشكيل اللجنة، فالملاحظ كما قلنا أن الأسلوب المتبع في تشكيلها هو التعيين، الأمر الذي يكون له انعكاس على استقلالية اللجنة، كما أن منح صلاحيات تعيين ممثلي الملزمين للوزير الأول يعتبر مسا بحقوق الملزمين، بحيث كان من المفروض أن يتم تعيين هؤلاء من طرف هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية، تتوفر فيها جميع شروط الحياد و النزاهة و الشفافية كالهيئات المهنية التي ينتمي إليها الملزمون مثلا أو بالأحرى يترك الحق للملزم في اختيار من يمثله.

   و على أي، و رغم الصعوبات و الاختلالات، فإنه و حسب بعض الإحصائيات فإن المنازعات الجبائية المحالة على اللجنة الوطنية والتي تقارب 500 طعن سنويا، تتم تسويتها و لا ترفع منها إلى القضاء إلا حوالي % 10 من الطعون، ترفعها مديرية الضرائب بسبب تجاوز اللجنة لاختصاصاتها[17].

 

 

 

 

 

 

خاتمة

       صحيح أن المشرع المغربي وفر مجموعة من الضمانات للخاضع للضريبة و من بينها إمكانية الطعن أمام اللجان الضريبية، إلا أن هذا لا يمنعنا من القول بأن عمل هذه الأخيرة مازال يشوبه مجموعة من النواقص و الإكراهات التي تدفعنا إلى إبداء الملاحظات التالية :

   –  الملاحظة الأولى : إذا كنا نتفق مع كون عدم البث داخل الأجل القانوني من طرف اللجنة الوطنية( 12 شهر) يحرم الخاضع للضريبة من مرحلة تحكيمية مهمة؛ فإننا لا نتفق مع التوجه التشريعي فيما يخص الجزاء الذي رتبه على عدم احترام اللجنة المذكورة لأجل البث في الطعن المعروض عليها، إذ كيف يعقل أن يكون الجزاء عن خرق النصوص القانونية من طرف اللجنة الوطنية هو عدم إدخال أي تصحيح بالمرة، في الوقت الذي تكون فيه الإدارة و الخاضع للضريبة قد احترما جميع المقتضيات القانونية المنظمة للمسطرة؛ لذلك نرى أن المشرع قد رتب عقابا قاسيا في هذه المرحلة خاصة و أن مسطرة التصحيح قد استغرقت وقتا طويلا و استنفدت مجهودا كبيرا.

     – الملاحظة الثانية :   تنظيم المشرع المغربي للطعن أمام اللجنة المحلية ثم اللجنة الوطنية، من جهة فيه إطالة للمسطرة، ومن جهة أخرى أثبتت التجربة العملية أن اللجنة الوطنية هي أقل مردودية من اللجنة المحلية لسببين، أولهما أن ممثلي الخاضعين للضريبة و كذا القاضي في اللجنة المحلية يكونان من نفس منطقة الوعاء الضريبي، فيكونان بالتالي أدرى بظروف المنطقة و درجة رواجها و مشاكلها و كذا وسائل التعامل الاقتصادي بها؛ السبب الثاني هو أن الممثل في اللجنة الوطنية قد يكون من منطقة لا تمت بأية صلة للنطاق الجغرافي للوعاء الضريبي، بل و قد يكون ممثلا بعيدا عن الحرفة أو المهنة موضوع المنازعة.

 

   أمام كل ما سبق نرى ضرورة تفعيل ما يلي : 

أولا : ضرورة إعادة النظر في الجزاء المترتب عن عدم بث اللجنة الوطنية داخل الأجل القانوني و الاكتفاء فقط بإلغاء قرار اللجنة الوطنية الصادر خارج الأجل القانوني ومنح الطرفين كل الضمانات القانونية أمام القضاء لعرض كل طرف لحججه و دفوعاته.

ثانيا : الاكتفاء بالطعن أمام لجنة واحدة تكون إقليمية عوض الطعن أمام لجنتين و ذلك من أجل الإسراع في البث في المنازعات الضريبية و تفادي الإضرار بالذمة المالية للخاضع للضريبة، فهذا الأخير ينتظر قرار اللجان في حين يستمر عداد فوائد التأخير في الدوران.

و أخيرا : إلزام الجهات المعنية بإطلاع الملزمين بكافة حقوقهم و الضمانات المخولة لهم في الميدان الجبائي بما فيها إعلامهم بوجود لجان للطعن الضريبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى