سلسلة الابحاث الجامعية و الأكاديميةفي الواجهةمقالات قانونية

تضارب مصالح المساهمين في شركات المساهمة – الاصدار 38 لشهر غشت 2021 من سلسلة الابحاث الجامعية و الاكاديمية

سلسلة الابحاث الجامعية و الاكاديمية

مقدمة عامة

يقول جورج ريبير: “لا نستطيع في المدن الكبرى أن نسكن وأن نلبس، وأن نؤمن التدفئة والإنارة، وأن ننتقل بدون الخدمات التي تقدمها شركات المساهمة، حتى لا يمكن من دون مساهمتها العيش وحتى الموت لأنها مكلفة أيضا بتأمين موكب الجنازة” .[1]

تتبوأ شركات المساهمة مركز الصدارة في عالم الاقتصاد والمال، فهي إحدى إبداعات الأزمنة الحديثة، إذ تم اعتمادها في وقت انتشر فيه النظام الرأسمالي، الذي كان من نتائجه ظهور شركات عملاقة تتخطى الحدود الوطنية [2]، وقد عرف النظام القانون المؤطر لهذا النوع من الشركات تطورات متفاوتة الأهمية، ارتبطت في معظمها بطبيعة شركات المساهمة نفسها ونظام تسييرها وإدارة شؤونها[3].

أما في المغرب، فيرجع ظهور شركات المساهمة إلى مجموعة ظهائر 12 غشت 1913، حيث تمت صياغة ما يزيد عن 81 فصل في الباب الثاني من القسم الرابع من الكتاب الثاني من ظهير الالتزامات و العقود[4]، ثم القانون التجاري لسنة 1913، حيث تطرق إلى بعض أشكال الشركات في الفصول من 29 إلى 54[5]، ثم ظهير 11 غشت 1922، الذي كان ينظم الشركات المجهولة الأسم، الذي يقضي العمل بالقانون الفرنسي الصادر في 24 يوليوز 1867[6] .

ظلت هذه القوانين تؤطر نشاط شركات المساهمة إلى غاية 30 غشت 1996 حيث صدر القانون رقم 17-95 المتعلق بشركات المساهمة كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 05-20 والقانون 12-78 [7].

ورغم هذا التطور الكمي الذي عرفته نصوص شركات المساهمة[8]، فإنه لم يستطع حل بعض الإشكالات التي تعرفها هذه الشركات خصوصا على مستوى جمعياتها العامة التي تعتبر القلب النابض، والأداة الفعالة لتسيير حياة الشركات، من حيث اتخاذ قراراتها من طرف المساهمين[9]، اعتمادا على قانون الأغلبية لاستحالة تحقق الإجماع، الشيئ الذي أفرز فئتين من المساهمين، فئة تشكل الأغلبية مقابل فئة تشكل الأقلية، الشيء مما  يجعل القرارات المتخذة داخل هذه  الجمعيات المساهمة مشوبة إما بتعسف الأغلبية، إذا سعت هذه الفئة إلى اتخاذ القرار بناء على تمثيليتها العددية داخل الجمعية العامة دون مراعاة مصلحة الأقلية، وتفضيلا لمصالحها الشخصية وضرب لمصلحة الشركة. وقد تكون تلك القرارات مشوبة بتعسف الأقلية إذا استغلت هذه الأخيرة نسبتها في رأسمال الشركة، وبدأت تعرقل عمل الأغلبية من خلال الطعن في قراراتها و دون مراعاة لمصلحة الشركة.

وهو ما يجعل نوعا من تضارب المصالح بين مساهمي الأغلبية  ومساهمي الأقلية مسيطر على نشاط الشركة وسيرها العادي، الأمر الذي قد يعصف بتواجد الشخص المعنوي إذا أصبحت التعسفات متبادلة بشكل يخدم مصالح مساهمي الشركة فقط.

والواقع أن إقرار قانون الأغلبية كوسيلة لتسيير شركات المساهمة يأتي استجابة لحركة الدمقرطة (ديموقراطية الشركات التجارية)، التي تشبع بها المشرع إذ أراد أن ينقل شركات المساهمة من تجمع رأسمالي إلى تجمع ديموقراطي تكون فيه الجمعيات العامة صاحبة السيادة والسلطة العليا، ويكون فيه مجلس الإدارة المعين من طرفها بمثابة السلطة التنفيذية والنظام الأساسي هو الدستور الذي يحكم عمل هؤلاء جميعا[10] .

لكن الأمور لم تجر كما رسمها المشرع، لأن الممارسة أثبتت إساءة الأغلبية لسلطتها في مقابل تمرد الأقلية، و بالتالي فقانون الأغلبية أصبح لتضارب مصالح المساهمين، لكن سلطة الأغلبية داخل الشركة تبقى نسبية لارتباطها بالهدف المراد الوصول إليه، ألا وهو استمرارية الشركة بما يخدم حماية مصلحتها الاجتماعية، ومن تم إشباع مصالح الجميع[11] .

فمركز مساهمي الأقلية داخل الشركة يفرض نفسه خصوصا مع الامتيازات والحقوق التي تتمتع بها، مما يعطيها الحق في التدخل بشكل مستمر في حياة الشركة ومواجهة سلطة الأغلبية[12]، لكن هذا الأمر لا ينقص من صلاحيات هذه الأغلبية، لأن وجود أقلية نشيطة من شأنه أن يقوي دور الأغلبية، بل إنه بدون الأقلية لا يكون للأغلبية أي معنى[13].

وعلى هذا الأساس تمثل شركات المساهمة فضاء خصبا لممارسة الأغلبية والأقلية نشاطهما بتوازن من خلال إعطاء الأغلبية تسيير وإدارة الشركة والاعتراف للأقلية بآليات حتى تتمكن من مراقبة هذا التسيير والمشاركة في تحقيق المصلحة الاجتماعية[14] .

لكن يبقى هذا التوازن صعب التحقق لأن الممارسات أثبتت وجود أغلبية غير بريئة في تصرفاتها، وأقلية تسيء استعمال وتوظيف الحقوق التي تتوفر عليها، الشيء الأمر يفضي إلى تضارب بين مصالح مساهمي الأغلبية ومساهمي الأقلية [15]، هذا التضارب يترجم الحرب بين المساهمين، ويستحضر اختلاف وتعارض أفكارهم ووجهات النظر، مما يؤثر سلبا على طريقة إدارة وتدبير الشركة سواء تعلق الأمر بحاضرها أو مستقبلها[16]، وهذا ما يعني أن البحث عن السلطة وتحقيق مصالح شخصية والرغبة في الإضرار بباقي المساهمين، هو هدف وغاية هذا التضارب، فالأغلبية صاحبة القرار داخل الشركة تحاول الاستحواذ على السلطة والأقلية ترغب في الانقلاب على هذه السلطة عن طريق اللجوء إلى وسائل مشروعة أو غير مشروعة [17].

وقد عبر الأستاذ “Capitant” عن هذا التعارض بقوله:” إذا كان من السهل أن نستخلص واقعا يسود جميع المساهمين وهو السعي وراء الربح، فإن الدوافع الشخصية لكل مساهم تتنوع وتتطرق في نفس الوقت حول الشركة” [18].

ويشكل تعسف الأغلبية وتعسف الأقلية أهم مظاهر تضارب مصالح المساهمين في شركات المساهمة، حيث تسعى الأغلبية من وراء اتخاذ القرارات إلى إضعاف دور الأقلية داخل الشركة، فالأغلبية قد تعمد إلى اتخاذ قرار تعسفي يهدف إلى الزيادة في رأس مال الشركة أو إدماج الأرباح ضمن الاحتياطي في مقابل ذلك تستعمل الأقلية الآليات القانونية المخولة لها استعمالا سيئا كالإفراط في خبرة التسيير، والدعاوى الكيدية في مواجهة الشركة .

لذلك عمد المشرع الفرنسي على غرار المشرع المغربي إلى تبني مجموعة من الآليات القانونية لخلق نوع من التوازن بين مصالح المساهمين داخل شركات المساهمة، كما حاول القضاء من خلال القضايا المعروضة عليه في هذا الجانب ابتداع بعض الحلول التي تهدف إلى بقاء استمرارية الشخص المعنوي والحيلولة دون سقوطه في أزمة الحل القضائي نتيجة للخلافات الخطيرة بين المساهمين الناتجة عن تضارب مصالحهم .

أهمية البحث:

يحضى موضوع تضارب مصالح المساهمين بأهمية كبيرة نظرا لما اصبحت تلعبه شركات المساهمة من أدوار رئيسية داخل المنظومة الاقتصادية، فوجود شركات المساهمة واستمرارية نشاطها رهين بوجود نوع من التوازن والتعاون يطبع مساهميها من أغلبية وأقلية. وإذا أصبح الشقاق بين هؤلاء المساهمين منتشرا انعكس ذلك سلبا على مردودية الشركة ومكانتها كقوة اقتصادية .

ومع ما يكتسيه الموضوع من أهمية فقد ظل يعاني من فراغ تشريعي و معالجة شاملة مما جعل اجتهادات القضاء تتعارض حول طبيعة تضارب المساهمين، والجزاءات التي يمكن تطبيقها الشيئ الذي فرض علينا الاعتماد على الاجتهاد القضائي في المغرب أو في فرنسا و كذا الفقه خاصة الفرنسي لمعالجة مختلف جوانب الموضوع .

إشكالية البحث :

يقوم نظام شركات المساهمة على التصويت لاعتباره الأداة الوحيدة للتعبير عن آراء المساهمين مما يفرز مصالح متعددة ومتعارضة، لأن انقسام المساهمين إلى مساهمي أغلبية ومساهمي أقلية يجعل كل صنف يدافع عن مصالحه و يتبناها فيتهدد استقرار الشركة واستمرارها، لذلك أوجب البحث عن الحلول من اجل إقرار التعايش بين المساهمين في وسط تسيطر عليه لغة المال و المصالح.

وعليه يطرح الإشكال حول مدى توفق المشرع المغربي وغيره من التشريعات المقارنة في معالجة مختلف مظاهر التضارب بين مصالح المساهمين في شركات المساهمة؟

المنهج المعتمد:

إن الانخراط في أي مشروع علمي يفرض على الباحث أن يتخذ لنفسه منهجا يتبعه لاستعراض الاشكاليات التي يثيرها موضوع الدراسة[19]، ومنهج البحث الذي سنعتمده في هذا العمل يقوم على المزاوجة بين المنهج الوصفي الذي لا غنى عنه في دراسة أي موضوع قانوني، والمنهج التحليلي الذي يعتمد على الأساليب التالية :

  • الأسلوب الاستقرائي من خلال بسط النصوص القانونية المنظمة للموضوع، وربطها بغيرها من النصوص ذات الصلة خاصة نصوص ظهير الالتزامات والعقود.
  • الأسلوب النقدي، الذي يستهدف استجلاء الغموض عن التنظيم القانوني لتضارب مصالح المساهمين، ومدى فعالية هذا التنظيم في تحقيق التوازن بين هذه المصالح، وذلك بغية التوصل إلى حلول بديلة من شأنها الوقاية من النزاعات والخلافات بين المساهمين، التي يمكن أن تؤدي إلى حل الشركة.

إن دراستنا لموضوع تضارب مصالح المساهمين في شركات المساهمة تتفرع إلى فصلين اثنين : نتناول في أولهما مظاهر تضارب المصالح بين المساهمين والتي تتحدد من خلال تسليط الضوء على تعسف الأغلبية وتعسف الأقلية، أما الفصل الثاني من هذه الدراسة، فسنخصصه لمقاربة آليات الوقاية من تضارب مصالح المساهمين، وذلك بالتطرق للآليات القانونية والآليات القضائية .

ولبسط كل هذه المقاربات سنقسم بحثنا كما يلي:

الفصل الأول: مظاهر تعارض مصالح المساهمين في شركات المساهمة

الفصل الثاني: آليات تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة للمساهمين

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى