في الواجهةمقالات قانونية

حماية المستهلك في بيع العقار في طور الإنجاز بين القانون 107.12 والقانون 31.08 . إنجاز : محمد جردوق

 

 

 

حماية المستهلك في بيع العقار في طور الإنجاز بين القانون 107.12 والقانون 31.08 .

إنجاز : محمد جردوق : طالب باحث بماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة

 

 

مقدمة

يعتبر العقار الأرضية الأساسية لانطلاق المشروعات المنتجة وحجر الزاوية للنهوض بالاستثمار وتحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعيين. (1)

نظم المشرع المغربي بيع العقار في طور الانجاز بموجب القانون 107.12 (2) المتمم والمغير للقانون 44.00 (3) الذي صدر سنة 2002، في المواد من 618.1 إلى 618.20 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، عرف في المادة 618.1 بيع العقار في طور الانجاز بقوله :” يعتبر بيعا لعقار في طور الإنجاز كل اتفاق يلتزم بمقتضاه البائع بانجاز عقار داخل أجل محدد ونقل ملكيته إلى المشتري مقابل ثمن يؤديه هذا الأخير تبعا لتقدم الأشغال”.

جاء هذا القانون لسد مجموعة من الثغرات القانونية المتعلقة بالضوابط القانونية لبيع العقار في طور الانجاز، وكذلك لتوفير حماية وضمانات قانونية لفائدة المشتري (المستهلك) الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، ولتعزيز هذه الحماية عمل المشرع المغربي على إصدار القانون 31.08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك الذي جاء بمجموعة من الحقوق الحمائية لفائدة المستهلك في شتى المعاملات من بينها بيع العقار في طور الإنجاز، وأهم هذه الحقوق: الحق في الإعلام والحق في التراجع بالإضافة إلى مجموعة من الحقوق التي جاء بها القانون السالف الذكر.

ويكتسي بيع العقار في طور الانجاز أهمية بالغة بالنظر إلى الآثار المترتبة على هذا النوع من التعاقد خلال جميع مراحله، بدءا بإبرام عقد التخصيص مرورا بالعقد الابتدائي ثم وصولا إلى إبرام العقد النهائي. وبالنظر إلى كون محل التعاقد عقارا غير موجود وقت التعامل فإن مجال الضرر يتسع وتكبر معه دائرة الإبهام والغموض أمام المشتري المستهلك، فيزداد ضعف هذا الأخير باعتباره طرفا مذعنا، وتزداد قوة المنعش العقاري الذي يتوقف إخراج المشروع ضرورة تنظيم هذه العلاقات التعاقدية القائمة على بيع عقارات سيتم إنجازها مستقبلا (4) .

إذن إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال القانون 107.12 والقانون 31.08 توفير حماية للمستهلك في بيع العقار في طور الانجاز ؟

للإجابة على هذه الإشكالية سنعتمد على محورين أساسيين:

المحور الأول: حماية المستهلك في بيع العقار في طور الانجاز في مرحلة التعاقد الابتدائي

المحور الثاني: حماية المستهلك في بيع العقار في طور الانجاز في مرحلة التعاقد النهائي

 

المحور الأول: حماية المستهلك في بيع العقار في طور الانجاز في مرحلة التعاقد الابتدائي

يجب الإشارة في هذه المرحلة (مرحلة التعاقد الابتدائي) أن المشرع المغربي بموجب القانون 107.12 جاء بمستجد مهم يخص أطراف العلاقة التعاقدية قبل إبرام العقد الابتدائي ويتعلق الأمر بعقد التخصيص والذي سنتحدث عنه في نقطة أولى وعن أهم الضوابط والشروط التي أحاطها المشرع لهذه المؤسسة، ثم سنتحدث في شق ثان من هذا المحور عن العقد الابتدائي كمرحلة مهمة في بيع العقار في طور الانجاز (ثانيا)

أولا : عقد التخصيص كآلية لحماية المستهلك أثناء تكوين عقد بيع العقار في طور الإنجاز

نظم المشرع المغربي إمكانية إبرام عقد التخصيص بموجب المادتين 618.3 مكرر مرتين و618.3 مكرر ثلاث مرات حيث نص في المادة 618.3 مكرر مرتين على أنه :” يمكن للبائع والمشتري قبل تحرير العقد الابتدائي إبرام عقد تخصيص من أجل اقتناء عقار في طور الانجاز يحرر إما في محرر رسمي أو محرر عرفي ثابت التاريخ وفقا للشكل المتفق عليه من الأطراف.

لا يجوز إبرام عقد تخصيص العقار في طور الإنجاز، تحت طائلة البطلان، إلا بعد الحصول على رخصة البناء.

يتضمن عقد التخصيص البيانات الواردة في البنود 1 و 2 و3 و4 و5 و6 و7 المنصوص عليها في الفصل 618.3 مكرر أعلاه.

أما الفصل 618.3 مكرر ثلاث مرات نص على ما يلي:

” يحق للمشتري التراجع عن عقد التخصيص داخل أجل لا يتعدى شهرا ابتداء من تاريخ إبرام عقد التخصيص.

يجب على البائع في حالة تراجع المشتري عن عقد التخصيص، أن يرجع للمشتري المبلغ المدفوع كاملا داخل أجل لا يتعدي سبعة أيام ابتداء من تاريخ ممارسة هذا الحق.

وتحدد صلاحية عقد التخصيص في مدة لا تتجاوز ستة أشهر غير قابلة للتجديد تؤدي لزوما إلى إبرام عقد البيع الابتدائي أو التراجع عن عقد التخصيص واسترجاع المبالغ المسبقة.

يودع البائع المبالغ المؤداة من طرف المشترين عند إبرام عقود التخصيص، وذلك في الحدود المقررة في الفصل 618.6 من ق ل ع في حساب بنكي خاص في اسم البائع.

وتكون هذه المبالغ المالية المودعة غير قابلة للتصرف أو الحجز إلى حين انقضاء أجل حق التراجع المتعلق بكل عقد. وفي المقابل المشتري وصلا بالإيداع.”

باستقرائنا للمواد المنظمة لعقد التخصيص نلاحظ أن المشرع المغربي جاء بمجموعة من الضمانات والآليات لحماية المستهلك (المشتري) في بيع العقار في طور الإنجاز وأهم هذه الآليات :

ــ حق التراجع: تعزيزا للحماية التي تخولها التشريعات القانونية للمستهلك، نجدها تخوله مهلة إضافية للرجوع عن العقد أو ما يمكن تسميته بمهلة الندم أو الرجوع، ويمكن تعريف حق الرجوع بأنه إعادة النظر في العقد الذي أبرمه المستهلك خلال مدة محددة تختلف باختلاف محل العقد، ويتم برد المبيع واسترداد الثمن (5).

نظم المشرع المغربي هذا الحق بموجب المواد 36 و 37 و38 و39 و40 من القانون 31.08  المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، واعتبر المشرع هذه المواد من النظام العام . وحدد القانون 107.12 في المادتين المتعلقة بإمكانية إبرام عقد التخصيص مجموعة من الضوابط التي يجب أن يلتزم بها أطراف العلاقة التعاقدية  خاصة آجال ممارسة حق الرجوع  والتزامات الطرفين في هذه المرحلة، فيما يخص أجل الرجوع بالنسبة للمشتري حدده المشرع في شهر من تاريخ إبرام عقد التخصيص، وفي المقابل ألزم المشرع البائع بإرجاع المبلغ المدفوع كاملا داخل أجل لا يتعدى سبعة أيام ابتداء من تاريخ ممارسة هذا الحق.

ــ مبلغ التسبيق:  لا يجوز حجزه، وفي هذا استثناء من القواعد العامة للحجز التي تجعل من أموال المدين ضمان عام لدائنيه يحق لهم الحجز على أي منها، وذلك لوجود نص يمنع من الحجز، وبالتالي تعطل القاعدة العامة القائلة بجواز الحجز على أي مال للمدين عن الاشتغال لوجود نص خاص، وعلة المنع هي ترك فرصة للمشتري للتفكير في جدية البيع وأهميته ومكنة التراجع عنه بما يوجبه ذلك من استرجاعه للثمن داخل أجل معقول وهو سبعة أيام (6).

 ثانيا: العقد الابتدائي

يمكن القول بأن العقد الابتدائي هو عقد تمهيدي ــ وليس مجرد إيجاب ــ إلى حين إبرام العقد النهائي، وتجري العادة في التصرفات العقارية على تحرير عقد ابتدائي لإثبات التعاقد بين الطرفين تمهيدا لتحرير العقد النهائي الذي يعتمد إذا انصب على عقار محفظ على تقييده بالسجل العقاري، ذلك أن أطراف الرابطة التعاقدية تتجه إلى إثبات حقيقة إرادتهما في وثيقة أولية تسمى بالعقد الابتدائي، على أن يعاد تحريره بالطريقة التي رسمها القانون عند التسجيل، وبتسجيل العقد الابتدائي يطلق على تسميته حينئذ بالعقد النهائي (7).

ومن أجل الإحاطة بأهم الضمانات والآليات التي جاء بها المشرع لحماية الطرف الضعيف (المستهلك) في بيع العقار في طور الانجاز في مرحلة العقد الابتدائي، سنتحدث عن نقطتين مهمتين ويتعلق الأمر بالضمانات المخولة للمشتري في مرحلة العقد الابتدائي وكذا شكليات وضوابط تحرير العقد الابتدائي .

 

ــ الضمانات المخولة للمشتري في مرحلة العقد الابتدائي:

أعطى المشرع للمستهلك إمكانية تقييد العقد الابتدائي تقييدا احتياطيا وذلك للحفاظ المؤقت على حقوقه إذا كان العقار محفظا (أ) كما أقر المشرع في ظل القانون 107.12 ضمانة بنكية  (ب) فضلا عن بعض المقتضيات المنصوص عليها في القانون 31.08.

أ : ضمانة التقييد الاحتياطي: لم يعرف المشرع المغربي التقييد الاحتياطي تعريفا دقيقا، بل تعرض لأحكامه في ظهير 12 غشت 1913 المتمم والمعدل بالقانون رقم 14.07 إضافة إلى نصوص قانونية متفرقة كما هو الشأن في العقد الابتدائي للعقار في طور الإنجاز حيث ينص الفصل 618.10 على أنه :” يمكن للمشتري بموافقة البائع، إذا كان العقار محفظا أن يطلب من المحافظ على الأملاك العقارية إجراء تقييد احتياطي بناء على عقد البيع الابتدائي وذلك للحفاظ المؤقت على حقوقه”.

ويعرف الفقه التقييد الاحتياطي(8) أنه الإجراء الذي يقوم به صاحب حق تعذر عليه تسجيله تسجيلا نهائيا لسبب من الأسباب، ليضمن لنفسه في المستقبل إمكانية هذا التسجيل عند زوال مانع. ويكيف التقييد الاحتياطي للعقد الابتدائي على أنه تقييد بناء على سند، إلا أن الإجراءات المتبعة لتقييده توافق جزئيا مضمون الفصل 85 من قانون التحفيظ العقاري ذلك أنه لا يتم إلا بموافقة البائع(9).

والملاحظ أن حقوق ومصالح المشترين في العقد الابتدائي تكون معرضة للمخاطر والضياع، حيث يتجسد ذلك من مظهرين أساسيين.

الأول : إفلاس شركة البناء حيث يوجد المشتري في وضعية صعبة ومعقدة من الناحية القانونية، سيما وأنه لا يمكنه الاحتجاج بعقده غير المسجل لا في مواجهة الشركة ولا في مواجهة الغير، وحتى إذا نجح في الدعاوى التي قد يرفعها أمام القضاء فلن يجدي ذلك شيئا غير تصنيفه ضمن دائرة الدائنين العاديين، بمعنى أن حقه هذا يتحول في النهاية إلى مجرد حق شخصي .

الثاني: التصرف من جديد في نفس الشقة الموعود بيعها لمصلحة مشتر آخر حسن النية، وقيام هذا الأخير بتسجيل حقه أصولا في السجل، بحيث يضيع على المشتري الأول حقه في السكن ولا يبقى أمامه غير المطالبة بالتعويض طبقا للفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري(10).

وبالتالي فإن اللجوء إلى تقنية التقييد الاحتياطي يؤمن المشتري من هذه المخاطر، والظاهر أن السماح بإجراء هذا التقييد فيه خروج عن المبادئ العامة الناظمة لمبدأ الشهر العيني، يتمثل ذلك في تعلق عقد البيع الابتدائي بشيء مستقبل، مما يطرح تساؤلا هل اشترط المشرع شروطا خاصة لإجراء التقييد الاحتياطي للعقد الابتدائي أم أنه يجري طبقا للقواعد العامة ؟

يستفاد من الفصل 618.10 في فقرته الأولى المذكورة أعلاه، أن النص ينظم حالة خاصة للتقييد الاحتياطي مشترطا ثلاث شروط أسياسية:

1 ــ أن يكون العقار محفظا

2 ــ موافقة البائع على إجراء التقييد الاحتياطي

3 ــ وجود عقد ابتدائي صحيح .

ب : الضمانات البنكية :

لقد ألزم المشرع المغربي في الفصل 618.9 من ظهير الالتزامات والعقود البائع بأن يقدم لفائدة المشتري ضمانة بنكية أو أي ضمانة أخرى مماثلة، وعند الاقتضاء تأمينا وذلك لتمكينه من استرجاع الأقساط المؤداة في حالة عدم تطبيق العقد.

فمن خلال هذا الفصل يتبادر لنا محدودية المجال لهذه الضمانات فالمشرع لم يلزم البائع بها قصد الضمان استكمال البناء والالتزام بالمواصفات المضمنة بالعقد أو بدفتر التحملات. أو ضمان نقل ملكية الشيء المبيع وإنما فقط استرجاع أقساط الثمن المدفوعة من طرفه(11).

وهناك من اعتبر الضمانة البنكية وغيرها من الضمانات المنصوص عليها في الفصل 618.9 كلفة مادية وعبئا إضافيا سوف يثقل كاهل المنعش الذي يكون أصلا مطالبا بتمويل شراء الأرض وأشغال الأساسات والطابق الأرضي فضلا عن الكم الكبير من الوثائق الإدارية والهندسية هذه الكلفة سترتفع حتما عندما ينصب المشروع على عقار غير محفظ حيث إن البنك أو شركة التأمين إذا ما استجاب لمطلب المنعش فإنهما سوف يرفعان من قيمة الأقساط والفوائد مقابل هذه الخدمة وهي كل ما من شأنه رفع التكلفة (12).

بالإضافة إلى ما سبق هناك حقوق جاء به القانون 31.08 في الديباجة  تهم المستهلكين وأهم هذه الحقوق هو الحق في الإعلام، والذي عرفه بعض الفقه بأنه :” الالتزام الذي يفرضه القانون أو طبيعة الأمور ذاتها، والذي ينصب محله على إحاطة المتعاقد الآخر علما ومعرفة بكل الوقائع والمعلومات التي تسمح له بتكوين فكرة واضحة ودقيقة بطبيعة العقد وجوهره والالتزامات المترتبة عليه، أو أي واقعة أو عنصر أساسي معروض عليه، وذلك بهدف تكوين قناعة تامة وشاملة وحرة ومنتجة في إصدار رضاه” (13).

 

تحرير العقد الابتدائي

نصت الفقرة الأولى من الفصل 618.3 من القانون 107.12 المتمم والمغير للقانون 44.00 على أنه:” يجب أن يرد عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز إما في محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم توثيقه من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة ويخول قانونها تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان…”

من خلال هذه المادة يتضح أن المشرع أسند مهمة توثيق عقد بيع العقار في طور الإنجاز لكل من الموثقين والعدول بصفتهم محرري العقد الرسمي والمحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض وكذا المهنيون المسموح لهم بذلك بصفتهم محرري العقد الثابت التاريخ.

وقد أكدت محكمة النقض ذلك في أحد قراراتها الذي جاء فيه على أنه :” لكن، حيث إنه خلافا لما ورد في موضوع الوسيلة فإن مقتضيات الفصل 618.12 من ق.ل.ع لا تطبق إلا إذا تم تحرير العقد الابتدائي للعقار في طور الإنجاز وفق الشكل والكيفية المقررتين في الفصل 618.3 من ق.ل.ع … والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي عللته بقولها “أنه ما دام التعاقد موضوع الدعوى تم على شكل وصل خلافا للمقتضيات الآمرة المنصوص عليها في الفصل 618.3 من ق.ل.ع أي أنه لم يحرر من قبل إحدى الجهات المؤهلة قانونا لذلك، مما يجعله عقدا باطلا بقوة القانون والأثر القانوني الوحيد المترتب عنه هو حق المشتري في استرداد ما دفع بغير حق وبدون تعويض عملا بالفصل 306 من ق.ل.ع …” تكون قد طبقت مقتضيات الفصل 306 و 618.3 تطبيقا سليما واعتبرت عن صواب أن الطاعن لا يستحق التعويض عن التماطل ما دام أن العقد موضوع الوصل عدد 016 المؤرخ في 2007/05/10 يعتبر باطلا بقوة القانون، فجاء قرارها معللا تعليلا سليما وغير خارق لأي مقتضى والوسيلتان على غير أساس”

وبالنظر إلى الطبيعة الخاصة التي يتميز بها عقد بيع العقار في طور الإنجاز، فإن المحرر الذي يتضمن العقد الابتدائي يجب أن تتوافر فيه مجموعة من البيانات الشكلية والموضوعية وهي بيانات تتعلق بالعقار موضوع العقد، وبالثمن، وبضمانات التنفيذ(14) .

 

 

 

 

 

المحور الثاني : حماية المستهلك في مرحلة التعاقد النهائي

إذا كان العقد الابتدائي الوارد على العقار في طور الانجاز يحمل في طياته بعض خصائص العقد النهائي، فإنه لا يرقى إلى منزلة هذا الأخير، ويبقى العقد النهائي هو المرجع في تحديد التزامات كل الأطراف.

وفي ظل هذا النمط من التعاقد المزدوج القائم على انتقال تعاقدي من مرحلة تعاقدية ابتدائية إلى مرحلة تعاقدية نهائية، وما يصاحب هذا الانتقال من تطور في الالتزامات الملقاة على عاتق طرفي العلاقة التعاقدية، تدخل المشرع المغربي ليقرر إجبارية هذا الانتقال ويدعو الأطراف إلى إقراره طوعا، أو الانسياق إليه كرها بمبادرة من المتعاقد الآخر الراغب في إعمال العقد بدلا من إهماله.

وعليه سنسلط الضوء في هذا المحور على كل الضوابط التي رصدها المشرع من أجل ضمان حماية واقعية للمستهلك خاصة أثناء تكوين العقد النهائي (أولا)، ثم الحديث عن الالتزامات التعاقدية الملقاة على عاتق البائع، دون إغفال الإشكالات المترتبة عن الإخلال بإبرام العقد النهائي (ثانيا).

أولا: حماية لمستهلك أثناء تكوين العقد النهائي

نص الفصل 618.3 من القانون 107.12 على أن إبرام العقد النهائي يجري طبقا لمقتضيات الفصل 618.3 المتعلق بالبيع الابتدائي.

وما يلاحظ على هذه الإحالة أنها جاءت عامة ومطلقة، ولم تميز بين البيانات التي تنسجم فقط في مرحلة التعاقد الابتدائي، وباقي البيانات التي يجوز إيرادها خلال مرحلتي التعاقد الابتدائية والنهائية، مما نتج عنه إقحام بعض البيانات المتجاوزة خلال مرحلة البيع النهائي.

وقد حاول المشرع المغربي في القانون 107.12 أن يعدل من بعضها لأجل تفادي التكرار والتحمل الزائد الذي كان يثقل كاهل أطراف العلاقة التعاقدية فيما لا فائدة منه ومن هذه البيانات:

ــ مراجعة رخصة البناء: كان القانون 44.00 ينص على بيان تاريخ ورقم رخصة البناء بالعقد الابتدائي، ويوجب إعادة ذكر تاريخ ورقم رخصة البناء عند تحرير العقد النهائي أيضا، وهو ما اعتبره العديد من الباحثين على أنه أمر من باب الحشو غير المحمود، مادام العقار المبيع أصبح منجزا وتم الانتهاء من بنائه.

وخيرا فعل المشرع عندما استعاض عن ذكر هذه المراجع بذكر مراجع رخصة السكنى أو شهادة المطابقة بمقتضى الفقرة الأخيرة من الفصل 618.16 من القانون 107.12 (15).

ــ مراجعة الضمانة: جاء في الفصل 618.9 “… يتحلل البائع بقوة القانون من الالتزام بالضمانة بمجرد تقييد البيع النهائي أو الحكم القضائي النهائي بالسجل العقاري إذا كان العقار محفظا أو إيداعه بمطلب التحفيظ إذا كان العقار في طور التحفيظ أو بمجرد إبرام العقد وصدور الحكم القضائي النهائي إذا كان العقار غير محفظ…”. وبالتالي فإن إدراج الضمانة في صلب العقد النهائي، لا أهمية لها ما دام أن أثار هذه الضمانة تنقضي.

ــ إجراءات تسليم رخصة السكن وشهادة المطابقة: نصت المادة 55 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير “… ويسلم رئيس مجلس الجماعة، وفق الإجراءات والشروط التي تحددها السلطة التنظيمية، رخصة السكن وشهادة المطابقة بطلب من المالك الذي يجب عليه أن يصرح بانتهاء عملية البناء…”

استنادا إلى مقتضيات هذه المادة، يمكن القول بأنه يتعين على المنعش العقاري، للحصول على إحدى الوثيقتين أو هما معا، تقديم تصريح حول انتهاء البناء وطلب كتابي.

وتعتبر شكلية التصريح بانتهاء عملية البناء، ضمانة هامة لحماية مستهلك العقار في طور الإنجاز، بالنظر إلى أنها تمكن السلطة المختصة من التأكد ومراقبة مدى مطابقة البناء المنجز للبناء المرخص، وفق التصاميم ودفتر التحملات (16).

ثانيا: حماية المستهلك أثناء تنفيذ العقد النهائي

لا تقتصر الحماية القانونية لمشتري العقار في طور الإنجاز على مرحلة إبرام العقد النهائي، بل تمتد إلى مرحلة تنفيذه، وهو ما يجعل الحماية شاملة لجميع مراحل هذا العقد.

وعليه، فإن تحليل مرحلة تنفيذ العقد النهائي، تتطلب منا الوقوف عند تجليات الحماية القانونية للطرف الضعيف (المستهلك)، خاصة الالتزامات الملقاة على عاتق البائع في مرحلة تنفيذ العقد النهائي، ثم الحديث عن مظاهر الحماية المقررة للمستهلك عند إخلال البائع بإبرام العقد النهائي.

الالتزام بتسليم العقار المنجز

يعتبر تسليم (17) العقار من الالتزامات الأساسية الملقاة على عاتق البائع وذلك عند حلول أجل التسليم المحدد في العقد الابتدائي.

حيث نص المشرع في الفصل 618.18 من القانون 107.12 على أنه “يتعين على البائع بمجرد حصوله على رخصة السكن أو شهادة المطابقة المشار إليهما في الفصل 618.6، وعلى أبعد تقدير ستين (60) يوما الموالية لتاريخهما أن يخبر المشتري بذلك في محل مخابرته المصرح به في عقد البيع الابتدائي أو عند الاقتضاء في عقد التخصيص بإحدى طرق التبليغ المعتمدة قانونا، وأن يقوم بالإجراءات اللازمة لتحيين الملك موضوع الرسم العقاري من أجل استخراج رسوم عقارية فرعية خاصة إذا كان العقار محفظا.

يتعين على البائع أن يخبر المشتري بواسطة نفس طرق التبليغ المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه بتاريخ استخراج الرسوم العقارية الفرعية داخل أجل لا يتجاوز ثلاثين (30) يوما الموالية لهذا التاريخ.”

وبالتالي فوضع العقار المبيع رهن تصرف المشتري لا يعني التسليم قطعا، حيث أن التسليم لا يحصل إلا بعد الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة وهي الشهادة المتبثة لمطابقة العقار لدفتر التحملات من طرف البائع داخل أجل 60 يوما .

حماية المستهلك عند الإخلال بإبرام العقد النهائي

الواجب على البائع، أنه بعد الحصول على رخصة السكنى أو شهادة المطابقة، توثيق هذا العقد مع المستهلك وفق الشكليات المتطلبة داخل أجل 30 يوما من تاريخ التوصل بالإشعار المنصوص عليه في المادة 618.18 من ق.ل.ع.

لكن، قد يرفض البائع إبرام عقد البيع النهائي، على اعتبار أنه الطرف القوي في هذه العلاقة التعاقدية، كما قد يتهافت وراء جني الأرباح فيعمد إلى إعادة بيع العقار، موضوع العقد الابتدائي إلى مشتر ثان يثمن أفضل.

وفي هذا الإطار منح الفصل 618.19 للطرف المتضرر رفع الأمر إلى المحكمة لحماية حقه وذلك عبر أحد الطريقين: دعوى إتمام البيع (1) أو دعوى الفسخ (2).

1: دعوى إتمام البيع

إذا أخل البائع عن إبرام العقد النهائي، جاز للطرف الأخر المشتري (المستهلك) أن يرفع دعوى إتمام البيع النهائي.

وفيما يخص المحكمة المختصة، صدر القانون 78.20 بالجريدة الرسمية بتاريخ 21 دجنبر 2020 والذي بمقتضاه تم تعديل المادة 202 من القانون 31.08 وثم إسناد الاختصاص النوعي فيما يتعلق بالنزاعات الناشئة بين المورد والمستهلك للمحكمة الابتدائية حصريا، وبانعقاد الاختصاص المكاني باختيار هذا الأخير إما لمحكمة موطنه أو المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المتسبب في الضرر.

ويتعين على المشتري (المستهلك) أن يدعم دعواه الرامية إلى إتمام البيع بالعديد من الحجج والأدلة المتمثلة فيما يلي:

ــ نسخة من عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز الذي يربطه بالمنعش العقاري.

ــ إثبات انتهاء أجل 30 يوم من تاريخ توصله بالإشعار الذي يفيد حصول البائع على رخصة السكنى أو شهادة المطابقة.

ــ عرض أداء بقية الثمن على البائع وإيداعه لدى صندوق الأمانات بالمحكمة إذا رفض تسلمه.

وفي هذا الصدد أصدرت المحكمة الابتدائية بمراكش بتاريخ 2010/02/25 جاء فيه ما يلي:” …. وحيث تبعا لذلك تكون المدعى عليها ملزمة قانونا بإتمام إجراءات البيع مع المدعيين بشأن الفيلا المذكورة طبقا للفصل 235 أعلاه، والفصل 618 وما يليه من ق.ل.ع، وهو ما يبقى معه طلب المدعيين وجيها ويموت بالتالي حريا الاستجابة له، وذلك بإمضائها على عقد البيع النهائي معهما بعد أدائهما لها باقي الثمن وقدره ….، وفي حالة امتناعها اعتبار هذا الحكم بمثابة عقد بيع نهائي بين الطرفين …” (18)

2: دعوى الفسخ               

بالإضافة إلى دعوى إتمام البيع عند امتناع البائع عن احترام التزامه بإبرام العقد النهائي، فإنه بإمكانه رفع دعوى الفسخ الذي تقرره المحكمة طبقا للفصل 618.19 من القانون 107.12 .

ويجب على المدعي (المستهلك) أن يسند دعواه الرامية إلى فسخ العقد بالوثائق والحجج التالية:

ــ الإدلاء للمحكمة بنسخة من العقد الابتدائي للعقار في طور الإنجاز.

ــ إثبات امتناع المنعش العقاري عن إبرام عقد البيع النهائي، من خلال انتهاء أجل ثلاثين يوما من تاريخ توصل المستهلك بالإشعار الذي يفيد حصول البائع على رخصة السكنى أو شهادة المطابقة.

ــ الوفاء بالتزاماته العقدية الملقاة على عاتقه، أو على الأقل إبداء رغبة أكيدة للوفاء بها. ومن بين هذه الالتزامات إثبات الأداء الكلي للثمن النهائي المحدد في العقد الابتدائي، أو الأداء الجزئي من سلوك مسطرة إيداع بقية الثمن لدى صندوق الأمانات بكتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي يقع بدائرتها الترابية العقار المبيع (19).

 

 

خاتمة

وختاما من خلال ما سبق، نلاحظ أن المشرع المغربي من خلال القانون 107.12 والقانون 31.08 ، جاء بمجموعة من المستجدات تهدف إلى حماية المستهلك (المشتري) في بيع العقار في طور الانجاز ويتجلى ذلك في :

ــ التنصيص صراحة على بطلان العقود المتعلقة ببيع العقار في طور الإنجاز التي لم تتم وفق أحكام القانون المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز.

ــ إمكانية إجراء التقييد الاحتياطي لبيع العقار في طور الإنجاز من طرف المشتري ودون ضرورة موافقة البائع.

ــ إمكانية المشتري الرجوع عن العقد وفق للأجل المنصوص عليه في القانون 107.12 .

إلا أنه رغم هذه الجهود التشريعية المبذولة لحماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، لازالت غير كافية لتجاوز جميع الإشكالات التي تواجه المستهلك في عملية بيع العقار قيد الانجاز ، ومن أجل تجاوز تلك الإشكالات نقترح :

ــ التنصيص صراحة على وجوب أن يشمل ضمان البائع العيوب الظاهرة أيضا إلى جانب العيوب الخفية، على غرار ما سار عليه التشريع الفرنسي.

ــ تشديد الرقابة على جميع مراحل عملية البناء وتنبيه المشرفين على الورض حينه بالعيوب والنقائص والمخالفات التي شابت المشروع وحثهم على إصلاحها أو ملائمة ما تم تشييده مع ضوابط البناء والتعمير.

 

 

 

 

 

 

 

 

الهوامش

  • رضوان العوداني :” حماية المستهلك في بيع العقار في طور الإنجاز ـ دراسة على ضوء قانون 107.12 و31.08″، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر الدراسات العقارية، سنة 2015/2016، جامعة عبد المالك السعدي بطنجة، ص: 1
  • القانون 107.12 القاضي بتغيير وتتميم القانون 44.00 بشأن العقارات في طور الإنجاز، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.05 بتاريخ 23 من ربيع الأخر 1437 (3 فبراير 2016) الجريدة الرسمية عدد 6440 بتاريخ جمادى الأولى 1437 (18 فبراير 2016) ص: 932.
  • ظهير شريف رقم 1.02.309 صادر في 25 رجب 1423 الموافق 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 44.00 المتمم بموجبه الظهير الشريف الصادر في رمضان 1331 الموافق 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود.
  • ابراهيم أحطاب :” الوسيط في العقود المدنية الخاصة”، الطبعة الثالثة 2022، مطبعة المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ص: 212 .
  • نور الدين الرحالي :” التطبيقات العملية الحديثة في قضايا الاستهلاك”، مطبعة الرشاد سطات، الطبعة الأولى 2014، ص:124.
  • عبد الرزاق أيوب : ……
  • فيروز بجدادي :” تاريخ العقد ــ دراسة تأصيلية لتاريخ سريان العقد في ضوء القانون المغربي والقانون المقارن”، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، الطبعة الأولى 2022، ص: 44.
  • مروة كويرة :” القيمة القانونية للعقد الابتدائي : بيع العقار في طور الإنجاز” رسالة لنيل دبلوم الماستر، ماستر العقار والتنمية، جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الدراسية 2014 ـ 2015، ص: 143 .
  • مأمون الكزبري :” التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي”، الجزء الأول، الطبعة الثانية سنة 1987، مطبعة شركة الهلال العربية للطباعة والنشر الرباط، ص: 126 .
  • مروة الكويرة :” القيمة القانونية للعقد الابتدائي : بيع العقار في طور الإنجاز نموذجا” مرجع سابق ص: 143
  • حسن برني زعيم :” بيع العقار في طور الإنجاز ومستجدات القانون 107.12″ رسالة لنيل دبلوم الماستر، ماستر الدراسات العقارية جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2015/ 2016 ص: 62
  • حسني برني زعيم :” بيع العقار في طور الإنجاز ومستنجدات القانون 107.12″ مرجع سابق، ص: 63 .
  • عبد الرزاق أيوب : مظاهر حماية المستهلك في بيع العقار في طور الإنجاز، مجلة القضاء المدني، السلسلة 5، ص: 19
  • فيروز بجدادي :” تاريخ العقد” مرجع سابق ص: 57 .
  • تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 16 من القانون 107.12 على أنه :” .. ويتوقف تحرير عقد البيع النهائي على الإدلاء برخصة السكن أو شهادة المطابقة واستخراج الرسوم العقارية الفرعية بالنسبة للعقارات المحفظة وبعد أداء المشتري ما تبقى من ثمن البيع كما هو محدد في عقد البيع الابتدائي …”
  • رضوان العوداني :” حماية المستهلك في بيع العقار في طور الإنجاز ـ دراسة على ضوء قانون 107.12 و31.08″، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر الدراسات العقارية، سنة 2015/2016، جامعة عبد المالك السعدي بطنجة، ص:96.
  • عرف المشرع المغربي التسليم من خلال المادة 499 من قانون الالتزامات والعقود على أنه :” يتم التسليم حين يتخلى البائع أو نائبه عن الشيء المبيع ويضعه تحت تصرف المشتري بحيث يستطيع هذا حيازته بدون عائق”
  • حكم وارد في دليل الأحكام في المادة العقارية الصفحة 287، أصدرته مديرية تكوين الملحقين القضائيين والقضاة، بدون ذكر المطبعة تاريخ النشر.
  • رضوان العوداني :” حماية المستهلك في بيع العقار في طور الإنجاز ـ دراسة على ضوء قانون 107.12 و31.08″،مرجع سابق، ص: 113 .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى