تقديــم:
يمكن القول بأن المستشار القانوني أو الشخص الاستشاري هو الشخص أو الجهة التي يطلب منها تقديم الاستشارة وما تتضمنه من جهود وخبرات علمية وعملية تساعد المنظمة أو الهيئة طالبة الاستشارة على معالجة المشكل والمعوقات التي تعترض خططها وبرامجها في التغيير والتطوير، أيا كان مشكل وطبيعة أو تكوين الجهة التي تقدم الاستشارة. فالاستشارة القانونية تفترض أن شخصا ما أو جهة معينة تريد أن تعرف حكم القانون في مسألة معينة، وذلك انطلاقا من العناصر الواقعية المراد الحكم القانوني بشأنها. وبالتالي ضرورة الالتزام بالخطوات المنهجية في إعطاء الاستشارة القانونية.
وإذا كانت الاستشارة القانونية كما هو وارد في التعريف الكلاسيكي بأنها ذلك الرأي القانوني، فإن هذا الأخير يجب أن يكون محايدا أو موجها.
فالرأي المحايد أو ما يسمى بالاستشارة المحايدة: فالغاية منها هو توجيه طالب الاستشارة بخصوص المسائل والقضايا القانونية المطروحة، يقوم فيها المستشار بتحليل عام للعناصر المتعلقة بهذه المسألة أو القضية، وتهدف الأحادية إلى تنوير المستشير بجميع النقاط الإيجابية والسلبية الخاصة بالمسألة أو القضية القانونية، أي تبيان جميع النقاط التي من الممكن أن تعود على المستشير بالمنفعة أو المضرة.
أما الرأي الموجه أو الاستشارة الموجهة: هي التي تكون في حالة قيام نزاع بين الطرفين أو أكثر أو نزاع يحتمل وقوعه مستقبلا، وفي هذه الحالة تكون الاستشارة أكثر عمقا ولا يكتفي فيها المستشار بتنوير المستشير فحسب، بل يبين فيها رأي القانون بدقة لترجيح كفة طالب الاستشارة أمام القضاء، ويبرز فيها المستشار النتائج و الآثار القانونية بخصوص المسألة المطروحة، وإيضاح ما يتعين فعله من قبل طالب الاستشارة لحصر آثار ذلك في أضيق نطاق.
وبالتالي فالاستشارة القانونية من خلال هاتين الخاصيتين تسعى إلى مساعدة مجموعة من الأشخاص من الناحية القانونية، بحيث ليس هناك مجال للتفرقة ، فسواء كانت هذه الأشخاص طبيعية أو معنوية ونخص بالذكر هنا المقاولة باعتبارها موضوع هذا العرض، وباعتبارها قد تحتاج إلى استشارة قانونية في حالة تعرضها لصعوبات من شأنها أن تخل باستمرارية استغلالها، فهي تسعى إلى هدف واحد ألا وهو تقديم الرأي القانوني المناسب، ومن هنا تظهر أهمية الاستشارة القانونية كرأي من شأنه أن يقدم الحلول الكفيلة لتصحيح وضعية المقاولة، لكن تبقى هناك أجهزة أخرى تعتبر هي الأصل ويمكن أن تتدخل في تصحيح وضعية المقاولة، ولا يقف دورها عند حد تقديم رأي قانوني فحسب، إلا أنه يصب في نفس الاتجاه الذي يمكن أن يذهب فيه المستشار القانوني ألا وهو النهوض بالمقاولة التي تعاني من صعوبات.
وعليه فما هي الأجهزة التي يمكن لها أن تتدخل لإنقاذ المقاولة من هذه الصعوبات؟؟ وهل يمكن للمستشار القانوني أن يكون من ضمن هذه الأجهزة التي من شأنها مساعدة المقاولة لتجاوز الصعوبات التي من شأنها أن تخل باستمراريتها؟
للإجابة عن هذه الإشكالات، سنعتمد خطة بحث مقسمة إلى مبحثين:
المبحث الأول: سنخصصه للأجهزة التي يمكن لها أن تتدخل لإنقاذ المقاولة من الصعوبات.
المبحث الثاني: سنخصصه للدور الذي يمكن أن به المستشار القانوني كجهاز ومؤسسة يعترف لها بالكفاءة القانونية في مساعدة المقاولة من الصعوبات التي تعاني منها.
المبحث الأول: الأجهزة الأصلية المتدخلة في مسطرة صعوبة المقاولة.
بالرجوع إلى القانون المنظم لمساطر المقاولة وأخص بالذكر هنا بالكتاب الخامس من مدونة التجارة، نجده قد حدد لنا مجموعة من النصوص القانونية التي تتحدث عن الأجهزة التي تتدخل لمساعدة المقاولة لتجاوز الصعوبات التي من شأنها أن تعرقل سير نشاطها. ومن هذه الأجهزة هناك الوكيل الخاص (المادة 549 من مدونة التجارة)، ثم المصالح (المادة 553 من مدونة التجارة)، وأخيرا السنديك (المادة 568 من مدونة التجارة).
وهو ما سنحاول أن نوضحه من خلال هذا المبحث فبل الحديث عن مدى إمكانية قيام المستشار القانوني بلعب دور طلائعي في مساعدة هذه المقاولة.
وعليه سنقسم هذا المبحث إلى شكلين:
المطلب الأول سنخصصه لمؤسسة الوكيل الخاص.
المطلب الثاني سنخصصه لمؤسسة المصالح
في حين سنخصص المطلب الثالث: للسانديك.
المطلب الأول: مؤسسة الوكيل الخاص كجهاز يتدخل في محاضر صعوبة المقاولة.
تنص المادة 549 على أنه "إذا تبين أن صعوبات المقاولة قابلة للتدليل بفضل تدخل أحد الأغيار يكون بمقدوره تخفيف الاعتراضات المحتملة للمتعاملين المعتادين مع المقاولة. عينه رئيس المحكمة بصفته وكيل خاص وكلفه بمهمته وحدد له أجلا لإنجازها".
ومن خلال قراءتنا الأولية لهذه المادة يتضح على أنه يمكن تعيين الوكيل الخاص لإنجاز مهمة معينة ومتمثلة في تخفيف الاعتراضات المحتملة للمتعاملين مع المقاولة، وذلك بإذن من رئيس المحكمة بعد أن يتوصل إلى تكوين صورة متكاملة عن الوضعية الاقتصادية والمالية للمقاولة.
غير أن ما تجب ملاحظته أن المشرع من خلال المادة 549 قد تحدث بنوع المن الغموض عن مؤسسة الوكيل الخاص، بحيث استعمل عبارة " وكلفه بمهمته" ولم يحدد الشروط الواجب توفرها للقيام بهذه المهمة ولا عن الكيفية التي سينفذ بها هذه المهمة كما أنه لم يحدد الأجر الذي يستحقه هذا الوكيل، واستعمل أيضا عبارة أخرى " وحدد له أجلا لإنجاز مهمته" ولم يحدد مدة هذا الأجل.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن تعيين الوكيل هو اختياري وغير إلزامي بالنسبة لرئيس المحكمة، مما يفضي إلينا أن رئيس المحكمة تبقى له الحرية الكاملة في اختيار ما شاء من الغير ليكون وكيلا خاصا.
المطلب الثاني: مؤسسة المصالح ودوره في صعوبة المقاولة.
لقد حدد المشرع مهمة المصالح في أمرين اثنين أولاهما القيام بما من شأنه أن يسهل سير المقاولة، وثانيهما العمل على إبرام اتفاق مع الدائنين[1].
وإذا كان المصالح يتميز عن الوكيل الخاص من حيث المهام المنوطة إليه إذ يجب على المصالح أن ينجز مهمته في مدة لا تتجاوز 3 أشهر مع إمكانية تمديدها إلى شهر واحد بناء على أمر من رئيس المحكمة وبطلب من المصالح فإنه من ناحية أخرى يتشابه مع الوكيل الخاص من حيث أن كلاهما لم يحدد نوعية الأشخاص الذين يمكن أن تسند إليهم هذه المهمة ولا عن مؤهلاتهم العلمية ولا عن خبراتهم وقدراتهم العملية. وأمام هذا الفراغ فقد فتح الباب لاعتماد مؤسسات متعددة للقيام بمهمة المصالح شريطة أن تتوفر على الكفاءة المطلوبة قصد الوصول إلى حل واتفاق مع الدائنين[2]، ونعتقد أن المستشار القانوني قد يكون من ضمن هذه الأجهزة التي يمكن أن تقوم بهذا الدور وهو ما سنعمد على توضيحه في المبحث الثاني.
المطلب الثالث: السانديك كجهاز متدخل في صعوبة المقاولة.
يرى بعض الفقه بأن السانديك لفظ ليس عربي بل هو من الألفاظ الدخيلة على اللغة العربية وهو مشتق من اللفظ اللاتيني Sinolicus الذي كان يستخدمه الرومان للتعبير عن نائب المدينة أي العمدة، ولفظ سانيدك يستعمل في التشريع الفرنسي والتشريع الإسباني، أما في ألمانيا فيطلق عليه مدير الإفلاس وفي إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية أمين الإفلاس.
والسانديك عند هذه التشريعات هو وكيل عن جماعة الدائنين، يعين بموجب القانون من أجل العمل باسمها، ويعتبر في نفس الوقت ممثل عن المفلس[3]. ومن خلال استقرائنا لمقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة المغربية والمتعلقة بصعوبة المقاولة، نستشف بأنه لا يوجد أي تعريف محدد للسانديك رغم أهمية مهامه في إطار مساطر صعوبة المقاولة[4].
وعليه سنحاول التطرق إلى تعيين السنديك ومهامه في المطلب الأول ثم المسؤولية في المطلب الثاني.
أولا: تعيين السنديك ومهامه.
أثناء الحكم بفتح المسطرة ضد المقاولة المتوقفة عن دفع ديونها تقوم المحكمة التجارية المختصة بتعيين السانديك، باعتباره الجهاز الذي يحرك الآلة الاقتصادية والاجتماعية والقانونية لمسطرة معالجة صعوبات المقاولة وذلك تحت إشراف القاضي المنتدب، وقد حدد المشرع الطريقة والكيفية التي يتم بها تعيين السانديك والتي نص عليها المشرع في المادة 568 من مدونة التجارة التي تنص على أنه "تزاول مهام السانديك من طرف كتاب الضبط ويمكن للمحكمة عند الاقتضاء أن تسندها للغير".
ومن خلال مقتضيات هذه المادة نجد أن السنديك يتم تعيينه من بين كتاب الضبط كقاعدة ، واستشناء يمكن إسناد هذه المهمة للغير. وهكذا فإن المدونة الجديدة أصبحت تأخذ بقاعدة السنديك الواحد عوض المدونة القديمة أو الملغاة التي كانت تسمح بزيادة العدد إلى ثلاثة ساندكا.
وبخصوص المهام التي يقوم بها السنديك، فبحكم أنه المحرك الأساسي لمسطرة معالجة صعوبة المقاولة، فقد أناط به المشرع اختصاصات كثيرة ولا أدل على ذلك تلك النصوص القانونية الكثيرة التي يستمد منها السنديك مهامه وسلطاته والتي تتجلى فيما يلي:
- المادة 573 من م. ت: السنديك واحده يطالب بتنفيذ العقود.
- المادة 577 من م. ت: يمكن في جميع الأحوال للسنديك أن يستعمل حسابات المقاولة البنكية أو البريدية لما فيه مصلحة المقاولة.
- المادة 585 من م. ت: يبلغ السنديك للمقاربين المقترحات التي يتم التقدم بها من أجل تسديد الديون وذلك تبعا لإعدادها وتحت رقابة القاضي المنتدب .
- المادة 587 من م. ت: يعد السنديك تقريرا عن وضعية التسوية القضائية وعن سير نشاط المقاولة منذ فتح المسطرة.
- المادة 588 من م. ت: يعد السنديك قائمة بالأجوبة التي قدمها الدائنون عند نهاية استشارتهم الفردية أو الجماعية.
إلى غير ذلك مما نصت عليه مواد مدونة التجارة والتي تصب في اتجاه واحد ألا وهو تصحيح المقاولة وفتح باب التشاور بين رئيس المقاولة والدائنين لإنقاذ المقاولة.
كما يقوم السانديك أيضا بمهمة التحقيق التي نص عليها المشرع في الفقرة الأولى من المادة 686 من مدونة التجارة إذ يتعين على الدائنين الذين نشأت ديونهم قبل فتح المسطرة أن يقدموا تصريحاتهم بهذه الديون للسانديك، هذا الإجراء الذي يقوم بالتحقق منها ليحدد على ضوئها خصوم المقاولة التي تحظى بحق المشاركة في توزيع أصول المقاولة بين الدائنين حسب المرتبة التي يحتلها دين كل واحد منهم[5].
إلى جانب وظيفة أخرى تعتبر أكثر الوظائف خطورة وهي وظيفة الاقتراح إذ غالبا ما تعتمد المحكمة في اختيارها للحل الذي يلاءم وضعية المقاولة المتوقفة عن الدفع على اقتراح السنديك من أجل إيجاد كل للمقاولة مما يتطلب من السنديك أن يكون على دراية قانونية واقتصادية حتى يتمكن من الإلمام بكل جوانب المالية والإدارية[6]. وفي حالة ارتكابه لأي خطأ أو أهمل أو قصر في المهام الموكولة إليه مما أثر سلبا على المقاولة التي تتواجد في حالة صعوبة، فإن ذلك قد يترتب عليه إما مسؤولية مدنية أو جنائية.
وهذا ما سنتطرق إليه من خلال المطلب الثاني.
ثانيا: مسؤولية السنديك.
لقد سبقت الإشارة إلى أن السنديك يتم تعينه من بين كتابة الضبط أو من الغير (المادة 568 من م. ت) ليقوم بمجموعة من المهام والصلاحيات التي من شأنها تصحيح وضعية المقاولة وتحمي حقوق الدائنين، إلا أنه أثناء ممارسته لمهامه قد يرتكب أخطأ تجعله يتحمل المسؤولية، هذه الأخيرة تختلف حسب نوع الخطأ، فتكون المسؤولية إما مدنية أو جنائية.
أ: المسؤولية المدنية:
تختلف بحسب ما إذا كان السنديك معين من بين كتاب الضبط أو من الغير، بحيث إذا كان معين من بين كتاب الضبط تطبق عليه مقتضيات الفصل 79 و 80 من ق. ل . ع المغربي، وبناء على الأحكام المادتين السالفتين الذكر يمكن التمييز بين الأخطاء المصلحية التي تتصل بممارسة الوظيفة والتي لا يسأل عنها الموظف بل الدولة وتتحمل تعويض المتضرر بسبب الخطأ المصلحي، وبين الأخطاء الشخصية التي يرتكبها السانديك انطلاقا من تدليس أو الأخطاء الجسيمة الصادرة منه أثناء أداءه لوظيفته[7].
وفي الحالة التي يكون فيها السانديك معين من الغير فإن المسؤولية المدنية التي يمكن أن ترمى على كاهله تكون بناء على قواعد خاصة بالوكيل المأجور المنصوص عليها في المادتين 903 و 904 من ق. ل.ع إذ أن علاقة السانديك بالغير تكون بناء على المسؤولية التقصيرية أما فيما يخص علاقته مع رئيس المقاولة فإنها تكون مسؤولية تعاقدية[8].
ب: المسؤولية الجنائية:
وتتعلق بمجموعة من الأفعال الغير المشروعة التي قام بها أثناء ممارسة مهامه، وتأخذ شكل إحدى الجرائم العامة والمعاقب عليها بموجب القانون الجنائي[9]. أو إحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون التجاري، وهكذا يتابع بناء على مقتضيات المادة 224 من القانون الجنائي، باعتباره موظفا عموميا، كما يسأل جنائيا كذلك حسب المادة 724 من مدونة التجارة.
وعموما يبقى للدور الذي يقوم به السانديك الأثر الكبير في تصحيح وضعية المقاولة التي تعاني من صعوبات، كما يقوم بدور محوري في تحريك الآليات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الهادفة إلى إنقاذ المقاولة المتعثرة، فمؤسسة السانديك تعتبر هي المؤسسة التي ترى فيها المحكمة أنها تستطيع النهوض بوضعية المقاولة. ويبقى الإشكال المطروح هو إذا كان السانديك من خلال ما يقدمه من اقتراحات وآراء قانونية ومبادرات تهدف إلى إيجاد حلول مناسبة للمقاولة التي تعاني من صعوبات من شأنها أن تخل باستمرارية استغلالها، فكيف يمكن للمستشار القانوني أن يتدخل بدوره للقيام بما من شأنه أن ينهض بالمقاولة التي تعاني من صعوبات؟
المبحث الثاني: المستشار القانوني كجهاز يتدخل في صعوبات المقاولة.
لقد سبقت الإشارة إلى أن المشرع قد أسند إلى المحكمة مهمة تعيين الشخص الذي يمكنه أن يساعد المقاولة وهي في مرحلة معينة من الصعوبة، وهذا الشخص يمكن أن يكون وكيلا خاصا ويمكن ان يكون مصالحا كما يمكن أن يكون سنديكا غير أن المشرع عندما لم يعطي تعريفا دقيقا وقارا لهذه الأجهزة فإنه قد فتح المجال لاعتماد أجهزة أخرى خارج المحكمة ومن قبيلها المستشار القانوني على اعتبار أن المشرع عندما لم يحدد نوعية الأشخاص الذين يمكن أن تسند إليهم هذه المهمة، ولا عن مؤهلاتهم العلمية ولا عن جدارتهم وقدراتهم العملية، فيمكن للمستشار القانوني باعتباره ملما بمختلف فروع القانون أن يقوم بهذه المهمة. فإنه قصد إمكانية تعيين أجهزة أخرى وعليه نعالج دور المستشار باعتباره مؤسسة مهمة لفروع القانون للتدخل في هذه الصعوبات.
وبالتالي كيف يمكن للمستشار القانوني أن يقوم بهذا الدور ؟
الإجابة عن هذا السؤال ستدفعنا إلى تقسيم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب:
- المطلب الأول سنخصصه لدور المستشار القانوني مع الأجهزة الأخرى في تحريك مسطرة الصعوبة.
- المطلب الثاني سنخصصه لدور المستشار القانوني كوكيل خاص.
- المطلب الثالث سنخصصه لدور المستشار القانوني كمصالح.
المطلب الأول: دول المستشار القانوني مع الأجهزة الأخرى في تحريك مسطرة الصعوبة (الوقاية الداخلية).
وعيا من المشرع المغربي بأهمية الوقاية الداخلية والمحافظة على استمرارية المقاولة ونجاحها، أوكل تحريك هذه المسطرة إلى مراقب الحسابات إن وجد أو الشريك، ويبقى السؤال الذي يثار هو هل للمستشار مكان داخل هذه الأجهزة؟
فبالنسبة لمراقب الحسابات إذا كان إلزاميا في كل من شركات المساهمة حسب التوجه الذي ذهب إليه المشرع ، فإنه يبقى اختياريا في شركة التضامن والتوصية البسيطة والتوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة مالم يتجاوز رقم معاملاتها رقما معين عند انتهاء السنة المالية دون احتساب الضرائب. لكن بالرغم من أهمية مراقب الحسابات يبقى دوره محدودا على الرغم من الصلاحيات المنوطة به والمسؤولية الملقاة على عاتقه أثناء مرحلة الوقاية الداخلية، على اعتبار أن وجوده ليس بشكل مضمون[10].
فهل يستطيع المستشار القانوني إلى جانب الشريك أن يسد هذا النقص؟
إن تشعب القضايا وتنوع المعاملات التجارية والاقتصادية وتعقد الإجراءات القانونية أمام المقاولة أصبح معه من اللازم تفعيل دور المستشار داخلها سيما وأنها أصبحت تشكل أرضة تلتقي فيها العديد من المصالح الفردية والجماعية.
المستشار القانوني: له دور فعال في إيجاد الميكانيزمات لإنقاذ المقاولة من الانهيار أو التدهور الذي يمكن أن تصل إليه بفعل الصعوبات التي يمكن أن تعترضها، فهو من خلال توجيهاته يمكن أن يقدم حلولا من شأنها أن تذلل الصعوبات. فرغم التدابير القانونية والنقاشات الملتهبة حول تأهيل المقاولة وتحديثها يبقى هناك غموض يعتري طريقة نصح المقاولة مع إحساسها بوجود خلل ما يعتريها[11]، فرغبة المشرع المغربي كلها رامية إلى تغليب الطابع الوقائي لنظام الصعوبة على الطابع التصفوي لها، وهذا في رأينا لا يتأتى إلا بوجود هياكل تكون قائمة على اكتشاف الخلل القانوني الذي تتخبط فيه المقاولة لذلك كان على المشرع أن يقوم بتخصيص نصوص تفعل دور المستشار القانوني إلى جانب الأجهزة المكلفة بتحريك مسطرة الوقاية الداخلية على اعتبار أن تفعيله من شأنه أن يزكي فلسفة المشرع الرامية إلى إضفاء الطابع الوقائي للمسطرة.
المطلب الثاني: دور المستشار القانوني كمصالح.
كما هو معلوم أنه يمكن لرئيس المقاولة أن يتقدم إلى رئيس المحكمة التجارية بطلب يتضمن الوسائل والاقتراحات التي يرى من شأنها أن تصحح وضعية مقاولته، ومن بين هذه الاقتراحات أن يطلب من رئيس المحكمة تعيين مصالح، وبما أن المشرع لم يحدد صفة هذا المصالح ولم يتحدث عن مؤهلاته العلمية والعملية كما سبق الذكر، فيمكن أن يكون هذا المصالح مستشارا قانونيا وبالتالي يقوم بجميع المهام التي يقوم بها أي مصالح أخر معين من طرف المحكمة، ويمكن إجمال هذه المهام فيما يلي:
- أن ينجز مهمته في مدة لا تتجاوز 3 أشهر.
- كما يمكن أن تتمثل مهمته في أمرين اثنين:
+ أولهما: القيام بما من شأنه أن يسهل سير المقاولة.
+ وثانيهما: العمل على إبرام اتفاق مع الدائنين[12].
ومن الأدوار المهمة التي يقوم بها المستشار القانوني كمصالح أن يعرض على رئيس المحكمة الوقف المؤقت للإجراءات، كما يلعب دورا في تسهيل إبرام الاتفاق بعدما يستمع إلى رأي الرئيس منهم[13]، مما يرتب على الأمر الصادر من رئيس المحكمة بالوقف المؤقت للإجراءات أثارا نجملها فيما يلي:
- وقف الأمر المذكور و يمنع كل دعوى قضائية يقيمها جميع الدائنين ذوي دين سابق لهذا الأمر. تكون غايتها إما الحكم على المدين بتسديد مبلغ مالي أو فسخ عقد لعدم تسديد مبلغ مالي.
- يوقف الأمر المذكور ويمنع كل طريقة للتنفيذ يقيمها هؤلاء الدائنون سواء بشأن المنقولات أو العقارات.
- يوقف هذا الأمر الآجال المحددة والتي من شأن سريانها سقوط الحقوق أو فسخها.
- يمنع الأمر كذلك تحت طائلة البطلان، السداد الكامل أو الجزئي لأي دين سابق لهذا الأمر أو الأداء للضامنين الذين يوفون بالديون المترتبة سابقا، وكذلك القيام بتصرف خارج عن التسيير العادي للمقاولة أو منح رهن رسمي أو حيازي، ما لم يصدر ترخيص بذلك من رئيس المحكمة، غير أن هذا المنع لا يطبق على الديون الناشئة عن عقد العمل[14].
ومن خلال ما سبق يمكن للمستشار القانوني أن يلعب دورا هاما في صعوبة المقاولة وذلك على جميع الأصعدة سواء تعلق الأمر بتقديم الآراء القانونية والحلول الكفيلة للنهوض بها أو من خلال إسناد مهمة المصالح له على أساس الخبرة العلمية والعملية التي يتوفر عليها.
وإذا كان المستشار القانوني يمكن له القيام بمهمة المصالح في إطار صعوبة المقاولة، فيمكن له أيضا أن يقوم بمهمة الوكيل الخاص، علما أن هذه الأخيرة شأنها في ذلك شأن مهمة المصالح، لم يفرد لها المشرع شروطا ولم يتحدث عن كيفية القيام بها ولا عن الأجر المستحق أثناء تنفيذها. وإنما اكتفى في المادة 549 من مدونة التجارة بتسميته الوكيل الخاص.
وعليه فكيف يمكن للمستشار القانوني ممارسة مهنة الوكيل الخاص؟
المطلب الثالث: دور المستشار القانوني كوكيل خاص
بعد أن يتبين لرئيس المقاولة أن الصعوبات التي توجهها هذه الأخيرة قابلة للتذليل من طرف احد الأغيار، يرفع رئيس المقاولة إلى رئيس المحكمة التجارية طلبا يبين له فيه ضرورة تعيين هذا بصفته وكيلا خاصا، ويمكن للرئيسين معا (رئيس المقاولة والمحكمة) أن يتفقا على أن يكون هذا الوكيل الخاص مستشارا قانونيا مادام أن المشرع المغربي لم يتحدث عن الشروط الواجب توافرها في الغير المتدخل قصد القيام بمهمته على أكمل وجه ولا عن كيفية قيامه بتلك المهام، ولا عن الأجر الذي يستحقه م 549.
ومن خلال مقتضيات (م 549 من مدونة التجارة)[15] فقد أشار المشرع إلى تكليف هذا الوكيل الخاص بمهمته دون ذكر لطبيعة هذه المهمة ولا لحدودها، مكتفيا بالإشارة إلى أن يكون بمقدوره تخفيف الاعتراضات المحتملة للمتعاملين المعتادين مع المقاولة، كما ألزم المشرع المحكمة بتحديد أجلا للوكيل الخاص قصد إنجاز مهمته دون أن يبين له كيفية هذا التحديد[16].
خـاتـمـة
وعموما يبقى الدور الذي يقوم به المستشار القانوني كمصالح أو كوكيل خاص أو غير ذلك، مجرد حبر على ورق لأنه من الناحية العملية لازال يعتبر أمرا صعبا ولازالت تعترضه بعض الإكراهات، وهو ما أوضحه لنا رئيس المحكمة التجارية بالرباط وكذلك رئيس مصلحة كتابة الضبط بنفس المحكمة أثناء قيامنا بزيارة لها قصد الاطلاع أكثر على ما يمكن أن يقدمه المستشار القانوني في صعوبة المقاولة، حيث اتفق وأجمع الرئيسين معا على رأي واحد هو أن مؤسسة المستشار القانوني هي مؤسسة تتميز بالكفاءة والحنكة القانونية ولا مجال للنقاش في ذلك، إلا أن الإشكال يبقى مطروحا في كون المستشار القانوني في الوقت الراهن، لا يمكن أن يلعب دورا في صعوبة المقاولة وتعليلهم لذلك عبر عنه السيد رئيس مصلحة كتابة الضبط الذي قال أن الجهاز الذي يمكن للمحكمة أن تعينه لكي يتدخل في صعوبة المقاولة، يجب أن يكون منظما قانونا وهذا الأمر ينطبق فقط على السانديك والمصالح والوكيل الخاص، في حين أن المستشار القانوني لا يمكن أن يتدخل إلا في بعض مراحل الصعوبة والتي اعتبرها على حد قوله مراحل حساسة.
اللهم إلا إذا طلب رئيس المقاولة التي تعاني مقاولته من صعوبات مساعدة المستشار القانوني في مرحلة الوقاية الداخلية لإرشاده وإعطائه حلا يفيد مقاولته مادامت أن المسألة في يد رئيس المقاولة ولم تنتقل إلى المحكمة (الوقاية الخارجية – مسطرة المعالجة – التصفية القضائية)، أو أن يتدخل لمساعدة الأجراء لمعرفة وضعيتهم القانونية عند تعرض مقاولتهم لصعوبات.
[1] – حسن رقيب، محاضرات في صعوبة المقاولة، ص 17 وما يليها.
[2] – محمد البعداوي، دور السنديك في إدارة المقاولة الخاضعة لمسطرة التسوية القضائية، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات سلسلة القانون والممسارة القضائية العدد 5 سنة 2005، ص 110.
[3] – الدكتور محمد المحبوبي، أستاذ جامعي بكليتي الحقوق بالرباط – السويسي ، والدار البيضاء، مؤسسة السنديك في إطار صعوبة المقاولة، ندوة حول 8 سنوات من تطبيق التشريع الجديد للمساطر الجماعية بالمغرب (صعوبة المقاولة).
أنظر أيضا:
امحمد لفروجي، صعوبة المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2000، ص 228 – 231.
[4] – abdeljalil alhammouni, droit des difficultés de l’entreprise 2éme édition année 2005.
[5] – أحمد شكري السباعي، الوسيط في مسطرة الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة، ومساطر معالجتها، دراسة معمقة في قانون التجارة المغربي الجديد والقانون المقارن، الجزء الثالث، ط الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 2000، ص 215.
[6] – أحمد شكري السباعي، المرجع السابق، ص 167.
[7] – أنظر:
المادة 80 من ق. ل. ع التي تنص على أن "مستخدمو الدولة والبلديات مسئولون عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم".
[8] – امحمد لفروجي، المرجع السابق، ص 238.
[9] – جرائم التزوير والنصب المنصوص عليها في
[10] – سعد القاسمي، خصوصية نظام صعوبة المقاول دراسة مقارنة لنيل رسالة الدراسات المعمقة في قانون الأعمال بجامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالبيضاء، 1992. ص 112.
[11] – فتيحة المشماشي، أزمة معالجة صعوبة المقاولة، أطروحة لنيل دكتورا الدولة في الحقوق، جامعة محمد الخامس أكدال 2006-2007 ، ص 79.
[12] – د. حسن رقيب، المرجع السابق، ص 18.
[13] – د. حسن رقيب، محاضرات في صعوبة المقاولة، السنة الجامعية 2009-2010 ، ص 18.
[14] – د. حسن رقيب، المرجع السابق، ص 19.
[15] – المادة 549 من مدونة التجارة والتي جاء فيها "
[16] – د. حسن رقيب، المرجع السابق، ص 14.