في الواجهةمقالات قانونية

دور الموارد البشرية في تفعيل الحكامة الترابية على مستوى الجماعات.

دور الموارد البشرية في تفعيل الحكامة الترابية على مستوى الجماعات.

سليم المنصوري

طالب باحث في سلك الدكتوراه

 

تعتمد الحكامة الترابية على آليات والوسائل، التي من خلالها يمكن ترشيد وعقلنة تدبير الشأن العام الترابي للجماعات. وتعد الموارد البشرية أساسها سواء تعلق الأمر بالمنتخبين ، بل يمتد الأمر إلى الموظفين الجماعيين، رجال السلطة في المستويات المختلفة الإدارة الترابية، ثم المنظمات غير الحكومية وكذا باقي الفاعلين الترابيين.

تشكل الموارد البشرية حجر الزاوية و الركن الأساسي في الحكامة الترابية، فهي تعد المسؤولة قانونيا وإداريا ومؤسساتيا عنها ، ومؤشرا لمدى تكريسها ونجاحها.

و يحيلنا هذا الموضوع إلى طرح الإشكالية التالية:

  • إلى أي حد ساهمت الموارد البشرية في تفعيل مبادئ الحكامة الترابية على صعيد  الجماعات، وما مدى مساهمتها في تحقيق التنمية الترابية؟ .

ولتناولنا لهذا الموضوع يقتضي منا تقسيمه إلى مطلبين أساسيين، سنتطرق في المطلب الأول إلى المنتخبون ورجال السلطة، على أن يخصص المطلب الثاني  لأهمية المنظمات غير الحكومية وباقي الفاعلين الجدد في ترسيخ مبادئ الحكامة الترابية.

المطلب الأول: المنتخبون ورجال السلطة .

إن التحولات العميقة التي مست دور الدولة والجماعات تستلزم على المنتخبين الترابيين ورجال السلطة في مختلف مستويات الإدارة الترابية آن يكونوا أكثر دينامية وفعالية داخل منظومة الحكامة الترابية لتحقيق التنمية.

الفقرة الأولى : المنتخبون .

أصبحت الجماعات بالمغرب تحظى باهتمام مختلف الأطراف، سواء الجهاز الرسمي أو التنظيمات السياسية، والفعاليات الوطنية، وهيأت المجتمع المدني، باعتبار أن الجماعات قطب التنمية الترابية، و المحرك الرئيسي للدورة الاقتصادية الترابية بالإضافة أنها أصبحت شريكا إلى جانب الدولة والقطاع الخاص في كل القرارات الاقتصادية الوطنية[1]، لذلك أصبحوا المنتخبون الجماعيون في إطار القانون التنظيمي رقم 113.14  محط اهتمام كبير من طرف الدولة لممارسة وظائف جديدة في إطار تنمية منطقتهم وجلب المشاريع العمومية و الخاصة ، وكذا مساهمتهم في إبراز مؤهلاتها .

ويقصد بالمنتخب الجماعي ذلك العضو المنتخب الذي حظي بثقة الناخبين، والمكلف بقوة القانون بتدبير شؤون الجماعة طبقا للقانون[2]. فالمنتخب المحلي بذلك يشكل الأداة الرئيسية داخل الهياكل البشرية للحكامة الترابية وذلك بالنظر إلى ما يتوفر عليه من صلاحيات واسعة في مجال الإشراف على الشأن العام الترابي، وذلك يعتبر محرك دواليب التنمية بالجماعة و المسؤول في شؤونها ومشاريعها وبرامجها.

كما يشكل المنتخب احد مكونات النخبة الترابية، إذ أن النخبة الترابية وفي مسيارتها لمتطلبات الدينامية الاجتماعية الترابية تقوم بالمساهمة المباشرة في عملية تدبير الشأن العام الترابي عبر مختلف المقترحات والمبادرات التي تتقدم بها بهدف ضمان فعاليتها  وكفاية مرد وديتها، لكي تتناسب مع حاجيات الساكنة[3]. ولهذا فالمنتخب الترابي ملزم بأن يصبح منفذا استراتيجيا لأهم الاختيارات المعروضة، فهذه الأخيرة هي المسألة المهمة بالنسبة للمقرر السياسي حيث تمكن المنتخب من وضع حد لانتظارات عدد كبير من الناخبين. فالمواطنون بصفتهم أفراد داخل الجماعة يتوخون تحقيق فعالية وكفاية مطالبهم تجاه النخبة المحلية التي اكسبوها مشروعية التفكير و التخطيط بإسمهم فيما يخص مصالحهم.

وهكذا فنجاح الجماعات في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تحتاج إلى منتخبين وموظفين قادرين على بلورة تصور نموذجي يساهم بشكل فعال في تنمية جماعتهم.

الفقرة الثانية: رجال السلطة .

يحتل رجال السلطة مكانة أساسية داخل الهرم الإداري ذو الطبيعة البشرية للحكامة الترابية، وذلك انطلاقا من السلطات التي يتمتعون بها أو الأدوار المنوطة بهم. فوظيفة رجال السلطة لا تقتصر على تمثيل الدولة في الجماعة التي يتواجدون بها. بل له من اختصاصات و السلطات ما يجعله فاعلا أساسيا في تدبير الشأن العام. وذلك من خلال مشاركته أو انفراده تارة في القرارات المتخذة على المستوى الترابي[4].

وتضم هيئة رجال السلطة أربعة أطر هي إطار العامل وإطار البشوات و إطار القواد وإطار خلفاء القواد المتواجدون في بعض الجماعات .

وعلى العموم فإنهم يقومون بأدوار جد مهمة في مجال تدبير الشأن العام التربي وفي تدعيم أسس الحكامة الترابية سواء على مستوى المبادرة أو التنسيق أو التمثيل، أو التتبع أو التقييم، إلا أنها تختلف وذلك تبعا لدرجة ومركز رجال السلطة على صعيد الهرم الإداري الذي يخضع له بحيث يتعاضم دوره مع العامل وسوف نتحدث عن دور كل منهم.

أولا: عامل العمالة أو الإقليم ودوره في الحكامة الترابية :

يعتبر العامل أعلي سلطة داخل العمالة أو الإقليم، فهو المحرك الحقيقي للجهاز الإقليمي ويحظى بمكانة سامية أطرتها مختلف أصناف التشريع.

ونظرا للأهمية الخاصة لدور العامل في الجسم الإداري المغربي فقد تم تنظيم وضعيته واختصاصاته بمقتضى مجموعة من التشريعات، الشيء الذي يكسبه مكانة مهمة.

فالعامل إطار لامركزي من حيث دوره في منظومة اللامركزية و التنمية الترابية،  وكذا ممثل السلطة المركزية في الوحدة الترابية التي يشملها اختصاصه، وهو بذلك يمارس نوعا من الازدواجية الوظيفية التي تجعله في نفس الوقت محركا لسياسة عدم التركيز الإداري، وفاعلا أساسيا في منظومة اللا مركزية و التنمية الجماعية[5].

أما في إطار عدم التركيز واللاتمركز الإداري، فعامل العمالة أو الإقليم يمثل الدولة ويسهر على تطبيق الظهائر الشريفة و القوانين و الأنظمة وعلى تنفيذ قرارات وتوجهات الحكومة في العمالة أو الإقليم[6]. كما يتمتع بحق تقديم اقتراح  إحداث التمثيلية الإدارية الإقليمية القطاعية، وكذا التمثيلية الإدارية الإقليمية المشتركة بموجب قرار، مما يتوجب  إحالة هذا القرار على السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية و المالية وإصلاح الإدارة و بالوظيفة العمومية قصد التأشيرة عليها[7]. وذلك من أجل تحقيق وحدة عمل مصالح الدولة على مستوى العمالة أو الإقليم، لضمان حسن التنسيق بينها وتحسين فعالية أدائها .

وبذلك يمارس العديد من الاختصاصات على مختلف الفئات العاملة داخل نفوذه، إذ يمارس سلطة تسلسلية على الباشوات ورؤساء الدوائر والقياد والخلفاء، كما يملك نفس السلطة التسلسلية على الأطر السامية العاملة بالعمالة كالكتاب العامون ورؤساء الدواوين ورؤساء الأقسام. ثم مراقبة النشاط العام للموظفين والأعوان التابعين للإدارة المركزية ، تحت إشراف الوزراء المعنيين، بل له كذلك سلطة إيقاف الموظفين وحتى رؤساء تلك المصالح مع إشعار الوزير المعني بذلك وذلك في حالة الخطأ الفادح[8].

كما يتمتع العامل في إطار ميثاق وطني للاتمركز الإداري بسلطة التنسيق بين مختلف المصالح اللاممركزة  للدولة التابعة للنطاق الترابي للعمالة أو الإقليم، كما يشرف على  تحضير البرامج والمشاريع المقررة من قبل السلطات العمومية ويسهر على ضمان إلتقائيتها وانسجامها وتناسقها، كما له اتخاذ كافة التدابير اللازمة لكي تنفذ  هذه المصالح إلتزاماتها وتقوم بالمهام المنوطة بها ، كإبرام اتفاقيات وعقود بخصوص البرامج والمشاريع.   كما يرأس آلية تعمل على تحقيق هذا التوجه وهي اللجنة التقنية [9]، ويعهد لهذه الأخيرة  مواكبة برامج ومشاريع الاستثمار المقررة وأشغال التجهيز المراد إنجازها على مستوى العمالة أو الإقليم، كما تقوم بتتبع وتنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على مستوى العمالة أو الإقليم، و إبداء الرأي في شأن مشاريع الاتفاقيات و العقود المبرمة بين الأطراف المعنية،[10] ناهيك عن كونه يعتبر بمثابة المحرك الرئيسي لكل عمليات التدبير اللامتمركز للاستثمار .

وفيما يخص طبيعة علاقات المصالح اللاممركزة للدولة  على المستوى الاقليم أو العمالة بالجماعات الترابية والهيئات والمؤسسات الأخرى ذات الاختصاص الترابي، تتجلى في تقديم تحت سلطة العامل  كل أشكال الدعم والمساعدة لفائدة الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي، وكل هيئة من الهيئات المكلفة بتدبير مرفق عمومي، تعمل كذلك على إرساء أسس شراكة فاعلة بينها في مختلف المجالات ولا سيما عن طريق إبرام اتفاقيات أو عقود باسم الدولة، بناء على تفويض خاص، كما تساهم أيضا في تنمية قدرات الجماعات الترابية وهيئاتها ومواكبتها، تعزيز آليات الحوار والتشاور[11].

كما ينبغي أن لا ننسى الميدان الاجتماعي وذلك من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الذي يتولى الإشراف المالي والعملي لها على مستوى الإقليمي[12].

 ثانيا: الباشا و القائد.

ينص الفصل 20 من النظام الأساسي الخصوصي لمتصرفي وزارة الداخلية على التعين في مناصب رئيس الدوائر ورئيس المقاطعة يباشر بمقتضى ظهير شريف يصدر باقتراح من وزير الداخلية. وهكذا يضطلع كل من الباشا والقائد بمجموعة من الاختصاصات منها: تمثيل السلطة التنفيذية و المحافظة على النظام و الأمن العمومي والسهر على تطبيق مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية وممارسة مهام ضابط الشرطة القضائية.

وهكذا يتولى كل من الباشا والقائد تمثيل السلطة المركزية في مقاطعاتهم، وممارسة المحافظة على النظام والأمن العمومي بتراب الجماعات الداخلة في نطاق نفوذهم[13]، بينما يمارس رئيس مجلس الجماعة صلاحيات الشرطة الإدارية الجماعية في ميادين الوقاية الصحية و النظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور،  بتراب الجماعة[14].

كما يقوم كذلك بمساعدة المجالس الجماعية في مهامها الإدارية ، كما يضطلع بدور أساسي في مجال التنمية الجماعية انطلاقا من الدور التأطيري  للسكان على صعيد الوحدات الترابية التي يشرفون عليها .

المطلب الثاني: أهمية المنظمات غير الحكومية وباقي الفاعلين الجدد في ترسيخ مبادئ الحكامة .

إن الحكامة الترابية كنمط جديد للتدبير، يتطلب إدخال فاعلون جدد وآخرين إلى جانب المنتخبين ورجال السلطة،  كضرورة حتمية لتحقيق التنمية الشاملة ويتمثل هؤلاء الفاعلون الجدد في المنظمات غير الحكومية بالإضافة إلى فاعلين آخرين.

الفقرة الأولى:المنظمات غيرالحكومية .

تعد المنظمات غير الحكومية من المفاهيم الأكثر إثارة للنقاش، لما يكتنفه من غموض راجع إلى طابعه المعقد ، ولما يحتويه من مضامين متعددة ومن ثمة فليس هناك تحديد شامل وعلمي لهذا المفهوم فكل تحديد مرتبط بظرفية علمية، تاريخية وسياسية محددة ، كما أن المهتمين والمتحدثين عنه لديهم خلفيات وتجارب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مختلفة ، مما أدى إلى فهمه و التعبير عنه بطرق متباينة[15].

فالمنظمات غير الحكومية تتموقع ما بين الدولة ومؤسساتها من جانب، والقطاع الخاص الهادف إلى الربح من جانب أخر، فهو إذن مجموعة من التنظيمات والبنى التطوعية يتفاعل فيها المواطنون بإرادتهم الحرة ومستقلين عن السلطة، لتبني قيم أو تحقيق مصالح مشتركة أو خدمة قضايا مشتركة. وتنوع هياكل ومؤسسات المجتمع المدني، كما تتعدد حسب الأهداف و الغايات التي أنشئت من أجلها، والتي غالبا ما تأخذ صفة الجمعيات أو منظمات أو منتديات .

ونظرا لما يشكله النسيج الجمعوي كركن أساسي ضمن جهود المجتمع المدني، ونظرا لأكثره تجسيدا للظاهرة المدنية ، فإننا سنركز الحديث عنه ، كمكون أساسي ضمن الموارد البشرية للحكامة الترابية .

فقصور التضامن المؤسساتية وضخامة الحاجيات الاجتماعية ، تترتب عن حيوية المجتمع المدني المغربي ظهور أشكال جديدة للتضامن ولأنماط جديدة من الفاعلين الحاملين لهذه الأنماط والذين أصبحوا اليوم منشطين للنسيج الواسع للمجتمع المدني الذي لم يعد مقتصرا على الفاعلين العاملين في مجالات التضامن الاجتماعي المباشر وحدهم ، بل يشمل كذلك العديد من الجمعيات التي تمثل فضاءات للنقاش والترافع و الدفاع و المطالبة ، فهو بذلك يفرض نفسه كفاعل مركزي حاسم للتنمية وبمثابة قناة للتعبير المجتمعي[16].

كما تشكل الجمعيات أداة للتعبير الجماعي وللتجديد الاجتماعي، ذلك أن الواقع يترجم إرادة الأفراد في اكتساب القدرة على الفعل المباشر والتأثير في المحيط الاجتماعي دون المرور من قنوات الدولة ومؤسساتها، وبذلك فهي قادرة على زرع حيوية ودينامية في نسيج اجتماعي صلب، ومن ثمة المساهمة في تلبية انشغالات ومطالب الفئات العريضة من المجتمع .

وإذا كانت التنمية الجماعية ليست حكرا على أحد  بالذات، بل هي مسؤولية الجميع و تستوجب  تظافر جهود جميع الفاعلين، فإن المنظومة القانونية للحكامة الترابية تكرس دور ومشاركة النسيج الجمعوي في التدبير الجماعي، حيث يشير القانون التنظيمي رقم 113.14 في المادة 149 منه على اتفاقيات التعاون و الشراكة، وهم ما يؤكد على أن الجماعة لا يمكن أن تحقق التنمية لوحدها ، بالرغم من أن القانون التنظيمي رقم 113.14 لا يتضمن نص قانوني يلزم الجماعة بإشراك النسيج الجمعوي في تدبير الشأن الترابي وهو ما يظهر من خلال استعمال المشرع عبارة” يمكن للجماعات في إطار الاختصاصات المخولة لها، أن تبرم فيما بينها أو مع جماعة ترابية أخرى أو مع الإدارات العمومية أو المؤسسات العمومية أو الهيئات غير الحكومية الأجنبية أو الهيئات العمومية الأخرى أو الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة اتفاقيات للتعاون والشراكة من اجل انجاز مشروع أو نشاط ذي فائدة مشتركة …..”[17]

لذلك وانطلاقا من الدور التكاملي للمنظمات غير الحكومية في إطار الحكامة الترابية. من أجل حكامة ترابية متكاملة وفعالة طالبت العديد من فعاليات المجتمع المدني ضمانات لإنجاح الحكامة الترابية بالعمل على و ضع ميثاق أخلاقي للمدينة يعترف فيه للجمعيات بالمشاركة في التخطيط و التتبع و التقييم بناء على ما وردة  في القانون التنظيمي رقم 113.14 تحدث لدى مجلس الجماعة هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع تسمي : ” هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع”[18]. فمن خلال هذه المادة يلزم الجمعيات بالمساهمة الفعالة في التنمية الجماعية ، كما طالبت على مستوى الإجراءات و الآليات القانونية بالتنصيص على مشاركة الجمعيات باعتبارها شريك أساسي في التنمية والديمقراطية وكذلك بانفتاح الجماعة على مجالها وذلك بوضع آليات الإخبار وإشراك المواطنين والجمعيات عن طريق تقديم عرائض مفادها مطالبة المجلس من إدراج نقطة تدخل في صلاحياته ضمن جدول أعماله .  تماشيا مع ثقافة وسلوك المواطنة وتوسيع هامش المواطنة . وما نسجله في هذا الصدد تم ربط هذه الآليات التشاركية بشروط قد نسميها تعجيزية في ظل مجتمع تسود فيه الأمية على سبيل المثال اشتراط عدد معين من الموقعين بالنسبة للمواطنين،  واستعمال مصطلحات فضفاضة على نحو أن تعمل الجمعية طبقا للمبادئ الديمقراطية ولأنظمتها الأساسية .

رغم كل هذا فالمنظمات غير الحكومية تلعب دورا في تكريس الحكامة الترابية، و بالتالي تحقيق التنمية من خلال تشجيع المساءلة و الشفافية في القطاع العام عن طريق زيادة الضغوط الممارسة  في اتجاه  حكامة  ترابية ، وكذا ضمان إسماع أصوات فئات عريضة من المجتمع و لأخذ بتصوراتهم في بناء السياسات العامة و القرارات الخاصة بها وكذا من خلال نهج تشاركي، وكذلك تقديم الخبرة الفنية واقتراح حلول تتسم بفاعلية التكلفة للاحتياجات الجماعية.

الفقرة الثانية:الفاعلين الجدد.

تتوقف الحكامة الترابية على مجموعة من الفاعلين بالإضافة إلى المنتخبين ورجال السلطة والمنظمات غير الحكومية، ومنهم بالدرجة الأولى القطاع الخاص وكذا المصالح الخارجية والوكالات المتخصصة وكذلك وسائل الإعلام و الجامعة[19]، حيث أن مساهمتهم و إشراكهم في تدبير التنمية الجماعية تتفاوت من فاعل لأخر .

فالمصالح الخارجية للإدارات المركزية تتولى تنفيذ سياسة الإدارات المركزية وانجاز العمليات اللازمة لذلك ، وتطبيقا لسياسة القرب وتبسيط الإجراءات الإدارية فان المشرع في إطار سياسة اللاتمركز الإداري سيخول لرؤساء تلك المصالح على الصعيد الجهوي صفة أمرين بالصرف جهويين لتمكينهم من تدبير الاعتمادات المرصودة لهذه المصالح، وتمكينهم أيضا من صلاحيات تدبير المسار المهني للموارد البشرية الخاضعة لسلطتهم على الصعيدين الإقليمي و الجهوي[20]  . مما سيجعلهم في مجالهم الترابي على دراية ومعرفة باحتياجات الساكنة، وكذا بالإجابة على تطلعات الساكنة.

أما بخصوص الإعلام فان أهميته تتجلى في ذلك الدور الأساسي و المهم في تحقيق مبادئ الحكامة الترابية فهو من مرتكزاتها الأساسية. ومما لاشك فيه أن استغلال التقنيات الجديدة للإعلام والتواصل[21]، يساعد كثيرا على تجاوز الثغرات التي يزخر بها النظام التقليدي الترابي المخصص للإخبار، ويؤدي بكل تأكيد إلى تطوير الشفافية و المواطنة والحد النسبي من سلبيات قاعدة السر المهني، وما يتسبب فيه من شطط في حق المواطن .

أما بالنسبة للجامعة فانطلاقا من الأدوار المنوطة بها كفضاء للبحث العلمي والإبداع و التجديد فان لها مكانة مهمة في منظومة الحكامة الترابية ، فيمكن اعتبار الجامعة مسؤولة عن إنشاء مجتمع ديمقراطي مثالي. الا آن توجه الجامعة للاستجابة لاحتياجات المجتمع انطلاقا من أدوارها يتطلب تعاونا بينها وبين باقي الأوساط الفاعلة وعلى جميع المستويات [22].

ومن جانب القطاع الخاص أصبح رهان كبير عليه نظرا لاعتماده على الآليات الحديثة في التدبير، وفي ظل هذا الوضع ، فتح الباب أمام شريكات كبرى سواء الوطنية أو الأجنبية للتدخل في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية ، فلم يعد القطاع الخاص يقتصر دوره على الضغط أو التأثير [23]، بل أصبح مشاركا قويا في صنع القرارات التنموية . كما أنه يساهم إلى جانب القطاع العام في دعم نسيج البنيات التحتية الأساسية وتوفير الخدمات العمومية الضرورية ، وكذا المساهمة في البرامج الاجتماعية والشيء الذي يطفي عليه طابع المقاولة المواطنة .

فانطلاقا من المادة 83 من القانون التنظيمي رقم 113.14 فالقطاع الخاص يساهم في إرساء ثقافة جديدة قوامها التشاور و الحوار و التعاقد و التشارك، الأمر الذي يدعم من الحكامة الترابية ، ويكرس مبادئها الكبرى و المتمثلة أساسا في الشراكة كمبدأ رئيسي ضمن مرتكزاتها بالإضافة إلى روح المسؤولية الملقاة عليه،  والشفافية في التدبير وهو ما سيمكنه من كسب رهانات التنمية وتحقيق تطلعات الساكنة .

ومن خلال تحليلنا لهذا الموضوع يمكن القول أن  رهان الحكامة الترابية في تغيير واقع تدبير الشأن العام الترابي للجماعات ، يقتضي بالضرورة تأهيل الموارد البشرية المتمثلة في :

  • منتخب مسؤول ، ذا تكوين يؤهله لمسايرة اختصاصات الجماعة و التواصل مع مختلف الفاعلين الأساسيين في التدبير وعلى رأسهم المواطن المحلي .
  • موظف جماعي ذا تكوين عال قادر على التدبير العمومي الحديث المبني على الفعالية ، الجودة و المسؤولية .
  • قطاع خاص يمثل مقاولة مواطنة منفتحة على قضايا وهموم محيطها ، ومشاركة في تنميته من خلال تشجيع الاستثمار المحلي ، و النهوض بميكانزماته بدل الاعتماد على اقتصاد الريع ومختلف الامتيازات التي ترتبط به .
  • مجتمع مدني مسؤول ذا قوة اقتراحية وازنة ونوعية ، بحكم قربه من المواطن واطلاعه على انشغالاته وانتظارا ته .
  • سلطة محلية ذات رؤية جديدة على مستوى تدبير الشأن العام الترابي ، تنخرط كشريك وكفاعل أساسي في المقاربة التشاركية .

ومن اجل تفعيل هذه الدعامات ، على الدولة بلورة إستراتيجية إصلاحية ذات منظور شمولي تروم اتخاذ الإجراءات التالية :

  • تأهيل الموارد البشرية والمالية للجماعات باعتبارها مقومات أساسية لكل تدبير تشاركي ناجح .
  • ضرورة تفعيل الآليات المرتبطة بجودة التدبير خاصة ما يرتبط منها بتفعيل المراقبة البعدية من خلال تقوية أجهزاتها وأدوارها .

 

 

[1]  العزيز اشرقي :” الحكامة الترابية “، الطبعة الأولى 2014 ص 98.

[2]سليم المنصوري  :”  حكامة تدبير الشأن العام الترابي للجماعات على ضوء القانون التنظيمي رقم 113.14 جماعة امزورن نموذجا  ” ، بحث لنيل شهادة الماستر ، تخصص الحكامة وسياسة الجماعات الترابية ، كلية العلوم القانونية والاقنتصادية و الاجتماعية جامعة عبد المالك السعدي  ، تطوان ، السنة الجامعية 2015-2016 ، ص 84 .

[3]  عبد الرحمان الماضي :”  الحكامة الترابية التشاركية منظور تشاركي لدور الساكنة و المجتمع المدني في التدبير ” طبعة 2014 ، ص ص 116-117 .

[4]  العزيز اشرقي :”  الحكامة الترابية ” ، مرجع سابق ،ص 103 .

[5] عماد ابركان :” ، الولاة و العمال في النموذج المغربي للادارة المحلية و سؤال الحكامة الترابية ” ، منشورات مسالك في الفكر و السياسة و الاقتصاد ، عدد مزدوج 31/32 ، بتاريخ نونبر 2015 ، ص 91 .

[6]  الفصل الثاني من الظهير بمثابة قانون رقم :1.75.168  المتعلق باختصاصات العامل .

[7]  المادة 11 من مرسوم رقم:2.17.618 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري.

[8]  سليم المنصوري  :”  حكامة تدبير الشأن العام الترابي للجماعات على ضوء القانون التنظيمي رقم 113.14 جماعة امزورن نموذجا  ” ، بحث لنيل شهادة الماستر ، تخصص الحكامة وسياسة الجماعات الترابية ، كلية العلوم القانونية والاقنتصادية و الاجتماعية جامعة عبد المالك السعدي  ، تطوان ، السنة الجامعية 2015-2016 ، ص 97 .

[9]  الفصل الخامس من الظهير بمثابة قانون رقم :1.75.168  المتعلق باختصاصات العامل .

[10] المادة 34 من مرسوم رقم:2.17.618 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري.

[11]  المادة 36 من مرسوم رقم:2.17.618 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري.

[12] محمد اليعقوبي  :”  المبادئ الكبرى للحكامة المحلية  ” ، مطبعة فنون فاس ، الطبعة الأولى 2005 ، ص 105 .

 [13] المادة 110 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات .

[14]   المادة  100 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات .

[15]  العزيز اشرقي :” الحكامة الترابية ” ،  مرجع سابق ، ص 107

[16]  طارق المجدوبي  :” صناعة القرار المحلي في المغرب ” ، رسالة لنيل دبلوم الماستر ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ، جامعة مولاي اسماعيل – مكناس -، السنة الدراسية 2010-2011 ، ص ص 85-86 .

[17]  المادة 149 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات .

[18]  المادة 120 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات .

[19]  المصطفى قريشي : ” الجماعات الترابية بين متطلبات الحكامة ورهان التنمية ” ، منشورات مسالك في الفكر و السياسة والاقتصاد ، عدد مزدوج  31/32 ، نونبر 2015.

 

[20]  المادة 17 من مرسوم رقم:2.17.618 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري

[21] لحسن بوعبيد :”  أهمية الحكامة الترابية في إنعاش الاقتصاد المحلي ” ، منشورات مسالك  في الفكر والسياسة و الاقتصاد ، عدد مزدوج 31/32 ، بتاريخ نونبر 2015.

[22]  عبد الرحمان الماضي : ” الحكامة الترابية التشاركية منظور تشاركي لدور الساكنة و المجتمع المدني في التدبير “، مرجع سابق ، ص 207.

[23] عبد الرحمان الماضي : ” الحكامة الترابية التشاركية منظور تشاركي لدور الساكنة و المجتمع المدني في التدبير “، مرجع سابق ، ص 106.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى