مقالات قانونية

رقابة المشروعية على قرارات التأديب

13832220486

الاسم واللقب : سهام صديق

تاريخ ومكان الازدياد : 12/04/1988 بتلمسان ( الجزائر)

التخصص : السنة الثانية دكتوراه تخصص القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أبوبكر بلقايد – تلمسان-.

عنوان المقالة : رقابة المشروعية على قرارات التأديب

مقدمة:

من أهم المبادئ العامة التي على الدول المعاصرة احترامها نجد مبدأ المشروعية، ويكون ذلك في حالة أن أعمال وتصرفات جميع السلطات في الدولة يجب أن تكون متطابقة مع نصوص القانون، فلا تكون ملزمة للأفراد المخاطبين بها إلا بمقدار مطابقتها للقانون بمفهومه الواسع. فمتى أصدرت إحدى السلطات العامة قرارات إدارية – بما فيها قرارات التأديب- مخالفة لهذا المبدأ تصبح غير مشروعة، وبالتالي يمكن إلغائها عن طريق الطعن فيها بدعوى تجاوز السلطة، وذلك بعد أن يبين الطاعن عدم مشروعية هذا القرار من خلال إثارة العيب الذي شابه، وتمثل هذه العيوب وسائل المشروعية أو أوجه الإلغاء.

ولم تظهر هذه الأوجه دفعة واحدة أمام مجلس الدولة الفرنسي ، حيث كان الطعن الوحيد الذي يقبله هو الطعن لعدم الاختصاص ، وكان يسمى آنذاك ب ” الطعن لعدم الاختصاص وتجاوز السلطة” ، ويقصد بعبارة ” تجاوز السلطة” حالة اعتداء أي سلطة من السلطات الثلاث على سلطة أخرى، وذلك بموجب قانون 1790. وسرعان ما أصبح عيب الشكل ثم الانحراف بالسلطة من أوجه الإلغاء، وبعد صدور المرسوم المنظم للإجراءات لسنة1864 ، أعتبر مجلس الدولة الفرنسي أن مخالفة القانون يعتبر من أوجه الإلغاء المؤدية إلى رفع دعوى تجاوز السلطة، ثم حدث التطور الأخير في سنة 1899 بعدما أصبح انعدام السبب الذي ينبني عليه القرار وجه من أوجه الإلغاء .

وقد اختلف الفقه في تصنيف هذه العيوب ، وقد ارتأينا تقسيم هذا البحث إلى قسمين، يتعلق الأول برقابة المشروعية الخارجية لقرار التأديب ( المبحث الأول)، أما الثاني يتعلق برقابة المشروعية الداخلية ( المبحث الثاني).


المبحث الأول: رقابة المشروعية الخارجية لقرار التأديب

تتمثل العناصر الشكلية – المشروعية الخارجية- لقرار التأديب في كل من عنصر الاختصاص، وعنصر الإجراءات، وأخيرا عنصر الشكل، إذ يجب على السلطة التأديبية عند إصدارها لقرار التأديب أن تكون هذه العناصر مطابقة للقانون تحت رقابة القاضي الإداري ، والذي عليه التأكد من مدى سلامة قرار التأديب من الناحية الشكلية من خلال رقابة المشروعية الخارجية لقرار التأديب إذا ما أثير عيب الاختصاص أو عيب الإجراءات أو عيب الشكل ، وهو ما سيتم دراسته في المطالب الثلاثة الآتية .


المطلب الأول : عيب عدم الاختصاص

يجب على السلطة التأديبية عند إصدارها لقرار التأديب أن تراعي احترام قواعد الاختصاص المنصوص عليها قانونا.

ويقصد بركن الاختصاص هو ” القدرة أو المكنة أو الصلاحية المخولة لشص أو جهة إدارية على بعمل معين على الوجه القانوني”. وإن كانت فكرة الاختصاص تتضمن عدة صور تشمل كل من اختصاص شصي، واختصاص موضوعي، واختصاص زماني، وأخيرا اختصاص مكاني ، وفي حالة عدم احترام أحد عناصر الاختصاص للنصوص القانونية شاب قرارها بعيب عدم الاختصاص.

ويكثر عدم احترام السلطة التأديبية للاختصاص الشخصي المنصوص عليه في القانون الأساسي للوظيفة العامة، وذلك بموجب المادة (162) منه بقولها: ” تتخذ الإجراءات التأديبية السلطة التي لها صلاحية التعيين”.

كما أن قواعد الاختصاص من النظام العام، وذلك بسبب قيام القانون الإداري على فكرة الاختصاص المستوحاة من الدستور الفرنسي لسنة 1790، الذي استحدث فكرة الفصل الجامد بين السلطات وخاصة السلطتين التنفيذية والقضائية.

ولقد أخذ القضاء الجزائري بهذه الفكرة ، وذلك بموجب قراره الصادر عن الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى ( سابقا) بتاريخ 15 جوان 1985 والذي قضى ب :” بإبطال القرار الإداري الصادر بتاريخ 07 ماي 1984 المتضمن معاقبة المدعية بالتوبيخ مع تسجيل تلك العقوبة في الملف بسبب عدم طاعتها للرئيس مع العنف”، حيث ترجع وقائع هذه القضية أن المدعية تعمل كمدرسة للغة الفرنسية بإحدى المدارس ، وعند القيام بالتفتيش ، وجه لها المفتش ملاحظات شفوية بخصوص درس النحو الفرنسي ، وكذلك عدم احترامها التوجيهات الرسمية.

وقد أثارت المدعية في طلباتها عيبين من العيوب التي تشوب القرار الإداري يتمثلان في عيب المحل لكون أنه هناك خرق في القانون الأساسي للوظيفة العامة، وعيب الإجراءات من خلال عدم تمكينها من الإطلاع على ملفها وعدم إخطارها بالإجراءات المتخذة ضدها، إلا أن المجلس الأعلى – سابقا- أخذ بعيب عدم الاختصاص الشخصي ، والمتمثل في اعتداء نائب مدير التربية على اختصاص وزير التربية.

كما أنه في قضية أخرى رفضت الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا بتاريخ 11 جويليه 1987 الطعن لعدم ثبوت ما يدل أن الوالي تجاوز اختصاصه القانوني ، وتتمثل وقائع هذه القضية أنه رفع مدير مقاولة بلدية دعواه بعدما تم إنهاء مهامه بموجب قرار صادر عن والي باتنة، طالبا إلغاء هذا القرار بحجة أنه لم يتم الاستماع إليه ،وأن الوالي تجاوز اختصاصه، وفي الأخير قضت الغرفة الإدارية أنه : ” حيث يستخلص من مستندات الملف أن المدعي عين بموجب قرار صادر عن والي باتنة……وتم عزله عن مهامه بموجب قرار أصدرته نفس السلطة……………” .

المطلب الثاني : عيب الإجراءات

يقصد بالإجراءات هي المراحل السابقة على عملية اتخاذ القرارات الإدارية ، وهي تؤثر على شرعيتها لأنها تعتبر جزء منها، وفي حالة مخالفة هذه الإجراءات للنصوص القانونية يقع هذا القرار باطلا، وبالتالي يجوز الطعن فيه قضائيا.

وعلى السلطات التأديبية عند إصدارها لقرارات التأديب احترام مجموعة من الإجراءات ، وإلا شاب قراراتها بعيب الإجراءات ، وتشمل هذه الأخيرة ما يلي :

الفرع الأول: الاستشارة

تعتبر الاستشارة من أهم الإجراءات التي تتبعها السلطة التأديبية ، إذ عليها الأخذ بالرأي المطابق الصادر عن اللجنة المتساوية الأعضاء في حالة توقيع العقوبات التأديبية من الدرجة الثالثة والرابعة ، وذلك بموجب المادة (165/02) من القانون الأساسي للوظيفة العامة، وذلك بقولها : ” تتخذ التي لها صلاحية التعيين العقوبات التأديبية من الدرجة الثالثة والرابعة بقرار مبرر، بعد أخذ الرأي الملزم من اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء المختصة……..”.

وعليه، يقصد بالرأي المطابق ” هو إجراء استشاري تكون الإدارة ملزمة باستطلاع جهة استشارية مع ضرورة الالتزام بذلك الرأي عند إصدار ذلك القرار” .

الفرع الثاني: احترام حقوق الدفاع

يعتبر ” مبدأ احترام حقوق الدفاع” من المبادئ العامة للقانون تلتزم به الإدارة لدى إصدار قرارها سواء ورد ذلك في النص أو لم يرد، ويختص القاضي الإداري بمراقبة احترامه، وفي حالة مخالفة هذا المبدأ يثار عيب الإجراء من قبل الموظف لطلب إلغاء القرار المخالف لهذا المبدأ.

ولقد وردت مجموعة من الإجراءات الواجب احترامها لكفالة احترام حقوق الدفاع ، وذلك طبقا للمواد من (167) إلى (170) من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، ومن بينها ما أكد مجلس الدولة الجزائري من وجوب إثبات الاستدعاء في المجال التأديبي بوصل استلام موقع من جانب الموظف أو بمحضر رسمي ممضي من طرفه، واعتبر أن توجيه الاستدعاء بمثابة إجراء جوهري يدخل ضمن حقوق الدفاع ، وذلك بموجب قراره الصادر بتاريخ 20 أفريل 2004 ، حيث نص في حيثياته أنه: ” …..تقديم نسخة من الاستدعاء الموجه للمعني بالأمر دون إثبات استلامه من طرف هذا الأخير غير كاف لإثبات استدعائه بصفة قانونية وخاصة في المسائل التأديبية فإن استدعاء الموظف المحال على لجنة التأديب يعتبر إجراء جوهريا يدخل ضمن حقوق الدفاع. وعليه قرر المجلس بإبطال مقرر العزل….وإلزام المستأنف عليه بإعادة إدماج المستأنف في منصب عمله الأصلي أو منصب مماثل” .

المطلب الثالث: عيب الشكل

يقصد بالشكل هو المظهر الخارجي الذي يتخذه القرار الإداري، أي القالب المادي الذي يفرغ فيه،وعلى الإدارة العامة احترام النصوص القانونية المنظمة لقواعد الشكل ، وقد ميز مجلس الدولة الفرنسي بين الشكليات الجوهرية و الشكليات غير الجوهرية، حيث يترتب على عدم احترام الشكليات الأولى إصابة القرار الإداري بعيب الشكل، مما يترتب إلغاؤه من طرف القاضي الإداري بعد الطعن فيه، وهذا على خلاف عدم الشكليات الثانية التي لا تؤثر على صحة القرار الإداري. ويتمثل معيار التمييز بينهما في البحث عن الهدف من إتباع هذه الشكليات، فإذا كان الهدف من هذه الشكليات هو حماية مصالح وحقوق و حريات الأفراد، فهي تعتبر شكليات جوهرية، أما إذا كانت هذه الشكليات مقررة فقط لمصلحة الإدارة، فهي إذن شكليات غير جوهرية.

وعليه، على السلطات التأديبية عند إصدارها لقرارات التأديب، أن تراعي مبدأ الشرعية وحماية حقوق الموظف ، من خلال احترام مجموعة من الشكليات وتتمثل فيما يلي :

الفرع الأول : أن يكون قرار التأديب مكتوبا

فرض المشرع الجزائري هذا الشرط ضمنيا من خلال النص على وجوب تسبيب القرار التأديبي، كما ذهب القضاء الجزائري إلى اشتراط أن يكون هذا القرار مكتوبا بلغة معينة، ومن تطبيقات ذلك ما صدر عن مجلس الدولة الجزائري بتاريخ 11 فيفري 2002 بالمصادقة على قرار الدرجة الأولى القاضي بإلغاء القرار الإداري الصادر عن منظمة المحامين لناحية وهران ، حيث جاء في حيثيات القرار أنه : ” الأصل أن القانون متى ألزم الإدارة بتحرير قراراتها بلغة معينة وجب التقيد بمضمون القانون و إصدار القرارات الإدارية بذات اللغة المقننة.

وبما أن المادة (03) من الدستور أقرت بصريح النص أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وكرست اللغة العربية في المؤسسات الإدارية الرسمية للدولة بموجب القانون رقم91-05 المتضمن تعميم استعمال اللغة العربية المعدل والمتمم بالأمر رقم 96-30.

حيث أن قرار منظمة المحامين لناحية وهران صدر بتاريخ 08 سبتمبر 1999 بلغة أجنبية”.

الفرع الثاني: أن يكون قرار التأديب مسببا

لقد استقر الفقه والقضاء الفرنسيين أن الإدارة ليست ملزمة بتسبيب قراراتها، أي ليست ملزمة بالإشارة في صلب قرارها إلى الحالة المادية التي كانت وراء اتخذها قرارها.

أمام الانتقادات الموجهة التي تعرض لها مبدأ عدم التسبيب، تغير الوضع واتجه نحو توسيع نطاق تسبيب القرارات الإدارية في العديد من المجالات، من بينها القرارات التأديبية ، حيث أصبح تسبيب قرارات التأديب وجوبي بموجب نص قانوني صريح، وهو ما نصت عليه المادة (165) من القانون الأساسي العام للوظيفة العامة بقولها : ” تتخذ السلطة التي لها صلاحيات التعيين بقرار مبرر العقوبات التأديبية….”

 

الفرع الثالث: تبليغ القرار التأديبي

باعتبار أن قرار التأديب قرارا فرديا لا ينتج أثاره القانونية إلا من تاريخ تبليغه للمعني به ، وهو ما نصت عليه المادة (172) من القانون الأساسي للوظيفة العمومية، وذلك بقولها: ” يبلغ الموظف المعني بالقرار المتضمن العقوبة التأديبية ، في أجل لا يتعدى ثمانية (08) أيام ابتداء من تاريخ اتخاذ هذا القرار، ويحفظ في ملفه الإداري”.

المبحث الثاني : رقابة المشروعية الداخلية لقرار التأديب

تشمل العناصر المادية ( المشروعية الداخلية) لقرار التأديب كل من عنصر المحل، وعنصر الهدف، وأخيرا عنصر السبب، لذلك يجب على السلطة التأديبية عند إصدارها لقرار التأديب ، أن تكون هذه العناصر مطابقة للقانون تحت رقابة القاضي الإداري، إذ عليه أن يتأكد من مدى سلامة قرار تأديب ، إذا ما أثير عيب المحل أو عيب إساءة استعمال السلطة أو عيب السبب أمامه، وهذا ما سيتم تفصيله في المطالب الثلاثة الموالية.

المطلب الأول: عيب المحل

يقصد بمحل القرار ( موضوعه أو محتواه) هو ذلك الأثر القانوني الناتج عنه سواء تمثل هذا الأثر في إنشاء مركز قانوني جديد أو تعديل مركز قانوني قائم أو إلغاء هذا المركز.

وقد يكون محل القرار لا يخاطب شخصا بذاته، و إنما ينتج أثرا عاما واسع النطاق، وذلك في حالة القرار التنظيمي، كما أنه قد يخاطب شخصا بذاته ويؤثر على مركزه القانوني دون غيره، وذلك في حالة القرارات الفردية كقرارات التأديب، فعلى سبيل المثال : إذا صدر قرار فصل الموظف عن وظيفته، إذن يعتبر محل هذا القرار في هذه الحالة هو إنهاء العلاقة الوظيفية.

ويشاب قرار التأديب بعيب المحل إذا كان مخالفا للقواعد القانونية التي تكون السلطة التأديبية ملزمة بها سواء كانت تلك القاعدة القانونية مكتوبة أو غير مكتوبة. كما يأخذ هذا العيب صورتين تتمثلان فيما يلي:

الفرع الأول: المخالفة المباشرة للقانون

وتتجسد هذه المخالفة في إحدى الصورتين:

أولا: المخالفة الإيجابية :

تقع هذه المخالفة في مخالفة قرار التأديب لمبدأ تدرج القواعد القانونية، كمخالفته للنصوص الدستورية أو التشريعية أو أحد المبادئ العامة للقانون.

ثانيا: المخالفة السلبية:

تتجسد هذه المخالفة من خلال امتناع السلطة التأديبية عن تطبيق القانون الواجب التطبيق أو رفضها تطبيق أحكامه.

ويعتبر إثبات الموظف مخالفة السلطة التأديبية بصورة مباشرة للقانون بصورتيها الإيجابية والسلبية أمر سهل، إذ يكفي إثبات وجود القاعدة القانونية التي يدعي الخروج عن أحكامها.

ولقد ألغت المحكمة العليا -( الغرفة الإدارية) سابقا- قرار تأديبي لمخالفته المباشرة للقانون في صورة المخالفة السلبية، وذلك بتاريخ 05 ماي 1986، وتتمثل وقائع هذه القضية في أن المدعي (ي.ب) يمارس وظيفة مفتش رئيسي في سلك المتصرفين الإداريين، وأنه انتدب بصفة مؤقتة في سلك المتصرفين الإداريين طبقا للمرسوم رقم 85-59 المؤرخ في 23 مارس 1985، الذي يحدد القواعد القانونية المطبقة على العمال الذين يمارسون في مصالح ذات طابع إداري، وبعد نهاية انتدابه لم يتم إدماجه في سلكه الأصلي، فقدم تظلما تدريجيا أمام الإدارة التي أجابت طبقا للمادة (44) من القانون رقم 82-06 المتعلق بالعلاقات الفردية للعمل، والتي كانت تنص:” يمكن التراجع عن الانتداب ولا يمكن أن يتجاوز مدة خمس سنوات” . و هو ما دفع بالمدعي إلى رفع دعوى الإلغاء أمام الغرفة الإدارية، والتي قضت بإلغاء قرار الإدارة مسببة رأيها: ” أن الطاعن ولكونه موظف يخضع للمرسوم رقم 85-59 الذي يحدد القواعد القانونية المطبقة على العمال الذين يمارسون في مصالح الدولة أو المجموعات المحلية أو المؤسسات الإدارية ذات الطابع الإداري.

حيث أنه المادة 98 منه تنص على أنه يعاد إدراج العامل المنتدب بعد نهاية انتدابه قانونا في هيئته الأصلية، كما يعاد إدراجه إن اقتضت الحاجة ذلك، ولو كان زائدا على العدد المطلوب في منصب مماثل….وأنه عندما رفض المقرر الاعتراف بهذا الحق في مواجهة الطاعن فإنه يعد فصلا تعسفيا وبعيدا عن كل سبب تأديبي ، وجميع الضمانات المتعلقة بالمنصب.

حيث أنه بالتالي يحق للطاعن التمسك بأن المقرر مستوجب للإبطال لأنه خرق القانون”.

  • المخالفة غير المباشرة للقانون:

    تتجسد المخالفة غير المباشرة للقانون في الخطأ في تفسير أو تطبيق القاعدة القانونية على الوقائع.

    أ* الخطأ في تفسير القاعدة القانونية:

    تتمتع السلطة التأديبية بحق تفسير النصوص القانونية الغامضة عند إصدارها القرار التأديبي، لكن مع الالتزام بالقواعد العامة للتفسير من بينها نذكر أن التشريع اللاحق بنسخ التشريع السابق، و مخالفة القانون في هذه الحالة يتجسد من خلال إعطاء النص معنا يغاير قصد المشرع منه.

    ب* الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية:

    يؤدي الخطأ في تطبيق القانون على الوقائع إلى عيب المحل، حيث أن تطبيق القاعدة القانونية مشروطا بتحقق حالة واقعية معينة وفقا للشروط التي حددها النص القانوني، ويراقب القاضي الإداري الوقائع التي طبقت على أساسها القاعدة القانونية بالقدر الذي يمكنه من الحكم على سلامة تطبيق القاعدة القانونية.

    المطلب الثاني: عيب إساءة استعمال السلطة

    يقصد بركن الهدف -أو ما يطلق عليه ركن الغاية- هو” النتيجة النهائية التي تهدف الإدارة إلى تحقيقها من وراء إصداره”، ومن ثم من خلال هذا التعريف يتضح أنه يختلف ركن الهدف عن ركني السبب والمحل.

    حيث يختلف ركن الهدف عن ركن السبب، باعتبار أن السبب يمثل الحالة القانونية أو الواقعية الخارجة عن مصدر القرار، فهو يتميز بالطابع الموضوعي. بينما يتميز ركن الهدف بالطابع الذاتي ، إذ يشكل تعبير عن قصد ونية مصدر القرار.

    بينما يختلف ركن الهدف عن ركن المحل من ناحية الأثر القانوني، حيث يمثل ركن الهدف النتيجة البعيدة وغير المباشرة للقرار الإداري، بينما يمثل محل القرار هو الأثر الحال والمباشر للقرار. وبالتالي يتمثل الهدف من صدور قرارات التأديب هو الحرص على حسن سير المرافق العامة وضبط سلوك الموظف و التحكم فيه.

    ويقع عيب إساءة السلطة في حالة الخروج على المصلحة العامة، و الحياد عن الهدف المحدد لإصدار القرار( أي مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف).

    ويتحقق خروج الإدارة عن تحقيق المصلحة العامة في حالة اتخاذ القرار لمصلحة شخص أو عدة أشخاص، و أيضا في حالة توجيه القرار الإداري ضد شخص معين أو أشخاص معينين، كتوجيه عقوبة تأديبية ضد موظف بسبب انتمائه السياسي. بالإضافة إلى ذلك، قد تتصرف الإدارة لتحقيق مصلحة غير المصلحة الممكن تحقيقها كتحقيق مصلحة عامة لتحقيق مصلحة مالية، وأخيرا ، قد تتعسف الإدارة في استعمال الإجراءات من خلال إخفاء الهدف المراد الوصول إليه عن طريق استعمال إجراء أكثر بساطة وأقل ضمانة لحقوق الأفراد ، نذكر من ذلك على سبيل المثال: لقد أقر القضاء الجزائري بهذا العيب، إذ ألغت المحكمة العليا ( الغرفة الإدارية) قرار رفض الإدماج المدعي (ب.ع) في منصب عمله ، واعتبرته معيبا بعيب إساءة استعمال السلطة ، و تتمثل وقائع هذه القضية في أنه: بتاريخ 29 نوفمبر1984 تم تنصيب المدعي في منصبه كأستاذ بالمعهد الوطني للفلاحة، وبتاريخ 15 يناير1985 تم تجنيده لأداء الخدمة الوطنية ، ثم شطب بتاريخ 15 يناير1987 من صفوف الجيش الوطني الشعبي بعد تأديته لواجب الخدمة الوطنية. وبتاريخ 15 سبتمبر 1987 التمس إعادة إدماجه في منصب عمله السابق، ولقد جاء رد مدير المعهد سلبيا على هذا الطلب.

    ولقد استجابت الغرفة الإدارية ( المحكمة العليا) لطلب الإلغاء ، حيث سببت قرارها على أنه: ” …..حيث أن الإدارة برفضها لإعادة إدماج المدعي في منصب عمله تكون قد خرقت القانون.

    حيث أنه من جهة أخرى ، فإن الأسباب المثارة تدعيما لرفضها تعد بمثابة انحراف بالسلطة”.

    المطلب الثالث : عيب السبب

    يعتبر ركن السبب أحد أركان القرار الإداري، ويقصد به : ” الحالة القانونية أو الواقعية ( المادية) التي تسبق صدور القرار الإداري ، والتي تدفع الإدارة إلى إصدار قرار بشأن تلك الحالة”.

    فسبب قرار التأديب ارتكاب خطأ تأديبي من قبل الموظف، مما دفع بالإدارة إلى إصداره ، إذ أن ارتكاب الموظف ” خطأ تأديبيا” هو حالة قانونية تدفع السلطة التأديبية إلى إصدار قرار التأديب.

    في حالة صدور القرار التأديبي دون الاستناد إلى سبب موجود وصحيح يكون هذا القرار مشوبا بعيب السبب، مما يثار التساؤل حول ما مدى تأثير وجود السبب على اتخاذ القرار الإداري من عدمه؟

    للإجابة على هذا التساؤل ميز الفقه و القضاء بين السلطة المقيدة للإدارة و السلطة التقديرية، إذا كانت السلطة المقيدة للإدارة يجب توفر سبب محدد لاتخاذ القرار، فإذا وجد وجب على الإدارة إصدار قرارها، أما إذا كانت سلطتها تقديرية فلا تحدد النصوص القانونية سببا أو أسباب معينة لاتخاذ القرار أو تقوم بتحديدها مع ترك الحرية للإدارة للتصرف.

    ويأخذ عيب السبب الذي يعتبر وجها لإلغاء القرارات التأديبية العديد من الصور على النحو الآتي:

    الفرع الأول: انعدام الوجود المادي للوقائع

    حتى يكون مبدأ المشروعية محترما، يجب أن تكون الوقائع التي اتخذت على أساسها السلطة التأديبية قرار التأديب موجودة حقا، لذلك أصبح القاضي الإداري يفحص واقعية الوقائع أو صحتها.

    وقد أنشأ مجلس الدولة الفرنسي صراحة رقابته على واقعية الوقائع، وهذا بموجب قراره المؤرخ في 14 جانفي 1916 المعروف بقضية ” كامينو”، وتتمثل وقائع هذه القضية أنه عزلت الحكومة الفرنسية رئيس بلدية من منصبه، بسبب كونه لم يسهر كما يلزمه القانون على حرمة موكب جنائزي، وعندما تبين لمجلس الدولة الفرنسي عدم صحة هذه الواقعة أبطل العقوبة.

    و أصبحت الرقابة على وجود الوقائع التي يقوم عليها القرار التأديبي تمثل رقابة الحد الأدنى للتحقق من صحة السبب الذي يقوم عليه القرار التأديبي.

    الفرع الثاني: الخطأ في التكييف القانوني للوقائع

    يتحقق عيب السبب في حالة الخطأ في التكييف القانوني للوقائع، وتعني فكرة التكييف القانوني إرجاع حالة من الواقع إلى إطار فكرة قانونية. حيث لا يكتفي القاضي الإداري بالتثبت من حدوث وقائع معينة تكون المخالفة التأديبية، بل يتولى التأكد من صحة تكييفها القانوني، وفي هذا الصدد أصدر مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 10 نوفمبر1975: ” بأن رفض المعلم قبول أكثر من 25 تلميذا في الصف ليس إضرابا”

    الفرع الثالث: الرقابة على أهمية الوقائع

    القاعدة العامة أن الرقابة القضائية هي رقابة المشروعية، ولكنها تشمل رقابة ملائمة تصرفات الإدارة في حالة السلطة التأديبية.


    الخاتمة :

    نستخلص من خلال ورقة هذا البحث أنه :

    • تهدف رقابة المشروعية التي يقوم بها القاضي الإداري إلى التحقق من مدى احترام قرار التأديب بجميع عناصره لمبدأ المشروعية.
    • تمتد الرقابة على مشروعية قرار التأديب إلى رقابة داخلية و خارجية، وذلك بالنظر إلى العناصر المكونة لقرار التأديب.
    • هناك عيوب تمس قرار التأديب تكون سهلة الإثبات ، بينما هناك بعض العيوب صعبة الإثبات كعيب إساءة استعمال السلطة.
    • و أخيرا، إن تمتع السلطة التأديبية بالسلطة التقديرية لتوقيع العقوبات التأديبية يجعل رقابة القاضي الإداري لا تتوقف عند المشروعية ، بل تمتد إلى رقابة الملائمة.

       

       

      قائمة المراجع :

  1. المراجع العامة:
    1. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، القرارات الإدارية ، دار الفكر العربي، مصر،2007.
    2. علي الدين زيدان، محمد السيد، الموسوعة الشاملة في شرح القضاء الإداري، دار الفكر الجامعي، مصر،2008.
    3. عمار بوضياف، دعوى الإلغاء في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، دار الجسور، الجزائر،2009.
    4. عمار عوابدي، القانون الإداري – النشاط الإداري-، ج02، ط04، د.م.ج، الجزائر،2007.
    5. لحسين بن شيخ آث ملويا، دروس في المنازعات الإدارية- وسائل المشروعية-، ط04، دار الهومه، الجزائر،2009.
    6. محمد الصغير بعلي، القرارات الإدارية، دار العلوم، الجزائر، 2005.
    7. محمد الصغير بعلي، الوسيط في المنازعات الإدارية، دار العلوم، الجزائر،2009.
    8. نواف كنعان، القضاء الإداري، دار الثقافة، الأردن، 2006.

       

  2. المقالات القانونية:
    1. هاني طهراوي، طبيعة المخالفة التأديبية ومبدأ المشروعية.www.wasmia.com

ج- النصوص القانونية :

  1. الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 15 جوان 2006، المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العامة، ج.ر.ج لسنة2006، ع.46.

 

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى