بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

سند الشحن البحري ودوره في إثبات عملية النقل البحري – الباحث احمد بنمامين



سند الشحن البحري ودوره في إثبات عملية النقل البحري

Maritime bill of lading and itsrole in demonstrating maritime transport

الباحث احمد بنمامين

باحث في سلك في الدكتوراه ـ كلية الحقوق وجدة

لتحميل الإصدار كاملا

مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024

 

ملخص

تمتلك وثيقة الشحن البحري أهمية كبيرة، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها، حيث تحولت من مجرد رسالة إلى مستند يُمثِّل البضائع المنقولة بحرًا ويقوم مقام حيازة البضاعة نفسها، وبالتالي أصبح لها دور هام في تسهيل التجارة والتبادلات التجارية، وفي تسهيل وإثبات عملية النقل البحري وحفظ سلامة البضائع، كما انه يعتبر عنصراً اساسيا لتوثيق تفاصيل الشحنة، مثل الوزن والحجم والنوعية والتعبئة والتغليف، وتحديد ميناء الشحن وميناء التفريغ.

و من خلال دراستنا لنصوص قانون التجارية البحرية المغربية والقانون المقارن و الاتفاقيات الدولية نجد انها ألزمت الشاحن و الناقل بتوفير جميع البيانات المطلوبة في سند الشحن البحري بدقة ووفقاً للشروط والأحكام المعمول بها في الدولة المعنية، وتم التطرق الى النصوص القانونية التي تتناول بيانات سندات الشحن، و بالرغم من اختلافها إلا أن هدفها الأساسي والموحد هو تحديد البيانات الواجب ذكرها في سند الشحن ليؤدي وظيفته بشكل صحيح، بالإضافة الى بيان أنواع السندات حسب طريقة تداولها، فنجد سند الشحن الاسمي و سند الشحن للأمر وهو النوع الأكثر شيوعًا في التجارة البحرية، نظرًا لإمكانية تداوله بطريقة التظهير بالأمر إضافة الى سندات الشحن للحامل، و إلقاء الضوء على التحفظات الواردة على السندات من قبل الناقل حيال البضائع في حالة شكه في المعلومات المقدمة أو يصعب عليه الكشف عنها.

كما اوصت الدراسة المشرع المغربي إصدار قانون جديد للتجارة البحرية لمواكبة هذه التغيرات وتجديد الإطار القانوني والتشريعي المتعلق بالنقل البحري وخاصة مع ظهور سندات الشحن الإلكترونية

الكلمات المفتاحية: وثيقة الشحن البحري، التبادلات التجارية، البيانات، سند الشحن البحري،سند الشحن الاسمي، سند الشحن للأمر، سند الشحن للحامل ، التحفظات، سندات الشحن الإلكترونية.

Abstract

The significance of the sea waybill has grown significantly, especially in light of recent developments in its role. It has evolved from a simple message into a document that not only represents the goods transported by sea but also serves as tangible proof of possession of these goods. As a result, it plays a crucial role in streamlining trade and commercial transactions, as well as in facilitating and verifying the maritime transport process while ensuring the safety of the goods. The sea waybill is considered an essential component for documenting various shipment details, including weight, dimensions, quality, packaging, and specifying the ports of departure and arrival.

When examining the Moroccan Maritime Trade Law, comparative legal systems, and international conventions, it becomes evident that they impose an obligation on both the shipper and the carrier to provide accurate and compliant data in the maritime bill of lading, in accordance with the prevailing terms and conditions within the Moroccan jurisdiction. While there may be variations in these legal provisions, their fundamental and shared objective remains consistent: to outline the necessary information to be included in the bill of lading for it to fulfill its function effectively. Furthermore, the study explores various types of bills of lading, including the nominal bill of lading and the bill of lading to the order. The latter is particularly prevalent in maritime trade due to its flexibility for trading through endorsement. Additionally, the study sheds light on the reservations that carriers may have regarding the goods, especially when they have doubts about the accuracy of the provided information or encounter challenges in disclosing it.

In conclusion, the study recommends that the Moroccan legislator considers issuing a new maritime trade law to adapt to these evolving dynamics and modernize the legal and regulatory framework related to maritime transport. This is especially pertinent in response to the emergence of electronic bills of lading, which represent a significant advancement in the industry.

Keywords: Seawaybill, trade exchanges, data, sea waybill, nominal bill of lading, bill of lading for order, bearer bill of lading, reservations, electronic bills of lading.

مقدمة

نظراً لأهمية سند الشحن البحري في تسهيل عملية النقل البحري وحفظ سلامة البضائع، فإنه يعتبر عنصراً حاسماً في إثبات عملية النقل البحري، وبما أن هذا الأمر يتطلب التحقق من صحة بيانات سند الشحن وضرورة الاستعانة بخبراء في مجال النقل البحري، لتحديد أفضل أنواع سندات الشحن لتناسب نوع البضائع وتضمن سلامتها خلال عملية النقل، وكذلك طرق التعامل مع سند الشحن وتداوله، وكذا دور السند الشحن في إثبات عملية النقل البحري.

ويعرف سند الشحن البحري على أنه وثيقة تثبت تعاقد الناقل البحري على نقل البضائع المحددة فيها من ميناء الشحن إلى ميناء التفريغ، وتحتوي على معلومات حول الشحنة وشروط النقل والدفع، وهي تعتبر وثيقة قانونية تثبت حقوق والتزامات الناقل البحري والشاحن، وهذا ما ورد في اتفاقية روتردام الدولية للنقل البحري لسنة 2008، كما تحدد الاتفاقية محتوى سند الشحن البحري والمعلومات التي يجب أن تتضمنها، وتتطلب من الناقل البحري إصدار سند الشحن البحري كواحد من شروط النقل.

أما في اتفاقية هامبورج لقوانين النقل البحري 1978، تعتبر سند الشحن البحري وثيقة قابلة للتداول، تثبت تعاقد الناقل البحري على نقل البضائع المحددة فيها، ويمكن لحامل السند الشحن البحري تحويل حقوق النقل للغير عن طريق تحويل السند البحري إليه، وبذلك يصبح الحامل الجديد للسند البحري هو المالك الفعلي للبضائع ولحقوق النقل، وتحتوي الاتفاقية على معايير دولية لإصدار سند الشحن البحري ولمحتواه، من أجل توفير حماية للأطراف المتعاملة في نقل البضائع البحرية وتسهيل النقل الدولي للبضائع، و تفتقر معظم التشريعات المقارنة لتعريف لسند الشحن و كذلك المشرع الوطني حيث اكتفت بذكر البيانات اللازمة فيه.

وبما أن هناك العديد من أنواع سند الشحن البحري المختلفة، فإنه من الضروري أن نفهم كيفية اختيار النوع المناسب لحالة البضائع وتحديد البيانات المهمة التي يجب ذكرها في السند الشحن، وتحديد الأطراف المشاركة في عقد النقل البحري وما يتعلق بها من بيانات في السند الشحن، وطرق التداول والاستخدام الصحيح لسند الشحن، وكذلك كيفية تسوية المنازعات المتعلقة بالسند الشحن في حالة وجود أي خلافات.

وانطلاقا مما تقدم تتجلى أهمية البحث في دراسة دور سند الشحن البحري كوثيقة رسمية تتضمن عدد من البيانات، حيث يقوم بإثبات عقد النقل البحري وتأكيد استلام الناقل للبضاعة أو شحنها، كما يتميز سند الشحن بوظيفة أساسية أخرى، وهي تمثيله للبضاعة المشحونة، وبتحويل ملكية البضائع من البائع إلى المشتري، وأهميته في دراسة الطرق و الاشكال المختلفة التي يصدر بها سند الشحن البحري، و دور التحفظات التي يسجلها الناقل عندما يتم استلام الشحنة وتحميلها على متن السفينة.

ومن أجل الامام بالموضوع من جميع جوانبه وتقديمه للقارئ بكل تفاصيله سنقسم هذه الدراسة الى مبحثين حسب الاتي:

المبحث الأول: بيانات ووظائف سند الشحن في التشريع الوطني والمقارن

المبحث الثاني:أنواع سند الشحن وسبب التحفظ عليه

المبحث الأول: بيانات ووظائف سند الشحن في التشريع الوطني والمقارن

تختلف بيانات سند الشحنوفقاً للنصوص القانونية المتبعة في كل بلد، وتتفاوت الزامية ذكر بيانات معينة في سند الشحن البحري بحسب نوع البضائع والدول المعنية والتشريعات المطبقة في كل دولة، ولتجنب أي مشكلات قانونية أو تأخير في عملية الشحن، يجب على الشاحن و الناقل الالتزام بتوفير جميع البيانات المطلوبة في سند الشحن البحري بدقة ووفقاً للشروط والأحكام المعمول بها في دولة معنية، ويتم تنظيم هذه البيانات في المغرب بموجب أحكام قانون التجارة البحرية المغربي (المطلب الاول)، كما تعتبر وظيفة سند الشحن البحري مهمة جداً في عملية النقل البحري، حيث توفر حماية قانونية وتوثيقاً رسمياً للعملية، وتساعد في تحديد المسؤولية في حالة وجود أي خسارة أو ضرر، و قد يسجل الناقل ملاحظات أو تعديلات أو إضافات تتم على السند البحري هي عبارة عن تحفظات لتحديد الملاحظات المتعلقة بالبضائع أو الشحنة بشكل عام او لتحديد بعض الشروط التي يجب توافرها لإفراغ الشحنة في الميناء الوجهة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: بيانات وثيقة الشحن التشريع الوطني والمقارن

من خلال دراسة نصوص قانون التجارية البحرية المغربية، والمقارنة، يتضح أنه يجب ذكر بيانات محددة على وجه الخصوص في سند الشحن، وذلك وفقاً للفصل 210 من القانون البحري المغربي الذي استخدم تعبير “يجب”. في حين تناول قانون التجارة المصري، تلك البيانات على سبيل المثال لا على سبيل الحصر في المادة 200 من قانون التجارة البحرية المصري، الشيء الذي يسمح لأطراف سند الشحن إضافة بيانات إضافية إلى تلك المذكورة في القانون، ولكن يجب الانتباه إلى أن عدم ذكر بعض البيانات المهمة يمكن أن يؤثر على دور السند في الإثبات واستخدامه كأداة للتعامل على البضائع أثناء النقل البحري، ويرتبط ذلك بنطاق البيانات التي يتضمنها السند، وهذا الإغفال في ذكر بعض بيانات السند يؤثر على القيام بوظيفته الاقتصادية، ولتلافي هذا النقص يمكن لهم الاستعانة بخبراء في مجال النقل البحري لتحديد البيانات اللازمة والمساعدة في تحديد أفضل نوع من السند الشحن يناسب حالتهم ويوفر الحماية اللازمة للبضائع المراد شحنها.

وعلى الرغم من اختلاف النصوص القانونية التي تتناول بيانات سندات الشحن، إلا أن هدفها الأساسي والموحد هو تحديد البيانات الواجب ذكرها في سند الشحن ليؤدي وظيفته بشكل صحيح، ويمكن تقسيم هذه البيانات الواردة في هذه النصوص حسب الموضوع، منها ما يتعلق بالبضائع المشحونة، ومنها ما يتعلق بأطراف العقد، ومنها ما يتعلق بشروط عقد النقل، وأخيراً ما يتعلق بسند الشحن ذاته.

فبالنسبة للبيانات التي يجب ذكرها في سند الشحن البحري المتعلقة بالبضائع، يلزم المشرع المغربي والمقارن الشاحن بإخطار الناقل لاتخاذ الاحتياطات اللازمة عندما تكون الشحنة ذات طبيعة خطرة.

وعادةً ما يحدد الناقل صفة الخطورة لهذه البضائع استناداً إلى ما تم ذكره في فواتير الشراء لمعرفة مصدرها ودرجة خطورتها ونوعيتها، وذلك لتجنب أي فحص أو تدقيق فيها، حتى لا يتسبب في تلفها أو تعريضها للخطر، وخاصةً إذا كانت البضائع سوائل أو ملفوفة جيدا، لذلك يتحفظ بعض الناقلين في سند الشحن بتدوين بعض العبارات مثل “البضاعة مجهولة”، وذلك للتخلص من المسؤولية عند وقوع أي حادث، ولكن يمنع المشرع المغربي هذا السلوك ويشترط ذكر جميع بيانات البضائع بدقة في سند الشحن، للحفاظ على سلامة البضائع وتجنب المخاطر والأضرار المحتملة.

وعليه أوجب المشرع وضع علامات رئيسية واضحة وسهلة القراءة على البضائع، للتأكد من نوعها وكميتها وعدد الطرود والقطع والوزن والحالة الظاهرة لها وشكلها. واوجب أن يتضمن سند الشحن جميع البيانات المتعلقة بأطراف العقد (الناقل-الشاحن)، مثل اسم وعنوان الناقل والشاحن، بصفتهما طرفي سند الشحن، بالإضافة إلى اسم الربان، واسم وعنوان المرسل إليه إذا كان السند اسميًا أو اذنيًا بصفته مستلم البضاعة في ميناء الوصول، كما تشمل البيانات المطلوبة أيضًا في سند الشحن تفاصيل شروط النقل، كتحديد ميناء الشحن وميناء التفريغ الذي نص عليه عقد النقل البحري، وتاريخ استلام الناقل للبضائع في هذا الميناء، كل هذه البيانات تحصن صحة الوثيقة و إثباتيتها، وتجنب المشاكل في حالة الخلافات أو الخسائر أو التأخير في الشحن.

تعد أجرة النقل من أهم العوامل المتعلقة بشروط النقل البحري، وبالتالي يجب ذكرها بدقة في تذكرة الشحن، ويتم ذلك لتحديد ما إذا كانت الأجرة مستحقة بالكامل أم لا، وهذا يعد أمرًا مهمًا للحفاظ على سلامة العملية التجارية وتجنب الخلافات المحتملة.

اما معاهدة هامبورج لعام 1978 لم تحدد عدد النسخ المطلوبة من سند الشحن، ولكنها اشترطت في المادة 15 من الفقرة الأولى منها ذكر عدد النسخ الأصلية التي صدرت إذا وجدت أكثر من نسخة، ويتوقف عدد النسخ على القانون المعمول به في البلد المعني، فإذا كان القانون المصري المعمول به في العملية التجارية، فإن القاعدة هي الاكتفاء بنسختين من سند الشحن، وإذا كان القانون المعمول به هو القانون المغربي، فإن عدد نظائر سند الشحن يتحدد بناءً على رغبة الشاحن وهذا يتماهى مع ما جاءت به هامبورج لعام 1978، من أجل الحفاظ على سلامة العملية التجارية وتجنب الخسائر المحتملة كالضياع أو السرقة أو التزوير، ويجب ذكر عدد النسخ المطلوبة في كل نظير من سند الشحن وإلا فإنها لا تكون وثيقة للإثبات.

مما سبق ذكره فإن سند الشحن الذي لا يحتوي هذه البيانات لا يمكن استخدامه كوثيقة شحن قابلة للإثبات بمفرده، لذا يجب ذكر تلك البيانات في سند الشحن حيث تساعد في تحديد أطراف العقد، ووصف البضائع وتحديد أجرة النقل، إضافة الى تحديد حقوق والتزامات كل من الشاحن والناقل، وبالتالي فإننا نرى أنه من الضروري ذكر تلك البيانات في سند الشحن، ولا يجوز إغفال أي بيان منها، ومع ذلك يمكن إضافة أي بيانات اخرى تثبت حقًا أو واجبًا للأطراف المشاركة.

وتجدر الإشارة الى إنه، يمكن للناقل البحري إضافة تحفظات أخرى بشأن البضائع إلى سند الشحن، إذا كانت هذه التحفظات ضرورية لحماية مصالح الناقل البحري، أو إذا كانت مطلوبة من قبل القوانين والأنظمة المعمول بها، ومن المهم أن يتم إدراج هذه التحفظات بشكل واضح وصريح في سند الشحن.

المطلب الثاني: وظائف وسنة الشحن وقوتها في الإثبات

يعتبر العرف التجاري البحري أحد العوامل الهامة في تسهيل عمليات التجارة الدولية للسلع والخدمات، ويأتي سند الشحن كأداة أساسية في هذا السياق، حيث يقوم بإثبات عقد النقل البحري وتأكيد استلام الناقل للبضاعة أو شحنها، كما يتميز سند الشحن بوظيفة أساسية أخرى، وهي تمثيله للبضاعة المشحونة، حيث يعتبر حامل السند مالكًا للبضاعة كونه أصبح يمثل البضاعة المشحونة ذاتها ويقوم مقامها، فهو بحكم الحائز للبضاعة حيازة رمزية، وبالتالي حق الحامل الشرعي لسند الشحن في استلامها في ميناء التفريغ المحدد في السند، لأنه لا يمكن تسليم البضاعة إلا لمن يتقدم إلى الربان بسند الشحن بوصفه حاملا شرعيا لذلك السند، هذا الأخير يحمي المشتري والبائع على حد سواء من المسؤوليات القانونية المحتملة، ويعزز ثقة الأطراف المتعاملة في العملية التجارية البحرية.

ويترتب على وظيفة سند الشحن العديد من المزايا التي تجعله أداة مهمة في عمليات التجارة البحرية. فبفضل مبدأ الحيازة الذي يعتمد عليه سند الشحن، يمكن للشاحن بيع البضاعة المشحونة أو رهنها بينما هي ما زالت في البحر، ويتم تسليم سند الشحن للمشتري أو المرتهن معتبرًا ذلك مثل تسليم البضاعة نفسها.

وتتم عملية تسليم سند الشحن من الشاحن إلى الغير عن طريق حوالة الحق أو التظهير أو المناولة، حيث يتم تحديد الحامل الشرعي للسند بوضوح في حالات السند الشحن الاسمي، أو يكون الحامل هو المالك الفعلي للسند في حالات السند لحامله، أو يتم تحديد مظهر على بياض أو المظهر الأخير وذكر فيه اسم المظهر إليه في حالات السند لأمر.

ويتم تأكيد دور السند في تمثيل البضاعة المشحونة بمبدأ الحيازة، حيث يعتبر حامل السند مالكًا للبضاعة بشكل رمزي، وأكدت محكمة النقض المصرية على أن سند الشحن يمثل البضاعة المشحونة لذاتها، ويقوم مقامها بحيث تندمج البضاعة في السند ويعتبر حاملها حائزًا للبضاعة، وإن كانت هذه الحيازة يتمثل فيها الطابع الرمزي لوظيفة سند الشحن.

حيث نصت على أن “وثيقة الشحن وإن كانت تمثل في الأصل دليل الشاحن أو المرسل إليه قبل الناقل في شحن البضاعة أو حق تسلمها عند الوصول مما يمثل الطابع الشخصي لوظيفة الوثيقة، إلا أنها تعد أيضا أداة ائتمان فهي تمثل البضاعة المشحونة لذاتها وتقوم مقامها بحيث تندمج البضاعة في وثيقة الشحن ويعتبر حاملها حائزا للبضاعة، وإن كانت هذه الحيازة يتمثل فيها الطابع العيني لوظيفة سند الشحن”.

يجب الإشارة هنا إلى أن حيازة سند الشحن لا تعني بالضرورة وجود حيازة فعلية للبضائع، إذ قد يبقى حامل التذكرة مالكًا رمزيًا فقط للبضاعة، فلا يحق له أن يطالب بحق الحيازة الفعلية للبضاعة بموجب حقوق ملكية المنقول الصادرة بموجب سند الملكية، فالناقل يجوز له ان يحتفظ بالبضاعة كضمانة لأجرة النقل، أو إذا حدث خطأ في التنصيص على نوع البضاعة المشحونة في التذكرة.

ويمكن لسند الشحن لما يتضمنه امن بيانات دقيقة أن يستخدم كحجة للإثبات في العلاقة بين الناقل والشاحن، وأيضًا في مواجهة الغير مثل المرسل إليه أو شركة التأمين التي لم تشارك في عقد النقل البحري، و الجدير بالذكر أن حجية سند الشحن في الإثبات تتعلق بنوع السند، وبمدى قدرة صاحب الحق على الإثبات بالوثيقة في حالات النزاعات.

يُعَد إصدار سند الشحن دليلاً قوياً على تسلم الناقل للبضاعة من الشاحن بالحالة الموصوفة فيه، ولكن الحجية القانونية لسند الشحن لا تقتصر على هذا الجانب فحسب، بل تمتد لتشمل البيانات الأخرى المذكورة في السند، مثل تعيين ميناء الشحن وميناء التفريغ ومقدار الأجرة المستحقة عند الوصول، ولهذا فإن معظم التشريعات والاتفاقيات الدولية قد خصصت مجموعة من القواعد والضمانات القانونية للسند، ولقد اعتمدت العديد من البلدان على سند الشحن كدليل واجب لتسلم البضائع وإثبات عقد النقل البحري، وذلك من خلال استخدام البينة الكتابية المتمثلة في السند دون المساس بالطبيعة الرضائية للعقد، وقد أكدت محكمة النقض المصرية هذه النقطة، حيث اعتبرت أن الكتابة التي أوجبها القانون البحري في عقد النقل ليست شرطاً لانعقاده أو صحته، وإنما هي شرط لإثباته وبالتالي، فإن عقد النقل البحري يُعَد من العقود الرضائية التي يتم انعقادها بتطابق إرادة الناقل والشاحن على نقل البضاعة بحراً وتسليمها إلى المرسل إليه في ميناء الوصول.

يعَد سند الشحن دليلاً كتابياً لإثبات عقد النقل البحري للبضائع، وهو يحمل حجية نسبية في الإثبات فيما يتعلق بالبيانات المدرجة فيه بين الناقل والشاحن، مثل الوزن والكمية، والنوع والعدد والعلامة، وهذه الحجية الإثباتية يمكن دحضها بطرق الإثبات الأخرى في حالة وجود خلاف بين الناقل والشاحن.

تختلف الآراء الفقهية حول الكيفية التي يمكن من خلالها دحض القرينة الإثباتية المستمدة من سند الشحن، حيث يرى بعضهم ضرورة الخروج عن القواعد العامة في إثبات المسائل التجارية وعدم إمكانية إثبات عكس ما ورد فيه من بيانات إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها إلا في حالة وجود غش، بينما يرى آخرون أنه يمكن دحض القرينة الإثباتية المستمدة من سند الشحن بطرق الإثبات كافة، وذلك انسجاماً مع القواعد العامة في إثبات المسائل التجارية ما لم يرد استثناء قانوني خاص.

وبغض النظر عن الرأي الفقهي المتبع فإن عقد النقل البحري يُعَد عقداً رضائياً تجارياً، ولا يتوقف إبرامه على وجود سند الشحن، وبالتالي فإن التزام الناقل بتسليم سند الشحن للشاحن يتوقف تنفيذه على طلب الشاحن، وليس التزاماً متعلقاً بالنظام العام، وتتفق هذه النظرة مع المبادئ العامة التي يقوم عليها عقد النقل البحري، سواء في التشريعات البحرية أو الاتفاقيات الدولية.

وعند النظر إلى حجية سند الشحن، يثار السؤال عما إذا كانت تقتصر على العلاقة بين الناقل والشاحن فقط، أم إذا كانت تمتد إلى الغير،إذا كان سند الشحن يثبت واقعة مادية قانونية، أي نقل البضائع من مكان إلى آخر، فإن آثار هذه الواقعة تطال الغير حتى إن لم يساهم في إحداثها، مثل (المرسل إليه – المؤمن)، فالغير الذي يستلم البضائع بناء على سند الشحن وعلى صحة البيانات الواردة فيه ، تجعل السند يحوز حجية مطلقة في الإثبات لصالح هذا الغير فيما يخص البضائع، وبمعنى آخر فإن بيانات سند الشحن في هذه الحالة تتمتع بحجية مطلقة غير قابلة للإثبات العكسي، مما يحمي ظاهر الأشياء ويمكِّن السند من أداء وظيفته في تمثيل البضاعة على الوجه الأكمل، ولكن هذا لا يمنع الغير الحامل للسند من إثبات العكس مما ورد في السند باستخدام كافة طرق الإثبات المتاحة، وذلك ما أكدته محكمة النقض المصرية بأنه “إذا كان إثبات عكس بيانات سند الشحن الخاصة بالبضاعة جائز في العلاقة بين الناقل والشاحن، إلا أنه لا يجوز إزاء ما عداهما كالمرسل إليه، إذ أن له حجية مطلقة في الإثبات لصالحه فيما يتعلق بهذه البيانات وليس للناقل أن يثبت قبله عكس ما تضمنه”.

ومن الجدير بالذكر أن الإشكال الذي يمكن إثارته في هذا الصدد هو الحالة التي يكون فيها الشاحن هو المرسل إليه، في هذه الحالة لا يمكن لأي غير أن يعتمد على سند الشحن لأن المرسل إليه ليس من الغير، ويمكن للشاحن أن يصدر سند الشحن لأمر شخص محدد، وتتوالى التظهيرات الناقلة للملكية على السند حتى يتم تظهيره إلى الشاحن في الميناء المقصود، و يتوجه هذا الأخير إلى ميناء التفريغ لاستلام البضائع من الناقل البحري وهو يحمل سند الشحن، ومن المهم أن يلاحظ أن هذا النوع من السندات يخضع للتعاملات القانونية الخاصة بها، وقد تختلف قواعد الحجية وطرق الإثبات المتاحة حسب النظام القانوني المعمول به في الدولة ذات الصلة.

المبحث الثاني: أنواع سند الشحن وسبب التحفظ عليه

يعتبر سند الشحن واحداً من الوثائق المهمة لإثبات ملكية البضاعة المشحونة، ويستخدم كوسيلة لإثبات عقد النقل البحري. وبسبب الدور الحيوي الذي تلعبه سندات الشحن في عملية النقل البحري، فإن هذه السندات تنوعت وانقسمت تبعاً لطريقة تداولها (المطلب الاول)، كما تخضع لتحفظات مختلفة فيما يتعلق بوجودها وصحتها (المطلب الثاني).

المطلب الاول: أنواع سندات الشحن وطرق تداولها

ينظم القانون المغربي والقانون المقارن، عدة أشكال لسندات الشحن وذلك بحسب طبيعة كل نوع، ومن حيث طريقة تداولها، يتميز سند الشحن بأنه يمثل البضاعة المشحونة بمجرد تصديرها، حيث يستلمه الناقل في ميناء التفريغ فقط من الشخص الذي يحمل السند، ولكن هذه الطريقة تطرح مشاكل على الناقل، لذا اعتبر القانون المغربي والمقارن أن البضائع لا تسلم إلا لمن يمتلك إحدى أشكال سند الشحن الثلاثة:

1_ سند الشحن الاسمي: و هو الذي يصدر باسم شخص معين وغير قابل للتداول، ولا يسلم البضائع إلا للشخص المدون فيه، سواء كان الشاحن أو المرسل إليه أو غير ذلك، ويتعهد الناقل في سند الشحن لأمر بتسليم البضائع إلى الشخص المعين فيه، وهذا النوع من المستندات غير قابل للتداول بالطرق التجارية، وينتقل الحق فيه إلى الغير باتباع إجراءات حوالة الحق المنصوص عليها في القانون المدني، أو بطريقة الإرث والوصية، وتستخدم وثائق الشحن بهذا الشكل في الحالات التي يكون فيها الشاحن والمرسل إليه شخصاً واحداً، أو يكون المرسل إليه تابعاً أو وكيلاً يعمل لحساب الشاحن ، الشيء الذي يمنع الناقل من تسليم البضائع إلا للشخص الذي يتم تحديده في الوثيقة ، او لوكيل أحدهما بمقتضى إجراءات الحوالة.

2_ سند الشحن للأمر هو النوع الأكثر شيوعًا في التجارة البحرية، نظرًا لإمكانية تداوله بطريقة التظهير بالأمر، هذا يسمح للشاحن ببيع البضائع دون تسليمها فعليًا، ويتوجب على الربان تسليم البضائع لحامل سند الشحن الذي ينتقل إليه بطريقة التظهير، ويجب أن يكون مؤرخًا، ويشترط القانون في سند الشحن للأمر ذكر عبارة قابلة للتداول ليتم التظهير، ويمكن بموجب هذا التظهير نقل ملكية البضائع إلى المظهر إليه الذي هو المستفيد بمفهوم القانون التجاري، ينص الفصل 246 من ظهير 31 مارس 1919 المغربي على أن “تذكرة الشحن للأمر قابلة للتداول بالتظهير ولا يجوز للربان أن يسلم البضاعة إلا لحامل التذكرة المظهرة ولو كان التظهير على بياض”، ولا يجوز للناقل أو الربان الاحتجاج بمواجهة المظهر إليه بالدفوع التي له قبل الشاحن المظهر، وذلك لأن قاعدة عدم جواز الاحتجاج بالدفوع على الحامل حسن النية تنطبق على انتقال سند الشحن بطريقة التظهير، على غرار الأوراق التجارية الأخرى، ولا يجوز للناقل الاحتجاج بشروط مشارطة الإيجار على الغير حامل سند الشحن إلا إذا كانت هذه الشروط مذكورة في سند الشحن نفسه بالإحالة على مشارطة الإيجار.

3_ سندات الشحن للحامل تسمح بالتداول، ولكن يتم تداولها بطريقة التسليم ويجب على الربان تسليم البضاعة للشخص الذي يقدم سند الشحن عندما يرغب في استلام البضائع التي يتضمنها السند، ومن العيوب التي تنتج عن هذا النوع من السندات هو أنه إذا تعرض للسرقة أو الضياع، فقد لا يتمكن حاملها الشرعي من إثبات ملكيته لها نظرًا لأنها لا تحمل اسمه.

يطرح هذا الأمر سؤالًا حول إمكانية تظهيرها للحد من هذه الأخطار، وفي حالة الضياع هل يمكن للشاحن اللجوء إلى استخدام نسخة أخرى من السند بعد إبلاغ الناقل بالضياع وما قدرة التظهير على تحقيق ذلك؟

بالنسبة لهذا الاستفسار لم يناقش المشرع المغربي هذه المسألة بشكل صريح، ولكن يمكن لأي حامل لسند الشحن المحرر للحامل اللجوء إلى التظهير بها بالشكل الذي يستخدمه الأشخاص في نقل الحقوق أو ملكية البضائع، إذا فقد السند يحق لمن له الحق عليه أن يخبر الناقل بعدم تسليم البضاعة لحاملها ويمكن اللجوء إلى نسخة أخرى منها للاستخدام في التسليم، ولكن يجب على الحامل الذي فقد السند أن يكون حسن النية، في حالة انتقال السند بطريقة التظهير، فإن الناقل لا يمكنه الاحتجاج بالدفوع على الحامل حسن النية، وينبغي للناقل تسليم البضائع إلى حامل السند القاصر إذا كان التصرف يعود عليه بالمنفعة، وإذا خشي على مصير البضاعة فيمكنه تسليمها إلى من يتولى إدارة أموال حامل السند القاصر.

المطلب الثاني: سندات الشحن وتأثير التحفظات

يتطلب سند الشحن تضمين جميع البيانات المتعلقة بالبضائع المشحونة مثل نوعها وكميتها ووزنها وعلامتها وعدد الطرود، وعادة ما يقوم الشاحن بتقديم هذه المعلومات للناقل او من ينوب عنه، وإذا لم يحتوي سند الشحن على أي تحفظات أو ملاحظات حول هذه المعلومات وفقاً لتصريحات الشاحن يعتبر سند الشحن نظيفًا، وعمومًا يقوم الناقل بتدوين البيانات التي قدمها الشاحن كما هي، وذلك بسبب قلة الوقت المتاح له للتحقق من صحة هذه المعلومات.

وقد تواجه الناقل صعوبة في التأكد من صحة هذه المعلومات وذلك بسبب عدم وجود الخبرة الكافية أو ضيق الوقت الذي يتوفّر للتحقق منها. وبسبب هذه الصعوبات، يمكن للناقل أن يدوِّن تحفظاته حول هذه المعلومات في سند الشحن، مثلاً بتدوين عبارات مثل “حسب قول الشاحن أو غير معتمدة” أو “مجهولة الوزن، أو الكمية، أو الصنف، أو المقاس، أو الحالة، أو القيمة” الى غير ذلك من الملاحظات، ويُعرف سند الشحن الذي يحتوي على هذه التحفظات باسم “سند شحن غير نظيف”، وتدوين هذه التحفظات حول المعلومات الواردة في سند الشحن يعد أمرًا مقبولًا، ويسمح للناقل تفادي المسؤولية عن أي مشكلات مستقبلية يمكن أن تنشأ بسبب عدم صحة هذه المعلومات.

إن إدراج التحفظات على البضائع في سند الشحن يؤدي إلى إعاقة تداول السند ويمنعه من ممارسة دوره كممثل للبضاعة المشحونة في الطريق، ويصعب بيع بضائع مجهولة الوزن والحالة أو غير معتمدة، مما يضعف قيمة هذا السند في إثبات البيانات المتعلقة بالبضاعة في حالة حدوث عجز أو نقصان أو تلف البضاعة، وعند إدراج التحفظات في سند الشحن، يتعذر على المستلم الاستناد إلى السند لإثبات استلام الناقل للبضاعة بالحالة الموصوفة بها فيه، مما يعفي الناقل من المسؤولية عن العجز الحادث في البضاعة أو عن هلاكها أو تلفها.

و في الأصل يسمح الاتفاق بين الناقل والشاحن على إدراج مثل هذه التحفظات في سند الشحن، ولكن هذا الاتفاق يؤثر بشكل سلبي على مصلحة الشاحن ويعيق التوازن الذي يجب تحقيقه بين الناقل والشاحن، فلإضفاء نوع من التوازن بين طرفي الاتفاق نظمت معظم التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية المتعلقة بعقد النقل البحري للبضائع استخدام هذه التحفظات وفق ضوابط محددة، وذلك لحماية مصلحة الشاحن كطرف ضعيف في هذه العلاقة وللحفاظ على المبدأ التوازن بين الطرفين، ويؤكد ذلك اتفاقية هامبورغ لعام 1978 والتي صادقت عليها العديد من الدول، بما في ذلك المغرب و مصر، والتي تهدف إلى المحافظة على القيمة الائتمانية والتداولية لسند الشحن، تحقيقا للتوازن اللازم بين الأطراف في عقد النقل البحري للبضائع.

على الرغم من موقف المغرب ومصر المؤيد لاتفاقية هامبورغ لعام 1978، إلا أن هناك اختلاف بين هذه الدول وقوانين التجارة البحرية التي تنظم تحفظات سندات الشحن، حيث يسمح للناقل في إطار المعاهدة بتوثيق تحفظات بصدد العلامات الخاصة بالبضاعة والكميات والوزن فقط، في حين يمكن للناقل في إطار القوانين الوطنية لهذه الدول إدراج تحفظات في سند الشحن بخصوص حالة وشكل البضاعة وهو ما لا يسمح به العمل البحري.

وقد وضع القضاء شروطا لصحة التحفظات للحد منها، وتم تبني نفس مبادئ اتفاقية هامبورغ لعام 1978 حيث اشترطت أن تكون التحفظات مسببة ومبنية على مبررات واضحة ومعقولة لا تتصف بالعمومية، وكان هناك عدة قرارات صادرة عن المحاكم التجارية تؤكد ذلك، حيث أن الناقل البحري يتحمل مسؤولية النقص في البضائع استنادًا إلى الطريقة والأسلوب الذي صيغت به هذه التحفظات، فإذا كانت التحفظات غير واضحة وغير محددة، فلن تكون لها أي قيمة عملية، وعلى سبيل المثال، قررت محكمة مرسيليا التجارية، أن عبارة “صناديق تعرضت للنقل البحري” لا تحمل أي معنى عملي، ولا تفيد سوى بأن هذه الصناديق المنقولة لن تتحمل سفراً آخر، كما قررت محكمة النقض الفرنسية في قضية أخرى بتاريخ 25 ماي 1993حيث بين انه “إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المرسل إليه قد توصل وقبل التحفظات المدرجة في وثيقة الشحن من قبل الناقل البحري بشأن رداءة توضيب هذه البضائع (كمية من الحبوب) رغم ما تشكله من خطورة تمس الوزن ” أكياس غير مقفولة جدا” ومشاكل تتعلق بتفريغ البضائع “أكياس غير منتظمة”.

وفي ذات السياق، أدى القضاء المغربي دورًا مهمًا في تحديد الشروط اللازمة لصحة التحفظات، ففي قرار صادر عن محكمة الاستئناف الدار البيضاء بتاريخ 14 سبتمبر 1993، “وحيث أنه بخصوص التحفظات التي أبداها مكتب استغلال الموانئ بشأن البضاعة المتنازع بشأنها فأنها تتسم بالعمومية والشمولية لكونها انصبت على مجموع الرسالة البحرية دون أدنى تحديد لعدد الطرود المتضررة مما يفيد أن البضاعة كلها أفرغت متضررة والحال أنه عكس ذلك، وحيث أنه تبعا لاجتهاد هذه المحكمة، فإن التحفظات الشمولية لا يكون لها أدنى أثر نظرا لكونها تحرم المحكمة من إمكانية تحديد المرحلة الزمنية التي حصل فيها الضرر خصوصا وأن الناقل البحري في مثل هذه الظروف يتمتع بقرينة التسليم المطابق والصحيح …”.

يتضح من هذه القرارات أن القضاء المغربي يلتزم بالحفاظ على الشروط اللازمة لصحة التحفظات ويعمل على تحديدها بدقة، كما يركز على أهمية تحديد الضرر الفعلي والمحدد بشكل دقيق لتحديد المسؤولية المناسبة في عقد النقل البحري، ويؤكد أن التحفظات العامة والشمولية غير مفيدة لأنها لا تمكن المحكمة من تحديد المرحلة الزمنية التي حدث بها الضرر، لذا يجب على الناقل البحري الالتزام بالشروط اللازمة لصحة التحفظات وتحديد التحفظات بشكل واضح لتحديد المسؤولية في حالة وجود أي نقص في البضاعة.

وبناءً على ذلك، يتطلب إدراج التحفظات في سند الشحن الالتزام بمجموعة من الضوابط والشروط لتجنب عرقلة القيمة التداولية للسند وعمليات التجارة الدولية بشكل عام ولحل هذه المشكلة، يتفق الشاحن أحياناً مع الناقل على إصدار سند شحن خالٍ من التحفظات، مع توفير خطاب ضمان، يذكر فيه التحفظات التي يرغب الناقل بتدوينها في السند، ويتعهد مالك البضاعة بالتنازل عن أي مطالبة للناقل عند ظهور أي نقص أو عيب أو تلف في البضاعة فيما بعد، بالإضافة إلى تعويض الناقل عما يمكن أن يتسبب به للمرسل إليه أو المالك الأخير للبضاعة عن الضرر الذي قد يصيب البضاعة عند تسليمها إليه.

ومع ذلك، لا يمكن للناقل البحري الاعتماد على خطاب الضمان ضد الغير الذي ليس له حسن نية، حيث سواء كان هذا الغير في هذا الحال المرسل إليه أو المؤمن على البضائع أو بنك فاتح الاعتماد المستندي، ما لم يكن طرفًا في الاتفاق الذي أفضى إلى خطاب الضمان.

في حال اتفق الناقل والشاحن على عدم إدراج أي تحفظات في سند الشحن، مقابل تسلم خطاب الضمان من الشاحنبهدف الاضرار بالغير، في هذه الحالة يكون الناقل ضامناً لتعويض الغير عن كل ضرر يصيبه ويُعتبر خطاب الضمان صحيحاً وفعالاً بين الناقل والشاحن في حال كان الناقل حسن النية، ولكن في حال ثبت أن الناقل أغفل ذكر التحفظات بقصد الإضرار بالغير، فليس للناقل الحق في مطالبة الشاحن بالتعويض المتفق عليه في خطاب الضمان.

تناول قانون التجارة البحرية المغربي هذه الوثيقة، ولكنه لم يشر إليها بشكل صريح. وتنص المادة 22 من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أن “الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر إلا فيما بين المتعاقدين ومن يرثهما، فلا يحتج بها على الغير إذا لم يكن له علم بها، ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل” هذه المادة أشارت الى خطابات الضمان بصفة ضمنية.

على الرغم من عدم إشارة القانون المغربي إلى خطاب الضمان، فإن الممارسة في مجال النقل البحري تعرف هذه الوثيقة، وغالباً ما يقوم الناقل بتضمين تحفظاته في خطاب الضمان لجعل إثبات النقص في البضائع على عاتق المرسل أو المتلقي.

وتؤدي هذه الخطابات إلى فوائد عملية للشاحن والناقل على حد سواء، حيث تسهل للشاحن تداول سند الشحن النظيف والحصول على الأموال من البنوك، كما تسهل للناقل شحن البضائع بسرعة والاطمئنان لحالتها دون الحاجة إلى التحقق منها، كما أن هذه الخطابات لا تؤثر على حجية سند الشحن في الاثبات، حيث يظل الناقل مسؤولًا تجاه الغير حسن النية عن بيانات البضائع وأوصافها الواردة في سند الشحن طالما لم يتم إدراج أي تحفظات فيه، ويمكن للمرسل إليه حسن النية مساءلة الناقل عن العجز الحادث في البضائع أو عن تلفها أو عدم مطابقتها للمواصفات المذكورة في سند الشحن الخالي من التحفظات، ولكن يمكن للناقل الرجوع على الشاحن بما يكون قد تحمله من تعويضات لصالح الغير حسن النية، عن طريق استخدام خطاب الضمان الذي يحتوي على التحفظات التي يريد إدراجها في سند الشحن.

الخاتمة:

تتركز أهمية سند الشحن البحري في حماية العلاقات التجارية البحرية، حيث يعتبر هذا السند وثيقة رسمية تثبت عقد النقل وتنظم الالتزامات المرتبطة بنقل البضائع بين الشاحن والناقل والمرسل اليه، ويعد سند الشحن البحري مصدر حماية لحقوق والتزامات الحامل القانوني للسند حيث يمثل البضاعة المنقولة، وفي هذا الاطار يتطلب من الشاحن تقديم بيانات صحيحة ودقيقة عن البضائع، وفي حالة كانت هذه البيانات مخالفة للحقيقة فإن الشاحن يتحمل المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن ذلك.

وللناقل حق الاحتفاظ بحقوقه وتحفظاته حيال البضائع في حالة شكه في المعلومات المقدمة أو يصعب عليه الكشف عنها، وذلك لتجنب المسؤولية في حالة وجود نقص أو تلف في البضائع عند التسليم، ويمكن للناقل أيضًا إصدار سند شحن نظيف خال من التحفظات مقابل تسلمه خطاب الضمان، وفي هذه الحالة يتحمل الناقل العواقب الناجمة عن إصدار هذا الخطاب أمام الغير الحامل لسند الشحن.

ومن المهم الإشارة إلى التطور التكنولوجي الحديث الذي شهده مجال النقل البحري، حيث ظهر سند الشحن الإلكتروني كوسيلة حديثة لتسهيل عملية النقل البحري، والذي يمكن أن يقدم نفس الوظائف العملية والقانونية التي يوفرها سند الشحن التقليدي. ويتميز سند الشحن الإلكتروني بسرعة وصوله إلى المرسل إليه، وتجاوز مشكلة التأخر التي قد تواجه سند الشحن التقليدي.

و قد ظهرت اتفاقية روتردام 2008 كتطور لتنظيم سندات الشحن الإلكترونية وجعلها تتلاءم مع التحولات التجارية الدولية والتكنولوجية الحديثة، ولعل هذا ما أصبح يفرض على المشرع في المملكة المغربية إصدار قانون جديد للتجارة البحرية لمواكبة هذه التغيرات وتجديد الإطار القانوني والتشريعي المتعلق بالنقل البحري، بالنظر لكون المملكة المغربية موقعة على اتفاقية روتردام 2008 التي لم تحصل بعد على العدد اللازم من الموقعين كي تدخل حيز التنفيذ، الشيء الذي يفرض عليها تحديث القانون التجارة البحرية ليتلاءم مع هذه الاتفاقية ومتطلبات التجارة الدولية، و لمواكبة التحولات التكنولوجية والتجارية الحديثة، وتوفير الإطار القانوني اللازم لحماية العلاقات التجارية البحرية وتسهيل عملية النقل البحري بشكل عام.

وثائق ونصوص فانونية

  • اتفاقية بروكسيل 1924 ( تفاقية النقل البحري الدولي)
  • اتفاقية هامبورج لقوانين النقل البحري 1978
  • قانون التجارة البحري المغربي لسنة 1919
  • قانون التجارة البحري المصري

لائحة المراجع:

  • أحمد حسني: “عقد النقل البحري”، منشأة المعارف 1991.
  • أحمد حسني: “قضاء النقض البحري”، منشأة المعارف بالاسكندرية سنة 1997
  • عادل علي المقدادي: “القانون البحري السفينة – أشخاص الملاحة- النقل البحري – البيوع البحرية – الحوادث البحرية – التأمين البحري”، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1432ه/2011م.
  • عاطف محمد الفقي: “قانون التجارة البحرية: السفينة- أشخاص الملاحة البحرية، عقد النقل البحري للبضائع عقد النقل البحري للأشخاص مشارطات إيجار السفن”، دار الفكر الجامعي، 2008.
  • محمد التغدويني: “”القانون البحري، الجزء الثاني، النقل البحري” مطبعة انفوبرانت، فاس، الطبعة الثانية 2008.
  • مصطفى كمال طه: “أصول القانون البحري”، الطبعة الأولى، مطبعة دار النشر الثقافية، الاسكندرية 1952.
  • مصطفى كمال طه:” القانون البحري الجديد” دار الجامعة الجديدة للنشر، 1995.
  • هاني دويدار: “الوجيز في القانون البحري: الجزء الثاني – النقل البحري للبضائع”، مكتبة ومطبعة الإشعاع، 1993.
  • جامعة محمد الخامس، السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- سلا 2007/2008.

الاطروحات والرسائل الجامعية:

  • أمال أحمد كيلالي:”التقاضي في عقد النقل البحري”، رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في الحقوق، جامعة القاهرة سنة 2000.
  • لوبنةالسبيبي: “شرط التحكيم في عقد النقل البحري للبضائع”، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص،
  • محمود عبد اللطيف غزال: “التزامات الناقل المترتبة على عقد النقل البحري”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس كلية الحقوق أكدال، 1993-1994.
  • محمود عبد اللطيف غزال:”الاتجاهات الحديثة في تحديد دور وثيقة الشحن في النقل البحري” أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية 1995-1996.

مقالات:

  • فريد الحاتمي: “أوراق الضمان في المادة البحرية: طريقة تحايل جديدة أم أداة عمل جدية وجادة”، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، عدد 38، السنة 1996/1997.

مقالات الكترونية:

  • Walid abouzair : les transports maritimes, www.Cdnt.droit.u.3mrs.fr/me.03/12/2016.

احكام قضائية:

  • قرار صادر عن محكمة مرسيليا التجارية بتاريخ 30/01/1953.
  • قرارات المجلس الأعلى، أرشيف المجلس الأعلى
  • قرارات صادر عن محكمة استئناف الدار البيضاء
  • قرارات محكمة الاستئناف بالرباط 49-54.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى