مبدأ استمرارية سير المرافق العمومية بانتظام واطراد وتطبيقاته في التشريع الجزائري
الأستاذ محفوظ عبد القادر
باحث دكتوراه ومحامي لدى المجالس القضائية
مهما كان الجدل والخلاف الفقهي حول تحديد أساس قواعد القانون الإداري وهل هو فكرة السلطة العامة أم فكرة المرفق العام، فإن القضاء الإداري في القانون المقارن يقيم ويؤسس قواعد القانون الإداري على فكرة المرفق العام، ذلك أن المرفق العام باعتباره كل مشروع تنشئه الدولة وتتولاه بنفسها أو تحت إشرافها ورقابتها لإشباع الحاجات العامة، ولارتباط المرفق العام بالصالح العام للمجتمع ككل، كان لابد من تنظيم وإحكام نشاطه بما يضمن له الاستمرار والاطراد في سيره وحسن إدارته، ووضع قواعد قانونية خاصة بالمرافق العامة توفر لها عدة ضمانات لتحقيق الصالح العام على الوجه الأفضل والأسرع[1]، ولهذا فقد استقر الرأي في فرنسا والدول الآخذة عنها على إخضاع المرافق العامة لعدد من القواعد الأساسية تمليها الاعتبارات العملية والعدالة الاجتماعية[2]. هذه القواعد الأساسية هي مجموعة مبادئ عامة تجد مجال تطبيقها أيا كان نوع المرفق وبمجرد ثبوت صفة العمومية، وتمثل هذه المبادئ الحد الأدنى المشترك بين المرافق العامة المختلفة.
هذه القواعد هي: قاعدة دوام سير المرافق العامة بانتظام واطراد.
قاعدة المساواة بين الأفراد أمام المرافق العامة.
قاعدة قابلية المرفق العام للتغيير والتعديل، أو قاعدة تكييف وتطور المرفق العام[3].
ولقد سعى المشرع الجزائري إلى تجسيد هذه المبادئ وتكريسها، محاولا إعطائها أسسا قانونية تستمد منها وجودها[4]، وديناميكيات تشريعية تضمن تطبيقها على أرض الواقع؛ فسن العديد من النصوص التي عالجت هذه المبادئ الحاكمة لسير المرافق العامة وتنظيمها، سواء المبادئ منها أو ما يترتب عنها من نتائج، وقد تعددت هذه النصوص واختلفت طبيعتها، فمنها الدستورية ومنها التشريعية، والتنظيمية؛ إلا أن الباحث في هذا المجال يلاحظ وجود نصين قانونيين هامين –أحدهما وطني والآخر دولي- سعى المشرع الجزائري من خلالهما[5] للنص على هذه المبادئ مباشرة وبشكل خاص، ويتعلق الأمر بالمرسوم 88-131 الذي ينظم العلاقات بين الإدارة والمواطن[6]، والميثاق الإفريقي لِقِيَم ومبادئ الخدمة العامة والإدارة المعتمد بأديس أبابا في 31/01/2011[7]؛ مما يجعل الدراسة تتركز بشكل أساسي عليهما كنموذج للنصوص القانونية المنظمة للمبادئ المتعلقة بسير المرافق العامة، ومدى انعكاسها وتجسيدها الواقعي لسياسة إصلاح الخدمة العمومية بالجزائر.
ولعل مبدأ دوام سير المرفق العام بانتظام واطراد يعد المبدأ الأكثر شهرة من مبادئ سير المرفق العام، لأن مخالفته تكون واضحة ومحسوسة من مستعملي المرفق وكذا من الدولة ذاتها، لكن تعريفه ليس بالأمر السهل وذلك راجع للتنوع الكبير للمرافق العامة بحسب طبيعتها ووظيفتها، غير أنه يمكن تعريفه بأنه العمل المنتظم والمستمر للمرافق العامة[8].
ولما كان المرفق العام قد أنشئ لإشباع حاجة عامة أساسية للأفراد، ولما كانت هذه الحاجة باقية ومستمرة، لذلك يكون ضروريا استمرار المرفق العام في إشباع هذه الحاجة، أي ضرورة سير المرفق العام بانتظام و اطراد[9]. وتعد هذه القاعدة من أهم القواعد التي تحكم سير المرافق العامة سواء كانت إدارية، أم اقتصادية، وتستند إلى أهمية وحيوية الخدمات التي تؤديها المرافق العامة، ومدى جسامة الأضرار التي تصيب الدولة والأفراد جراء توقف مرفق ما، أو تعطله -ولو لفترة وجيزة– عن تقديمها[10]، ويكفي تصور مدى الاضطراب الذي يصيب حياة الأفراد إذا انقطع التيار الكهربائي لمدة طويلة، أو نشاط مرفق النقل يوما أو يومين، فالمواطن يخطط لتصرفاته معتمدا على وجود مرافق تعمل بانتظام[11].
على أن درجة الاستمرارية تختلف باختلاف وظيفة المرفق، والخدمة التي يقدمها، فبعض المرافق تتطلب العمل الدائم، مثل الشرطة و الدفاع والمستشفيات، والحماية المدنية، توزيع الكهرباء والغاز، في حين هناك مرافق أخرى تتطلب العمل فقط بضع ساعات كل يوم، مثل الحالة المدنية، والتعليم والمكتبات، والإدارات.
كما أن مبدأ الاستمرارية يفترض العمل الدقيق والمنتظم للمرفق، حيث يجب أن يفتح في الساعة المحددة، ولا يمكن أن يقفل بطريقة مسبقة، فإغلاق مكتب بريد قبل الساعة المحددة يعتبر خطأ مرفقي، ولا يمكن أن ينقطع المرفق عن العمل إلا في الحالات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة وحالات القوة القاهرة.
وجسد الدستور الجزائري هذا المبدأ في م85/5 من دستور 1996 التي تنص على أن الوزير الأول يسهر على حسن سير الإدارة العمومية، فأصبح لهذا المبدأ قيمة دستورية[12].
وقد ورد النص عليه ضمن الميثاق الإفريقي في م3/4 التي جاء النص بها على ما يلي: “تتفق الدول الأعضاء على تنفيذ الميثاق وفق المبادئ الآتية:…
4-استمرارية الخدمات العامة في كل الظروف…”؛ مما يجعل هذا المبدأ التزاما دوليا ملقى على عاتق الجزائر، مما يستدعي الإسراع في اتخاذ التدابير والميكانزمات اللازمة لتفعيله وتجسيده على ارض الواقع.
وعملا بقاعدة الاستمرارية رتب القضاء الإدارية نتائج قانونية مهمة عليها، وأهمها تحريم أو تنظيم الإضراب في المرافق العامة، ووضع القيود القانونية على استقالة موظفي تلك المرافق، كما ابتدع نظرية الموظف الفعلي ونظرية الظروف الطارئة[13]. وبالتالي فقد مس هذا المبدأ مجالات هامة، كالوظيف العمومي، والأموال العامة والعقود الإدارية.
- نتائج مبدأ الاستمرارية في مجال الوظيفة العامة
تتمثل هذه النتائج في ثلاث هي: تنظيم الإضراب، تنظيم الاستقالة.
- تنظيم الإضراب
يعرف الإضراب على أنه اتفاق العاملين على الامتناع عن العمل لفترة معينة من الزمن بقصد تحقيق بعض الأهداف الاجتماعية والاقتصادية أو السياسية، وعلى هذا الأساس اعتبر أنصار القانون الإداري أن الإضراب يشكل خطرا حقيقيا على قيام المرفق العام بأداء خدماته بانتظام واطراد، الأمر الذي دعاهم إلى مواجهة خطره بتحريمه قضائيا استنادا إلى قاعدة الاستمرارية، وعلى هذا الأساس قرر مجلس الدولة الفرنسي تحريم الإضراب في المرافق العامة حتى في حالة عدم وجود نص قانوني، بل اعتبره المجلس عملا غير مشروع يبرر تسريح القائمين به[14]. وقد تبنى المشرع الفرنسي هذا الرأي بموجب القانون الصادر في 31 جويلية 1963، غير أنه عاد في القانون الصادر بتاريخ13 جويلية1983 وسمح للموظفين بممارسة حق الإضراب في حدود نطاق القوانين التي تصدر بتنظيم ممارسة هذا الحق، وتختلف مواقف الدول الأخرى في هذا الشأن حيث يعتبر الإضراب جريمة خيانة عظمى تصل عقوبتها إلى الإعدام في بعض الدول الشيوعية، بينما تلجأ بعض الدول إلى الاعتراف بحق الموظفين في الإضراب مع تنظيم ممارسة هذا الحق، ووضع الضوابط التي تكفل استمرار سير المرافق العامة على الرغم من الإضراب، وقد منع القانون المصري الإضراب واعتبره جريمة، يوقع على من يرتكبها العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات[15].
أما في التشريع الجزائري فقد مر حق الإضراب بعدة تطورات، وفرضت عليه عدة قيود.
- تطور حق الإضراب في التشريع الجزائري
لقد ارتبط حق الإضراب في الجزائر بتطور تشريعي، فطبقا لدستور 1963 كان الإضراب مسموحا به، ثم جاء بعد ذاك أمر 10 جويلية1965 بدون إشارة إلى الإضراب وهو نفس الموقف الذي اتبعه المشرع في الأمر المنظم للوظيفة العامة سنة 1966، هذا السكوت تم تفسيره على أنه رفض للإضراب ثم جاء دستور 1976 الذي اعترف بالإضراب في القطاع الخاص، و سكت عن الإضراب في القطاع العام، وهذا السكوت اعتبر بمثابة رفض للإضراب في القطاع العام، إلى أن جاء دستور 1989 وهو ما أكده دستور 1996 بحيث اعتبر أن الإضراب معترف به و يمارس في إطار القانون وذلك طبقا للم 57 من الدستور، ولقد أكد القانون الأساسي للوظيفة العامة لسنة 2006 على حق الإضراب[16].
- القيود الواردة على ممارسة حق الإضراب
إن القانون رقم 90-02 المؤرخ في 06/02/1990 المعدل و المتمم بالقانون رقم 91-27 المؤرخ في 21/12/1991، المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل و تسويتها وممارسة حق الإضراب، وضع قيودا وشروطا لممارسة الإضراب من طرف موظفي المرافق العامة ضمانا لاستمرارية تقديم خدماتها للجمهور، وعلى رأسها الالتزام بتقديم ما يسمى ” بالحد الأدنى من الخدمة” وقد نص كذلك على القطاعات والمصالح التي يجب فيها تقديم هذا القدر الأدنى، كما منع اللجوء إلى الإضراب على فئات معينة من الموظفين نظرا لأهمية دورهم في استمرارية الحياة العامة[17]، وبهدف الحيلولة دون تعسف الجهة القائمة بالإضراب فقد ضبط المشرع ممارسة حق الإضراب بقيود إجرائية.
- تنظيم استقالة الموظفين
الاستقالة كأحد أسباب انتهاء خدمة الموظف بالإدارة تعني رغبة الموظف في ترك الخدمة نهائيا بإرادته، قبل انتهاء المدة القانونية المحددة لها، وهي بذلك تختلف عن الإضراب وهو التوقف عن العمل مع التمسك بالوظيفة، والأسباب التي قد تدعو الموظف للاستقالة عديدة، فقد ترجع إلى اعتبارات موضوعية خاصة بالعمل، وقد ترجع إلى ظروف الموظف الشخصية، وإذا كان الشخص لا يجبر على تقلد الوظيفة كقاعدة عامة، فإنه لا يمكن كذلك إجباره كقاعدة عامة أيضا على البقاء فيها رغم إرادته[18]. وتعتبر الاستقالة عملا مشروعا، وحقا من حقوق الموظف العام، غير أن الفقه والقضاء الإداري يرى أن هذا الحق مقيد بمدى تطبيق قاعدة سير المرافق العامة بانتظام واطراد، الأمر الذي يستوجب من الموظف عدم ترك المنصب قبل قبول هذه الاستقالة من الجهة المختصة، أي أن علاقة الموظف بالمرفق العام لا تنقطع بمجرد إعلانه الصريح عن الاستقالة وإنما تنقطع هذه العلاقة عندما تخطره الإدارة بقبول الاستقالة[19]. فإذا كان من حق كل موظف عام أن يترك عمله الوظيفي إلا أنه حتى لا يضطرب دوام حسن سير المرافق العامة بانتظام يجب أن يبقى الموظف في منصب عمله حتى تقبل أو ترفض السلطة الإدارية المختصة طلب الاستقالة[20].
وبالرجوع للأمر 06-03 المتضمن قانون الوظيفة العمومية فإنه لا يورد الاستقالة تحت عنوان حقوق الموظف وإنما ورد ذكرها في الباب العاشر تحت عنوان إنهاء الخدمة، إلا أن م 217 قد اعترفت بصريح العبارة أن الاستقالة حق للموظف يمارسه ضمن إطار القانون، وأكدت م 218 و م 219 على وجوب تقديم طلب كتابي يعبر فيه الموظف عن رغبته في قطع العلاقة الوظيفية يرسل عن طريق السلم الإداري للسلطة المخولة بصلاحية التعيين، ويلزم بالاستمرار في أداء عمله إلى غاية صدور القرار، ومتى قبلت الاستقالة فلا مجال للتراجع فيها. وألزمت م 220 من ذات القانون السلطة المكلفة بالتعيين باتخاذ قرارها خلال شهرين ابتداء من تاريخ إيداع الطلب، ويجوز لها في حالة الضرورة القصوى للمصلحة العامة، أن تؤجل الموافقة لمدة شهرين بعد انتهاء الأجل الأول(أي الشهرين الأولين) وبانقضائها تصبح الاستقالة نافذة و فعلية[21].
- أثر مبدأ الاستمرارية على الأموال العامة
يلعب مبدأ دوام حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد دورا هاما وحيويا في النظام القانوني للأموال العامة، حيث يجسد هذا الأساس القانوني والهدف الأساسي لقاعدة ونظام الحماية القانونية للأموال العامة في الدولة[22]. وهذا المبدأ له ما يبرره فحماية المال المخصص للنفع العام والتي اقتضت منع نقل ملكيته اختياريا عن طريق وضع اليد تقتضي أيضا أن لا تنزع ملكيته عن الإدارة جبرا بطريق الحجز عليه كأموال الأفراد، ويتفرع على هذا المبدأ عدم جواز ترتيب حقوق عينية تبعية على المال العام ضمانا للديون التي تشغل ذمة الشخص العام كالرهن الرسمي أو الحيازي أو التخصيص، لأن فائدة هذه الحقوق العينية تظهر عندما تباع أموال المدين المحملة بها جبرا، إذ يفضل الدائن ذو الحق العيني على الدائنين الشخصيين، وهذا لا يمكن تحقيقه في الأموال العامة لأنه لا يمكن بيعها جبرا، كما أنه يفترض أن جميع دائني الدولة أو الشخص العام يجب أن يحصلوا على أموالهم كاملة[23].
فلا يجوز الحجز على أموال المرافق العامة للوفاء بما قد يكون مستحقا عليها من ديون و ذلك حتى لا تحرم هذه المرافق من الأموال اللازمة لمواصلة نشاطها وبدون انقطاع، وتسري هذه القاعدة أيا كانت الطريقة التي يدار بها المرفق وسواء كانت هي طريقة الاستغلال المباشر أو الامتياز، ففي الحالة الأخيرة ولو أن من الأموال المستغلة ما يكون مملوكا أصلا للملتزم ملكية خاصة، فإن قيام هذا الأخير(الملتزم) على تنفيذ مرفق عام قد استدعى انسحاب نطاق القاعدة على هذه الأموال مثلها مثل بقية الأموال المستخدمة في تشغيل المرفق[24]. وقد أكد القضاء على هذا المبدأ وكرسته العديد من النصوص القانونية[25] على سبيل المثال: م 689 من القانون المدني الجزائري واضحة وصريحة فلم تجز التصرف في أموال الدولة أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم فهي إذن محصنة من الناحية المدنية[26].
وزيادة على الحماية المدنية فقد خص المشرع الأموال العامة بحماية جنائية حيث يفرض القانون الجنائي عقوبات مشددة على كل مساس بأموال وأملاك الدولة والمرافق العامة خاصة إذا كانت ماسة بالاقتصاد الوطني[27].
وتكريسا كذلك لمبدأ الاستمرارية فقد ذهب المشرع إلى أبعد من حماية المال العام، فوصل إلى حد السماح بنزع الملكية الخاصة و استعمالها والاستيلاء عليها مؤقتا بشروط معينة و ذلك رغم كون الملكية الخاصة مضمونة بنص الدستور(المواد 24 و 52) حيث تنص المواد 677 إلى 681 مكرر3 من القانون المدني على حالات و شروط الاستغلال و الاستيلاء على الأملاك الخاصة[28].
- أثر مبدأ الاستمرارية على العقود الإدارية
المبدأ في العقود هو العقد شريعة المتعاقدين ولا يعفى المتعاقد من الوفاء بالتزاماته إلا بالقوة القاهرة التي يمكن توقعها كما لا يمكن دفعها وهي سبب أجنبي عن إرادة المتعاقدين.
بين القوة القاهرة والظرف العادي أنشأ القضاء الإداري الفرنسي حالة وسطى هي نظرية الظروف الطارئة.[29] وهي إحدى نظريات ثلاث ابتدعها القضاء الإداري الفرنسي من أجل إعادة التوازن المالي للعقود الإدارية لتلبية احتياجات المرافق العامة التي أبرم من أجلها العقد ولدوام سير المرافق العامة بانتظام واطراد[30]. فنظرية الظروف الطارئة هي من إبداعات القضاء الإداري الفرنسي لضمان سير المرافق العامة التجارية والصناعية ومساهمة الأفراد في عملية إدارة وتسيير المرافق العامة كما في عقد الامتياز وعقد الأشغال العامة أو بالمساعدة في إدارتها من خلال عقود النقل والتوريد والتموين.[31] ومقتضى هذه النظرية أنه إذا وجدت ظروف لم تكن متوقعة عند تحرير العقد وكان من شأنها أن تجعل تنفيذ الالتزام عسيرا بسبب ما تفرضه من أعباء مالية تخل بالتوازن المالي للعقد، فللمتعاقد أن يطلب من الإدارة المساهمة بصورة مؤقتة في التخفيف من الخسائر المالية التي تلحق به نتيجة لذلك وبما يعيد التوازن المالي جزئيا للعقد[32].
وكل ذلك حتى لا يتوقف المتعاقد مع الإدارة عن تنفيذ العقد، أي بهدف معاونته على الاستمرار في التنفيذ، وهكذا تصبح نظرية الظروف الطارئة إحدى تطبيقات مبدأ دوام سير المرفق العام بانتظام، لأنه إن لم تعوض الإدارة الفرد المتعاقد معها بنسبة معقولة عن خسائره الشديدة، فإنه لن يتمكن من تنفيذ العقد الإداري أو استكمال تنفيذه والذي سيضار هو المرفق العام الذي تم إبرام العقد لأجل تحقيق احتياجاته[33].
إن حسن سير المرافق العامة وأدائها لمهامها الوظيفية الأساسية لا يتأتى إلا بوضع نظام قانوني عام وشامل ينظم جزئيات تسيير وإدارة هذه المرافق، وهذا النظام قد يتضمن قواعد قانونية للتسيير اليومي للمرفق، وقد يتضمن قواعد تقنية متعلقة بطبيعة الخدمة المقدمة من المرفق، وقد يتضمن قواعد أخرى، لكن بالضرورة لابد أن يتضمن هذا النظام القانوني للمرافق العامة عموما مهما كان نظام تسييرها أو طبيعة الخدمة التي تقدمها، مجموعة مبادئ عامة تضمن حسن سير المرافق العامة، أهم هذه المبادئ هي: مبدأ استمرارية خدمات المرفق، ومبدأ المساواة أمام المرافق العامة، ومبدأ تكيف وتطور المرافق العامة الذي يحتم استجابة الخدمة للحاجات المتطورة للمواطنين.
غير أن هذه المبادئ الثلاث يطلق عليها عادة المبادئ العامة التقليدية التي تحكم سير المرافق العامة، وهذه التسمية توحي بوجود مبادئ حديثة لتسيير المرافق العامة، هذه الأخيرة كانت ثمرة لتطبيق المبادئ السابقة في الواقع العملي، فمنها ما كان نتيجة جزئية عن تطبيق المبادئ العامة الكلاسيكية ولكن نظرا لثبوت أهميتها ودورها في سير المرافق العامة، ويمكن تلخيصها في:
مبدأ حياد الإدارة، مبدأ شفافية الإدارة، مبدأ مجانية الإدارة، ولعلها كلها مبادئ هامة تترك المجال للمزيد من البحث والنقاش.
[1] – عمار عوابدي، دروس في القانون الإداري، د.م.ج،الجزائر،ط.2،س.1984،ص.248.
[2] -سليمان محمد الطماوي، مبادئ القانون الإداري، دراسة مقارنة، الكتاب الثاني: نظرية المرفق العام و عمال الإدارة العامة، دار الفكر العربي، مصر، س.1979،ص.144
[3] -رياض عيسى، نظرية المرفق العام في القانون المقارن، د.م.ج، الجزائر،س.1984، ص.16
[4] – دون أن يمنع ذلك من القول أنها مبادئ عامة موجودة حتى دون النص عليها في القانون.
[5] – وبمعنى أصح، من خلال إصدار الأول(أي الوطني) والمصادقة على الثاني(أي الدولي-المعاهدات-).
[6] – أنظر المرسوم 88-131، المؤرخ في 04/07/1988، ج.ر عدد 27 لينة 1988.
[7] – أنظر المرسوم الرئاسي رقم 12-415، المؤرخ في 11/12/2012، ج.ر عدد 68 لسنة 2012.
[8] Jean-François Lachaume , Claudie Boiteau ,Hélène Paulait, Grands Services Publics, Armand Colin,2e édition,2000, p.275.
[9] -أنور أحمد رسلان، وسيط القانون الإداري، ج.1، دار النهضة العربية، القاهرة، س.1998، ص.358.
[10] -سعيد السيد علي، أسس و قواعد القانون الإداري، دار الكتاب الحديث، مصر، س.2009، ص.260.
[11] -زكريا المصري، أسس الإدارة العامة( التنظيم الإداري-النشاط الإداري)، دار الكتب القانونية و دار شتات للنشر و البرمجيات، مصر، س.2007، ص.962.
[12] -ناصر لباد، الوجيز في القانون الإداري، لباد للنشر، الجزائر، ط.2،س.2007،ص.204.
[13] -رياض عيسى، مرجع سابق، ص.16.
[14] -رياض عيسى، المرجع السابق، نفس الصفحة.
[15] -أنور أحمد رسلان، مرجع سابق، ص.361.
[16] -بدران مراد، محاضرات في القانون الإداري و المؤسسات الإدارية، للسنة الثانية ليسانس حقوق، السنة الجامعية 2006-2007،ص.159.
[17] -محمد الصغير بعلي، القانون الإداري (التنظيم الإداري-النشاط الإداري)، دار العلوم للنشر، الجزائر، ب.س، ص.227-228.
[18] -محمد فؤاد عبد الباسط، مرجع سابق، ص.345.
[19] -رياض عيسى، مرجع سابق، ص.16.
[20] -عمار عوابدي، القانون الإداري، ج.2، النشاط الإداري،د.م.ج، الجزائر،ط.3، س.2005، ص.77.
[21] -عمار بوضياف، مرجع سابق، ص.343-344.
[22] -عمار عوابدي، القانون الإداري، مرجع سابق، ص.79.
[23] -سليمان محمد الطماوي، مبادئ القانون الإداري، دراسة مقارنة، الكتاب الثالث ، أموال الإدارية العامة و امتيازاتها، دار الفكر العربي ، مصر، س.1979، ص.33.
[24] -محمد فؤاد عبد الباسط، مرجع سابق، ص.358.
[25] – غير أن المشرع الجزائري خرج عن المبدأ العام الذي يكفل حماية مدنية للمال العام توجب عدم الحجز عليه، وذلك في القانون التوجيهي للمؤسسات الاقتصادية رقم 88-01 المؤرخ في 12/01/1988 و أورد قيدا مفاده قابلية المال العام للتصرف والحجز في حدود معينة حيث نصت م 20 منه على :” تكون الممتلكات التابعة لذمة المؤسسة العمومية الاقتصادية قابلة للتنازل والتصرف فيها وحجزها حسب القواعد المعمول بها في التجارة ما عدا الجزء من الأصول الصافية التي تساوي مقابل قيمته رأس المال التأسيسي
[26] -عمار بوضياف، مرجع سابق، ص.344.
[27] -محمد الصغير بعلي، مرجع سابق، ص.231.
[28] -محمد الصغير بعلي، مرجع سابق، ص.231.
[29] -بدران مراد، مرجع سابق، ص.162.
[30] -سعيد السيد علي، مرجع سابق، ص.269.
[31] -عدنان عمرو، مرجع سابق، ص.158.
[32] -محمد فاروق عبد الحميد، مرجع سابق، ص.53.
[33] -محمد رفعت عبد الوهاب، مبادئ و أحكام القانون الإداري، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، س.2005، ص.312.