بحوث قانونية

تعدد المتدخلين في مجال التعمير واعداد التراب

المقدمة:

يلاحظ اليوم أن المغرب من بين الدول التي تولي اهتماما بالغا وعناية كبيرة لقطاع التعمير. ويعزى هذا بأن المجال الحضاري أصبح يشكل نقلا ديمغرافيا مضادا للمجال القروي. وقد نتج عن هذا الانتقال الديمغرافي مجموعة من  المشاكل والتحديات التي ساهمت في إذكاء الأزمة الحضرية، الشيء الذي يستوجب معه البحث عن سياسة حضرية معقلنة تضبط نمو وتطور الفضاءات الحضارية.

فالتوسع العشوائي للمدن وارتفاع وثيرة الهجرة القروية إلى جانب سلبيات الإرث التاريخي لسياسة التعمير .جعل من المسألة الحضرية تحديا للسلطات العمومية في ميدان تدبير المجالات الحضرية. ذلك عن طريق وضع إطار قانوني ملائم ينظم المجال المغربي، وإحداث هيئات ومؤسسات تمارس اختصاصات ومهام في ميدان التعمير كل هذه الإجراءات زادت من تعميق أزمة التعمير حيث نتج عن هذه المؤسسات كثرة المتدخلين مما أفرز مشاكل جديدة مرتبطة بتنازع الاختصاص. من هنا يمكن القول أن التعمير يعرف كثرة وتعدد المتدخلين سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي ونظرا لأهمية الموضوع من الناحية القانونية والميدانية والتنموية. بحيث أن مجال التعمير تلتقي فيه مجموعة من التقاطعات التي تطرح عدة إشكاليات. مما جعلنا نتساءل عن ما هي الهيئات والمؤسسات التي تتدخل في مجال التعمير؟ سواء على مستوى التخطيط الحضري أو على مستوى التدبير الحضري؟ وما هي أهم انعكاسات ونتائج تعدد المتدخلين في مجال التعمير على المستوى المحلي؟

إن مقاربتنا لهذا الموضوع سوف تتم من خلال إبراز دور كل الهيئات والفاعلين في مجال التعمير وكيفية تدخلها عوض جردها وهذا سيتم من خلال التصميم التالي:

 

 

المبحث الأول: تنازع الاختصاص في ميدان التعمير.

المطلب الأول: التخطيط الحضري بين الوكالات الحضرية والجماعات المحلية.

الفرع الأول: الوكالات الحضرية والتخطيط الحضري.

الفرع الثاني: المجالس الجماعية من الموافقة إلى الاستشارة

المطلب الثاني: الشرطة الخاصة بالتعمير بين المجالس الجماعية والوكالات الحضرية

الفرع الأول: دور رؤساء المجالس الجماعية.

الفرع الثاني: دور الوكالات الحضرية.              

المبحث الثاني: تأثير تعدد المتدخلين على قطاع التعمير.

المطلب الأول: ظاهرة تعدد المتدخلين في الميدان التعمير.

الفرع الأول على المستوى المركزي.

الفرع الثاني: على المستوى المحلي.

المطلب الثاني: الانعكاسات الناتجة عن تعدد المتدخلين.

الفرع الأول: قلة وثائق التعمير المصادق عليها

الفرع الثاني: البطء في دراسة طلبات الحصول على رخص التعمير

.الفرع الثالث: ظاهرة رفض الترخيص للمشاريع.

الفرع الرابع: غياب التعاون بين الجهات المتدخلة في ضبط مخالفات التعمير.

 

المبحث الأول: تنازع الاختصاص في ميدان التعمير.

إن التعمير هو من الميادين التي لا يمكن للدولة أو الجماعات المحلية أن تنفرد به نظرا لتعدد المتدخلين على مستواه، فمن جهة لا يمكن للمجالس الجماعية أن تنفرد به نظرا لقلة الأطر الفنية والتقنية التي تتوفر عليها والمتخصصة القادرة على إعداد مشاريع وثائق التعمير، كما أن الإمكانيات المالية التي تصرف فيها لا زالت دون مستوى الذي يتطلبه تلك الوثائق، هذه الأسباب هي التي تجعل أن هذه المهمة في الظروف الحالية سيتحسن أن تقوم بها الوكالات الحضرية بجانب إدارة الدولة والجماعات المحلية.

ثم نظرا لإشكاليات التي يطرحها التعمير فيما يخص بتوزيع الاختصاص بين الدولة والجماعات المحلية – وخاصة منها المجالس الجماعية.

ولهذا سوف نتطرق إلى التخطيط الحضري بين الوكالات الحضرية والجماعات المحلية (المطلب الأول) ثم إلى الشرطة الخاصة بالتعمير بين المجالس الجماعية والوكالات الحضرية (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول: التخطيط الحضري بين الوكالات الحضرية والجماعات المحلية.

إن التخطيط العمراني يتم بواسطة مجموعة من الوثائق يمكن تصنيفها إلى نوعين: الأول تدخل فيه الوثائق التي تهدف إلى التعمير التقديري أو التوقيعي الذي يتوخى منه في آن واحد التخطيط والتنمية ثم التعمير والتنمية والذي يتحقق أساسا بواسطة الأداة المعروفة بالمخطط التوجيهي للتنمية العمرانية، وقد تم إدخاله في التشريع المغربي بواسطة القانون رقم 12-90 المتعلق بالتعمير.

أما النوع الثاني فيظم وثائق التعمير التنظيمي والتي يتجلى هدفها في تخطيط المجال الحضري عن طريق التنطيق وتنظيم استعمال الأراضي بواسطة الارتفاقات التي تحدثها، كما أنها تقوم بتخصيص بعض العقارات العامة والخاصة قصد استعمالها لبناء المرافق العامة والبنايات الإدارية والتجهيزات الأساسية والرياضية وغيرها ويتم تحقيق هذا التعمير بواسطة إحدى الوثيقتين التاليتين، تصميم التهيئة بالنسبة للمناطق الحضرية وتصميم النمو / التنمية فيما يخص المراكز القروية. ولابد من الإشارة إلى وثيقة لما وضع خاص والتي لا تنتمي إلى إحدى الفئتين السالفتين الذكر إن الأمر يتعلق هنا بتصميم التنطيق والذي يتم إعداده قصد تطبيقه أثناء المرحلة الانتقالية الواقعة بين تاريخ المصادقة على الوثيقة التقديرية وتاريخ الانتهاء من إعداد الوثيقة التنظيمية على أساس لا يتعدى سنتان.

من خلال هذه التوطئة البسيطة يمكن أن نتساءل على اختصاص كل من الجماعات المحلية والوكالات الحضرية فيما يتعلق بتدبير قضايا التعمير بصفة عامة وفيما يخص إعداد هذه الوثائق بصفة خاصة؟ ولمحاولة القيام بهذا التمييز ومعرفة ما هي الجهات الإدارية المكلفة بإعداد وتحضير وثائق التعمير وتلك القائمة بالتدبير والسهر على حسن تطبيقها من دراسة  وتحليل من جهة النصوص القانونية العامة المنظمة للإدارة المحلية(الميثاق الجماعي) ومن جهة أخرى تلك الخاصة بالتعمير أو التخطيط الحضري، أي دراسة ق 12-90 المتعلق بالتعمير وظهير 10 شتنبر 1993 المتعلق بإحداث الوكالات الحضرية لهذا ارتأينا أن نقسم هذا المطلب إلى فرعين نعالج في الفرع الأول الوكالات الحضرية والتخطيط الحضري ثم في الفرع الثاني المجالس الجماعية من الموافقة إلى المساهمة أو الاستشارة.

 

الفرع الأول: الوكالات الحضرية والتخطيط الحضري.

تعتبر الوكالات الحضري مؤسسات عمومية محلية مرفقية مكلفة بتدبير جوانب متعددة من قطاع التعمير نيابة عن الدولة. وإذا كانت تمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي، فإنها مقابل ذلك تخضع لوصاية الدولة التي تمارس عليها الوزارة المكلفة بالتعمير.

فقد منح المشرع هذه الوكالات اختصاصات مهمة في ميدان التعمير، ومن خلال تفحص الدور التي تقوم به الوكالات الحضرية، نلاحظ أنها إلى جانب مجموعة من الهيئات الأخرى، تساهم في إنجاز الوثائق ووتدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في السياسة التعميرية، وتجدر الإشارة إلى أن دور الوكالات الحضرية في ميدان التخطيط الحضري يتجلى في كونها المكلفة والمشرفة على إعداد مشاريع تصاميم التهيئة وتصاميم التنمية وكذا مشاريع تصاميم التنطيق في حالة إعدادها بطريقة منفردة، فهي التي تقوم بصيانة الشروط الخاصة بالصفقة المتعلقة بمشروع الوثيقة، وتحدد المبلغ المالي المناسب لإعداد المشروع كما تتابع مختلف مراحل الإعداد بدءا بنشر طلب العروض المفتوحة وتتلقى طلبات المشاركة في العروض التي تقوم بدراسة جوانبها المنهجية والتقنية والمالية والتي على إثرها تعلن عن مكتب الهندسة المعمارية الفائز بالصفقة، كما تتابع مختلف مراحل الدراسات الميدانية والتشخيصية وفرضيات تهيئة ونمو المدينة وفي النهاية مشروع تصميم التهيئة الذي سيتم تقديمه أمام اللجنة المحلية وفي بعض الحالات أمام اللجنة المركزية أيضا، ثم تقدم المشروع أمام المجلس الجماعي لإبداء رأيه ومناقشة المشروع لتقدمه في الأخير إلى الوزارة المكلفة بالتعمير للمصادقة عليه بعد التأشير عليه من قبل بعض الوزارات المعنية.

تجدر الإشارة ان قبل إحداث أحداث الوكالات الحضرية، كان السلطة المركزية هي التي تقوم بإعداد مشاريع الوثائق لكن إحداث الوكالة الحضرية للدار البيضاء، سنة 1984 التي أنيط إليها إعداد المخطط التوجيهي للدار البيضاء ومع ظهير 10 شتنبر 1993 المحدث للوكالات الحضرية، أصبحت هذه الأخيرة تقوم مقام السلطة المركزية في إعداد الوثائق.

 

 

 

الفرع الثاني: المجالس الجماعية من الموافقة إلى الاستشارة

بالرجوع إلى ظهير 1952 المتعلق بالتعمير نجد أنه كان ينص على عرض مشروع تصميم التهيئة على أنظار المجالس الجماعية لدراسة والموافقة عليه قبل المصادقة عليه من طرف الوزير الأول.

إلا أن هذه الإمكانية التي منحت للمجالس الجماعية قد استعملت من أجل الضغط على الإدارة المكلفة بالتعمير ومساومتها على تغيير مشاريع تصميم التهيئة، مما جعل سلطة الجماعات المحلية عبارة عن حق اعتراض على مشاريع التصاميم التي تقوم الدولة بإعدادها، مما أدى إلى بقاء العديد من تصاميم التهيئة عند مرحلة المشاريع دون أن يتأتى المصادقة عليها بسبب رفض المجالس الموافق عليها، ومن أجل تجاوز هذا الشلل، فقد عوض المشرع في قانون 12-90 سلطة الموافقة بالاستشارة أو المساهمة التي يجب أن يقوم بها المجلس الجماعي داخل أجدل مغلق تم تحديده في شهرين بالنسبة لتصميم التهيئة وثلاثة أشهر بالنسبة للمخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية.

هكذا يمكن القول بأن المشرع المغربي قد أدخل تقنية جديدة سميت بالمساهمة اقتباسا من المشرع الفرنسي، لكن الفرق شاسع بين الأول والثاني. حيث إن المشرع الفرنسي فقد أعطى المساهمة مدلولا واسعا، بينما على عكس المرسوم التنفيذي لقانون التعمير الذي لم يعط للمساهمة مدلولها الحقيقي الذي يجعل فقط رئيس المجلس من بين بقية الأعضاء الذين يكونون اللجنتين المحلية والمركزية اللتان تعرض عليها مشاريع وثائق التعمير من أجل الدراسة وإبداء الرأي، وبهذا لم يبق للمجالس الجماعية سوى اقتراح التعديلات التي ترى من الواجب إدخالها على التصاميم وذلك بعد إجراء البحث العمومي.

من الناحية العلمية يمكن القول أن مساهمة المجالس الجماعية غير ذي جدوى حيث أن هذه الأخيرة غالبا لا تقوم بالمساهمة نظرا لعدم توفرها على الأطر المتخصصة، وهذا ما جعل المشرع يعيد سلطاتها بتحديد أجل شهرين بالنسبة لتصاميم التهيئة. وثلاثة أشهر بالنسبة للمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية.

 

المطلب الثاني: الشرطة الخاصة بالتعمير بين المجالس الجماعية والوكالات الحضرية. 

يستعمل هنا مصطلح شرطة التعمير بمفهوم الضبط الإداري أي تلك السلطات التي يمنحها القانون لجهة إدارة معينة قصد ضبط وتنظيم عمل ونشاطها معين بواسطة الأذن أو المنع أو الأمر إذا كان الهدف من ذلك هو الحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاثة المعروفة (الصحة العامة؛ الأمن العمومي؛ السكينة العام). أما إذا كانت الشرطة الإدارية تهدف إلى تحقيق غرض خاص فيطلق عليها الشرطة الخاصة كما هو الشأن بالنسبة لشرطة التعمير وقد تناول الميثاق الجماعي الأخير بتنظيم هذه الشرطة الذي جعلها من اختصاص رؤساء المجالس الجماعية.

ونجد من جهة أخرى أن النصوص المحدثة والمنظمة للوكالات الحضرية (10 شتنبر 1993) تمنح لها اختصاصات في مجال التدبير الحضري فهل يصل الأمر إلى حد مشاركة الوكالات لرؤساء المجالس؟ فما هو دور الوكالات الحضرية؟

 

الفرع الأول: دور رؤساء المجالس الجماعية.

لقد شكل قانون 78.00 المتعلق بالتنظيم الجماعي نقله نوعية في مجال اللامركزية وذلك بإسناد اختصاصات الشرطة الإدارية بشكل موسع إلى رؤساء المجالس الجماعية هذه الشرطة ترمي إلى ضبط ممارسة الأفراد لحقوقهم بما يتلائم والصالح العام، فهي من الوسائل الموضوعة رهن إشارة الإدارة التي تعزز سلطتها وهيبتها حتى تتمكن من القيام بمهامها بالموضوعية والحزم اللازمين.

وضمن اختصاصات الشرطة الإدارية التي أصبحت مناطة برؤساء المجالس الجماعية شرطة التعمير، حيث يسهر الرئيس على تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالتعمير وعلى احترام ضوابط تصميم تهيئة التراب ووثائق التعمير ، كما يمنح الرئيس رخصة البناء والتجزئة والتقسيم وشهادات المطابقة ورخص احتلال الملك العمومي لغرض البناء وذلك طبقا للشروط والمساطير المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل (المادة 50 من قانون 78.00 المتعلق بالتنظيم الجماعي). إلا أن الرئيس لا يتمكن من ممارسة صلاحيته في مجال رخص التعمير نظرا لكثرة اختصاصاته في مجال الضبط الإداري أو في مجالات أخرى. لذا سمح له المشرع التفويض بقرار مكتوب في بعض سلطاته إلى واحد أو أكثر من النواب (المادة 55 من ق 78.00) غير أنه يلاحظ من الناحية العملية أن بعض الرؤساء لا يعمدون إلى التفويض في هذا المجال لمبررات كثيرة تأتي في مقدمتها الرغبة في احتكار السلطة في مجال التعمير نظرا لأهميته بالنسبة لمراكزهم.

وعلى العموم فسلطات رئيس المجلس الجماعي في مجال البناء تبتدئ من يوم تسلم ملف طلب رخصة البناء وتبقى مستمرة إلى آخر مرحلة التي يعبر عنها بتسليم رخصة السكن وشهادة المطابقة.

وقد جاء قانون التعمير(12-90) ليوضح هذا الاختصاص عندما نصت المادة 41 منه على مايلي "يسلم رخصة البناء رئيس مجلس الجماعة". كما ينص بدوره القانون رقم 25 – 90 المتعلق بالتجزئات العقارية وتقسيم الأراضي في المادة الثالثة "يسلم رئيس المجلس الجماعة الحضرية أو القروية الإذن في القيام بإحداث التجزئات العقارية".

وتجدر الإشارة بأن القانون يلزم السلطات المحلية أيا كان نوعها دراسة الطلبات التي يتقدم بها المواطنون قصد الحصول على مختلف الرخص التي يتطلبها القانون. وفي حالة عدم توصلهم بأي جواب من الإدارة المختصة داخل الأجل الذي يحدده القانون فيعتبر سكوتها رفضا ضمنيا إلا إذا قضى القانون صراحة بخلاف ذلك.

باستثناء رخصة البناء التي تعد مسلمة ضمنيا بعد انقضاء أجل شهرين من تاريخ إيداع طلبات الحصول عليها (المادة 48 من ق 12-90 المتعلق بالتعمير). وعلى العكس من ذلك فالتجزئات المراد إحداثها في المراكز القروية والتي في حالة السكوت رئيس المجلس الجماعي مدة 3 أشهر يعتبر ذبك قرارا ضمنيا برفض الرخصة. مع الإشارة أن القانون 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية حاول أن يحد من هذا المبدأ العام عندما نص على أن الرخصة الضمنية لا تثبت بعد انصرام 3 أشهر إلا إذا كانت الأغراض المخصصة لها الأراضي محددة في تصميم التنطيق والتهيئة، (المادة 8 من ق 25-90). إلا أن الإشكال المطروح هو أنه إذا كان رئيس المجلس الجماعي هو المكلف بشرطة التعمير الأمر الذي يجعل مهمة الرئيس ليست بالسهلة، لذلك فهو يحتاج إلى مساعدة جهات أخرى من أجل حسن التدبير الحضري، بالإضافة إلى نسبة هامة من الجماعات لا تتوفر على التقنيين المؤهلين وخاصة منهم المهندسين المعماريين الذين بإمكانهم استيعاب محتوى الوثائق والغايات المتوخاة منها ومن ثم اتخاذ القرار الملائم بشأن المشروع الذي من أجله تطلب الرخصة ومن أجل ذلك قررت الدولة إحداث الوكالات الحضرية.

 

الفرع الثاني: دور الوكالات الحضرية.

تمارس الوكالات الحضرية اختصاصاتها داخل التراب مجموعة من الجماعات الحضرية والقروية المتواجدة في منطقة نفوذها، ومن أهم الاختصاصات التي تقوم بها والتي لها علاقة بموضوعنا يمكن ذكر ما يلي:

– الموافقة على جميع مشاريع التجزئات العقارية المجموعات السكنية وتقسيم الأراضي والبناء سواء كان من أجل التجارة والصناعة أو السكن.

– مراقبة مطابقة أعمال التجزئات والبناء والتقسيم أعلاه، والتي هي قيد الإنجاز مع الأحكام والنصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها في ميدان التعمير ومع رخص التجزئات والبناء والتقسيم المسلمة إلى المعنيين بالأمر.

تجدر الإشارة أن الوكالة الحضرية يجب عليها دراسة المشروع وتقديم رأيها داخل أجل شهر يبدأ من تاريخ توصلها بملف المشروع المحال عليها من الجماعة المعنية ويكون الرأي الذي تبديه ملزما.

وهذا يعني أن الوكالة الحضرية ينبغي لها الموافقة على التراخيص التي يريد منحها رئيس المجلس الجماعية، وبدون هذه الموافقة، لا ينبغي لرئيس المجلس الجماعي منح الترخيص، وعلى العكس من ذلك إذا قرر الرئيس المجلس منح الترخيص فإن ذلك يخلق نوعا من التنازع يؤدي إلى نتائج تؤثر سلبا على قطاع التعمير والبناء.

وتبقى الإشارة ان عامل العمالة أو الإقليم يتدخل في ميدان البناء من أجل منح الترخيص وذلك استنادا إلى مقتضيات الظهير الشريف رقم 150-84-1 بتاريخ 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فطبقا لما ينص عليه هذا الظهير، فإن كل من يرغب في بناء أو توسيع مسجد أو غيره من الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي (باستثناء مشاريع الدولة) لابد أن يحصل على رخصة البناء من قبل عامل العمالة أن الإقليم المعني بعد رأي مصالح وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة التعمير والإسكان.

وتجدر الإشارة إلى أنه صدرت دورية عن الوزير المكلف بإعداد التراب الوطني والتعمير تحمل رقم 00222 سنة 1995 تنظم كيفية دراسة الطلبات الرامية إلى الحصول على المشاريع العادية والمشاريع الكبرى ونظمت بشأن الأولى مسطرة سميت بالسريعة أما الثانية فقط نظمت لها إجراءات في إطار مسطرة خاصة أطلق عليها المسطرة العادية.

خلاصة القول في مجال الشرطة الخاصة بالتعمير تعرف بتعدد المتدخلين مما يترتب معه تنازع في الاختصاص. والتضارب بين النصوص القانونية خصوصا بين الميثاق الجماعي والقانون المحدث للوكالات الحضرية. مما يمكن معه القول بأن رئيس المجلس له السلطة الإدارية وللوكالة الحضرية السلطة التقنية وتبعا لذلك فهي مسؤولة عن الأخطاء والأضرار التي تنتج عن هذا التسيير أمام الدولة وأمام المعنيين والمتضررين.

وبناءا على ما سبق فمن مصلحة رئيس الجماعة أن يراعي رأي الوكالة لأنه يحميه من المسؤولية أمام الدولة، كما يرمي إلى حماية أموال الجماعة التي يسيرها ويحول دون الحكم عليها بالتعويضات لفائدة المتضررين من الرخص التعميرية والمخالفة للقانون بمفهومه الواسع. 

 

 

المبحث الثاني: تأثير تعدد المتدخلين في قطاع التعمير.

لقد تعددت الأجهزة المتدخلة في ميدان التخطيط والتدبير العمراني مما أدى إلى نتائج بعضها إيجابي والآخر سلبي. ويمكن القول أن أهم النتائج الإيجابية يعود الفضل فيها إلى الوكالات الحضرية حيث ساهمت هذه الأخيرة في التقليل من ظاهرة الرشوة المرتبطة برخص التعمير، كما ساهمت في الحد من النفوذ الذي كان يمارسه بعض المضاربين والسماسرة العقاريين. وجعلت من المسطرة المتبعة لدراسات الملفات الرامية إلى الحصول على رخص التعمير مسطرة شفافة وموضوعية ويتم الاحتكام فيها إلى القانون ووثائق التعمير السارية المفعول.

قبل التطرق إلى انعكاسات تعدد المتدخلين فسوف نتطرق أولا إلى ظاهرة تعدد المتدخلين في ميدان التعمير.

 ظاهرة تعدد المتدخلين في ميدان التعمير.

إن السلطات والأجهزة الإدارية المتدخلة في ميدان التخطيط والتدبير العمرانيين أصبحت متنوعة ومتعددة ويمكن أن نستعرض منها تلك التي لها تدخلات مباشرة.

 

الفرع الأول: على المستوى المركزي.

تتدخل سلطات إدارية متعدد أثناء مرحلة إعداد وثائق التعمير كما أن البعض منها يتدخل حتى أثناء مرحلة التدبير العمراني.

في مجال التخطيط العمراني:

تتدخل خلال المرحلة كل من مديرية التعمير واللجنة المركزية وفيما بعد الوزارات التي تؤشر على وثائق التعمير قبل المصادقة عليها بالإضافة إلى الأمانة العامة للحكومة التي تراقب مشروع الوثائق قبل نشر النص المصادق عليها في الجريدة الرسمية.

في مجال التدبير العمراني:

يقصد بالتدبير العمراني كما سبق القول دراسة الطلبات الرامية إلى الحصول على رخص التعمير والبث فيها عن طريق إما الترخيص للمشاريع أو رفض الترخيص لها؛ وقد مر معنا أن هذا الاختصاص يعود إلى رؤساء المجالس الجماعية مع المساعدة التقنية للوكالات الحضرية، غير أنه تجدر الإشارة إلى أن السلطات الإدارية المركزية تتدخل للبث في كثير من المشاريع الاستثمارية وفق ما يستوجب المنشور رقم 254 الصادر عن السيد وزير إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان المؤرخ في 18 فبراير 1999.

 

الفرع الثاني: على المستوى المحلي.

توجد على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي سلطات وأجهزة تتدخل في ميدان التعمير سواء أثناء مرحلة إعداد وثائق التعمير أو أثناء تنفيذها.

أثناء إعداد وثائق التعمير:

تتدخل أثناء مختلف المراحل التي تمر منها عمليات إعداد الوثائق التعمير السلطات التالية:

الوكالات الحضرية والمفتشيات الجهوية التابعة لوزارة إعداد التراب الوطني والعمالات أو الإقليم والمجالس الجماعية، كما تعرض مشاريع وثائق التعمير على أنظار اللجنة المحلية.

أثناء دراسة مشاريع التجزئات والبناء:

تنظر في هذه المشاريع كل المجالس الجماعية والوكالات الحضرية والمفتشيات الجهوية لإعداد التراب والتعمير والبيئة المعمارية والعمالات أو الأقاليم والسلطات المحلية والمكتب الوطني للكهرباء أو الوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء والرقابة المدنية واتصالات المغرب وقد تدرسها أيضا المديرية الإقليمية للفلاحة أو المديرية الإقليمية للتجهيز وكذا المنذوبية الجهوية للنقل ويمكن أن تتدخل إدارات أخرى حسب نوعية المشروع.

 

المطلب الثاني: الانعكاسات الناتجة عن تعدد المتدخلين

لقد أدى كثرة المتدخلين في ميدان التخطيط والتدبير العمراني إلى نتائج بعضها إجابي وبعض الآخر سلبي، يمكن القول أن أهم النتائج الإيجابية يرجع الفضل فيها إلى الوكالات الحضرية التي تحاول الدولة تعميمها على مجموع ربوع المملكة.

فلولاها لكان السكن العشوائي منتشرا ومحيطا بكل المدن المغربية كما أنه يرجع إليها الفضل فيما يخص تحسين المستوى المعماري لبعض المدن والتجمعات العمرانية كما ساهمت إلى حد ما في التقليل من انتشار ظاهرة الرشوة المرتبطة برخص التعمير، ويحاول البعض منها الحد من النفوذ القوي والتأثير السلبي على التعمير لبعض المضاربين والسماسرة العقاريين ويمكن القول عموما أن هذه المسطرة المتبعة لدراسة الملفات الرامية إلى الحصول على رخص التعمير (مشاريع التجزئات العقارية والبنايات) مسطرة شفافة وموضوعية ويتم الاحتكام بشأن تلك المشاريع في حالات تعدد وجهات النظر إلى القانون ووثائق التعمير السارية المفعول – إن الوكالات الحضرية يمكن أن يتأتى لها تحقيق هذه النتائج إذا كانت المجالات تفتقر إلى مثل تلك الوثائق للتخطيط الحضري ساري المفعول أو فإن مهمة الوكالات تصبح ليست سهلة المنال – مما يترتب معه عدة انعكاسات سلبية لا سيما على مستوى اتخاذ القرار خصوصا في ميدان التعمير الذي من القطاعات الأساسية بالنسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأي بلد يطمح إلى هذه التنمية فيجب إذن أن يكون بمثابة قاطرة للتنمية.

 

الفرع الأول: قلة وثائق التعمير المصادق عليها

لقد كانت ضرورة موافقة المجالس الجماعية أمرا ضروريا من أجل التخطيط الحضري في ظهير 1952 مما أدى إلى امتناع المجالس الجماعية عن الموافقة لأسباب عدة. لكن هذه الظاهرة لازالت موجودة حتى مع التشريع الحالي (12-90) وعدم اشتراط موافقة المجالس الجماعية. وذلك راجع لبطء الإجراءات التنسيق والاستشارة والمصادقة. كما أنه ليس هناك دائمتا تنسيق بين مكاتب الدراسات المكلفة بإعداد وثائق التعمير والمجالس الجماعية من جهة، وبعض الإدارات المعنية من جهة أخرى. وخير مثال على ذلك هو أن المخططات التوجيهية التي انطلقت الدراسات بشأنها سنة 1994 والتي يصل عددها إلى 18 مخططا لم تتم المصادقة سوى على 5 مخططات. أما تصاميم التهيئة ومنذ دخول قانون 90 – 12 حيز التطبيق فمن بين 240 تصميما شرع في دراستها لن تتوصل الأمانة العامة للحكومة سوى ب18 تصميما من أجل متابعة إجراءات المصادقة عليها. نفس الملاحظة يمكن تسجيلها بالنسبة للوسط القروي؛ فمنذ بداية التسعينات لم تتم المصادقة إلا على 12 تصميما.

 

الفرع الثاني: البطء في دراسة الحصول على رخص التعمير.

من بين الإشكاليات التي يطرحها تعدد المتدخلين في قطاع التعمير هو البطء في دراسة طلبات الحصول على ترخيص من أجل البناء أو إحداث تجزئات عقارية بالرغم من أن المشرع قد حدد الآجال التي يجب خلالها دراسة هذه الطلبات (ثلاثة أشهر فيما يخص مشاريع التجزئات وأجل شهرين فيما يخص البنايات عدا المجموعات السكنية التي خصص لها نفس أجل التجزئات)، فما يلاحظ أن غالبا أن هذه الآجال لا يتم احترامها من طرف السلطات الإدارية . مما يترتب معها ضياع الوقت وبالتالي ارتفاع تكاليف إنجاز المشروع، كما أنه قد يؤدي بالبعض إلى التراجع عن مشروعه نهائيا. وتجدر الإشارة أنه بالنسبة للمناطق الواقعة خارج نفوذ الوكالات الحضرية تطرح صعوبة أخرى وتهم الحصول على المعلومات التعميرية (كالمتعلقة بالتنطيق والاستعمالات المسموحة بها) بالنسبة للأرض المراد تجزئتها أوبناؤها والتي تنص عليها وثائق التعمير في حالة وجودها.

 

الفرع الثالث: ظاهرة رفض الترخيص للمشاريع.

رغم التحسن الذي عرفه قطاع التعمير منذ أحداث الوكالات الحضرية. فإنا نلاحظ أن هذه الأخيرة ساهمت هي الأخرى في التعقيد التدبير قطاع التعمير من خلال رفضها للعديد من رخص التعمير إذ تصل نسبة الرفض إلى 50% من المشاريع المودعة لديها من طرف المجالس الجماعية. وذلك لافتقار هذه الوكالات إلى الأساس القانوني الذي تعتمد عليه لدراسة هذه الطلبات نظرا لعدم تغطية كل الجماعات بوثائق التعمير. وبالتالي تفضل الوكالات الحضرية الحيطة والحذر وعدم المغامرة في اتخاذ المبادرة. بالإضافة إلى الخروقات التي تسجلها الوكالات الحضرية من طرف رؤساء المجالس الجماعية الذين يتجاهلون قانون التعمير، وتسخير هذا القطاع من أجل تحقيق أغراض ذاتية وأهداف انتخابوية على حساب المصلحة العامة. هذا ما أكد عليه الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب 20 غشت 2001.

 

الفرع الرابع: غياب التعاون بين الجهات المتدخلة في ضبط مخالفة التعمير.

إن ضبط المخالفات في ميدان التعمير يحتاج إلى موارد بشرية كفيلة بالقيام بمهامها على أحسن وجه تريده الإدارة لإنجاح وثائق التعمير من جهة. ولمراقبة فعالة للحركة العمرانية من جهة ثانية. ومن هنا تأتي أهمية مؤازرة المصالح التقنية التابعة للدول للإدارة الجماعية. فهذه الأخيرة رغم ما وصلت إليه داخل نظام السياسي – الإداري على مستوى الخطاب، فإنها تظل في حاجة إلى مساعدة الدولة في الميدان الحضاري. خاصة وأن هذا الميدان يعتبر من القطاعات المعقدة والشائكة التي تتطلب إمكانيات بشرية ومالية ضخمة. وخلق جسور التعاون بين المتدخلين من أجل محاصرة مختلف أشكال البناء القانوني. علما بأن عمل الأجهزة المتدخلة فيما يخص ضبط المخالفات تتخذ عدة اتجاهات. سواء في إطار لجنة مشتركة أو باستفراد كل متدخل على حدا بالمراقبة فانعدام لجنة موحدة لتراقب الأماكن التي تنتعش فيها المخالفات وعدم تسلحها بوحدة التقارير. فالمراقبة التي تمارسها الإدارة الجماعية تظل مقتصرة على الوثائق والمستندات أكثر من ارتكازها على المراقبة في عين المكان بشكل دوري ومباغت، كما أنها  تبقى مراقبة بعدية أي بعد انتهاء من أشغال البناء. وليس قبلية أو خلال القيام بهذه الأشغال كما تتكلف مصالح التعمير بمراقبة البناء العشوائي وحصر المخالفات بكل عمالة على حدا.

     خاتمــة:

إذا كان الغرض الذي دفع المشرع المغربي من إحداث الأجهزة الإدارية والمؤسسات إلى جانب الإطار القانوني وهو العمل على تأطير قطاع التعمير وتنظيمه بشك هادف نحو حل العديد من المشاكل العمرانية والتحديات التي تواجه المدينة المغربية الذي يطغى عليها الزيادة السريعة في وثيرة التمدن وارتفاع الهائل للهجرة القروية نحو المدن مما نتج عنه ظهور البناء الغير القانوني. فهدا الواقع يكشف عكس دلك حيث لو تتم معالجة قضايا التعمير وفق منظور شمولي وتنسيق أفقي معقلن  بين مختلف الأجهزة وبالتالي ظلت كل مؤسسة تعمل بشكل أحادي في غياب بنية إدارية متدخلة ومتكاملة بين جميع مكوناتها بالإضافة إلى هدا هناك العديد من المعوقات التي  تشل عمل هده الهيئات سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي.

مما ينتج عنه عدم التنسيق والانسجام في اتخاذ القرار مما يجعل مجموع من المشاريع سواء كانت ترتبط بتصاميم  التعمير أو المشاريع الاستثمارية تبقى حبيسة الرفوف إدارة معينة دون إخراجها إلى ارض الواقع.

كما أن تعدد وكثرة المتدخلين ينتج عنه كثرة المساطر والإجراءات مما يجعل المواطنين في حيرة من أمرهم في اختيار الجهة التي سوف يتجهون إليها. كما أن ضعف الموارد البشرية والمالية للجماعات المحلية وطغيان الهاجس السياسي على حساب المصلحة العامة جعل سلطات هده الأخيرة تميز بضعف الممارسة.

 كل هده العوامل بالإضافة إلى أخرى جعلت السمة التي تطبع ممدننا تتميز بالعشوائية واللاتنظيم. مما جعل السلطات العمومية تبحث عن أساليب جديدة لمعالجة ومواجهة التحديات كان أبرزها مشروع قانون 04 .04  التي تراهن عليه السلطات الحكومية بالنهوض بقطاع التعمير وتحقيق تنمية عمرانية متوازنة. لكن السؤال الذي يبقى مطروحا, نظرا إلى معارضة بعض الفاعلين هدا المشروع.

 هل يمكن اعتبار مشروع قانون 04.04 نفس المصير الذي أل إليه قانون العمران 00.42 وهو إبقائها في رفوف الأمانة العامة للحكومة؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى