عقد القرض الاستهلاكي دراسة في ضوء مشروع قانون 31.08 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين : رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص
لقد هبت رياح العولمة على المغرب وأصبح مجبرا لا مخيرا على حجز مقصورة داخل قطار التنمية الذي يفرض مبادئ كونية هدفها تخليق العلاقات التعاقدية، فمن بين أوجه تنظيم الممارسات التجارية الدولية ما نصت عليه الندوة الدولية للأمم المتحدة حول التجارة و التنمية عنوانها المبادئ الرئيسية للأمم المتحدة لحماية المستهلكين[1] والتي وضعت من بين أبرز أهدافها الحرص على القوة التفاوضية للمستهلك وإيجاد اقتصاديات تعطي المستهلك حرية كبيرة للاختيار في ظل مبادئ عامة منها حماية المصالح الاقتصادية للمستهلك وحق ولوج المستهلك للمعلومة المرغوبة للوصول إلى الاختيار المقبول حسب رغباته وحاجياته وذلك في ظل حرص الحكومات في سياستها الدولية أن تضمن للمستهلكين الحصول على أكبر قدر من المنافع من دخلهم الاقتصادي[2] ومضاعفة المجهود لمنع الممارسات التي تحد من المصالح الاقتصادية للمستهلكين بالعمل على حمايتهم من التعسفات العقدية، ومثاله العقود الليونيانية وإلغاء الحقوق الأساسية في العقد أو تكريس شروط عقدية مجحفة، ولن يكون ذلك حسب مبادئ الأمم المتحدة إلا بقيام الحكومات بتسهيل قنوات الإعلام لكي يصل للمستهلك جميع المعلومات الأساسية التي يمكن أن ترتقي بالعلاقات التعاقدية الحديثة إلى شكل سليم وعادل خاصة أن المستهلكين هم الآن أكبر الفئات العقدية تهميشا.إن العلاقات التعاقدية مهد القانون ومنتهاه، يتطور بتطورها، ويحاول ما أمكن تنظيم الأشكال الجديدة للتعاقد التي يفرضها التطور الاقتصادي كي يعبر وعن حق أن القانون ما هو إلا انعكاس للواقع المجتمعي الذي أصبح الآن يفرض جيلا جديدا من العقود ينعت بالعقود الاستهلاكية.
من خلال سبق تتبين القيمة التي تحظى بها حماية المستهلك في المبادئ الدولية ولتمييز موضوع البحث نقترح تناول مظاهر أهمية البحث)أولا (ونطاق موضوع البحث) ثانيا( وإشكالية الموضوع و منهجية البحث) ثالثا.(
أولا: مظاهر أهمية البحث
كان أول تجمع للمستهلكين في ستينيات القرن الماضي بأمريكا بتزامن مع خطاب الرئيس الأمريكي كينيدي في سنة 1962 [3]، الذي نص على حقوق أساسية للمستهلكين منها: الحق في السلامة والحق في التفاهم أو التفاوض والحق في الاختيار إضافة إلى حق محوري وهو الإعلام [4] .
فأصبحت العلاقات التعاقدية في ظل العقود المعاصرة متعددة ومتميزة بين كل من المهنيين و المستهلكين فأحيت معها النقاش حول العقود التجارية التي اعتبرها البعض وصفا محل نظر، لأن هناك عقود مسماة يبرمها تجار أي أن صفة مبرم العقد تتحكم في إدخال العقد لهاته الطائفة مثال الشراء من أجل البيع ليست عقودا محتكرة من قبل العمل التجاري بل هي عقود تعرفها القواعد المدنية، لتتجاوز القوانين الحديثة هاته المرحلة وتكرس ما فرضه المناخ التجاري من شروط خاصة بالعقود التجارية، فقد قال ابن خلدون عن التجارة أنها تستدعي الخلابة و المماحكة والغش وتعاهد الأيمان الكاذبة على الأثمان ردا وقبولا [5] .
وتظل الوضعية العقدية على ما هي عليه رغم التقدم والتطور، فالبرنامج التمهيدي لحماية وإعلام المستهلكين واكب المبادئ الأممية بنصه على حقوق أساسية تدافع عن المستهلك أمام قوة المنافسة و الأساليب الحديثة للجذب والتعاقد منها: الحق في السلامة وفي حماية المصالح الاقتصادية وعدم الإضرار بالمستهلك[6] والإعلام والتفاهم.
فالمستهلكون مجموعة كبيرة تستوجب الحماية قبل التعاقد وخلق التوازن ما أمكن [7] خصوصا أن الفقه والقضاء [8] يؤيدان إضفاء صفة المستهلك على الشخص المعنوي مما يوسع من دائرة الأشخاص الواجب حمايتهم من الضعف و الجهل الذي يعانونه أثناء مسار كامل للعلاقة التعاقدية، حيث قال الأستاذ مارسيل فونتين "يجب التمتع بقدر من القوة لكي يعترف بأنك في موقع ضعيف"[9].
فالصراع بين الحرية والاستقرار يظل قائما في ظل العقد وتطور الممارسات التجارية وضرورتها الآنية و الملحة بالنسبة للمستهلك المتعاقد في إطار الدعوة والرغبة للحصول على قوانين تأطر لحماية خاصة بالمستهلكين، فظهرت بوادر حمايتهم في صورة محاربة الغش مع قانون 1905 الفرنسي[10].
أما بالنسبة للمغرب فقد كانت العلاقات التعاقدية في تلك المرحلة تخضع لقواعد الفقه الإسلامي خاصة المذهب المالكي أمام بساطة العلاقات التعاقدية والزجر الذي كانت توفره الأحكام الشرعية التي شكلت رادعا لكل المخالفين لأحكامه [11]، ومثاله تحريم الزيادة الفاحشة في الأثمان رغم حرية السوق الإسلامية وتحريم القرض بالفائدة درءا للاستغلال وحفاظا على القيم[12]، لتأتي مرحلة الحماية على علاتها الغير قابلة للحصر ليشهد المجال العقدي جيلا جديدا من التنظيم للعلاقات التعاقدية، بتكريس قانون الالتزامات والعقود المغربي والقانون التجاري ثم الظهير الشريف المتعلق ببيع عربات الأطوموبيل المؤرخ في 17 يوليوز 1936[13] تلاه قانون زجر الغش [14] وأعراف تجارية كانت الأساس في الممارسة البنكية إلى حين صدور قانون 31 مارس 1943 تلاه مرسوم 1967 لتليه مرحلة التسعينيات والإصلاحات القانونية مع قانون بنكي لسنة 1993 ومدونة التجارة لسنة 1996 وقانون حرية الأسعار والمنافسة 06.99[15] الذي دشن للألفية الجديدة مسارها التشريعي مع مدونة جديدة للتأمينات، وإثارة النقاش حول ضرورة إقرار قانون لحماية المستهلك ظل مشروعه حبيس رفوف الوزارة المعنية ومرور مقترح لإخبار وحماية المستهلك دون تحقيق الآمال المعقودة عليه.
وأمام ضرورة توفير حماية خاصة للمستهلكين أتى مشروع 31.08 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين والذي صودق عليه أمام مجلس النواب وينتظر استكمال مساره التشريعي[16]، لينضم إلى بعض القوانين المقارنة في تنظيم حماية خاصة للمستهلكين ومنها على سبيل المثال لا الحصر قانون Scrivner لـ 10 يناير 1978 الفرنسي وقانون 13 يوليوز 1979 المقحم بقانون الاستهلاك الفرنسي و قانون 31 دجنبر 1989 المقحم بدوره بقانون الاستهلاك الفرنسي المتعلق بمعالجة وضعية الاستدانة الفاحشة وقوانين فرنسية أخرى تم تجميعها في 26 يوليوز 1993 بمدونة للاستهلاك [17]، مع الاحتفاظ بوتيرة الضبط التشريعي ومن حالاتها قانون 1995 المتعلق بتنظيم الشروط التعسفية.
ولم تكن بلجيكا بالبعيدة عن التطور التشريعي بقانون للممارسات التجارية وحماية وإعلام المستهلكين لـ 14 يوليوز 1991 لتنتقل إلى التخصص التشريعي بمقتضى قانون خاص بالقروض الاستهلاكية لـ 12 يوليوز 1991 وآخر متعلق بالقروض العقارية لـ 4 غشت 1992[18]، إضافة إلى المشرع الكيبيكي الذي نص على قانون لحماية المستهلك لسنة 1978. ومنذ ذلك الحين ونحن نشهد قواعد آمرة تحد من الحرية التعاقدية ظهرت بوادرها حتى مع الإصلاحات التي طالت القوانين العربية كالقانون المدني المصري، تلته قوانين خاصة بحماية المستهلكين ومن بينها القانون المصري لحماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006 والقانون الجزائري 09-03 لـ 25 فبراير 2009 يتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش إضافة إلى القانون القطري بشأن حماية المستهلك رقم 8/2008 وقانون حماية المستهلك التونسي لسنة 1992 والمؤرخ في 7 دجنبر 1992.
فهاته القوانين الاستهلاكية تتميز بمجموعة من الخصائص[19]، أبرزها التجانس الوظيفي [20] الذي يعتبر تجميعا لفروع مجموعة من القوانين في قانون واحد هو قانون الاستهلاك، فهو المادة التي تخلق إشكاليات متعددة للقانونيين تستوجب حلول عقلانية في التعامل معها منذ 20 سنة تقريبا.
فبرز الفقه كمحرك لكل نقاش قانوني ولكل إصلاح تشريعي منشود بنظريات مختلفة وفي بعض الأحيان متشاحنة تستمد خصوصياتها من خصوصيات المادة موضوع التحليل، في محاولة لتحديد المشاكل التي يعاني منها المستهلك ونحن أمام التحرير الفردي للشروط من طرف المهني العارض. بل منهم من قام بالرجوع إلى إشكاليات أعمق من الحداثة بتساؤله: لماذا لم يحاول أحد من قبل تعريف سلطان الإرادة؟
ودعوة البعض الآخر إلى ضرورة إعادة النظر في النظام القانوني [21] الذي يحكم العقود، أو الدعوة إلى التوجه من الرغبة إلى الإرادة أمام هدف المستهلك في بعض الصور التعاقدية كالقرض بالحصول على الشيء مع أداء مستقبلي أو مؤجل.
وقد اعتبر lucas أن المسار التعاقدي يبدأ برغبة تشبع الحاجيات المادية والنفسية للمتعاقد تتطور إلى مشروع تعاقد يصطدم بمشروع تعاقدي آخر.
وأمام هذا الجدل الفقهي الذي أحدثته القوانين الاستهلاكية، ظهر الانقسام الفقهي حيث أن القواعد الجديدة أو المستحدثة أربكت الفقه الذي إما أنه لم يتأقلم مع المفاهيم الجديدة أو أنه متشبث بمقتضيات القانون المدني [22] في دراسته للمقتضيات العقدية، ، وستظهر قيمة الاجتهاد القضائي ودوره الحاسم و الوقائي في محطات مشرقة طيلة مراحل البحث، وهذا لا يغني عن انحراف تبرره صعوبة الخوض في مقتضيات الاستهلاك.
ثانيا: نطاق موضوع البحث
أثار انتباهنا من بين العقود الاستهلاكية عقد القرض الاستهلاكي، الذي يتميز بتعدد العقود التي ينظمها والتي تتخللها مخاطر ذات شق اقتصادي وآخر قانوني،
وتفرض علينا خصوصية الموضوع تحديد مفهوم المستهلك قبل تحديد مفهوم المقترض، ثم سنعمل على تحديد نطاق الموضوع عقديا.
فمفهوم كل من المستهلك والمهني في حد ذاته، له امتداد وأثر على المقرض والمقترض من حيث رسم الحدود الفاصلة بين طرف وآخر. فقد ذهب بعض الفقه[23] إلى أن " السوق كمقاولة اقتصادية لا تعترف بالمستهلك خلافا لما تدعيه النظرية الليبرالية، لأن هذا الأخير له مفهوم معين، فكلنا مستهلكون سواء كنا نتوفر على دخل أم لم نكن، والسوق لا يعرف ولا يعترف إلا بالمشتري وليس بالمستهلك. بصيغة أخرى فالسوق يعترف بالفرد الذي يتوفر على دخل؛ بل الأكثر من ذلك إنه يميز بين المشترين بحيث يوفر أكبر قدر من الإشباع للذين يتوفرون على مداخيل مرتفعة. أما المستضعفون، يقبلهم السوق في حدود إمكانياتهم ويقيس قوتهم الاقتصادية بما لديهم من مال قابل للإنفاق".
وفي ظل التعريف القانوني للمستهلك ذهب جانب من الفقه[24] إلى أنه من يستعمل المنتجات لإشباع حاجياته الإنسانية، ويبقى هذا التعريف فضفاضا أمام الانقسام حول إعمال المفهوم الضيق أو المفهوم الواسع للمستهلك [25]، والذي يذهب مناصروه إلى أن المهنيين قد يلجؤون إلى إبرام عقود خارج اختصاصاتهم المهنية باعتبار أن المهني متخصص فقط في الأمور الفنية المرتبطة بالمهنة، إضافة إلى أنه يأخذ وصف مستهلك على أساس عدم المعرفة التي توجب الحماية.
وتدخل الاجتهاد القضائي الفرنسي في غير ما مرة للأخذ بمفهوم المهني المستهلك باعتماد التخصص إضافة إلى الغرض من التصرف الذي اعتبرته محكمة النقض الفرنسية موجبا للحماية [26] ، وجاءت الفقرة السابعة من المادة الأولى من قانون الاستهلاك البلجيكي، لتعريف المستهلك بأنه كل شخص طبيعي أو معنوي يستعمل منتوجات أو خدمات معروضة في السوق لأغراض غير مهنية [27] ، ويتمظهر هذا الإرتباك في حدة النقاش حول سلامة اعتبار المهني مستهلكا إذا تعاقد خارج إطار مهنته.
أما الغرفة المدنية الفرنسية فقد أكدت في قرار لها بتاريخ 25 ماي 1992 أن المهني مستهلك في وضعية جهل عندما يتعاقد خارج أغراض مهنته التجارية بالضبط إذا لم يكن للتعاقد علاقة بممارسته التجارية، ليبقى مفهوم المستهلك كله محل نظر.
إن هذا التوسع نابع من كون مصدر تعريفات كل من المهني والمستهلك هو علم الاقتصاد [28] الذي أثر على المشرع الفرنسي في المادة 35 من قانون 1978 واعتبر بدعة قانونية لتمكين الأعمال التجارية التبعية من الخضوع لنظام حمائي خاص.
لملامسة المفهوم الضيق، نستند إلى ما ذهبت في ظله التوجيهية الأوروبية لسنة 1993 والمشرع الفرنسي في قانون 1993 في المادة 3-311 L من منع الحماية على من يتعاقد لتمويل حاجيات مهنية.
فالمهني خارج تخصصه ليس بالشخص الضعيف والمشرع في القانون الفرنسي والبلجيكي لـ 14 يوليوز 1991 يتجه إلى إعمال المفهوم باعتباره كل شخص طبيعي أو معنوي مستهلكا إذا استعمل لغرض غير مهني سلع وخدمات معروضة في السوق، فالمفهوم الضيق يقصد به كل شخص يتعاقد بقصد إشباع حاجياته الشخصية و العائلية وليس مستهلكا من يتعاقد من أجل أغراض مهنته أو مشروعه، حيث ذهب الأستاذ كليس أولوي[29] إلى أن المفهوم يعطي القابلية لتفسير بعض الحالات المشهورة حيث المهني في موقع جهل حسب المعادلة مهني محترف وتعاقد خارج إطار التخصص يبرر الحماية، لكنه يأبى مع الاجتهاد القضائي الفرنسي ممثلا في محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 23 يونيو 1987 التوسع في مفهوم المستهلك خاصة في حالات القرض.
ويتجه إلى تبني المفهوم الضيق استنادا إلى أن التعاقد خارج إطار المهنة لا ينزع عنه إمكانية الدراية والعلم كالمستهلك العادي لأن الأمر ينزع الحدود عن قانون الاستهلاك.
أما القوانين العربية لحماية المستهلك فقد اختلفت في التعاطي مع مفهوم المستهلك حيث ذهب كل من القانون المصري في مادته الأولى إلى الأخذ بالمفهوم الضيق حيث اعتبر المستهلك" كل شخص تقدم إليه أحد المنتجات لإشباع احتياجاته الشخصية "،ومعه القانون الجزائري لحماية المستهلك في مادته الثالثة التي أخذت بالمفهوم الضيق للمستهلك حين اعتبرته "كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني بمقابل أو مجانا، سلعة أو خدمة موجهة للاستعمال النهائي من أجل تلبية حاجته الشخصية…".[30]
بينما ذهب القانون التونسي إلى تبني المفهوم الواسع للمستهلك حيث أعتبره في الفصل الثاني "كل من يشتري منتوجا لاستعماله لغرض الاستهلاك".
أما عن مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين فقد ذهبت مادته الثانية إلى اعتبار المستهلك شخصا طبيعيا أو معنويا يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي، والمورد باعتباره شخصا طبيعيا أو معنويا يتصرف في إطار نشاط مهني أو تجاري، ومن خلال ما سبق وفي إطار وضع حد للحماية المقنعة مع عدم التشدد اتجاه المهني نقول على أن المهني لا تشمله المقتضيات الحماية كلما تعاقد بمناسبة نشاطه المهني .
و كما هو عليه الحال بالنسبة للتوسع في استعمال المفهوم الواسع للمستهلك يذهب جانب من الفقه[31] ونحن معه إلى عدم مسايرة الاتجاه الذي يسير إلى حماية المهني المقترض أمام الارتباط بين ما هو عام و خاص في نطاق الموضوع باعتبار عقد القرض عقدا خاصا والقواعد المنظمة بقانون الاستهلاك ليست خاصة بالمهني والمستهلك فقط لأن التنظيم يمكن أن يشمل أشخاص غير المستهلكين كالكفيل والمؤمن والبائع وغيرهم من الأطراف.
وهو ما دفع البعض إلى تعريف عقد القرض بأنه عملية تمكن شخصا من الحصول فوريا على خدمة والشيء سيؤدى ثمنه فيما بعد، وذهب البعض الأخر[32] إلى تعريف أكثر توسعا وهو ملائمة الائتمان مع مصلحة الزبون، أي مدى استجابة الأموال المعروضة من طرف مؤسسة بنكية في إطار عملية ائتمانية، من حيث صورته – أي قرضا أو فتح اعتماد بسيط أو خصما أو اعتمادا مستنديا أو غيره – وتوقيت منحه ومبلغه وشروط منحه وتسديده لسد حاجات المستفيد من هذه الأموال بصفة مباشرة، سواء منها الحاجات الآنية أو الحاجات المستقبلية.
وخلاف التعريف أعلاه الذي يشمل جميع عمليات الائتمان و التي يعتبر القرض أحدها يكون الأسلم هو التوسع في العمليات التي يبرمها الأطراف لتشمل جميع عمليات البيع بقرض والعمليات المعقودة على وجه الاعتياد من طرف مهنيين بنوكا و مؤسسات تمويل ومهنيين مقرضين كأشخاص طبيعيين،[33] إضافة إلى جميع أنواع القروض حتى المجاني منها، والتوسع يمكن أن يطال الكراء والبيع وتغطية الحساب مع إخراج بعض العمليات من مجال عقد القرض كالعقود المبرمة بشكل رسمي[34] مثالها تلك التي تبرم عند موثق أو القروض التي تقل مدتها عن 3 أشهر وحتى تلك التي تتجاوز قيمتها 140.000فرنك في القانون الفرنسي [35] حيث ميز قيمة القروض بإقصائه المقترضين الميسورين من الحماية.
فالمخاطر التي تحيط المستهلك المقترض متعددة منها ما يتعلق بشخص المقترض أو المتعلقة بالنشاط الذي يمارسه وهناك أيضا مخاطر تتعلق بنوعية الضمانات [36] ، ولا تخفى المخاطر المتعلقة بنوعية الممارسات المكرسة عمليا والفراغ الذي يجعلها تتمتع بالشرعية في ظل غياب مقتضيات قانونية صريحة تنظم المسار التعاقدي منذ بدايته إلى حين تنفيذه خاصة وأن مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين ، ذهب في المادة 69 الأخذ بالمفهوم الواسع للعلاقة العقدية في ظل القرض الاستهلاكي باعتباره أي عملية قرض ممنوح بعوض أو بالمجان من مقرض إلى مقترض كما هو معرف حسب مفهوم المستهلك في المادة الثانية من المشروع، مع إعطاءه صور وحالات تشابه ما ذهب إليه المشرع الفرنسي[37] حتى في الاستثناء الوارد في المادة 70 التي لا ينقصها إلا استثناء واحد يتعلق ببعض القروض التي تستثنى حسب قيمة القرض والتي تجاوز المشروع التنصيص عليها.
كما تجب الإشارة إلى أن المشروع المغربي أخذ نفس توجه المشرع الفرنسي، ونص على مجموعة من العقود بغض النظر عن التعريف الواسع الذي يشمل كل عملية قرض، وهاته الحالات تعتبر من جهة أكثر الصور العقدية أهمية والتي برز لواضعي المشروع القيمة التعاقدية التي يحظى بها داخل الممارسة التجارية وكثرة الإقبال عليها من طرف المقترضين وضرورة توفير الحماية بالأساس لهاته الأنواع لأنها تضم كل مظاهر الخلل التي لا حظها واضعو المشروع وتوقعوا الحماية منها بمقتضى القواعد المنصوص عليها إما بشقها الذي درجت القوانين الحالية التنصيص عليه وإما بقواعد مستحدثة لم يكن التطور في التشريع المغربي قد اتجه إلى تكريسها من قبل، وهاته العقود هي الإيجار المفضي إلى البيع والإيجار مع خيار الشراء.
ومن جهة أخرى فإن الصور العقدية تعتبر على سبيل المثال ما دامت المادة 69 من المشروع المغربي قد وسعت المجال العقدي بنصها " وكذا البيع أو تقديم الخدمات التي يكون أداؤها محل جدولة أو تأجيل أو تقسيط"، لتصبح الحماية المتوقعة من الاستدانة المفرطة والشروط التعسفية وإذعانية العقود كشروط تحد من المسؤولية وإشكاليات الإعلام أمام تعدد العقود وخطورة الالتزامات كلها مواضيع قانونية تنضاف إلى غيرها من الإشكاليات المحيطة باستغلال ضعف وجهل المستهلك مادام المجال العقدي الذي يشمله عقد القرض الاستهلاكي قد توسع بشكل ملحوظ.
ونشير إلى أن القوانين العربية الخاصة بحماية المستهلك لم تلتفت إلى تنظيم العقود البنكية عامة وعقد القرض الاستهلاكي خاصة، باستثناء القانون الجزائري 09-03 لـ 25 فبراير 2009 يتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش الذي أحال في المادة 20 منه على التنظيم الذي سيصدر في مجال القروض الاستهلاكية ،وتبقى الحماية مقتصرة على بعض مظاهر الإعلام وكذا الضمان في ظل أخدها بالمفهوم الجزئي للخدمات وسنشير إلى أحكامها متى تماشت وأحكام عقد القرض الاستهلاكي.
هكذا إذن سيقتصر موضوع الدراسة على عقد القرض الاستهلاكي دون عقد القرض العقاري.
ثالثا: إشكالية الموضوع ومنهجية البحث
من خلال الأهمية المتميزة لعقد القرض الاستهلاكي كموضوع قانوني، والحيز أو النطاق العقدي الشاسع الذي يحتله، والتساؤلات التي تحيط بعقد القرض الاستهلاكي كموضوع للدراسة أصبح طرح الإشكاليات التالية أمرا مشروعا:
– ما هي أبرز القواعد الحمائية التي أتى بها مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين؟
– وما هي أوجه الحماية التي توفرها مختلف القوانين التي تؤطر الموضوع؟
– وكيف يمكن حماية المستهلك خلال مسار تعاقدي كامل؟
– وما مدى ترابط الالتزامات المترتبة في ظل عقد القرض الاستهلاكي؟
– ما هي المظاهر الأساسية للخلل الذي يحيط العلاقة التعاقدية في إطار القرض الاستهلاكي؟
– ألم نغالي في حماية المقترض من خلال تبني المفاهيم الحديثة لحماية المستهلك ؟
– وتبقى جل هاته التساؤلات مستغرقة من خلال الإشكالية المحورية المتمثلة في مدى تحقيق المشروع قدرا من التوازن بين مبدأ حرية سلطان الإرادة ومبدأ استقرار المعاملات؟
ولأجل معالجة مختلف الإشكاليات المثارة قدر الإمكان في ظل موضوع الدراسة، وأخذا بعين الاعتبار القوانين الاستهلاكية المقارنة ومحاولة وضع المسار التعاقدي والمؤسسات القانونية الحمائية موقع تحليل، مع التركيز على المقرض الذي يتخذ شكل بنك أو مؤسسة تمويل نظرا لكثرة المعاملات التي يبرمونها و احترافيتهم في توزيع القروض، نقترح معالجة الموضوع وفق التقسيم التالي:
الفصل الأول: تكوين عقد القرض الاستهلاكي
الفصل الثاني: سريان عقد القرض الاستهلاكي
الفصل الأول : تكوين عقد القرض الاستهلاكي
لمرحلة تكوين العقود عامة وعقد القرض الاستهلاكي خاصة أهمية متميزة، فمن خلالها تتداخل مجموعة من المؤسسات القانونية وتبرز بشكل جلي قيمة الممارسات التجارية في كل من المراحل السابقة عن التعاقد وكذلك أثناء إبرام العقد الذي يبقى مركبا يشمل عقودا متعددة سنحاول الإحاطة بالتنظيم القانوني والإشكاليات المثارة في مرحلة تكوين عقد القرض الاستهلاكي، مع مراعاة خصوصيات القواعد القانونية المستحدثة في ضوء أحكام المشروع المغربي 08-31 وذلك من خلال تحليل المراحل السابقة عن التعاقد (الفرع الأول) ومرحلة إبرام عقد القرض الاستهلاكي (الفرع الثاني).
الفرع الأول: المراحل السابقة عن التعاقد
تحظى القروض الاستهلاكية بأهمية بالغة كموضوع قانوني متميز تبرز أهميته من خلال مختلف المراحل التي يقطعها منذ نشأته إلى حين انتهاءه، وسنبرز خصوصية هذا النوع من العقود والتي تظهر جليا خلال المرحلة ما قبل العقدية خاصة أمام استغلال ضعف وجهل المستهلك (المبحث الثالث)، والإعلام كصيغة للإيجاب في بعض الممارسات التجارية (المبحث الثاني)، لكن وقبل ذلك نرى تحليل الالتزام العام بالإعلام (المبحث الأول).
المبحث الأول: الالتزام العام بالإعلام
آثرنا الإحاطة بالالتزام العام بالإعلام نظرا للأهمية المتصاعدة التي يكتسيها لدى الفقه من خلال ضبط مؤسسة الإعلام كالتزام قانوني (المطلب الأول) لنحاول الانتقال داخل نفس المؤسسة إلى تحليل الالتزامات المتعلقة بالإشهار (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الإعلام كالتزام قانوني
لتحديد الآليات الأساسية التي تعتبر عماد الإعلام كالتزام قانوني سنتعرض لشروطه في الفقرة الثانية وقبل ذلك سنحلل مفهومه في الفقرة الأولى.
الفقرة الأولى: مفهوم الإعلام كالتزام قانوني
إن أي اختيار لتحديد مفهوم الإعلام كالتزام قانوني يندرج في إطار مرحلة سابقة عن التعاقد _ وإن كنا نقبل بهاته الفكرة على مضض _ لن يكون بريئا، فقد ثار نقاش حول أحقية القول باندراجه ضمن المرحلة العقدية ذاتها وهو تساؤل مشروع في حد ذاته والذي سيكون منطلقنا لمحاولة رفع وتيرة النقاش العلمي في هذا العمل منذ بدايته، إن الإعلام من المنطلق التجاري حسب الأستاذ جيرار لانيو[38]، هدفه إخفاء الواقع الاقتصادي للتبادل وراء القوة الوجدانية للوعد والوهب وهاته الوضعية أثرت خاصة على المستهلكين المقترضين نظرا للتبعات القانونية التي يرتبها الإعلام غير القانوني [39]، فحسب بعض الدراسات الاقتصادية تكون أفضل طريقة للبيع من التجربة المهنية العملية عبر الإعلام وذلك بالرفع من القيمة أكثر من موضوع المتعاقد عليه حقيقة، خلافا لوظيفته الأصلية المتمثلة في المراقبة الإستباقية [40]، فعرف جانب من الفقه [41] الإعلام على أنه إحاطة المتعاقد الآخر بالمعلومات الهامة والمؤثرة في إقدامه على التعاقد أو إحجامه عليه، بينما ذهب الأستاذ كليس أولوي[42] إلى أن الإعلام هو مد المستهلك بالمعلومات الجوهرية قبل إبرام العقد، وهنا بدأت تظهر الإرهاصات الأولية لتحديد موقع الالتزام بالإعلام كمرحلة ما قبل عقدية يلتزم فيها المهني بتوضيح وإظهار وضمان الأخطار في الخدمة أو الشيء المبيع[43] خاصة أمام المستهلك العادي قليل الخبرة.
لكن هذا لم يمنع جانبا من الفقه [44] إلى تبني توجه آخر متمثل في اعتبار الالتزام بالإعلام كإلتزام تعاقدي مستندا في ذلك على مبدأ حسن النية، لكننا نظن وخلاف ذلك فأن محاولة إيجاد حماية للمستهلك لا تبرر توجهه القانوني في ظل مبدأ حسن النية المستند عليه للقول بعقدية الالتزام أكثر من القول بآثاره على العقد كالتزام له خصوصية يوجد في موقع بين العقدي واللاعقدي، ومؤيدنا في ذلك ما ذهب إليه جانب آخر من الفقه[45] من اعتبار الإعلام تعبيرا عن الرغبة في التعاقد لم يستجمع عناصره كاملة.
إن ذلك لا يعفي المهني من إعلام كامل [46] له دور وقائي رافع للغلط يساعد المستهلك المقترض على اتخاذ قرار سليم، خلاف الإعلام الذي يدعوا أكثر فأكثر للعيش بالقروض[47]، يراعى فيه ومن خلاله حماية الحقوق المدنية التي تشمل الإعلام وهو ما ذهب إليه الاجتهاد القضائي[48].
بل هناك من ذهب إلى المطالبة بالتشديد في الحماية ما قبل العقدية في إطار نظرية الغش في ظل الإعلام أو الالتزام بالإعلام[49]، وهو ما يذهب بنا إلى الإشكالية المتعلقة بمدى جدية القول بإلزامية الإعلام أمام إمكانية الاستعلام من جانب المستهلك؟
الإجابة ستكون في ظل شبه توافق فقهي حيث ذهب الأستاذ كليس أولوي[50] إلى أن الإعلام إجباري يجب على المهني في ظله أن يُسمع جيدا ما قام بسماعه، وهو ما أكده الفصل 47 من قانون المنافسة 06.99 المغربي في إطار نصه على التزام عام بالإعلام[51]، والذي يخالف توجه الأستاذ أحمد أبران[52] الذي ذهب إلى أن المبدأ في التحري هو واجب على المتعاقد ما لم ينص العقد على خلاف ذلك، مما يثقل كاهل المستهلك بعبء الإثبات أمام تقنيات جد معقدة يستعملها المهني خاصة المقرض منه.
وقد ذهب القانون الجزائري 09-03 لـ 25 فبراير 2009 يتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش في المادة 17 إلى تحديد مفهوم عام للإعلام بنصه: " يجب على كل متدخل أن يعلم المستهلك بكل المعلومات المتعلقة بالمنتوج الذي يضعه للاستهلاك بواسطة الوسم ووضع العلامات أو بأية وسيلة أخرى مناسبة " أما القانون القطري بشأن حماية المستهلك رقم 8/2008 فقد نص في مادته 11 أنه: " على المزود أن يحدد بطريقة واضحة بيانات الخدمة التي يقدمها و مميزاتها وخصائصها وأسعارها".
أما مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، فوضعنا منذ المادة الأولى في إطار الأهداف التي يرمي تحقيقها ويؤكد على واجب الإعلام لفائدة المستهلك بالمادة الثالثة في إطار الالتزام العام بالإعلام بنصه في الفقرة الأولى "يجب على كل مورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملائمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة، وأن يقدم إليه المعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته" وبالانتقال إلى المشروع المغربي في المادة 71 في الباب المتعلق بالقروض الاستهلاكية وينص على وجوبية كون الإشهار نزيها وإخباريا.
أما جانب من الفقه الفرنسي[53] فقد أكد على ضرورة جعل المستهلكين يعلمون الخصائص والصفات الأساسية للسلعة أو الخدمة المقدمة.
فمن خلال التوجيهية الأوروبية وما كرسه الاجتهاد القضائي الفرنسي كما هو الأمر بالنسبة للمشروع المغربي 08-31 يحارب الإعلام غير التام[54] ويشدد على الإعلام بحسن نية والذي يشمل كل ملحقات العقد، لكن الأستاذ كليس أولوي[55] يتساءل عن حدود الإعلام التي تبقى غير واضحة؟ والتي لم يستطع حتى المشروع المغربي تجاوزها.
لننتقل إلى شروطه لعلها تظهر لنا تلك الحدود بطريقة جلية.
الفقرة الثانية: شروط الالتزام العام بالإعلام
ليس كافيا وضع إطار عام للالتزام بالإعلام بغض النظر عن إمكانية المستهلك للاستعلام كما ذهب إلى ذلك جانب من الفقه [56]، فإذا كانت الطبيعة الوقائية تتجلى في الإعلام أساسا فإن هذا لا يغنينا عن الطبيعة الإصلاحية، حيث أن الإخبار أو الإعلام كما ترى الأستاذة نيكول شردان[57] هو الذي يشكل أو يعدل أو يغير تقديم المعلومة في اتجاه توضيحها وتنوير المستهلك.
فالمجموعات الاقتصادية تعطي أهمية بالغة في إطار سياساتها بالاعتماد على الإعلام وكيفياته وتقنياته للوصول إلى المنفعة المرجوة بتسخير إمكانيات هائلة.
فالفرق بين الإعلام الإشهاري والإعلام التعاقدي يبقى الحد الفاصل بينهما رفيعا وهو ما كان من شأنه _ لو كان محددا_ أن يرفع اللبس على الفقه في تعاطيه مع مؤسسة الإعلام.
فمجرد الإعلام لا يكفي لتحقيق الحماية، فالإرادة تتولى حماية مصالحها، لكن أمام نوعية العقود محل الدراسة فالمستهلك يبقى عاجزا عن التعاقد السليم أمام الإعلام غير الكامل[58]، وتصبح الضرورة ملحة للإعلام المدروس أو المعالج.
فكما ذهب جانب من الفقه [59]، لم يكن المشرع الوحيد الذي لاحظ عدم كفاية القواعد الحمائية في مرحلة التمهيد واتخاذ القرار، فأتت القوانين الاستهلاكية بالتزامات بإعلام المستهلك وإعطاءه صورة واضحة عن العقد الذي سيبرمه وعن كل ما يتضمنه من شروط والتزامات على عاتقه[60]، بالإضافة إلى إعلامه عن السلعة أو الخدمة محل العقد من حيث ضماناتها الأساسية [61].
والقانون الفرنسي أتى بنص عام في المادة 1-111L التي توجب على المهني مقدم السلعة أو الخدمة أن يضع المستهلك في صورة واضحة للخصائص الأساسية للعقد، لينص بعد ذلك في المادة 2- 133L على وجوب تقديم المعلومات إلى المستهلك بطريقة واضحة ومفهومة.
وهو ما سار في نهجه مشروع قانون08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، الذي نص في المادة الرابعة على أنه "يجب أن يشمل البيان المتعلق بالسعر أو التعريفة التي يكون الإعلام بها إجباريا تطبيقا للمادة الثالثة أعلاه السعر أو التعريفة الإجمالية التي يتعين على المستهلك دفعها بما فيها الضريبة على القيمة المضافة وجميع الرسوم الأخرى وكذا التكلفة الإضافية لجميع الخدمات التي يلزم المستهلك بأدائها".
وقد نصت المادة المحال عليها أعلاه في فقرتها الثانية "ولهذه الغاية يجب على كل مورد أن يعلم المستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العلامات أو العنونة أو الإعلان أو بأية طريقة أخرى بأسعار المنتوجات والسلع وبتعريفات الخدمات والقيود المحتملة للمسؤولية التعاقدية عند الاقتضاء والشروط الخاصة بالبيع أو تقديم الخدمة".
فهذه المقتضيات العامة تضع شروطا إطارية تصل بالمستهلك إلى الإعلام الذي يجلي المخاطر المحيطة بالعقد تكريسا لمقتضيات حمائية تغيب على الممارسة التجارية عامة والبنكية خاصة من استغلالها للإعلام المشفر في مقتضيات أساسية تهم الثمن المعجل والمسترد وكذلك نسبة الفائدة والتكلفة الإجمالية.
وقد نصت بعض القوانين العربية بدورها على شروط قيام الإعلام، حيث أوجب القانون المصري لحماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006 في مادته الثالثة إلزامية اللغة العربية في البيانات الموضوعة على السلع والتي توجبها المواصفات القياسية المصرية.
وهو نفس ما ذهب إليه المشرع الجزائري في القانون 09-03 لـ 25 فبراير 2009 يتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش بالمادة 18 حيث أوجب تحرير بيانات الوسم وطريقة الاستخدام ودليل الاستعمال وشروط ضمان المنتوج وكل معلومة أخرى منصوص عليها في التنظيم الساري المفعول باللغة العربية أساسا.
إضافة إلى المشرع التونسي الذي نص بقانون حماية المستهلك لسنة 1992 والمؤرخ في 7 دجنبر 1992 على بعض شروط الالتزام بالإعلام في الفصل 16 حيث نص أنه: "يتعين على المزود إعلام المستهلك بواسطة نشريات تتعلق بالخاصيات والتركيبة وطرق الاستعمال والمخاطر المحتملة ومدة الاستعلام المتوقعة أو عند الاقتضاء التاريخ الأقصى لاستعمال المنتوج" .
فإذا كان في مجال السلع والخدمات عموما يجب أن تكون مواصفات السلعة معلومة ليكون الاختيار سليما نابعا من اقتناع المستهلك بمزاياها وليس ناتجا عن تأثير معين[62]، فإن الإعلام في القرض يجب فيه تحديد شخصية المقترض و طبيعة ومحل القرض والمدة والمبلغ والقيمة والمعدل وكذا التكاليف الإجمالية للقروض، ليعلق على هاته الضمانات الحمائية جانب من الفقه[63] بقوله " ُطعم اصطياد الزبون المقترض قد نظم ".
لقد أصبح من بين شروط الإعلام والملقى على عاتق المهنيين إعلام المستهلك بالشروط التي تحد من المسؤولية العقدية [64] ، لرفع الجهالة وملء الفراغ الذي يعتري القانون المدني بمقتضياته العامة [65]، كما أكد الاجتهاد القضائي المقارن على أن الغش لوحده غير كافي[66].
لنعود ومن جديد إلى مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك المغربي في مادته 71 الفقرة الثانية وما يليها والتي تنص على وجوبية بيان بعض المعلومات الأساسية تهم هوية المقترض والسعر ومبلغ التسديدات وعدد الأقساط وتكلفة التأمين وتكلفة عملية التحصيل والسعر الفعلي الإجمالي والطابع الثابت أو القابل للمراجعة ومدة السعر التشجيعي .
وما أثار انتباهنا في المقتضيات المتعلقة بالإشهار المكتوب هو انتباه المشروع أخيرا إلى الأساليب الاحتيالية المتعلقة بحجم الكتابة حين نص في معرض حديثه عن طريقة كتابتها أن تكون "مكتوبة بحروف لا يقل حجمها عن الحجم المستعمل للإشارة إلى كل معلومات أخرى تتعلق بمميزات التمويل والمدرجة في صلب النص الإشهاري".
و نرى خلافا لبعض الفقه[67]، الذي قرر شرطين لقيام الإعلام أولهما جهل المستهلك والثاني علم المهني، وقد حددنا في معرض حديثنا عن المفهوم أن الواجب في إعلام المستهلك قائم حتى مع إمكانية الاستعلام، أما و أن الأمر يتعلق بشرط علم المهني فالعلم مفترض فيه نظرا لتجارية العمل وأخذا بمعيار الممارسة والتخصص.
ونتبنى توجه جانب آخر من الفقه [68] الذي يدعوا لقيام حياة قانونية خاصة مستقلة للإعلام، في إطار إيجاد حل لإشكالية الحشو والإكثار من الإعلام إلى درجة يصبح معها المستهلك تائها وسط معطيات تقنية وإخفاء الشروط الأساسية أمام أكبر عدد من الشروط غير ذات الأهمية ، وبحثا عن إيجاد روابط قانونية سنتعرض إلى نقيض الإكثار من الإعلام وهو الكتمان حيث أكد الاجتهاد القضائي الفرنسي على أن الصمت يرتب مسؤولية المهني المقرض بل يتعداه إلى وجوب الإعلام الدقيق[69].
وذهب جانب من الفقه [70] إلى إبراز قوة الالتزام بالإعلام حتى في القواعد العامة بالاستناد على الفصل 52[71] ككذب سلبي، يقابله الفصل 125 مدني مصري والفصل 1116 مدني فرنسي، كما قرر القضاء الفرنسي على أن " التدليس يمكن أن ينشأ عن طريق السكوت إذا تضمن السكوت إخفاء لواقعة لو علمها المتعاقد الآخر لامتنع عن إبرام العقد" [72]، بل امتد الربط أكثر من ذلك إلى مبدأ حسن النية كأساس وشرط ضمن الالتزام العام بالإعلام يرتقي إلى علاقة بين الأخلاق والقانون[73].
المطلب الثاني: الالتزامات المتعلقة بالإشهار
بفعل تطور التقنيات التعاقدية وضرورة استعمال بعض الأشكال التي تساعد المهني عامة والمقرض خاصة على الوصول إلى أكبر شريحة مستهدفة معنية بل وحتى غير معنية، أصبح استعمال الوسائل الإشهارية كصيغة وامتداد لمؤسسة الإعلام أمرا حتميا[74] ، لذلك سنحلل الإشهار الكاذب والمضلل في الفقرة الأولى والإشهار المقارن في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: الإشهار الكاذب والمضلل
تظل الحقائق العلمية واحدة لا تختلف حسب المذاهب، ولأجله يعتبر الإشهار وسيلة من وسائل الإعلام حسب جانب من الفقه [75]، فالإشهار يجب أن يكون صادقا وموضوعيا من حيث الأصل وغيابه يؤدي إلى عدم اتخاذ المستهلك لاختيار موضوعي، لكن تحول وظيفته الأصلية أدى إلى نتائج سلبية على المستهلك حتى أصبح فن إغراء يدفع الأفراد إلى اتخاذ سلوك معين وذهبت منظمة SSOCEE في 10 شتنبر 1984 إلى أن "الإشهار عملية اتصال تستهدف حدوث تأثير من البائع على المشتري ورفع وثيرة بيع السلع والخدمات" [76].
لذلك نتساءل لماذا وكيف يقوم المهني بالإعلام؟ لأن المهمة الأساسية للإشهار أصبحت جذب المستهلكين وليس الإعلام [77].
فالإشهار الكاذب اعتبر من جانب بعض الفقه[78] على أنه إدعاء مخالف للحقيقة يتمثل إما في حجب المعلومات أو في الإدعاء بالإنفراد والفرادة المتمثل في بعض الاستخدامات اللفظية للأسعار (مجاني- تخفيضات…. )، وهو بذلك يختلف عن كل من المشروع المغربي 08-31 والقانون الفرنسي للاستهلاك الذي عرف الإشهار في المادة 1/ 121L بأنه " كل وسيلة تمكن المستهلكين من تكوين رأي حول صفات وخصائص السلع والخدمات المعروضة عليهم"، ليأتي المشروع المغربي 08-31 في المادة 21 ببعض معايير التمييز التي تساعدنا على تحديد مميزات الإشهار المضلل بنصه "يمنع كل إشهار يتضمن بأي شكل من الأشكال إدعاءاً أو بيانا أو عرضا كاذبا أو من شأنه أن يوقع في الغلط بأي وجه من الوجوه إذا كان ذلك يتعلق بواحد أو أكثر من العناصر التالية: حقيقة وجود السلع أو المنتوجات أو الخدمات محل الإشهار وطبيعتها وتركيبتها ومميزاتها الأساسية ومحتواها من العناصر المفيدة ونوعها ومنشأها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وسعرها أو تعريفتها وشروط بيعها وكذا شروط أو نتائج استخدامها وأسباب أو أساليب البيع أو تقديم الخدمات ونطاق التزامات المعلن أو هوية الصناع أو الباعة أو المنعشين أو مقدمي الخدمات أو صفتهم أو مؤهلاتهم".
أما القوانين العربية فقد عملت بدورها على تنظيم الموضوع، حيث ذهب قانون حماية المستهلك المصري رقم 67 لسنة 2006 في مادته السادسة إلى أنه " على كل مورد ومعلن إمداد المستهلك بالمعلومات الصحيحة عن طبيعة المنتج وخصائصه وتجنب ما قد يؤدي إلى خلق انطباع غير حقيقي أو مضلل لدى المستهلك أو وقوعه في خلط أو غلط" ، بينما ذهب القانون الجزائري 09-03 لـ 25 فبراير 2009 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش في المادة 68 بنصه " يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 429 من قانون العقوبات ، كل من يخدع أو يحاول أن يخدع المستهلك بأي وسيلة أو طريقة كانت حول …….." إضافة إلى قانون حماية المستهلك التونسي رقم 117 لسنة 1992 في الفصل 13 الذي نص على أنه: " تمنع كل عملية إشهار لمنتوج تتضمن بأي شكل من الأشكال إدعاءات أو إشارات غير صحيحة أو من شأنها أن توقع في الخطأ وخاصة عندما تتعلق بأحد العناصر التالية :
– ……….
– صفات وسعر وشروط بيع المنتوجات موضوع الإشهار.
– ………"
وقد ذهب القانون القطري بشأن حماية المستهلك 08/2008 في مادته السابعة إلى أنه: " …….. ويحظر على المزود وصف السلعة أو الإعلان عنها أو عرضها بأسلوب يحتوي على بيانات كاذبة أو خادعة".
انطلاقا من المواد أعلاه يمكننا وضع معايير للتمييز بين الإشهار الكاذب والإشهار المظلل[79]، فالإشهار الكاذب يكون بتغيير المعطيات والوقائع والشروط وسنبين فيما بعد درجاته، أما الإشهار المضلل فيكون بتمويه المعطيات وليس بتغييرها نهائيا ويشترك كل منهما في إيقاع المستهلك في غلط يدفعه إلى التعاقد[80].
وقد عرفت محكمة ليون في 26 أبريل 1994 الإشهار المضلل بكونه "يعتبر إشهارا تضليليا قيام المعلن بالنص على أنه يقدم قروضا مجانية شاملة لكنه يقيد هذا العرض بواسطة شرط كتب بحروف صغيرة غير بارزة بحد أدنى من المشتريات يمثل 150 فرنك فرنسي" [81].
بينما ذهبت الأستاذة نيكول شردان[82] إلى الإشارة بوجود نوعين من الإعلان ذلك الذي ننتظره والمتمثل في الإخبار الدقيق والصحيح أما الثاني هو الذي نتوصل به مموه أو كاذب أو خادع أو مضلل فيستغل المهني المقرض المؤشرات الداخلية الدافعة للاستهلاك .
فبالإضافة إلى تنظيم الإعلان الكاذب في المادة العاشرة من قانون زجر الغش، بمنعه كل إعلان مهما كان شكله يشتمل على إدعاء أو بيان أو عرض كاذب[83]، لاحظنا ميل الفقه[84] إلى إسقاط قواعد التدليس على هذا النوع من الإعلام، حيث ربط الإعلام بالفصل 52 من ق.ل.ع وذلك بعمل المهني على أن يظهر للمستهلك أن الشروط في مصلحته وكلها مفيدة له وأن الإخلال بالإلتزام بالإعلام يعتبر كتمانا، وهو إخلال سلبي و نشير إلى أن المشرع المصري نظمه في المادة 125 من القانون المدني على خلاف المشرع الفرنسي الذي أكد في المادة 1116 على وجوب الفعل التدليسي، لكن القضاء الفرنسي ذهب في قرار صادر عن محكمة النقض يهم مجال القرض إلى أن التدليس ينشأ بالكتمان أيضا.
كما انتبهت الأستاذة نزهة الخلدي[85] إلى نوع التدليس المنصوص عليه في المادة 47 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي 06.99 والذي يعتبر دافعا ومكرسا للإعلام كالتزام لم يرق إلى ما ذهب إليه المشرع الفرنسي من اعتبار التدليس الثانوي غير الدافع مقيما للمسؤولية وهو توجه محمود تشريعيا خاصة في ظل الفعل الإيجابي.
و يسير الأستاذ أحمد أبران[86] إلى الربط بين الفصل 52 من ق.ل.ع. والفصل 540 من القانون الجنائي بإشارته إلى أن الفعل المتمثل في الإشهار الكاذب يتضمن عناصر المسؤولية الجنائية، أي الركن المادي الذي يتمثل في الإشهار الكاذب كوسيلة للاستيلاء على مال الغير عن طريق الاحتيال والتأكيدات الخادعة وإخفاء وقائع صحيحة وهو بذلك استغلال ماكر لخطأ وقع فيه الغير إضافة إلى الركن المعنوي المتمثل في العمد، وقد ذهب المشرع الفرنسي إلى تنظيم نفس المسؤولية وآثارها في المواد من 2-121L إلى 7-121L والمتمثلة في وقف الإشهار والأمر بنشر الحكم القاضي الإدانة [87].
يتضح لنا مع جانب من الفقه [88]، أن حماية المستهلك من المشاهد والصور له تأثير إيجابي أو سلبي على النشاط الاقتصادي وعلى النشاط الذي يتوجه نحو الإسراف والتبذير في الجانب السلبي في ظل احتياج الإعلان لجمهور مموه، بل يشكك ونحن معه حتى في عنصر المصادفة فعندما يكون الإعلان موجها للمجموعة المستهدفة تكون المصادفة مضبوطة بكيفية احتمالية[89]، فأصبحنا نتساءل حول ما إذا كان يلزمنا علم اجتماع آخر من أجل التحليل؟
الفقرة الثانية: الإشهار المقارن
أمام الرغبة في الكشف عن الوسائل الإعلامية في شقها الإشهاري والتقنيات التي يستعملها المهني من أجل التملص من التزامه بإعلام المستهلك ومبادرته في إبداع وسائل مدروسة تطورت بشكل كبير، أصبح المستهلك في خضمها غير قادر على التمييز بين العروض الجدية التي تحترم الالتزامات القانونية من عدمها[90] ، آثرنا التعرض للإشهار المقارن حيث أن الفكر الاقتصادي جعل المستهلك وسائط إعلانية يقدم دعاية مجانية للمنتج[91].
فالإشهار عن طريق المقارنة أو الإشهار المقارن، هو إقناع المستهلكين بالفائدة التي تعود عليهم بحصولهم على المنتوج أو الخدمة مقارنة مع منتجات وخدمات منافسة، وهو ما أكده المشرع الفرنسي في المادة L121-8 من قانون الاستهلاك[92].
وفي إطار حرص المشرع الفرنسي على حث المهنيين خاصة المقرضين منهم لتكون المقارنة بين الخدمات صادقة وحقيقية بل تتصف بالموضوعية اشترط فيها أن تهم صفات أساسية وملائمة تماثل الخدمة أو المنتوج وعمل على تنظيم شروط الإشهار المقارن من المادة 8-121L إلى 15-121L، كل ذلك يصب في إطار الارتقاء بالإشهار ليقوم بوظيفته الأساسية المتمثلة في كونه الوسيلة التي يستخدمها المهني بقصد تكوين العملاء[93] والابتعاد عن الممارسات التي تحاول إقامة مسافة سحرية بين السلعة والمستهلك فأصبح للأسف مسارا تثقيفيا استهلاكيا يسير عقليات الناس.
وذهب الاجتهاد القضائي الفرنسي ممثل في محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 16 أكتوبر1996 إلى أن "اختلاط الأمر على المستهلك كان نتيجة حتمية لسوء نية المتجر المعلن"[94]، لكن الأمر لا يخلو من صعوبة ونحن نبحث عن إيجاد حلول قانونية في إطار القواعد العامة التي لا تسعف في إيجاد حماية حقيقية وفعالة، فبإعمال قواعد التدليس يشترط المشرع كون الوسائل المستعملة من خلال الإشهار المقارن غير مشروعة وبالتالي تعتبر عقبة أمام المستهلك خاصة غير المتبصر منه والذي لا يتوفر على مؤهلات تمكنه من كشف الوسائل الاحتيالية المستعملة، ونستنتج من خلال ما سبق أن الأمر يتعلق بتدليس ممنوع كلما تعلق الأمر باستعمال وسائل غير مشروعة بينما نحن أمام تدليس مباح كلما انتفى هذا الشرط.
ونعود من جديد إلى القضاء الفرنسي لمعرفة كيفية تطبيقه للقواعد العامة في ظل تدرج الكتمان لمحاولة إيجاد الحماية، حيث أكد على أن "عنصر المسؤولية يقوم بالكذب والكتمان بل إن الكذب البسيط في حد ذاته عنصر مكون للتدليس ولو لم يرق إلى وسائل احتيالية "[95].
أما المغرب فأصبح مجبرا على محاولة تنظيم الإشهار المقارن خاصة أن جانبا من الفقه[96] يذهب إلى توضيح خطورة هاته الممارسات التجارية، فحسبه الإعلان التنازعي أو التنافسي أدى إلى خلق صورة لدى المستهلك بموجبها تظهر القروض مثل الوهب.
وقد جاءت المادة 22 من مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين لتنص على أنه "يعتبر إشهارا مقارنا، كل إشهار يقارن بين خصائص أو أسعار أو تعريفات السلع أو المنتوجات أو الخدمات إما بالإشارة إلى علامة الصنع أو التجارة أو الخدمة الخاصة بالغير أو تجسيدها وإما بالإشارة إلى العنوان التجاري أو تسمية الشركة أو الاسم التجاري أو الشعار الخاص بالغير أو تجسيد ذلك"، هذه قواعد إطارية أتى بها المشروع في الفقرة الأولى من المادة أعلاه لكن التطور يتضح أكثر في الفقرات الموالية حيث نصت أنه "لا يرخص به إلا إذا كان نزيها وصادقا وألا يكون من شأنه إيقاع المستهلك في غلط"، وهنا قام المشروع بتجاوز قصور القواعد العامة خاصة أمام تشككنا حول مدى الحماية التي يمكن أن توفرها نظرية الغلط في ظل شروطها الصارمة.
ودائما وفي ظل خلقنة القواعد القانونية ومحاولة إيجاد توازن في العلاقة التعاقدية ومساعدة المستهلك على الدخول في التزامات يعلم بوضوح مدى آثارها المستقبلية على ذمته المالية وجدوى الخدمة المقدمة، فنص المشروع المغربي بالمادة 22 في الفقرتين الثالثة والرابعة على أنه "يجب أن يكون الإشهار المقارن حول الخصائص الأساسية والهامة والمفيدة والتي يمكن التحقق منها للسلع والخدمات من نفس الطبيعة والمتوفرة في السوق.
يجب أن يكون كل إشهار مقارن حول الأسعار أو التعريفات متعلقا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات المماثلة والمبيعة وفق نفس الشروط وأن يشير إلى المدة التي يحتفظ خلالها بالأسعار أو التعريفات المحددة من لدن المعلن باعتبارها خاصة به".
وقد ذهب الاجتهاد القضائي المقارن[97] من خلال المحكمة التجارية لـمالينز بتاريخ 29 دجنبر 1978 إلى وضع حد لمحاولة تملص المهني من إلتزاماته التجارية عن طريق دفع المسؤولية بعدم علمه بمضمون المادة الإشهارية.
هذا الحكم ينقلنا إلى الإعلام ومدى إمكانية ارتقاءه إلى صيغ للإيجاب وهو ما سوف نعمل على تحليله في المبحث الموالي.
المبحث الثاني: الإعلام كصيغة للإيجاب في بعض الممارسات التجارية
لقد عرفت الأشكال التعاقدية التي نظمها القانون المدني ومن بعده القانون التجاري تطورا ملحوظا، بل إن التقدم التكنولوجي ابتدع أشكالا أخرى فأصبح الشك يحوم حول مدى قدرة هاته القوانين على التنظيم ومدى سلامة الإرادة التعاقدية الصادرة بمقتضاها والتي ظهر الإعلام في ظلها أساسيا وجوهريا يحاكي الإيجاب إن لم نقل يرتقي إلى مصافه، وسنحلل السعي لإبرام العقود في المطلب الثاني والاستدراج للتعاقد في المطلب الأول.
المطلب الأول: الاستدراج للتعاقد
يقوم المهني خاصة المقرض باستعمال جميع الوسائل الممكنة لاستدراج المستهلك ودفعه للتعاقد، ليصبح الزبون المقترض محاطا بل محاصرا بممارسات تجارية تجاوزت وظيفة الإعلام إلى وظيفة المس بإرادته، وعليه سنتعرض للتعاقد في المساحات الكبرى في الفقرة الثانية و صور الاستدراج في التعاقد عن بعد في الفقرة الأولى.
الفقرة الأولى: صور الاستدراج في التعاقد عن بعد
ليس هناك أخطر من التعاقد عن بعد على المستهلك ، و من بينها الأشكال التعاقدية الجديدة القائمة أساسا على الوجود الافتراضي غير المحسوس سواء لأطراف العلاقة العقدية أو لمحل هذه العلاقة أو حتى للمجال الذي تلتقي فيه هذه المكونات (العارض- الزبون- السلعة)، أي تلك السوق التي سماها البعض بالاعتبارية[98] حيث سيصبح مباحا للمهني وضع صورة للخدمة وفق شروطه ومقاييسه بمعلومات قبلية تستهدف دفع المستهلك إلى التعاقد النهائي دون تفكير ولا تروي، خلافا لجانب من الفقه [99] والذي يرى من وجهة نظره بأن التعامل عند استعمال المعلوميات والبرامج الحاسوبية يجعل إدخال شروط معينة جد مستبعد.
إن هذا الرأي ومن يسانده يبقى محل نظر، لأن إضافة الشروط مرتبط بالصيغة التي أتى بها الإعلام والذي جاء مموها لإبعاد أي فرصة للمناقشة والملاحظة وتلاوة الشروط العقدية، فحسب جانب من الفقه[100] فموقع فهم اللغة القانونية المتجسد في شكل شروط يجب في ظله استعمال معيار الشارع ،فصور التعاقد عديدة من أحدثها الهاتف والفاكس وأقدمها التعاقد عن طريق رسول، فمهما خلقت هاته الوسائل من جدل في ظل القواعد المدنية حول الإعلام الصادر بهاته الآليات والمكونات التي يستجمعها ويشترط قانونيا توافرها، تبقى القواعد العامة مركزة على العناصر الأساسية وواجب إعطاء المعلومات بحسن نية دون غش أو تدليس، وهي معايير فضفاضة لفظيا مرهقة ومجحفة للمستهلك حمائيا خصوصا عند محاولة إثبات التقاعس عن القيام بها[101] . وتأتي المادة الأولى من مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، لتنص في الأهداف التي يرمي القانون إلى تحقيقها "ضمان حماية المستهلك فيما يخص الشروط الواردة في عقود الاستهلاك ولاسيما … الشروط المتعلقة بالبيع عن بعد".
أما المادة 24 فعرفت البيع عن بعد للمنتوجات والسلع وتقديم الخدمات، وما يهمنا الشق المتعلق بالخدمة أكثر من غيره، حيث نصت المادة المذكورة على أنه "تطبق أحكام هذا الباب على كل عقد بيع لمنتوج أو سلعة أو تقديم خدمة يبرم دون حضور الأطراف شخصيا وفي آن واحد بين المستهلك ومورد يستعمل بوجه خاص واحدة أو أكثر من تقنيات الاتصال عن بعد ولاسيما التقنيات الإلكترونية"، ورتبت المادة ذاتها المسؤولية على مقدم الخدمة غير المورد وحق المستهلك في الرجوع عليهما معا.
ويصبح الالتزام بالإعلام في ظل التعاقد عن بعد واجبا قانونيا بمقتضى المادة الثالثة من المشروع المغربي إضافة إلى المادة 26 التي نصت على مجموعة من المعلومات الإجبارية: " تبلغ المعلومات المذكورة التي يجب أن يتجلى طابعها التجاري دون التباس، إلى المستهلك بصورة واضحة ومفهومة عن طريق استعمال أي وسيلة ملائمة لتقنية الاتصال عن بعد المستخدمة" مع التزام المهني بالتعريف بهويته والغرض التجاري من المكالمة .
لقد حاول المشروع المغربي تدارك القصور الذي كان مرده الإرادة الآنية المفاجئة غير المتروية والغير كافية لإبرام عقد نهائي، فحسب جانب من الفقه [102] عدم التكافؤ نابع من صفة الأطراف وطريقة إبرام العقد حيث أصبحنا أمام عقود جاهزة، وتبرز أهمية ذلك في كون بعض المؤسسات البنكية تقوم في مناسبات معينة بوضع عروض بمواقعها المعلوماتية تشير إلى وجود خدمة قرض ولكن هذا القرض يصبح قائما بمجرد تهور المستهلك وإدخال بياناته الشخصية دون تروي وبالتالي تصبح المعطيات الموضوعة لإعلام المستهلكين الراغبين في الاقتراض وسيلة لإبرام العقد ويصبح الإعلام إيجابا اقترن بقبول ويبقى القانون المدني في ظل هاته التقنيات و عدم ملائمة العملية التعاقدية عاجزا[103]، و نتبنى ما ذهب إليه الأستاذ كاربونييه بلفته الانتباه إلى القيمة التي يحتلها القرار الذي لازال لحد الآن مناط دراسات اقتصادية وسياسية مع إظهار قيمته الكمية في الإرادة التعاقدية[104].
وفي إطار تشديد الحماية نصت المادة 27 من المشروع المغربي على بيانات ومعلومات يجب أن يتلقاها المستهلك كتابة وبأي وسيلة دائمة أخرى موضوع تصرفه في الوقت المناسب وعلى أبعد تقدير عند التسليم، إضافة إلى إحالة المادة 28 على القانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني_05 53ووجوب احترام شروطه، فحسب جانب من الفقه [105] يجب أن يكون العرض الإلكتروني جازما باتا يتضمن كل العناصر الأساسية لإبرام العقد والشروط التعاقدية في مختلف المراحل الواجب اتباعها، واللغات المقترحة ووسائل الإطلاع على القواعد التي سيخضع لها الموجب وهوية العارض.
لكن ملاحظتنا تنصب حول كون هاته المعلومات تتعلق فقط بعقد البيع دون عقد تقديم خدمة.
وقد قام جانب من الفقه[106] بتقسيم المجتمع إلى استهلاكي ومسرحي، وندعو إلى الخروج من الحالة الأخيرة إلى الحالة الاستهلاكية المقننة المحترمة لروح القانون، فالعمل التجاري أخلاقي تنافسي قبل أن يكون ربحيا يعطي الحق للمستهلك في وضع الفرضيات المحتملة والإعلان بطريقة ظاهرة وزجر الإعلان المنسجم الذي يمس حتى المستهلكين المدركين في اختياراتهم ويحفز على التعاقد بإعلام فضفاض غير جدي يستدرج بشكل غير مشروع المستهلك للتعاقد بإظهار فرصة الربح رغم أن الهدية في القانون الفرنسي غير مشروعة، ولا أجد أحسن من موقف الأستاذ السيد محمد السيد عمران[107] الذي قال "الأصل أن مخالفة القواعد القانونية تعرض فاعلها للجزاء المنصوص عليه، لكن من القاضي الذي يجرؤ على النطق بالسجن ضد تاجر أعطى هدايا غير مشروعة لزبونه؟
الفقرة الثانية: الإيجاب في المساحات الكبرى
تظل إشكالية التعاقد في المساحات الكبرى مستعصية على التحليل القانوني، لكنها ترضي الاقتصاديين الذين ينتظرون دائما المزيد من الإغراء والجديد من الوسائل والتقنيات الفعالة التي يختلط فيها الجانب الاقتصادي بالنفسي، ويُستغل فيه ضعف وقصور الجانب القانوني وذهب الأستاذ عبد الله بوظهرين إلى أن المساحات الكبرى تعطي للمستهلك في نفس المكان كل شيء في دفعة واحدة[108] .
ويتبين أن بعض المؤسسات كالحسبة التي كان لها دور مرتبط بمراقبة الأثمان و الجودة و ومراقبة مشروعية المعاملات التجارية،والتي تعتبر حسب جانب من الفقه[109] آلية للدفاع عن مصالح المستهلكين لدورها التاريخي في حماية المستهلك من خلال المحتسب وهو ما كرسه قانون زجر الغش،[110]لكنها أضحت غير قادرة حتى على الحفاظ على شرعيتها فما بالكم بحماية المستهلك خاصة ونحن أمام غياب القوة التفاوضية[111].
ذهب الأستاذ البوكناني[112] إلى أن العرض تعبير عن إرادة منفردة تتصف بعدم القابلية للمناقشة من طرف المستهلك وتكشف إذعانية العقد وتبرز عدم التكافؤ بين الإيجاب والقبول، فاسُتغلت المساحات الكبرى في التحريض على الاستهلاك.
ونختلف مع الأستاذة أمينة ناعمي[113] التي استندت على رأي الأستاذ أحمد محمد محمد الرفاعي عندما ذهبت إلى أن الشروط المقبولة لا يمكن أن تكون تعسفية وهو ما سيكون موضع تحليلنا في الفصل الثاني، لكن الشق المتعلق بهذا التوجه نحصره في الممارسات التجارية المقبولة وإن صح التعبير التي ستصير موضوع قبول مفاجئ في ظل اعتقاد المستهلك بجدية الإعلام المقدم، مستغلا التاجر في المساحات الكبرى على الخصوص عنصر الثقة حيث يقوم بوعد المقرض بمنح أو تغطية المصاريف أو المنتوج في الأجل المحدد مستفيدا حسب جانب من الفقه [114] من العامل النفسي، ويصور المهني للمستهلك أثناء قيامه بالإعلام أنه موجود فقط من أجل إشباع رغبات الأسر، وهو متأكد أن رفع حجم الاستهلاك مرتبط بالقروض[115]، مخلا بالالتزام بالنصيحة الذي يظل واجبا حتى في إطار القواعد العامة فيتبين انه ليس كل شرط مقبول من طرف المستهلك يعتبر غير تعسفي .
و ذهب الأستاذ حسن عبد الباسط الجميعي[116] إلى أن كتمان المعلومات يعد تدليسا بالكتمان صورته ترشيح البائع سلعة معينة أو صنفا معين غير ملائم لاحتياجات المشتري أو بالاستناد على مبدأ تنفيذ العقود بحسن نية وقد أوضحنا أن حسن النية يمتد إلى مرحلة التكوين، لكن هاته القواعد رغم عموميتها تصبح قاصرة حين الرغبة في التعاقد خاصة إذا كان المحل معدات إلكترونية حيث يصبح عدم إمكانية معرفة السلعة المناسبة بدقة أمرا حتميا مهما بلغ مجال احتراف المشتري المستهلك.
وقد حاول الأستاذ الجميعي[117] إيجاد حل قانوني هو توجيه المشتري لأحسن اختيار كالتزام يقع على عاتق المهني، ويبقى توجها محل نظر ولا يجب خلطه مع الالتزام بالإعلام حول المنتوج أو الخدمة المحددة والتي استقر اختيار المستهلك عليها، ويبقى على المهني إعلامه إعلاما صحيحا وواضحا حول كل الظروف المحيطة بالعقد والكف عن الممارسات التجارية التي يهيئ بها قرار المشتري خصوصا وأننا انتقلنا من مرحلة العقد -إرادة إلى مرحلة العقد- قرار[118]،وتبقى القواعد العامة للالتزام بالإعلام، -التي سبق لنا الإشارة إليها- هي المناط الوحيد للحماية في ظل عدم انتباه واضعي مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، إلى هذا النوع من التعاقد وضرورة وضع نصوص قانونية تنظم واجب الإعلام بدقة داخل هاته المساحات التي تكثر بها السلع والخدمات، بل إن مظاهر استدراج المتعاقد تصير أقوى أمام إعلامه بالثمن النهائي والذي لا يناقش ولا يمكن التفاوض بشأنه ليرتقي بمقتضى القانون كلما التقى بقبول من مستهلك متهور استفادت التقنيات الاقتصادية من اندفاعه إلى عقد ، وقد ذهب الأستاذ العربي مياد [119] إلى أن المهني أو المحترف لا يمكنه أن ينتقي من الجمهور البعض ليتعاقد معه حسب هواه ومزاجه الشخصي دون أن يكون لذلك مبرر مقبول في ظل الإيجاب الموجه للعموم.
فنؤكد من خلال ما سبق أن طبيعة الممارسة التجارية داخل هاته المحلات وخصوصياتها الإذعانية ترتقي بالإعلام كصورة من صور الإيجاب.
وقد حاولنا ونحن نناشد التوازن حتى في المرحلة ما قبل العقدية أن نتساءل عن مدى إشكالية تطبيق أحكام البيع خارج المحلات التجارية والمنظمة بالمواد من 38 إلى 47 من مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، فكانت الإجابة في أول مادة حيث نصت "يخضع لأحكام هذا الباب كل من يمارس أو يعمل على ممارسة البيع خارج المحلات التجارية في موطن شخص طبيعي أو في محل إقامته أو في مقر عمله…..أو تقديم خدمات"، أي أن الانتقال بالخدمة أو المنتوج يجب أن يتم من تاجر إلى مقر شخص طبيعي مستهلك.
لكننا نشكك في هذا الاختيار ونعتبر هذا التوجه ليس بريئا نمثله بعدم براءة البنوك ومؤسسات التمويل التي تعمل على الانتقال إلى المساحات الكبرى، وتكون قريبة إلى المنتجات إلى درجة لا تدع أي مجال للمستهلك للإعلام السليم حول المنتوج ولا التفكير حول شروطه وقبول الشروط المضمنة بكل حرية وإرادة، خاصة وأن المنتجين والتجار يربطون المنتوج بمجانية القرض ونشدد كما أكدت منظمة IEC على أن المطابقة أوسع من الضمان خاصة المطابقة الوظيفية مما يحتم التشدد كلما أُهدر الالتزام بالإعلام الجدي والصريح الذي يقيد المهني ويرتقي به إلى درجة اعتباره صورة للإيجاب.
فكما ذهب جانب من الفقه [120]، فالاختلاف في المراكز القانونية نابع من اختلاف أو عدم كفاية القواعد الحمائية في مرحلة التمهيد واتخاذ القرار ، ومطالبة جانب آخر[121] بضرورة التعاقد خارج أي ضغط تجاري، خصوصا أمام تشككنا إلى جانب بعض من الفقه[122] في مجانية القرض وتساؤلنا حول من يتحمل فوائد القرض؟ هل يتعلق الأمر بترويج مخزون بعيوب؟ خاصة وأن المغرب يحتل آخر مرتبة في حماية المستهلك بشمال إفريقيا [123].
المطلب الثاني: السعي لإبرام العقد
الملاحظ أن الاهتمام بتقنية السعي لإبرام العقود لا تقتصر على المنتجات فقط بل الخدمات أيضا وامتدت إلى قطاعات كالبنوك ومؤسسات التمويل التي لم تكن من قبل تقوم بمثل هاته الممارسات التجارية، فأصبحت وضعية المستهلك في ظل هاته التقنيات أكثر هشاشة مما دعانا إلى تحليل الالتزامات الخاصة بالسعي لإبرام العقد في الفقرة الثانية، وقبل ذلك سنتعرض في فقرة أولى إلى شروط صحة السعي لإبرام العقد.
الفقرة الأولى: شروط صحة السعي لإبرام العقد
كونهم من المدعويين لا يعني أنهم ليسوا على لائحة الوجَبات هو أمر ينطبق تماما على المستهلك، حيث يستعمل المهني التاجر المتخصص جميع الوسائل – سواء منها المشروعة أو غير المشروعة- للحصول على أكبر عدد من المستهلكين.
من جهتنا لا نميل إلى طرف دون آخر بقدر ما نناشد عدالة عقدية غائبة لحد الآن خاصة في ظل ما يعرف بالبيع خارج المحلات أو السعي لإبرام العقود [124] ، أو كما ذهب الأستاذ السيد محمد السيد عمران[125] إلى اعتباره البيع بالمنزل أو السعي المصفقي.
وأمام تداول مصطلح البيع بالمراسلة كصورة من صور السعي لإبرام العقود سنعمل على الإحاطة به بشكل مقتضب، فالقانون البلجيكي للاستهلاك في المادة 77 نظم أحكامه، وقد علق عليه جانب من الفقه[126] بأن البيع بالمراسلة يقترب أكثر من الشراء الإجباري" Achat forcé".
بينما ذهب جانب آخر الأستاذ السيد محمد السيد عمران[127] إلى أنه منظم بحكم القانون المدني المصري في البيع بالجبر وأعطى صورة عنه في إرسال رسالة من دور الطباعة والنشر حيث يعتبر عدم التعبير بالرفض داخل مدة معينة يحددها المرسل المهني مبررا لإرسال الطلبية بل الفاتورة، فيصبح بمقتضى هاته التقنية التعبير بالرفض التزاما على المستهلك وهو من وجهة نظرنا أمر مرفوض وغير مقبول أن نقلب الالتزامات ونلقي على كاهل المستهلك أعباء لم يكن يتوقعها ولم تتجه إرادته إلى التعاقد من أجلها سوى أن حظه العاثر أوجد رقم هاتفه أو منزله بيد المهني!!.
مما جعل بعض الفقه [128] يصف السعي لإبرام العقود بكونه خطير يستوجب حماية خاصة دون باقي الأحكام الأخرى المطبقة، إذ نقيم أهمية التعاقد بشكل جيد دون النظر إلى النتائج المستقبلية للعقد.
ولإبراز الخطورة التي تلاحق المستهلك في هذا النوع من التعاقد نشير إلى شرط لم يرد في مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، ونبه إليه الفقه مرارا وهو اختيار أوقات زيارة المنازل حين عدم وجود الأزواج، بل استهداف المهني للنوعية الأكثر ضعفا والميالة إلى التعاقد كالعجزة مثلا [129]، فعدم تحديد موعد الزيارة يُبقي الباب على مصراعيه لهاته الممارسات.
فالحماية المخولة بـ ق.ل.ع خصوصا الفصل 19 تبقى حماية ضعيفة لا توفر الضمانات الكافية لقبول يستجمع شروطه في ظل مفهوم حماية المستهلك، مما أصبح معه توفير حماية قبلية عن التعاقد أمرا ضروريا [130] في ظل تأكيد جانب من الفقه[131] على أن البيع بمحل الإقامة خطير يستهدف إرغام المستهلك بشكل مباشر أو غير مباشر على التعاقد، فأمام هاته الوضعية أصبحت حماية المستهلك تستلزم قانونا خاصا يضع شروطا صارمة وقد علقت الأستاذة نيكول شردان[132] قائلة "إن قواعد العرض أو الدعوة للتعاقد في القواعد المدنية يجب أن تكون أسسها واضحة لكنها ليست كافية شكليا أما القواعد الاستهلاكية فهي إجبارية يكون المهني فيها دائما عارضا".
فالقانون الفرنسي نظم البيع بالمنازل بمقتضى قانون 22/12/1972 المعدل بقانون 23 يونيو 1989 الذي أقحم في بقانون 1993، فكان ضمن القوانين المجمعة بمدونة الاستهلاك والتي حددت شرطين أساسيين لهاته العملية الأول هو كون البيع بالمنزل أو مقر العمل والثاني كون العقد مكتوبا، إضافة إلى باقي الشروط كالاسم والعنوان…..وإلزام المهني بتضمين حق الخيار أو حق العدول[133].
بينما ذهب جانب من الفقه[134] إلى أن البيع خارج المحلات يمكن أن يكون إما بالمنزل أو بالعمل أو بالمعارض شرط أن لا يكون الأداء نقدا وهو ما نص عليه المشرع البلجيكي في حالة تجاوز المبلغ لـ 8.600 فرنك حسب المادة 86 من قانون الاستهلاك.
فالمشتري المستهلك يكون ضحية إلحاح البائع أمام عدم إعطاء المهني للمستهلك أية فرصة للتفكير والتروي وتقدير حجم الالتزامات [135] ، خصوصا أمام إقرار جانب من الفقه [136] بأن الساعي "le Démarcheur" لا يمارس الإكراه، لكن قبولنا بهاته الفكرة جزئي فهي تعبر عن وضعية المستهلك في ظل القواعد العامة لكن في القوانين الاستهلاكية يبقى الرضا في ظلها واحدا لكن الإجراءات أو القواعد الإجرائية تختلف عن ق.ل.ع [137] ، بل أصبحت تقلب القواعد التعاقدية وأهمها الإعداد ما قبل التعاقدي[138]، بإلزام القوانين الاستهلاكية للمورد وضع بيانات وشروط كإعطاء نسخة للزبون وذكر عنوان الساعي Démarcheur أي اسم الطواف وكذا مكان إبرام العقد[139].
أما مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، فقد جاء في المادة 38 وحدد أماكن الممارسة في موطن الشخص الطبيعي أو محل إقامته أو في مقر العمل، ومن بين الممارسات المنصوص عليها إضافة إلى البيع تقديم الخدمات، وأكدت المادة 40 من المشروع على بعض الاستثناءات كالأنشطة المنظمة بنص تشريعي خاص والمنتوجات الحصرية.
و يبقى السؤال مطروحا حول استبعاد "البيع بالمنازل لمنتوجات الاستهلاك العادي"؟ والتي ستخلق وبلا شك نقاشا عند محاولة تحديدها.
أما البيانات الواجب تضمينها بالاستمارة فقد تركها المشروع المغربي حسب المادة 42 إلى حين تحديدها بنص تنظيمي.
الفقرة الثانية: الالتزامات الخاصة بالسعي لإبرام العقد
الأكيد أن توقع وجود حماية دون اقتران الممارسة التجارية بالتزامات يبقى من قبيل الترف اللغوي وهو ما لاحظناه في قانون 06.99 المغربي المتعلق بتنظيم قواعد المنافسة والذي حاول واضعوه الإشارة أن من ضمن الأهداف المسطرة به حماية المستهلك، بنصه في المادة الأولى "…..ورفاهية المستهلكين"؟!! فهو أمر بعيد التحقق في ظل غياب التزامات صريحة وجدية إن لم نستثني بعض النصوص المتناثرة والمحتشمة.
لقد ذهبت الأستاذة نيكول شردان[140] إلى التأكيد على القيمة القانونية للمرحلة التمهيدية بوصفها أنها تشبيه فقط لعنصر الوقت أو المدة وخاصة في المرحلة الإعدادية للعقد والذي يبقى حكرا على الأطراف، فالقانون المدني لا يعرف هاته القواعد التي تدعو في ظل الفلسفة الجديدة لحماية المستهلك إلى احترام مدد معينة .
فملئ الاستمارة شرط إلزامي حسـب المـادة 41 من مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، هدفه تسهيل ممارسة حق التراجع حيث تأخذ الاستمارة شكلا أو وظيفة إعلامية بالنسبة للمستهلك تعطيه تصورا حول المتعاقَد معه والثمن والمدة والسعر وكيفية الأداء….، وغيرها من البيانات التي تمكن المستهلك من أن يعبر عن قبوله بكل روية وتبصر ويصبح المهني بعرضه للاستمارة موجبا ينتظر قبول المستهلك كي ينشأ العقد سليما مستوفيا لأركانه وشروطه خاصة أمام التعقيد الذي أصبحت تتسم به السلع والخدمات[141] .
ويعطي جانب من الفقه [142] تصوره في ظل القواعد العامة باعتباره أن شروط إبرام العقد محددة قانونيا من ثمن وأجر…… ، وأن رخصة التنازل مرتبطة بشرط تعرفه القواعد العامة هو شرط خيار الفسخ مما يعتبر اعتداء على مبدأ سلطان الإرادة، و نختلف معه في إطار تحليله بإعمال المنطق القانوني السليم بتأكيد على أن رخصة التنازل تختلف عن خيار الفسخ رغم أنها تقنية تقترب منها، مادام أن خيار الفسخ يمكن أن يرتب التعويض في حق من استغل بطريقة تعسفية الشرط الممنوح له، بينما تبقى رخصة التنازل في جميع الأحوال مندرجة ضمن مرحلة ما قبل عقدية غير موجبة للتعويض بحكم القانون بل الأكثر من ذلك أن شرط خيار الفسخ شرط عقدي بينما رخصة التنازل التزام قانوني بإعمال معايير القوانين الاستهلاكية.
وقد أحالت المادة 46 من المشروع المغربي على أن عمليات البيع خارج المحلات تستفيد من أحكام المواد 26 و27 و30 و31 و33 إلى غاية المادة 35 وأكدت المادة 26 على أنه " تبلغ المعلومات المذكورة التي يجب أن يتجلى طابعها التجاري دون التباس إلى المستهلك بصورة واضحة ومفهومة عن طريق استعمال أي وسيلة ملائمة لتقنية الاتصال عن بعد المستخدمة.
يجب على المورد، إذا تعلق الأمر ببيع خارج المحلات التجارية بواسطة الهاتف أو أي تقنية أخرى مماثلة، أن يشير صراحة في بداية المحادثة مع المستهلك إلى هويته والغرض التجاري من المكالمة ".
إن المشروع المغربي حاول الانتقال بالمرحلة ما قبل العقدية من النظام غير المهيكل إلى القطاع المنظم وجعل هاته المرحلة تستقيم وفق قواعد القانون بنصه على أن العروض المقدمة للمستهلك يجب أن تتضمن بياناته الأساسية، بل التأكيد على المؤسسة المسؤولة عن العرض حسب الفقرة الثالثة من المادة 26 وجميع البيانات الأساسية للشخص المعنوي إضافة إلى مصاريف التسليم ووجود حق التراجع وكيفيات الأداء أو التسليم أو التنفيذ ومدة صلاحية العرض وسعره أو تعريفته، إضافة إلى بيانات أخرى تأكد وتبرز حرص المشرع على أن يوجه إرادة المستهلك حتى تكون حرة سليمة وذلك بالحرص على البيانات المقدمة له والمعلومات التي يقترحها عليه، والتي ترتقي إلى صورة من صور الإيجاب خصوصا وأنها موجهة إلى الجمهور، بل والحالة هاته المهني هو من لديه الرغبة الواضحة والصريحة بإعمال المعلومات المصرح بها وذلك بتوجهه في ظل تقنية السعي لإبرام العقود لمستهلك لم يُكون حتى فكرة بسيطة للتعاقد فما بالكم إرادة وقرار.
ونشير إلى تأكيد المشروع المغربي في إطار المادة السابقة الذكر على ضرورة كون المعلومات المقدمة للمستهلك ذات طابع تجاري دون التباس، وعرضها بطريقة واضحة ومفهومة لا تستند على تقنيات لغوية مستعصية منها القانونية والاقتصادية والتي تجعل المستهلك أثناء التنفيذ أمام التزامات لم يكن يتصور إرهاق ذمته المالية بها أو كونه أصلا تعاقد من أجلها، فذهب جانب من الفقه [143] إلى القول بأن القواعد التي تهم تكوين العقد تضم قواعد تساهم في سلامة إرادة المستهلك المدين ونحن نسير مع الأستاذة نزهة الخلدي[144] في رأيها القائل بأن المستهلك يثق في التعليمات والشروط دون مراقبة منه لمحتوى العقد.
فمضمون العقد وبلا شك ذو أهمية قصوى لكنه يرتكز في الالتزام به على تهييئ المستهلك في المرحلة ما قبل العقدية، وهو ما حاولنا إبرازه من خلال ما سبق كي لا ُيستغل ضعف وجهل المستهلك في ظل غياب مرحلة تعطيه حق التروي والتفكير بل والتراجع عن العقد وهو ما سنتعرض له في المبحث الموالي.
المبحث الثالث: استغلال ضعف وجهل المستهلك
لقد كان الأجير يعتبر ولزمن طويل أضعف متعاقد يتعرض للاستغلال بمقتضى العلاقات التعاقدية، ولم تلبث أن تغيرت النظرة وحل المستهلك خاصة المقترض محل الأجراء نظرا للممارسات التي يتعرض لها، فكان لزاما على رجال القانون البحث عن آليات الحماية (المطلب الأول)، بل وإيجاد تقنيات للحماية قبل التعاقد النهائي (المطلب الثاني).
المطلب الأول: آليات الحماية
لقد استرعى اهتمامنا الجدل الفقهي ومراقبة التطبيق القضائي للمقتضيات القانونية التي من خلالها يمكن حماية المستهلك من استغلال ضعفه وجهله، وسنحاول تحليل آليات الحماية من خلال القواعد العامة في الفقرة الأولى لننتقل إلى خصوصيات القوانين الاستهلاكية في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: آليات الحماية من خلال القواعد العامة
قبل الخوض في أي نقاش تجدر بنا الإشارة إلى أن الإعلان نمط وحشي يستعمل منطق الإحساس بالاعتماد على الأحلام وإمكانية تحقيقها [145]، وأن القانون المغربي أتى لحماية المهنيين الجيدين من المهنيين المتلاعبين فبتحديده للأثمان فإنه يحمي المستهلكين وإن كانت حماية منتقصة.
فالشريعة الإسلامية قامت بتحريم التغرير والغرر وصورها جهالة المقدار[146]، لكن الأمر أكثر تشعبا في ظل تطور الممارسات التجارية والعمليات البنكية والتنظيمات القانونية فبرز الأميون كطرف يستوجب الحماية وهو ما أكده المجلس الأعلى[147] في قرار له بتاريخ 14/2/ 2002، و كذلك درج القضاء الأمريكي على التصريح ببطلان العقود المبرمة من طرف الأميين[148] . كما ذهب جانب من الفقه [149] إلى أن ولوج عملية تعاقدية بصورة غير سليمة يكون بفعل الاضطرار مؤكدا أن النهي عن بيع المضطر كان منذ زمن، ومعناه أن يكون شخص ما مضطرا إلى سلعة أساسية غير متوفرة في السوق إلا عند عارض واحد ويحس العارض بحالة الضرورة التي يعانيها طالب السلعة فيفرض عليه ثمنا أعلى من السعر المعقول دون وجه حق ودون إحساس بالأخوة الإسلامية.
وقد ذهب القانون المقارن إلى منع بعض الممارسات، فالمشرع الأسترالي يمنع على الشركات التصرفات اللاواعية unconscionable [150].
ولتوضيح درجة الضعف من جانب الأستاذ مارسيل فونتين [151] ذهب إلى أن النظرة إلى الضعف كانت موجودة وبارزة، ونأخذ نموذج عقد الشغل حيث أن بعض الأجراء لهم خصوصيات أكبر تجعلهم مختلفين في درجة ضعفهم عن سواهم من الأجراء العاديين وكمثال على ذلك المرأة الحامل.
وقد وجد القضاء المقارن لكل من فرنسا وبلجيكا وليكسومبورغ وإيطاليا، أن القاعدة الحمائية تتجلى في قواعد حسن النية والتي تنظمها المادة 1134 في فقرتها الثالثة من القانون المدني الفرنسي – يوازيه الفصل 231 من ق.ل.ع. المغربي – بينما ذهب القضاء النمساوي إلى إيجاد الحماية في تطبيقات على العقود النموذجية استنادا على النظام العام والأخلاق المنصوص عليها في المادة 879 من قانونه المدني .
أما المشرع الألماني فنص على نفس القواعد في المادة 138 من قانونه المدني والذي تأثر به القانون اليوناني حيث نص كذلك على وجوب احترام قواعد الأخلاق الحميدة في المواد 178 و179 وعلى قواعد التعسف في استعمال الحق في ظل المادة 281، لتمتد الحماية في ظل القانون المدني الألماني بمقتضى المواد 200 و288 إلى حق تعديل الشروط الممنوح للقضاء لكي تتطابق الإرادة العقدية وحسن النية في الأعمال التجارية.
لكن إعطاء نظرة شاملة لم تكتمل معالمها بعد، لنستكمل النقاش الفقهي مع الأستاذ كليس أولوي[152]، حين أكد على أن المستهلكين في حالة طبيعية من الضعف والجهل اتجاه المهنيين والقانون المدني غير قادر على تحقيق الحماية للمستهلكين، وهو ما يدفعنا إلى الانتقال إلى نظرية الغبن الاستغلالي بحالاته المتجلية في الضعف والطيش البين والهوى الجامح وعدم الخبرة والحاجة، وتقريب هذه النظرية من طرف الأستاذة أمينة ناعمي[153] إلى المادة 54 من ق.ل.ع المغربي، بينما أكدت الأستاذة نزهة الخلدي[154] أن الغبن الاستغلالي لا يؤدي إلى إبطال العقد إلا في حالات الفصل 55 و56 من ق.ل.ع [155] لتدعوا إلى إضافة المستهلكين إلى القاصرين والمدلس عليهم من الراشدين لإعادة التوازن في ظل عدم التعادل المادي للأداءات المتقابلة بين الأطراف، إضافة إلى الأستاذ أحمد أبران[156] الذي اتجه إلى وضع قواعد حمائية تسعف المستهلك استنادا على الفصل 54 من ق.ل.ع الذي يعطي السلطة التقديرية للقضاة لتقرير حالات المرض والحالات المشابهة.
ونرى أن هاته الاتجاهات الفقهية تبقى محل نقاش، فالمستهلك ليس بمريض ولا حالته تشابه حالة المرض بل هو مستهلك سوي قادر على التمييز لكن الأساليب الاحتيالية وانعدام المعرفة والدراية التقنية والاقتصادية جعلت المستهلك يظهر في موقع ضعف أمام استغلال المهني، أما اعتبار المستهلك قاصرا كي يتمتع بالحماية فهو أمر مرفوض وغير مقبول يجعل مجتمعا بأسره قاصرا ليست له كفاءة التعاقد؟!!.
بل الأسلم هو التأكيد كما ذهبت الأستاذة نزهة الخلدي[157] من أن الصعوبة تكمن في إثبات استغلال الضعف، فحسب الأستاذ جرار لانيو[158] فإن التحليل الأنتربولوجي يؤكد في دراساته على أن التأكيد التكراري لبعض الكلمات من شأنه إنتاج الواقع المنشود.
ونختم هاته النقطة باتجاه كل من القضاء الإنجليزي الذي سار على إبطال العقود التي يبرمها الأميون باستغلال جهلهم والقضاء الأمريكي كذلك ذهب في نفس الاتجاه مؤسسا الحماية على الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون التجارة الموحد[159].
في ظل كل هاته القواعد المدنية و التجارية التي تشكل حماية نسبية يستنكر الأستاذ مالكلوهن[160] التلاعب بالعقود والدفع لإستهلاك أغراض رمزية مثل السيارة، وهو ما يدعونا إلى الانتقال إلى القوانين الاستهلاكية للوقوف على الحماية التي توفرها.
الفقرة الثانية: خصوصيات القوانين الاستهلاكية
جاءت القوانين الاستهلاكية بأحكام خاصة تكرس الحماية الموقوفة التنفيذ التي توفرها القواعد العامة فكما ذهب الأستاذ عمرو قريوح [161] إلى أن تطور المعاملات الاقتصادية جعل مفهوم سلطان الإرادة ينكمش ويضمحل في ظل بروز عقود معدة سلفا.
و ننتقل الآن إلى مرحلة جديدة يريد من خلالها المهني ليس فقط قلب القواعد القانونية الوضعية بل حتى الطبيعية منها، حيث أصبح الحديث عن إشباع رغبات المهنيين بدل المستهلكين.
فللمهني أشكال وأنواع مختلفة لتقديم المنتجات والخدمات ووضع المستهلك في حيز تعاقدي ضيق يحرمه من حرية الاختيار، فالمهني يمكنه أن يستغل المستهلك سواء بتفوقه الإقتصادي أو بإستغلال ضعف المستهلك إقتصاديا [162]، فقد أُقرت جريمة استغلال الضعف أو الجهل في المادة السابعة من قانون 22 دجنبر 1962 الفرنسي والتي تعاقب من يستغل الضعف أو الجهل لشخص عن طريق زيارته منزله فيجعله يوقع على ارتباطات فورية أو آجلة تحت أي شكل كان[163]، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد فجاء قانون 1992 الفرنسي ليوسع من حالات استغلال الضعف، وأبرز نموذج هو السعي لإبرام العقود عبر الهاتف أو أثناء نزهة وكيفما كانت وسيلة الأداء من جانب المستهلك فلن تعفي المهني من المسؤولية [164].
وقد ذهب الأستاذ السيد محمد السيد عمران[165] إلى أن الحماية الإضافية تفترض تواجد أشخاص من نوعية خاصة، إذ لا يستثني الأشخاص العاديين باتخاذ معيار الرجل العادي، لكن خصوصية الأشخاص يجب أن توازيها خصوصية القوانين ومن بين الحالات الواردة حسبه:
– شخص لا يستطيع تقدير مضمون ارتباطه.
– شخص لا يملك القدرة على كشف الحيل غير الشريفة لإقناعه.
فاتخاذ القرار هو أصعب مرحلة من مراحل المسار التعاقدي[166]، تستدعي إعلاما جيدا وصادقا ونزيها وواضحا يجعل المستهلك قادرا على تقييم الشروط العقدية والالتزامات المتولدة عنها غير جاهل بالقيود المحتملة للمسؤولية العقدية.
في ظل المخاض القانوني العسير الذي انتظرنا نتائجه، أتى مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، بمادة فريدة [167] معنون بابها باستغلال الضعف، والتي نصت على أنه "يمنع استغلال ضعف مستهلك أو جهله قصد حمله على التقيد بالتزامات توجب الأداء على الفور، أو بقرض بأي شكل من الأشكال، عندما تظهر الظروف أن المستهلك المذكور لم يكن في استطاعته تقدير مدى الالتزامات التي يتحملها أو كشف الخدع أو الحيل المستعملة لإقناعه بالتوقيع على هذا الإلتزام أو عندما يتبين منها أنه كان محل إكراه" .
إن أول ما يسترعي الانتباه هو المصطلحات القانونية المستعملة "استغلال الضعف أو الجهل " وهما في حد ذاتهما غير محددين كي يقوما كمعيارين لترتيب المسؤولية.
والأهم من ذلك أن المادة لم تنص على الحالات المتفق عليها فقهيا والتي يقوم عليها الغبن الاستغلالي من طيش بين وهوى جامح وعدم الخبرة والحاجة [168] وما استتبعه من تضارب قضائي في ظل القانون المدني المصري استنادا على المادة 129، ومن ضمن التطبيقات القضائية على أهميتها [169] سنعرض حكما قضائيا [170] جاء فيه: "الغبن في التعاقد حسب المادة 129 مدني مصري شرطه استغلال حاجة المتعاقد وعدم خبرته، لا يعد غبنا في مفهوم هذه المادة المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يشترط لتطبيق المادة 129 من القانون المدني أن يكون المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامحا بمعنى أن يكون هذا الاستغلال هو الذي دفع المتعاقد المغبون إلى التعاقد، وإذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن المبنية على الغبن على أنه لم يدع أن المطعون ضده قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامح وأن ما ذهب إليه الطاعن من أن الأخير يستغل فيه فقط حاجته وعدم خبرته بفرض صحته، لا يعتبر غبنا في مفهوم المادة 129 من القانون المدني فإنه يكون قد التزم صحيح القانون".
ومن الواضح في واضعي المشروع المغربي التركيز على الجانب النفسي في المادة والانتباه إلى الحيل والخدع بتوسيعها من مجال مسؤولية المهني في حالة لم يكن في استطاعة المستهلك تقدير مدى الالتزامات التي يتحملها،وهنا يصدق القول أن القانون السليم هو الذي يعبر عن الوضع الاجتماعي والواقع، واقع الممارسة التجارية، لكن الأمر لا يخلو من تساؤل، فجميع الشروط الواردة في النص تبقى للسلطة التقديرية للقاضي من أفعال دافعة قام بها المهني دون الأداء الذي يقبل الإثبات بالوسائل القانونية وهي شروط مكملة بعضها البعض، أو كما اصطلح جانب من الفقه [171] على وصفه بالضعف المرتبط أو مدى الدراية بموضوع العقد.
لكننا نثير الانتباه إلى شرط "التقيد بالتزامات توجب الأداء على الفور أو بقرض" وهو ما يقزم الأمل المنتظر من حماية شاملة لجميع الشروط والالتزامات والتصرفات التي يأتيها المهني مستغلا ضعف وجهل المستهلك، فأصبح التساؤل مشروعا حول ما إذا كانت القواعد القانونية لحماية المستهلك ماهي إلا قواعد القانون المدني في شكل أو حجم كبير كما تعبر عنه هاته المادة.
المطلب الثاني: تقنيات الحماية قبل التعاقد النهائي
لم يكتف المشروع المغربي ومعه القوانين الاستهلاكية المقارنة التي سبقته بالمستجدات السابقة بل يؤكد ومن جديد على أن الخطر قائم حتى في حالة الإعلام الواضح، فالإرادة يجب أن تكون أكثر تبصرا، لذلك يجب استحضار آليات أبرزها الحق في التراجع (الفقرة الثانية) لكن قبل ذلك سنعرض لتقنية العرض المسبق في الفقرة الأولى.
الفقرة الأولى: العرض المسبق
لاحظ الفقه أن هناك اختلالا صارخا في توازن القوى بين أطراف العقود [172] بل وأكد بعضهم[173] أن تحقيق العدالة الاجتماعية لن يتم عبر الحرية التعاقدية، فالمتعاقد حسب الأستاذة نيكول شاردان[174] في القانون المدني الفرنسي ليس حرا ولا يمكن تحقيق الحرية المنشودة إلا إذا كانت فترة تمهيدية تعاقدية وهو ما ينطبق على ق.ل.ع المغربي، فالمشرع الفرنسي يستهدف نوعا خاصا من القرار في ظل بعض الممارسات التجارية من امتناع بعض المهنيين الإدلاء بالوثائق قبل إمضاء العقد[175]، في ظل تكريس الشروط بشكل مسبق أمام مستهلك يذعن دون فهم شروط العقد حتى مع وجود الشكلية، وقد انتبه جانب من الفقه[176] إلى أنه حتى مع وجود الشكلية فالمهني يضع شروط غير واضحة أو مكتوبة بشكل مصغر أو بلغة أجنبية أو حتى كتابتها في ظهر الوثيقة إضافة إلى تسليمه للمستهلك ملحقات بعد إمضاءه العقد .
فقد تأكد بشكل لا لبس فيه أن أسلوب المساومة التقليدي قد غاب وهو أساس الحرية التعاقدية[177]، حسب القواعد العامة : الفصل 230 من ق.ل.ع المغربي والمادة 1134 من القانون المدني الفرنسي والمادة 147 من القانون المدني المصري، فأصبحنا نحاول ومن جديد جعل علاقة المستهلك الطرف الضعيف بالمهني مبنية على رضاء حر مبني على التفكير و التروي والاختيار السليم[178]، فالهدف من العقد غالبا ما يكون غير محدد عند التكوين فيجب إعمال التفكير والتروي أثناء التعاقد[179] .
لكننا وقبل بسط الشروط القانونية لابأس أن نشير إلى بعض التقنيات الشائعة للعرض المسبق والمرتبطة في مضمونها العام بنظام الشرط، فمنذ عهد الرومان فالشرط دائما يكون واقفا حتى إذا كان فاسخا فإنه يقع تحت شرط واقف يبيح الشرط الفاسخ.
أما المشرع الفرنسي فقد نظم بعض أوجه الشرط بالمادة 1168 من القانون المدني لكننا نؤكد على أنها شروط عقدية أي تبرز بعد التكوين، بينما العرض المسبق يبقى مرحلة وقائية قبل التكوين النهائي للعقد، أما كونه يشابه الوعد بالتعاقد فنذكر أن الوعد في حد ذاته لا ينشئ التزاما من حيث الأصل بينما العرض المسبق يرتب التزامات يجب احترامها بل هي تقنية لربما أقرب إلى العقد الابتدائي رغم وجود اختلافات بينهما ستظهر من خلال عرضنا لشروط العرض المسبق .
فمهلة التفكير آمرة ومحددة قانونيا[180] في سبعة أيام بالنسبة للتشريع الفرنسي وحتى بالنسبة لمشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، إضافة إلى أن الإعلام حين العرض المسبق يكون أدق من الإعلام الإشهاري فيجب أن يتضمن خصائص أساسية [181] ومعلومات خاصة تتعلق بقيمة العرض وشخص المتعاقد تتميز بالدقة والوضوح، وأن تكون كتابتها بطريقة واضحة ومقروءة تحدد هوية الأطراف حتى الكفلاء منهم ، وتمتد الدقة إلى الجدولة الزمنية للقرض وكذا الإشارة إلى تكلفة التأمين وكل المعلومات المتعلقة به إضافة إلى تحديد كونه أي التأمين اختياريا أو إجباريا وتحديد المخاطر، كل ذلك في مستخرج يجب تسليمه إلى المستهلك المقترض.
و يذهب المشروع المغربي إلى حد منع استغلال المقترض بالإشارة إلى مجموع العروض في حالة تعددها ومنع تجاوزها القيمة المؤذاة بقرض لكل من المنتوج أو السلعة المشتراة أو الخدمة المقدمة، وما يؤكد قيمة هاته المقتضيات عدد المواد المنظمة للعرض المسبق في المشروع وهي المواد 72 و73 و75 و76 و77 و78 كمواد رئيسية إضافة إلى مواد أخرى نظرا لتقاطعها مع نقاط قانونية سنتركها إلى مراحل لاحقة.
واستلزم المشروع كون هاته المقتضيات مقدمة بطريقة معينة تحرر بكيفية تمكن المقترض من تقييم طبيعة ومدى الالتزام المالي الذي يمكن أن يتعهد به وشروط تنفيذ العقد المذكور[182]، وهو ما نادى به جانب من الفقه [183] سابقا بوجوب استعمال عبارات واضحة ومفهومة عوض استعمال مصطلحات قانونية مهجورة، فاستلزام الكتابة مرتبط بتقنيات العرض [184] و بضرورة كون الشروط والالتزامات محررة بحروف بارزة. وهو ما تظهر معالمه بالنسبة للمشرع الفرنسي في المادة 10-311L من قانون الاستهلاك فيما يخص العرض المسبق المتعلق بالقرض الاستهلاكي واتجاهه إلى التأكيد على الكتابة[185].
يظهر أن الحق في التفكير برز بشكل واضح من خلال التنصيص على مدة في العرض المسبق وكذا وجوب إعلام المستهلك بها، فالمهلة حسب جانب فقهي[186] هدفها خلق توازن للمستهلك الذي لا يعلم بشكل جيد حجم الالتزامات التي دخلها بمجرد إمضاءه وأن هذا الإمضاء لا يرتب المسؤولية، مع ضرورة احترام العرض المسبق للنموذج المعد من قبل لجنة التسوية البنكية بعد استشارة المجلس الأعلى للاستهلاك في فرنسا أو حسب النموذج الذي سيحدد بمقتضى نص تنظيمي كما يتوقع المشروع المغربي في المادة 78.
فالعرض المسبق ومنذ قوانين سكرايفنر يبحث ما أمكن على إعطاء الحق في التروي عبر العرض المسبق للتأثير على قرار المستهلك وتأجيله، فالتزام المقرض في القرض الاستهلاكي يكون بعرض مسبق يتضمن شروطا جوهرية مع ضرورة الإبقاء عليه لمدة معينة، فالتنفيذ الفوري ليس إلا تنفيذا للعرض المسبق وليس للعقد الأصلي في ظل الرغبة الفورية للمستهلك في التنفيذ.
الفقرة الثانية: الحق في الرجوع
من المفترض أن تكون الإرادة واضحة وسليمة وصريحة دون عيوب، فالحماية لا تقتصر في ظل المشروع على العيوب بالامتناع عن إعطاء العرض المسبق والمهلة الكافية فيه [187]، لأن حماية إرادة الطرف الضعيف خاصة في القرض لا تتم إلا عبر إعطاءه عرضا مسبقا.
وقد ذهب جانب من الفقه[188] إلى أن الغلط يقوم على العرض الذي سبق القرار، فالمسافة بين العرض المسبق ومهلة التفكير كحق والرجوع عن العقد كحق آخر مستقل، تبقى غير واضحة المعالم لذلك سنحاول توضيحها من خلال تسليط الضوء على مقتضيات المشروع الذي تضمن مقتضيات عامة لحق الرجوع ثم أخرى خاصة بالقرض الاستهلاكي نظرا للخصوصيات التي تميزه، فقد جاءت المادة 32 من مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين في ظل أحكام البيع عن بعد للمنتوجات والسلع وتقديم الخدمات، بتعبير قانوني يستعصي على التحليل حتى على رجال القانون بنصها "لا يمكن أن يمارس حق التراجع إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك" ومؤداه أن التراجع حق مقرر بمقتضى القانون فلا يمكن إسقاطه إلا باتفاق صريح للطرفين.
وأضافت المادة حالات عقدية حصرية تبقى أبرزها الحالتين الأولى والثانية المتعلقتين بكل من التنفيذ بموافقة المستهلك قبل انتهاء أجل سبعة أيام وهو ما سيكون موضع تهرب المهنيين بتضمين شرط موافقة المستهلك، والحالة الثانية المتعلقة بالمنتوجات والسلع والخدمات والتي يكون ثمنها رهينا بتقلبات السوق، وهو مفهوم غير مضبوط مادامت التجارة بمجملها مرتبطة بتقلبات السوق؟!!
إن هاته الفلسفة التشريعية أبعد ما تكون عن القانون البنكي المغربي لسنة 2006 والذي لم يلتفت إلى هاته التقنيات الحمائية العقدية بقدر اتجاهه نحو الآليات المؤسساتية، فمهلة التفكير والتروي ترتكز في نظامها على إعطاء المتعاقد بعد إمضاءه العقد مهلة يمكنه خلالها التراجع عن التزامه وهو أيضا يقوم بوظيفة إعلامية [189].
وقد حاول الأستاذ أحمد أبران[190] وضع معيار للتمييز بين مهلة التفكير المرتبطة بالعرض المسبق والحق في الرجوع تحسبا لإخفاء المهني شروط قاسية، فمهلة التفكير حسبه قبلية على قبول الإيجاب والعدول بعدي على قبول الإيجاب، حيث اعتبر أن رخصة التنازل اعتداء صارخ على الفصل 230 من ق.ل.ع المغربي .
وهو ما يدفعنا إلى ملاحظة أنه ليس هناك اعتداء بقدر ما توجد أحكام معززة للفصل 230 من قبل تقنيات حديثة، فسلطان الإرادة مبدأ يرد على إرادة حرة سليمة غير معيبة وغير مموهة.
ولتعميق النقاش نذهب إلى حالات مشابهة في ظل القواعد العامة وهي خيار الشرط لنؤكد أن الأمر أصبح مع المشروع المغربي مكرسا نصيا، ونعيد التأكيد على أن خيار الشرط عقدي مترتب عن عقد نهائي.
وقد نظم المشرع المغربي بيع الخيار في ق.ل.ع بمقتضى الفصول من 601 إلى 612 التي تستمد مقتضياتها من الفقه الإسلامي، لكنها تختلف عن حق الرجوع في أنه لا يفترض بل يجب التنصيص عليه.
وقد ربطت الأستاذة أمينة ناعمي [191] حق الرجوع بالإذعان والطرف الضعيف في العقد بإعطاء مهلة كافية للتفكير، مع إشارتها إلى اختلاف المدة بين ثلاثة أيام أو مدة معلومة، أما الفقه المالكي فيقدرها بقدر الحاجة.
وما قلناه عن الحالات السابقة ينطبق على بيع الثنيا فهي عقدية وليست مفترضة كحق الرجوع المكرس في التشريع الفرنسي كرخصة قانونية للعدول ولا يصبح العقد تاما إلا بعدم إعمال هاته الرخصة حسب المشروع المغربي في المادة 81 [192]، وقد أكد المشروع المغربي في المادة 80 أن " للمقترض التراجع عن التزامه داخل أجل سبعة أيام ابتداء من تاريخ قبوله للعرض ولممارسة حق التراجع يرفق العرض المسبق باستمارة قابلة للاقتطاع" و تبقى جميع الالتزامات غير صحيحة ما لم يقبل العرض حسب المادة 88 مع عدم إلزامية التسليم إزاء المشتري المستهلك ما لم يمارس هذا الأخير حقه في التراجع إلى حين انتهاء المدة إلا في حالة استثنائية حددتها المادة 90 [193].
وأشارت المادة 93 من المشروع المغربي إلى الفسخ بمقتضى القانون للعقد في حالة ممارسة حق التراجع داخل المدد المحددة قانونا وهو ما يقربنا إلى الشرط الفاسخ والذي يعطي الإمكانية للدائن بمطالبة مدينه بالوفاء وهو أبعد عن حق العدول[194] مادام البائع أو مقدم الخدمة محروما حتى من التعويض بمقتضى صراحة نص المادة 93.
وقد علق جانب من الفقه [195] على حق الرجوع قائلا "حق التراجع جائز بدون جزاء ولا تبرير"، فالمستهلك عندما تراجع فقد قدر على أنه دخل في علاقة لم تكن تتوجه إرادته إليها أو أن الالتزامات التي ستترتب عن العقد لا يمكن أن تتحملها ذمته المالية، وبالتالي فإن العدول يحد من استغلال المهنيين للشروط النموذجية نتيجة انتشار الشروط التعسفية وإعطاء فرصة لمراجعة العقد واختيار الرجوع عنه أو تأكيده بعد دراسته[196] ، فتدخل نصوص المشروع المغربي تهدف حماية المستهلك المقترض خاصة من المهني المقرض ومن نفسه حتى لا يدخل في تعاقدات ثبت عدم اتجاه الإرادة إليها.
هاته المقتضيات الحمائية حاولنا مناقشتها في ظل المشروع ومستجداته لنتعرف على مدى تدخله لحماية المستهلك ومحاولة إحلال التوازن العقدي، لكن ربما يبقى الأمر غير كاف خاصة أثناء مرحلة التكوين التي سوف نضطلع على خصوصياتها كمرحلة نهائية في إبرام العقد.
الفرع الثاني: مرحلة إبرام عقد القرض الاستهلاكي
تظل أهمية مرحلة إبرام العقد حاضرة رغم أهمية المرحلة ما قبل العقدية فيها يستجمع العقد جميع أركانه وتبرز خصوصياته وصوره، فما بالكم إن كان العقد يتعلق بالقرض الاستهلاكي الذي يتفرع حسب تصورنا إلى شقين متميزين، فالأصل هو كون عقد القرض حرا وهو ما سيكون موضع تحليل في المبحث الأول، بل إن نوعا آخر من القرض الاستهلاكي قد انتشر لمميزاته فأصبح يضاهي القرض الحر فسنعرض خصوصيات القرض المخصص في المبحث الثاني ولا يفوتنا التطرق إلى مظاهر الإذعانية أثناء التكوين في المبحث الثالث.
المبحث الأول: القرض الحر
القرض الحر أو القرض غير المخصص إضافة إلى الشروط التي استحدثت بمقتضى مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، فإنه وكسائر العقود يجب أن يتضمن شروطا عامة وهو ما سنتطرق إليه في المطلب الأول، لكن تقدم التقنيات البنكية خاصة وضعنا أمام صور تعاقدية صعبة التموقع لكنها أقرب أن تكون قرضا حرا لذا سنحلل الحالات المشابهة للقرض الاستهلاكي في المطلب الثاني.
المطلب الأول: الشروط العامة
"العقد شريعة المتعاقدين"، هذا المبدأ رغم التطور القانوني مازال صامدا، لكن الأمر ليس بهاته البساطة فالمشرع بدأ يتدخل في المجال العقدي ليس كموجه بل كمساعد لإرادة الأطراف تارة والحديث عن تدخل إرادة المشرع تارة أخرى، ولأجل ذلك سنستعرض الشروط القانونية في الفقرة الأولى والشروط الإتفاقية في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: الشروط القانونية
لقد ذهب بعض الفقه [197] إلى أن نعت بعض العقود بالتجارية يبقى محل نظر بل هناك عقود مسماة يبرمها تجار أي أن صفة مبرم العقد تتحكم في إدخال العقود لهاته الطائفة، وإن كنا نقبل بتوجهه على مضض فالعقد التجاري تبقى له خصوصيات في حد ذاته نظرا للعناصر المميزة للعمل التجاري من سرعة وائتمان[198].
فالقروض الحرة كما عرفها جانب من الفقه [199] "هي القروض الشخصية أو العادية والتي تعطى لشخص معين لمدة معينة وبطريقة مكتوبة، ولا تكون مرتبطة بضمانات عينية وليست مرتبطة بشراء منتوج معين".
لكننا نختلف مع الأستاذ كليس أولوي[200] في تعريفه للقرض الحر، لاستبعاده للضمانات العينية من نطاق العقد الحر فلربما وقع في خلط مع العقد العقاري فنحن لسنا أمام هذا النوع من العقود بقدر ما نحن أمام جشع المهني المقرض الذي يحيط ويخص القرض بضمانات متعددة للأسف يبيحها القانون[201]، ونقصد بالشروط القانونية كلا من الأركان والشروط حسب مفهوم القانون المدني.
فالعقد يجب أن ينتج عن تراض سليم، فحسب الأستاذ معوض عبد التواب[202] فان قاعدة العقد شريعة المتعاقدين مؤداها عدم استقلال أي من طرفي العقد بنقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو بالأسباب التي يقرها القانون أو العيوب التي تمس الإرادة كالغلط والتي تعرف نظريتها أزمة أمام عقود موحدة بل معقدة فنصبح أمام صعوبة فهم وتحديد آثارها على المستهلك[203].
لقد تطرق المشرع في قانون الالتزامات والعقود إلى الغلط [204]، ويبقى في ظل احترافية المقرض الإدعاء بالغلط في شخص المتعاقد أو في القانون أمرا صعب الإثبات ونشير إلى الغلط في ماهية الشيء حيث ذهب جانب من الفقه[205] إلى أنه عادم الإرادة ، ونحن لا نتفق معه ولا يمكن أن نسير إلى هذا الحد من التشدد فلا يجب أن ننسى أنه وهم داخلي وأن استقرار المعاملات يأبى الرضوخ ،وهو ما أكده الفصل 41 من ق.ل.ع على علاته.
وقد ذهب الأستاذ البوكناني[206] إلى أن عقد القرض مادي يتحقق بالتبادل فالإرادة موقع تساؤل بمفهومها التقليدي، لكن ذلك لا يثني على دراسة مجموع الشروط ومن بينها التدليس، حيث منع المشرع استعمال الوسائل الاحتيالية التي تدفع المستهلك إلى التعاقد فيصور له الأمر على غير حقيقته [207]، لكننا نصطدم دائما بصعوبة الإثبات مادام جميع التجار يستعملون وسائل إغراء ترتقي لوسائل احتيالية في معظم الممارسات، وقد دأب القضاء الفرنسي على اعتبار السكوت تدليسا على أساس تكييفه ككذب سلبي جزاؤه القابلية للإبطال وهو ما نص عليه المشرع المغربي صراحة في الفصل 52 من ق.ل.ع [208] في معرض حديثه عن الكتمان، كما نظم المشرع المصري هو الآخر التدليس في المادة 125 ونظمه القانون المدني الفرنسي في الفصل 1116.
فبعد سنة 1958 شهدت محكمة النقض توجها جديدا حيث اعتبرت أن التدليس يمكن أن ينشأ عن طريق السكوت إذا تضمن السكوت إخفاء لواقعة لو علمها المتعاقد الآخر لامتنع عن إبرام العقد[209].
أما عيب الإكراه فهو أصعب العيوب [210] التي يمكن أن يتشبث بها المستهلك كموجب للحماية، فالإكراه الهادئ لا يرتقي إلى خلق الرهبة والخشية في نفسية المتعاقد[211] بل يجب أن يكون دافعا بوسائل أرهبت المتعاقد فجعلت إرادته معيبة، فالإكراه الاقتصادي حسب جانب فقهي[212] إكراه ناتج عن عدم الخبرة لا يعرف قواعده القانون المدني الذي نظم في الفصل 46 من ق.ل.ع الإكراه المادي دون الخفي، وعلقت الأستاذة نزهة الخلدي[213] أن الاضطرار إلى التعاقد تحت تأثير الحاجة الملحة إذا ما أخذنا به كإكراه سيؤدي إلى إبطال العقود وسيغيب استقرار المعاملات.
ونضيف الغبن كعيب لا يقوم إذا كان مجردا ولا يمنح الحق في إبطال العقد فحالاته في ق.ل.ع محدودة وتبقى الحماية خاصة بالنسبة للراشدين موضع تساؤل.
أما عن أركان العقد ومنها السبب المنظم في المادة 1131 مدني فرنسي[214] حيث أن الالتزام الذي لا سبب له لا يرتب أثرا، و المشرع المغربي يتطلب فقط وجود سبب مشروع وهو ما يصعب على المستهلك إثبات عكسه، إضافة إلى كل من المحل و الأهلية: فمحل الاستهلاك هو السلع والخدمات وهي في كنهها متوفرة، أما الأهلية فهي منظمة بمقتضى مدونة الأسرة، وتبقى إشكاليتها في القانون البنكي مرتبطة بفتح الحساب أكثر مما هي عليه في إطار عقد القرض، والذي سنسير إلى وجوب كون المستهلك يتوفر على الأهلية الكاملة، فجزاء العيوب المرتبطة بالإرادة وليس الرضى كما ذهبت الأستاذة نزهة الخلدي[215] – ونحن نختلف معها- هو الإبطال، في حين أن جزاء عيب الرضى هو البطلان وليس الإبطال مادامت كلتا الإرادتين شابهما عيب وهو ما ذهب إليه أستاذنا محمد الشرقاني[216] .أما تخلف الأركان فجزاؤه البطلان وكلا الجزائين لا يوفران الحماية للمستهلك ماداما يهدران العقد ونحن نعلم الحاجة الملحة التي دفعت المستهلك المقترض للتعاقد.
فأمام التطور التاريخي ومنذ عهد الرومان بدأنا نتجه إلى استلزام خضوع العقد لقواعد الشكل والموضوع أمام قصور النظريات التقليدية كالتعسف في استعمال الحق والإثراء بلا سبب وحسن النية فهي ليست فعالة بالشكل الذي يعطي الحماية، وذهب جانب من الفقه [217] إلى عدم نجاعتها، لتظهر الكتابة كحل للأزمة العقدية وكوسيلة وقائية مقترحة [218] فالمشرع البلجيكي ومنذ سنة 1957 استوجب كتابة عقد القرض وربطه بجزاء إنقاص الالتزامات للمستهلك وليس بطلان العقد.
أما خصوصية مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، فهي تظهر في تمام العقد والتي لا تقوم بعد العرض المسبق الذي يجب كتابته إلا أن يكون المقرض قد أبلغ المستهلك بقراره منح القرض إذا احتفظ لنفسه بحق قبول أو رفض القرض، وإلا يقوم العقد بمجرد قبول العرض مع وقف الالتزامات إلى حين انتهاء مهلة التروي والتفكير، مع ضرورة أن لا يكون المقترض قد مارس حقه في التراجع حسب المادة 81 من المشروع المغربي بينما تبقى الإشارة صريحة إلى وجوب كتابة أجل التسليم وتحديده حتى في ظل القانون الفرنسي للاستهلاك [219].
الفقرة الثانية: الشروط الاتفاقية
تبرز إرادة المتعاقدين مع الشروط الاتفاقية مادمنا نعلم مسبقا أن المستهلك المقترض لا يقوم إلا بالانضمام إلى العقد المعد سلفا في قالب نموذجي من قبل المهني الذي لا يدع للمستهلك أي فرصة للمناقشة والمفاوضة، فيستفيد المقرض من طريقة التحرير بعرض مادي أي مكتوب لشروط العقد بطريقة غير واضحة الحجم[220] .
فحسب جانب من الفقه[221] ، فإن الأمر مرتبط بتعليق تكوين العقد على إرادة المهني فيعمل على الانتقاء التحكمي للزبناء ويبقى المعيار شخصية المستهلك فهي محل اعتبار لدى المقرض في قبوله أو رفضه لإعطاء القرض خاصة في القرض الحر الذي تبقى ضماناته أقل من ضمانات القروض الأخرى.
فالنقاش امتد إلى الفقه الفرنسي بل إمتدت الإشكالية حتى طالت القانون الفرنسي في طريقة تنظيم الإذعانية مجاليا في ترك مؤسسة العقد فرض أحد الأفراد إرادته وإعطاء هاته الإرادة الحق في تحرير العقد النموذجي[222] .
ونحن نسير إلى أن القرض الاستهلاكي نسبة مخاطره أعلى وأن القواعد المدنية لا تسعف المستهلك في إيجاد حماية حقيقية فعالة ورادعة، وهو ما سنقف عنده برجوعنا إلى نماذج لعقود القروض الاستهلاكية، ومن بين هاته الشروط المدرجة بنموذج عقد قرض للخواص الصادر عن البنك الشعبي في الفقرة الأخيرة من المادة الثانية ضمن الشروط العامة والتي نصت "إن العمولات المدفوعة عند بداية كل فقرة وكذا مصاريف الملف المأخوذة من طرف البنك تبقى مكتسبا للبنك بصورة تامة ونهائية ولو لم ينجز هذا القرض".
وتضيف المادة السادسة المتعلقة بالالتزامات الدائمة في الفقرة الثامنة "…..تأمين على الوفاة لأي سبب كان عند شركة تأمين مقبولة لدى البنك إذا كانت شروط منح القرض تنص على ذلك، علما بأن عقد التأمين يجب أن يحدد البنك المستفيد".
ليجد المستهلك نفسه أمام التزامات لا نهاية لها تثقل كاهله دون أية التزامات واضحة وصريحة تجاه البنك إلا الحقوق، ومن بينها ما نصت عليه آخر فقرة في المادة السادسة "في حالة فسخ هذا القرض لأي سبب كان، تبقى مبالغ أقساط التأمين وكذا المصاريف والتوابع مكتسبة بصفة نهائية لصالح البنك و شركة التأمين"،فالمهني يستعمل وسائل تستهدف محتوى العقد بل حتى شكله[223] ليحاول قلب القواعد القانونية الملزمة له بمقتضى العقد والرجوع على المستهلك بالتكاليف حتى في حالة خرقها من طرف المقرض دون مساهمة من المقترض، فأبرز مثال المادة 11 من نفس نموذج القرض السالف الذكر والتي نصت "مراعاة للبنية المتميزة للقرض الشعبي للمغرب كما هي محددة بمقتضى التشريع الجاري به العمل فإن نقل الدين لفائدة بنك جهوي أو لفائدة البنك الشعبي المركزي مع الضمانات المتعلقة به لا يتضمن أي تجديد ولا أي خرق لمقتضيات هذا العقد وهذا ما تم قبوله من طرف المقترض.
في حالة ما إذا أصبح الإشعار المنصوص عليه في الفصل 195 من قانون العقود والالتزامات ضروريا، فإن التكاليف تكون على عاتق المقترض."
ومع هاته المظاهر من الشروط العقدية يبقى توجه الأستاذة أمينة ناعمي [224] محل نقاش، حيث ذهبت إلى أن الأبرز في إبرام العقد سلطان الإرادة فالشرط يضفي على العقد التحول والديناميكية. صحيح إننا نناشد التطور الاقتصادي وحرية التعاقد لكن يجب أن تكون سليمة وليست معيبة أي ديناميكية إيجابية وليست سلبية تستهدف التحلل من أي التزام بإختفاءها وراء سلطان الإرادة الذي هو بريء من الممارسات اللاأخلاقية التي استفادت من الفراغ القانوني باستعمالها لمصطلحات عامة وفضفاضة تنتهي في نهاية المطاف إلى تثبيت جميع الشروط ضد المستهلك المقترض.
ومثالها ما نص عليه الفصل 13 من نفس النموذج "إن المصاريف المتعلقة بهذا القرض من رسوم الدفعة والتسجيل ومصاريف التقييد ورفع اليد وبصفة عامة كل المصاريف التي يمكن أن تنتج عن تنفيذ هذا العقد والتي يمكن أن يطالب بها البنك ستكون على عاتق المقترض. يعترف المقترض صراحة بأن جميع المبالغ المتبقية من طرفه وبالخصوص لأداء أقساط التأمين والمصاريف الهادفة إما من أجل استيفاء الدين وإما لصيانة أو المحافظة على الأشياء المرهونة لضمان المبالغ الواجبة للبنك وإما لتقدير هاته الرهون أو لمعاينة حالة العتاد أو المحلات، سيتم أداؤها من طرفه لهذا الغرض، ويرخص من الآن بالقيد في مدينية حسابه المبالغ المسبقة".
فالبنك لا يمنح قروضا استهلاكية حرة بشكل عبثي بل يجعل نفسه في مأمن من جميع الاحتمالات والأداءات الآنية والمستقبلية ويلقيها على عاتق المقترض المستهلك، فحتى القوانين الأوروبية لم تكن تعرف جميعها تنظيما لمضمون العقد إلا في حالات خاصة وكان للحرية التعاقدية المحور الأساس، فالرقابة موجودة لكنها تمس العقد جزئيا وليس بأكمله[225].
هذا القصور في القانون المدني ويستتبعه القانون التجاري هو ما حدا بالقوانين الاستهلاكية ومن بينها القانون الكيبيكي لحماية المستهلك لسنة 1978 كي يحدد بطريقة آمرة مضمون العقود الاستهلاكية[226]، وهو ما حاول المشروع المغربي نهجه في ما فصلناه في المراحل السابقة وما سنضيفه فيما تبقى من مراحل التكوين المترابطة.
فالآن وقبل دخول المشروع حيز التنفيذ فإن السلطة التقديرية للقاضي في مراجعة شرط التعويض الإتفاقي أو الشرط الجزائي محتشمة [227] حسب ما نص عليه المشرع في الفصل 264 من ق.ل.ع توازيها المادة 1152 من القانون المدني الفرنسي مع ضرورة التأكيد على اختلافنا مع الأستاذة نزهة الخلدي[228] حول التفسير الذي أعطته للعربون في إطار آليات الشرط الجزائي، ونأكد من جديد كما ذهب أستاذنا محمد الشرقاني أنه لا يستقيم العودة إلى منطق العدالة الخاصة باعتبار العربون تعويضا بل يبقى للمتضرر حق حبس مبلغ العربون ومراجعة المحكمة التي من اختصاصها تقدير التعويض المناسب للضرر هذا إن وجد أصلا[229].
ونختم هاته الفقرة ونحن نتساءل مع الفقه [230]، إن كان المقرض يتلقى تعويضات عن الخدمة والخطر لكننا نرى في المجال التعاقدي أن التعويض لا يكون على الخطر مادام أنه أزاح جميع أنواعه بفرضه شروطا مجحفة على المقترض!!
المطلب الثاني: الحالات المشابهة للقرض الاستهلاكي
حاول العمل التجاري عامة والبنكي على الخصوص مواكبة التطور الاقتصادي وحاجيات المستهلك الآنية والمفاجأة، لكن الأمر لا يخلو من إشكالات أمام ابتداع صور تعاقدية حديثة يصعب حتى تحديد تكييفها القانوني، وقد آثرنا تحليل أهمها حيث سنعمل على إدراج التسهيلات البنكية في الفقرة الأولى ثم البطاقات البنكية في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: التسهيلات البنكية
إن أي اختيار لاتخاذ توجه معين لن يكون بريئا خاصة إذا كنا أمام طرح يتعلق بالقرض الاستهلاكي كموضوع، فتجاذباته تبقى محل نقاش أمام قوة وحصانة العمل التجاري وضعف وجهل المستهلك بالمخاطر المحيطة به في أغلب ما هو تعاقدي، فقد ذهب جانب من الفقه[231] إلى التحذير من مصطلح "الالتزام " "engagement " الذي يكيف على أنه غير مشروط وغير مردود ولا يحتاج إلى إعلام .
وقد جاء القانون الاستهلاكي حسب جانب من الفقه الفرنسي[232] لخلق الثقة العقدية خاصة الثقة في القرض والأمل معقود للحد من الاستغلال الذي يعاني منه المستهلك على هاته القوانين الاستهلاكية خاصة وأن جانب من الفقه [233] ذهب إلى حد القول بأنه يجب التنازل عن فكرة المتعاقد الحر، فأصبح لزاما علينا الآن إيجاد تكييف قانوني للتسهيلات البنكية أو كما ذهب بعض الفقه المصري[234] إلى تسميته بالمكشوف وميزه بعدم وجود ضمانات،و ذهب بعض الفقه [235] إلى أنه عقد يتعلق بمصَدر وحامل يتضمن سقفا أقصى للائتمان تستلزم فيه شروط العلاقة التعاقدية.
فحسب القانون البنكي للاستفادة من الخدمات التي يوفرها البنك من قروض يجب فتح اعتماد، لكن من بين الخدمات المعروضة حتى على المستهلكين العاديين لخدمات البنك توجد التسهيلات البنكية والتي ذهب الأستاذ عمرو قريوح[236] إلى وضعها في خانة القروض غير المخصصة أو الحرة وأبرز أمثلتها تسهيلات الصندوق فهي تمكن المستهلك من تغطية مبالغ معينة لمدة معينة متفق عليها مع احتساب البنك لفوائد معينة يجنيها مقابل توفير تلك الخدمة.
وأمام هاته الخصائص وتوجهات الفقه نكون مجبرين على طرح التساؤل حول مدى إمكانية القول بأن التسهيلات البنكية نوع من أنواع القرض الاستهلاكي وما هي المعايير التي تساعد على الأخذ به.
لقد جاء مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، في المادة 69 وعرف القرض الاستهلاكي "باعتباره أية عملية قرض ممنوح بعوض أو بالمجان من مقرض إلى مقترض مستهلك" "وتدخل في حكم عمليات القرض عمليات الإيجار المفضي إلى البيع والإيجار مع خيار الشراء، وكذا البيع أو تقديم الخدمات التي يكون أداؤها محل جدولة أو تأجيل أو تقسيط".
فمن خلال التعريفات التي أتت بها المادة المذكورة يتضح أن واضعيه حاولوا توسيع مفهوم عقد القرض الاستهلاكي وجعل الخدمات الغير الحالة الأداء في حكم المادة أعلاه تدخل في نطاقه، وبإعمال معايير التسهيلات البنكية نجد أنه مرتبط بوجود عقد ينص على إعمال هاته الخدمة أو شرط صريح يجيزها في عقد فتح الاعتماد البنكي، كما يستلزم توافر الشروط العامة التي يستلزم وجودها في جميع العقود كما يتوجب توافر شروط خاصة في العقد من تحديد المدة التي تسري خلالها هاته الخدمة والسقف الأعلى الذي يستلزم البنك توفيره وأجل توفير هاته الخدمة، إذ درجت المؤسسات البنكية على توفيرها في تواريخ معينة تتجاوز النصف الثاني من كل شهر إضافة إلى عدم اشتراط تخصيص المبالغ في أي غرض معين مما يبقي الباب على مصراعيه للمستهلك الذي يعاني حالة احتياج مزمنة لاستغلال هاته المبالغ في شكل تسهيلات يتم استرجاعها أو اقتطاعها حسب العقد المبرم بين الطرفين دون أي تدخل من المشرع لا المدني ولا التجاري في تقنين هاته الممارسة، وهو ما دفع جانب من الفقه [237] إلى وصف هاته الأشكال التعاقدية الجديدة بجاذبية الأشكال الجديدة للائتمان.
فهو عقد تلتزم بمقتضاه المؤسسة البنكية كلما طلب منها الزبون المستهلك توفير مبلغ أقصى يمكنه التصرف فيه بكل حرية[238] فهي من جهة تلبي للمستهلك حاجيات آنية مفاجئة ذات قيمة غير مرتفعة في أغلب الأحيان لكنها أساسية، وهو الوجه الإيجابي للتسهيلات البنكية كعقد والتي لن يقوم المستهلك المقترض في إطارها بمراجعة البنك وتقديم طلب جديد له على شكل إيجاب ينتظر قبولا خصوصا وأن القانون البنكي لم يقر حتى الحق في فتح الحساب البنكي لأي زبون يطلب ذلك مادامت له الحرية في القبول من عدمه حسب معايير شخصية تختلف من مؤسسة بنكية لأخرى تبقى في أغلبها تعسفية تستتر وراء شرعية البحث عن الضمانات، فما بالكم بصورة من صور القرض والذي يظل قبول البنك حكرا عليه.
لكن السلبية ستكون واضحة وبارزة في استعمال التسهيلات البنكية فهي تقنية تشكل دعوة صريحة للاستهلاك المفرط غير المقيد واللامعقلن، فالقروض الاستهلاكية حسب مفاهيم القوانين الاستهلاكية، هي القروض التي تلبي رغبات المستهلك الآنية والأساسية أمام حاجته الماسة ،فأصبح إستعمال هاته القروض في شكل تسهيلات بنكية بشكل مستديم يجعل المستهلك يتجاوز بشكل دوري قدرته الشرائية ويجعله بشكل دائم في حالة مدين اتجاه البنك، فهو كباقي العقود حسب الأستاذة نيكول شردان [239] عقد نموذجي يتميز بشروطه المسبقة ولن تكون إلا في صالح المهني موجهة لمستهلك غير متخصص في مجال معين.
وللوقوف على بعض التطبيقات العملية للأخطار التي تشكلها التسهيلات البنكية في حالة التوقيف المفاجئ لمبالغ الاعتماد ذهب المجلس الأعلى[240] في قرار له إلى أن "مسؤولية البنك قائمة حالة رجوع الشيكات بدون أداء نظرا للتوقيف المفاجئ للتحويلات بالحساب بناءا على التسهيلات المالية المتفق عليها".
ونشير إلى أن التسهيلات البنكية تصل بالمستهلك إلى مرحلة عدم القدرة على الأداء بما أنها تدفعه إلى الاستهلاك بتجاوز ذمته المالية الحقيقية، حيث يصير في حالة مطل، وهو ما أكدته المحكمة التجارية لمكناس[241] في حكمها رقم 984 الصادر بتاريخ 19/11/2009 .
يتضح لنا بشكل لا لبس فيه أن الأخطار المحدقة بالمستهلك متنوعة في هذا النوع من التعاقد الذي أصبح مع المشروع المغربي شكلا من أشكال القرض الاستهلاكي، في ظل ما يفرضه مفهومه والمنطق القانوني السليم ليستفيد المستهلك بحكم ما سبق من جميع الضمانات الحمائية والشروط الواجبة لتكوين العقد.
الفقرة الثانية: البطاقات البنكية
لم يعد غريبا ولا هو بالأمر المستجد على المستهلك استعمال ما يسمى بالبطاقات البنكية، لكن ما يهمنا هو إثارة الانتباه إلى خطورتها في المجال التعاقدي بغض النظر عن أهميتها ومميزاتها والمنافع التي توفرها، فقد ذهب جانب من الفقه [242] إلى أن بطاقة الائتمان تنشأ عند قيام المؤسسة الائتمانية المصدرة بضمان سداد قيمة مشتريات حامل البطاقة لدى التجار والمؤسسات المالية والخدمية مقابل عمولة معينة يحددها المصدر علاوة على قيمة إصدار تلك البطاقة مع اختلاف الفترة الائتمانية طبقا لها، بحيث تتيح لحاملها سحب مبالغ نقدية من أجهزة السحب الآلي وشراء السلع والخدمات دون أن يضطر إلى الوفاء بقيمتها فورا ونقدا أو بشيكات، بل يكفي الأمر بتقديم البطاقة للتاجر ليتم إدخالها من طرف هذا الأخير بإرسال تلك الإشعارات إلى المؤسسة الائتمانية المتعاقد معها لتقوم هي بدورها بإرسالها إلى مؤسسة إصدار البطاقة من أجل التحصيل .
لكن نلاحظ أن اللبس لازال يحيط بموضوع الدراسة رغم ما سبق ولأجله سنحاول توضيح الأمر من حيث تقييم البطاقات البنكية إلى عادية ذات الخصم الشهري والتي لا يلزم لوجودها رصيد بالبنك الذي يقرض عميله مبلغا أعلى ويسمى حسب الأستاذ بكر بن عبد الله أبو زيد [243]"الخط الائتماني" و يلزم الحامل بالتسديد غالبا خلال شهر.
أما النوع الثاني وهو الأكثر تخصصا في موضوع البحث وهي بطاقة الائتمان القرضية التي بدورها لا يلزم لوجودها حساب، ويحدد البنك سقفا أعلى للائتمان لكنها تتميز بتقسيط الأداء ولا يكون شهريا كالحالة الأولى مع أداء فوائد على توفير هاته الخدمة.
ومن خلال ما سبق يبقى تعريف جانب من الفقه الفرنسي [244] الأقرب إلى المنطق القانوني السليم إذ من خلاله يتم القرض عن طريق البطاقة والذي يكون بتوجه المستهلك إلى المهني التاجر من أجل شراء منتوج أو خدمة ويقوم عن طريق البطاقة بالأداء الفوري ويبقى له تسوية وضعية المبلغ كاملا – في حدود ما هو مسموح به كسقف أعلى للأداء- والمستهلك يؤدي المبلغ في التواريخ المؤجلة والمحددة.
ونشير إلى أن الأمر لا يتعلق بقرض مخصص بل إن القرض يبقى حرا يمكن المستهلك وبكل حرية من اختيار المنتوج أو الخدمة التي تشبع رغباته أي أن وجهة القرض في الأصل غير محددة لكن عند التنفيذ يمكن أن تحدد وجهة القرض عن طريق بطاقة القرض أو القرض المجدد[245] .فهو العقد الذي يجدد بأداء المبلغ وتختلف طرق الأداء حسب العقد إما شهريا أو بآجال بعيدة أو عن طريق انتهاء المدة، ويكون المستهلك كلما أدى المبلغ كاملا مؤهلا لأخذ نفس القدر من القرض، ويكون هو كذلك بطريقة ثلاثية عند التنفيذ من مستهلك وتاجر و مؤسسة بنكية أو شركة تمويل والتي غالبا ما تكون فرعا لمؤسسة التاجر مع إمكانية أن يكون القرض عن طريق بطاقة ائتمان، لكن ليس الأمر إجباريا إلا أنه الغالب والأعم[246].
فالعقد يبقى عادلا إذا كان الأمر يتعلق بمستهلك حذر يراجع أداءاته ومشترياته بشكل جيد، وخطير بالنسبة للمستهلك غير الحذر والذي لم يأخذ إعلاما واضحا ويدخل في التزامات غير محسوبة بفوائد لم يفكر فيها بشكل مضبوط، ومحاولة في تفكيك الآليات العقدية سنشير أولا إلى الأطراف، فالعلاقة العقدية تكون عند التكوين ثنائية بين مصدرها الذي هو البنك أو مؤسسة التمويل وحاملها أو المستهلك ويبقى على هذا الأخير أداء رسوم الاشتراك المحددة بمقتضى العقد والتي هي في حقيقتها أجور ضمان[247]. فالبطاقات البنكية تؤدي دور قروض بفائدة وهي من الشروط العقدية المتفق عليها نظريا والتي يبقى المستهلك ممنوعا من مناقشة نسبتها نظرا لإذعانية العقد ، ويمكن تكييف هذا النوع من العقود على أنه حوالة بين المستهلك والتاجر على البنك، فالتاجر لا يمكنه حالة عدم التحصيل من البنك الرجوع على المستهلك.
لكننا نثير انتباه أصحاب الرأي السابق الذكر إلى أن الأمر ليس بهاته البساطة فالعلاقة العقدية مترابطة كما أشار بعض الفقه الفرنسي [248]، فآلية العقد تكون عن طريق ثلاثة عقود الأول بين بنك وتاجر حيث أن على التاجر التزام قبول البطاقة والتثبت من معطياتها ودفع نسبة لصالح البنك، وهذا الأخير يؤدي مبالغ العملية المسجلة في الفاتورة.
أما العلاقة الثانية والتي تربط البنك والمستهلك فتكون بأداء مبلغ الفاتورة وأداء الفوائد من جانب المستهلك، أما البنك فيبقى على عاتقه فتح اعتماد بالبطاقة يكون عموما لمدة سنة والأداء دوري ويبقى للعقد تحديد شروط أخرى مع إقرار هذا الجانب من الفقه بأن البطاقة البنكية تعتبر فعلا آلية للاقتراض[249].
أما العلاقة الأخيرة هي المفترض عقديا أن تجمع المستهلك والتاجر في عملية بيع أو تقديم خدمة عن طريق البطاقة لكن الأداء يكون من طرف البنك الذي يمكن أن يمتنع لسبب يعود للمستهلك وبالتالي يبقى للتاجر حق الرجوع على المستهلك بالمبلغ، وكجميع العقود يجب أن يتضمن العقد أركانه العامة.
ومع مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، وكما سبق تفصيله في الفقرة السالفة فقد اعتبر واضعوه جميع البيوع والخدمات التي يكون أداؤها محل جدولة أو تأجيل أو تقسيط في حكم القروض الاستهلاكية وتتمتع بالحماية التي أقرها المشروع من آجال وحقوق من بينها مهلة التفكير وحق الرجوع مع فرض التزامات قبلية أبرزها الحق في الإعلام الواضح والنزيه والتحرير بحروف ظاهرة وبارزة ترفع اللبس، كل هاته الضمانات هي من أجل تحقيق الأهداف المنشودة والتي ترمي إلى وقف الشعور بالغنى والقدرة على الشراء فتدفع المستهلك إلى إشباع رغباته بما تقع عليه يده ويركز عليه نظره فيتوسع الطلب الكاذب في الشراء للسلع لأن الشراء لا يعتمد على الدخل ولا على رصيده في البنك، ولكن على توقع مستوى الدخل في المستقبل[250] .
المبحث الثاني: خصوصيات القرض المخصص
يعتبر القرض المخصص أحد أنواع القرض الاستهلاكي،حيث أصبح أمام الحاجيات الأساسية للمستهلك والإغراءات التي يتميز بها هذا النوع من العقود ذا أهمية عملية اقتصادية وعلمية نظرية تستوجب عناية في التعاطي القانوني خوفا من مغبة الانحراف في التحليل العلمي مستبعدين القرض العقاري والذي رغم تخصيصه لمنتوج معين وهو العقار إلا أنه بإجماع الفقه وبحكم القانون المقارن وما سار عليه المشروع المغربي يبقى خارج نطاق القرض الاستهلاكي، ولأجل ذلك سنحلل الضمانات الحمائية الخاصة بالقرض المخصص في المطلب الثاني لكن قبل ذلك سنضع العلاقة بين عقد البيع وعقد القرض موضع تحليل في المطلب الأول.
المطلب الأول: العلاقة بين عقد البيع وعقد القرض
لتوضيح مدى العلاقة التي تربط عقد البيع والقرض في ظل القرض المخصص ونظرا لخصوصيات العلاقة التعاقدية في هاته الحالة، يصبح عنصر الرضا مهددا بشكل كبير في ظل تعدد العقود وسنعمل على تحليل عنصر الرضا في ظل تعدد العقود (الفقرة الثانية) على أن نتطرق إلى طبيعة العلاقة بين العقدين في الفقرة الأولى.
الفقرة الأولى: طبيعة العلاقة بين العقدين
إن الاقتصاديات في العالم بأسره ترتكز في سياساتها على الرفع من الاستهلاك والذي يؤدي إلى الرفع من الإنتاجية ولن يكون الطلب متوفرا ونحن نعلم أن المستهلك ليس بمقدوره تلبية جميع الحاجيات الضرورية والآنية إلا إذا كانت البنوك ومؤسسات التمويل قادرة على منح قروض لشراء منتجات معينة يكون الأداء بالنسبة للمستهلك في ظلها بالتقسيط[251] ، فمعيار التخصيص في مرحلة تكوين العقد هو معيار التمييز بين عقد القرض الحر وعقد القرض المخصص حيث ذهب جانب من الفقه الفرنسي[252] إلى أنه يكون القرض الموجه أو المخصص لتمويل منتوج أو خدمة محددة( crédit pré affects)، بينما ذهبت الأستاذة أمينة ناعمي[253] إلى أن القرض يكون مرتبطا وليس مخصصا نظرا لتعدد المؤسسات كالكفالة والضمان والقرض مستندة في ذلك على قرارات لمحكمة النقض الفرنسية، لكننا نشير من باب التوضيح أن كلا من التخصيص والارتباط متوفران معا فالتخصيص يأتي كخاصية وشرط في نفس الوقت يحددان نطاق التعاقد أي أمام أي نوع من القروض نحن؟
فبتخصيص المقترض للقرض المزمع إبرامه لتمويل منتوج معين قصد شراءه يكون المستهلك قد حدد المقتضيات الواجبة التطبيق في العملية التعاقدية ضمن خانة القرض المخصص أما الارتباط فهو نقاش قانوني عميق لن يجد حلا ببساطة التوجه الذي أخدته الأستاذة أمينة ناعمي، وسنقف على خصوصيات ارتباط العقود فيما سيأتي من فقرات البحث.
إن توافق موزعي السلعة أو الخدمة ينشأ وضعية ممنوعة بمقتضى قواعد الممارسة المهنية حسب قانون 06.99 المغربي، ويصبح في ظل هاته الوضعية المستهلك الذي وقع الوثيقة من المفترض فيه أنه قرءها وعلم مضمونها، فمؤسسات الائتمان تحرص على تفصيل العقود وذلك لاستبعاد المسؤولية حيث أن العقد يبقى صالحا في حد ذاته رغم أن أحد العقود كان السبب الأساسي في قيام العقد الآخر بل لولاه لما تعاقد المقترض أصلا خاصة وأن الأداء يكون مؤجلا على تسليم المنتوج أو تقديم الخدمة فتبرز أهمية القرض في القيمة والمدة إضافة إلى الخطر[254].
ووعيا من الفقه بضرورة الاتجاه نحو تكريس استقلال الإرادة في ظل الميزة السلبية التي يتمتع بها القرض الاستهلاكي، فإن المستهلك يضاعف الضغط المفروض عليه والخطر في ولوج التزامات عقدية غير واضحة أي سيكون مستهلكا لمرتين، الأولى كمشتري لمنتوج والثانية كمقترض من البنك، وللتمييز بين العقدين وهو الأمل المنشود فقهيا وأصبح الآن مطلبا تشريعيا ذهبت الأستاذة نيكول شردان[255] إلى أن الحل يكمن في التساؤل البسيط وهو السبب في إبرام عقد القرض؟.
لكن المشروع المغربي ركز على الربط بين العقدين أكثر من تركيزه على عنصر التبعية الذي سيكون واضحا بين العقدين كما ذهب إلى ذ لك بعض الفقه[256] وسيعكس لا محالة تأثيرا على عناصر عقدية كالرضا والالتزامات الناشئة عن الإخلال بالمسؤولية، فعقد البيع هو المحرك الأساسي وهو السبب الدافع بالمستهلك للتوجه نحو المؤسسات المقترضة لطلب تمويل المنتوج وللوقوف على أوجه الارتباط بين العقدين سنعرض للخصائص المميزة التالية:
* للحصول على القرض، يلعب المهني دور الوسيط بين المستهلك ومؤسسة القرض.
* تنص بنود العقد على أن القرض مخصص لتمويل منتوج أو خدمة معينة.
*إن الأموال تحول إلى المهني التاجر دون أن تمر بين أيدي المستهلك.
ومما درجت عليه بعض المؤسسات التي تمتهن القرض، نأخذ "وفاسلف" نموذجا، حيث نصت في العقد النموذجي لتمويل اقتناء سيارة على شروط أقل ما يقال عنها فقهيا أنها خادعة ومكتوبة بطريقة تصعب قراءتها، فقد جاء بنموذج العقد "لا تلتزم وفاسلف إلا بالشروط الواردة في هذا العقد وكل التنصيصات المضمنة في المطويات واللمحيات ومطبوعات العروض والوسائل الدورية وشبكة الإنترنيت هي واردة على سبيل الإشارة فقط ولا يمكن أن ينتج عنها إعمال مسؤولية وفاسلف"!!
ومع صعوبة تبرير وتفسير وجود هذا المقتضى العقدي بل هو في حد ذاته مرتب لمسؤولية المؤسسة، فكيف يعقل الإقرار بوجود معلومات موضوعة بشبكة الإنترنيت من طرف المؤسسة وهي تتحلل منها؟ أهو استدراج غير مشروع للتعاقد صريح إلى هاته الدرجة!!
فالعقدان حسب جانب من الفقه الفرنسي[257] يشكلان وحدة لا تنفصل لكنهما عقدين مع شخصين منفصلين تَلزمهما إرادتين منفصلتين سيتضح تأثير كل عقد اتجاه الآخر في ظل هذا المبحث بعد إقرارنا بضعف القواعد العامة في توفير حماية وإيجاد ربط بين مؤسسات قانونية مستقلة.
الفقرة الثانية: عنصر الرضا في ظل تعدد العقود
نظرا لتعدد العقود يقترب عقد القرض المخصص من العقود المركبة أو المختلطة التي يعرفها القانون المدني ولربما الخط الفاصل بينهما هو تواجد آليات وتقنيات عقدية تجعلنا نقبل بخصوصيات القرض المخصص ونتساءل عن موقع حرية إرادة المستهلكين في ظل هذا النوع من العقود.
فقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي [258] أن العقد كان قبل سنة 1978 مستقلا كقرض عن البيع، وكان هناك إجحاف خصوصا عند عدم التسليم وبدء احتساب الفوائد من قبل المقرض، فأصبح الآن القرض تابعا للبيع مع وجود ترابط بينهما استنادا إلى المواد من 20-311L إلى 22-311L من قانون الاستهلاك الفرنسي ،وهو ما سار عليه مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، في الباب المتعلق بالقرض المخصص[259] من تكريس الروابط بين العقدين.
فالمشروع المغربي أراد إرجاع الحرية التعاقدية للمستهلك بعدما اختفت وحجبت أمام الشرعية التي أصبغت على مبدأ سلطان الإرادة، فكما ذهب جانب من الفقه[260] فمرونة مبدأ توافق الإرادتين لا يجعل من المفاوضة أساس العقد أمام نموذجية العقود، وكمثال تتوجه الإرادة في عقد شراء آلة منزلية تعتبر من الضروريات بالنسبة للمستهلك إلى التركيز على عقد معين يبعدها عن مناقشة عقود أخرى كالقرض بشروطه وملحقاته والتأمين والأوراق التجارية من سندات لأمر ورخص اقتطاع مباشر من المرتب ووثيقة استخلاص الأقساط من الصندوق الوطني للمعاشات فيجد المستهلك نفسه أمام تعدد للعقود وإرادة وحيدة متجهة لعقد واحد وللأسف الشديد حتى هي بدورها تبقى غير سليمة.
وبالرجوع إلى المبادئ العامة أثير نقاش فقهي حول مدى محاولة تقييد المشرع لمبدإ سلطان الإرادة، حيث ذهب الأستاذ حسن عبد الباسط الجميعي[261] إلى أن أي محاولة لتقييد سلطان الإرادة هي إهدار للمادة 1134 من القانون المدني الفرنسي والمادة 89 من القانون المدني المصري التي بمقتضاها يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتين متطابقتين وهو ما نحى إليه المشرع الإماراتي في المادة 257 من قانون المعاملات المهنية بتكريسه حرية الإرادة ، في حين ذهب جانب آخر من الفقه [262] إلى أن مبدأ سلطان الإرادة لم يعد كما كان عليه بالأمس بل مُس بما يكفيه من الاستثناءات وذهبت الأستاذة نيكول شردان [263] إلى أنه من الصعب أن يكون هناك تأقلم لمبدأ حرية الإرادة وسلطانها مع عقد القرض بالتحديد، و نستخلص من النقاش الفقهي أن نظرية العقد في أزمة وأن مبدأ سلطان الإرادة متفق فقهيا على عدم قدرته على إيجاد حل للإشكاليات العقدية المثارة وأبرزها عنصر الرضى في ظل تعدد العقود.
لكن الاختلاف حاصل حول المس من عدمه بالمبدإ، ومن وجهة نظرنا ما تدخل المشرع المغربي في عقد القرض إلا لمساعدة الإرادة المعيبة للمستهلك التي تستوجب إعادة التوازن وإرجاع مبدأ سلطان الإرادة إلى قوة القانون في ظل إختلال موازينه بفعل قوة المهني المقرض وتفوقه قانونيا واقتصاديا، فوضوح العبارة ليس هو وضوح الإرادة [264] .
ويتضح التشدد مع التنازلات العقدية، إذ في ظل هاته الوضعية الحالية ذهب المستهلك إلى ما تحت الإرادة والمهني إلى إرادة معدة بشكل مسبق[265] فالمستهلك ومعه الفقه [266] أصبح يبحث عن أسس جديدة للتعاقد غير مبدأ سلطان الإرادة، بإعمال فكرة المنفعة الاجتماعية والعدالة التعاقدية .
فليس هناك شك حول مشروعية قيام مسؤولية البنكي الذي لم يعلم المقترض بشروط ضمان القرض عبر التأمين خاصة وأن التأمين أو شركة التأمين غالبا ما تكون فرعا للمجموعة البنكية، ولم يعد هناك من شك أن البنكي أصبح مهنيا في التأمين يوزع بشكل يومي هذا المنتوج ويسوقه.
وللوقوف على بعض مظاهر العمل القضائي الفرنسي مجسدا في قرارات لمحكمة النقض الفرنسية بغية وضع القانون موضع التطبيق السليم، نشير إلى القرار الصادر عن الغرفة المدنية في 9 دجنبر 1992 والتي أكدت من خلاله على أن وضع اللائحة بيد المؤمّن لا يعفيها من الواجب المكرس قضائيا ألا وهو النصح[267]، إضافة إلى القرار الصادر عن نفس الغرفة بتاريخ 3 فبراير 1993[268] حيث ذهبت وعن حق إلى أن عبارة قُرأ وقُبل ليست كافية لتثبيت كون المطبوع عرض لقراءته قبل توقيعه، ويبقى القرار الصادر عن نفس الغرفة بتاريخ 30 ماي 1995 الأكثر حماية إذ جاء فيه "أن المؤمَّن له الحق في التشبث بالملحقات واللوائح ولو لم ترد عليها إحالة مادامت تعتبر شروطا عامة وما العقد إلا متضمن لشروط خاصة لا تغني عن العامة مع افتراض قبولها".
إن القرارات أعلاه توضح الإشكالات التي يعاني منها المستهلك المقترض الذي يواجه عقدين بإرادة واحدة فما بالكم بتعدد العقود مع التقنيات الخاصة المستعملة في التحرير ووضع الشروط بطريقة مموهة بل إن عقودا بكاملها لا يعلم المستهلك بوجودها بل يتحمل التزاماتها فقط حين التنفيذ حيث يعلم بأنها ملزمة عن طريق الإحالة عليها بمقتضى شرط بالعقد، وهو ما أكده القرار الصادر عن محكمة ليون بتاريخ 27 أبريل 1989[269].
وأمام قصور القواعد العامة عن تحقيق حماية حقيقية حتى في القانون المقارن، نأخذ كمثال الإكراه والذي حسب الأستاذ عمرو قريوح [270] لا يسعف، فالمشرع المدني لم يعترف بالإكراه الاقتصادي وهو المنشود أما الغلط حسب الفصل 41 من ق.ل.ع فمن الصعب إثبات غياب الصفة الجوهرية لقيامه، فمجال الرضائية في العقود التجارية يكون متسعا عنها في العقود المدنية، لنبقى أمام عقود نموذجية معدة مسبقا تكون في أغلب الأحيان غير متوازنة ليظل البحث عن وجود تراض واضح وسليم ومفهوم ،وهو ما حاول مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك إيجاده من خلال المقتضيات التي سبق تحليلها والتي تسري على العقود بهاته المرحلة وترابطها، مما يدفعنا للحديث عن الضمانات الحمائية الخاصة بالقرض المخصص، وهو ما سنتناول أبرز مظاهره في المطلب الموالي.
المطلب الثاني: ضمانات حمائية خاصة
نتطلع من الضمانات الحمائية الخاصة تقوية وتعزيز الحماية المقررة نظرا لنسبة المخاطر التي تحيط العملية التعاقدية وربما كان هاجسنا كهاجس القوانين الاستهلاكية يرمي إلى وضع حدود عقدية لتوضيح الصورة التعاقدية، وسنحلل تشطير الالتزامات في ضوء ارتباط العقود (الفقرة الأولى) لننتقل إلى ضمان العيوب الخفية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تشطير الالتزامات في ضوء ارتباط العقود
نحن فعلا أمام تساؤل كبير، هل حرية الإرادة مازالت المبدأ الأساسي لقانون العقود؟ يعبر جانب من الفقه[271] عن الشك في ظل المقتضيات الحمائية المقررة للمستهلكين خاصة المقترضين، فالإرادة يجب أن تكون حرة وواضحة أي لا تتضمن عيوب الإرادة وخاصة أمام عقود قرض نموذجية تمتاز بشرط عدم تبرير موقف المؤسسة من الامتناع عن إعطاء قرض، والقانون البنكي يجيز ذلك مادام لم يرتقي حتى بالحساب البنكي إلى مستوى حق فما بالكم بالقرض كحق !! وما يهمنا أن المؤسسات المقرضة تختار زبناءها بعناية دون اختيار المستهلك الذي يجد نفسه أمام مهني بائع مرتبط بعقد شراكة مع مؤسسة تمويل معينة فهو يشتري ويقترض من شخصين مختلفين[272].
وأمام لعبة الإرادة النفسية حسب الأستاذة نيكول [273] شردان والتي من الصعب إعمال مبدئها للقول بعدم وجود إرادة، تدخلت القوانين الإستهلاكية لوضع حد لاستقلالية الالتزامات حيث وضعت قواعد خاصة والتزامات يجب احترامها فالارتباط بين العقود في التشريع الفرنسي أثناء التكوين يؤدي إلى بطلان كل أداء نقدي في حالة رفض المقرض حيث يمنع أي أداء للبائع قبل تأكيد قبول المستهلك[274]، وبالمقابل لا يتحمل المهني أي التزام قبل قبول المستهلك لعرض المقرض استندا على المادة 13-313 L من قانون الاستهلاك الفرنسي والتي تمنع إمضاء كمبيالات أو سند لأمر قبل انتهاء المدة المحددة في العرض المسبق[275].
وذهب مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك في المادة 87 أنه "يجب أن يشار في العرض المسبق إلى المنتوج أو السلعة أو الخدمة…….."، وشدد في المادة 88 على منع الأداءات المسبقة في الفقرة الثانية بنصه أنه "لا يمكن للمستهلك أن يعقد أي التزام بوجه صحيح إزاء البائع أو مقدم الخدمة ما لم يقبل العرض المسبق الذي قدمه المقرض، وعند عدم استيفاء هذا الشرط لا يجوز للبائع أو مقدم الخدمة أن يتسلم أي أداء بأي شكل من الأشكال ولا أي وديعة". هذا فضلا عن التزامات أخرى تأكد تجزئة الالتزامات بين أطراف العقد ومن بينها حسب جانب من الفقه[276] أنه إذا لم يمنح القرض لا يقوم عقد البيع، والتزامات المقرض لا تبدأ إلا من وقت تسليم المبيع أو تقديم الخدمة.
وبالرجوع إلى المشروع المغربي في مادته 90 نجده ينص على أنه "لا يلزم البائع أو مقدم الخدمة بالوفاء بالتزاماته المتعلقة بالتسليم أو تقديم الخدمة ما لم يبلغه المقرض بمنح القرض ومادام في إمكان المقترض أن يمارس حقه في التراجع غير أنه إذا قدم المشتري طلبا يكون كل تسليم وتقديم خدمة مبكر على حساب البائع أو مقدم الخدمة الذي يتحمل جميع المصاريف والتبعات المترتبة عن ذلك"، وبالتالي أصبح على المهني البائع التريث واحترام المساطر المقررة كالتزام على عاتقه والكف عن وضع المستهلك أمام الأمر الواقع وإلا قامت مسؤوليته بتحمله جميع المصاريف وهو ما أكدته المادة 311.24L من قانون الاستهلاك الفرنسي الذي ينص كذلك على أن أي التزام لا يكون صحيحا إلا بانتهاء المدة المقررة للمستهلك كي يتراجع حسب المادة 23-311L وإلا كان مصير الالتزام البطلان حيث أشار جانب من الفقه[277] إلى أنه في العقود المرتبطة أو عند ضياع فرصة العقد فإنه يمكن المطالبة بالتعويض على أساس بطلان العقد الثانوي الذي أدى إلى ضياع العقد الأصلي.
وتضيف المادة 89 من المشروع المغربي التزاما بالإخبار، هاته المرة ليس اتجاه المستهلك فحسب بل اتجاه البائع أو مقدم الخدمة أي أن الالتزام يكون بين المهنيين، حيث نصت على أنه "يجب على المقرض أن يخبر البائع أو مقدم الخدمة بمنح القرض داخل السبعة أيام المنصوص عليه….." وذلك بغية تحقيق شفافية عقدية وإعلام عقدي مضبوط واضح ونزيه لا يقحم المستهلك في علاقات تعاقدية مظلمة، فيتمكن من إبطال عقد البيع لكنه يجد نفسه ملزما بتحمل أقساط القرض لاستقلاليته عن عقد البيع ولعدم وجود التزامات متبادلة بين المهنيين إلا الهدف المشترك وهو الدفع إلى الاستهلاك الوهمي.
والمظاهر الحمائية حسب جانب من الفقه[278] تبقى متوفرة حتى في ظل القواعد العامة فالقانون المدني الفرنسي في المادة 1174 ينص على إلغاء العقد الذي يتضمن شرطا بموجبه يحتفظ أحد أطرافه بخيار عدم تنفيذ التزاماته إضافة إلى المادة 1591 والتي بناءا عليها يجب تحديد الثمن دون إمكانية ترك أمر تحديده لأحد الأطراف.
فعلا هي قواعد حمائية لكنها لا تربط بين العقدين كما نصت على ذلك المادة 91 من المشروع المغربي "….. ويفسخ القرض أو يبطل بقوة القانون عندما يكون العقد الأصلي قد تم فسخه أو إبطاله بحكم اكتسب حجية الشيء المقضي به".
ونختم بمظاهر تشطير الالتزامات حسب جانب من الفقه[279] والتي نتبناها وهي:
* حيث إن المستهلك لم يتسلم المنتوج لا يقع عليه أي التزام اتجاه المقترض.
* إذا تم عقد البيع بعيب في الإرادة فإن الأثر يمتد إلى عقد القرض حسب المادة 21- 311L من قانون الاستهلاك الفرنسي.
* إذا تم فسخ عقد البيع لعدم التزام البائع بواجباته فإن الأثر يمتد إلى عقد القرض.
* إذا كان البطلان نتيجة خطإ البائع فهو من يتحمل التزامات المستهلك اتجاه المقرض.
وفي ظل جميع هاته الالتزامات القانونية المؤثرة في العقد لا يجب أن ننسى أن المستهلك لا يفقد الحماية بمرور مهلة أو مدة الرجوع ويصبح مجبرا على تحمل إرهاق العقد بل يمكنه التشبث بالقواعد العامة ومن بينها ضمان العيوب الخفية التي سنقف على خصوصياتها في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية: ضمان العيوب الخفية
يجدر بنا قبل استعراض المقتضيات المنظمة لضمان العيوب الخفية وقبل الخوض في اختيارات المشرع أن نشير إلى أن الفقه لم ينبه لا المستهلكين عامة ولا المتخصصين في الدراسات القانونية أن ضمان العيوب الخفية يتعلق بالمنتوج أو السلعة وهو التزام على البائع فقط دون المقرض وذلك لرفع اللبس، فلا يتصور ضمان البنك للمنتوج وهو ليس مجال تخصصه.
لكن اختيارنا في إدراج ضمان العيوب الخفية في إطار القرض المخصص ينطلق من مقتضيين أساسيين: الأول أن الأمر يتعلق بالمنتوج ويظل القرض المخصص مجال دراسته، أما المقتضى الثاني فهو الارتباط العقدي والذي سنرى من خلاله مدى تأثير قيام هذا الشرط على العلاقة الثلاثية.
فمن المعلوم أن المهنيين في حالة تفوق بسبب المعرفة التقنية[280] وأن جهل المستهلك يستدعي حمايته من الممارسات التجارية اللامشروعة ومن أجل الوقوف على نقاط الضعف والخلل بشكل منهجي تجب الإشارة إلى أن ضمان العيوب الخفية ينقسم إلى شقين الأول قانوني أما الثاني فهو تعاقدي.
فالضمان القانوني ومقتضياته تبقى مجهولة حتى على المستهلكين الفرنسيين منهم[281] وقواعده منظمة في قانون الالتزامات والعقود المغربي بمقتضى الفصول 549 إلى 575 والتي أحالت المادة 60 من مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك على إعمال مقتضياتها، وقبل تقييم هذا التوجه يبقى لزاما الوقوف على القواعد المنظمة له في التشريع المغربي والمقارن، وقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي[282] أنها نصوص تحمي المستهلك حتى قبل ظهور مفهوم المستهلك مؤداها حمايته من العيوب الخفية والمنظمة في القانون المدني الفرنسي في المواد من 1641 إلى 1648 لتنتقل مع قانون المستهلك إلى المادة 1-211L، بينما ذهب جانب آخرمن الفقه[283] في إطار تحليله لمقتضيات الضمان إلى أن الشروط الواردة في المواد 627 و1643 إلى 1652 تبقى صحيحة إلا الغش والخطأ الجسيم والخطأ العمدي وقد حاول الاجتهاد القضائي الفرنسي وضع معيار قضائي حيث يفترض وجود عيب ظاهر ومستهلك جاهل حتى نكون أمام عيب خفي.
أما التشريع العربي المقارن ونأخذ نموذجا عنه والمتمثل في القانون المدني المصري فقد نص في المادة 337 أنه "يكون البائع ملزما بالضمان إذا لم تتوفر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل المشتري وجودها فيه أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته أو من نفعه بحسب الغاية المقصودة منه كما هو مبين في العقد أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء أو الغرض الذي أعد له"، وبإعمال النص يكون المشرع المصري أكثر مرونة إذ ترك للاجتهاد القضائي مجالا واسعا للتكييف بخلاف المشرع المغربي في الفصل 549 من ق.ل.ع والذي جاء فيه "يضمن البائع عيوب الشيء التي تنقص من قيمته نقصا محسوسا أو التي تجعله غير صالح لاستعماله فيما أعد له حسب طبيعته أو بمقتضى العقد، أما العيوب التي تنقص نقصا يسيرا من القيمة أو الانتفاع، والعيوب التي جرى العرف على التسامح فيها فلا تخول الضمان".
وبإدخال المشرع المغربي لمعايير الضمان من يسير والعيوب ذات النقص المحسوس إضافة إلى التسامح فيما جرى عليه العرف تظهر مكامن الضعف في مقتضيات ضمان العيوب الخفية، لكن الاجتهاد القضائي[284] المغربي قد أكد افتراض العلم في المهني إذ قرر على أنه " في العيب الخفي يكون البائع سيء النية حينما يسكت عن العيب رغم العلم المفترض به، فالبائعة التي هي في نفس الوقت صانعة للبضاعة المعيبة يعتبر علمها بالعيب مفترضا، ومن ثمة يعتبر سوء نيتها مفترضا أيضا ويسري عليها حكم البائع سيء النية الذي لا يمكنه التمسك بالتقادم كما نصت عليه مقتضيات الفصل 754 من ق.ل.ع".
فالمهني حسب جانب من الفقه[285] يجب أن يضع المستهلك في مأمن من الأخطاء التي يرتكبها، مع افتراض العلم بالنسبة للبائع المهني نظرا لمعايير الممارسة والتخصص وواجب الاستعلام حول المنتوج وواجب إعلام المستهلك بخصائصه وعيوبه.و قد ذهب الأستاذ عبد العزيز خليفة الحصار[286] إلى انه ظهر اهتمام القانون بحماية المستهلك ولقد ظهر تأثير ذلك في مجال البيع على وجه الخصوص في موضوع ضمان العيب الخفي فالبائع هو المنتج والمشتري هو المستهلك وأصبح ضمان العيب الخفي من أهم سبل حماية المستهلك في مواجهة المنتج .
وقد حاولت جمعية AFNOR الفرنسية وضع معايير موحدة تحت رقابة وزارة الصناعة إضافة إلى علامة NF الفرنسية توازيها علامة NM المغربية، وهدفها مطابقة المنتجات لمواصفات الجودة لكنها تبقى اختيارية وغير ملزمة .
وفي إطار إرهاصات توفير الحماية ذهبت محكمة النقض الفرنسية[287] " إلى الحكم بالتعويض عن مدة الإصلاح للمنتوج رغم أن العقد يقضي إعفاء البائع من التزامه بالتعويض" ، وهذا القرار ما هو إلا تأكيد للمقتضيات التشريعية تلته قرارات أخرى[288] اعتبرت المادة 1641 من القانون المدني الفرنسي "من النظام العام والتي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وإلا ترتب عنها بطلان العقد "وذهبت الأستاذة نزهة الخلدي [289] إلى أن بطلان الشرط جزاءٌ غير فعال ونهائي فعدم الإعلام بحسبها يرتب جزاءا جنائيا يقوم بعدم الإعلام حول قيام الضمان القانوني، ونحن نختلف مع هذا الطرح إذ يمكن القول أن البطلان جزاء فعال إذ نحن لسنا في حاجة إلى المنتوج لعدم سلامته ولا نحتاج بالتالي إلى إعمال العقد بالتبعية بل الأسلم الحديث عن الفسخ والحق التبعي في التعويض وهو ما أكده الفصل 556 من ق.ل.ع رُغم إرهاقه للمستهلك بشرط علم البائع وهو ما يجعل عبء الإثبات على عاتق المستهلك حسب ما كرسه صراحة الفصل 551 من ق.ل.ع .
و ننتقل من المطابقة المادية -التي استبعد المشروع المغربي الفصول المنظمة لبعض مقتضياته من 571 إلى 575 من ق.ل.ع والتي تنص على إمكانية استبعاد الضمان عقديا – إلى المطابقة الوظيفية أو ما كان يعرف حسب جانب من الفقه[290] بخيار الشرط، حيث يشترط المستهلك أن تكون له مدة كافية يكشف فيها عن حالة موضوع العقد حتى يتبين مكاسبه ومضاره وهو ما اصطلح عليه المشرع بالضمان التعاقدي في ظل عدم كفاية القواعد العامة لضمان العيوب الخفية والتي يجب أن تكون محدد بكل دقة من حيث المدة والنطاق كضمان يضاف إلى الضمان القانوني حسب ما جاءت به المادة 61[291] من المشروع المغربي مع إلزام المهني بمصاريف النقل أو الإرسال المترتبة عن تنفيذ الضمان التعاقدي[292] وتشديد الحماية في عدم إيقاع المستهلك في خلط بين الضمان القانوني والتعاقدي بإلزام المهني بتحرير محرر يتوقعه المشروع ببيانات محددة بنص تنظيمي حسب المواد 66 و67.
رغم كل ما سبق نعيب على المشروع الإبقاء على النصوص المنظمة لضمان العيوب الخفية في ق.ل.ع بمددها القصيرة التي تحتسب من يوم التسليم وهي سبعة أيام لإعلام المهني و 30 يوما لرفع الدعوى حسب الفصل 553 من ق.ل.ع عدا استحالة العلم بالعيب[293]، تقابلها المادة 551/1 من القانون الإماراتي[294] التي حددت المدة في 6 أشهر والفصل 452 من القانون المصري والذي حدد المدة في سنة إلا في حالة الغش والتي تمتد خلالها الحماية إلى حين العلم[295].
المبحث الثالث: مظاهر الإذعانية أثناء تكوين العقد
في إطار البحث عن موطن الخلل في العلاقة التعاقدية وحرصا على تنوير وتبصير المستهلك وكشف الممارسات التجارية العقدية التي ترمي إلى تقييد سلطان الإرادة ووضع حدود للالتزامات، هدفنا إيجاد التوازن الغائب في إطار دراسة مجردة ترمي بالأساس إلى تسليط الضوء على كل ما هو غير قانوني، وتوضيح ما هو مشروع، يصبح لزاما علينا تحليل ما اصطلحنا عليه بالتعسف في استعمال الضمانات (المطلب الثاني) وقبل ذلك يجدر بنا تحليل الشروط التي تحد من المسؤولية (المطلب الأول).
المطلب الأول: الشروط التي تحد من المسؤولية
يعتبر المنطق القانوني متتاليات رياضية يستبعد كل الممارسات غير الأخلاقية عامة وغير المشروعة التي لا ترتكز على سند قانوني وربما استغلال المهنيين يمتد حتى للمشروعة منها، ولأجله سنخصص الفقرة الأولى لمظاهر الشروط التي تحد من المسؤولية حتى نتمكن من الانتقال في ضوء الفقرة الثانية إلى مدى مشروعية الشروط التي تحد من المسؤولية.
الفقرة الأولى: مظاهر الشروط التي تحد من المسؤولية
قبل الخوض في مظاهر الشروط التي تحد من المسؤولية يجب علينا وضعها في سياقها العام، فالسوق الأوروبية قد انتبهت إلى خطورة هاته الشروط ونظمت مؤتمرا خاصا لدراسة الإعفاء والتخفيف من المسؤولية في أوروبا[296] .
وقد عبر الأستاذ حسن عبد الباسط جميعي [297] عن استغرابه من وضع شروط الإعفاء من المسؤولية واصفا إياها بالدعاية السيئة والوضع غير المألوف فهي تنم عن سوء نية البائع أو مقدم الخدمة خاصة ونحن نؤطر لإرادة سليمة وكيف سنحقق ذلك في ظل هاته الممارسات التجارية، فعلى أقل تقدير يجب أن تكون الشروط مفهومة، خاصة ونحن أمام تنامي ظاهرة العقود الإذعانية والتي نص عليها المشرع المصري في المادة 149 من القانون المدني كإطار عام يحدد مفهومها.
ويعتبر هذا النوع من العقود المجال الخصب للشروط التي تحد من مسؤولية المهني وقد عرفها جانب من الفقه الفرنسي[298] بأن العقود الإذعانية مجال تصرف أو تعبير عن إرادة طرف محرر بشروط تُلين أو تضعف مسؤولية المهني وتضخم مسؤولية الزبون المنضَم من تحديد لثمن ووقت التسليم وإعفاء من ضمان العيوب الخفية ، بينما ذهب الأستاذ أحمد أبران[299] إلى أن الإذعان هو اضطرار الأفراد للتعاقد دون أن يكون لهم اختيار في التعاقد أو ترتيب آثاره بشكل أو بآخر ولا يكون للطرف الثاني المذعن إلا أن يقبلها جملة أو يرفضها جملة .
وهو ما يبرر اضطرار المستهلك قبول بعض الشروط ومن صورها الاتفاق بين الدائن والمدين في عقد من العقود على عدم ترك تحديد التعويض إلى القاضي كما هو الأصل بل يعمدان إلى الاتفاق مقدما على تقدير هذا التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم يقم المدين بأداءه أو تأخر عن تنفيذ التزامه [300]. وكتطبيق للاجتهاد القضائي نعرض لقرار جريء للمحكمة الابتدائية للدار البيضاء[301] التي رفضت التعويض عن التماطل مؤسسة حكمها على الفصل 264 من ق ل ع حيث اعتبرت الفوائد التأخيرية المنصوص عليها بالعقد تعويضا .
إننا وأمام هاته الصورة التي استعرضناها نقبل على مضض كلمة اتفاق ما دمنا قد أشرنا إلى إذعانية العقد ولمزيد من التوضيح سنشير بتركيز لعناصر عقد الإذعان، فحسب جانب من الفقه[302] هي:
– القبول جملة بمحتوى العقد دون إمكانية مناقشة الشروط.
– التحديد الأحادي لمحتوى العقد.
– أن يتعلق العقد بالضروريات من المنتوجات والخدمات.
– احتكار قانوني أو فعلي للمنتوج أو الخدمة.
لكن الأمر لا يخلو من تعقيد في بعض الحالات التعاقدية والذي تلعب فيه صياغة العقد دورا حاسما في تحديد المسؤولية، فالمعنى الدقيق غائب حسب جانب من الفقه الفرنسي[303] حيث أن اختيار العبارة يكون مقصودا من المهني ليجعل تكييفها يتناسب مع تفسيره، مثاله (مؤمن ضد السرقة على السيارة) حيث لا يمكن سرقة محتوياتها من الداخل إلا بالكسر.
لكن طُرحت حالة سرقة العجلات وكثرتها فشكلت خلافا حول مدى إمكانية اعتبارها كالمحتويات الداخلية أو كسرقة السيارة بكاملها، فهي مؤمنة مادامت نسبة الخطر في سرقتها مرتفعة بل إن السيارات الحديثة تستوجب من الشركة المقرضة أن يكون التأمين عليها ضد جميع المخاطر، فحسمت محكمة النقض الفرنسية [304] في قرار جدير بالتنويه بتاريخ 10 ماي 1989 فذهبت إلى أن المعنى السليم لعبارات العقد يذهب إلى التأمين على السيارة ككل ضد السرقة وأن العجلات جزء لا يتجزأ منها.
وفي ظل النقاش الذي لم ولن ينتهي ذهب الأستاذ Gress إلى أن شرط الإعفاء من الضمان يؤدي إلى إعفاء البائع من كل التزاماته المترتبة على وجود الضمان بينما ذهب الأستاذ محمود جمال الدين زكي إلى أن المسؤولية تظل قائمة والخطورة تتضح أكثر مع استعمال التكنولوجيا الحديثة غير المعلومة العواقب، فالإعفاء يصطدم بالنظام العام[305] .
وخارج هذا الجدل الفقهي أتى جانب من الفقه[306] ليحذر من الحماية المفرطة أو الإضافية والتي يمكن أن تترتب عليها أضرار عكسية للمستهلك رغم أنه يقر بأن حق مناقشة الشروط غائب، ونحن نتساءل معه حول صحة توجهه أمام اختيار المهني لمكان ورود شرط الإعفاء، فهو يؤثر بشكل كبير على رضى المستهلك أو النص على ضمان أجزاء المحرك مثلا لثلاث سنوات وما تبقى لمدة سنة فهو استغلال للمشترين من المستهلكين عديمي الخبرة بمزج المهني للضمان القانوني بالضمان الإتفاقي للإيهام بحجية الأول[307] ، إضافة إلى إذعان المستهلك لشروط لا يتضمنها العقد وصورها الإحالة على عقد آخر أو الملحقات فيعتقد المستهلك بشرعيتها هذا إن علم أصلا بوجود هاته الملحقات.
وهو ما أشارت إليه الأستاذة نزهة الخلدي [308] من أن محكمة النقض الفرنسية تتحفظ كثيرا على الشروط الملحقة بالعقد، وفي ظله نعرض لمقتضى عقدي جاء بالمادة الثانية من نموذج عقد قرض للخواص صادر عن البنك الشعبي حيث نصت "إن العمولات المدفوعة عند بداية كل فترة وكذا مصاريف الملف المأخوذة من طرف البنك تبقى مكتسبا للبنك بصورة تامة ونهائية، ولو لم ينجز هذا القرض كليا أو جزئيا لسبب ما" فهذا المقتضى يدفعنا جديا للتساؤل حول مشروعية هاته الشروط.
الفقرة الثانية: مدى مشروعية الشروط التي تحد من المسؤولية
تقوم التجارة حسب جانب من الفقه[309] على شبكة ائتمانية محكمة الحلقات أساسها تفوق إرادة المهني في العقود التي يبرمها، لكنها ترتقي غير ما مرة إلى أساليب تجارية عدوانية اتجاه المستهلك خصوصا في مجال القرض[310] .
فالتشريع المقارن وخاصة الفرنسي حاول تقييدها وكمثال المادة 3-113L من قانون الاستهلاك الفرنسي والتي تنص على القيود المحتملة للمسؤولية العقدية والشروط الخاصة بالبيع[311] فتخفيف أو تشديد المسؤولية مظاهره كثيرة ومثالها توفر الشرط الجزائي والذي يمكن إبطاله حسب المادة 223 من القانون المدني المصري ففي حالة عدم لحاق أي ضرر بالدائن فهو لا يستحق مقدار الشرط الجزائي وإمكانية تعديله أي تعديل الإرادة المفترضة للمتعاقدين من طرف القاضي مباحة حسب المادة 224 من القانون المدني المصري والتي يقابلها الفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
بينما ذهب جانب من الفقه [312] إلى إيجاد أساس للحماية من الحد من المسؤولية وإثبات عدم مشروعيتها بعدم إعطاءه الحق للمهني في الاستفادة من شرط عدم الضمان، فالمسؤولية تقوم لتخلف أو عدم كفاية المعلومات المقدمة للمستهلك بالنسبة لخطر الشيء المباع وطريقة استخدامه .
ففرض شرط الإعفاء من المسؤولية أساسه مخالفة قواعد النظام العام ويزيد الأمر تعقيدا المشاكل التي يعانيها المستهلك المقترض والتي تبرر إعطاءه حماية خاصة، فحسب جانب من الفقه[313] فإن أهم المشاكل هي:
– أن المسار التعاقدي مبتور من مراحل أولية متمثلة في قيام العقد والتحرير.
– أن القرار بالتعاقد اتخذ في حالة الخطر أو الضعف.
– هو قرار إستراتيجي غير محمي قانونا.
وفي ظل هاته الإشكالات تبقى الرابطة بين المشروعية من عدمها والالتزامات القانونية وثيقة، فالمادة 1602 من القانون المدني الفرنسي تقابلها المادة 2-133L من قانون الاستهلاك الفرنسي توجب تحرير العقود الموجهة للمستهلكين بطريقة واضحة ومفهومة، والقضاء بدوره في بعض الحالات يقوم بإبطال بعض الشروط صعبة القراءة والفهم لـتقزيم المسؤولية أو الحد منها نهائيا فقد يعمد المهني إلى استعمال الإبهام في التحرير وعدم إيضاح المعنى أو غموضه وتبقى نية المتعاقدين هي محور التكييف[314] حسب المادة 1156 من القانون المدني الفرنسي[315].
لكنها تظل حماية محل نظر خصوصا في العقود المعدة مسبقا حيث أن الطرف المنظم يقدم رضى شمولي ولا تتجه إرادته إلى قبول كل شرط على حدة.
وفي إطار البحث عن حجية هاته الشروط ذهب جانب من الفقه [316] إلى التأكيد على أن المسؤولية تبقى قائمة في حالة الغبن والخطأ الجسيم، رغم محاولة البعض تبرير صحة هاته الشروط من تخفيف وإعفاء من المسؤولية إلى قيام المشرع بإباحة التعويض الإتفاقي والشرط الجزائي.
وهو تساؤل مشروع في ظل القواعد العامة ومحل نظر في ظل مفهوم القوانين الاستهلاكية، فالاحتراف قرينة قضائية بموجبها يفترض علم البائع بالعيب الخفي وسوء نيته بوضع شرط الإعفاء من المسؤولية وشروط الإعفاء من ضمان الملحقات هو إهدار للتوازن العقدي حتى في ظل القواعد العامة ومثالها القانون الفرنسي في المادة 1591 ومعه ق.ل.ع اللذان أوجبا تحديد السعر بواسطة طرفي العقد وليس التحديد البعدي.
ومن المظاهر المنتشرة في العقود التجارية شرط التحكيم فحسب جانب من الفقه الفرنسي[317] فصحته مرتبطة بوجود طرفين تاجرين مستدلا بالمادة 2061 من القانون المدني .
وبعد التعديل الذي طال المسطرة المدنية المغربية في سنة 2007 فالتوجه باعتبار اشتراط مسطرة التحكيم شرط غير مشروع بين طرف مدني وآخر تجاري أصبح محل نظر.
وفي ظل هذا التخبط المفاهيمي نعيد إثارة الانتباه في ضوء استدلال أغلب الفقهاء بقضية الصور الفوتوغرافية ورغم أهمية قرار محكمة النقض الفرنسية التي ذهبت إلى توجه حمائي لصاحب الصور الفوتوغرافية التالفة بإقرارها تعويضا منصوصا عليه عقديا، إلا أننا نرى خلاف الفقه أن الأمر يتعلق بمهنيين محترفين ولا يمكن اعتبار المتضرر مستهلكا حتى بإعمال المفهوم الواسع مادام صاحب الصور التالفة يمتهن حرفة التصوير[318].
وسنكون بذلك قد احترمنا إرادة المشرع في المادة الاستهلاكية كما كان عليه الأمر بل ومازالت دعوة الفقه إليه في المادة التجارية، حيث ذهبت محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 360 لسنة 27 ق، جلسة 2-2-1999 " إلى أن تكييف العقود العبرة فيه بحقيقة ما عناه العاقدون والتزام محكمة الموضوع بتكييفها التكييف القانوني الصحيح يثبت عدم تقيدها بتكييف المتعاقدين" .
ونفس الضوابط الصارمة التي يمكن أن تساعد على إثبات شرعية هاته الشروط يعاني منها حتى التشريع الألماني حيث ذهب جانب من الفقه[319] إلى أنه إذا كانت مراقبة العقود النموذجية من خلال الاجتهاد القضائي الألماني مستبعدة في إطار قانون 1976 فإنها ممكنة حسب القانون المدني بإعمال المادة 242 التي تنص على مبدأ حسن النية.
هذا المبدأ الغائب في العقود النموذجية والاتفاقات الجماعية التي تؤدي إلى تنظيم شبه قضائي، لكن الخصوصيات الحمائية تسلط الضوء على عدم المشروعية، فالتأمين على القرض يتميز بخصوصية حسب قانون 4 يناير 1994[320] من إستلزام الكتابة بشكل ظاهر للأقساط وشروط البطلان وكذا سقوط الضمان التي يستوجب كتابتها بشكل واضح جدا إضافة إلى شرط" عـدم المطابقة non conforme"، لكن مؤسسات التأمين ومعها مؤسسات القرض تحاول تجنب الاصطدام مع محكمة النقض الفرنسية باحترامها شرط الكتابة لكنها تتلاعب وتختار عبارات مستعصية على الفهم،وهو ما استدعى المهنيين أنفسهم من خلال فدرالية مؤسسات التأمين الفرنسية إلى إحداث لجنة لتدارس 43 كلمة تخلق إشكال لغوي مفاهيمي وذلك في ظل الالتزام الغائب في التشريع المغربي المتعلق بالتحرير باللغة العربية، أما اللغة الفرنسية فهي واجبة منذ مرسوم 30 دجنبر 1938 وحاليا بموجب المادة 3-112L من قانون التأمين الفرنسي.
وتبقى المشروعية منعدمة لهاته الشروط في ظل التزامات مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين، ونموذجها المادة 8 والتي توجب كون الشروط واضحة ومفهومة وتأويل الغموض لفائدة المستهلك، وتعتبر المادة 20 المادة السابقة من النظام العام.
المطلب الثاني: التعسف في استعمال الضمانات
لقد كان من بين الهواجس التي تعتري ذهننا كباحثين في المجال القانوني والقروض الاستهلاكية على وجه الخصوص الوقوف على الشروط العقدية التي تشكل قصورا مشتركا بالنسبة للمشرع بالنسبة للتنظيم والفقه في إطار التنظير، ففي ظل إذعانية العقد فالمستهلك يعاني حالة مزمنة من الضعف والجهل، ولم نجد أحسن من نموذج التعسف في استعمال الضمانات الذي سنحلله من خلال الضمانات العينية (الفقرة الأولى) والضمانات الشخصية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الضمانات العينية
إن أغلب العقود في الحياة اليومية أخذت منحى النموذجية حسب الأستاذ Berliez[321]، وقد ركز بالأساس على عقود البنك والتأمين والبيع عن طريق القرض[322] أو ما اصطلح عليه المشروع المغربي 08-31 بالقرض المخصص.
فإذعانية المستهلك حسب رأي الأستاذة نيكول شردان [323] ليس إلا ثقة عمياء في المهني حسب معادلة غير متوازنة، فالمهني يساوي الإرادة والمستهلك يساوي الثقة، بطريقة إجبارية وليست اختيارية حسب ما يعتقد البعض والذي يردد شعارا فقهيا "كل ما هو عقدي فهو عادل".
فحسب رأينا يجب أولا مناشدة العقد السليم والذي سيفرز لا محالة عدالة عقدية تبقى نسبيتها مقبولة على مضض، ومن ضمن آثار الإذعانية وهي اشتراط الضمانات العينية وتبقى نظريا أمرا مرغوبا في الممارسة التجارية والبنكية منها على الخصوص، مادامت نسبة الخطر تحيط معاملات القرض، لكننا نسعى من خلال دراستنا هاته للوقوف على التعسف في الضمانات التي تبقى مشروعة إن لم تصل إلى مستوى إرهاق المتعاقد وتقييده وإبعاد الخطر الذي هو من خصائص العمل التجاري .
وسنشير حسب المفهوم الواسع للضمانات العينية إلى أبرزها، فالمؤسسات المقرضة تلزم توظيف المرتب أو الأجر حيث يلتزم المستهلك المقرض بتوطين أو عدم تحويل المبالغ التي يحصل عليها إلى بنك آخر لكي يضمن البنك استخلاص الأقساط والذي غالبا ما يكون في علاقة مع مؤسسة التمويل إن لم تكن كلها فروع لمؤسسة واحدة[324].
وكمثال عن هاته الوضعية فالبنك "التجاري وفا بنك" تعتبر مؤسسة التمويل وفاسلف فرع من فروعه، والمثال الثاني هو البنك الشعبي الذي يعتبر السلف الشعبي مؤسسة تمويل تابعة لنفس المجموعة ، بل إن الأمر يتعدى ذلكم فالمجموعة تضم إضافة إلى الفروع السابقة شركات للتأمين.
وللوصل إلى تحليل سليم لتقنية توظيف الأجر أو المرتب كضمانة نشير إلى أن الضمانات العينية حسب الأستاذ البارودي [325] هي رهن مال منقول أو عقار، وحسب جانب آخر من الفقه[326] فإن الضمانات العينية تسمى امتيازات إلى حين الأداء الكامل للمبلغ حسب المادة 2102 من القانون المدني الفرنسي وتعتبر أيضا من وجهة نظره الضمانات العقارية ليست، جد فعالة خاصة أمام التصفية القضائية ونظم المعالجة[327] .
وهي من آثار الآراء الفقهية التي تحاول أن تفرض المفهوم الواسع للمستهلك والتي سبق وأن حذرنا منها، فستصبح من وجهة نظرنا وضعية قانون الاستهلاك كوضعية نظام معالجة صعوبات المقاولة، حيث أن الرغبة في حماية المقاولة يشل أعداد لا تحصى من المقاولات وصورته في القوانين الاستهلاكية استفادة المهني من قواعد حمائية مخصصة للمستهلكين فيصبح المجتمع بأسره مستهلكا فنسقط في فخ عدم جدوى القوانين.
وبالرجوع إلى الضمانات العينية المتجسدة خاصة في الرهون كضمانات اتفاقية يستوجب تسجيلها حتى يمنح المقرض حق الأسبقية ويتمتع بالحقوق المخولة في الفصل 1170 من ق.ل.ع.
إضافة إلى تنظيم الرهن الإتفاقي في ظل قانون 2 يونيو 1919 في المادة 173[328] والذي نص على امتيازات عامة وخاصة وليس هذا مجال التوسع مادمنا نسعى إلى الإحاطة بأنواع مختلفة من الضمانات كالمنظمة بقانون 30 شتنبر 1993 المتعلقة بضمانات خاصة على السيارات في التشريع الفرنسي، حيث يكون حق الرهن فعالا يصمد في مواجهة جميع الدائنين بمختلف مراتبهم بل حتى في مواجهة قواعد النظام العام المرتبطة بالمعالجة ويكون التقييد بالولاية "préfecture" التي سلمت البطاقة الرمادية، فهاته الإجراءات إجبارية لضمان الحقوق [329] ، فالمهني في حالة تخوف دائم من الضمانات القانونية وهو ما يستدعيه إلى تعزيزها بطلب ضمانات اتفاقية تعاقدية.
فالضمان يمكن أن يكون متعلقا بحقوق الملكية على اختلافها فتوجد تقنيات كثيرة ومختلفة أبرزها ضمانات انتقال الملكية في حالة عدم الأداء إلى المهني أو ضمانة الاحتفاظ بالملكية[330] ، فالمهني يعلم أن نسبة الخطر تزيد أو تقل بضعف قوة الضمانات في ظل الأنظمة الخاصة المتعلقة بها والتي لا تعفي من الحرص على الشروط العامة.
وفي هذا الإطار نعرض لقرار لمحكمة الإستناف بالقاهرة [331] "فحسب المادة 1122 مدني مصري رهن المنقول فيما لا يتعارض فيه مع الأحكام والقوانين التجارية والأحكام الخاصة ببيوت التسليف…… شروط الرهن حسب المادة 1117 حتى وإن كان الرهن تجاري".
ونظرا لاستغلال المهني المقرض للضمانات بشكل تعسفي، فقد جاء مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك في المادة 70 بمقتضى حمائي، حيث نص على أن "القروض وعقود وعمليات القرض المبرمة بشكل رسمي" مستثناة من نطاق التطبيق الحمائي المقررة في القروض الاستهلاكية ليستدرك باستثناء على استثناء وهو المتعلق بكون القروض رهنية فتشملها بمقتضاه قواعد المشروع الحمائية .
ويضيف مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك في المادة 82 بنصه "إذا وقع المقترض ترخيصا بالاقتطاع من حسابه البنكي أو البريدي، فإن صحة الترخيص المذكور وسريان أثره رهينان بصحة العقد وسريان أثره" .
هذا كله من أجل الحد من التعسف في الضمانات التي تخول حجز المرهون و بيعه كما أكده الاجتهاد القضائي المغربي في حكم صادر عن المحكمة التجارية بمكناس[332] والتي درجت نماذج عقود القروض الاستهلاكية على تضمينها، كالفصل الرابع من عقد قرض الخواص لمؤسسة البنك الشعبي، والفصل 26 من عقد قرض الخواص للقرض الفلاحي والمتعلقة بالضمانات الواجبة على المستهلك والمحالة بمقتضى الفصل على ملاحق وعقود مستقلة تشكل جزءا لا يتجزأ من العقد، وذلكم بحكم العدالة العقدية التي يبرز تعسفها أكثر مع الضمانات الشخصية التي تزيد من إذعان المستهلك[333].
الفقرة الثانية : الضمانات الشخصية
لا نستغرب أمام ما سبق وما سينضاف من ضمانات إضافية يستوجبها المقرض في عقوده الإذعانية في ظل علمه اليقين بأن المستهلك حتى ولو أتيحت له فرصة المناقشة لن يستطيع استيعاب مضمون وفحوى هاته الشروط وتقدير مضامينها، فجرت العادة على التعسف في إقحام الضمانات ومراكمتها ،وهنا نجد حسب تعبير جانب من الفقه[334] الوجه الآخر للمهني المتفوق اقتصاديا والذي يستغل الحماية القانونية والحماية التعاقدية ويمتاز بتحضيرها بطريقة علمية وتقنية وعقلانية حماية لمصالحه، فالإذعان ما هو إلا نتاج الاستعجال وضغط الحاجة.
وكانت محاولة المشرع الفرنسي في محلها عندما أعاد النظر في أكثر من 230 نص في قانون 1980 الذي ينظم التأمين،[335] فالضمانات الشخصية حسب جانب من الفقه المصري[336] تبقى في أبرز صورها تقديم كفيل موسر أي مليء الذمة المالية والضامن الاحتياطي والذي باستعمالنا المفهوم الواسع سنربطه بالتأمين فالقواعد المنظمة لقانون الاستهلاك ليست دائما خاصة به، كما أن التنظيم يمكن أن يشمل أشخاص غير المستهلكين وهو التوجه الذي حاولنا أن نختم به المقتضيات المتعلقة بتكوين العقد، فالمهني يمكن بل هو دائما يطلب كفالة شخص مليئ الذمة المالية وحسب المادة 2011 من القانون المدني الفرنسي فقواعدها أي الكفالة ليست من النظام العام وقد عرفها الفصل 1117 من ق.ل.ع المغربي على أن " الكفالة عقد بمقتضاه يلتزم شخص للدائن بأداء إلتزام المدين إذا لم يؤده هذا الأخير بنفسه ".
ويمكن أن يطلب المهني المقرض ضمانة مباشرة دون الرجوع إلى المستهلك المقترض أو أن تكون تضامنية في حالة تعدد الكفلاء أو اختيار الرجوع على أحدهم بمجموع الدين، لهذا ألزم قانون الاستهلاك الفرنسي مقدمي القرض بإعلام واضح للكفلاء[337]،وذهب جانب من الفقه[338] موضحا لهاته الحالة بقوله دأب القضاء الفرنسي[339] على مساءلة البنكي لما يلجأ إليه من حيل أو مناورات بهدف الحصول على موافقة الكفيل من أجل ضمان دينه دون أن يخبره بالوضعية الصعبة للمدين الأصلي، معتبرا أن هدف البنكي من حصوله على ضمانات إضافية هو جنوحه نحو تقوية مركزه تجاه المدين حينما تتأزم الأمور ويضطر معها إلى اللجوء إل القضاء بغية استرجاع أمواله وهو ما يرتب واجب إخبار الكفيل بحقيقة وضعية الكفيل .
وهو ما سار عليه مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك من تكريس التزامات الإعلام لفائدة الكفيل نظرا لخطورة الالتزامات التي من الممكن أن يتحملها أثناء تنفيذ العقد، فقد نص المشروع في المادة 75 منه على أنه" من البيانات الأساسية بالعرض المسبق أن يشير إلى هوية الأطراف والكفلاء عند الاقتضاء".
وفي المادة 140 من المشروع نظم الكفالة على وجه التضامن وحدد نموذجها وبالتالي أقر التخلي عن الدفع بالتجريد المكرس حاليا في العقود النموذجية أما المادة 139 فهي الإطار العام للكفالة والمنظمة تحت طائلة بطلان الالتزام إن لم يأتي في الصيغة المحددة حسب نفس المادة على أن التزام الكفيل خلالها لا يقوم إلا مع عجز أو عدم قدرة المقترض المدين الأصلي على الأداء .
وحيث إن الذمة المالية للأزواج في فرنسا لها خصوصية عما هو عليه الأمر في المغرب والمنظمة حسب مقتضيات الشريعة الإسلامية وما كرسته مدونة الأسرة من استقلال للذمة المالية للزوجين، فحسب جانب من الفقه الفرنسي[340] تزكي المادة 220 من القانون المدني الفرنسي التضامن بين الأزواج لكنها تتعارض مع قانون 23 دجنبر 1985 الذي يحد من هذا التضامن إلا في حالات معينة تُخرج عملية القرض الموجه أو المخصص من مجال التضامن إلا في حالة الديون الصغيرة لحاجيات دورية، لكن المجال العقدي له الحل بإلزام الزوج عقديا وبالتالي الخروج من تعارض النصوص القانونية.
وتجدر الاشارة إلى أن الكفالة يجب أن تكون بخط اليد وهو ما أكده كل من التشريع الفرنسي والمشروع المغربي.
حقيقة فإن الجهات التنفيذية لها دور في الحماية فوزارة الاقتصاد والمالية ولجنة مراقبة شركات التأمين وبنك المغرب و اختصاص الوزارة المعنية في مجال التأمين من أجل وضع عقود نموذجية هدفه من حيث الفلسفة التشريعية ليس تجاوز القانون بل إعماله بمراقبة نماذج المؤمنين.
فقد نصت المادة 4-114 من قانون التأمينات الجديد في فرنسا على وجوبية توجيه المؤمن للنموذج المقترح على المستهلكين إلى الوزارة من أجل المصادقة عليه[341]، فالضمان كهاجس لدى المهني المقرض يصبح معه التأمين إجباريا حتى في الحالات الاختيارية مع التقيد بالبيانات الواجبة من ضمانات الخطر المؤمن عنه وسقوط المدة والثمن .
وبالرجوع إلى النماذج العقدية فنجد في المادة 26 من عقد القرض الصادر عن البنك الشعبي نجد تأمينا على الحياة إضافة إلى تأمين آخر ضد جميع المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المستهلك المقترض والتي ستمنعه من الأداء واستيفاء البنك للأقساط.
بل وحسب المادة الخامسة من نفس النموذج للبنك الحق في تجديد عقد التأمين المبرم من طرف المقترض تلقائيا وفي حالة فسخ هذا القرض لأي سبب كان ومهما كانت العوامل تبقى مبالغ أقساط التأمين مكتسبة بصفة نهائية للبنك مع حق الاقتطاع المباشر للأقساط من المعاشات مضافة إليها سندات لأمر تحتوي على قيمة القرض مجتمعة تكون سندا للبنك في حالة عدم الأداء.
ولا يمكننا إلا أن نزكي ما ذهبت إليه الأستاذة أمينة ناعمي [342] عندما اعتبرت أن العقد يكون مقترنا بأمر زائد عما تقتضيه أحكامه العادية، وفي ظل مشروع قانون رقم 08-31 يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك فقد نصت المادة 77 على أنه "عندما يكون العرض المسبق مقترنا باقتراح تأمين يجب أن تسلم إلى المقترض مذكرة تتضمن مستخرجات من الشروط العامة للتأمين المتعلقة به ولاسيما اسم المؤمن أو تسميته وعنوانه ومدة التأمين والمخاطر المؤمنة وتلك المستثناة، وإذا كان التأمين إجباريا للحصول على تمويل وجب التذكير في العرض المسبق بأن للمقترض أن يبرم تأمينا مماثلا لدى مؤمن يختاره وإذا كان التأمين اختياريا وجب التذكير في العرض المسبق بالكيفيات التي يمكن وفقها للمقترض ألا يكتتب فيه".
نلاحظ أن المهني المقرض يتعسف في طلب الضمانات والأكيد أنه يتعسف في استعمالها ونحن نتساءل أمام هذا التحصين التعاقدي أمازالت هناك خصائص العمل التجاري من مغامرة ومجازفة وخطر!! لا نظن أن المهنيين تركوا خلال التكوين ما يمكن أن يستحقوا التعويض عنه.
بعد هاته الطفرة ننتقل مع المشروع من التكوين إلى سريان العقد وما سيفرزه من إشكاليات لنقول إن جميع العلاقات التعاقدية تبدأ بابتسامة فتختفي عند التنفيذ وتبقى المشاكل لرجال القانون.