المسؤولية الضريبية لمسيري الشركات التجارية وفق مقتضيات المادة 98 من مدونة تحصيل الديون العمومية
المسؤولية الضريبية لمسيري الشركات التجارية وفق مقتضيات المادة 98 من مدونة تحصيل الديون العمومية
من إنجاز: الدكتورة عزيزة تابتي
تهدف دعوى المسؤولية الضريبية لمسيري الشركات التجارية إعمالا لمقتضيات المادة 98 من م.ت.د.ع[1]، إلى حماية الشركات التجارية من الأعمال التدليسية التي ترتكب أثناء تسييرها من طرف الأجهزة المكلفة بالإدارة والتسيير، إذ تمثل هذه الأخيرة الضحايا الأولى والأساسية للتعسف واستغلال السلط والصلاحيات المخولة للمسيرين بشكل يتعارض مع مصالحها الاقتصادية والاجتماعية.
بحيث يتوخى مشرع مدونة تحصيل الديون العمومية من وراء إقرار هذا النوع من المسؤولية إلى التوسع إلى أكبر حد ممكن متابعة الأفعال الاحتيالية للمسيرين وبالتالي معاقبة كل الأخطاء والمخالفات المرتكبة أثناء تسيير الشركة.
والملاحظ أن مجال دعوى المسؤولية الضريبية ضيق جيدا، بحيث لا يسمح بمتابعة مسيري الشركة، إلا عند عدم كفاية موجوداتها وعجزها عن أداء ديونها الضريبية، وإثبات العلاقة السببية بين الأعمال الاحتيالية للمسيرين واستحالة تحصيل الدين الضريبي.
ومن أجل رفع الغموض واللبس عن هذه الدعوى، والإحاطة بها من جميع جوانبها حتى يتسنى ويسهل تطبيق أحكامها على مرتكبيها، كان لزاما دراسة جميع عناصر إثارة دعوى المسؤولية الضريبية وفق ما نصت عليه مقتضيات المادة 98 من مدونة تحصيل الديون العمومية، باعتبارها مسؤولية خاصة، تتطلب توافر جملة من القواعد والعناصر لأجل إدانة المسير بتحمل الالتزام الضريبي للشركة، ومتابعته في ذمته الشخصية والمالية على سبيل التضامن بنفس الدين الضريبي، شريطة إثبات مسؤوليته التضامنية وفق الشروط المقررة في المادة السالفة الذكر.
المطلب الأول: الطبيعة القانونية لدعوى المسؤولية الضريبية
خروجا عن القواعد العامة وقانون الشركات ومدونة التجارة، التي تحمل المسير المسؤولية عن الأخطاء التي يرتكبها بمناسبة إدارة وتسيير الشركة، فقد رتب المشرع حماية خاصة للدين الضريبي تشكل ضمانا لحقوق الخزينة العامة، والمتمثلة في تحمل المسيرين على وجه التضامن مع الشركة أداء المبالغ المستحقة عليها.
وعليه يكون المشرع قد حدد نطاق مسؤولية المسير عن تعذر تحصيل الضرائب الواجبة على الشركة في المسؤولية المدنية، وليست ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ الجنائية التي تخضع لمبدإ هام وهو لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ﻓﺎﻷﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ الجنائية ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻭﻣﻦ تم تتحدد ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ المطابقة لها، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺨﻀﻊ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ للمبدأ الذي نص عليه الفصل 77 من ق.ل.ع[2]، ﻛﻞ ﺧﻄﺄ ﺳﺒﺐ ﺿﺮﺭﺍ ﻟﻠﻐﻴﺮ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ ﺍﻟﺘﻌﻮﻳﺾ، و لقد حصر المشرع في المادة 98 من م.ت.د.ع، الركن الأساسي لقيام دعوى المسؤولية الضريبية للمسير في ارتكابه أعمالا تدليسية، باعتبارها أخطاء لا تحصى ولا تعد.
ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ تكون مسؤولية المسير عن أداء الديون الضريبية للشركة، مسؤولية مدنية أوسع نطاقا، ولا تحمل معنى الردع الذي تنطوي عليه المسؤولية الجنائية، وإنما تفيد معنى جبر الضرر الذي تسبب فيه الشخص المسؤول.
وعلى هذا الأساس تكون مسؤولية مسير الشركة في إطار المادة 98 من م.ت.د.ع مسؤولية مدنية، والتي يمكن أن تكون عقدية أو تقصيرية.
مما يثير السؤال حول نوع المسؤولية الضريبية للمسير، هل هي مسؤولية مدنية ذات طابع عقدي أم مسؤولية مدنية ذات طابع تقصيري؟
الفقرة الأولى: المسؤولية الضريبية للمسير ذات طابع عقدي
تترتب المسؤولية العقدية عن الإخلال بالتزام عقدي، فلما كان العقد شريعة المتعاقدين كان لزاما احترام مضمون هذه العلاقة وأي إخلال بها، إلا ويستوجب تحميل المسؤولية للطرف الذي تسبب في حصول هذا الإخلال[3]، وهذا ما عبر عنه المشرع المغربي في الفصل 263 من ق.ل.ع[4]، وبالتالي يستحق التعويض إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام أو التأخر في الوفاء به.
والمسير عندما يقوم بالتزاماته نيابة عن الشركة بصفته الممثل القانوني لها، ويبرم العقود باسمها، فهو بهذه الصفة التمثيلية لا تربطه بالغير أية علاقة مباشرة، إلا بمقدار ما يمنحه نظام الشركة وعقد تأسيسها، والسلطات والصلاحيات المخولة له في إبرام العقود باسم الشركة بشكل مباشر، فمسير الشركة يتمتع بصلاحيات واسعة في إدارة الشركة لكن في حدود غرضها، وبالتالي تعتبر الأعمال والتصرفات التي يقوم بها، ويمارسها باسم الشركة ولفائدتها، ملزمة للشركة في مواجهة الغير الذي يتعامل معها بحسن نية، ولها الرجوع على المسير بقيمة الضرر الذي لحق بها، إلا أنه في حالة عجز الشركة عن الوفاء بالتزاماتها اتجاه الغير، نتيجة عسرها أو تعرضها لصعوبات مادية يمكن متابعة المسير في ذمته المالية الشخصية للوفاء بالالتزامات الضريبية للشركة، إذا تبت وجود صلة مباشرة بين الأخطاء التي ارتكبها بمناسبة إدارة وتسيير الشركة، وعجز هذه الأخيرة عن الوفاء بديونها الضريبية.
إن عدم وجود أية علاقة تعاقدية بين المسير والإدارة الضريبية بصفة مباشرة، يجعل المسؤولية الضريبية للمسير مسؤولية مدنية غير قائمة على أي التزام عقدي بين الطرفين، والتي تتجسد في القيام بعمل غير مشروع أي ما عبر عنه المشرع في المادة 98 من م.ت.د.ع بالأعمال التدليسية، وليس الإخلال بالتزام عقدي.
الفقرة الثانية: المسؤولية الضريبية للمسير ذات طابع تقصيري
إن إعمال قواعد المسؤولية العقدية في إطار العلاقة التي تربط المتعاقدين ببعضهما نتيجة إخلال أحدهما بالالتزامات العقدية وإتيانه الخطأ العقدي بوصفه العنصر اللازم لقيام هذا النوع من المسؤولية المترتبة عن الإخلال بالتزام عقدي، فإن المسؤولية التقصيرية تبنى على العمل غير المشروع، سواء وقع ارتكاب الفعل عن قصد أو عن خطإ أو عن تقصير، وسواء كان الخطأ جسيما أو يسيرا ارتكب بسوء نية أو عن حسن نية عملا بمقتضيات المادة 78 من ق.ل.ع التي جاء فيها” …الخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر[5].
وكأساس تهدف قواعد المسؤولية التقصيرية ضد مسيري الشركات إلى جبر الضرر الذي تعرضت إليه الشركة أو المساهمين أو الأغيار، بحيث تتحقق المسؤولية التقصيرية للمسير بوقوع خطأ تسبب عنه إلحاق ضرر بالغير، ولا تكون ثمة صلة عقدية بين المدين والغير المضرور والذي غالبا ما يكون دائنا للشركة.
وإعمالا لمقتضيات المادة 98 من م.ت.د.ع، يسأل مسيري الشركة عن الأعمال التدليسية والتي تأخذ صور متعددة كالتقصير أو الإهمال أو المخالفات والمناورات الاحتيالية… التي يرتكبونها بمناسبة مزاولتهم لمهام إدارة وتسيير الشركة، في حالة إلحاق ضرر بالذمة المالية للشركة ترتب عنه عجز هذه الأخيرة عن الوفاء بديونها الضريبية، وكان سبب هذا العجز هو الأعمال التدليسية المرتكبة من طرف المسير، مما يترتب عنه إحلال المسير محل الشركة في أداء ديونها الضريبية.
وفي هذه الحالة تكون مسؤولية المسير إما فردية، وذلك عندما تناط مهام التسيير بشخص واحد، وإما تضامنية تطال جميع مسيري الشركة في حالة التسيير الجماعي، مما يصعب معه تحديد نسبة كل واحد منهم في ارتكاب الخطأ[6].
وبناء على هذه الاعتبارات تكون دعوى المسؤولية الضريبية للمسير، في حالة عجز الشركة عن أداء ديونها الضريبية نتيجة أعمال تدليسية مرتكبة من طرف المسير مسؤولية تقصيرية، لا يتم إعمالها إلا في حالة عسر الشركة، لأن الأصل هو تحمل الشركة مسؤولية الأضرار اللاحقة بالغير، لأن المسيرين يباشرون جميع أعمالهم باسمها ولفائدتها.
ومعنى ذلك أن إدارة الضرائب ترجع في الأصل على الشركة باعتبارها المدين الأصلي بالدين الضريبي مادامت هذه الأخيرة قادرة على الأداء، ولا ترجع على المسيرين إلا في حالة عجزها عن الأداء، مما يجعل دعوى المسؤولية الضريبية دعوى احتياطية بامتياز.
وهكذا، تتميز دعوى المسؤولية الضريبية بكونها دعوى خاصة في المجال الضريبي، مرتبطة بقيام المسير بأخطاء في التسيير، تهدف إلى ردع المسيرين من جهة، وإلى ضمان سداد الدين الضريبي من جهة ثانية إذا توفرت الأركان الضرورية لقيامها.
المطلب الثاني: أركان المسؤولية الضريبية
بحكم المهام الموكولة للمسير والمتمثلة في مباشرة جميع أعمال إدارة وتسيير الشركة، فإنه معرض لارتكاب العديد من الأخطاء المرتبطة بالتسيير مما يجعل مسؤوليته قائمة اتجاه الشركة والمساهمين والأغيار.
وهذه المسؤولية لا تشذ عن القواعد العامة للمسؤولية سواء المدنية أو الجنائية أو الضريبية، إذ تقوم المسؤولية على توفر ثلاث عناصر وهي وجود خطأ وضرر وعلاقة سببية بين الخطأ والضرر.
والمسؤولية الضريبية للمسير المثارة بموجب المادة 98 من م.ت.د.ع، لا تخرج بدورها عن العناصر التقليدية لقيام المسؤولية، مع بعض الخصوصيات والمتمثلة في توصيف الخطأ الموجب لقيام المسؤولية، الذي يجب أن يكون تدليسا، إضافة إلى عدم إعمال السلطة التقديرية للقاضي في تحديد قيمة التعويض عن الضرر.
الفقرة الأولى: الخطأ في التسيير ذو الطبيعة التدليسية
تهدف القوانين الموجبة لقيام مسؤولية المسير عن أخطاء الإدارة والتسيير إلى حماية الضمان العام للدائنين من جهة، وتوخي الحيطة والحذر عند مزاولة مهام التسيير بالشركة من جهة ثانية.
الأمر الذي قد يثقل كاهل المسير، ويترتب عنه العزوف عن تحمل مهام التسيير والمسؤولية المرتبطة بها، فلو كان المسير في كل مرة مجبر على تحمل مسؤولية الأعمال التي يقوم بها وتمس بمصالح الأغيار، لأدى ذلك إلى العزوف عن القيام بمهام التسيير، وعليه إذا ما كان المسير يتصرف لفائدة الشركة ولمصلحتها، فإن أقل شيء يمكن أن تقوم به الشركة اتجاه مسيريها، وهو تحمل تبعات أعمالهم العادية على الأقل باعتبارها الحاجز الذي يحمي المسيرين[7]، ومنه يجب التمييز بين مجرد الخطأ في الإدارة والتسيير، وبين الأعمال التي تنطوي على الغش والاحتيال ومخالفة أحكام القانون والنظام الأساسي للشركة.
وفي هذا الإطار وتفاديا لأي خلط بين الأعمال العادية للمسير التي تتحملها الشركة، وبين الأعمال الموجبة لقيام المسؤولية الضريبية والتي تم توصيفها بالأعمال التدليسية، فيكون الخطأ في المسؤولية الضريبية خطأ تدليسيا يتحقق إثر قيام المسير بأعمال تدليسية، مما يثير السؤال حول ما المقصود بالأعمال التدليسية في إطار المسؤولية الضريبية المؤسسة بموجب المادة 98 من م.ت.د.ع.
البند الأول: الخطأ التدليسي في الميدان المدني
يعرف الخطأ باعتباره ركنا أو شرطا أساسيا في المسؤولية التقصيرية بوجه عام بأنه: “إخلال الشخص بالتزام قانوني مع إدراكه لهذا الإخلال[8]، أو انحرافه عن السلوك المألوف للرجل المعتاد”[9].
وهذا الإخلال بالالتزام القانوني أو الانحراف عن السلوك المعتاد يتحقق به الخطأ في المسؤولية التقصيرية، سواء كان عمديا، كما لو صدر عن الشخص بقصد الإضرار بالغير، أو غير عمدي، كما لو جاء نتيجة للإهمال أو لعدم التبصر وأخذ الحيطة والحذر[10].
ويعد التدليس واحد من أهم وصور تطبيقات الخطأ العمدي في المسؤولية التقصيرية، حيث ينحرف به مرتكبه عن السلوك المألوف في التعامل، ويخل به الثقة المشروعة بينه وبين الطرف الآخر.
وبارتكاب المسير لأعمال تدليسية يخرج عن نطاق السلوك المألوف للرجل المعتاد، إذ يتحقق الخطأ التدليسي فيما يصدر عن مسير الشركة باعتباره الطرف المرتكب للتدليس، من سلوك أو نشاط تدليسي، يرمي إلى تضليل الطرف الآخر، أي الإدارة الضريبية، وإيهامها بغير الحقيقة، سواء كان هذا السلوك أو النشاط التدليسي قد تمثل بأعمال إيجابية للمسير، كما في الطرق أو الأساليب الاحتيالية المادية التي تتحقق بإدخال الزيف على عناصر أو صفات أو ظروف واقعة معينة بغية تحريف وتشويه الحقيقة من أجل ايقاع الغير في الخطأ، كمسك محاسبة وهمية أو إخفاء الوثائق المحاسبية، أو اختلاس أصول الشركة، أو الزيادة في خصومها بطريقة تدليسية قصد افتعال إعسارها….، أو بمجرد موقف سلبي من المسير، كالامتناع عن القيام بالفعل، كعدم إيداع الإقرار الضريبي أو عدم مسك المحاسبة أو رفض الخضوع للمراقبة الجبائية أو عدم أداء الضريبة في أجلها القانوني…إلخ.
وبالتالي يسهل اعتبار الامتناع عن القيام بالفعل تدليسا، لأنه صادر عن المسير باعتباره شخص ذو كفاءة وخبرة عالية في مجال التسيير، وملم بجميع الواجبات الضريبية للشركة التي يسيرها، ولا يتوقع منه الإهمال أو التقصير أو أدنى تحايل أو إخفاء للحقيقة، ولما كان هذا السلوك الصادر من المسير يشكل خطأ عمديا، فإنه يجب أن يخضع في تقديره للخطأ العمدي في المسؤولية التقصيرية.
وهذا المعيار موضوعي مجرد، قوامه الانحراف عن السلوك الذي يجب أن يتحلى به مسير الشركة من واجب العناية والنزاهة والتبصر والحيطة والحذر أثناء ممارسته لمهام التسيير، وباعتبار الخطأ التدليس يشكل أهم صور وتطبيقات الخطأ العمدي، بحيث تكون الأعمال التدليسية التي يرتكبها المسير بمناسبة ممارسة مهام الإدارة والتسيير بالشركة، ناتجة عن علم وإرادة منه، وبدافع التهرب من أداء الضريبة.
ويقع عبء إثبات الخطأ على عاتق من يدعي وقوعه، لأن الأصل في مسلك أي شخص أنه يتفق والسلوك المألوف للشخص العادي، فيكون لزاما على من يدعي خلاف هذا الأصل عبء إثباته.
وعلى هذا الأساس يقع عبء إثبات الخطأ الصادر من طرف المسير على عاتق الإدارة الضريبية، بكافة طرق الإثبات، لأن الخطأ التدليسي نوع من الغش، والغش يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات القانونية.
وبناء على ما سبق يشترط في الخطأ التدليسي الموجب لقيام المسؤولية التقصيرية للمسير، استعمال هذا الأخير حيل غير مشروعة قانونا، والتي يمكن أن تأخذ شكل أعمال غش أو أعمال تدليسية، على اعتبار أن التدليس في الميدان المدني يختلف كليا عن التدليس في الميدان الجبائي الذي تترتب عنه المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير.
إذ بتنصيص المشرع الجبائي على الأعمال التدليسية في المادة 98 من مدونة تحصيل الديون العمومية، والتي تقابلها المادة L266 و المادة L267 من كتاب المساطر الجبائية الفرنسي[11]، لم يقصد بها الأعمال التدليسية المتعارف عليها في المجال المدني والتي تباشر من خلال اللجوء إلى تصرفات ووسائل احتيالية، ووقائع مادية ملموسة لإيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد، بحيث لولا هذه الوسائل الاحتيالية أو الخداع لما قام هذا المتعاقد بإبرام العقد، وإنما اعتبر المسير مدلسا بمجرد اتخاذ موقفا سلبيا أو عدم مبادرته إلى سداد الديون الجبائية للشركة بحلول أجل الوفاء بها، حفاظا على حقوق الخزينة العامة من الضياع.
الأمر الذي يدفعنا للبحث عن صور وأنواع الأعمال التدليسية في الميدان الجبائي المشكلة للخطأ التدليسي باعتباره أساس قيام المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير.
البند الثاني: التدليس في الميدان الجبائي
تشكل الأعمال التدليسية حجر الزاوية في قيام المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير، بحيث لا يمكن متابعة المسير بدعوى المسؤولية عن أداء الديون الضريبية للشركة، إلا عند ارتكابه لأعمال تدليسية مثبتة قانونا، مما يثير إشكالان الأول يتعلق بمفهوم الأعمال التدليسية، وصورها في الميدان الجبائي والثاني يتعلق بطرق إثباتها القانوني.
يعتري مفهوم الأعمال التدليسية جملة من الغموض، فهي تفتقد إلى تعريف دقيق ومحدد أو وجود معايير قانونية يمكن الاستناد إليها من أجل تأطيرها نظرا لأهميتها باعتبارها العنصر الأساسي لقيام مسؤولية المسير الضريبية.
ومن وجهتي نظرنا، إن غياب تعريف قانوني للأعمال التدليسية ليس بعيب أو خطأ ارتكبه المشرع أثناء صياغة المادة 98 من م.ت.د.ع، بل أحسن صنعا، باعتبار المفهوم مرتبط بمجال حيوي دائم التجديد والتطوير، الأمر الذي سيجعل الأعمال التدليسية تأخذ مظاهر وصور مختلفة، تختلف باختلاف التقنيات والوسائل الاحتيالية لا سيما في مجال ذو طبيعة تقنية كالمجال الضريبي، مما يجعل الأعمال التدليسية المرتبطة به لا تحصى ولا تعد ولا تأخذ صور ثابتة.
إلا أنه بالرجوع إلى الدورية الصادرة عن الخزينة العامة المتعلقة بتحصيل الديون العمومية[12]، نجدها تحدد مفهوم الأعمال التدليسية كالتالي:” يقصد بالأعمال التدليسية الاستعمال المتعمد لوسائل أو طرق الغاية من ورائها عدم أداء الضرائب والرسوم التي في حكمها، والقيام بها بمعرفة كاملة بالسبب والتي لا يمكن اعتبارها أخطاء أو إغفالات غير مقصودة”.
وتبعا لهذا التعريف تفترض الأعمال التدليسية من جهة وجود عنصر القصد العام والمتمثل في الاستعمال المتعمد، أي ارتكاب الفعل من طرف المسير عن علم وإرادة، ومن جهة أخرى وجود عنصر القصد الخاص، أي الدافع أو الباعث من القيام بالأعمال التدليسية وهو عدم أداء الضرائب والرسوم التي في حكمها.
وذلك على غرار المشرع الفرنسي[13] الذي حدد مفهوم الأعمال التدليسية كالآتي:” يستلزم مفهوم الأعمال التدليسية استخدام طرق ينتج عنها إما إخفاء أو تقليص المادة الخاضعة للضريبة أو الحصول من الدولة على استردادات غير مبررة عندما لا يكون من الممكن اعتبار هذه الطرق بمثابة أخطاء تغتفر أو إغفالات لا إرادية، وإنما على العكس من ذلك نتيجة أعمال واعية وإرادية ترمي إلى إضفاء مظهر الصدق على تصريحات مقترفيها غير المطابقة للحقيقة في الواقع، وتفترض النية الظاهرة للإفلات كليا أو جزئيا من الضريبة”.
ولقد كرس القضاء الفرنسي في جل أحكامه نفس التعريف لمفهوم الأعمال التدليسية، والذي يتكون من عنصرين: من جهة “عناصر عمدية… تتمثل في الاقتراف الواعي لكل مخالفة ضريبية” ومن جهة أخرى” عناصر مادية ترمي إلى تمويه وجود المخالفة في شكل عملية قانونية على الوجه الأكمل”[14].
وبناء عليه، تفترض الأعمال التدليسية من جهة وجود عنصر مادي يتمثل في إضفاء مظهر المطابقة للقانون على أعمال ترمي إلى مخالفة الواجبات الضريبية، وهذه هي الحالة، مثلا عندما يستخدم شخص شركات وهمية بهدف الحصول على فاتورات تمكنه بصفة خاصة من استرداد الضريبية على القيمة المضافة المضمنة في فاتورات صورية[15]، ومن جهة آخرى وجود عنصر العمد المتمثل في الطابع الواعي للأعمال التدليسية المقترفة.
وبالرجوع لمختلف التعاريف التي حاولت مقاربة التدليس الجبائي نجد أن جلها يتمحور حول مظاهر التملص من أداء الضريبة، باعتبار أن الأعمال التدليسية هي عبارة عن وسائل تستعمل عن وعي وإرادة بهدف عدم أداء الضريبة المستحقة والواجبة الأداء.
بحيث نجد الأستاذCamille Rossier يعتبر التدليس الجبائي بأنه “الحركات المادية والعمليات القانونية والمحاسبية وكل الوسائل والترتيبات التي يلجأ إليها الملزم أو الغير بهدف التملص من دفع الضريبة”[16]؛
أما الأستاذ Lusien Mehil فقد عرف التدليس الجبائي بأنه:” خرق للقانون الجبائي بهدف التهرب من فرض الضريبة وتخفيض أساسها”[17]؛
أما على المستوى القضائي فمفهوم التدليس الجبائي اختلف باختلاف صور وأشكال الأعمال التدليسية المرتكبة في مجال إدارة وتسيير الشركات التجارية.
لتحديد صور الأعمال التدليسية في الميدان الجبائي سنعمل على دراسة التشريعات المقارنة[18]، التي تناولت مفهوم الأعمال التدليسية في إطار دعوى المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير.
وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 98 من م.ت.د.ع والتي جاء فيها ما يلي:” إذا تعذر تحصيل الضرائب كيفما كانت طبيعتها والغرامات والزيادات وصوائر التحصيل المرتبطة بها الواجبة على شركة أو مقاولة نتيجة أعمال تدليسية مثبتة قانونا، يمكن جعل المديرين أو المتصرفين أو المسيرين الآخرين مسؤولين على وجه التضامن مع الشركة أو المقاولة عن أداء المبالغ المستحقة وذلك إذا لم يكونوا ملزمين بأداء ديون الشركة تطبيقا لأحكام أخرى”.
والمادة L267من كتاب المساطر الجبائية الفرنسي[19] التي ورد فيها ما يلي:” حينما يكون مسيرو الشركات والأشخاص المعنوية والمجموعات، مسؤولين عن أفعال تدليسية أو عدم الامتثال المتكرر للالتزامات الضريبية استحال معها تحصيل الديون الضريبية والجزاءات…”
وباستقراء هاتين المادتين نجد أن المادة 98 من م.ت.د.ع ، والتي تقابل المادة L 267 من كتاب المساطر الجبائية الفرنسي، مع وجود اختلاف جوهري هو أن المشرع الفرنسي حدد العنصر المادي للأعمال التدليسية في حالتين على سبيل الاختيار، وهما المناورات التدليسية أو الطابع الخطير والمتكرر لعدم مراعاة الالتزامات الجبائية، أي أن المحاسب المكلف بالتحصيل له الخيار في التمسك بإحداهما أو كلاهما، في حين أن المشرع المغربي اكتفى بالتنصيص على الأعمال التدليسية فقط، مما جعل دعوى المسؤولية الضريبية للمسير على مستوى التطبيق القضائي المغربي لم تنهج المسار الذي رسم لها.
وبالرجوع إلى العمل القضائي الفرنسي نجده اعتمد على العنصرين لإثارة دعوى المسؤولية الضريبية للمسير كالتالي:
تتمثل المناورات التدليسية حسب العمل القضائي الفرنسي فيما يلي:
- التستر على المداخيل؛
- أداءات متستر عنها من أجل إنقاص مبلغ الرسوم الضريبية[20]؛
- خصم مبالغ الرسوم من فاتورات مزيفة وغير حقيقية أو صادرة عن مقاولات لم تعد موجودة؛
- عدم الامتثال الخطير والمتكرر للواجبات الضريبية
يتجلى عدم الامتثال الخطير والمتكرر للواجبات الضريبية، حسب العمل القضائي الفرنسي، خاصة في عدم التصريح المتكرر بالضريبة على القيمة المضافة، خاصة إذا كان من شأن هذا التأخير أن يؤدي إلى تفاقم وضعية المقاولة وأيضا في نقص مداخيل الشركات وأرباحها.
وبناء عليه تشكل جميع الأعمال المقرونة بنية التملص من أداء الضريبة كليا أو جزئيا مختلف الأشكال والصور التي يمكن أن تتمظهر بها الأعمال التدليسية في الميدان الجبائي، والتي لا يمكن حصرها، بل سنكتفي بإدراج بعض الأمثلة منها فقط التي اعتمد عليها القضاء الفرنسي في بعض الأحكام الصادرة عنه:
بحيث أقرت محكمة النقض الفرنسية بثبوت الأعمال التدليسية المتمثلة في:
- استخدام الحيل “البيع بدون فاتورات بصورة متكررة” لإخفاء المداخيل ودفع الأجور خفية والنقص في المبالغ الضريبية المؤداة[21].
- استخدام الحيل للإفلات من الضريبة والتحويلات الوهمية المتكررة للمقر الاجتماعي للشركة (أربع مرات في فترة وجيزة) على إثر خضوعها لمراقبة ضريبية[22]؛
- استخدام المسير لفاتورات صورية[23]؛ تقديم تصاريح ضريبية كاذبة لتمويه واقعة القيام باختلاسات كبيرة لأصول الشركة[24]؛
- استخدام فاتورات صورية بهدف خصم الضريبة على القيمة المضافة بدون وجه حق[25].
وهكذا جعل الاجتهاد القضائي الفرنسي صور الأعمال التدليسية تتمثل في كل الأعمال والوسائل والتصرفات المقرونة بنية التهرب من أداء الضريبة إما كليا أو جزئيا.
وبالرغم من أن المشرع المغربي اقتصر على التنصيص على الأعمال التدليسية فقط، دون عدم الامتثال الخطير والمتكرر للواجبات الضريبية، فإننا نجد أن الإدارة الجبائية أثناء تحريكها لدعوى المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير تثير نفس الحالات التي أوردها المشرع الفرنسي، لا سيما عدم الامتثال الخطير والمتكرر للواجبات الضريبية، الأمر الذي أدى إلى إفراغ المادة 98 من م.ت.د.ع من محتواها، وجعلها محاطة بجملة من الإشكالات العملية والقضائية نظرا للغموض الذي يعتري مفهوم الأعمال التدليسية، وتكيفها مع الاجتهاد القضائي الفرنسي رغم الاختلاف الجوهري بين النص الجبائي الفرنسي و النص الجبائي المغربي المؤطر لدعوى المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير.
إلا أن هذا لا يمنع من إدراج بعض نماذج صور الأعمال التدليسية التي اعتمدت في العمل القضائي المغربي كالآتي:
- استبدال مسيري الشركة بصفة متكررة بدون إشعار الخزينة العامة[26]؛
- تغيير المقر الاجتماعي للشركة أكثر من مرة دون إشعار الخزينة العامة؛
- عدم التصريح بالضريبة على القيمة المضافة وأدائها؛
- تغيير اسم الشركة أكثر من مرة دون إشعار الخزينة؛
- عدم أداء الضرائب وتوقف الشركة عن نشاطها[27]؛
- تراكم ديون الشركة حتى توقفت عن مواصلة نشاطها[28]؛
- عدم أداء الضريبة وتوزيعها على شكل أرباح وحصص على المساهمين؛
وتجدر الإشارة على أن بعض القوانين المقارنة نصت صراحة على صور الأعمال التدليسية، رفعا لكل لبس مثل القانون التونسي الذي حدد الأعمال التدليسية الموجبة لقيام المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير فيما يلي:
- التغيير المتعمد للاسم الاجتماعي للشخص المعنوي أو لمقره دون إعلام مصالح الجباية؛
- القيام بعمليات تؤدي إلى تحويل ممتلكات الشخص المعنوي إلى الغير؛
- افتعال وضعيات قانونية غير حقيقية.
إلا أن الواقع العملي أثبت أنه لا يمكن تحديد الأعمال التدليسية، بمعزل عن الضرر الذي نتج عنها والمتمثل في استحالة التحصيل، بحيث يمكن اعتبار كل الأعمال والتصرفات التي يقوم بها المسير بسوء نية قصد الافلات من أداء الضريبة، وترتب عنها استحالة التحصيل يمكن إدراجها ضمن خانة الأعمال التدليسية بمفهوم المادة 98 من م.ت.د.ع.
الفقرة الثانية: الضرر والعلاقة السببية
تعد الأعمال التدليسية شرطا أساسيا لقيام المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير، لكنه غير كافي لإدانة المسير بدعوى المسؤولية الضريبية، بل يجب أن ينجم عن تلك الأعمال التدليسية ضررا، وذلك باعتباره الركن الثاني اللازم توافره لقيام وتحقق المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير، إضافة إلى ذلك أن تكون الأعمال التدليسية التي ارتكبها المسير هي السبب المباشر والوحيد في حصول هذا الضرر، والمتمثل في استحالة التحصيل.
البند الأول: تعذر تحصيل الضرائب الواجبة على الشركة
يمثل الضرر الركن الثاني من أركان دعوى المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير، ويتمثل الضرر الذي ينال الإدارة الجبائية فيما تفقده هذه الأخيرة من مكاسب مادية كانت ستحصل عليها لولا وقوع الأعمال التدليسية، على أن يشترط في الضرر الذي لحقها أن يكون محقق الوقوع[29]، وذلك بأن يكون قد وقع فعلا وأضر بمصالحها، وقت مطالبتها بالدين الضريبي، أما إذا لم يكن الضرر قد وقع بالفعل، فإنه حينئذ لا مجال لإعمال أحكام المسؤولية التقصيرية لجبر الضرر.
ونقصد بالضرر في دعوى المسؤولية الضريبية للمسير المساس بحقوق الإدارة الجبائية، فاستحالة التحصيل هو نتيجة الأعمال التدليسية التي ارتكبها المسير أثناء تسيير الشركة مما ترتب عنه عجزها عن تسديد ديونها الضريبية، وبالتالي تفويت مبالغ مالية مهمة على الإدارة الجبائية، مما يجعله ضررا ذو طبيعة مالية واقتصادية.
وتكمن خصوصية التعويض في دعوى المسؤولية الضريبية، بكون التعويض يتمثل في أداء المسير للمبالغ الضريبية المدينة بها الشركة للإدارة الجبائية، ولا مجال لإعمال السلطة التقديرية للقاضي في الحكم بالأداء، بحيث ينحصر اختصاصه في التصريح بقيام المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير من عدمه دون أن يتعدى ذلك.
وعموما يشكل التعويض في دعوى المسؤولية الضريبية أداء المبالغ الضريبية المتنازع بشأنها والذي لا يمكن أن يخرج عن المبالغ الضريبية المستحقة والواجبة على الشركة، والمتمثلة في أصل الدين الضريبي علاوة عن الغرامات والزيادات وصوائر التحصيل المرتبطة بها، عكس التعويض في إطار المسؤولية التقصيرية، حيث يتمتع القاضي بسلطة واسعة في تقدير الضرر التقصيري المادي الناتج عن الإخلال بمصلحة مالية للطرف المضرور.
فالتعويض في دعوى المسؤولية الضريبية، لا يعد أن يكون مجرد إحلال المسير محل الشركة في أداء الدين الضريبي وجميع المصاريف المرتبطة به الناتجة عن التأخير في الأداء وإجراءات التحصيل، وبالتالي تحويل الالتزام الضريبي من الشركة العاجزة عن الأداء إلى مسيرها المليء الذمة المالية.
ويقع على عاتق الإدارة الجبائية باعتبارها صاحبة الحق أو المصلحة في دعوى المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير عبء إثبات الضرر الذي نالها بسبب الأفعال التدليسية، والمتمثل في استحالة التحصيل، وذلك بكافة طرق الإثبات، لأن الضرر واقعة مادية يجوز إثباته بكافة الطرق القانونية للإثبات.
إلا أنه لا يمكن إدانة المسير بدعوى المسؤولية الضريبية الخاصة إلا باجتماع الأركان الثلاثة المؤسسة لدعوى المسؤولية بصفة عامة، والمسؤولية الضريبية بصفة خاصة، والمتمثلة في الخطأ “الأعمال التدليسية” والضرر” تعذر تحصيل الضرائب الواجبة على الشركة، والعلاقة السببية بين الخطأ “الأعمال التدليسية” والضرر “تعذر التحصيل”.
يقصد بالعلاقة السببية كركن في المسؤولية التقصيرية الناشئة عن الخطأ التدليسي، قيام علاقة أو صلة مباشرة بين الخطأ الذي صدر عن الطرف المدلس والمتمثل في سلوكه أو نشاطه التدليسي، والضرر الذي لحق بالطرف المدلس عليه[30].
حيث لا يكفي لقيام المسؤولية الضريبية للمسير، أن تثبت الإدارة الجبائية وقوع الأعمال التدليسية من طرف المسير، وضرر أصابها، بل يجب أن تثبت أن الضرر الذي لحق بها كان نتيجة طبيعية ومنطقية للأعمال التدليسية التي ارتكبها المسير.
وبناء عليه تلعب العلاقة السببية دورا أساسيا في تحقق المسؤولية الضريبية الخاصة للمسير، بحيث لا يمكن مسألة المسير في حالة ارتكابه أعمال تدليسية، وحصول ضرر للإدارة الجبائية، بل يجب، إضافة إلى ذلك، أن تكون الأعمال التدليسية التي ارتكبها المسير بمناسبة ممارسته لمهام الإدارة والتسيير بالشركة، هي السبب الوحيد في الضرر الحاصل للإدارة الجبائية، أي أنه يجب توافر علاقة سببية تجمع بين الخطأ والضرر، حيث تكون بهذا حلقة وصل بين الأعمال التدليسية وتعذر التحصيل، نظرا للدور القانوني الذي تلعبه العلاقة السببية في تبيان الخطأ الذي أدى إلى حدوث الضرر إذا كان هو السبب الوحيد في ذلك، أو تبيان النصيب الذي ساهم به كل عامل من العوامل الآخرى في حالة تعدد الأسباب[31].
ووفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، وباعتبار العلاقة السببية التي تقوم بين الأعمال التدليسية والضرر الذي أصاب الإدارة الجبائية، والمتمثل في تعذر تحصيل الضرائب الواجبة على الشركة، لابد من إقامة الإثبات على الصلة القائمة بين ركني الخطأ والضرر، ويتحمل عبء الاثبات المتضرر وحده.
وهكذا لإدانة المسير بدعوى المسؤولية الضريبية الخاصة، لا بد من إثبات حصول الضرر أو بمعنى أصح تعذر التحصيل، نتيجة أعمال تدليسية مثبتة قانونا، مما يجعل دعوى المسؤولية الضريبية قائمة على الخطأ الثابت وليس المفترض، حيث ألقى المشرع على عاتق الإدارة الجبائية عند عجز الشركة عن أداء ديونها الضريبية، إثبات الأعمال التدليسية التي قام بها مسير الشركة والتي أدت إلى استحالة تحصيل الدين الضريبي، ومنه حمل المسير إلزامية أداء المبالغ الواجبة على الشركة، إلا أنه يمكن للمسير التخلص من المسؤولية الملقاة على عاتقه إذا أقام الدليل على انتفاء العلاقة السببية بين الأعمال التدليسية وتعذر تحصيل الدين الضريبي.
قائمة المراجع
الكتب باللغة العربية
- أحمد شكري السباعي: الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي، شركات المساهمة، الجزء الرابع، الطبعة الأولى، 2014.
- حسين عامر وعبد الرحيم عامر: المسؤولية المدنية العقدية والتقصيرية، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة، 1979.
- سليمان مرقس: المسؤولية المدنية في تقنيات الدول العربية، مطبعة الجبلاوي، الجزء الأول، القاهرة، 1971.
- سليمان مرقس: المسؤولية المدنية في تقنيات الدول العربية، مطبعة الجيلاوي، القاهرة، 1987
- عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثاني، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، العقد، المجلد الأول، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربية، 1981.
- مأمون الكزبري: نظرية الالتزام في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزام، الطبعة الثانية، مطابع دار القلم، بيروت، 1972.
- محمود جمال الدين زكي: الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني المصري، الجزء الأول، مصادر الالتزام، مطبعة جامعة القاهرة، الطبعة الثانية، 1976.
الكتب باللغة الفرنسية
- Margairaz: La fraude fiscale et ses succédanées, Collection de la Nouvelle Ecole de Lausanne, l’impôt, 1997.
- LUSIEN MEHIL: « Sciences Et Techniques Fiscales, Tome 2 », Puf, Themis Droit, 1984.
الأطروحات
- فريدة اليوموري: علاقة السببية بين الخطأ والضرر في مجال المسؤولية التقصيرية، دراسة مقارنه، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، السنة الجامعية، 1999-2000.
المقالات
- ربيعة غيث: الدور الزجري للقضاء تجاه شركة المساهمة، مسؤولية أعضاء أجهزة الإدارة والتدبير والتسيير، المجلة المغربية للقانون والأعمال والمقاولات، عدد 10، مارس 2006.
- MAXENCE(L): « L’introuvable Responsabilité Du Dirigeant Sociale Envers Les Tiers Pour Fautes De Gestion », Bulletin Mensuel D’information Des Sociétés Joly(BMIS), N°12,01/12/2003.
الأحكام والقرارات
- حكم رقم 2329 ملف رقم 1/372/05 صادر بتاريخ 01/11/2011 عن المحكمة الابتدائية بالرباط، غير منشور.
- حكم عدد 4677 ملف رقم 05/02/1475 صادر بتاريخ 06/09/19 عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، غير منشور.
- حكم عدد 3451/6/2010 صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، غير منشور.
- قرار رقم 1/697 ملف عدد 3793/01/2007 صادر بتاريخ 9/02/2009 عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، غير منشور.
- قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 02/03/0979 ملف عدد 05712.
- قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 24/05/1971 ملف عدد 384.
- قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 24/05/1971 ملف عدد 11867-37.
- قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 11/05/1977 ملف عدد 3134.
- قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 02/03/1979 ملف عدد 5712.
- قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 10/07/1980 ملف عدد 19589-87.
- قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 2/02/1988 ملف عدد 17357-86.
- قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 15/07/1992 ملف عدد 12522-90.
- قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 17/03/1993 ملف عدد 74304.
- قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 07/12/1993 ملف عدد 12380-92.
- قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 27/05/1995 ملف عدد 18746-93.
- قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 08/07/1997 ملف عدد 14537-95.
- قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 21/01/2004 ملف عدد 16089-00.
الدوريات
- Instruction Relative Au Recouvrement Des Créances Publiques : Mais, 2011
- الدورية الصادرة عن الإدارة الضريبية الفرنسية بتاريخ 06/02/1980 (BODGI 13 L-1-80) والمنشورة في ID العدد 10 لسنة 1980 من مجلة القانون الضريبي.
المواقع الالكترونية
- الموقع الالكتروني: http://www.legifrance.gouv.fr
[1]– تنص المادة 98 من م.ت.د.ع على أنه:” إذا تعذر تحصيل الضرائب كيفما كانت طبيعتها والغرامات والزيادات وصوائر التحصيل المرتبطة بها الواجبة على شركة أو مقاولة نتيجة أعمال تدليسية مثبتة قانونا، أمكن جعل المديرين أو المتصرفين أو المسيرين الآخرين مسؤولين على وجه التضامن مع الشركة أو المقاولة عن أداء المبالغ المستحقة وذلك إذا لم يكونوا ملزمين بأداء ديون الشركة تطبيقا لأحكام أخرى.
تثار هذه المسؤولية حسب الحالة بمبادرة من الخازن العام للمملكة أو المدير العام للضرائب أو مدير إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة الذين يقيمون دعوى لهذا الغرض أمام المحكمة الابتدائية ضد المديرين أو المتصرفين أو المسيرين الآخرين”.
[2]– ينص الفصل 77 من ق.ل.ع على أنه:” كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر.
وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر”.
[3]– حسين عامر وعبد الرحيم عامر: المسؤولية المدنية العقدية والتقصيرية، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة، 1979، ص 10.
[4]– ينص الفصل 263 من ق.ل.ع على أنه:” يستحق التعويض، إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، وإما بسبب التأخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين”.
[5] – أحمد شكري السباعي: الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي، شركات المساهمة، الجزء الرابع، الطبعة الأولى، 2014، ص 170.
[6]– ربيعة غيث: الدور الزجري للقضاء تجاه شركة المساهمة، مسؤولية أعضاء أجهزة الإدارة والتدبير والتسيير، المجلة المغربية للقانون والأعمال والمقاولات، عدد 10، مارس 2006، ص 31.
[7]– MAXENCE(L): «L’introuvable Responsabilité Du Dirigeant Sociale Envers Les Tiers Pour Fautes De Gestion», Bulletin Mensuel D’information Des Sociétés Joly(BMIS), N°12,01/12/2003, P 1231 ss.
[8]– مأمون الكزبري: نظرية الالتزام في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزام، الطبعة الثانية، مطابع دار القلم، بيروت، 1972 ص 370.
[9]– محمود جمال الدين زكي: الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني المصري، الجزء الأول، مصادر الالتزام، مطبعة جامعة القاهرة، الطبعة الثانية، 1976، ص 465.
[10]– سليمان مرقس: المسؤولية المدنية في تقنيات الدول العربية، مطبعة الجبلاوي، الجزء الأول، القاهرة، 1971، ص 262 وما بعدها.
[11]– Livre des procédures fiscales (livre des procédures fiscales – dernière modification le 04 février 2018- document généré le 28 février 2018 copyright© 2007-2018 legisfrance). –
[12]– Instruction Relative Au Recouvrement Des Créances Publiques : Mais, 2011, P 185.
“On entend par manœuvres frauduleuses, la mise en œuvre de procédés ayant pour finalité d’éluder le paiement des impôts et taxes, accomplis en toute connaissance de cause et ne pouvant être considérés comme des erreurs ou des omissions involontaires”.
[13]– الدورية الصادرة عن الإدارة الضريبية الفرنسية بتاريخ 06/02/1980 (BODGI 13 L-1-80) والمنشورة في ID العدد 10 لسنة 1980 من مجلة القانون الضريبي.
[14] – قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 17/03/1993 ملف عدد 74304.
– قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 15/07/1992 ملف عدد 12522-90.
– قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 2/02/1988 ملف عدد 17357-86.
– قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 08/07/1997 ملف عدد 14537-95.
– قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 02/03/0979 ملف عدد 05712.
[15]– قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 02/03/1979 ملف عدد 5712.
– قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 11/05/1977 ملف عدد 3134.
– انظر: الموقع الالكتروني: http://www.legisfrance.gouv.fr
[16]– Cite par André Margairaz: La fraude fiscale et ses succédanées, Collection de la Nouvelle Ecole de Lausanne, l’impôt, 1997, p18.
[17] – LUSIEN MEHIL: « Sciences Et Techniques Fiscales, Tome 2 », Puf, Themis Droit, 1984, P 733.
[18]– نص المشرع التونسي على المسؤولية الجبائية الخاصة للمسير في المادة 28 سابع من مجلة المحاسبة العمومية والذي أضيف بالقانون (عدد 1 لسنة 2012 المؤرخ في 16 ماي 2012) على ما يلي:” إذا تعذر استخـلاص الديــون الراجعة للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية الخاضعــة ميزانيتها وتصرفها المالي والمحاسبي إلى أحكــام القانون الأساسي للميزانية ومجلة المحاسبة العمومية والمتخلدة بذمة شخص معنوي تبعا لعمليات قام بها مسير أو مسيروه قصد التملص من دفعها، فإنه يمكن تحميل المسير أو المسيرين المسؤولية التضامنية في تسديد الديون المعنية بالتملص وذلك بمقتضى حكم صادر بناء على دعوى يرفعها المحاسب العمومي المكلف بالاستخلاص أمام المحكمة الابتدائية التي يوجد مقره بدائرتها وذلك طبقا لأحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية.
ويتم رفع الدعوى إذا تبين أن المسير أو المسيرين قاموا إثر انطلاق عملية المراقبة أو المراجعة الجبائية أو إثر مباشرة إجراءات الاستخلاص وبهدف التملص من دفع الديون العمومية بإحدى أو بعض العمليات التالية:
- التغيير المتعمد للاسم الاجتماعي للشخص المعنوي أو لمقره دون إعلام مصالح الجباية؛
- القيام بعمليات تؤدي إلى تحويل ممتلكات الشخص المعنوي إلى الغير؛
- افتعال وضعيات قانونية غير حقيقية.
ويجوز للمحاسب العمومي ضمانا لاستخلاص الديون، اتخاذ تدابير تحفظية على مكاسب مسير أو مسيري الشخص المعنوي وذلك بناء على إذن من رئيس المحكمة المتعهدة طبقا للفصل 322 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية. ولا تفقد هذه التدابير آثارها إلا في صورة رفض الدعوى المرفوعة من قبل المحاسب العمومي بمقتضى حكم اكتسب صبغة الحكم البات أو إذا تم خلاص الديون المتخلدة بذمة الشخص المعنوي.
ولا تطبّق مقتضيات هذا الفصل على المسير أو المسيرين الملزمين شخصيا وبحكم القانون طبقا لمجلة الشركات التجارية، أو بموجب حكم صادر ضدهم، بتأدية الديون المستحقة في ذمة الشخص المعنوي.
تطبق أحكام هذا الفصل بمفعول رجعي”.
[19] -ART L 267:” lorsqu’un dirigeant d’une société, d’une personne morale ou de tout autre groupement, est responsable des manœuvres frauduleuses ou de l’inobservation grave et répétée des obligations fiscales qui on rendu impossible le recouvrement des impositions et des pénalités…”
[20] – قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 24/05/1971 ملف عدد 384.
[21]– قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 24/05/1971 ملف عدد 11867-37.
[22]– قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 10/07/1980 ملف عدد 19589-87.
[23] – قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 07/12/1993 ملف عدد 12380-92.
[24] – قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 27/05/1995 ملف عدد 18746-93.
[25] – قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 21/01/2004 ملف عدد 16089-00.
– انظر: الموقع الالكتروني: http://www.legifrance.gouv.fr
[26]– حكم عدد 4677 ملف رقم 05/02/1475 صادر بتاريخ 06/09/19 عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، غير منشور.
[27] – حكم عدد 3451/6/2010 صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، غير منشور
– [28]قرار رقم 1/697 ملف عدد 3793/01/2007 صادر بتاريخ 9/02/2009 عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، غير منشور.
– حكم رقم 2329 ملف رقم 1/372/05 صادر بتاريخ 01/11/2011 عن المحكمة الابتدائية بالرباط، غير منشور.
[29]– عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثاني، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، العقد، المجلد الأول، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربية، 1981، ص 1201.
-[30] سليمان مرقس: المسؤولية المدنية في تقنيات الدول العربية، مطبعة الجيلاوي، القاهرة، 1987 ص 496.
[31]– فريدة اليوموري: علاقة السببية بين الخطأ والضرر في مجال المسؤولية التقصيرية، دراسة مقارنه، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، السنة الجامعية، 1999-2000، ص 2.