عرض تحت عنوان: النظام القانوني للمدير العام في شركات المساهمة
المقدمة
تعتبر شركات المساهمة احدى اشكال الشركات التجارية الاكثر اهمية ،لذلك فقد حرص المشرع المغربي شأنه في ذلك شأن العديد من التشريعات على تنظيمها و تأطيرها قانونيا، اذ تعد شركات المساهمة بحق الاطار القانوني الانسب لكي تمارس المقاولات الاقتصادية الكبرى لنشاطها التجاري ،فهي رافعة من روافع التقدم الاقتصادي و التجاري الذي حققه الانسان، كما انها اداة قوية لتحقيق المشروعات الضخمة و الكبرى ،ووسيلة ناجعة للاستثمار و تعبئة الادخار .
وقد دخلت شركة المساهمة الى حظيرة التشريع المغربي بمقتضى ظهير المتعلق بشركات المساهمة 1867 يوليوز 24 الذي قضى بالعمل بالقانون الفرنسي ل 1922 .
هذا القانون عرف العديد من التعديلات المتلاحقة، وظل يؤطر شركات المساهمة حتى تم الغاؤه بمقتضى القانون 17.95 الحالي والذي عدل بمقتضى القانون 78.12 لسنة 2015 لتستقر آخر هذه التعديلات على قانون 20.19 لسنة 2019 المعمول به حاليا ،وذلك بهدف تحسين مناخ الاعمال بالمغرب وملائمة تشريعنا بتغيير و تتميم القانون الوطني مع المعايير و المتطلبات الدولية التي تفرضها حياة المال والاعمال ،و كذلك من اجل استقطاب وجلب المزيد من الاستثمارات الوطنية والاجنبية.
وكما يعلم الجميع أن شركة المساهمة باعتبارها بمثابة دولة مصغرة فإنها تتكون من مجموعة من الهياكل المادية والبشرية التي تتوزع بحسب أهميتها وبشكل متسلسل هرمي إلى هياكل بشرية عادية وأخرى قيادية، يأتي في مقدمة هاته الأخيرة المدير العام باعتباره ربان شركة المساهمة بكل ما تحلمه الكلمة من معنى.
وإذا كان المشرع المغربي قد عزف عن إعطاء تعريف مسبق للمديرُ العام[1] على اعتبار أن هذه المهمة من صميم عمل الفقه، فإنه مع ذلك يمكن تعريفه بأنّه ذلك الشّخص الذي يُشكّل حلقة الوصل بين المُنشأة والموظّفين والأهداف الخاصّة بها؛ لأنّه المسؤول عن العديد من المَهام الخاصّة بِمُجريات العمل لخبرتهِ الكافية في أصول ومبادئ الإدارة الصّحيحة. ومن التّعريفات الأُخرى للمدير العام أنّه الشّخص الذي يتحكّمُ بشكلٍ مُباشر في كافّةِ أقسام الشّركة أو المُؤسّسة من خلال السّلطة التي يمتلكها، ويحرصُ على تطبيقها بطريقةٍ صحيحة، وتتناسبُ مع السّياسة العامّة للأعمال، ولا تُخالفُ أيّة تعليماتٍ وظيفيّة. يقومُ المديرُ العام بمُتابعة تطبيق العمليّات الإداريّة الرئيسيّة في المُنشأة التي يُديرها بأفضل وأنجحِ الطُّرق المُمكنة. [2]
أما فيما يخص الأرضية القانونية لاشتغال المدير العام فإننا بتفحصنا لقانون 95-17 -سالف الذكر- نجد بعض النصوص القانونية المتفرقة في القسم المخصص لإدارة شركة المساهمة وتسييرها، خاصة الفقرة الأولى من المادة 67[3] وغيرها.
ولا مبالغة اذا قلنا ان الحديث عن المدير العام ونفض الغبار عن النصوص القانونية المنظمة له يعد من بين اهم المواضيع التي تغري بالبحث ،اذ لا يخفى على لبيب الاهمية الاقتصادية التي تشكلها شركة المساهمة في الدفع بعجلة التنمية الإقتصادية والتي لن تستطيع بلا شك تحقيق هاته الغاية النبيلة إلا إذا تم توفير مناخ قانوني ملائم وسليم لإشتغال قائدها المتجسد في شخص المدير العام.
بناء على ما سبق ذكره أعلاه، نلاحظ أن هذا الموضوع يثير العديد من التساؤلات العميقة من قبيل:
- ماهية الإجراءات المسطرية المقررة لتعيين وعزل المسير؟
- ماهي طبيعة الصلاحيات المخولة للمدير العام ومدى حجمها؟
- كيف تعامل المشرع المغربي مع مسألة إنهاء عمل المدير العام؟
- ما طبيعة المسؤولية المتخذة في حق المدير العام ومدى تأثيرها على عمله؟
هذه التساؤلات وغيرها تقودنا إلى بسط إشكالية جوهرية مفادها :
إلى أي حد توفق المشرع المغربي تأسيا بالتشريعات المقارنة توفير وتهييء مناخ قانوني ملائم لإشتغال المدير العام منذ لحظة تعيينه وحتى انتهائه باعتباره العمود الفقري الرئيسي في جسم الشركة ومدى انعكاس ذلك على الحكامة والنجاعة في التسيير؟ بعبارة أخرى، ما الغاية التي دفعت المشرع المغربي إلى التدخل في شؤون الشركة وسن أحكام قانونية خاصة بالمدير العام؟
ولسبر أغوار هذا الموضوع وإماطة اللثام عنه، وكذا الإجابة عن مختلف التساؤلات المحيطة به يستحسن بنا الركون إلى التصيميم التالي:
المطلب الأول: تجليات المرونة من خلال تعيين
و عزل المدير العام
المطب الثاني: الحكامة من خلال صلاحيات
و مسؤولية المدير العام
المطلب الأول: تجليات المرونة من خلال تعيين وعزل المدير العام
يعتبر المدير العام بمثابة الربان في السفينة من زاوية الدور القيادي الذي خوله له المشرع، لهاته العلة حاول هذا الأخير تهييئ الأرضية القانونية المناسبة لإشتغاله في أحسن الأحوال من خلال مجموعة من التعديلات الهامة التي حاولت بدورها سد الثغرات التي كانت تنعكس بشكل سلبي على عمل المدير العام وعلى الشركة ككل، وذلك بغية تحسين وتجويد والرفع من مردودية الخدمات المقدمة من مختلف هياكل شركة المساهمة فيما يعرف بالحكامة الجيدة.
لذلك سنحاول تسليط الضوء على تمظهرات الحكامة في تعيين المدير العام من خلال المرونة التي سنها المشرع في هذا الباب (الفقرة الأولى)، على أن نخصص (الفقرة الثانية) للحديث عن أسباب أنهاء عمل المدير العام.
الفقرة الأولى: تجليات المرونة في تعيين المدير العام
لا شك بأن منصب المدير العام جد حساس داخل شركة المساهمة استنادا إلى مجموعة من الإعتبارات المهمة، لذلك تولى المشرع بنفسه تأطير عملية التعيين هاذه وتسييجها بجملة من المقتضيات الهامة، سواء من خلال تنصيصه على الجهات المرشحة لتولي منصب المدير العام بشكل حصري(أولا)، أو من خلال تحديده للمراكز المكلفة بتعيين هذا الأخير(ثانيا).
أولا: الجهات المعينة في منصب المدير العام
إن التحول الذي عرفته مؤسسة الشركة من مؤسسة عقدية إلى مؤسسة نظامية يفرض أن تستمد جميع الأجهزة سلطاتها من القانون، وهو الأمر الذي دفع بعض الفقه[4] إلى وصف القائمين على أمور الشركة بالوكلاء القانونين لتفادي التلاعب والثغرات التي تثار عند الحديث عن هذه الأجهزة المكلفة بالإدارة ، غير أن المشرع قام بملئ الفراغات التي كانت تعتري القانون المنظم لشركات المساهمة، فقد عمل من خلال قانون 20.05 المتمم ب 20.19 إدخال مجموعة من التعديلات لضمان تدبير شؤون هذه الشركة، وذلك عبر الاعتراف للمدير العام باختصاصات جديدة .
ولهذا ومن أجل إضفاء فعالية أكبر تم الفصل بين المهام المرتبطة بالإدارة وتلك المتعلقة بالمجلس الإداري والمدير العام.
وهكذا واعمالا لهذا التصور فإن الإدارة العامة لشركة المساهمة ذات مجلس الإدارة يتولاها المدير العام سواء كان رئيس مجلس الإدارة بصفته مديرا عاما حيث تطبق عليه عندئذ أحكام المدير العام ، أو متصرفا أو شخصا من الأغيار .
1-المتصرف:
يعد المتصرف من الجهات المؤهلة والتي سمح لها القانون بتولي منصب المدير العام، فقد نصت المادة 67 من قانون 17.95 المعدل بموجب قانون 20.05 والمتمم بدوره بقانون 20.19 ” يتولى الإدارة العامة للشركات تحت مسؤولية إما رئيس مجلس الإدارة بصفته رئيسا مديرا عاما أو أي شخص آخر يعينه مجلس الإدارة بصفته مديرا عاما … وعندما يكون المدير العام متصرفا فإن مدة مهامه لا يمكن أن تتجاوز مدة إنتدابه”.
هذا التوجه الذي جاء به المشرع حول إمكانية تعيين المتصرف غير رئيس مجلس الإدارة العامة لشركة المساهمة يعتبر تعسفا عن التعديلات التي أقره القانون 20.05 المتمثل في فصل المهام بين رئيس مجلس الإدارة والمدير العام استجابة لمبادئ الحكامة وتجاوز بعض التعقيدات السابقة وإرساء الشفافية وعقلنة الموارد.[5]
من أجل هذا قام المشرع بمنح المتصرف منصب المدير العام ، وتبعا لذلك فالمتصرف باعتباره عضو من أعضاء مجلس الإدارة ومترشح لمنصب المدير العام ، وهو منصب حساس يحب اختياره بعناية ودقة ولابد من توفر بعض الصفات المتطلبة في المتصرف لتوليه منصب المدير العام، وهي كالتالي :
-الأهلية : حيث نصت على ذلك المادة 41 من قانون 20.05 كما يجب على هذا المتصرف أن لا يكون في حالة تنافي كتولي مهام مراقب الحسابات مثلا.
-أن يكون حاملا لأسهم من الشركة ، بالإضافة إلى أننا نجد المادة 43 تنص بأنه لا يجب أن يكون أجيرا للشركة.
-ضرورة توفر النصاب والأغلبية القانونية : بحيث أكدت المادة 50 من ق ش م أنه لكي يكون انتخاب رئيس المجلس الإداري صحيحا لابد من حضور نصف أعضاء المجلس الإداري على الأقل حضورا فعليا، وتوفر الأغلبية الأعضاء الحاضرين أو الممثلين ما لم ينص النظام الأساسي على ضرورة توفر أغلبية أكثر عددا .
-أن يكون شخصا طبيعيا:وذلك تحت طائلة بطلان تعيينه ، أي أن لا يكون شخصا معنويا، وذلك خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة لتعيين المتصرفين حيث أجاز المشرع أن يكونوا أشخاصا طبيعيين أو أشخاص معنويين ، ولعل الغاية التي أراد المشرع تحقيقها بهذا الشرط هو ضمان البساطة في الإدارة والتسيير وتوخي الجودة والفعالية ، وكذا ضمان نوع من الاستقرار في العلاقات بين الرئيس وأعضاء مجلس الإدارة وكذا الغير من جهة وإلى التعقيدات التي يمكن أن يطرحها الشخص المعنوي، بحيث أنه لا يتولى الإدارة بنفسه بل يوكل من يمثله بجميع التصرفات نيابة عنه،وهو الأمر الذي تؤكده المادة 42 من ق ش م ، حيث تنص على أنه :” يمكن للشخص المعنوي أن يعين متصرفا ما لم يتضمن النظام الأساسي ما يخالف ذلك، ويجب على هذا الشخص عند تعيينه تسمية ممثل دائم عنه يخضع لنفس الشروط والالتزامات ويتحمل نفس المسؤوليات المدنية والجنائية كما لو كان متصرفا باسمه الخاص … . من جهة ثانية إذا كان يسهل متابعة الشخص الذي يعنيه الشخص المعنوي مدنيا وجنائيا إذا اقترف أخطاء او جرائم ألحقت بالشركة أو المساهمين أو الغير ضررا فإن الأمر ليس بهذه البساطة إذا كان الرئيس شخصا معنويا بحيث يصعب تحديد مسؤولياته عن الأفعال الضارة التي يرتكبها وبالتالي يصعب متابعته.[6]
وفي حالة تعيين المتصرف مديرا عاما يجب أن لا يتجاوز مدة مأموريته كمتصرف لا تتجاوز سنوات إن كان تعيينه من طرف الجمعية العامة و3 سنوات إذا كان بموجب النظام الأساسي.
هذا ونشير إلى أن محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابقا ) قد ذهب في أحد قراراته[7] إلى أن ” تولي المتصرف لمهام المدير العام أو رئيس مدير عام لا تجعل منه أجيرا خاضعا لقانون الشغل، وإنما يخضع في تعيينه وعزله لقانون شركات المساهمة “.
2-رئيس مجلس الإدارة:
طبقا لما جاءت به مقتضيات المادة 67 من قانون 20.05 يتولى مجلس الإدارة العامة للشركة تحت مسؤولية إما رئيس مجلس الإدارة بصفته مديرا عاما أو كل شخص آخر يعينه مجلس الإدارة بصفته مديرا عاما”.
ووفقا لذلك فمهام الإدارة العامة يمكن أن تسند لرئيس مجلس الإدارة الذي انحصر دوره بموجب هذا التعديل في تمثيل المجلس وجماهير أجهزة الشركة والذي سيصبح بمثابة منحه لمنصب المدير العام حاملا لصفته رئيس مديرا عاما ومتمتعا بالعديد من الصلاحيات المهمة يجعل منه قائد الشركة.[8]
وكما تمت الإشارة سابقا أن رئيس مجلس الإدارة بدوره يأخذ منصب المدير العام لا بد من توفره على مجموعة من الشروط ونظرا للجمع في صلاحيات هاذين المنصبين ، أي رئيس والمدير العام فإن من أهم الشروط الواجب توفرها ما نصت عنه المادة 63 من قانون 20.05 لشركة المساهمة والتي تنص على ضرورة كون رئيس مجلس الإدارة شخصا طبيعيا تحت طائلة البطلان ، نظرا لما سيوفره من أريحية وسهولة حصر المسؤوليات المدنية والجنائية وتحديدها ، فالاعتبار الشخصي في هذا الصدد له مكانة متميزة ، بالإضافة إلى الهين على اعتبار ما يقتضيه عمل المدير العام من تحركات ونشاط وتفرغ، وكذا قدرة جسدية وجهد لا يتوافق مع من هم في سن كبيرة ، بحيث أن المشرع المغربي كان صارما في هذا الشأن وحدد السن القصوى لرئيس مجلس الإدارة في 65 سنة وأن لايقل سنه عن 21 سنة ، علاوة على الخبرة والحكامة يشترط في رئيس المجلس الإداري المرشح لتولي منصب المدير العام أن يكون على دراية بالمقتضيات القانونية والإقتصادية والتي تهم مجال المال والأعمال.
3-الغير :
قام المشرع المغربي من خلال قانون شركات المساهمة النص على إلزامية إحداث الإدارة العامة وجهاز المدير العام والذي يمكن أن يكون حسب المادة 67 من قانون شركة المساهمة أحد المتصرفين أو رئيس مجلس الإدارة كما سبق بيانه ، وأن يكون أيضا أحد الأغيار من خارج الشركة.
فباستقرائنا للنص القانوني في هذا الإطار نجد المشرع المغربي قد خرج عن قاعدة ربط ملكية الرأسمال بالإرادة عبر منحه لشخص غريب من خارج الشركة ومسؤولية سير وإدارة الشركة وتحقيق أهداف شركائها ، بحيث يصدق هذا الطرح من خلال المرونة الواضحة والمبالغة التي أكدت تعيين هذا الغير في مصب حساس كمنصب المدير العام مساهما أو متصرفا، إذ يكفي أن يكون شخصا طبيعيا يمنع أن يكون معه شخصا من أحد الأشخاص المعنوية تحت طائلة البطلان.
ونلتمس طابع المرونة كذلك من خلال مدة التعيين التي يقوم عليها أحد الأغيار في منصب المدير العام ، ولعل السبب في ذلك هو كون الغاية من هذا التعيين هو توفر الحكامة والخبرة.
هذا ويتعين أن يتم تقييد هذا التعيين في السجل التجاري بالإضافة إلى إخبار جميع المساهمين في الشركة.
أما بالنسبة لتعيين المدير العام المنتدب، او عدة مدراء عامين منتدبين فإن هذا التعيين يتم من طرف المجلس الإداري باقتراح من المدير العام .ويجب أن يكون المدير العام المنتدب شخصا طبيعيا ، وألا تتنافى مهمته مع مهمة مراقب الحسابات، ولا يمكن للمجلس الإداري تعيين مدير عام منتدب من تلقاء نفسه تحت طائلة البطلان باعبتار أن المشرع أوكل للمدير العام حق اقتراح المستعين لمنصب مدير عام منتدب، على أن المشرع الفرنسي قد نص على حالات أخرى للتنافي والتي يحظر على من تقلد منصب المدير العام أو المدير العام المنتدب توليها، كالمحاماة وأعضاء الحكومة وكدا البرلمان…[9]
ومن نافلة القول، التذكير بأن المشرع الفرنسي قد نص على أنه لا يجوز بقوة القانون أن يتجاوز سن المدير العام ( أو حتى المدير العام المنتدب) 65 سنة عند تعيينه تحت طائلة البطلان ما لم ينص النظام الأساسي على خلاف ذلك، كما أنه لا يجب أن يتجاوز عدد الأشخاص المعينين في منصب المدير العام المنتدب [10] خمسة كحد أقصى والذين يعينون من طرف المجلس الإداري باقتراح من المدير العام نفسه.[11]
وهذا بخلاف ما نص عليه المشرع المغربي كونه لم يضع سقفا محددا لعدد الأشخاص الطبيعين المعينين في منصب المدير العام المنتدب كما رأينا آنفا.
ثانيا: الجهات المكلفة بتعين المدير العام
نظرا لكون شركة المساهمة تعد مجموعة من المساهمين ، فإن اشتراكهم كلهم في الإدارة للشركة لا يمكن الإستناد إليه للنهوض بأعمالها بالإضافة إلى استحالاتها أصلا.
لذلك يتولى القانون توزيع شؤون ادارة الشركة بما يخدم مصالحها بين كل من مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية ذات مجلس الرقابة حسب النظام المتبع في التسيير.
وهكذا يتعين على المدير العام على رأس الإدارة العامة لشركة المساهمة يتدخل ضمن صلاحيات الشركة ويتم ذلك من طرف كل من مجلس الإدارة أو المتصرفين الأولين.
1-مجلس الإدارة:
يعد مجلس الإدارة في شركة المساهمة الأداة الرئيسية الفعالة،إذ أنه أضحى يتمتع بأوسع الصلاحيات المتعلقة بالتدبير وكيفية إجرائه،إذ بالإضافة إلى إمكانية تعيينه للمدير العام، فإنه يحق له طبقا للمادة 67 المقررة والتي أضيفت بالقانون 05-20 تعيين المدير العام المنتدب أو المدراء العامين المنتدبين باقتراح من المدير العام لمساعدته[12]
كما أنه هو المهيمن على كل نشاطها ، إذ أنه يتمتع من الناحية العملية والقانونية سلطات واسعة في الإدارة سواء كان ذلك في الإدارة الداخلية والمتمثلة في اتخاذ القرارات كتعيين المدير العام أو الإدارة الخارجية في مواجهة الغير والمتمثلة في تنفيذ القرارات ، وكل ذلك في حدود ما ينص عليه القانون أو النظام الأساسي للشركة.
وعليه فإن مهمة تعيين رئيس مجلس الإدارة أو شخص آخر غيره في منصب المدير العام ترجع بالأساس لمجلس الإدارة الذي يتولى الأختيار ما بين نظام اسناد الإدارة العامة لشركة المساهمة لرئيس مجلس الإدارة الذي سيصبح الرئيس المدير العام ومابين نظام تعيين شخص طبيعي آخر متصرفا كان من داخل الشركة أو أحد الأغيار من خارج الشركة في منصب المدير العام، بحيث نص المشرع في الفقرة الأولى والثانية من المادة 67 من قانون 20.19 يتولى مجلس الإدارة العامة للشركة تحت مسؤوليته إما رئيس مجلس الإدارة بصفته رئيسا مديرا عاما، وبذلك يختار مجلس الإدارة وفق الشروط المحددة في النظام الأساسي إحدى الطريقتين لمزاولة مهام الإدارة العامة المشار إليهما أعلاه.
وفي هذا الإطار لابد من الإشارة على أنه يعين المدير العام من قبل مجلس الإدارة فقد أفرد له المشرع شكلا خاصا وأقر له نصابا معينا لتعيينه.
2-المتصرفون الأولون :
عمد المشرع المغربي من خلال قانون 17.95 المعدل على منح المتصرفين الأولين إلى جانب مجلس الإدارة شركة المساهمة صلاحية تعيين الرئيس أو أي شخص آخر طبيعي في منصب المدير العام في حالة اختياره لشركة النظام الإداري الإتحادي – مجلس الإدارة- أي الشكل الكلاسيكي لسير وتدبير شؤون الشركة ، حيث نجد المشرع في المادة 20 من قانون 20.05 ” يخول للأشخاص المعينين كمتصرفين بمجرد تسميتهم تعيين رئيس مجلس الإدارة وإن اقتضى الحال المدير العام أو المدراء العامين أو المدير العام المنتدب أو المدراء العامين المنتدبين.
وهكذا من خلال استقراء النصوص المنظمة نجد أن المشرع سمح لهؤلاء المتصرفين الأولين المعينين بمقتضى النظام الأساسي أو العقد المنفصل يشكل جزء من النظام الأساسي بمقتضى المادة 40 وتخويلهم الصلاحية المهمة المتجسدة في تعيين منصب حساس وقيادي كالمدير العام ، لما له من ايمان عميق بأحقيتهم بهذه السلطة ، لذلك لا بد من توفر شروط معينة في هؤلاء المتصرفين المتمثلة في النزاهات وكذلك أن لا يكون محكوما عليه بجنحة أو جناية ، اضافة إلى ضرورة امتلاكه لأسهم في الشركة استنادا إلى المادة 44 و 45 من نفس القانون.
الفقرة الثانية : تجليات المرونة في إنهاء عمل المدير العام
كما طبقا للعبارة المأثورة : “إن لكل بداية نهاية”، فإن مهمة المدير العام كذلك سواء العام أو المنتدب أو الوحيد في شركة المساهمة رغم اختلافهم في شكل التعيين أو نوعية المهام وحتة ولو كان النظام الكلاسيكي أو المزدوج الحديث الذين ينتمون له ، ففي النهاية نهائيه مهامه تبقى موحدة تبعا للشرط الاساسي الذي ألزم المشرع توافره في منصب المدير العام ألا وهو الإعتبار الشخصي بحيث لا مجال للحديث عن الشخص المعنوي.
وبالرجوع إلى المقتضيات المنظمة لهذا الشأن نجد أنه تنتهي مهام المدير العام شأنه شأن باقي العاملين الإداريين في الشركة إما لأسباب خاصة تهم الشركة (أولا)، وإما إنتهاء مهامه بسبب عزله من منصبه (ثانيا).
أولا: الأسباب الخاصة لإنهاء مهام المدير العام
فالمدير العام في شركة المساهمة ذات مجلس الإدارة أو ذات مجلس الإدارة الجماعية ومجلس الرقابة تتأثر بمجموعة من الأحداث وتغيرات منها ما يتعلق بحياة الشركة ومنها ما يتعلق بالمدير العام نفسه ، وهكذا تصل المدير العام إلى نهايتها.
1-أسباب خاصة بالمدير العام
في إطار الحديث عن الأسباب العادية الخاصة بإنهاء مهام المدير العام في شركة المساهمة نجد في هذا الإطار إلى جانب الوفاة أو إصابته بأي عائق آخر كمرض عضال الذي يبعده تماما عن مقعده لمدة طويلة تجاه العودة إلى ممارسة لمهامه غير متوقعة و مستحيلة [13]
انتهاء المدة المحددة لشغل ذلك الشخص المدير العام خاصة إذا كان هذا الأخير قد عين من رئيس المتصرفين أو رئيس مجلس الإدارة دفنه في هذه الحالة مهمته لا يجب أن لا تتجاوز مهمة كمتصرف ، والتي حددها المشرع من خلال المادة 48 من قانون 20.05 المعدل لقانون 17.95 ” يتولى الإدارة العامة للشركات تحت مسؤوليته إما رئيس مجلس الإدارة بصفته رئيسا مديرا عاما أو أي شخص طبيعي آخر يعينه مجلس الإدارة بصفته مديرا عاما “… وعندما سكون المبدأ العام متصرفا فإن مدة مهامه لا يمكن أن تتجاوز مدة انتدابه.
هذا التوجه جاء له المشرع حول إمكانية تعيين المتصرف غير رئيس المجلس على رأس الإدارة العامة للشركة يعتبر تعسف عن التعديلات التي اقره قانون 20.05 المتمثل في فصل المهام في رئيس مجلس الإدارة والمدير العام استجابة لمبادئ الحكامة وتتجاوز بعض التعقيدات السابقة وإرساء الشفافية وعقلنة الموارد [14]
وغيرها فعل المشرع منح المتصرف منصب المدير العام ، وتبعا لذلك فالمتصرف باعتباره عضو من أعضاء مجلس الإدارة ومرشح للمدير العام وهو منصب حساس يجب اختياره بعناية وبدقة ولا بد من توفر بعض الصفات المتطلبة في المتصرف المدير العام وهي كالآتي :
-الأهلية : حيث نصت على ذلك المادة 41 من قانون 20.05 كما يجب على هذا المتصرف أن لا يكون في حالة تنافي ، وكذلك مهمته تتنافى مع مهام مراقب الحسابات للشركة.
-أن يكون حاملا لسند من أسهم الشركة بالإضافة إلى أننا نجد المادة 43 تنص بأنه لا يجب أن يكون أجيرا للشركة.
وقد نصت المادة 42 أنه لا يشترط في المدير العام أن لا يكون شخصا طبيعيا لا يجوز أن يكون معنوي ، وفي حالة تعيينه المتصرف مديرا عاما يجب أن لا تتجاوز مدة مأموريته كمتصرف لا تتجاوز 6 سنوات إذا كان تعيينه من طرف الجمعية العامة و 3 سنوات إذا كان بموجب النظام الأساسي، كما أن تعيين المتصرف في منصب المدير العام يقتضي التقييد بالسجل التجاري وإخبار جميع المساهمين.
2-أسباب خاصة بالشركة
باعتبار الشركة كيان قانوني هي الأخرى تتعرض حياتها لمجموعة من التغييرات الناتجة إما على تحولات يعرفها عالم الأعمال وإما للإقتصاد بصفة عامة أو نتيجة تشعب العلاقات والمهام للأجهزة المكونة لهذه الشركة والتي من الممكن أن تنهي مهام المدير العام ، ومن بين العوامل التي تشكل سببا لإنهاء مهام المدير العام نجد قرار الشركة بخوض الاختبار المتاح إما من قبل القانون في تحويل نطاقها الإداري الذي تتبناه لتدبير وسير شؤونها ذات مجلس الإدارة إلى شركة مساهمة ذات مجلس الإدارة الجماعية ومجلس الرقابة أو العكس هذا التغيير تنجم عنه تغيير كذلك حتى في الأجهزة المكونة للنظام القديم لتحل محلها أجهزة أخرى ، فهذا الإختيار الممنوح لشركة المساهمة جاء كرد فعل قانوني بديهي لطبيعة وغرض هذا النوع من الشركات ، وتحقيق أرباح والمحافظة على مصالح المساهمين وهذا لن يتأتى إلا بالحرص الشديد على تنظيم أنظمتها الأساسية على أحسن وجه وسير إدارتها بشكل جيد والإستمرار والخوض في غمار المنافسة التي تعتري عالمها.[15]
ومن الأسباب الخاصة بالشركة نجد تحويل الشركة إلى شكل آخر نتيجة خضوعها لمجموعة من الظروف القانونية والإقتصادية التي تحكم محيطها، مثلا أن تتحول لشركة مسؤولية محدودة بسبب انخفاض عدد الشركاء.
وكذلك تنهى مهام المدير العام في شركة المساهمة عندما تتعرض للأسباب العامة للإنقضاء كما هو وارد في الفصل 105 من ق.ل.ع المتمظهرة في انقضاء الشركة بقوة القانون أو اتفاق الشركاء أو خضوعها لتصفية متى كانت تعاني من صعوبات أصابتها بخسائر فادحة، أو الخاصة بشركة المساهمة طبقا للمادة 360 من قانون 20.05 المعدل لقانون 17.95.
ثانيا: الإنهاء عن طريق العزل
يعد العزل بدوره أهم الأسباب التي ينقضي بها عمل المدير العام، حيث عمل المشرع المغربي على تنظيمه من خلال النصوص القانونية العديدة والمتفوقة، والتي نادت بشكل عام بضرورة الإستجابة لمقتضياتها لمتطلبات الحكامة المستندة بالأساس على خلق نوع من التوازن بين المصالح العامة للمدير العام ومن جهة أخرى الحمائية العامة للشركة وذلك عبر الحفاظ على حقوق المساهمين من جهة والمتعاملين معها من جهة أخرى.
فبالإضافة إلى العزل المباشر الذي يمارسه بمجلس الإدارة بإطلاقه في أي وقت بحيث الجمعية العامة التي تمارسه هي الأخرى حقها في العزل بشكل غير مباشر عن طريق عزل المتصرف الذي يشغل منصب المدير العام أو المدير العام المنتدب والذي نجد سنده في المادة 48 من قانون شركة المساهمة، والتي تجعل من سلطة الجمعية العامة في عزل المدير العام المتصرف مطلقة وبدون تقييد بحيث أن المغربي استقى بالعبارات الجافة للقانون الفرنسي والتي تتم ولو لم تكن مدرجة بجدول الأعمال.
ومايزيد من أهمية العزل والممارسة من قبل الجمعية هو اجرائاتها في حق المدير المتصرف العزل دون ضرورة تقديم أسباب لكونها تصنف ضمن خانة القواعد الآمرة والتي تتعلق بالنظام العام ولا يمكن المس بها أو الحد منها معتبرا بذلك بعض الفقه قرار العزل الذي تتخده الجمعية بإرادة منفردة في مواجهة القائمين على السير هو ترجمةالسلطة والسيادة التي تميز عمل الجمعية، من حيث ما خوله اياه القانون لمراقبة سير الشركة بها بمقتضى ذلك تعويض القائمين على سير وعزل من لا يحقق أهداف الشركة كما تقدرها الجمعية ، وبما يهدد مصالحها الحيوية [16]
فالمشرع المغربي قد كرس من خلال العديد من المقتضيات الخاصة بإدارة شركة المساهمة إطلاقية عزل المدير العام سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، غير أنه وبناءا على التحولات المستمرة والمتواترة في عالم المال والأعمال أصبح المشرع ملزما بمطابقة تشريعاته مع تشريعات شركائه الإقتصاديين عن طريق عصرنته بما يوفرحتما حماية وتطور الشركة والإقتصاد على حد سواء.
ومن أهم التعديلات التي ألحقها المشرع في هذا الشأن محاولته المتكررة المتمثلة في التلطيف من صرامة هذا العزل الممارس في حق المدراء والإستقرار في وظائف التشريع مع ضرورة المحافظة على مصلحة المساهمين التي تقتضي تمكينهم من حق التخلص من أي مسير لم يعين بمحض رضاه مادامت صاحبة السلطة العليا للشركة.
فمبدأ العزل في حق المدير العام في أي وقت ودون سابق إعلام يعكس بشكل كبير الوضعية المهتزة والهشة له، سواء أكان متصرفا أو أحد الأغيار أو مساهما نظرا لكون وضعيتهم يحكمها بالأساس عناصر الثقة إزاء المساهمين وضع المشرع في نوع من الإرتباك بين وضعية المدراء الذين يتمتعون بالإستقلالية والمساهمين الذين أصبحوا مجرد سارقين لإحترام القانون هذا الشكل الإشكال دفع المشرع إلى ايجاد حل وسط من أجل الحفاظ على التوازن والمتجسدة بالأساس في ربط اطلاقية حق العزل بسب المشروع.
وهكذا بالرجوع إلى أحكام المادة 67 مكرر مرتين من قانون 17.95 نجدها تنص على إمكانية عزل المدير العام بناءا على سبب مشروع.
وللإشارة، فإن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) قد أقر في أحد قراراته على أنه ” لا يعتبر طرد المدير العام للشركة تعسفيا خاضعا لقانون الشغل متى كان مساهما في الشركة “[17] كما قضى أيضا بأنه ” لا يعتبر المدير العام أجيرا ولو تم توجيه رسالة طرد إليه، لأن ذلك لا يعتبر قرينة كافية على توفر علاقة تبعية “[18]
وهكذا، نختم بالقول على أنه تتوقف واجبات المدير العام في الاحتمالات المعتادة: كالوفاة ، والعجز ، وعدم التوافق ، والمصادرة ، والاستقالة،أما بالنسبة لانتهاء المدة ، فمن الناحية العملية ، فإن مدة العضوية منصوص عليها بشكل عام في القوانين، وأما ما سوى ذلك فهي تبقى مفتوحة،إذن فعملية أن عملية إقالة المدير العام يتبعها نظام مزدوج. وبالتالي ، يمكن فصل هذا العضو في أي وقت…ومع ذلك ، يمكن الحصول على التعويض بسبب شروط تنفيذ الإنهاء (المفاجأة ، الإساءة ، عدم احترام مبدأ الخصومة والذي يفترض أن المدير قد أتيحت له الفرصة لعرض ملاحظاته قبل قرار الإلغاء.[19]
وفي هذا الصدد أقرت المحكمة التجارية بالدار البيضاء في أحد أحكامه على أنه ” يحق للمدير العام الحصول على تعويض متى كان سبب عزله غير مشروع، ويخضع تقدير التعويض للسلطة التقديرية للمحكمة “[20]
المطب الثاني: فعالية الحكامة من خلال صلاحيات ومسؤولية المدير العام
إذا اكن المشرع المغربي شأنه شأن باقي التشريعات الأخرى المقارنة –كما مر معنا سابقا- قد قام بتهييئ الأرضية الخصبة لإشتغال المدير العام بأريحية سواء من حيث مسألة تعيينه وصولا إلى الصلاحيات التي خصه وحده بها دون غيره اعتبارا للدور القيادي المنوط به، فإن المدير العام كغيره من الأاجهزة الأخرى قد يصل إلى مفترق الطرق بينه وبين الشركة الموضوعة رهن اشارته، الشيء الذي دفع المشرع يتدخل في هذا المنحنى أيضا من خلال توجيهه لهاته العملية حتى لا تنعكس بشكل سلبي على الشركة (المساهمة طبعا)، ويتضح ذلك من خلال مختلف السلطات والصلاحيات التي وضعها المشرع بيد المدير العام بهدف ضمان الجودة في التسيير (الفقرة الأولى)، وكذا في الشدة والصرامة التي أقرها في حقه إذا ما ثبتت مسؤوليته عن الأفعال المنسوبة إليه (الفقرة الثانية)، وذلك بهدف ضمان الحكامة والنجاعة في التسيير.
الفقرة الأولى : تعدد صلاحيات المدير العام ضمانة هامة للحكامة في التسيير
بالنسبة لشركات المساهمة التي تختار هذا النمط من التسيير، يكون المدير العام هو الرئيس الحقيقي للشركة، إذ أنه يضطلع بأوسع السلطات للتصرف في جميع الظروف نيابة عنها وبالتالي لديه سلطة اتخاذ القرارات الحساسة والعمل باسمها.[21]
وعليه سنحاول التطرق لأهم المهام والصلاحيات المخولة لجهاز المدير العام داخل شركة المساهمة بما فيها السلطات الخاصة أو العامة(أولا)، دون أن نتجاهل الحدود التي يرسمها المشرع استناد هذه الممارسة ، أي القيود الواردة على المدير العام أثناء ممارسته للعديد من الصلاحيات (ثانيا).
أولا: الصلاحيات العامة والخاصة للمدير العام
بالنظر إلى المواد الخاصة بالسلطات الممنوحة للمدير العام سواء بالنسبة لمجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية ذات مجلس الرقابة ، يتبين أن المشرع قد حدد هذه الإختصاصات بصفة عامة كما سيتم تناولها، إضافة إلى بعض السلطات الخاصة التي فرضتها العولمة.
1-السلطات العامة
تتجسد هذه الصلاحيات بالأساس في ادارة أعمال الشركة ثم تمثيل هذه الأخيرة تجاه الأغيار.
فالبنسبة لأعمال الإدارة يلاحظ أن المشرع المغربي عمل على توزيع السلطات وفقا لمبدأ التخصص وبالتبعية محاولا الفصل في الإختصاصات المخولة للمدير العام وتلك المنوطة برئيس مجلس الإدارة.[22]
فقد منح المشرع بمقتضى كل من المادة 74 للمدير العام في شركة المساهمة ذات مجلس الإدارة ، وكذا المادة 102 من نفس القانون الخاصة بالمدير العام الوحيد لدى شركات المساهمة أوسع السلط للتصرف بإسم ولحساب الشركة المنتمون إليها، ونقصد بها تلك الأعمال المتعلقة بتحقيق الغرض الأساسي للشركة من مشروعها، مسايرا المشرع بذلك كافة التشريعات العربية والمقارنة ، إذ أن المهمة الأساسية لأجهزة الإدارة على رأسها أجهزة المدير العام في هذا المجال هو العمل على تحقيق الغرض الذي تسعى إليه الشركة ، وعليه فإن السلطات والمهام التي أوكلت إليها اتفاقا إلا لتسهيل هذه المهمة[23]
بالإضافة إلى هذه الصلاحية نلاحظ أن المشرع خول له كذلك حق تمثيل الشركة أمام الغير، فالمدير العام يمثل مكانة مهمة من خلال تمثيله أمام الأغيار والنطق باسمها في سائر المحافل والندوات وغيرها.
وواقعة التمثيل هذه تقتضي من المدير العام نقل وجهة نظر الشركة بما يروم تحقيق مصالحها ومصالح المساهمين فيها، ذلك أن هذه الشركة وطبقا لنص المادة 74 و102 من قانون شركات المساهمة تلتزم بجميع التصرفات التي يصدرها المدير العام اتجاه الأغيار حتى وإن كانت لا تدخل ضمن غرضها ما لم يثبت أن هذا الغير كان على علم بأن التصرفات تتجاوز هذا الغرض، أو لم يكن ليجهله نظرا للظروف بحيث لا يكفي مجرد نشر النظام الأساسي لإقامة الحجة وتشمل كلمة الأغيار في هذا الصدد إلى جانب الفاعلين الإقتصاديين المتعاملين مع الشركة مختلف أجهزة الدول من مصلحة الضرائب والجمارك وغيرها.
وفي نفس الإطار نجد المشرع عمل على حماية الأغيار من خلال مقتضيات حمايائية ، وهم في إطار أعمالهم مع الشركة في شخص مديرها عن حسن النية ، وليس عن طريق الغش، وإن تجاوز النظام الأساسي من طرفه أو غرض الشركة أو قرارات مجلس الإدارة التي تحد من سلطات المدير العام شكل مسؤولية اتجاه المجلس والشركة ، بمعنى ليس من حق الغير الإطلاع على السجل التجاري لمعرفة ما إذا كان التصرف يدخل ضمن اختصاصه أم لا ، وفي المقابل للأغيار حق التمسك لمصلحتهم بوجود شروط محددة لسلطات المدير العام.
2-السلطات الخاصة:
في هذا الإطار لا بد من الإشارة لبعض السلطات الخاصة للمدير العامة وإن لم تتم الإشارة إليها بصفة مباشرة وصريحة كما هو الحال بالنسبة للسلطات العامة، فهي تستشف من بعض النصوص التشريعية سواء من خلال التفسير الصريح والمباشر للنص أو عن طريق مفهوم المخالفة وكذلك بتعويض المدير العام في العديد من النصوص الذي ينتج عنه نقل العديد من الصلاحيات لهذا الأخير.
وعليه فالمدير العام تبعا لمركزه وموقعه الحساس داخل الشركة الذي أولاه المشرع نوعا من الأهمية عن طريق السلطات الذاتية المخولة له المتجسدة في صلاحيات منح الكفالات والضمانات الإحتياطية والضمانات إلى الأغيار بإسم الشركة إذا كانت تستغل مؤسسة بنكية أو مالية .
إن هذه الضمانات تعتبر جزءا لا يتجزأ من نشاطها اليومي ومن الهدف الذي أحدث أصلا من أجله، وهو ما تم استخلاصه بمفهوم المخالفة من الفقرة الثانية والثالثة من المادة 70 من قانون 17.95 [24] المعدل بمقتضى 20.05 المتمم بالقانون 20.19 : تكون موضوع ترخيص من لدن مجلس الإدارة تحت طائلة عدم الإحتجاج ضد الشركة الكفالات والضمانات الإحتياطية ، والضمانات التي تمنحها شركات المساهمة غير تلك التي تستغل مؤسساتها البنكية أو المالية”.
ومن الصلاحيات الذاتية الممنوحة للمدير العام في هذا المجال يستشف من المادة 57 من نفس القانون لا تطبق أحكام المادة 56 على الإتفاقات المتعلقة بالعمليات المعتادة المعروفة وفق الشروط العادية ، ويقصد بالعمليات المعتادة تلك العمليات التي تمارسها الشركة لتصريف وتدبير نشاطها اليومي والعادي ، أو العمليات التي تجري طبقا للممارسات والأوضاع والشروط التي يعمل بها في الشركات تخضع لنفس القانون.
هذا فيما يتعلق بشركة المساهمة التي تختار النظام الإداري ، أما من يختار مجلس الإدارة الجماعية أو مجلس الرقابة ودائما في إطار الصلاحيات والسلطات الممنوحة لجهاز المدير العام، فإننا نجد معالم الإختلاف جد واضحة بين كل من المدير القانوني – المدير العام الوحيد- المنصوص عليه في المادة 78 من قانون 20.05 وكذا المدير النظامي المعين طبقا للمادة 103 من نفس القانون من بين أعضاء مجلس الإدارة الجماعية ، فالأول يتمتع بأوسع السلط للتصرف بإسم الشركة.
وللإشارة، فإنه بموجب أحكام المادة الجديدة L. 225-56 من القانون التجاري الفرنسي ، “يتمتع الرئيس التنفيذي بأوسع السلطات للتصرف في جميع الظروف نيابة عن الشركة علاوة على تمثيل الشركة أمام الأغيار بالغير.[25]
ثانيا: السلطات المقيدة للمدير العام
إن المشرع المغربي في تنظيمه لقانون 20.19 المعدل لقانون 20.05 الخاص بشركة المساهمة وكذا القانون السابق لهما 17.95 لم يتعرض بتحديد دقيق أو بعنوان أو تبويب مستقل لحدود الإختصاصات المخولة لجهاز المدير العام داخل الشركة سواء المعتمدة على النظام الإداري التقليدي الكلاسيكي أو الحديث ومبرزا معها بشكل محددا الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها.
وفي هذا الإطار سنتحدث عن مبدأ فصل السلط كأصل المتمثل في رسم المدير العام خطوطا لا يمكن تجاوزها أو ممارستها الصلاحيات من مهام جهات معينة، كجمعية المساهمين سواء العادية أو غير العادية وكذلك التطاول على صلاحيات مجلس الإدارة ورئيسه المخولة له قانونيا وكذا تلك المخولة لمجلس الرقابة بالنسبة للمدير العام وفق لنص المادة 74.[26]
1-عدم ممارسة صلاحيات الجمعية العامة للمساهمين
يمنع على المدير العام أن يمارس أو يتدخل في إحدى تلك الإختصاصات المتعلقة بالجمعية والمتمثلة بالأساس في صلاحية التعيين حيث تعد الجمعية العادية صاحبة الإختصاص الأصيل في ادارة الشركة وخول لها أيضا صلاحية عزل أعضاء مجلس الأإدارة ، كما اعترف لها بعزل أعضاء مجلس الإدارة الجماعية وكذا أعضاء مجلس الرقابة ، في حين لا يمكن للمدير في أي حال من الأحوال أن يتطاول على هذه الجمعية،كما لا يمكن له كذلك أن يتطاول على حقها المتمثل في تعيين مراق بالحسابات المنصوص عليها في المادة 163 من قانون شركة المساهمة.
2-عدم ممارسة صلاحيات مجلس الإدارة:
يمنع على المدير العام السطو على الاختصاصات المخولة لمجلس الأإدارة والمتجسدة أساسا في صلاحياته بأخذ التدابير الضرورية لتنظيم عمل الجمعيات العامة للمساهمين، فضلا عن اعداده في كل سنة مالية جرد لمختلف عناصر أًول وخصوم الشركة ، اضافة إلى دعوة الجمعية العامة للإنعقاد.
إلا أن الوضع الأإداري الذي كانت تعانيه شركات المساهمة من خلال قانون 17.95 كان يعتريه نوع من التضارب والغموض بسبب تداخل المهام بيت مجلس الإدارة والمدير العام بحيث كانت مقتضيات المادة 74 و 69 تكاد تكون مماثلة.
الأمر الذي جعل المشرع المغربي في إطار سعيه لإضفاء فعالية أكبر على سير الشركة تعديل هاتين المادتين وإضافة مادة جديدة وفق للقانون المتمم والتي ادت لتقليص صلاحيات رئيس مجلس الإدارة ونقلها للمدير العام، وأضحى هذا الأأخير يتمتع بسلطات أكبر للتصرف بإسم الشركة.
إلا أنه مراعات لظروف كل شركة على حدة فإن الفصل بين السلط لهذين الجهازين ينعدم وقد يصبح مجرد وهم في حالة ما إذا تم تعيين رئيس مجلس الإدارة مديرا عاما علما أنه من بين الأشخاص المعينة لتولى هذا المنصب كما سبق معنا.
الفقرة الثانية: التشدد في مسؤولية المدير العام من أجل ضمان حكامة جيدة في التسيير
نتيجة التطورات الإقتصادية التي عرفها معظم دول العالم خصوصا على مستوى المالي والإقتصادي، وأمام تدعيمات العولمة التي أجبرت العديد من الشركات على دخول الأسواق المالية العالمية ، وبالتالي مواجهة منافسة أكبر فقد تم اعادة هيكلة معظم الشركات لتكون في مستوى متطلبات المشاريع الكبرى خصوصا منها شركة المساهمة التي فرضت نفسها بقوة في الساحة الإقتصادية لإعتبارها الإطار القانوني الأكثر ملائمة للقيام بالمشاريع في ظل الإقتصاديات الحديثة نظرا لإمكانيات المادية والبشرية.[27]
ومن هذا المنطلق عملت جل التشريعات الحديثة من بينها المغرب على ضبط وتنظيم هذا النوع من الشركات عبر إعادة هيكلة مجموعة من الأحكام والنصوص التي تتوافق مع طبيعتها ومع أهميتها الإقتصادية.، والتي تهدف ضمان واستقرار العلاقات وخلق نوع من التوازن داخل الشركة ، وهذا الأمر لن يستقيم إلا بوجود تنظيم اداري بحكم متجسد في شخص المدير العام.
ومن أجل وضع هذا الأخير في أطار قانوني محدد تم الإلتحاق بنفس القانون نصوصا قانونية خاصة زجرية للإشارة مسؤوليته ومحاسبته على اخطائه إما في شركة المساهمة أو القانون التجاري أو حتى القانون الجنائي سواء كانت هذه المسؤولية مدنية (أولا)،أو حتى جنائية (ثانيا).
أولا: المسؤولية المدنية للمدير العام
يتمتع المدير العام بكافة الصلاحيات التي بفضلها يستطيع تسيير الشركة في حياتها التجارية، إلا أنه من الممكن أن يتخللها نتيجة سعيها لتحقيق أغراضها الإقتصادية عبر إرتكابه مجموعة من التجاوزات على شكل أخطاء قد تكون للمصلحة العامة للشركة أو تمس بصلحة المساهمين أو الأغيار، وتهدف إلى تحقيق غايات غير مشروعة ولا شك في هذا الإطار أن الخطأ يولد المسؤولية المدنية التي نظمها قانون شركات المساهمة في المواد 549 إلى 355 ، سواء من حيث نطاق هذه المسؤولية ، وحالات قيامها.
1-نطاق المسؤولية المدنية للمدير العام
إن حق ممارسة المدير العام لواجباته التسيرية للشركة وقيامه بكافة التصرفات والصلاحيات لإدارتها لا تجعله في منأى أو بمعزل عن المسائلة القانونية ،بل يكون مسؤولا عن كل مايصدر عنه في إطار تأديته لوظيفته من كل فعل أو عمل يتخلله على تقصير متعمد أو إهمال من جهته بشكل أو بآخر أمام المساهمين أو الشركة أو الغير.[28]
وعليه فمسؤولية المدير العام في شركة المساهمة كجهاز أساسي مقررة ولا جدال فيها، إلا أن هذه المسؤولية تتخذ شكلين إما بشكل إنفرادي باعتباره المسؤول الوحيد عن الأضرارالتي تلحق أحدهم، أو تكون المسألة تضامنية في حالة إرتكاب المخالفة بشكل مشترك.[29]
- المسؤولية الفردية :
نظم المشرع المسؤولية الفردية للمدير العام بمقتضى المواد 349 و 355 من قانون 17.95 المعدل بمقتضى قانون 20.05 المتمم بمقتضى 20.19 ، بحيث نجد المسؤولية الفردية تكون في حالة ما إذا ارتكب المدير العام الفعل الضار أو الأخطاء أو التقصير بمفرده ، دون باقي الأعضاء على أن أثرها يمتد إلى أي طرف آخر شاركه في الفعل أو الخطأ أو التقصير، وفي هذا الإطار فإن الإثبات يقع على الطرف المتضرر بينما يبقى تقدير ظروف التحقيق وتكييفه لقاضي الموضوع.[30]
فالمبدأ العام إذن هو أنه لا يسأل إلأا المتسبب في الضرر شخصيا ، متى ارتكب المدير بشكل فرادي عنة الأخطاء أو فعل يشكل جريمة معاقب عنها، فإنه يسأل عن الضرر سواء كان ماديا أو معنويا، ولا يمكن إدخال باقي الأفراد.
- المسؤولية التضامنية
كما هو معلوم فإن المسؤولية تكون فردية في حالة الخطأ الشخصي إلا أنها تكون تضامنية في حالة الخطأ الجماعي الناتج عن مخالفة الأحكام التشريعية أو التنظيمية المطبقة في شركة المساهمة أو خرقا لمقتضيات القانون أو النظام الأساسي.
وتكون تضامنية عندما يكون الفعل الضار أو الخطأ مشتركا أو جماعيا يتعذر تحديث فاعله، أو تحديث نسبة مساهمة كل واحد منهم في الضرر فقد ينسب الخطأ أو الفعل إلى المدير العام بما يناسب مجرد تقصير إلى باقي الأطراف الآخرين.[31]
وفي هذا الإطار فإن المحكمة تبقى هي صاحبة الإختصاص في تحديد المشاركة والمساهمة لكل واحد وكذا تحديد نسبة تعويض الأضرار عن الخسائر الناتجة ويمكن له أي القاضي استعمال كل الوسائل لإعتبار المدير مشاركا في الفعل الجرمي لتكون المسؤولية محددة.
وذلك عملا بالمادة 352 من قانون 20.05 المعدل لقانون 17.95 غير أنه في حالة تعذر تحديد نسبة المشاركة فإنه ترجع إلى تطبيق أحكام المادة 100 من ق.ل.ع التي تأمر بتطبيق 99.
2-حالات قيام المسؤولية المدنية للمدير العام
حرص المشرع المغربي على مصالح وأموال الشركة باعتبارها كمكون أساسي في النسيج الإقتصادي والتمويل والإنتاج من جهة ،ومن جهة أخرى كعمل من نسيج أعمال المدير العام لإعتبارات مركزه القوي والحماس داخل الشركة، وعليه سنحاول التطرق للمسؤولية العادية وكذا المشددة للمدير العام .
- المسؤولية المدنية العادية:
بالنسبة للمسؤولية المدنية العادية للمسير فإننا نلامسها من خلال المادة 68 من قانون 20.05 المعدل لقانون 17.95 التي تجيز للغير أو الشركة التحلل من المسؤولية بعلة تعيين أشخاص مكلفة بتسيير الشركة.
ونظرا لكون منصب المدير العام ومهامه الحساسة فهو قد يرتكب مجموعة من الأخطاء أثناء ممارسته لمهامه أو اهماله أحد واجباته الأساسية ، فضلا عن افتراضه ارتكابه مجموعة من الأخطاء بمناسبة مهامه التسييرية،وفي هذا الإطار نجد بعض الحالات :
كحالة مخالفته للأحكام التشريعية والتنظيمية المطبقة على شركات المساهمة.
فالمدير العام دائما يبقى خاضعا ومرتبطا بأحكام القانون أو عقد الشركو أو نظامها الأساسين الأمر الذي يجعله في موضه مسائلة من طرف الشركةوالمساهمين والغير وبالتالي فخرقه لإلتزاماته التعاقدية تعرضه للمسؤولية المدنية كحالة قيامه بمهامه مع علمه بفقدان أهليته أو وقوعه في حالات التنافي.[32]
كذلك نجد حالة خرقه لمقتضيات النظام الأساسي لشلركة ،فنظرا لكون النظام الاساسي هو الرابط والمحدد لمجال وإختصاص كل جهاز على حدة، بما فيهم المدير العام ،الأمر الذي يفرض المتابعة والمسائلة في حالة تجاوز الحدود الموضوعة لقليام بالأعمال التي لا تدخل ضمن غرض الشركة أو تجاوز سلطاته.[33]
كذلك نجد حالة الخطأ في التسيير ، وهو أكثر الأخطاء شيوعا إذ أنه يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع استنادا لما ناصت عليه المادة 35.
- المسؤولية المشددة للمدير العام
كما كمر معنا فإن المدير العام يبقى عرضة لمجموعة من الأخطاء التي قد تصدر عنه بمناسبة توليه لهذا المنصب الحسسا، الشيء الذي قد يعرضه للمسائلة المدنية والجنائية وقد يمتد الأمر إلى تحميله عواقب توقع الشركة عن الدفع طبقا للكتاب الخامس من م,ت.
إذ أنه بمجرد تعرض الشركة لمساطر صعوبات المقاولة الناتجة عن ارتكاب المدير العام لأفعال معينة بمناسبة وظيفته الإدارية فإنه قد يتحمل خصوم الشركة في إطار المسائلة المدنية.
ثانيا: المسؤولية الجنائية للمدير العام
تنتطرق لهذه المسائلة من داخل الجرائم المنصوص عليها في قانون الشركات، وكذا خارجها.
1-المسؤولية الجنائية داخل قانون شركات المساهمة
بالرجوع إلى قانون شركات لامساهمة خاصة في قسمها الرابع عشر من القسم المتعلق بالعقوبات الزجرية ، وفي هذا الإطار نجد المدير العام قد نال النصيب الأكبر من هذا التدخل، إذ عمل المشرع على تنظيم مسؤولية الجنائية وتوسيع نطاقها من خلال العديد من المواد مثل المادة 373 تأسس قانونيا مسائلة المدير العام جنائيا،كذلك المادة 374.
بلرجوع إلى الفصول المعاقبة عللى هذه الجرائم يلاحظ أن المشرع وهو بصدد دراسته اقتصر على تصنيف الجرائم والعقوبات ، وتحديد المسيرين المسؤولين عن مخالفتها بدون تنظيم القواعد وأحكام المسؤولية من حيث وجودها أو انعدامها معا يطرح صعوبات أمام رجال القانون ىوالأعمال حول معرفة هذه الأحكام ، وما إذا كانت تخضع في أحكامها للقواعد العامة للمسؤولية الجنائية العامة أو تنقل بعض الخصوصيات نظرا لتعلقها بالمجال الإقتصادي[34]، إلا أنه انسجاما مع مفهوم الحكامة يتوجب ضبط وتحسين أداء المدير العام المكلف بالإدارة والتسيير داخل الشركة ومعاقبته على التصرفات والتجاوزات التي تشكل خرقا للقواعد التجارية وقوانين الشركات المرتبطة بتأسيسها وإدارتها وتسييرها أو حلها وتصنيفها.
وبالرجوع إلى التشريعات الخاصة بالشركات نجد المشرع المغربي لم يحدد مفهوم الجريمة إزاء استعمال الشركةن بل اكتفى بتحديد الأفعال التي تشكل اساءة وتعسفا في استعمال أموالها وذلك بمقتضى المادة 384 من قانون 20.05 والمادة 107 من قانون الشركات.
2-المسؤولية الجنائية للمدير العام خارج شركة المساهمة
لم يتم الإكتفاء بالنص على المسؤولية الجنائية للمدير العام فقط داخل أطار قانون شركة المساهمة، بل كذلك خارجها في اطار القانون الجنائي ثم مدونة التجارةن لكن سنقتصر على مسؤوليته داخل القانون الجنائي.
إذ أنه من بين أهم المبادئ التي تحكم المسؤولية الجنائية والتي لا يمكن الخروج عنها رغم خصوصية مجال الأعمال نجد مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية ، بحيث قام بمعاقبة مدير الشركة عن الأفعال والجرائم المنسوبة إليه رغم محاولة التملص منها، والإدعاء أن الدعوى رفعت باسم اشلركة التي يمثلها مقرا بذلك أنه لي سهناك ما يبرر عدم المسؤولية حتى ولو في حالة التصرف باسم الشركة مادام أن المسير ارتكب الأفعال الجرمية المعاقب عنها قانون ، على اعتبار أن الشركة شخص معنوي ، وفي حقيقتها مجرد تقنية لتدبير الأنشطة الإقتصادية ، وبالتالي الهدف من اقرار المسؤولية الجنائية للمدير العام هو دفع المسيرين ، -أي المدير العام في مقامنا هذا- إلى الإعتناء بالمهام الموكلة اليهم في مجال الإدارة والتسيير على أحسن وجهن وليس بهدف استعمالها كوسيلة للإجرام بهدف التدخل في المسؤولية الجنائية.[35]
ومن بين أهم الجرائم التي نصت عنها وأفرد لها المشرع عقوبات جنائية صارمة مجد جريمة النصب باعتبارها من جرائم الملكية شأنها شأن باقي الجرائم في القانون الجنائي ،
ويتحقق الركن المادي لها باستعمال المدير العامللوسائل الإحتيالية والتدليسية للإستلاء على مال الشركة ، أما الركن المعنوي يتجسد في الإرادة والعلم من طرف المدير العام باستلائه على ملك الغير أو الشركة التي يسيرها ، كذلك نجد جريمة خيانة الأأمانة المنصوص عنها في المادة 540 التي تهدد بدورها الثقة العامة داخل المجتمع والمتمثلة في الثقة التي تم وضعها في شخص المحاسب والذي هو المدير العام.
خاتمة
يتضح من خلال دراستنا لموضوع “التنظيم القانوني المدير العام ” أعلاه أن المشرع المغربي قد حاول من خلال العديد من المقتضيات القانونية تأطير هذا الشخص الطبيعي اعتبارا للمنصب الحساس المعهود تحت عهدته داخل شركة المساهمة، وذلك كله بهدف خلق مناخ قانوني ملائم داخل هاته الشركة مراعاة للدور الإقتصادي المنوط بها في المجتمع برمته.
وعليه يتبين لنا أن المشرع المغربي قد أفلح في تأطير وخلق الجو العام لعمل المدير العام والذي سينعكس بلا شك على جودة التسيير والحكامة داخل شركة المساهمة، إلا أنه ومع ذلك ومن أجل تخطي بعض العيوب وتجاوز بعض الثغرات القانونية الموسومة بالإرتباك والغموض، خاصة فيما يتعلق بتحقيق مبدأ فصل السلط[36] ،وكذا ضمان إدارة رشيدة، يتعين على المدير العام أن يلتزم بواجب الأمانة والولاء للشركة بأن يترك جانبا أي خلاف أساسي بين التوجهات العامة للمشروع وبين الخيارات الشخصية له، ويتضامن مع المشروع في تحقيق سياساته وأهدافه وتوجهاته ” لأن قليلا من الأخلاق كما يقول J-Carbonnier [37] يخفف من جفاف القانون كما يخفض الزيت حرارة محرك السيارة”، واستنادا إلى هذه المقولة تظهر أهمية الوازع الأخلاقي ، لكونه الباعث والمحرك للقاعدة القانونية والذي يترجم في صورة تصرفات وأفعال تتحرك نحو تحقيق أكبر نجاح للشركة.
المراجع
- الكتب:
- عز الدين بنستي،الشركات في التشريع المغربي والمقارن،الجزأ الأول في النظرية العامة للشركات ، الطبعة الثانية، سنة 1998.
- رشيد الطاهر، مستجدات القانون 20.05 المتمم لشركة المساهمة ، مجلة المحاكم عدد 16، 2008.
- عمار جهلول،النظام القانوني لحوكمة الشركات ، ط: الأولى ، دار تيبو للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 2011.
- عبد الكريم المرابط، المسؤولية الجنائية لمسيري الشركات التجارية على ضوء التشريع المغربي والبلجيكي.
- أحمد شكري السباعي، الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الإقتصادي، الجزأ الرابع ، مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط.
- علال فالي،”التعليق على قانون شركات المساهمة على ضوء 20 سنة من القضاء التجاري “،الطبعة الأولى،الرباط.
- الأطروحات والرسائل
- عبد الرحيم شميعة، آليات تدخل المساهم غير المسير في شركة المساهمة نحو حكامة جيدة،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية فاس،2010-2011.
- خدوج فلاح، المسؤولية الجنائية للمسير في شركات المساهمة على ضوء التشريع والفقه والقضاء، أطوحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بالدار البيضاء،2004 .
- اكرام سليكات، النظام القانوني للمدير العام في شركات المساهمة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، مكناس، 2015-2016.
- تورية بنو تشيشت، المسؤولية المدنية والجنائية في شركة المساهمة،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية السويسي، الرباط،2003-2004.
- ناجية نور، المسؤولية المدنية لأخطاء مجلس إدارة شركة المساهمة في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية وجدة ، 2001-2002.
- المقالات والمجلات
- صلاح محمد أحمد، التزام العامل بالامانة والإخلاص وعلاقات العمل الفردية، مجلة الحقوق المجلد الأول، العدد الأول ، يناير 2004،ص:111.
- حسن العفوي،المخالفات المتعلقة بالتأسيس وإدارة الشركة ، مجلة المحاكم التجارية العدد 5 و 6، فبراير 2010.
- المواقع الإلكترونية:
- https://www.netpme.fr/conseil/dissociation-fonctions-entre-president-directeur-general/
- https://maraje3.com/2012/03/set-chairman-board-directors-director-general-director/
التصميم
المطلب الأول: تجليات المرونة من خلال تعيين وعزل المدير العام
الفقرة الأولى: تجليات المرونة في تعيين المدير العام
أولا: الجهات المعينة في منصب المدير العام
ثانيا: الجهات المكلفة بتعين المدير العام
الفقرة الثانية: تجليات المرونة في إنهاء عمل المدير العام
أولا: الأسباب الخاصة لإنهاء مهام المدير العام
ثانيا: الإنهاء عن طريق العزل
المطب الثاني: الحكامة من خلال صلاحيات ومسؤولية المدير العام
الفقرة الأولى : تعدد صلاحيات المدير العام ضمانة هامة للحكامة في التسيير
أولا: الصلاحيات العامة والخاصة للمدير العام
ثانيا: السلطات المقيدة للمدير العام
الفقرة الثانية: التشدد في مسؤولية المدير العام من أجل ضمان حكامة جيدة في التسيير
أولا: المسؤولية المدنية للمدير العام
ثانيا: المسؤولية الجنائية للمدير العام
[1] بالإنجليزيّة: General Manager والفرنسية Le directeur général.
[2] / General Manager”, Investopedia, Retrieved Editedالموقع الالكتروني : https://www.investopedia.com/terms/g/general-manager.asp ، تاريخ الاطلاع: 2020-04-12.
[3]تم تغيير وتتميم المادة 67 أعلاه بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 20.19 السالف الذكر، بحيث جاء فيها: ما يلي ” يتولى الإدارة العامة للشركة تحت مسؤوليته إما رئيس مجلس الإدارة بصفته رئيسا مديرا عاما أو أي شخص طبيعي آخر يعينه مجلس الإدارة بصفته مدير عام “.
[4] عمار جهلول،النظام القانوني لحوكمة الشركات ، ط: الأولى ، دار تيبو للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 2011، ص: 69.
[5] رشيد الطاهر،مستجدات القانون 20.05 المتمم لشركات المساهمة، مجلة المحاكم ، عدد 16، 2008،ص: 59
[6] الموقع الالكتروني : https://maraje3.com/2012/03/set-chairman-board-directors-director-general-director/
تاريخ الاطلاع: 2020-04-12.
[7] فرار رقم 1497 بتاريخ 27/10/2011 في الملف الإجتماعي رقم: 1314/5/1/2010، منشور عند علال فالي،”التعليق على قانون شركات المساهمة على ضوء 20 سنة من القضاء التجاري “،الطبعة الأولى،الرباط،ص:105.
[8] اكرام سليكات، النظام القانوني للمدير العام في شركات المساهمة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية ، مكناس، 2015-2016.ص 51
[9] Les différents pouvoirs du Directeur Général dans la Société Anonyme/ منشور على الموقع الالكتروني: https://www.doc-du-juriste.com/droit-prive-et-contrat/droit-des-affaires/dissertation/differents-pouvoirs-directeur-general-societe-anonyme-448848.html تاريخ الاطلاع: 2020-04-13.
[10] générale délégué) (Le directeur
[11] Conseil d administration et direction generale de la SA/ منشور على الموقع الالكتروني:
https://cours-de-droit.net/conseil-d-administration-et-directeur-general-de-la-sa-a121612116/
تاريخ الاطلاع: 2020-04-13.
[12] عبد الرحيم شميعة، آليات تدخل المساهم غير المسير في شركة المساهمة نحو حكامة جيدة،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية فاس،2010-2011، ص: 361.
[13] Hassania charkaoui, la societe anonyme ;p 73
[14] رشيد الطاهر، مستجدات القانون 20.05 المتمم لشركة المساهمة ، مجلة المحاكم عدد 16، 2008،ص: 89.
[15] اكرام سليكات،م،س، ص: 96.
[16] اكرام سليكات،م،س، ص: 105.
[17] قرار رقم 195 بتاريخ 6/4/1987 في الملف الإجتماعي رقم 6179/84، منشور عند علال فالي”التعليق على قانون شركات المساهمة على ضوء 20 سنة من القضاء التجاري “،الطبعة الأولى،الرباط،ص:109.
[18] قرار رقم 322 بتاريخ:13/06/2000 في الملف الإجتماعي رقم:429/99،منشور عند علال فالي،م،س.ص:143.
[19] Le directeur général، مقال منشور على الموقع الالكتروني : https://www.dalloz.fr/documentation/Document?id=DZ%2FOASIS%2F001137 ، تاريخ الاطلاع : 2020-04-12.
[20] حكم رقم:12201 بتاريخ:15/12/2009 في الملف رقم 2699/6/2009، منشور لدى علال فالي،م.س،ص:146.
[21] SA : dissociation des fonctions entre le Président et le Directeur Général/ مقال منشور على الموقع الالكتروني: https://www.netpme.fr/conseil/dissociation-fonctions-entre-president-directeur-general/ تاريخ الاطلاع: 2020-04-13.
[22] اكرام سليكات،م،س،ص: 116.
[23] عز الدين بنستي،الشركات في التشريع المغربي والمقارن،الجزأ الأول في النظرية العامة للشركات ، الطبعة الثانية، سنة 1998،ص122.
[24] أحمد شكري السباعي، الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الإقتصادي، الجزأ الرابع ، ص 103.
[25] Le directeur général، الموقع الالكتروني : https://www.dalloz.fr/documentation/Document?id=DZ%2FOASIS%2F001137 ، تاريخ الاطلاع : 2020-04-12.
[26] اكرام سليكات،م،س،ص:121.
[27] حسن العفوي،المخالفات المتعلقة بالتأسيس وإدارة الشركة ، مجلة المحاكم التجارية العدد 5 و 6، فبراير 2010،ص12.
[28] تورية بنو تشيشت، المسؤولية المدنية والجنائية في شركة المساهمة،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية السويسي، الرباط،2003-2004،ص38.
[29] ناجية نور، المسؤولية المدنية لأخطاء مجلس إدارة شركة المساهمة في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية وجدة ، 2001-2002،ص:17.
[30] أحمد شكري السباعي،م.س،ص: 212.
[31] اكرام سليكان، م،س،ًص:156.
[32] ناجية نور، م،س،ص30.
[33] المرجع نفسه.
[34] خدوج فلاح، المسؤولية الجنائية للمسير في شركات المساهمة على ضوء التشريع والفقه والقضاء، أطوحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بالدار البيضاء،2004 ،ص:25.
[35] عبد الكريم المرابط، المسؤولية الجنائية لمسيري الشركات التجارية على ضوء التشريع المغربي والبلجيكي،ص17.
[36] حيث أنها لم تنجح في الفصل التام بين مهام الرئيس والمدير العام في شركات المساهمة ذات مجلس الإدارة، حيث جعلت من هذا الأخير الرجل الأقوى داخل شركة المساهمة ومتعته بسلطات واسعة كان يتمتع بها رئيس مجلس الإدارة، مما قد يعجل بتوثر العلاقات بينهما.
[37] صلاح محمد أحمد، التزام العامل بالامانة والإخلاص وعلاقات العمل الفردية، مجلة الحقوق المجلد الأول، العدد الأول ، يناير 2004،ص:111.