في الواجهةمقالات قانونية

بطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي

 

بطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي

مقدمة:

أصبح التحكيم في الآونة الأخيرة، الوسيلة المعتادة والمفضلة التي يلجأ إليها الأطراف لحل المنازعات، لا سيما تلك الناشئة في إطار العلاقات الدولية الخاصة.

فالتحكيم نظام قانوني خير بديل لقضاء الدولة في حسم المنازعات لتفوقه عليه في المزايا التي يقدمها للمحتكمين، ويطلق عليه مسميات فرعية حسب طبيعة المنازعة التي يراد فضها عن طريقه، فإذا كانت المادة تجارية سمي تحكيما تجاريا، وإذا كانت مدنية سمي تحكيما مدنيا، وإذا كانت المادة إدارية سمي تحكيما إداريا. لقد ازدهر التحكيم التجاري الدولي ازدهار التجارة الدولية وارتبط بها بحيث أن التحكيم التجاري الدولي وجد من أجل التجارة الدولية. ولقد أًصبح ضرورة من الضروريات الحضارية للتعامل بين الشعوب وأداة لا بد منها للتنمية والازدهار. فإذا كان التحكيم التجاري الدولي يبدأ باتفاق الأطراف على حل النزاع عن طريق التحكيم عندما يكون متعلقا بمصالح التجارة الدولية فإنه يتوج بالنهاية بقرار وهذا ما ينتج عنه في بعض الحالات بطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي، ولدراسة هذا الموضوع يمكن حصره والإفادة منه من منطلقات أسبابه ودلالاته. مما يحيلنا على طرح الإشكالية التالية: ما مصير قرار تحكيمي إذا كان قد صدر نتيجة عقد لا يتمتع موقعه لا بالصفة ولا بالأهلية اللازمتين هل يبقى القرار قائما أو يجب إبطاله عن طريق الطعن به أمام القضاء ؟

سنحاول الإجابة عن هذه الإشكالية من خلال محورين:

المحور الأول: شروط الطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي

المحور الثاني: اثار الطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي

 

المحور الأول : شروط الطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي

المشرع المغربي على غرار غالبية التشريعات المقارنة قد أقر الطعن بالبطلان في أحكام التحكيم الدولية، فقد حدد شروط لممارسة هذا لطعن. فبالرجوع الى مقتضيات الفصول المنظمة للطعن في أحكام التحكيم التجاري الدولي في القانون المغربي يمكن القول أنه لقبول هذا الطعن لابد من توافر شروط شكلية (أولا) واخرى موضوعية (ثانيا) .

أولا: شروط شكلية للطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي

للقول أن هذا الطعن مقبولا شكلا يجب أن يوجه ضد قرار تحكيمي تجاري دولي (أ) وأن يقدم ضمن الأجل المحدد (ب) وأن يقدم للمحكمة المختصة (ج).

  • أن يكون الطعن موجها ضد قرار تحكيمي تجاري دولي:

تعد دولية التحكيم من المسائل التي أثارت جدلا واسعا في أوساط في الفقه ولعل من الأسباب الأساسية وراء صعوبة تحديد دولية التحكيم هو تعدد وتداخل بعض المصطلحات في إطار التحكيم.

يميل المشرع في بعض الدول إلى منح التحكيم دوليا نطاقا خاصا به، إذ يتم التمييز بين التحكيم الدولي والتحكيم الداخلي من خلال الإشارة إلى وجود عناصر أجنبية تتطرق إلى التحكيم وتدمغه بالطابع الدولي[1] .وبخصوص المشرع المغربي نجد الفصل 70 من القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية ينص على أن:” يعتبر دوليا حسب مدلول هذا الباب، التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية والذي يكون لأحد أطرافه على الأقل موطن أو مقر بالخارج.”

من خلال مقتضيات هذا الفصل يتضح أن أول معيار اعتمده المشرع للقول بدولية التحكيم هو تعلق التحكم بالتجارة الدولية أي المعيار الاقتصادي بحيث إذا أبرم التحكيم لأجل تسوية نزاع متعلق بالتجارة الدولية كان التحكيم دوليا. كما ربط المشرع المغربي المعيار المذكور بمعيار اخر هو أن يكون للأحد أطراف النزاع على الأقل موطن أو مقر بالخارج.

  • أن يقدم الطعن ضمن المهلة القانونية:

بالعودة إلى مهلة الطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي من خلال بعض النصوص الدولية، نجد أنها وفقا للمادة 34/3 من القانون النموذجي للتحكيم ثلاثة أشهر من يوم تسليم رافع الدعوى قرار التحكيم أو من اليوم الذي حسمت فيه هيئة التحكيم في طلب تصحيح التحكيم أو تفسيره إذا كان قد قدم هذا الطلب. و وفقا للمادة 52/2 من اتفاقية واشنطن، يجب تقديم طلب البطلان خلال 120 يوما من تاريخ النطق بحكم التحكيم، إلا إذا كان مرجع البطلان عدم صلاحية أعضاء محكمة التحكيم، ففي هذه الحالة يجب تقديم الطلب خلال 120 يوما من تاريخ اكتشاف عدم الصلاحية .

وفي مجال التحكيم التجاري الدولي، نجد تماثلا من حيث بدء سريان مهلة الطعن بقرار التحكيم عن طريق البطلان، وهي تبدأ من تاريخ تبليغ القرار التحكيمي المعطى صيغة التنفيذ، ولا تعد مقبولة بعد ثلاثين يوما من هذا التاريخ ولكن يمكن تقديم طلب الطعن فور صدور القرار دون الاستحصال على صيغة تنفيذية له، وذلك كله يستدل من نص المادة 817 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني، والمادة 1505 من قانون المرافعات الفرنسي الجديد. [2]

تنص المادة 81 من القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية على :”يرفع الطعن بالاستئناف المشار إليه في المادتين 79 و80 أعلاه أمام محكمة ثاني درجة المختصة وذلك داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغ الأمر.” فمن خلال مقتضيات هذه المادة يتضح أن المشرع المغربي قد حدد أجل ممارسة الطعن في أحكام التحكيم الدولي في 15 يوم من تاريخ تبليغ الأمر.

ج- تقديم الطعن للمحكمة المختصة:

تنص المادة 83 من القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية على أنه :”ترفع دعوى البطلان المشار إليها في المادة 82 أعلاه امام محكمة ثاني درجة التي صدر الحكم التحكيمي في دائرتها ويمكن تقديم هذا الطعن بمجرد صدور الحكم التحكيمي…” من خلال مقتضيات هذا الفصل، يمكن القول أن الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم التجاري الدولي ينعقد لمحكمة الاستئناف المختصة نوعيا للبت في النزاع أي محكمة الاستئناف التجارية التي صدر في دائرة اختصاصها هذا الحكم.

  ثانيا: شروط موضوعية للطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي

  • القانون اللبناني:

نصت المادة 800/2 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني نجده يتضمن ما يلي:

” لا يكون الطعن بطريق الإبطال جائز إلا في الأحوال التالية:

  • صدور القرار بدون اتفاق تحكيمي أو بناء على اتفاق تحكيمي باطل
  • صدور قرار عن محكمين لم يعينوا طبقا للقانون
  • خروج القرار عن حدود المهمة المعينة للمحكم أو للمحكمين
  • صدور القرار بدون مراعاة حق الدفاع للخصوم
  • مخالفة القرار لقاعدة تتعلق بالنظام العام”
  • القانون الفرنسي:

لقد حددت المادة 1484 من القانون المدني الفرنسي أوجه البطلان في حالات سن هي:

  • إذا فصل الحكم بغير اتفاق تحكيم أو بناء على اتفاق باطل أو منقض
  • إذا صدر الحكم من هيئة تحكيمية مشكلة تشكيلا غير صحيح
  • إذا تجاوز المحكم حدود المهمة المعهود بها إليه.[3]

و باستجماع دعوى بطلان الحكم التحكيمي التجاري الدولي شروط قبولها شكلا وموضوعا فإن المحكمة المختصة بالطعن تصدر قرارها ببطلان الحكم وهذا ما يترتب عنه العديد من الاثار وهذا ما سنتناوله في الشق الثاني من موضوعنا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحور الثاني: اثار الطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي

إن القرار التحكيمي الدولي ذاته قد تكون له بعض الاثار وتحديدا بعد إعطائه الصيغة التنفيذية (أولا) والطعن به قد يؤدي إلى وقف تنفيذه وهذا ما يحيلنا على أهمية دراسة الاثار الناشئة عن القرار التحكيمي ذاته (ثانيا).

    أولا :  اثار القرار الصادر في دعوى بطلان حكم التحكيم التجاري الدولي

إن الاعتراف بالقرار التحكيمي الدولي الصادر في الداخل أو الصادر في الخارج مكتسبا الصفة الدولية يكون ضروريا عادة ليتمكن صاحب المصلحة من الاحتجاج به طبقا للقانون محل المكان المطلوب التنفيذ فيه، وهو يصبح له القوة التنفيذية بعد أن يعطي الصيغة التنفيذية ما يدفعنا لطرح ثلاث نقاط هامة: حجية القضية المحكوم بها العائدة للقرار التحكيمي الدولي(1) الاعتراف بالقرار التحكيمي الدولي (2) تنفيذ القرار التحكيمي الدولي (3).

  • حجية القضية المحكوم بها العائدة للقرار التحكيمي الدولي

بالعودة إلى المادة 815/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني نجدها تطبق على القرار التحكيمي الدولي الصادر في الخارج أو في تحكيم دولي داخلي بحسب أحكام المادة  794 من القانون ذاته ومنذ صدور القرار الصادر في لبنان يكتسب حجية القضية المحكوم بها ولا يوجد ضرورة للاعتراف به أو إعطائه الصيغة التنفيذية وبالتالي صفة الحجية طالما لم يقرر إبطاله عملا بالمادة 819 أصول مدنية، ذلك أن إبطال القرار التحكيمي يجعله فاقدا الصلة بالقانون اللبناني فيفقد قوة القضية المحكوم بها الممنوحة له في هذا القانون.

أما القرارت التحكيمية الصادرة في الخارج سواء صدرت في تحكيم دولي أم لا، فيكون لها وضع مختلف .بحيث أن أي قرار تحكيمي صادر في بلد أجنبي إذا كان مؤهلا لأن يتمتع في لبنان بتلك الحجية فهو لا يكسبها إلا بقدر مايتعلق بالقانون اللبناني.

  • الاعتراف بالقرار التحكيمي الدولي

نصت المادة 814/أصول مدنية على أنه :

” يعترف بالقرارات التحكيمية وتعطى الصيغة التنفيذية  إذا أثبت الشخص الذي يتذرع بها وجودها ولم تكن مخالفة بصورة واضحة للنظام العام الدولي، يثبت وجود القرار التحكيمي بإبراز أصله مرفقا بالاتفاق التحكيمي أو بصورة طبق الأصل عن هذين المستندين مصدقة من المحكمين أو من أي سلطة مختصة. و إذا كانت هذه المستندات محررة بلغة أجنبية عمد إلى ترجمتها بواسطة مترجم محلف “[4]

نصت ايضا المادة 78 من القانون المغربي 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية :” يثبت وجود الحكم التحكيمي بالإدلاء بأصله مرفقا باتفاق التحكيم أو نسخ من هاتين الوثيقتين تتوفر فيها شروط الصحة المطلوبة.

إذا كانت الوثيقتان المذكورتان غير محررتين باللغة العربية وجب الإدلاء بترجمة لهما مشهودا بصحتها من لدن مترجم مقبول لدى المحاكم”

  • تنفيذ القرار التحكيمي الدولي.

ثانيا : الاثر الواقف للطعن بالبطلان

    لقد اختلفت التشريعات المقارنة حول مسألة إعطاء الطعن ببطلان القرار التحكيمي أثرا موقفا لإجراء تنفيذه من عدمه، فبينما أقرت بعض التشريعات الاثر الواقف بقوة القانون، ذهبت بعض التشريعات أخرى إلى إلغاءه مع إعطاء المحكمة سلطة إيقاف التنفيذ عند توافر المبرر.

يتضح من المادة 58[5] من قانون التحكيم المصري أن رفع دعوى البطلان لا يؤدي إلى وقف تنفيذ حكم التحكيم بقوة القانون، و إن كان المشرع المصري لا يجعل الحكم قابلا للتنفيذ إلا بانقضاء أجل ممارسة الطعن بالبطلان. إذ تنص المادة 57 من هذا القانون على أنه : ” لا يقبل تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى” [6]

أما بخصوص موقف المشرع المغربي فإن فصول الفرع الثاني من الباب الثامن من قانون المسطرة المدنية والمتعلق بالتحكيم الدولي لا يتضمن أي نص صريح يكرس أو يلغي الأثر الواقف للطعن بالبطلان على خلاف القانون 08.05 الذي كان يكرس هذا الاثر بقوة القانون. كما نجد المادة 84 من القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية في فقرتها الثانية تنص على أن:”….. كما يوقف الطعن داخل الأجل تنفيذ الحكم التحكيمي مالم يكن هذا الحكم مشمول بالتنفيذ المعجل، ويمكن في هذه الحالة للجهة التي تبت في الطعن أن تأمر بوقف التنفيذ إذا ظهر ما يبرر ذلك.”

يمكن القول بأن الطعن يترتب عنه وقف تنفيذ حكم التحكيم التجاري الدولي ولو أن المشرع لم ينص على أن هذا الطعن موقف لتنفيذه بصريح العبارة.

نصل إلى ختام دراستنا لموضوع الطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي من خلال بحثنا لسائر شروطه وحالاته ومعالجة الأثار التي تترتب  سواء على رفع دعوى البطلان أو على الحكم الصادر في هذه الأخيرة بالإضافة إلى مقارنته مع مقتضيات التشريعات المقارنة ذات الصلة بالموضوع .بحيث عمد المشرع لمغربي على غرار غيره من التشريعات المقارنة على إقرار دعوى البطلان باعتبارها الوسيلة الأنجع لمراجعة الحكم التحكيمي وذلك من خلال القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]  بوكنين احمدناه. الطعن بالبطلان في حكم التحكيم التجاري-دراسة مقارنة- رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة محمد الأول .وجدة السنة الجامعية 2009-2008

[2]  أحمد الصاوي – نطاق رقابة محكمة النقض على قاضي الموضوع- دار النهضة العربية . القاهرة 1988-جمهورية مصر العربية. الصفحة 250

[3]  ممدوح عبد العزيز العنزي “بطلان القرار التحكيمي التجاري الولي : الأسباب والنتائج” منشورات الحلبي الطبعة الأولى  2006

[4]  يقابل هذه المادة ما جاء في  المادتين 1498 و 1499 من القانون المدني فرنسي وبنفس الأحكام

[5]  المادة 58 من قانون التحكيم المصري على أنه :” لا يترتب على رفع دعوى البطلان وقف تنفيذ حكم التحكيم، ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف التنفيذ إذا طلب المدعي ذلك في صحيفة الدعوى وكان الطلب مبنيا على أسباب جدية وعلى المحكمة الفصل في طلب وقف التنفيذ خلال ستين يوما من تاريخ أول جلسة محددة لنظره، وإذا مرت بوقف التنفيذ جاز لها أن تأمر بتقديم كفالة أو ضمان مالي وعليها إذا أمرت بوقف التنفيذ الفصل في دعوى البطلان خلال ستة أشهر من تاريخ صدور هذا الأمر”

 

 

[6]  حفيظة السيد حداد، الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم الصادر في المنازعات الدولية الخاصة، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية الطبعة 1997

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى