أحكام المسؤولية الجنائية عن إفشاء السر المهني.
ذ . هشام ليوسفي
يعتد المشرع بالتصرف الصادر من الشخص على اعتباره جريمة ، عندما ينطوي على عدم المشروعية في جانبه المادي و المعنوي ، أي أن القيام بفعل مجرم قانونا و معاقب عليه ، و أن ينسب هذا الفعل إلى خطأ مقترف عمدا أو إهمالا، غير أن توافر الوجود القانوني للجريمة لا يكفي وحده ، لإمكان القول بإحداث الجريمة لآثارها القانونية ، إنما يتطلب أن تقوم المحكمة الجنائية المختصة بتوجيه اللوم إلى إرادة الجاني لإختياره سلوك يتعارض مع أوامر المشرع ونواهيه ، وإخضاعه للعقاب طبقا لما يقرره القانون[1] .
ألزم الفصل 446 من ق.ج كل من عهد إليه سر بحكم مهنته أو وظيفته بكتمانه، وتقوم المسؤولية الجنائية للأمين إذا أفشى السر المعهود إليه بكتمانه، ويعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتين درهم إلى عشرين ألف ومائتين درهم إلى عشرين ألف درهم.
فالأمين على السر يكون ملزما بكتمان السر في حدود ما علم به من وقائع ومعلومات ويكون مسؤولا عن إفشائه للغير ، تقوم مسؤوليته الجنائية عن الإفشاء بالإضافة إلى متابعته، إما من المتضرر من الإفشاء ،أو من النيابة العامة كما يطبق عليه الجزاء.
و سنتناول أحكام المسؤولية الجنائية عن إفشاء السر المهني من خلال التصميم التالي:
المبحث الأول : أركان جريمة إفشاء السر المهني
المبحث الثاني : المتابعة و الجزاء عن إفشاء السر المهني
المبحث الأول : أركان جنحة إفشاء السر المهني
إفشاء السر هو الكشف عن واقعة لها صفة السر صادر ممن علم بها بمقتضى مهنته، وبالتالي فلا جريمة إذا لم يتوافر لدى المتهم بها القصد الجنائي ولو توافر لديه إهمال أو خطأ في أجسم صوره، وتكمن علة تجريم إفشاء السر المهني في أن المشرع أراد حماية إرادة المجني عليه في أن تظل بعض الوقائع سرا، فهي صورة من صور الحماية الجنائية للإرادة[2]، وككل جريمة، يجب أن يتكون بنيانها القانوني على ركن مادي وآخر معنوي، فإن جريمة إفشاء السر المهني لا تخرج عن المعتاد.
وسنتطرق للسر كركن مفترض في (المطلب الأول) للركن المادي في (المطلب الثاني) على أن تناول الركن المعنوي في (المطلب الثالث).
المطلب الأول : الركن المادي
يشترط لوقوع جريمة الإفشاء توافر الركن المادي الذي يتمثل في السلوك الإجرامي ( إفشاء نبأ) ، يعد لدى صاحبه سرا أي يهمه كتمانه من أمين عليه(الفقرة الأولى) ، لكن على اعتبار أن جريمة إفشاء السر المهني هي من جرائم السلوك فإنه لا يشترط تحقق النتيجة الإجرامية ، لكن ماحكم المحاولة و المشاركة في هذه الجرائم( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى : السلوك الإجرامي( الإفشاء)
يتمثل السلوك الإجرامي في هذه الجريمة بإفشاء سر من أمين عليه بحكم مهنته إلى الغير، والملاحظ أن المشرع المغربي لم يعرف الإفشاء كما أنه لم يعرف السر، وقد فعل حسنا، لأن التعاريف من إختصاص الفقه والقضاء، وقد عرف الأستاذ Hemar الإفشاء بأنه كل عمل ينقل الواقعة المفشاة من واقعة سرية إلى واقعة معروفة، فلا يكون هناك إفشاء إذا انصب على واقعة عرفت من قبل، وقد اعترض الفقيه Demarel على هذا التعريف بقوله أن الإفشاء، لا يفقد طبيعته الإجرامية استنادا إلى معرفة الواقعة من قبل ، فالإفشاء يؤكد إشاعات عن واقعة معاقب عليها[3]، مستندا في ذلك إلى قرار محكمة النقض الفرنسية في قضية الدكتور Watelet ، والذي طعن في الحكم الصادر عن محكمة باريس سنة 1885 بإدانته مؤسسا طعنه على شهرة الواقعة، لكن محكمة النقض رفضت الطعن[4].
ويعبر مصطلح الإفشاء عموما عن أي سلوك يتم به إعلام الغير شيئا كان مستورا أو مجهولا مثلا سر أو معلومات، كما يعبر عن نشر أو إذاعة السر، ويتحقق الإفشاء ولو كان متعلقا بجزء من السر فحسب، كما يتحقق ولو كان غير علني، فيكفي لوقوعه أن يفضي الأمين بالسر إلى زوجته يعتبر فعله إفشاء ولو طلب منها أن تكتمه، كذلك يتم الإفشاء ولو كان موضوعه واقعة معروفة إذا كانت هذه الواقعة غير مؤكدة، إذ أن صدور الإفشاء على الأمين يضفي على الواقعة صفة اليقين[5].
كما يقع الإفشاء مهما إزداد عدد الأفراد العالمين بالسر، شريطة ألا يتعداهم وأن يكونوا جميعا ممن لهم الشأن في حفظ السر واستخدامه[6]، وتحقق واقعة الإفشاء من عدمها هي من المسائل الموضوعية التي يعود أمر تقديرها لقاضي الموضوع وحده[7].
ويتحقق الإفشاء بكل فعل من أفعال البوح، كما يتحقق بالإبلاغ والتسليم، ويتم الإفشاء في الوقت الذي يسمح فيه أمين السر للغير بمعرفة الشيء الذي كان موضوعا للسر المهني، فالسر ينتهك منذ اللحظة التي يتخلى فيها أمين السر عنه إلى الغير، فالركن المادي يتكون نتيجة للإفشاء بواسطة شخص ملزم بكتمان السر[8] ، أما الشروع في الإفشاء فهو متصور لكن غير معاقب عليه، ومثاله أن يمكن الطبيب شخص من الدخول إلى الغرفة التي يحفظ فيها أسرار مرضاه، ويسمح له بالإطلاع عليها، لكن هذا الشخص لا يتمكن من ذلك، وإذا أفضى المتهم بسر المجني عليه إلى شخص كان يعتقد أنه يعلم به، والحقيقة أنه يعلم به على سبيل اليقين فالجريمة مستحيلة ولا عقاب عليها، وكذلك الأمر إذا كان المتهم يعتقد أن المجني عليه لم يصرح لذلك الشخص بالإطلاع على سره، و الحقيقة أنه كان قد صرح له بذلك[9].
وعن الوقائع والمعلومات موضوع الإفشاء قسمها بالفقه إلى ثلاث أنواع.
الأول يشمل وقائع ومعلومات سرية بطبيعتها والثاني يضم وقائع ومعلومات غير سرية بطبيعتها، ونوع ثالث يضم وقائع ومعلومات مختلطة تجمع بين الطابع غير السري أو العادي، ويلاحظ أن النوعين الأول والثاني لا يطرحان مشكلا بخصوص عدم قابليتهما للإفشاء، إذ أن السؤال يثار حول جواز إفشاء النوع الثالث من المعلومات؟ ومرد الصعوبة يكمن في أن إفشاء هذه الوقائع والمعلومات، قد ينطوي على إفشاء ضمني للوقائع والمعلومات التي لها صفة السرية، علاوة على أن مثل هذا الإفشاء قد يوقع في الغلط، مما يلحق بالمجني عليه ضررا أشد، الأمر الذي يدفع إلى القول بأن الجريمة تتحقق ولو بالإفشاء الضمني[10]،ويجب أن يتم الإفشاء بالوسائل العادية لكن المشرع المغربي جاء خاليا من اي مقتضى ينص على جواز الإفشاء بالوسائل الإلكترونية عكس المشرع الفرنسي .[11]
ولكي تتحقق جريمة إفشاء السر لابد أن يكون الإفشاء صادرا عن أمين عليه بحكم مهنته والعلة في ذلك أن جوهر الجريمة هو إخلال بالتزام ناشئ عن المهنة، وما يتفرع عنها من واجبات ، بالإضافة إلى الحرص على المباشرة السليمة المنتظمة لمهن معينة ذات أهمية إجتماعية[12].
بالرجوع إلى القواعد العامة للقانون الجنائي، يلاحظ أن الجرائم بوجه عام تنقسم إلى جرائم شكلية لا يتوقف وجودها على تحقق النتيجة الإجرامية، أي أن ركنها المادي يتكون من مجرد سلوك معين بصرف النظر عن حصول النتيجة الإجرامية أو عدم حصولها، أما الجرائم المادية أو جرائم النتيجة هي التي يدخل ركنها المادي نشاط الجاني والنتيجة الإجرامية معا، بمعنى أن الجريمة لا تتحقق إلا إذا حصلت فعلا النتيجة الضارة الباعثة على التجريم[13]، لكن هل جريمة إفشاء الأسرار من الجرائم الشكلية أم المادية[14]؟
إن جريمة إفشاء السر المهني تخرج عن زمرة الجرائم المادية البحثة إذ تقوم بمجرد صدور السلوك الإجرامي وبقطع النظر عن حصول ضرر من عدمه، لكن هذا لا يعني خلو جريمة إفشاء السر المهني من النتيجة الإجرامية، ذلك أن مفهوم النتيجة هنا يدور حول ثلاث معان:
النتيجة الفعلية والنتيجة القانونية والنتيجة الشرعية[15]
فجريمة إفشاء الأسرار يتطلب لها نتيجة فعلية ونتيجة قانونية على اعتبار أنها تدخل في زمرة الجرائم الشكلية، وعليه يكتفي بصدور السلوك المجرم المتمثل في الإفشاء دون تطلب نتيجة مادية في العالم الخارجي.
الفقرة الثانية: المحاولة و المشاركة
سنتطرق لصور المحاولة و مدى تحقق المحاولة في جريمة إفشاء السر المهني(أولا) على أن نتناول أحكام المشاركة في هذا النوع من الجرائم(ثانيا)
أولا: صور المحاولة في جريمة إفشاء السر المهني
تأخذ المحاولة ثلاث صور في العمل عامة:
المحاولة في صورة الجريمة الموقوفة
المحاولة في صورة الجريمة الخائبة
المحاولة في الجريمة المستحيلة
تختلف هذه الصور حسب الجرائم التي تتحقق فيها
فبالنسبةالجريمة المادية أو جريمة النتيجة تتحقق المحاولة في جميع صورها ( الجريمة الموقوفة ، الجريمة الخائبة و الجريمة المستحيلة)
أما الجريمة الشكلية أو جريمة السلوك فيجب التمييز بين صور المحاولة الثلاث :
- فالمحاولة في صورتي الجريمة الخائبة و الجريمة المستحيلة لا يمكن أن تتحقق مطلقا في الجرائم الشكلية ، لأن مدلول المحاولة في هاتين الصورتين هو قيام الجاني بكل النشاط الذي يعتقد أنه سيوصله إلى تحقيق النتيجة الإجرامية و إنهاء النشاط المؤدي إليها، و الذي تتحقق معه الجريمة الشكلية التامة.
- في صورة الجريمة الموقوفة ، يمكن أن تتحقق المحاولة في الجريمة الشكلية التي يتم إرتكابها بنشاط إيجابي دون أن ترتكب بالامتناع و الترك .
فالجرائم الشكلية السلبية لا يمكن أن تتحقق هذه المحاولة فيها كجرائم عدم التبليغ و عدم التصريح بالإزدياد،و الإمتناع عن تسليم طفل للمحكوم بحضانته، و الإمتناع عن أداء النفقة المحكوم بها، ففي هذه الجرائم وما شاكلها يتعذر وجود المحاولة فيها في صورة الجريمة الموقوفة فهي إما أن ترتكب كجرائم تامة، و إما أن لا يتحقق فيها وصف الجريمة نهائيا.
أما الجرائم الشكلية الإيجابية فيمكن وجود المحاولة فيها في صورة الجريمة الموقوفة كجرائم تزييف النقوذ، و التسميم، و الدخول إلى مسكن الغير، ففي هذه الجرائم يمكن إيقاف الجاني بعد الشروع فيها و قبل إتمامها و تتحقق بذلك المحاولة في صورة الجريمة الموقوفة.[16]
أما في ما يخص جريمة إفشاء السر المهني ، و باعتبار أنه بمجرد الشروع في الإفشاء تكون الجريمة تامة ، فحتى لو توقف الجاني عن الإفشاء بالمعلومات لا يمكن اعتبار ذلك محاولة و بالتالي جريمة موقوفة ، ذلك أن جريمة إفشاء السر المهني هي من الجرائم الشكلية السلبية فإما أن تتحقق الجريمة تامة أم لا تتحقق.
ثانيا: أحكام المشاركة
جريمة إفشاء السر المهني من الجرائم ذي الصفة الخاصة، هذه الصفة مستمدة من المهنة التي يمارسها المهني ومكنته من معرفة الأسرار التي أفشاها .
وبالتالي فإن الإفشاء الذي يكون خارج إطار المهنة لا يشكل جنحة معاقبا عليها بل لا تعتبر سرا مهنيا مما يخرج عن هذه الجريمة المعلومات التي عرفها المهني خارج إطار علاقات الأعمال التي تربطه بصاحب السر سواء بصفته صديقا أو قريبا .
ولا يعتد في تحديد صفة الفاعل بوقت الإفشاء بل وقت معرفة السر[17]، لأن المستخدم بعد تركه لوظيفته قد يفشي السر الذي علم به أثناء ممارسته لعمله، وبالتالي تتوفر فيه صفة الفاعل، أما إذا علم بالسر وأفشاه بعد ترك عمله فإن تلك الصفة تعتبر غير متوفرة وبالتالي لا وجود لجنحة إفشاء الأسرار، لتبقى صفة الفاعل شرطا ضروريا لقيام الجريمة، فجوهرها هو الإخلال بالقواعد الأخلاقية الناشئة عن مزاولة المهنة .
لكن هل يعتبر الشريك في جريمة إفشاء السر المهني كالفاعل ولو لم يحمل هذا الشريك الصفة التي تطلبها القانون في الفاعل الأصلي:
ذهب بعض الفقه[18] إلى اعتبار الشريك كالفاعل في جريمة إفشاء السر المهني ولو لم يحمل الصفة التي تطلبها القانون في الفاعل الأصلي.
وإن كان في وجهة نظري يجب في هذه الحالة الاقتصار في توقيع العقاب على الفاعل الأصلي دون الشريك إذ لولاه لما تمكن هذا الأخير من القيام بفعل الإفشاء حيث يعد بعيدا كل البعد عن الاطلاع على المعلومات المتعلقة بصاحب السر، كما أن جوهر التجريم في هذه الجنحة هو الرغبة في الحفاظ على أخلاقية وخصوصيات المهنة ، في حين لا يعد الشريك في هذه الحالة مهنيا .
المطلب الثاني : الركن المعنوي
لا يكون كافيا للمساءلة على نشاط يعتبر جريمة من الناحية القانونية، أن يأتي الفاعل نشاطا ماديا، بل لابد أيضا من توافر الركن المعنوي الذي يسند معنويا الجريمة إليه ، وهو يتوافر إذا قام الخطأ في حقه – أي في حق الفاعل – وهذا اخطأ إما أن يكون متعمدا، ويسمى في هذه الحالة بالقصد الجنائي، وإما أن يكون غير متعمد ، فيسمى الخطأ حينئذ، بالخطأ غير العمد[19] .
و تعد جريمة إفشاء الأسرار من الجرائم العمدية، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد، وينبني على ذلك أن القانون لا يعاقب جنائيا من يفشي سرا نتيجة إهمال أو عدم احتياط في المحافظة عليه، كأن ينسى طبيب مثلا ورقة تحوي ملاحظاته الخاصة عن أحد مرضاه في مكان غير أمين، فيطلع عليه مصادفة شخص ما، وإن كان ذلك لا يحول دون مساءلته مدنيا عن الأضرار التي تسبب فيها نتيجة إهماله أو عدم احتياطه، فمجرد الإفشاء مع العلم بموضوعه كاف لتوافر القصد[20]، والقصد المتطلب لهذه الجريمة هو القصد العام[21]، خاصة وأن النص الجنائي لا يتضمن عبارة يفهم منها اشتراط القصد الخاص، فليس من خصائص السر أن يترتب عن إفشائه ضرر، ثم إن علة التجريم ليست الحماية من الضرر، وإنما ضمان السير السليم المنتظم لبعض المهن وهو ما لا يرتبط بضرر أو نية الإضرار[22].
و يقوم الركن المعنوي في جريمة إفشاء الأسرار على عنصرين هما:
العلم: يعتبر القصد الجنائي متوافر في جريمة إفشاء السر المهني، متى أقدم الجاني على إفشاء السر عن عمد عالما بأنه يفشي سرا لم يفض به إليه، أو يصل إلى علمه، إلا عن طريق مهنته أو وظيفته أو صنعته، ويجب أن يكون الأمين أو أحد مساعديه عالما بالواقعة التي تعتبر سرا مهنيا، ولا يرضى صاحب السر بإفشائه، ولا تقوم الجريمة لإنتفاء العلم إذا كان الإفشاء قد حصل من الأمين أو أحد مساعديه وهو يجهل أن للواقعة صفة السر ، أو أن السر قد أودع لديه بصفته صديقا فقط لا أمنيا له، أو كان يظن أن رضا صاحب السر بالإفشاء قد يتحقق قبل الإفشاء.
الإرادة: بالإضافة إلى العلم كشرط أساسي في الركن المعنوي لجريمة إفشاء السر المهني هناك عنصر آخر يتضح من خلال توجيه الجاني إرادته لإرتكاب سلوك الإفشاء، فلا تقع جريمة إفشاء الأسرار متى لم تنصرف إرادة الفاعل إلى فعل الإفشاء ،فكلما وجهت الإرادة إلى الإعتداء على حق من الحقوق المحمية جنائيا، و إلا تحقق القصد الجنائي و بالتالي الركن المعنوي.
وينتفي القصد الجنائي إذا اعتقد الأمين بأن هذا السر لا يتعلق بمهنته، وأن العميل رضي بإباحة السر[23].
وإذا كان القصد في جريمة إفشاء السر يقوم على العنصرين السابقين، فإن ذلك يترتب عليه النتائج التالية:
– لا تقع الجريمة إذا ما تم الإفشاء نتيجة خطأ متمثل في إهمال أو عدم احتياط من قبل الأمين ولو كان الخطأ جسيما، ما دامت إرادة الجاني لم تنصرف إلى تحقيق النتيجة المعاقب عليها.
– تتحقق جريمة إفشاء السر المهني فقط بتوفر القصد الجنائي العام، دون استلزام القصد الخاص المتمثل في نية الإضرار بصاحب السر الذي تم إفشاء سره، ويبقى للقاضي حرية تقدير وجود القصد الجنائي من عدمه انطلاقا من ظروف ووقائع الدعوى، ويجب عليه أن يبني تقديره على أسباب معقولة حتى لا يتعرض حكمه للطعن من قبل المحكمة الأعلى درجة.[24]
– لا يشكل الباعث عنصرا من عناصر القصد الجنائي في جريمة إفشاء السر المهني ، فهو وإن كان لا يؤثر على القصد وعلى قيام الجريمة – لأن مبادئ القانون الجنائي لا تعطي كقاعدة عامة أهمية للبواعث- فإن التأثير الممكن أن يكون له، سواء كان هذا الباعث ايجابيا أو سلبيا يتجلى أساسا في إمكانية استناد القاضي عليه لتقدير العقوبة، باعتباره من الظروف المخففة أو المشددة للعقوبة في الجريمة المرتكبة من طرف الشخص المنهي عن الإتيان بها.
المبحث الثاني: المتابعة و الجزاء في جريمة إفشاء السر المهني
إن القوة القانونية للإلتزام بالكتمان تتوقف على الحماية التي قررها المشرع بمقتضى النص والتي بدونها يصبح الالتزام بكتمان السر المهني شعار زائف لا قيمة له.
هاته الحماية التي قررها المشرع ضد الانتهاكات التي تقع على السر تتمثل في ضرورة المتابعة، سواء على مستوى إجراءات المتابعة المتمثلة في الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة (المطلب الأول) بالإضافة إلى الجزاءات المقررة من طرف التشريع الجنائي (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الدعاوى المترتبة عن جريمة إفشاء السر المهني
إن خرق القانون الجنائي بإتيان الجرائم يرتب حتما الزجر عن طريق توقيع الجزاء على الخارق، والوسيلة المهيمنة في تحصيل ذلك هي الدعوى العمومية التي تقيمها النيابة العامة باسم المجتمع مطالبة فيها بتطبيق القانون الجنائي على المجرم (الفقرة الأولى).
لكن الخرق السابق للنظام الجنائي قد يتخلف عنه إلى جانب الضرر العام الذي أصاب كل أفراد المجتمع ضرر خاص نال فيه شخصيا أحد الأفراد الواقعة عليه الجريمة، اعتبره المشرع في المادة الثانية من ق.م.ج وسمح له بأن يطالب بالتعويض عنه أمام القضاء الجنائي تبعا للدعوى العمومية المنظورة أمامه، وتسمى هذه المطالبة بالدعوى المدنية التابعة (الفقرة الثانية)[25].
الفقرة الأولى : الدعوى العمومية
بعد مناقشة أركان جنحة إفشاء السر المهني في المبحث السابق، والتأكد من وجودها، تطرح أسئلة وجيهة حول من له الحق في تحريك الدعوى العمومية، هل النيابة العامة أم المتضرر صاحب المصلحة؟[26] وهل هذه الجنحة من الجنح التي تتم فيها المتابعة بصفة تلقائية من طرف ضباط الشرطة القضائية، أم أن الأمر يتعلق بجنحة تتوقف على ضرورة تقديم شكاية في الموضوع من طرف المتضرر؟ وهل هذه الجنحة تخضع للتقادم العادي أم لها مدة تقادم خاصة بها؟
أولا:تحريك الدعوى العمومية
هناك اختلاف بين بعض الباحثين، حول مدى توقف المتابعة في جريمة إفشاء السر المهني ، على تقديم شكاية في الموضوع من قبل المتضرر، أم أن النيابة العامة تحرك المتابعة من تلقاء نفسها دون توقف ذلك على شكاية، خصوصا مع غموض النصوص التشريعية المغربية عكس بعض التشريعات المقارنة .
إذ يرى جانب من الفقه أنه لا مانع من إثارة الدعوى العمومية بصفة تلقائية بمجرد ملاحظتها دون توقف ذلك على تقديم شكاية في الموضوع، لأن الأمر يتعلق بجريمة معاقب عليها جنائيا بصفة محددة[27].
لكن يذهب الطرف الآخر عكس هذا التوجه ويعتبر أن الأمر يتعلق بمصلحة خاصة للعميل المجني عليه، وهو الذي يتوفر على أحقية تقدير هل ما تم إفشاؤه يضر بمصالحه أم لا[28] ؟ وبالتالي فهو الوحيد صاحب الحق في إثارة الدعوى، مما يتوقف على تقديم شكاية من قبله إلى النيابة العامة.
وفي إطار التشريعات المقارنة، خصوصا القانون السويسري، نجد أنه لم يحسم في الأمر، إذ يتبنى موقفا يظهر بعض التردد، فالفصل 321 من القانون الجنائي لسنة 1932 الذي يتعلق بجريمة إفشاء السر المهني بشكل عام، ينص على أن هذه الجنحة لا تتم فيها المتابعة إلا بشكاية.
أما في بلجيكا وفرنسا واللوكسمبورغ، فإن سيطرة المصالح الفردية للعميل جعلت له وحده حق تحريك المتابعة ضد المفشي الذي أضر بمصالحه عن طريق إفشاء السر الذي أودعه لديه. غير أن قانون العقوبات الإيطالي استلزم صراحة في المادة 622 تقديم شكاية من المجني عليه إذا لحقه ضرر من جراء إفشاء أسراره المهنية
ثانيا: سقوط الدعوى العمومية(التقادم نموذجا)
تم النص على التقادم كأحد اسباب سقوط الدعوى العمومية في الفصل 111، وتبعا لذلك تتقادم الدعوى العمومية بصدد هذه الجنحة بمرور 5 سنوات ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب فعل الإفشاء حسب المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية المغربية. وفي الحالة التي يتكرر فيها الإفشاء فإن الأجل لا يسري إلا ابتداء من آخر فعل إفشاء[29].
على أن إعمال هذه الأحكام تقتضي مراعاة الملاحظة التالية:
– إن الدعوى العمومية التي تحرك بشكاية من العميل، لا تنتهي بتنازل هذا الأخير أو استرداد شكايته ما دامت قد وضعت. فالدعوى العمومية تتابع إلى حين البت في القضية بحكم له قوة الشيء المقضى به[30].
وينقطع أمد تقادم الدعوى العمومية بكل إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة تقوم به السلطة القضائية أو تأمر به. ويسري هذا الانقطاع كذلك بالنسبة للأشخاص الذين لم يشملهم إجراء التحقيق أو المتابعة، ويسري أجل جديد للتقادم ابتداء من تاريخ آخر إجراء انقطع به أمده، وتكون المدة الجديدة مساوية لمدة خمس سنوات، حسب ما هو مكرس في المادة 6 من قانون المسطرة الجنائية المغربية.
وتتوقف مدة تقادم الدعوى العمومية فيما إذا كانت استحالة إقامتها ترجع إلى القانون نفسه. ويستأنف سريان التقادم ابتداء من اليوم الذي ترتفع فيه الاستحالة لمدة تساوي ما بقي من أمده، أي من وقت توقفه.
والمسؤولية الجنائية المترتبة عن جريمة إفشاء السر المهني لا تنفى إمكانية المساءلة المدنية سواء تحققت هذه الجريمة أم لا، فهي تترتب إذا ما شكل الإفشاء ضررا للعميل.
الفقرة الثانية : الدعوى المدنية التابعة
أتاح القانون للأشخاص المصابين بأضرار خاصة نابعة مباشرة عن الواقعة الإجرامية أن يلجئوا حسب اختيارهم إلى المطالبة بالتعويض عنها إما لدى المحاكم المدنية وذلك هو الأصل، أو لدى المحاكم الزجرية حيث ترفع الدعوى المدنية موازاة مع الدعوى الجنائية[31].
وقد نصت المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية: “إن حق إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة يرجع لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة…”.
وعليه يمكن تعريف الدعوى المدنية التابعة بأنها الطلب الذي يقدمه المتضرر أمام المحكمة الجنائية (أو المدنية) وهي تنظر في الدعوى العمومية بهدف الحصول على تعويض الضرر الذي لحقه من الجريمة المعروضة عليها[32].
لسماع دعوى المسؤولية عن إفشاء السر المهني ، لا بد أن يكون هناك ضرر لحق شخصا ما من جراء ما قام به الأمين على السر من أفعال مخالفة لواجب قانوني عام يتمثل في عدم إفشاء أسرار العميل، ، كما يجب على المتضرر أن يثبت كل أركان المسؤولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية .
تتألف الدعوى المدنية التابعة من طرفين أساسين هما: المدعي وهو العميل( صاحب السر)، والمدعى عليه الذي يتمثل في الأمين(المهني)
أولا:المدعي
جاء في المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية ما يلي: “يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن جناية، أو جنحة، أو مخالفة، لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسيب فيه الجريمة مباشرة…”
يعتبر المدعي هو المتضرر مباشرة مما قام به الأمين من إفشاء لأسراره، ومن ثم يكون هو صاحب المصلحة والصفة في رفع دعوى المسؤولية عن إفشاء السر المهني ضد العميل[33]، أما غير المتضرر فليس له حق رفع هذه الدعوى.
لكن هذا الحق، لا يثبت للمتضرر وحده بل يثبت أيضا لكل من نائبه أو خلفه.
ونائب المتضرر، يجب أخذه بالمفهوم الواسع، فهو إما الولي أو الوصي أو المقدم إذا كان المتضرر من إفشاء السر المهني شخصا قاصرا، أو الوكيل إذا كان حاصلا على توكيل في هذا الشأن، أو السنديك عندما يتعلق الأمر بإفشاء الأسرار البنكية لشركة خاضعة لمسطرة التسوية القضائية.
أما إذا تعدد المتضررون من فعل الإفشاء الذي قام به الأمين، فإنه يحق لكل واحد من هؤلاء ممارسة دعوى مستقلة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الحاصل له بعد إثباته. وذلك برفع دعوى شخصية باسمه، ولا تضامن بين المتضررين، بل إن القاضي يقدر تعويض كل واحد منهم على حدة. وإذا كان المتضرر قاصرا قام نائبه مقامه، كالولي أو الوصي أو المقدم[34].
وحق المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن إفشاء السر المهني ، يثبت للورثة بعد وفاة المتضرر، إذا كان قد سبق لهذا الأخير أن رفع دعوى المسؤولية قبل وفاته، حيث تدخل تلك الدعوى ضمن عناصر التركة. أما إذا لم يسبق له أن رفع تلك الدعوى، فإنه يقع التمييز بين التعويض عن الضرر المادي والتعويض عن الضرر الأدبي[35].
فإذا كان التعويض عن الضرر المادي الذي أصاب مال المتوفى من جراء إفشاء أسراره البنكية كأن يفشي البنك بيانا في الصحف عن أرصدة عميل أو يبلغه للغير، ويترتب على ذلك إحجام البنوك الأخرى عن إقراض هذا الزبون استنادا إلى هذا النشر، فإن الحق في التعويض ثابت للمتضرر، وبذلك ينتقل منه إلى ورثته، حيث يصبح من حق الورثة المطالبة بالتعويض، الذي كان مورثهم سيطالب به لو بقي حيا.
أما إذا كان طلب التعويض ناجما عن ضرر أدبي أصاب المتضرر في شعوره أو عاطفته أو كرامته أو شرفه، فإنه لا ينتقل إلى ورثة المتضرر، إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق ما بين المتضرر والمسؤول، أو طالب به المتضرر أمام القضاء[36].
لكن الإشكال المطروح هو كيف يقدر القضاء التعويض الكامل الواجب للمتضرر شخصيا عن الضرر الناجم عن الجريمة؟ ويتم تحديدا التعويض من قبل القضاء بعد تأكده من حصول الضرر بشروطه القانونية[37] مستندا في ذلك لعدة عناصر منها مدى مشاركة المتضرر من أحداث الضرر، كاستفزاز الضحية للمتهم، بالإضافة إلى حالة المسؤول عن الضرر المادي من فقر وغنى، وموقف القانون الذي يفرض أحيانا حدودا للتعويض ينبغي اتباعها من القضاء[38].
والتعويض الناتج عن جريمة والواجب لكل طالب في حدود طلبه يرجع إلى السلطة التقديرية المطلقة لقضاة الزجر، وأن استئناف الظنين والمسؤول المدني يسمح لقضاة الدرجة
الثانية بتخفيض التعويض الممنوح للمطالب بالحق المدني من غير أن يكون ملزمون بتبرير ذلك بأسباب خاصة[39].
ثانيا: المدعى عليه
تنص المادة الثامنة من قانون المسطرة الجنائية بأنه “يمكن إقامة الدعوى المدنية ضد الفاعلين الأصليين، أو المساهمين، أو المشاركين في ارتكاب الجريمة، وضد ورثتهم أو الأشخاص المسئولون مدنيا عنهم”.
إن أول من يقع عليه تفكير الضحية عند المطالبة بالتعويض هو المتهم المسؤول المباشر عن الجريمة، سواء كان فاعلا أصليا، أو مساهما، أو مشاركا في ارتكابها.
ويعتبر ذلك نتيجة مباشرة لمبدأ شخصية المسؤولية، حيث أن الأصل هو إسناد المسؤولية المدنية أو الجنائية إلى المتسبب الحقيقي في إلحاق الضرر بالضحية، أما إذا كان المتهم المطلوب بالتعويض ناقص الأهلية بسبب صغر سنه، أو سفهه، أو إدانته بعقوبة جنائية تعين إدخال نائبه القانوني الذي يسند إليه القانون حماية مصالحه في الدعوى .
1-الفاعل
يعتبر الأمين (المهني) هو المدعى عليه في دعوى المسؤولية عن إفشاء السر المهني ، وهو المسؤول عن الضرر الذي لحق المتضرر من جراء الإفشاء الذي صدر منه.
وتوجه هذه الدعوى ضد الأمين في شخصه ، اما إذاكان الأمين شخصا معنويا كالبنك أو مصحة طبية خاصة ، فإن الدعوى ترفع في شخص ممثله القانوني، كما يسأل الأمين إذا كان شخص معنوي عن أفعال مستخدميه الذين صدر منهم فعل الإفشاء أثناء تأدية وظيفتهم، على أساس مسؤولية المتبوع عن أفعال التابع، ويبقى له حق الرجوع على الموظف بالتعويض الذي أداه، ما لم يثبت أن خطأ الموظف الذي نشأ كان سببه تقصير الأمين في توجيهه، لأن تقصيره بالذات يعتبر خطأ[40].
2- الورثة
تنص المادة 12 من قانون المسطرة الجنائية أنه ” إذا كانت المحكمة الزجرية تنظر في الدعوى العمومية، والدعوى المدنية معا، فإن وقوع سبب مسقط للدعوى العمومية يترك الدعوى المدنية قائمة وتبقى خاضعة لاختصاص المحكمة الزجرية”.
والحل الذي اتبعه المشرع هنا، يبدو واضح الفائدة بالنسبة للمتضرر الذي جنبه تكرار المطالبة من جديد أمام القضاء المدني[41].
وإذا كان المشرع قد أوجب إدخال الورثة في الدعوى المدنية التابعة للحكم عليهم بأداء التعويض فإن ذلك رهين بتخلف تركة عن وفاة المتهم، لأن الورثة كما هو معلوم لا يلتزمون إلا في حدود التركة.
المطلب الثاني : جزاءات جريمة إفشاء السر المهني
تبنت مجموعة من التشريعات المقارنة تجريم إفشاء السر المهني، عن طريق إقرار مجموعة من الجزاءات في مختلف قوانينها، هذا أن دل على شيء فهو تناثر التشريعات المجرمة والمعاقبة على إفشاء السر المهني.
وتختلف الجزاءات في جريمة إفشاء السر المهني إلى ثلاثة انواع :
- جزاءات جنائية (الفقرة الأولى)
- جزاءات تأديبية (الفقرة الثانية)
- جزاءات مدنية (الفقرة الثالثة)
الفقرة الأولى : الجزاءات الجنائية
بناء على التنظيم التشريعي للجزاء الجنائي، يمكن تعريفه بذلك الجزاء الذي يوقعه القضاء ، بإسم المجتمع على كل شخص ارتكب فعلا أو تركا مخالفا بذلك القانون الجنائي و تكون الغاية المباشرة من تطبيقها على الجاني هي الردع الخاص لكن هناك غايات أخرى غير مباشرة تكمن في تحقيق العدالة و تحقيق الردع العام[42]
و الجزاءات الجنائية نوعان: الحبس أو السجن ، و الغرامة
و المشرع المغربي عاقب في الفصل 446 من القانون الجنائي مرتكب جريمة إفشاء السر المهني “بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم”.
كما أن الفصل 447 من نفس القانون عاقب على إفشاء مصنع ومحاولة إفشائها من قبل مدير أو مساعد أو عامل فيه، بعقوبة الحبس من سنتين إلى 5 سنوات، وغرامة من مائتين إلى عشرة ألاف درهم،إذا كان الإفشاء إلى أجنبي أو مغربي مقيم في بلد أجنبي، أما إذا كان الإفشاء إلى مغربي مقيم بالمغرب فعقوبته هي الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من 200 إلى 250 درهم، ويحكم بالحد الأقصى، حتما في الحالتين السابقتين، إذا كانت الأسرار متعلقة بمصنع الأسلحة أو الذخيرة الحربية مملوك للدولة.
يتضح من خلال هذين الفصلين – ماعدا إذا انصب الإفشاء على أسرار متعلقة بصنع الاسلحة أو الذخائر الحربية المملوكة للدولة- أن المشرع المغربي قد جعل عقوبة الحبس وجوبية بجوار الغرامة، وألزم القاضي بالجمع بينهما، ويرى البعض الباحثين[43] أن هذا التشدد محمود بالنظر إلى الضعف الذي يصيب هذه المؤسسة – مؤسسة السر المهني- من جراء الحدود التي تكبلها.
ما يلاحظ هو أن المشرع وضع حبسا قصير المدة لجنحة إفشاء السر المهني الواردة في الفصل 446 و 447 من ق.ج.م ، وهو من ناحية لا يحقق لا الردع العام و لا الردع الخاص ( في رأي البعض) لأن قصر مدته يجعل منه عقوبة غير مجدية، ويضعف أثره كعقوبة في نفوس الناس، خصوصا و أن المحكوم عليه إذا تعود عليها قد يفقد رهبة السجن.
بالإضافة إلى إن عقوبة الحبس قصير المدة قد يفسد المحكوم عليه أكثر مما يصلحه، لأن ولوج المؤسسات السجنية قد يصيبه بالإحباط النفسي و يفقده اعتباره، إضافة إلى أن اختلاطه مع عتاة المجرمين غالبا ما يكسر حاجز الخوف لدى المجرمين بالصدفة، ويحولهم إلى مجرمين محترفين، ليتحول السجن بذلك من فضاء لتقويم سلوك المجرمين إلى مدرسة لتعلم فنون الإجرام، خصوصا وأن قصر مدة هذه العقوبات غالبا مالا تسمح بتنفيذ برامج الإصلاح و التأهيل الاجتماعي الخاصة بالمحكوم عليه[44].
وبالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي يلاحظ أن العقوبات الحبسية في هذا القانون تتراوح في مجملها بين شهر واحد كحد أدنى و5 سنوات كحد أقصى[45]. و يلاحظ أيضا أن المشرع لم يعتمد على العقوبات الحبسية إلا في الجرائم التي تنم عن خطورة إجرامية واضحة لدى مرتكبيها. وبالتالي فإن الزجر عن هذه الجرائم بعقوبات حبسية – ولو كانت قصيرة المدة- أعتقد أنه أمر مقبول و مطلوب حتى لا يفقد القانون الجنائي روحه الردعية، ولا يمكن الاحتجاج بمساوئ هذا النوع من العقوبات للقول بضرورة إلغائها. لأن ذلك سيكون أقرب إلى الخيال، على اعتبار أن هناك بعض الجرائم المتوسطة الخطورة لا يمكن المعاقبة عنها إلا بعقوبات حبسية قصيرة المدة، و بالتالي فأنا هنا أضم رأيي إلى الرأي القائل بضرورة الإبقاء على هذه العقوبات مع التضييق من نطاقها. وتنظيمها بشكل يتلاءم ودرجة خطورة المجرمين المحكوم عليهم بها، و تأطيرها بمقتضيات قانونية واضحة تضمن فعاليتها، من قبيل التنصيص على ضرورة عدم اختلاطهم بالمحكوم عليهم بعقوبات طويلة المدة، ومواكبة ذلك بالإمكانيات المادية التي تكفل التطبيق السليم والسلس لمثل هذه المقتضيات. لأن القانون الجنائي يبقى قانونا غايته الزجر والردع، وإذا فقد هذه الخصوصية أعتقد أنه سيفقد قيمته المرجعية كأهم فرع من بين فروع القانون الأخرى، وسيفقد كذلك وظيفته في إشباع الإحساس بالشعور بالأمن.
على خلاف نهج القانون المغربي رفع قانون العقوبات الفرنسي هذه العقوبة في المادة 226-13 منه بالحبس سنة والغرامة 100.000 فرنك فرنسي، وقد أحسن المشرع الفرنسي صنعا حينما رفع العقوبة الحبسية والغرامة إذ من شأن ذلك توفير الحماية الفعالة لصاحب السر.
وهناك نصوص تعاقب بعقوبات خاصة كما هو الحال بالنسبة للمادة 105 من ق.م.ج الذي يعاقب على كل إبلاغ وإفشاء لوثيقة وقع الحصول عليها من التفتيش يتم من طرف شخص ليس له صلاحية قانونية للإطلاع عليها، بعقوبة الحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من 5000 إلى 30000 ألف درهم.
في حين أن نصوصا أخرى تعتمد على أسلوب الإحالة على المادة 446 من ق.ج.م لتطبيق العقوبة الواردة فيه على من يفشي الأسرار، مثال ذلك المادة 80 من قانون البورصة ألزمت أعضاء مجلس إدارة الشركة المسيرة وشركات البورصة، ومستخدميها، بكتمان السر المهني، في جميع القضايا التي ينظرونا فيها بأي صفة من الصفات وإلا تعرضوا للعقوبات المنصوص عليها في المادة 446 ق.ج. والملاحظ أن المشرع شدد العقاب إذا كان محل الإفشاء سر من أسرار الدفاع وعندئذ يعاقب الموظفون بعقوبة خاصة كما هو الحال في الفصل 192 وهي الحبس من سنة إلى 5 سنوات في حالة السلم، وأما في زمن الحرب فإن العقوبة هي السجن من خمس سنوات إلى 30 سنة.
والمبدأ العام في الجزاء الجنائي هو شخصية العقوبة، لكن في جريمة إفشاء السر المهني، يتعذر تحديد المسؤول بصورة شخصية[46]، ويرى بعض الفقه أن العمل على هذا النحو يشكل إفشاء لسر المهنة ، لكن لا يمكن متابعة مدير المستشفى إلا إذا تبين أنه تسبب شخصيا في الإفشاء.
الفقرة الثانية : الجزاءات المدنية
من المقرر كقاعدة عامة أن كل عمل غير مشروع يسبب ضررا للغير يلتزم مرتكبه بالتعويض، ولاشك في أن جريمة إفشاء السر عمل غير مشروع، ولكنها لا تؤدي إلى المطالبة بالتعويض إلا إذا تسبب ضررا للمجني عليه ماديا كان أو معنويا[47].
وتختلف المسؤولية المدنية[48] والمسؤولية الجنائية في عدة نواحي منها:
- أن المسؤولية الجنائية تتحقق بمجرد حدوث الإفشاء العمدي سواء حدث ضرر أم لم يحدث ، في حين أن المسؤولية المدنية يشترط لقيامها حدوث ضرر من جراء الإفشاء حتى يمكن الحكم للمجني عليه بالتعويض[49].
- الخطأ في المسؤولية الجنائية مخالفة لواجب يفرضه القانون ويعاقب على مخالفته، أما الخطأ في المسوؤلية المدنية فهو مخالفة للالتزام ناشئ عن عقد أو لواجب قانوني عام يتمثل في عدم المساس بحقوق الآخرين[50]
- إذا كان المشرع يشترط لقيام المسؤولية الجنائية توافر أركان الجريمة من ركن مادي وآخر معنوي، فإن المسؤولية المدنية تعتبر قائمة متى أحدث الفعل المرتكب من طرف الجاني ضررا خاصا، ولو بمجرد الإهمال.
وتجدر الإشارة إلى أن دائرة الخطأ المدني أوسع من الخطأ الجنائي، ذلك أن هذا الأخير يكون متحققا بتوافر الركن المادي لجريمة إفشاء الأسرار، بينما الخطأ المدني يتحقق بمجرد مخالفة التزام ناشئ عن عقد أو واجب قانوني عام يتمثل في عدم الإضرار بالآخرين.
الفقرة الثالثة : الجزاءات التأديبية
تتحقق الحماية القانونية لسر المهنة بما يوقع من جزاء تأديبي على الأمين نتيجة تقصيره في المحافظة على سر المهنة بإعتباره تصرفا من شأنه المساس بشرف المهنة أو مصالحها أو الإخلال بواجبات الوظيفة والمهنة[51].
وقد نصت القوانين المنظمة لشؤون كل طائفة من طوائف الأمناء على الأسرار على إلتزام أفرادها بالمحافظة على السر المهني، كما نظمت كيفية تأديبهم عند مخالفة ذلك الإلتزام، ومن هذا القبيل المادة 61 من القانون المنظم لمهنة المحاماة [52] بأنه يعاقب تأديبيا المحامي الذي يرتكب مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية، أو قواعد المهنة أو أعرافها، أو إخلال بالمروءة والشرف ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني، ويملك مجلس الهيئة حق إجراء المتابعة واتخاذ العقوبات التأديبية.
وتستقل المسؤولية التأديبية عن المسؤولية الجنائية في ما يلي :
- يشترط لقيام المسؤولية التأديبية أن يكون الخطأ المرتكب من الموظف أثناء قيامه بوظيفته، أما بعد انتهائها فلا تتم محاسبته وذلك لأن مناط المسؤولية هو قيام الرابطة الوظيفية، أما المسؤولية الجنائية فتأتي بصورة أكثر شمولية، فيتم محاسبة الموظف حتى بعد انتهاء خدمته وكذلك لا تشترط في محاسبة الشخص أن يكون موظفا[53].
- المسؤولية الجنائية تتولد عن الجريمة لإحداثها إخلالا خطيرا بأمن وسلامة المجتمع، أما المسؤولية التأديبية فتتولد عن الجريمة التأديبية، لأنها تقوم على خطأ مصلحي للموضوع، و تؤدي بدورها إلى الإضرار بالمجتمع.
- الجريمة الجنائية لا تنشأ إلا على أخطار محددة على سبيل الحصر مقدما من طرف المشرع في القوانين العقابية المختلفة عملا بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، في حين أن الجرائم التأديبية، وإن كانت عقوبتها محددة على سبيل الحصر، وتبدأ للمحامي مثلا بالإنذار والتوبيخ، فالإيقاف عن ممارسة المهنة لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، فالتشطيب من الجدول، أو من قائمة التمرين أو سحب الصفة الشرفية[54].
[1] سامي نصراوي: “النظرية العامة للقانون الجنائي والمسؤولية الجنائية“، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة ـ الطبعة الثالثة ، ص 319.
[2] عبد الحميد المنشاوي: “جرائم القذف والسب وإفشاء الأسرار”، مطبعة دار الفكر الجامعي سنة 2000 ، ص 129.
[3] أحمد كامل سلامة:” الحماية الجنائية لأسرار المهنة مطبعة كلية الحقوق بالقاهرة 1988 “ ، ص 395.
[4] جاء في أسباب الطعن “أن معرفة الواقعة لا ترفع عن كامل الأمين الالتزام بالسر، ذكره أحمد كامل سلامة، مرجع سابق، ص 395.
[5] مرسلي والعيبود:” الحماية الجنائية للسر المهني”، رسالة نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء الفوج 32 السنة 2002 – 2004 ، ص 51.
[6] أحمد كامل سلامة، مرجع سابق، ص 398.
[7] مرسلي والعيبود، مرجع سابق، ص 51.
[8] أحمد كامل سلامة، مرجع سابق، ص 399.
[9] عبد الحميد المنشاوي، مرجع سابق، ص 133.
[10] محمود صالح العادلي:” الحماية الجنائية لإلتزام المحامي بالمحافظة على أسرار موكليه” ، دراسة مقارنة ، الناشر دار الفكر الجامعي الإسكندرية سنة النشر 2003 ، ص 119.
[11] إلياس عاصم: ” إنتكاسة مفهوم السر المهني” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين و البحث في العلوم الجائية، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية بجامعة عبد المالك السعدي طنجة ، السنة الجامعية 2007- 2008، ص 162 و 163 .
بالنسبة للإفشاء بالوسائل العادية: لم يشترط المشرع المغربي هنا وسيلة معينة للإفشاء ، فهذا الأخير يتحقق بأية وسيلة من الوسائل سواء كانت صريحة أم ضمنية ، وهذا راجع لعدم وجود عبرة بالوسائل المستخدمة ، فالإفشاء في جوهره هو نقل المعلومة التي توصف بالسرية إلى حالة إطلاع الغير عليها.
ومن أكثر الوسائل التي يتم فيها الإفشاء هي المشافهة ، وذلك من خلال التحدث بين الناس عن طريق الحوار أو المناقشة أو بإلقاء المحاضرات أو عبر الهاتف. وقد تتخذ أشكال أخرى حيث تتم من خلال النشر في الكتب أو المقالات أو عن طريق إعطاء بيان خطي للغير.
اما بالنسبة للإفشاء بالوسائل الإلكترونية: فمن التشريعات المقارنة التي تنص على الإفشاء بالوسائل الإلكترونية نجد المشرع الفرنسي من خلال المادة 22/ 226 من القانون الجنائي الفرنسي ، إذ يعاقب على كل فعل يرتكبه شخص قام بالكشف عن بيانات إسمية ، بمناسبة تسجيل أو فهرست أو نقل أو أي شكل من أشكال معالجة البيانات الإسمية التي يترتب عن كشفها، الإعتداء على صاحب الشأن أو حرمة حياته الخاصة،دون التصريح بذلك من صاحب الشأن للغير ، الذي لا توجد له أي صفة في تلقي هذه المعلومات، و يبدو أن هذه الجريمة تقترب في حقيقتها مع جريمة إفشاء الاسرار التي يعاقب عليها القانون الجنائي الفرنسي ، ومع ذلك يوجد اختلاف بينهما، حيث أن كشف البيانات الإسمية قد ينطوي على إفشاء للأسرار ، وقد ينطوي عن كشف لبيانات لا تعد من قبيل الأسرار، ومن ثم كانت هذه الجريمة أوسع نطاقا من جريمة إفشاء الأسرار.
[12] عبد الحميد المنشاوي، مرجع سابق، ص 134.
[13] أحمد الخمليشي: “شرح القانون الجنائي ،القسم العام “،مطبعة المعارف الجديدة الطبعة الثانية 1989 ص 91-92.
[14] الجريمة الشكلية أو جريمة السلوك هي التي لا يتوقف وجودها على تحقق النتيجة الإجرامية ، أو عدم حصولها وهذا السلوك يكون إيجابي أو سلبي ،
أما الجريمة المادية أو جريمة النتيجة هي التي يدخل ركنها المادي نشاط الجاني و النتيجة الإجرامية معا.
ومن أهم نتائج التمييز بين الجريمة المادية و الجريمة الشكلية (جريمة السلوك) ما يتعلق بالعلاقة السببية فجرائم النتيجة (الجرائم المادية)لا يتم ركنها المادي إلا إذا وجدت علاقة سببية بين فعل الجاني وبين النتيجة الإجرامية التي حصلت ، بحيث لا يكفي لقيام الجريمة صدور الفعل من الجاني وحصول النتيجة الضارة ، بل يتعين على المحكمة أن تتحقق من وجود العلاقة السببية بينهما و أن تبرز ذلك في حكمها.
أما جرائم السلوك (الجرائم الشكلية) فإنه لا وجود فيها لعلاقة السببية كعنصر من عناصر التجريم ، وذلك لأن التجريم فيها يتعلق بمجرد السلوك (عمل أو امتناع) ولا بتوقف قيام الجريمة على حصول النتيجة الضارة .
[15] محمد صالح العادلي : مرجع سابق، ص 126-128.
- النتيجة الفعلية يقصد بها أن الواقعة التي يسعى الجاني إلى تحقيقها، بحسبانها هدفا أو غاية من النشاط الإجرامي ومعنى هذا أن النتيجة الفعلية هي التي يرمي المشرع إلى وقاية المجتمع منها بتجريم الوسائل التي ترتبط برابطة السببية سواء أن نص المشرع عليهم أو لم ينص، وعليه فإن جريمة إفشاء الأسرار تتمثل النتيجة الفعلية فيها في الاعتداء على حق الإنسان في كرامته واعتباره كأثر لإفشاء أسراره.
- النتيجة القانونية ينصرف مدلولها إلى الاعتداء على الحق أو المصلحة المشمولة بحماية القانون الجنائي، ويستوي أن يتمثل هذا الاعتداء في صورة فعلي يصيب الحق أو المصلحة محل الحماية أو في مجرد تعريض هذا المحل للخطر – أي خطر حدوث ضرر فعلي – فجريمة إفشاء الأسرار تمثل النتيجة القانونية فيها الاعتداء على الكرامة والشرف بسبب إفشاء الأمين أو من يساعده لأسرار زبنائه.
- النتيجة الشرعية ينصرف مدلولها إلى تلك النتيجة التي يتطلبها المشرع للوجود القانوني للجريمة، فالنتيجة بهذا المعنى تعتبر عنصرا أساسي في النموذج القانوني للركن المادي إذ لا تقوم الجريمة بدونه.
[16] أحمد الخمليشي: شرح القانون الجنائي ،- القسم العام – مطبعة المعارف الجديدة، سنة الطبع 1985 ، ص 184 و 185 .
[17] – محمود نجيب حسني: “شرح قانون العقوبات القسم الخاص”، دار النهضة العربية ،القاهرة ، طبعة 1987 ، ص 764.
–[18]Email Garçon, code pénal. Annoté,Tome 2, édition 1956, p 119.
[19] عبد الواحد العلمي: “شرح القانون الجنائي المغربي –ا لقسم العام “، مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء ،الطبعة الثانية ، سنة 2007 ص 200 – 2001 ، ص 200 .
[20] مرسلي والعيبود، مرجع سابق، ص 53.
[21] المقصود بالقصد العام، توجيه الجاني لإرادته نحو تحقيق الواقعة المكونة للجريمة مع علمه بعناصرها كما يحددها القانون في النص الجنائي، لكن بدون تخصص لعنصري العلم والإرادة الواجبة لقيامه بباعث معين أو غاية مضمرة.
[22] أسامة قايد:” المسؤولية الجنائية للطبيب عن إفشاء سر المهنة دراسة مقارنة” ، الطبعة الأولى مطبعة دار النهضة العربية القاهرة سنة 1986 ص 50.
[23] مثال : اعتقاد الطبيب أن السر لا يتعلق بمهنته، وأن العميل رضى بإباحة السر أمام زوجته بإخبارها بطبيعة مرضه، فإن القصد هنا ينتفي لإنعدام عنصر العلم وأن الجهل أو الغلط الذي ينفي القصد هو منصب على الوقائع وعلى التكييف القانوني غير الجنائي إذ لا يجوز لأحد أن يحتج بالجهل بالقانون الجنائي.
[24] محمد الناجي: “المسؤولية عن إفشاء السر المهني البنكي”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وحدة التكوين والبحث في قانون الأعمال والاستثمار تخصص القانون التجاري المقارن السنة الجامعية 2006- 2007، ص 56.
[25] عبد الواحد العلمي: شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء سنة 2006، ، ص 79.
[26] و موضوع تحريك الدعوى العمومية تتجاذبه في الأنظمة الجنائية المقارنة نظامين متناقضين هما النظام الإتهامي و النظام التفتيشي و تجدر الإشارة إلى أن قانون المسطرة الجنائية المغربي يأخذ بانظام التفتيشي مع تطعيمه ببعض إيجابيات النظام الإتهامي.
[27] نوفل الريحاني: “السر المهني البنكي ومسؤولية البنوك دراسة مقارنة”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش 1996 ، مرجع سابق، ص152.
[28] مولاي البشير الشرفي :المسؤولية الناتجة عن خرق الالتزام بالسر المهني في القانون البنكي المغربي، مجلة القانون المغربي، العدد 1/2002، ص 29.
[29] نوفل الريحاني، مرجع سابق، ص 154.
[30] – Raymond FARHAT, op.cit, p : 138 et 139.
[31] عياط محمد، “دراسة في المسطرة الجنائية المغربية”، الجزء الأول مطبعة بابل للطباعة و النشر و التوزيع الرباط الطبعة الأولى 1991، ص 133.
[32] وزارة العدل: شرح قانون المسطرة الجنائية، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية ، سلسلة شروح و دلائل العدد 2 2004 الطبعة الأولى، ص 59.
[33] عبد القادر العرعاري: مصادر الإلتزامات الكتاب الثاني المسؤولية المدنية، الناشر دار الأمان الرباط، الطبعة الثانية السنة ،2005 ص 107 .
[34] المختار عطار : قانون الالتزامات والعقود، – مصادر الالتزامات- ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1999ص 291.
[35] المختار العطار، مرجع سابق، ص 291.
[36] عبد الرزاق أحمد السنهوري، “الوسيط في شرح القانون المدني الجديد. مصادر الالتزام، الجزء الأول، المجلد الثاني”، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الثالثةـ 2000.ص 1041.
- أن يكون الضرر مباشرا : إن الضرر الذي يؤخذ بعين الإعتبار عند تقدير التعويض هو الذي يتولد بصورة مباشرة عن الفعل الضار ، و يترتب على ماسبق أن الضرر إذا لم تكن له علاقة مباشرة بالخطأ فإنه لا يستوجب التعويض.
- أن يكون الضرر محققا و حالا: مقتضى هذا الشرط أن يكون الضرر قد وقع فعلا وهو ما يسمى بالضرر الحال ( (Dommage actuel
- أن يكون الضرر شخصيا : سواء كان الضرر ماديا أو معنويا فإنه يتعين فيه أن يكون شخصيا وهذا يعني أن المطالبة بالتعويض حق للمضرور المباشر وحده لإرتباط ذلك بمصلحته
[38] كما هو الحال بالنسبة لظهير 2 أكتوبر 1984 الذي وضع مجموعة من الجداول تحدد التعويض الواجب للمتضرر بدلالة نسبة العجز المؤقت أو الدائم التي لحفت بالضحية في حوادث السير.
[39] قرار المجلس الأعلى، الغرفة الجنائية، 15 ماي 1969، قضاء المجلس الأعلى العدد 11، الإصدار الإلكتروني.
وتجدر الإشارة إلى أنه على المتضرر أثناء تقديمه لطلباته المدنية أمام القضاء الزجري أداء القسط الخزافي حتى تكون طلباته مقبولة شكلا.
[40] كامل الوادي: الأعمال المصرفية والقوانين المنظمة لها،- الجزء الأول- ، دار المتنبي للطباعة والنشر، أبو ظبي، 1991.ص 44..
[41] عبد الواحد العلمي: شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، – الجزء الأول – مرجع سابق، ص 266.
[42] عبد الواحد العلمي، مرجع سابق ، ص377.
[43]– مولاي البشير الشرفي، مرجع سابق، ص30.
[44] أبو العلا عقيدة،أصول علم العقاب ، دار النهضة العربية، بدون طبعة و بدون سنة، ص183
[45] باستثناء حالات العود
[46] مثال ذلك ما يحدث بالمستشفيات التي يسير فيها العمل على تخصيص تذكرة لسرير كل مريض توضع بجوازه أو تعلق بسريره، فعندئذ يكون من الميسور أن يطلع كثير من العاملين بالمستشفى أو الزوار على البيانات المذكورة.
[47] أسامة عسيلان:” الحماية الجنائية لسر المهنة في الشريعة الاسلامية والقونين الوضعية”، رسالة لنيل الماجستير في العدالة الجنائية ، جامعة نايف للعلوم الامنية سنة 2005 منشورة بالموقع الإلكتروني للجامعة على شبكة الإنترنت،ص 158.
[48] يشترط لقيام المسؤولية المدنية توافر شروط ثلاث هي :
- الخطأ : هو الإنحراف في السلوك المالوف مع إدراك لهذا الإنحراف .
- الضرر: هو ما يصيب الشخص بأذى في نفسه أو ماله أو إعتباره ، وقد يكون ماديا أو معنويا .
- العلاقة السببية : تبرز أهميتها في أنها تبين العلاقة بين الخطأ و الضرر فتبين أن الضرر ناتج عن الخطأ ، و أنه لولا الخطأ لما كان الضرر .
[49] مرسلي والعيبود، مرجع سابق ص 61.
[50] أسامة عسيلان، مرجع سابق، ص 160.
[51] أسامة عسيلان، مرجع سابق، ص 157.
[52] ظهير 20 أكتوبر 2008، منشور في الجريدة الرسمية عدد 5680 يوم الخميس 6 نونبر 2008.
[53] أسامة عسيلان، مرجع سابق، ص 158.
[54] مرسلي والعيبود، مرجع سابق،ص 62.