في الواجهةمقالات قانونية

آثار العدول عن الخطبة في ضوء مدونة الأسرة

 

 

 

جيهان الشطبي، طالبة باحثة  كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية سطات

الموضوع : آثار العدول عن الخطبة في ضوء مدونة الأسرة

فك الرموز:

 

م.أ       : مدونة الأسرة

ص       : صفحة

ط         : طبعة

ع         : عدد

م.س        : مرجع سابق

ط.غ.م      : الطبعة غير مذكورة

 

 

 

مقدمة :

 

تعتبر الأسرة من أهم ركائز ودعائم المجتمع، وبالتالي تشكل اللبة الأولى والخلية الأولى بالنسبة له. وعلى هذا الأساس لم يشَأ الله سبحانه أن يجعلَ الإنسان كغيره من العوالِم، فيَدَع غرائزه تنطلق دون وعي، ويترك إتصال الذكر بالأنثى فوضى لا ضابط له، بل وضع النظام الملائم لسيادته، والذي من شأنه أن يحفظ شرفه ويصون كرامته، فجعل اتِّصال الرجل بالمرأة كريمًا مبنيًّا على رضاهما، وعلى إيجابٍ وقَبول كمَظهرينِ لهذا الرضا، وعلى إشهادٍ، على أن كلًّا منهما قد أصبح للآخر[1].

ومما لا شك فيه، أن الإنسان فطر على التناسل والتكاثر عن طريق الزواج الشرعي بإعتباره عماد الأسرة القويم وهو سنة الله في الكون[2]، قال تعالى :

“(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً )”[3]

وفي نفس السياق، فقد كتب الله الزواج على الإنسان والحيوان والنبات، مصداقا لقوله عز وجل : ” وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)[4]

وكما هو معلوم أن الزواج عبادة يستكمل الإنسان بها نصف دينه،  فقد شرع الله الزواج لحكمة بالغة وجعله عماد الأسرة الذي تلتقي فيه الحقوق والواجبات بين الزوجين في إطار من الإنتظام والتكامل والعدل التام الذي يتحقق من خلاله بقاء النوع الإنساني على أكمل وجوه البقاء[5]، وأن يجد كل من العاقدين في صاحبه الأنس الروحي الذي يؤلف الله تعالى بينهما، وتكون به الراحة وسط متاعب الحياة وشدائدها[6].

 

 

وهكذا يعتبر عقد الزواج، الذي يبرم يين رجل وامرأة، من أهم العقود المدنية وأعظمها شأنا وأبعدها أثرا في حياة الفرد وفي  بناء المجتمع[7].

ومن مظاهر أهمية الزواج وإهتمام الشارع الإسلامي به -بل والمشرع الوضعي كذلك- أنه قد وضع له مقدمات تمهد له وتكفل للطرفين حسن الإختيار والسير على قاعدة الإستمرار لضمان حياة زوجية مستقرة[8]. والمقصود بالمقدمات في هذا الصدد، الخطبة بإعتبارها خطوة سابقة لإبرام عقد الزواج .

إن لفظ الخطبة خضع بدوره لعدة تعاريف، نذكر من ذلك التعريف الملقى من قبل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، التي نصت على ما يلي “الخطبة وعد بالزواج وليست زواج ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به العادة والعرف من تبادل الهدايا ”

وإصطلاحا تعرف بكونها طلب الرجل يد امرأة معينة للتزوج بها والتقدم إليها وذويها والمفاوضة في أمر العقد ومطالبه ومطالبهم بشأنه[9].

ومن جهته عرف المشرع المغربي الخطبة في المادة الخامسة من مدونة الأسرة بقوله :

“” الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج.

تتحقق الخطبة بتعبير طرفيها بأي وسيلة متعارف عليها تفيد التواعد على الزواج، ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به العادة والعرف من تبادل الهدايا.””

وفضلا عن ذلك أجاز المشرع في المادة السادسة من مدونة الأسرة إمكانية العدول عن الخطبة بإعتبار الطرفان في فترة الخطبة إلى حين الإشهاد على عقد الزواج، وهنا يتبدى لنا جليا، أن المشرع جعل للخطبة ضوابط تحكمها،

 

والمتمثلة في كون الإشهاد هو الذي ينقل المخطوبين من مرحلة الخطبة الى مرحلة الزواج

ولكل من الطرفين حق العدول عنها.-قد يكون العدول إما بإتفاق الطرفين  أو بقرار من احدهما-[10]. وفي هذا الصدد فالعدول لا تترتب عنه أي مسؤولية سواء وجه من قبل الخاطب أو المخطوبة. وهذا ما أشارت إليه مدونة الأسرة في مادتها السابعة، “”ومنه مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض، غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض”” .

ولكن قد تطرح بعض المشاكل القانونية في حالة الخطبة التي تنتهي من غير الزواج والتي تتعلق أساسا بمصير الهدايا والصداق التي تقدم من قبل الخاطب بالخصوص إلى المخطوبة،  كما ينبغي الإشارة الى موضوع نسب الحمل الناتج أثناء فترة الخطبة الذي بدوره أخد حيزا كبيرا من النقااش نظرا لإرتباط هذا الموضوع بالمنظومة الدينية والإجتماعية والثقافية والأخلاقية للمجتمع .

وعلى ضوء هذا التقديم، يمكننا طرح إشكالية لمناقشة موضوعنا هذا، والتي تتمحور حول :

— ما هو مصير الهدايا والصداق المقدم في مرحلة الخطبة عند العدول عنها؟ وكذا الآثار المترثبة عن الحمل الواقع خلال فترة الخطبة ؟ .

 

ولخوض غمار هذه الإشكالية نقترح التصميم الآتي بيانه :

 

      – المطلب الأول : مصير الصداق والهدايا في حالة العدول عن الخطبة

      – المطلب الثاني : آثار الحمل الواقع خلال فترة الخطبة

 

 

 

 

المطلب الأول : مصير الصداق والهدايا في حالة العدول عن الخطبة

 

ومما لا شك فيه، أن للخطبة دور محوري وذلك من خلال وصول الخطيبين الى التفاهم والتجاوب في كل النواحي التي توطد المحبة، وكذا التآلف بين الخطيبين ,وإعتبارا لذلك تتيح العادات الأصيلة في المجتمع المغربي تبادل الخطيبين لبعض الهدايا، أو ان يقوم الخاطب بدفع الصداق بغاية تحقيق الود والتقارب، ولكن يثار الإشكال هنا في حالة التراجع عن الخطبة.

وعليه، سيتم تناول مآل الهدايا في حالة العدول عن الخطبة (الفقرة الأولى). ثم حكم الصداق أثناء العدول عن الخطبة( الفقرة الثانية)

 

 الفقرة الأولى : مصير الهدايا عند العدول عن الخطبة :

 

  • مآل الهدايا قبل صدور مدونة الأسرة :

 

في هذا الإطار، إختلفت المذاهب الفقهية، بحيث ذهب المذهب الحنفي إلى كون الهدايا تأخد حكم الهبات. والهبات عندهم يجوز الرجوع فيها[11] والمقصود من ذلك، أن الهدايا المقدمة الى المخطوبة حكمها حكم الهبة، فللواهب الرجوع فيها ما لم يكن مانع من الرجوع كهلاكها أواستهلاكها، فيرد منها ماكان قائما دون ما هلك اوإستهلك سواء كان العدول من طرف الخاطب أو من المخطوبة لأن الهدايا قدمت على سبيل التبرع[12]

وشاطره في ذلك المذهب الشافعي، مع إضافة وجوب رد الهدايا بشكل مطلق أي في جميع الأحوال، سواء كانت باقية أو هالكة، فإذا كانت موجودة ردت بعينها،

 

 

وإن هلكت أو إستهلكت وجب رد مثلها أو قيمتها سواء كان العدول من قبله او من قبل المخطوبة او منهما معا[13] .

وجعل المالكية حكم الهدايا مرهونا بالجهة التي صدرمنها العدول، فإذا وقع العدول عن الخطبة من طرف الخاطب فلا حق له في إسترجاع ما دفعه من هدايا ،ولا تلزم المخطوبة برد ما أخدته من الخاطب، أما اذا كان العدول من جانب المخطوبة، يحق حينئذ للخاطب أن يسترد هداياه إن كانت موجودة أو قيمتها أو مثلها إن استهلكت او تلفت[14].

ويضيف الحنابلة[15] أن الهدية تثبت بكل امر مقرر لكل المهر او لنصفه، و يرد ما وهبته المرأة لخاطبها قبل الدخول إذا طلقها او فسخ العقد بإختياره

أما هدية الخاطب التي يقدمها إلى المخطوبة قبل أن يعقد عليها فلا تعد من المهر ، وعليه فللخاطب الحق في استرجاع ما أهداه إذا كان أهل المخطوبة قد وعدوه بأن يزوجوه من المخطوبة ولم يفوا بوعدهم، و ذلك لأنه اهدى إلى المخطوبة في مقابل حصول العقد عليها، وبامتناعهم يكون السبب منهم فيحق له استرجاع الهدايا .

اما إذا مات أحد الخطيبين فليس للخاطب أو ورثثه المطالبة باسترجاع شيء مما أهداه الخطيب لخطيبته، وعلة هذا الحكم أن عدم إتمام العقد لم يكن من جهتهم، فالموت لا يملكون إزاءه شيئا ولا دخل لإرادتهم في عدم إتمام هذا الزواج[16]

وفي حالة ما إذا كان الإعراض عن إتمام الزواج صادر من قبل الخاطب فليس له حق الرجوع على المخطوبة او وليها بما قدم من هدايا، لأنه هو الممتنع عن العقد وبالتالي فالسبب منه[17].

 

 

وصفوة القول، أن الراي القريب الى الصواب هو رأي الإمام مالك رضي الله عنه الذي فرق بين :

-فإن كان شرط بين الطرفين أو عرف متبع عمل بالشرط او العرف، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا .

-وإذا لم يكن شيء من ذلك: فإن كان العدول من جهة الخاطب فلا يسترد من المخطوبة ما اهداه إليها. وإن كان قائما بعينه لديها وإن كان العدول من جهتها فإنه يرد ما اهدي إليها بعينها، ويرد قيمته اومثله إن هلك او استهلك [18]

وفي نفس السياق سارت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة من خلال فصلها الثالث الذي ينص على أنه :

”  لكل من الخاطب و المخطوبة العدول عن الخطبة .

للخاطب أن يسترد الهدايا إلا إذا كان العدول عن الخطبة من قبله .”

2-مآل الهدايا بعد صدور مدونة الأسرة:

بخصوص هذه المسألة حسمت فيها مدونة الأسرة، التي قضت وفق المادة الثامنة ب: لكل من الخاطب والمخطوبة أن يسترد ما قدمه من هدايا، ما لم يكن العدول عن الخطبة من قبله.

ترد الهدايا بعينها، أو بقيمتها حسب الأحوال.”””

وهنا يتبدى لنا جليا أن المشرع حاول من خلال المادة الثامنة أن يبرز أحكاما، يمكن تفصيلها في النقط التالية :

-لايحق للطرف الذي عدل عن الخطبة إسترجاع الهدايا التي قدمها للطرف الآخر

-يحق للطرف الذي لم يعدل عن الخطبة أن يحتفظ بالهدايا التي قدمت له بمناسبة الخطبة

 

-يحق للطرف الذي لم يعدل عن الخطبة أن يسترجع الهدايا التي قدمها هو للطرف العادل عن الخطبة بمناسبة الخطبة

-ترد الهدايا عينيا، او بقيمتها حسب الأحوال .

ويمكن القول أن مدونة الأسرة سارت على خطوات المذهب المالكي ومستندها في الأخد بهذا المذهب، يرجع أساسا إلى التعليل المنطقي الذي عللت به المالكية، فلا يجوز زيادة ألم يتجلى في العدول  على الم آخر متعلق بإسترداد الهدايا،

ومن تطبيقات ذلك، قضية الخاطب الذي أهدى لخطيبته بقعة أرضية مساحتها سبعة هكتارات وقد سجلها بإسمها في السجل العقاري، ثم عمدت بعد ذلك إلى الزواج من رجل أخر، فتقدم الخاطب بطلب من أجل إسترجاع هديته وكذا التشطيب على الهبة من الرسم العقاري، فحكمت المحكمة الإبتدائية بفاس وفق الطلب وألغته استئنافية نفس المدينة، غير أن المجلس الأعلى سابقا نقض قرارها بعلة خرق الفصل الثالث من مدونة الأحوال الشخصية الذي ينص على أن :  لكل من الخاطب والمخطوبة الحق في العدول عن الخطبة .

للخاطب أن يسترد الهدايا إلا إذا كان العدول عن الخطبة من قبله .[19]

وتجدر الإشارة أن القاضي وهو بصدد القيام بعملية التكييف لا ينبغي له ان يتوقف فقط عند واقعة العدول، بل يعتبر السبب الداعي إلى ذلك، لأنه قد يحدث أن يلجأ أحد الطرفين إلى إشتراط شروط ثقيلة على صاحبه او يضع بعض المعيقات والعراقيل التي تدفعه إلى التعجيل بالعدول عن الخطبة [20]،

وبالتالي فلا يسير النظر إلى الطرف العادل وإنما لصاحب العراقيل والشروط التعجيزية، وعلة ذلك أن الشخص الذي يضع شروط تعجيزية يكون سيء النية و يتخلله الإقتناع بعدم إتمام مشروع الزواج.

وفي نفس السياق يرى الأستاذ أحمد الخمليشي بأنه يفرض على الخطيبة إذا ما ارادت الإحتفاظ بالهدية أن تقوم بكل ما يخوله لها القانون من أجل مطالبة الخاطب بإتمام الزواج، وعزز ذلك بقرار الغرفة المدنية بتاريخ 1978/12/13

 

“وبما أن المدعى عليها هي التي ستستفيد من تملكها الهدية التي أهديت لها بمناسبة الخطبة، فإنه كان عليها ان تثبت أنها فعلت كل ما يخوله لها القانون من أجل مطالبة المدعي بإتمام عقد الزواج بها، وأنه هو الذي كان يماطل إلى أن تخلى عنها نهائيا ولذلك فما اعتمدته المحكمة من أن المدعي لم يسبق له ابتدائيا ان نسب للمدعى عليها ذلك، وإنما تمسك به في المرحلة الاستئنافية، وان ذلك يشكل قرينة على انه هو الذي لم تكن له رغبة في إتمام الزواج بها هواستنتاج فاقد الأساس[21] .

وفي حالة العدول الإتفاقي، يحق للخطيبين إسترداد الهدايا المقدمة من طرفهما، ويستثنى من هذا الحكم إتفاق الطرفين على مآل الهدايا إذ في هذه الحالة يتم الرجوع إلى القاعدة الأصلية في قانون الإلتزامات والعقود التي تقرر بأن العقد شريعة المتعاقدين [22]

الفقرة الثانية : مصير الصداق عند العدول عن الخطبة :

 

عرفت مدونة الأسرة الصداق في المادة 26:

“”الصداق هو ما يقدمه الزوج لزوجته إشعارا بالرغبة في عقد الزواج وإنشاء أسرة مستقرة، وتثبيت أسس المودة والعشرة بين الزوجين، وأساسه الشرعي هو قيمته المعنوية والرمزية، وليس قيمته المادية “”

ويسمى الصداق مهرا ونحلة وعطية، وهو واجب بكتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كتاب الله قوله تعالى ” ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾

بحيث إتفق الفقه على جواز تأجيل المهر -الصداق او تعجيله، و بذلك يمكن للخاطب أن يستعجل إعطائه كلا أو جزءا قبل إبرام عقد الزواج لإتفاق بين الطرفين أو لعرف جرى على ذلك، ولم يتعرض المشرع المغربي لمصير الصداق المقدم في فترة الخطبة إلا في المادة التاسعة من مدونة الأسرة. و التي تفيد ” إذا

 

قدم الخاطب الصداق أو جزءا منه، وحدث عدول عن الخطبة أو مات أحد الطرفين أثناءها، فللخاطب أو لورثته استرداد ما سلم بعينه إن كان قائما، وإلا فمثله أو قيمته يوم تسلمه.

وإذا لم ترغب المخطوبة في أداء المبلغ الذي حول إلى جهاز، تحمل المتسبب في العدول ما قد ينتج عن ذلك من خسارة بين قيمة الجهاز والمبلغ المؤدى فيه.

 

ويفهم من هذه المادة أن المشرع المغربي أعطى للرجل الخاطب الحق في إسترجاع ما قدمه من صداق لخطيبته في مرحلة الخطبة، سواء كان العدول من طرفه أو من طرف الخطيبة، لأن المشرع المغربي يعتبر الصداق من شروط العقد، وذلك إستنادا الى المادة 13 من مدونة الأسرة التي نصت على ما يلي:

يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية:

1 – أهلية الزوج والزوجة؛

2 – عدم الاتفاق على إسقاط الصداق؛

3 – ولي الزواج عند الاقتضاء؛

4 – سماع العدلين التصريح بالإيجاب والقبول من الزوجين وتوثيقه؛

5 – انتفاء الموانع الشرعية

ذلك أن القاضي بمجرد تأكده من خلال الوقائع المعروضة عليه أن الأمر يتعلق بخطبة فإنه يستبعد إعمال وتطبيق الأحكام المتعلقة بالزواج، كما هو الشأن بالنسبة للصداق المقدم أثناء فترة الخطبة  والذي يفرض على القاضي أثناء التكييف إستبعاد الأحكام المنصوص عليها في المادة 35 من مدونة الأسرة لإختصاصها بالزواج، وبالتالي لا يمكن قياس الخطبة عليها لوجود الفارق، وإنما يتجه أساسا إلى الحكم بإرجاع الصداق دون البحث أوالإلتفات إلى السبب الذي منع من إتمام الزواج لعدم تأثيره [23]

 

 

ومن التشريعات العربية التي نصت على ذلك صراحة، نجد مدونة الأحوال الشخصية العراقية، في الفصل 19 التي تنص على ما يلي :

“….إذا سلم الخاطب الى مخطوبته قبل العقد مالا محسوبا على المهر، ثم عدل الطرفان عن إجراء العقد، أو مات أحدهما، فيمكن إسترداد ما سلم عينا وإن استهلك فبدلا….”[24]

غير أن العدول عن الخطبة على غرار إشكالية الهدايا والصداق، يمكن أن ينجم عنه أضرر مادية او معنوية :

 

يرى بعض الفقه أن العدول عن الخطبة لا يترتب عنه التعويض في كل الأحوال[25] ويرى جانب آخر أن التعويض عن الضرر المنجر عن العدول عن الخطبة يكون له ما يبرره في بعض الأحيان، وإن هذا التعويض يجد سنده إما في مبدأ “منع إساءة إستعمال الحق ” المعمول به خاصة لدى الحنفية، أو في مبدأ “منع التسبب في الضرر ” المعمول به خاصة لدى المالكية[26]

وقد حاول الأستاذ محمد أبو زهرة أن يوفق بين الرأي الأول والرأي الثاني فقال ” وفي الحق أننا لا نستطيع أن نقر الرأي الأول الذي يمنع كل تعويض عن الضرر بإطلاق، كما لا نستطيع أن نقر الرأي الثاني، بل نقول قولا وسطا فنقرر أن العدول عن الخطبة في ذاته لا يكون سببا للتعويض، لأنه حق، والحق لا يترتب عليه تعويض قط، ولكن ربما يكون الخاطب قد تسبب في أضرار نزلت بالمخطوبة، لا لمجرد الخطبة و العدول، كأن يطلب نوعا من الجهاز أو تطلب هي إعداد المسكن، ثم يكون العدول والضرر، فالضرر نزل بسبب عمل كان من الطرف الذي عدل غير مجرد الخطبة، فيعوض، وإن لم يكن كذلك فلا يعوض

وعلى هذا يكون الضرر قسمين :

ضرر ينشأ، وللخاطب دخل فيه غير مجرد الخطبة والعدول، كالمثالين السابقين،

ضرر ينشأ عن مجرد الخطبة والعدول من غير عمل من جانب العادل،

 

فالأول يعوض والثاني لا يعوض، إذ الأول كان تغريرا، والتغرير يوجب الضمان، كما هو مقرر في قواعد الفقه الحنفي وغيره، وفي قضايا العقل و المنطق، وقد أخدت بهذا النظر محكمة النقض :

(نقض مدني 14 ديسمبر 1939) [27]

 

فبالنسبة لمدونة الأسرة قضت في مادتها السابعة ب :

“”ومنه مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض، غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر  يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض””

يسوغ القول هنا، أن التعويض في إطار الفقرة الثانية من المادة 7، لا يمكن أن يستجاب له في حالة ما إذا كان الضرر الحاصل ناتجا عن سبب مخالف للقانون

ونستشف ذلك، من خلال حكم المحكمة الإبتدائية بالحسيمة [28] “حيث إن المدعية تهدف من طلبها، الحكم على المدعى عليه بأدائه لها تعويضا قدره ثلاثمائة ألف درهم، عن الضرر الحاصل لها بسبب التغرير بها وعدوله عن الزواج بها بعد إذن المحكمة له بالزواج بها، وحيث أنه بمقتضى المادة السابعة من مدونة الأسرة ، فانه في حالة ما اذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض

ومنه تبين للمحكمة الإبتدائية أن المدعية تطالب بالتعويض عن فعل التغرير الذي إرتكبه المدعى عليه الذي مارس الجنس معها بمنزلها كما هو ثابت بإقرارها، و القانون لا يبييح العلاقة الجنسية بين الطرفين إلا في نطاقها الشرعي، خصوصا و أن الخطبة وعد بالزواج و ليست زواج كما هو معلوم، و بالتالي يكون الخطيبان قد إستسلما معا للرغبة الجنسية، فإنه لا موجب لأي تعويض لا لضرر مادي أو معنوي.

 

 

وتجدر الإشارة أن المحكمة هنا استعملت مصطلح الوعد الذي يعرف في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، لأن الخطبة عبارة عن تواعد، والتواعد يفيد الجانبيين معا، و لكن ليس في ذلك إشكال لأن المحكمة كانت صائبة في قرارها.

وفي هذا السياق يمكننا القول أن العبرة هنا بحدوث الضرر بالطرف الآخر لا بمجرد العدول عن الخطبة، ذلك أن القاضي وهو يكيف طلب التعويض عن العدول عن الخطبة فإنه يلزمه أن يبحث عن حصول الخطأ المسبب للضرر و عن ثبوت هذا الأخير لا عن واقعة العدول عن الخطبة،

 

لأنه سيقضي بالتعويض بناء على المسؤولية التقصيرية لأن الخطبة ليست عقدا وبالتالي لا يعتبر العدول عنها إخلالا بإلتزام تعاقدي يوجب العويض[29]

ويرى الأستاذ أحمد الخمليشي لتبرير الحكم بالتعويض ضرورة توفر شرطين أساسيين :

-أن لا يكون للعادل مبرر ظاهر لإنهاء الخطبة، بل يفعل ذلك لمجرد التهور و الطيش أو لتحقيق مصالح مادية وراء عدوله .

-أن يكون له دور في إنجاز التصرف الضار بالطرف الآخر، كما إذا استعجلت الخطيبة حفلة الزفاف، وعندما هيأ لها الخاطب أعلنت عن انتهاء الخطبة؛ و كأن يطلب الخاطب من خطيبته الإنقطاع عن الدراسة أو التخلي عن وظيفتها، فتفعل إستجابة لرغبته ثم يتراجع عن الخطبة بدون سبب معقول [30].

 

إضافة إلى ذلك، فالضرر المبرر للتعويض لا يقتصر فقط على الضرر المادي ، بل جميع أنواع الأضرار وذلك إستنادا لنص المادة 7 الذي جاء بصيغة العموم أي المادي والمعنوي، الخاص والعام [31]، والقضاء كذلك يسير في نفس الإتجاه كما في حكم إبتدائية مراكش الذي جاء في إحدى حيثياته ” حيث يكون بذلك تضرر المدعية من عدول المدعى عليه عن خطبتها ثابتا وهو التضرر الحاصل من فقد

 

مورد رزقها على المستوى المادي، وعلى المستوى المعنوي فإن تضررها من عدول المدعى عليه عن خطبتها دون سبب ولمجرد أنه متزوج، ومرافقته لها بصفة دائمة ومستمرة علنا مما يشكل لها إحباطا ويقلل من فرص تقدم الغير للمطالبة بزواجها[32].

 

  المطلب الثاني : آثار الحمل الواقع خلال فترة الخطبة :

 

كما هو معلوم أن الخطبة وعد بالزواج وليست زواج وبالتالي ليس لها حد يذكر. غير أنه في هذه المرحلة  تكثر اللقاءات مما  قد يترثب عنه ظهور حمل خارج إطار العلاقة الزوجية والمذرج في حالة الخطبة التي قد يتم العدول عنها .

فما هو مصير الحمل الناتج أثناء الخطبة فيما يتعلق بالنسب ؟.

وهذا ما جعل فقهاء القانون والشريعة يبحثون في هذه المسألة، بغاية دراسة الجوانب الخاصة بها لإستنباط الحكم الشرعي والقانوني، ومنه ما هو موقف مدونة الأحوال الشخصية فيما يخص هذا الحمل (الفقرة الأولى ) وفي نفس الإتجاه وجب بيان موقف مدونة الأسرة للحسم في ذلك (الفقرة الثانية)

 

الفقرة الأولى : موقف الفقه ومدونة الأحوال الشخصية :

 

طرحت مسألة الحمل الناتج أثناء الخطبة جدلا فقهيا واسعا لا على مستوى الفقه الإسلامي أو الفقه القانوني المهتم بالأبعاد القانونية، وعلى هذا الأساس وجب التطرق للموقفين معا مرورا بموقف مدونة الأحوال الشخصية.

 

 

 

إهتم الإسلام بالطفولة مند لحظة الولادة -بل وقبلها- وذلك لأن الأولاد نعمة عظيمة وجليلة من الله تعالى ووجب الإحسان لها وكذا الرعاية لتصبح نبتا طيبا في روضة الاسلام

فبخصوص المسألة المتعلقة بنسب الحمل أثناء الخطبة، هناك إتجاه في الفقه الاسلامي رفض بشدة إلحاق الولد، وإعتبر الولد غير الشرعي يقطع نسبه، ومن ذلك الفقه المالكي والشافعي والحنبلي والظاهري [33]

استنادا الى رأيهم بما ورد في نفي ولد الملاعنة

حيث اخرج الإمام مالك رضوان الله عليه عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عليهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته وانتفى من ولده ففرق بينهما وألحق الولد بالمراة [34]

وفي هذا الصدد يقول الأستاذ إبراهيم بحماني، معلقا على مضمون المادتين السادسة  والسابعة من مدونة الأسرة : “ويفهم من هاتين المادتين أن الخطبة ليست زواجا وهو ما نصت عليه سابقا مدونة الأحوال الشخصية في الفصل 2 ، ولكن هذه العبارة حذفت في مدونة الأسرة، ورغم حذفها فإن المشرع لم يبح للخطيبين الإتصال جنسيا ببعضهما قبل عقد الزواج، لأن الإتصال قبل العقد يعتبر زنا من الناحية الشرعية[35].

وهذا ما جرت عليه الفقهاء والفتوى في المغرب ونذكر من ذلك جواب العلامة محمد بن أحمد الحضيكي [36]: ” وسئل عن رجل تزوج امراة فولدت عنده لأربعة أشهر وقبل الولد، واعترف أنه يطأها بعد الخطبة والقبول، هل يلحق الولد لقبوله إياه واعترافه أم لا ؟ وهل تحل بهذا النكاح أم لابد من عقد آخر أو لا يحل له أصلا ؟

فأجاب “الحمد لله تعالى وعليكم السلام ، أما بعد فلا خوف في فسخ هذا النكاح .. و الولدغير لاحق .

 

فلا لحوق ولو أقر الخاطب بالوطء بعد الخطبة والقبول وإعترف بالحمل

ففي أجوبة العلامة العباسي[37] ” وسئل عن إمرأة طلبها أخو الهالك عنها بالتزويج ، ثم ظهر بها حمل وزعمت أنه دخل عليها يوما وقال : قد وقع عقد النكاح بيننا هذا اليوم وأنت زوجتي، وراودها عن نفسها فقالت له ” لا علم لي بذلك، فقال لها إذا حضرت العقد فلا يضر عدم علمك به، وزعمت أنه صادق وطاوعته بما

راودها به فحملت منه، فلما ظهر لها عدم صدقه اشتكت على بعض جيرانها، بذلك هل يسقط عنها الحد بما ذكرت أم لا ؟

فأجاب رضي الله عنه : يقبل قول المذكورة فيما ادعته من العذر فور ظهور عدم الصدق لها، و ذلك شبهة تدرأ عنها الحد. والله أعلم.

وفي نفس السياق، إذا توفي الخاطب ثم ظهر أن المخطوبة حامل او توفيت المخطوبة وتبين أنها حامل، ففي الشريعة الإسلامية والتشريعات العربية لا يثبت نسب الأولاد الى الخاطب حتى لو ثبت أن المخطوبة حملت من الخاطب، لأن معاشرة الخاطب للمخطوبة غير شرعية [38].

أما عن الاستاذ الخمليشي يرى، “ولعل أقرب حل مقبول هو أنه في حالة الحمل وإبرام عقد الزواج فعلا أمام عدلين يلحق الولد بالزوج وان تم وضعه في اقل من ستة اشهر من اشهاد العدلين لأن توثيق العقد وإعتراف الأب يؤكدان وجود الايجاب والقبول قبل الإتصال الناتج عن الحمل ولا ينبغي لضابط الحالة المدنية او النيابة العامة أو أقارب الأب أن يثيروا ما إذا كان الحمل قد نشأ بعد العقد او قبله وذلك استناداا الى :

 

-إتجاه الإجتهاد الفقهي من قبول إقرار الأب بالنسب دون تكليفه بإثبات علاقة الزواج الذي ينتج عنه الولد المقر به،

 

 

 

-إثبات عقد الزواج يؤكد فعلا حسن نية الطرفين بوجود الايجاب والقبول من الخطيبين عند نشوء الحمل، وإن تأخر إنجاز العقد وفق شكله القانوني، وهذا هو إشهاد العدلين[39]

 

هذا ما استقر عليه العمل القضائي بالمغرب الى غاية دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، ولم يعرف من الفقهاء مخالف، إلا ماكان من الفقيه محمد الجواد الصقلي الحسيني، في حاشيته على مدونة الأحوال الشخصية حيث يقول ” إذا ظهر حمل بالخطيبة قبل الإشهاد بالعقد او وضعت الحمل بعد الإشهاد لأقل من ستة أشهر، فالحكم اللحقوق بالخطيب بشروط أربعة وهي :

 

– إذا أمكن إتصال الخطيب بالخطيبة،

– وتوفرت الخطبة على الايجاب والقبول،

– وفشا بينهما، ولم ينف ذلك الحمل او الولد باللعان،

الا فلا لحقوق[40]

 

وفي نفس السياق يقول الأستاذ الغازي الحسيني[41] بأنه : إذا ظهر حمل بالمخطوبة قبل الإشهاد بالعقد او وضعته لدون ستة أشهر من تاريخ الإشهاد به فإن الإجتهاد الفقهي متجه إلى إلحاق الحمل أو الولد بالخطيب وإذا تم الإيجاب والقبول منهما و ثبتت الخلوة بينهما وفشى ذلك عند الأقارب والجيران ولم ينف الخطيب الحمل على نفسه باللعان، والعلة في ذلك هي أن العقد الرضائي قد تحقق بين الخطيبين وخصوصا عندما تتوالى الخلوات بينهما في السفر والحض، وتطول العشرة، فكل ذلك دليل على أنهما زوجان في الواقع وأنهما يتعاشران معاشرة الأزواج ويؤخران الإشهاد بالعقد الى أن يهيئا بيت الزوجية ..

 

ولأجل تحقيق العقد الرضائي بين الطرفين كان الحمل الظاهر بالمرأة هو الفراش إذا أمكن عادة وشرعا أن يكون من صاحبه حفظا لنسب الحمل وصياغة لإعتيار أمه .

وبخصوص الحمل الناتج عن الخطبة  في إطار مدونة الأحوال الشخصية الملغاة  إعتبرت الخطبة وعد بالزواج وليست زواج وذلك استنادا للفصل 2،

وعلى هذا الأساس ليس للخطيب أن يختلي يالمخطوبة أو يمسها او أن يتصل بها اتصالا جنسيا، على إعتباار ذلك يدخل في إطار الزواج المصاحب بعقد شرعي،

الفقرة الثانية : موقف مدونة الأسرة :

 

على خلاف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة التي لم تتطرق لمصير الحمل الناتج عن الخطبة وإكتفت بالفصل 2 والتي إعتبرت أن الخطبة وعد بالزواج وليست زواج، وبالتالي لم تتطرق للمصير الفعلي المتعلق بنسب الطفل وذلك فيه خرق صارخ لحقوق الطفل، وهو الأمر الذي تداركه المشرع المغربي من خلال مدونة الأسرة .

كما هو معلوم من نص المادة 152 من م أ، أن أسباب لحوق النسب هي :

الفراش

الإقرار

الشبهة

وهو ما لا يقوم في مثل الحالة المذكورة أعلاه لعدم إنعقاد الزواج وبروز أركانه وشروطه، وبالتالي لا يمكن أن يترتب على علاقة جنسية غير شرعية لحوق النسب، وجدير بالذكر في هذا المقام انه كثيرا ما يعرض على القضاء دعاوى لإثبات نسب أبناء ولدوا خلال فترة الخطبة[42]،

 

 

وذلك استنادا الى المادة 156 من م ا، التي أجازت إلحاق النسب بالخاطب للشبهة :

إذا تمت الخطوبة، وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة، ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية:

أ ) إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما، ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء؛

ب ) إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة؛

ج ) إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما.

تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن.

إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه، أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب.

 

1-اشتهار الخطبة بين أسرتي الخاطب والمخطوبة:

 

والمقصود من ذلك أن تشتهر الخطبة بين أسرتي كل من الخاطب والمخطوبة و أن يوافق ولي الزوجة عليها عند الإقتضاء في حالة ما اذا كانت المخطوبة قاصرة، أما اذا كانت راشدة فلا عبرة بالولاية، وبالتالي يصاحب ذلك إلتقاء أسري وتردد الخاطب على بيت أسرة المخطوبة، وكذلك إشتهارالخطبة تدخل في حكمها الفرح والوليمة التي تجمع بين الأسرتيين وكذا الصور التي تأخد في هذا الصدد.

2-حصول حمل أثناء فترة الخطبة :

ونعني بذلك أن الحمل وجب ان يكون بعد الايجاب والقبول حسب المادة المذكورة أعلاه،

 

 

 

وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها [43] بنسب الحمل الظاهر بالمخطوبة للخاطب للشبهة إذا توفرت جميع الشروط المقررة في المادة 156 من

مدونة الأسرة لا بعضها، وعليه ما دام المدعى عليه أقر بحصول الخطبة وإشتهارها، إلا أنه أنكر أن يكون الحمل منه مدعيا ظهوره بالمخطوبة قبل حصول الخطبة مما كان يقتضي من المحكمة قبل أن تلجا الى جميع الوسائل

الشرعية في إثبات النسب.  تقرر في لحوق النسب المولود إليه أن تتحقق من ظهور الحمل أثناء فترة الخطبة.

 

3-إقرار الخطيبان أن الحمل منهما

 

أي أن ذلك المسااس المتعلق بالمخطوبة  كان من طرف الخاطب وذلك بإتصال جنسي، وتقر المخطوبة كذلك بالأمر نفسه بأن الحمل نتج عن إتصال جنسي بالخطيب وليس شخص آخر،

لأن الحمل أثناء الخطبة  بمثابة شبهة يثبت بها النسب إذا توفرت الشروط المنصوص عليها في المادة 156

وفي هذا الإطار، فإن القضاء وهو يكييف الوقائع المعروضة وجب عليه الإنضباط لهذا الأساس وبذلك لا يقضي بثبوت النسب في الحالة التي لم تستجمع فيها الشروط المنصوص عليها في المادة 156 م أ .

أما اذا أقرت المخطوبة بأن الخطبة لم تقع إلا بعد حملها من الخاطب، فإن مقتضيات المادة 156 من م أ،غير متوفرة، مما يتعين معه عدم الإستجابة لطلب المخطوبة والتصريح برفضه حسب ما ذهب إليه الإجتهاد القضائي [44]

 

 

وفي نفس السياق، إن المراة التي كانت ضحية إغتصاب وأدين المغتصب من أجلها واثبتت الخبرة البنوة البيولوجية الناتجة عنه، فإن البنوة الشرعية لا تثبت ما دامت الخطبة لم تثبت وتشتهر بين الأسرتين وأن باقي الشروط المتعلقة بإثبات النسب غير متوفرة، إضافة الى ان الفقه والقضاء استقرا على ان الزنا والإغتصاب لا يلحق بهما النسب لأن الحد والنسب لا يجتمعان إلا في حالات خاصة[45]

ومتى استكمل الخاطبان الشروط المشار إليها في المادة أعلاه ، كييف ذلك بلحوق النسب بالخاطب.

كيفما يكن الأمر فإن إعتبار الخطبة تواعد بالزواج وليست زواج يعتبر مهم جدا في تكييف الدعاوى المتعلقة بآثار الزواج، على نحو يجعل القاضي يتوجه بداية الى البحث في قيام العلاقة الزوجية من عدمها، فمتى ثبت له قيامها مضى في

التكييف تبعا لما توفر لديه من وقائع، ومتى ثبت كونها مجرد خطبة إمتنع عن تكييفها زواجا ولو وصفها الأطراف بذلك، واكتفى بترتيب الآثار الناتجة عن الخطبة مهما طال زمنها أو قصر لعدم وجود مدة محددة تتوقف عندها[46] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

 

وفي الختام يمكننا القول أن الخطبة مجرد تواعد بالزواج ولا ترقى لدرجة الميثاق الشرعي، وبالتالي لا يترتب عليها الآثار المنبثقة عن الزواج وإنما لها آثار خاصة بها، وهذا هو الشق الذي تناوله موضوعنا هذا، بإعتبارها  مقدمة مهمة تطرح العديد من الإشكالات،

والمشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة إلى جانب الفقه القانوني و الإسلامي أعطى للخطبة مكانة خاصة بإعتبارها مقدمة بالغة الأهمية والتي تمهد لما هو اسمى، وهكذا كان النقاش حول الآثار المترتبة عن الخطبة في حالة العدول وذكر من ذلك مصير الهدايا والصداق، وهنا يمكننا القول أن المادة التاسعة من مدونة الأسرة والتي تشير للصداق جاءت في إطار عام، بحيث منحت لصاحب الصداق أحقية الإسترجاع في حالة العدول عن الخطبة بغض النظر عن السبب الداعي لحصول ذاك العدول، بل بالأحرى وجب عليه الإعمال بمقتضيات الهدايا والتي تراعي في الإسترجاع السبب الداعي للعدول كما تمت الإشارة سابقا، أي وجب تفعيل التحريم على الخاطب الذي ساءت نيته بعد إعطاء المهر والذي هو السبب وراء العدول عن الخطب نظرا لوضعه تلك العراقيل .

كما تجدر الإشارة في إطار الشق المتعلق بثبوت النسب الواقع خلال فترة الخطبة نجد أن  المشرع المغربي تداركه في مدونة الأسرة  بعدما كان الأمر بمثابة فراغ مدرج في مدونة الأحوال الشخصية كما عبر عن ذلك المجلس الأعلى في قراراته الواضحة في هذا الشأن و ذلك في حالة تعذر توثيق الزواج بفعل قوة قاهرة،

وبالرغم من هذا الحسم الذي جاءت به مدونة الأسرة، نجد أن المادة المتعلقة بنسب الحمل الواقع خلال الخطبة لقت إنتقادات على مستوى تفسير الأحكام المتعلقة بمضمونها، وبذلك وجب على التشريع التدخل في هذا الإطار لبيان ووضوح المادة لقطع الطريق أمام التاويلات والتفسيرات التي قد تخرج في سياقها.

وطبقا لمقتضيات المادة 156 التي أقرت بلحوق النسب هل يمكننا القول أن إبرام عقد الزواج يوجب الإحتكام للشكليات المتعلقة بالزواج في إطاره العام أم لا ؟

 

لائحة المصادر والمراجع

 

-القرآن الكريم

المراجع العامة :

 

– محمد ابو زهرة “الأحوال الشخصية، دار الفكر العربي، ط 4،1957

– عبد العزيز عامر، الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، فقهاء وقضاء، دار الفكر، ط 1، 1984

– الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي (تحقيق محمد عليش ) دار الفكر بيروت ج2020_219

– الشيخ منصور يونس بن إدريس البهوتي، كشاف القناع على مثل الإقناع، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، طبعة 1402 ه/1982م

– عبد الله محمد الحطاب، مواهب الجليل شرح مختصر الشيخ خليل، المجلد الثالث، الجزء الثالث، دار الفكر، بيروت، طبعة 1398ه /1988 م

– ابن حزم المحلي، مطبعة دار الفكر، بدون تاريخ الطبع

-محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنهاجي، سبل السلام في شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام، الجزء الثالث

– ابن عابدين، رد المحتار على الدار المختار على متن تنوير الأبصار، الجزء الثاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان

 

 

 

 

المراجع الخاصة :

  • محمد الأزهر “شرح مدونة الأسرة الطبعة السابعة، سنة 2015

 

  • محمد نعناني “ضوابط التكييف في قضايا الأسرة “، مدينة الجديدة 2018 ،ط 1
  • محمد الكشبور، الواضح في شرح مدونة الأسرة ،2015 ،ط3

 

  • محمد الشافعي، “مدونة الأسرة في الاجتهاد القضائي” ، سلسلة البحوث القانونية، العدد 16 مراكش 2010 ، والمنتفي من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، وزارة العدل ، ج 1، الرباط /2009
  • عبد الناصر توفيق العطار “خطبة النساء في الشريعة الإسلامية و التشريعات العربية، مطبعة السعادة ،
  • إبراهيم بحماتي، نسب الأبناء في الزواج الفاسد، العمل القضائي في قضايا الأسرة، مكتبة دار السلام،ديور الجامع، الرباط ،طبعة 2008
  • البابرتي، محمد بن محمد بن محمود، العناية شرح الهداية، دار الفكر العربي، بيروت، (1977 م). ج 227/3
  • موحى ولحسن ميموني “محاضرات في قانون الأسرة ” 2019/2020

 

المقالات والمجلات:

  • د.السيد عبد الحليم محمد حسين “الأسرة في القرآن والسنة ” شبكة الألوكة 2017
  • يونس الزهري، آثار الخطبة على ضوء مدونة الأسرة، مجلة المنتدى ، مدونة الأسرة، تقييم معالجة، العدد الخامس، جمادى الأولى 1426 يونيو ، 2005
  • احمد الغازي الحسيني، الولد للفراش، مجلة القضاء والقانون عدد 130

 

أحكام وقرارات قضائية :

  • قرار بتاريخ 1980/10/07 منشور بمجلة رابطة القضاة، العدد 8 و 9،
  • حكم غير منشور للمحكمة الإبتدائية بالحسيمة رقم 195 الصادر بتاريخ 2007/03/22
  • حكم بتاريخ 17 يونيو 2009 صادر عن المحكمة الإبتدائية بمراكش
  • قرار محكمة النقض عدد 390 بتاريخ 28 يونيو 2011 ملف شرعي عدد 2010/1/2/361 منشور بنشرة قرارات محكمة النقض غرفة الاحوال الشخصية و الميراث عدد 10 يونيو 2012
  • محكمة النقض، قرار صادر بتاريخ 11 يونيو 2008، مجلة قضاء المجلس الاعلى العدد 2008-69 .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس :

 

فك الرموز: 2

مقدمة : 3

المطلب الأول : مصير الصداق والهدايا في حالة العدول عن الخطبة. 6

الفقرة الأولى : مصير الهدايا عند العدول عن الخطبة : 6

الفقرة الثانية : مصير الصداق عند العدول عن الخطبة : 10

المطلب الثاني : آثار الحمل الواقع خلال فترة الخطبة : 15

الفقرة الأولى : موقف الفقه ومدونة الأحوال الشخصية : 15

الفقرة الثانية : موقف مدونة الأسرة : 19

خاتمة: 22

لائحة المصادر والمراجع. 23

 

 

[1] – د. السيد عبد الحليم محمد حسين . “الأسرة في القرآن و السنة “، شبكة الألوكة، 2017

[2] –محمد الازهر ، “شرح مدونة الأسرة“، ط 7، 2015 ص: 8

[3] سورة النساء الآية 1

[4] – سورة الذاريات، الآية 49

[5] – محمد نعناني “ضوابط التكييف في قضايا الأسرة”, مدينة الجديدة، 2018، ط 1، ص: 106

[6] – محمد ابو زهرة” الأحوال الشخصية”، دار الفكر العربي ، ط 4، 1957. ص: 57

[7] – محمد الكشبور،” الواضح في شرح مدونة الأسرة”،  2015 ط 3، ص: 188

[8] -محمد الكشبور، م، س ص: 188

[9] – عبد العزيز عامر، “الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية”. فقهاء وقضاء.دار الفكر العربي . ط1 . 1984.ص: 18

[10] – موحى ولحسن ميموني “محاضرات في قانون الأسرة “ 2019/2020

[11]-أنظر محمد بن احمد السرخسي . المبسوط . دار المعرفة . بيروت 1993. ج : 12 ص53

[12] – البابرتي ، محمد بن محمد بن محمود، العناية شرح الهداية ، دار الفكر العربي ، بيروت، (1977 م). ج 227/3

[13] – محمد مصطفى شبلي ، أحكام الأسرة في الإسلام ، دراسة مقارنة بين فقه المذاهب السنية و المذهب الجعفري و القانون ، الطبعة الرابعة، الدار الجامعية للطباعة و النشر ، بيروت، ص: 66

[14] – الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي ، (تحقيق محمد عليش )، دار الفكر، بيروت ، ج 219_2020. /2ج

[15] -الشيخ منصور يونس بن إدريس البهوتي، كشاف القناع على مثل الإقناع، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت، لبنان، ط 1402 ه/1982م . ص : 90

[16] -ابن عابدين، رد المحتار على الدار المختار على متن تنوير الأبصار ، الجزء الثاني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان ص :22

[17] – عبد الله محمد الحطاب ، مواهب الجليل شرح مختصر الشيخ خليل، المجلد الثالث، الجزء الثالث، دار الفكر، بيروت، ط 1398ه /1988 م ، ص :417

[18] — عبد العزيز عامر . الاحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية ، م س ، ص 26

-[19] قرار بتاريخ 1980/10/07 منشور بمجلة رابطة القضاة ، العدد 8 و 9، ص 155 . أشار إليه محمد النعناني في ضوابط التكييف في قضايا الأسرة ، م س ص : 118

[20] — محمد النعناني . ضوابط التكييف في قضايا الأسرة ، م س ص118

[21] – محمد النعناني  م س ص: 118

[22] — يونس الزهري ، آثار الخطبة على ضوء مدونة الأسرة، مجلة المنتدى، مدونة الأسرة، تقييم  معالجة، ع الخامس، جمادى الأولى 1426 يونيو، 2005، ص: 84

 -[23] محمد نعناني ، م س. ص:119

[24] –أشار إليه محمد الأزهر ، م س. ص: 43

– الرجوع الى ، محمد أبو زهرة “الأحوال الشخصية “، دار الفكر العربي ، ط 3 ، ص:36/35 [25]

– الرجوع الى : محمد الشافعي “الزواج و انحلاله في مدونة الأسرة “ ص 31/30 [26]

– محمد أبو زهرة “الاحوال الشخصية ” م س ص:37 [27]

[28] — حكم غير منشور للمحكمة الإبتدائية بالحسيمة رقم 195 الصادر بتاريخ 2007/03/22  ، اورده ذ.كريم متقي “محاضرات في قانون الأسرة المغربي ص 32

[29] -محمد النعناني م س ص:115

[30] – أشار إليه محمد نعناني م س ص:116

– محمد نعناني م س ص:116 [31]

– حكم بتاريخ 17 يونيو 2009 صادر عن المحكمة الإبتدائية بمراكش ،أورده محمد النعناني، م س ص:116 [32]

[33]ابن حزم المحلي ، مطبعة دار الفكر ، ط.غ.م، ص :393

[34] -محمد بن اسماعيل الامير اليمني الصنهاجي، سبل السلام في شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام، الجزء الثالث ،ص: 401

[35] -الأستاذ إبراهيم بحماني “من اهم قرارات المجلس الأعلى في تطبيق مدونة الاسرة بشأن الخطبة ، ” عرض مقدم للندوة الجهوية الثانية للذكرى الخمسينية لإنشاء المجلس الأعلى المقامة بمدينة مكناس ، مارس 2007 ص 51

[36] -اجوبة الحضيكي  ص: 41/40

[37] -اجوبة العباسي ص :62

[38] -عبد الناصر توفيق العطار “خطبة النساء في الشريعة الإسلامية و التشريعات العربية ، ص 188

[39] -ابراهيم بحماتي، نسب الأبناء في الزواج الفاسد ، العمل القضائي في قضايا الأسرة، مكتبة دار السلام ديور الجامع ، الرباط طبعة 2008 ص 27

[40] -انظر احمد الغازي الحسيني : الولد للفراش” ص: 47

[41] – احمد الغازي الحسيني ، الولد للفراش ، مجلة القضاء و القانون ع 130 ص: 45

[42] – محمد نعناني، م س. ص:111

[43] – قرار محكمة النقض عدد 390 بتاريخ 28 يونيو 2011 ملف شرعي عدد 2010/1/2/361 منشور بنشرة قرارات محكمة النقض غرفة الاحوال الشخصية و الميراث عدد 10 يونيو 2012 ص : 54 (تطرق له ذ كريم متقي)

[44] – انظر محمد الشافعي ، مدونة الاسرة في الاجتهاد القضائي ، سلسلة البحوث القانونية ، العدد 16 مراكش 2010 ، والمنتفي من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، وزارة العدل، ج 1 الرباط 2009 ص: 275

[45] – محكمة النقض، قرار صادر بتاريخ 11 يونيو 2008، مجلة قضاء المجلس الاعلى، العدد 2008-69 ص: 92

[46] – محمد نعناني، م س ص :113

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى