“أزمة حقوق الاطفال بدون هوية والتوجه الحمائي المأمول في ظل أزمة كورونا المستجد -كوفيد 19-.
“أزمة حقوق الاطفال بدون هوية والتوجه الحمائي المأمول في ظل أزمة كورونا المستجد -كوفيد 19-.
الاسم عبدالخالق الناجي
باحث بسلك الدكتوراه القانون الخاص بكلية الحقوق بفاس
مقدمة
من الثابت نظاما عاما مدى الحماية التشريعية التي قررها المشرع المغربي للأسرة كمؤسسة دستورية قانونية اعتبرت نواة المجتمع وأسس استقراره[1]، ممتدة للأطفال بشكل خاص كفئة اقتضت ضمانات خاصة رعائية لحقوقها ترجمة حرفية لإلتزامات المشرع الكونية، وضع حقوقي تشريعي للطفل ما أخذته على عاتقها مختلف قوانين المشرع المغربي مدنية كانت أو أسرية أو زجرية، وكنموذج أمكن الإقتداء به سيرا والتشريعات المقارنة الحديثة والإتفاقيات الدولية الرائدة في مجال حقوق الأطفال سواء كانوا بهوية أو بدونها.
توجه حمائي ما اصطدم بظهور بعض الفئات من الأطفال قد يصطلح على تسميتهم بالأطفال وبدون هوية خرجوا عن نطاق الأطفال الشرعيين المضمونة حقوقهم من يوم ولادتهم حتى وفاتهم، أطفال وبدون هوية أفرزهم واقع العلاقات غير الشرعية وتسونامي المعاشرة الحرة في ظل غياب أي ملائمة زجرية لمن تسبب في إنتاج هؤلاء الأطفال وفي محدودية حماية حقوق هذه الفئة التي لا ذنب لها فيما وصفت به “أبناء متخلى عنهم، مشردين، جانحين، غير شرعيين، مجهولي الهوية…”، والتي تقتضي واجبا وفرضا لا يقبل إثبات عكسه سياسة وتوجها تشريعيا حمائيا للأطفال بدون هوية.
توجه بقصوره وأزمته ما فرضه وبشكل حاد اليوم مرض فيروس كورونا – كوفيد 19-المستجد والذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية، مؤثرا هذا الأخير على وضعية الأسرة والأطفال بدون هوية بشكل خاص وبملامح أزمة أمن أسري استهدف بشكل خاص علاقات الأفراد والأسر الشرعية فما بالك بالأطفال مجهولي الهوية الذين لا أسرة ولا رقيب أو حسيب عليهم، وبشكل سيجعل لا محالة وواقعا هذه الفئة الأكثر عرضة للإصابة بهذا المرض وفي قصور أو غياب أي تدخل حمائي إيوائي لها، فارضا هذا الوباء وضعا لا يستهدف صحة هؤلاء الأطفال بل حتى حقوقهم الأخرى التي هي كونية تقتضي ضمانها قانونا وواقعا في المجتمع المغربي.
وإذا كان الأطفال يعتبرون مستقبل الأمة والمجتمع فإنه وفي ظل الواقع الحالي الذي أفرز ما سمي بموضوع فئة الأطفال وبدون هوية، كموضوع زادت صعوبته في عدم وجود مفهوم دقيق فقهي أو قانوني يحدد لهذه الفئة، وهو ما حدى إلى القول وبمنظور شخصي إلى أن مفهوم الأطفال وبدون هوية يبقى مفهوما موسعا تتداخل فيه العديد من الوضعيات التي أصبح يعيشها الأطفال في عصرنا اليوم، من أطفال مشردين أو أطفال في وضعية صعبة أو مهملين لا مسؤول عنهم لعل أبرزهم أولئك الأطفال غير الشرعيين …، محدودية ضاعفت من حدتها غياب وجود إطار تشريعي ينظم لأحوالها رغم بعض ملامح بعض القوانين التي لامسته عاجزة فيه عن توفير أسس حمائية حقوقية لواقع الأطفال بدون هوية تأسيسا لهوية قانونية لهؤلاء زادت حدته بظهور مرض كورونا الذي أثر سلبا على الوضع الحقوقي لهذه الفئة.
مخاض حقوقي قانوني واقعي ما أثار تساؤلات عن الوضعية التي هي عليه حقوق الأطفال بدون هوية في ظل فيروس كورونا -كوفيد 19- المستجد وعن تجليات القصور التشريعي لهذه الفئة في ظل هذا الظرف الإستثنائي الذي قيد حقوق الأفراد والمؤسسات فما بلك بهذه الفئة التي وجهت فيها انتقادات تشريعية تميزت بمحدوديتها تدعيم حقوق هذه الفئة سيما في ظل هذا الوباء المستجد؟.
هذا بالإضافة إلى إبراز واقع الأطفال بدون هوية في ظل وباء كورونا المستجد؟، وعن ضرورة التوجه التشريعي القضائي توفير أبسط قدر ممكن من الحماية الحقوقية لهذه الفئة؟، ليثار بعدها التساؤل عن التوجه المأمول سواء بهذا المرض أو حتى بعده في فرض أمن حقوقي للأطفال بدون هوية على غرار نظرائهم الشرعيين؟.
إن مقاربة هذه التساؤلات وفي ظل انعدام أية دراسات تناولت هذا الموضوع المستجد الذي هو وضع حقوق الأطفال بدون هوية في ظل فيروس كورونا -كوفيد 19- المستجد، ليقتضي منا قراءة هذا الموضوع وبرؤية اجتهادية شخصية غايتها إثارة أنظار المشرع آنيا في ظل هذا المرض ومستقبلا إقرار حماية حقوقية لهذه الفئة سيرا والتزامات المشرع المغربي الكونية بهذا الخصوص، نظرا لأهمية هذه الحقوق وتأثيرها الإيجابي على المجتمع ككل ومستقبله ومستقبل هذه الفئة التي تعتبر جزءا لا يتجزأ منه، مقاربة لن تتحقق إلا بمناقشة وتفريع هذا الموضوع إلى محورين أساسيين آتيين:
المحور الأول: قراءة في بعض ملامح الحماية الحقوقية للأطفال بدون هوية وواقع حقوقهم في زمن فيروس كورونا – كوفيد 19 – الكوني المستجد
المحور الثاني: نحو توجه مأمول في تكريس أمن حقوقي للأطفال بدون هوية في ظل أزمة كورونا المستجد – كوفيد 19 –
المحور الأول: قراءة في بعض ملامح الحماية الحقوقية للأطفال بدون هوية وواقع حقوقهم في زمن كورونا – كوفيد 19 – الكوني المستجد
إن المتأمل لعديد المقتضيات القانونية التي فرضها المشرع المغربي في ضمان حقوق الأطفال بشكل عام لتوحي بملامستها حتى للأطفال بدون هوية أو لما يسمى بالأطفال الغير قانوني الهوية، كوضع أضحى مفروضا ستقتصر دراسته على وفق الوضع الإستثنائي الحالي لجائحة كورونا – كوفيد 19 – المستجد وبشكل موجز وعن وضعية هذه هؤلاء الأطفال في ظل هذا الوباء المرضي الذي أثر على وضعية الأسرة ككل، أوضاع دافعة لدراسة وفي نقطة أولى بعض ملامح الحماية الحقوقية للأطفال بدن هوية في ظل وباء كورونا المستجد – كوفيد 19 – في “الفقرة الأولى”، لمقاربة بعدها واقع الوضعية الحقوقية للأطفال بدون هوية في ظل مرض كورونا الكوني في “الفقرة ثانية”.
الفقرة الأولى: قراءة في ملامح الحقوقية القانونية للأطفال بدون هوية في ظل أزمة كورونا الكوني المستجد – كوفيد 19 –
إذا كان التوجه الدولي باتفاقاته ومعاهداته قد أخذ على عاتقه مسؤولية حماية المصلحة الفضلى للأطفال غايته تقرير حقوق خاصة لحقوق الطفل، فإن التساؤل الذي أثير عن الكيفية التي عالج بها المشرع المغربي هذه الحقوق وفي جانبها المتعلق بحقوق الأطفال بدون هوية “ثانيا”، ملامح تشريعية تقتضي مقاربة مرض كورونا – كوفيد 19 – الذي أثار وضعية هذه الفئة تأثيرا سلبيا إو إيجابيا في حماية حقوقها “أولا”.
أولا: مفهوم فيروس كورونا -كوفيد 19- الكوني والوضع الحقوقي للأطفال بدون هوية
تمثل جائحة فيروس كورونا – كوفيد 19 – “الفيروس التاجي المستجد”، حدثا كونيا غير مسبوقا أحدث تحولا على مستوى العلاقات الفردية للمجتمعات، كفيروس اعتبر مرضا صحيا استهدف صحة الإنسان فرض قطع العلاقات الإنسانية تجنبا للإصابة بهذا المرض المستجد[2]، فيروس ذاك الذي استهدف كل جوانب الحياة الإقتصادية الإجتماعية والأسرية منها على وجه الخصوص، فارضا تحولات أبانت عن وجود أزمة في تعليق كل مناحي الحياة العادية للأفراد الشيء الذي نجم عنه تعطيل في الحقوق المسندة لهؤلاء[3] ملامسا بشكل خاص حقوق الأطفال ذووا الوضعية غير القانونية بشكل خاص داخل منظومتنا إن بشكل إيجابي أو سلبي حمائي أو غير حمائي لهذه الفئة الواجبة الرعاية، وضع ما فرضته تلك الإجراءات الإحترازية فارضة معه تبني قوانين ومراسيم استعجالية تدبيرية للمرحلة الإستثنائية الراهنة، وبأسس تجد منطلقها في تبني سياسة الحجر الصحي وصولا إلى تبني حالة الطوارئ الصحية التي امتدت لقرابة 3 أشهر أو أكثر لتجنب انتشار المرض والقضاء على هذا الفيروس الكوني.
وعليه إذا كان فيروس كورونا كوفيد 19 قد فرض حياة استثائية وللأسرة بشكل خاص وفي علاقتها بأطفالها الشرعيين، فإن السؤال الذي يطرح عن آثار هذا الفيروس على الوضع الحقوقي للأطفال بدون هوية سيما وأن كثيرا من هذه الفئات ما كان الشارع ملاذها وأسرتها البديلة، وبشكل يدعوا فرضا لا يقبل إثبات عكسه عن تقييد حركة الأفراد في الفضاءات العامة بفعل إجراءات حالة الطوارئ والحجر الصحي إلى إبراز وضعية الأطفال بدون هوية في ظل هذا الوضع الإستثنائي.
وضع حقوقي للأطفال بدون هوية إنما تأثر بفيروس كورونا المستجد ذلك أن هؤلاء يعتبرون من أولى الأشخاص عرضة للإصابة بهذا الوباء لعدم وجود فضاء آمن يقيهم شر هذا المرض الذي يجد ضالته في الفضاء العام والإختلاط الواقع سواء مع أقرانهم من أطفال الشارع أو مع غيرهم من أفراد المجتمع، وفي غياب تام لتدابير الوقاية لهذه الفئة الغير قادرة فيها عن علاج نفسها بنفسها في هذا السن بل حتى من الدولة بمؤسساتها العامة أو من بعض المؤسسات الرعائية الحاضنة للأطفال بدون هوية في ظل هذه الجائحة العالمية كما أكدت ذلك منظمة الصحة العالمية، وصولا إلى غياب حتى أبسط الظروف المعيشية من أكل او شرب أو ملبس أو مشرب إلى غيرها من الضروريات الطبيعية لهذه الفئة تهربا حتى من أفراد المجتمع من هذه الفئة خوفا من انتقال عدوى المرض إليها، هذا على الرغم من بعض الإجراءات الإحترازية للدولة التي توجهت لحماية هذه الفئة من المرض دون ضمان باقي حقوقها وذلك من خلال حجزها في أماكن هي أساس العدوى في ظل الإختلاط الذي تنتفي فيه أسس حماية هذه الفئة الضعيفة، وفي أية غياب رقابة صارمة للمؤسسات الحاضنة لها للقول بتنفيذها لإلتزامتها الحمائية لهذه الفئة صحيا أو غيرها.
وضع حقوقي له أزمته واقعا إنما يفرض الحديث عن بعض ملامح الحماية القانونية لهذه الفئة في التشريع المغربي حماية لمصلحتها الفضلى في ظل فترة الطوارئ الصحية الناجمة عن جائحة كورونا المستجد، كنقط ستكون محور الحديث والمقاربة آتية الذكر.
ثانيا: قراءة في بعض ملامح الحماية الحقوقية للأطفال بدون هوية في ظل أزمة الفيروس التاجي المستجد – كوفيد 19 –
بداية القول ودون التعرض للمرجعية الدولية الحمائية لحقوق الأطفال بشكل عام باتفاقياتها معاهداتها وبروتوكولاتها وفي جانبها الحمائي لحقوق الأطفال بدون هوية كعبارة تحتضن كل فئات الأطفال الموجودين في وضعية صعبة لاقانونية[4]، لكن مع إشارة موجزة لوضعية هذه الفئة والكيفية التي عالج بها المشرع المغربي حقوق الطفل بشكل عام وهؤلاء بشكل خاص، ومكانة توجهاته في التقعيد لحماية أساسية لها في ظل وباء كورونا التاجي الكوني المستجد، وإن بقصور تشريعي أظهره واقع هذه الفئة في ظل هذا الوضع الإستثنائي ضاعف من لاهويتها الحقوقية داخل المجتمع المغربي.
وضح تشريعي حمائي لحقوق الأطفال بدون هوية ذاك الذي كرسه المشرع الدستوري ضمن مقتضيات الفصل 32 من دستور 2011 الذي اعتبر دستورا للحقوق والحريات بامتياز مقررا وفي فقرته الثالثة حقا دستوريا ملامسا حقوق هذه الفئة عند قوله “تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والإعتبار الإجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”، توجه دستوري فيه إشارة واضحة لحماية حقوق الأطفال بدون هوية عند توظيفه عبارة “بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”، كوضعية قد تكون شرعية وغير شرعية يدخل في زمرتها هؤلاء، في انتظار إحداث المجلس الإستشاري للأسرة والطفولة كمؤسسة دستورية لها ضماناتها في حماية حقوق هذه الفئة، وبشكل يقتضي تدخل الدولة لحماية الأطفال بدون هوية سيما في ظل الجائحة الحالية لمرض كورونا المستجد كوضع استثنائي يقتضي تدخل الدولة الإستثنائي والوحيد لرعاية حقوق هذه الفئة، حماية تشريعية لمصلحة الأطفال الفضلى ما قررتها هي الأخرى مدونة الأسرة كما قررت بشكل خاص مقتضيات المادة 156 عند حديثها عن إمكانية نسب حمل المخطوبة للخاطب رغم انتفاء عقد الزوجية عند ثبوت بعض الشروط التي قررتها هذه المادة والتي اقتربت في مضامينها من مقتضيات المادة 16 من هذه المدونة التي أجازت إثبات عقد الزوجية عند وجود ظروف قاهرة حالت دون ذلك، كمقتضيات حمائية لنسب الطفل الذي يكون بدون هوية ليغدوا بعدها قانونيا وبهوية له حقوقه الشخصية تجاه الأسرة والمجتمع ككل سيما في ظل واقع أنتج علاقات غير شرعية نتجت عنه أحمال وأنساب غير شرعية تقتضي حماية ورعاية خاصة في هذه الفترة العمرية، وهو وضع يقتضي تفعيل مقتضيات زجرية في القانون الجنائي والمسطرة الجنائية لتقرير بعد حمائي لهذه الفئة وللوضعية الصعبة التي تعيشها بدءا من تجريم هذه العلاقات والمعاشرات الحرة إلى ترتيب آثار قانونية للأطفال الناتجين عن هذه العلاقات بما في ذلك تدخل الدولة الذي سبق وقررته المادة 54 من هذه المدونة عند قولها “تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون”، كمقتضى يؤسس لحماية حقوق الأطفال وبدون هوية في ظل عمومية عبارات هذه المادة، وبتدخل قانوني لمؤسسة الدولة سيما في ظل وباء كورونا وما قرره هذا الأخير من وضع مستجد لامس وضعية الأطفال بدون هوية والذي يقتضي ملائمته بأحكام قانونية وبتدخل جماعي يؤسس لبعد حمائي آني في ظل فيروس كورونا ومستقبلي لهذه الفئة بعد القضاء على هذا الأخير.
توجهات وملامح حمائية لهذه الفئة ما قررته عديد قوانين المشرع المغرب “القانون الجنائي، قانون المسطرة الجنائية، قانون الجنسية، مدونة الشغل…”، بدءا من التزامه باتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها بتاريخ 21 يونيو 1993 انتهاءا بخطته الوطنية لحماية الطفولة سواء كانت شرعية أو بدون هوية منها بشكل خاص، كخطة عمل وطنية حددت لها فترة حصرية مدتها 10 سنوات جاءت لتدعيم المكتسبات المقررة في حماية حقوق هذه الفئة[5] لعل أبرزها ذلك الحق في هويتها إلى جانب زمرة من الحقوق المتعددة، أضف إلى ما جاء في خطة وزارة العدل لتعزيز التكفل بالأطفال تقريرا لمساعدتهم الإجتماعية سيما للأطفال الموجودين في وضعية صعبة أو في وضعية إهمال، وبإجراءات بديلة إيوائية وبمؤسسات عمومية وخاصة رعائية لها وصولا لجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي فرضت بحدة بظهور فيروس كورونا –كوفي 19-.
ولعل أبرز القوانين الرعائية لحقوق الأطفال بدون هوية سيما في ظل زمن كورونا الذي تراجعت فيه حقوق هذه الفئة التي كانت تجد ملادها في الشارع كأسرة بديلة رغم المشاكل التي كانت تعانيها كما يشهد بذلك الواقع وفي غياب لأبسط حقوقها الطبيعية على غرار نظرائهم الشرعيين “التعليم، الملبس، الأكل، التربية ورقابة تصرفاتهم…”، لتبقى الصحة أبرز هذه الحقوق التي انعدمت بظهور وباء كورونا المستجد جاعلة إياهم من أولى الأشخاص عرضة لهذه المرض، والحال أن الوقاية منه مرتبطة بوسائل الوقاية والتنظيف المنعدمتين أساسا بل حتى قبل ظهور هذا الوباء الكوني المستجد، وضع يبقى فيه قانون كفالة الأطفال المهملين 15.01 من أهم القوانين التي لعبت أدوارها في رعاية حقوق هذه الفئة[6]، سيما في ظل هذه الجائحة تشجيعا للكفلاء من الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين إلى إبرام عقود تكفلية بهؤلاء الأطفال وإن كانت عقود شهد واقع مرض -كوفيد 19- تراجعها أو انعدامها على خلاف ما كان قبل هذا المرض وإن بتسجيل تراجع في نسب كفالة هؤلاء الأطفال كوضع تراجعي غير حمائي لحقوقها قبل ظهور هذا الفيروس.
تبقى إذن هذه قوانين لها مكانتها وأسسها في تقرير حماية حقوقية للأطفال بدون هوية آنيا في ظل مرض كورونا -كوفيد 19- المستجد إذ في حماية هذه الفئة حماية للمجتمع بأكمله بهذا المرض أو بدونه، قوانين حقوقية ما اصطدمت بواقع ضربها عرض الحائط مقررا لا حماية هذه الفئة مكرسا لاهويتها.
الفقرة الثانية: الوضعية الحقوقية للأطفال بدون هوية في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد -كوفيد 19-
بظهور مرض كورونا -كوفيد 19- المستجد كجائحة عالمية هددت حياة الإنسان صغيرا كان أو كبيرا، وبوضع فرض تبني المغرب على غرار عديد بلدان العالم إخراج قوانين ومراسيم آنية استثنائية تمثلت أساسا في تفعيل إجراءات الحجر الصحي أو من خلال تفعيل قانون الطوارئ الصحية التي استمرت ما يقارب الأربعة الأشهر لمنع انتشار وباء كورونا الصحي[7]، مقيدة بذلك حركة وتنقلات الإنسان مقررة وضعا فرض الحديث عن واقع حقوق الأطفال بدون هوية في ظل هذه الإجراءات التي قيدت حركتهم في الشارع طارحة تساؤلا عن الكيفية التي تعاملت بها الدولة مع هذه الفئة، وفي إجابة عن ذلك يظهر بالفعل مدى التأثر السلبي لهذه الفئة بهذا المرض جعلها مستهدفة وهدفا لهذا الفيروس الذي يجد ظالته في تجمعات الأفراد خاصة وأن ملاد هؤلاء هو الشارع، أضف إلى ذلك على أن هناك من الأشخاص من يتولى رعاية أكثر من طفل وبدون أية وثيقة رسمية للقول بوقايته ورعايته لهذه الفئة من هذا المرض إلى جانب باقي الحقوق الأخرى، وفي غياب أية مراقبة للأجهزة الرسمية لهؤلاء الأشخاص الذين يتولون رعاية هؤلاء الأطفال سيما وأن الهدف من رعايتهم هو اتخاذهم طريقا لكسب المال عن طريق التسول كما يظهر الواقع لا يهمهم فيها صحة هذه الفئة وحقوقها.
وضع لا حقوقي يلامس هذه الفئة كشف عنه مرض كورونا المستجد الذي عرض حياة وصحة الأطفال بدون هوية للخطر في ظل انعدام الظروف الصحية الملائمة لوقايتها منه، بل حتى لو قلنا بتدخل الدولة لإيواء هذه الفئة داخل مؤسساتها الرعائية فإن ذلك مردود طارحا تساؤلات عن قدرة هذه المؤسسات بأطرها وأجهزتها وقاية هذه الفئة أو في توفير بعض الحقوق الأخرى الأساسية لها في ظل هذا الوباء المستجد، سيما وأن هذه المؤسسات ستتخذ وسيلة تجميع هؤلاء الأطفال مما سيعرضهم لعدوى انتقال هذا الفيروس عوض الوقاية منه مهددا بذلك حياتهم للخطر، وضع ومخاض تعيشه هذه الفئة ما أثارت دور منظمات المجتمع المدني التي تراجعت أدوراها في العناية بهؤلاء بظهور هذا المرض الذي قيد تدخلات هذه الجمعيات بسبب وضعها المادي بسبب تراجع دعمها من طرف الدولة التي تعيش نفسها ضائقة مالية أو من طرف بعض الهيئات الدولية التي تعيش أزمة هي الأخرى، وضع أثر سلبا على حقوق الأطفال بدون هوية مقررا تراجعا ونفيا للحماية المقررة والواجبة لها والحال أن الأمر يقتضي تدخلا استثنائيا استعجاليا على الأقل لتدبير مرحلة المرض حماية لهذه الفئة وفي صحتها على الأقل.
وعليه فالمسلم به رغم ملامح الحماية المقررة للأطفال بدون هوية، فإن فيروس كورونا المستجد ما أظهر خلاف ذلك مقررا وضعا كرس امتيازا سلبيا في تدعيم حقوق هذه الفئة وحديثا فيها عن لا هوية ولاقانونية رعايتها صحة على الأقل إلى جانب بعض حقوقها الأخرى الطبيعية، وضع ذاك الذي يفرض توجها مأمولا يؤسس لحماية هذه الفئة يساير وضعها الإستثنائي الذي غدت عليه في ظل جائحة كورونا المستجد كنقط موجزة ستكون محور المناقشة الآتية وباقتراحات اجتهادية.
المحور الثاني: نحو توجه مأمول في تكريس أمن حقوقي للأطفال بدون هوية في ظل أزمة كورونا -كوفيد 19- الكوني المستجد
إذا اكان الأطفال بدون هوية جزءا لا يتجزأ من أفراد المجتمع تقتضي توجها تضامنيا وسياسة حمائية بقوانين أو بتوجهات قضائية تؤسس للحماية الحقوقية لهذه الفئة، سيما في ظل الوضع الحالي لفيروس كورونا -كوفيد 19- الذي أبان عن وجود ثغرات وواقع له أزمته في رعاية حقوق هذه الفئة، كأسس داعية إلى تقرير وضع مأمول يؤسس لأمن حقوقي بل ويؤكد لنموذج مغربي يحتدى به بهذا الخصوص مؤكدا لإلتزامات المشرع الدولية بحقوق الإنسان والأطفال بشكل خاص، كتوجهات تقتضي الحديث وبرؤية اقتراحية تتلائم وهذا الوضع المستجد عن الملامح والأسس الحمائية للأطفال بدون هوية “الفقرة الأولى”، للخروج بعدها بتأسيس جديد حمائي للأطفال بدون هوية ودور مرض -كوفيذ 19-في التقعيد له “الفقرة الثانية”.
الفقرة الأولى: قراءة في تجليات وملامح الحماية الحقوقية المأمولة للأطفال بدون هوية في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد -كوفيد 19-
إذا كان مرض كورونا الصحي كوفيد 19 المستجد قد شكل حدثا استثنائيا مسبوقا فرض تراجعا بل مقيدا تلك الحقوق الكونية التي قررتها ولفترة من الزمن عديد الإتفاقيات والمؤسسات الدولية الرعائية بشكل خاص لهذه الحقوق ملامسة حقوق الأطفال سيما الذين يوجدون في وضعية غير قانونية كما تقدم وعن الأطفال بدون هوية، والتي ترجع أساسا للوضع الصحي الذي اعتبر منطلق تراجع باقي الحقوق المخولة لهذه الفئة خاصة في ظل حالة الطوارئ والحجر الصحي الذي استمر لفترة ليست بالقصيرة مستهدفا بشكل خاص هذه الفئة، وضع ومن تجلياته أن فرض ملامح توجه حمائي مفروض ومن النظام العام على الدولة بسلطاتها التشريعية التنفيذية التشريعية والقضائية، وبمؤسساتها الرعائية لهؤلاء الأطفال هدفها الأول حماية صحة هؤلاء الأطفال الذي بقي أبرز ومنطلق الحقوق الأخرى في ظل وباء كورونا الذي فرض هذه الضرورة.
وإذا كانت صحة هؤلاء الأطفال بدون هوية لم تطرح بالحدة في معظم بلدان العالم الرائدة في مجال حقوق الإنسان على خلاف المغرب الذي طرح عليه موضوع الحماية الحقوقية لهؤلاء الأطفال، سيما بظهور فيروس كورونا الذي أدى وبشكل تراجعي لحقوق الإنسان جعل حقوق هذه الفئة الهدف الأسمى لسياسة الدولة رهينا بتبني سياسة اجتماعية إيوائية لهذه الفئة تقيهم شر الشارع الذي يعتبر البؤرة الحقيقية لهذا المرض طريقا لباقي الحقوق الطبيعية الأخرى لهذه الفئة “الأكل، الملبس…”، وبشكل وقائي لهذه المؤسسات عند رقابتها لهؤلاء يفعل حضانتها الإيجابية الضامنة لحقوق هذه الفئة آنيا أثناء هذا المرض ومستقبلا بعد انتهائه، خاصة وأمام الأهمية التي احتلها حق الصحة كأولى الحقوق الكونية للأطفال وبغض النظر عن وضعهم العائلي[8].
وضع ومن ملامحه أن سيفرض على الدولة تبني سياسات وقوانين ذات بعد اجتماعي حقوقي يلامس هذه الفئة، سيما في ظل ما قد يسمى تسونامي الأطفال وبدون هوية الذي فرض نفسه واقعا في السنوات الأخيرة في ظل الحرية الفردية والعلاقات الحرة الخارجة عن نطاق الزوجية التي أضحت مفروضة حتى أن هناك قوانين أكدت لشرعيتها بحجة مفاهيم الحرية[9].
مخاض فرضه فيروس كورونا المستجد ويفرض على الدولة ضرورة تفعيل عديد المؤسسات سيما الدستورية منها التي أخذت على عاتقها حماية حقوق الطفولة على غرار المجلس الإستشاري للأسرة والطفولة الذي يبقى طريقا رعائيا لهذه الفئة سيما في ظل بعض الظروف الإستثنائية على غرار الوضع الإستثنائي الذي فرضه فيروس كورونا الكوني كوفيد 19، وصولا إلى تأهيل عديد المؤسسات الرعائية وتدعيم بعض المؤسسات الخاصة المهتمة بحقوق الأطفال وللذين هم بدون هوية بشكل خاص.
تبقى إذن هذه بعض ملامح الحماية الحقوقية للأطفال بدون هوية التي فرضها مرض كورونا -كوفيد 19- المستجد والتي أخذت في طابعها بعدا اجتماعيا لهذه الأخيرة، كملامح مستقبلية لن تتقرر إلا بضرورة الخروج بتأسيس جديد مستقبلي حمائي للأطفال بدون هوية ودور فيروس -كوفيذ 19- في التقعيد له.
الفقرة الثانية: نحو الخروج ببديل تأسيسي مأمول حمائي حقوقي للأطفال بدون هوية ودور فيروس كورونا المستجد في التقعيد له
إذا كان فيروس كورونا المستجد -كوفيد 19- قد فرض وضعا سلبيا منتقدا لحقوق الأطفال بدون هوية، فإن له إيجابياته فرضت إعادة النظر في سياسات التشريعات على غرار المغرب وتوجيه اهتمامه لهذه الفئة سيما والإلتزامات المفروضة على شخص الدولة دستوريا وقانونا في حماية الأطفال كما تبين سلفا بغض النظر عن وضعيتهم العائلية، كمؤسسة تبقى الوحيدة في ظل هذه الجائحة الكونية لضمان وتدعيم حقوق هذه الفئة، وصولا لما قد يسمى أمنا حقوقيا للأطفال بدون هوية له استمراريته حتى بعد هذه الجائحة في مساواة تامة لنظرائهم الأطفال الشرعيين، توجهات حقوقية مأمولة تبقى رهينة بأسس كيف ما كانت تقعد لهذه الأبعاد سيكون لمرض كورونا المستجد أدواره ومنطلقه في هذه التغييرات كما سيأتي في بعض النقط آنية الذكر.
- ذلك ومن أولى هذه المقترحات ضرورة تدخل الدولة بمؤسساتها رعاية حقوق الأطفال بدون هوية تتلائم ووضع كورونا المستجد بل حتى ما بعده.
- وضع إنما يقتضي هو الآخر تدخل الدولة لإخراج صناديق ضمان للأطفال بدون هوية توجه لدعمهم الإجتماعي باعتبره أساس باقي الحقوق الأخرى في ظل هذه الظرفية الإستثنائية، على غرار صندوق الدعم المالي لفيروس كورونا المستجد.
- تأهيل وتدعيم مؤسسات رعاية وإيواء الأطفال بدون هوية ومن طرف الدولة بشكل خاص لضمان حقوق هذه الفئة في زمن كورونا وبعده.
- تبني سياسة مستقبلية لما بعد كورونا تسهل اندماج الأطفال وبدون هوية في الحياة العامة ضمانا لمصلحتها الفضلى.
- جعل مؤسسات الرعاية فضاءا وأسرة بديلة لتأهيل الأطفال بدون هوية ضمانا لحقوقهم الأساسية في ظل مرض كورونا الحالي وبعده.
- وضع أجهزة رقابية للمؤسسات الرقابية للأطفال بدون هوية لها اختصاصها في حماية حقوق هذه الأخيرة وبشكل إلزامي لهذه المؤسسات عند الإخلال بالتزاماتها مع رفع تقاريرها للهيئات القضائية لتقرير الجزاء بحقها، سيما في ظل الوضع الإستثنائي لجائحة كورونا التي تتطلب مجهودات أكبر لحماية وتدعيم حقوقها حفاظا على حياتهم بشكل أساس منطلقا لباقي حقوقها الأخرى.
- دعم الرعاية الإجتماعية لهؤلاء الأطفال كفئة تقتضي رعاية خاصة كما كشف عن ذلك وباء كورونا المستجد.
- وضع جزاءات عقابية لتجريم العلاقات غير الشرعية والعلاقات الحرة التي كانت السبب في إيجاد هذه الفئة من الأطفال والتي أظهر وباء كورونا تراجع مثل هذه العلاقات بسبب القيد الذي فرض على حرية الأفراد وتنقلاتهم في ظل حالة الطوارئ والحجر الصحي المفروض لفترة ليست بالقصيرة.
خاتمة
إذا كان الأطفال بدون هوية من أكثر الأشخاص عرضة لمرض كورونا الصحي المستجد كوفيد 19 مقررا وضعا حقوقيا يعيش أزمته لهذه الفئة بشكل خاص وللأفراد بشكل عام، فإن هذا الفيروس ما فرض وضعا إيجابيا أعاد النظر لهذه الفئة التي كانت مهضومة الحقوق قبل هذا الوباء وزادت حدته في ظله تقتضي على الخلاف من ذلك رعاية خاصة باعتبارها المستقبل الذي يمكن أن تنهض عليه الدولة بل والمعيار المعتمد من طرف الهيئات الدولية للقول بمدى احترام الدول للحقوق والحريات، وبدعوات إلى تبني سياسات ذات طابع اجتماعي رعائي لهذه الفئة تقريرا لأمن أسري حقوقي له ضماناته في تأهيل وتيسير اندماج هذه الفئة إلى ما بعد زمن كورونا المستجد، كما أظهرت ذلك الإقتراحات المأمولة التي تم التوصل إليها في هذه الدراسة سيما وفي ظل العدمية التي ميزت دراسة موضوع حقوق الطفل بشكل عام وللأطفال بدون هوية بشكل خاص في ظل الوضع الإستثنائي لجائحة كورونا رغم ما ستواجه به من عقبات وصعوبات لضمان الحقوق الأساسية لهذه لفئة التي اعتبرت نظاما عاما مفروضا وعلى جميع بلدان العالم، سيما وفي ظل الإحصائيات التي خرجت بها المنظمات الحقوقية الدولية مقررة توقعات أبانت عن تراجع حقيقي حالي في ظل هذا الوباء ومستقبلا سيلامس حقوق الأطفال الموجودين في وضعية صعبة أو إهمال مكرسا لاهوية هذه الأخيرة، ولأسباب ترجع للتأثير السلبي لهذا الوباء والفيروس على الوضع الإقتصادي الإجتماعي لبلدان العالم بل حتى على المؤسسات الدولية الوطنية الداعمة لحقوق هؤلاء الأطفال.
“لائحة المراجع المعتمدة”
- الكتب
- عبدالقادر قرموش، كفالة الأطفال المهملين –دراسة تحليلية نقدية لظهير 13 يونيو 2002 على ضوء أحكام مدونة الأسرة-، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى 2008.
- الدليل العملي للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء والأطفال، مديرية الشؤون الجنائية والعفو.
- المجلات والندوات
- مجلة الباحث، مجلة قانونية علمية فصلية محكمة، ملف خاص 2 بجائحة كورونا كوفيد 19، العدد 18، ماي 2020.
- الجرائد والمواقع الإلكترونية
- الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية حول فيروس كورونا المستجد –كوفيد 19- who.inter/ar/emergencies/diseas/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses
- القوانين
- الدستور الجديد للمملكة المغربية لسنة 2011.
- القانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة المغربية الصادرة سنة 2004 .
- اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 والمصادق عليها من طرف المغرب سنة 1993.
- بعض الإتفاقيات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الأطفال.
- مرسوم بمثابة قانون رقم 2.20.292، صادر بتاريخ 23 مارس 2020، والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
- المرسوم رقم 2.20.293، الصادر بتاريخ 24 مارس 2020، والمتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19-.
“الفهرس”
مقدمة
المحور الأول: قراءة في بعض ملامح الحماية الحقوقية للأطفال بدون هوية وواقع حقوقهم في زمن كورونا – كوفيد 19 – الكوني المستجد
الفقرة الأولى: قراءة في ملامح الحقوقية القانونية للأطفال بدون هوية في ظل أزمة كورونا الكوني المستجد – كوفيد 19 –
أولا: مفهوم فيروس كورونا -كوفيد 19- الكوني والوضع الحقوقي للأطفال بدون هوية
ثانيا: قراءة في بعض ملامح الحماية الحقوقية للأطفال بدون هوية في ظل أزمة الفيروس التاجي المستجد – كوفيد 19 –
الفقرة الثانية: الوضعية الحقوقية للأطفال بدون هوية في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد -كوفيد 19-
المحور الثاني: نحو توجه مأمول في تكريس أمن حقوقي للأطفال بدون هوية في ظل أزمة كورونا -كوفيد 19- الكوني المستجد
الفقرة الأولى: قراءة في تجليات وملامح الحماية الحقوقية المأمولة للأطفال بدون هوية في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد -كوفيد 19-
الفقرة الثانية: نحو الخروج ببديل تأسيسي مأمول حمائي حقوقي للأطفال بدون هوية ودور فيروس كورونا المستجد في التقعيد له
خاتمة
لائحة المراجع المعتمدة
[1]– من المسلم به الدور الذي تلعبه الأسرة كمؤسسة قانونية في استقرار المجتمع سيما الأسرة الشرعية، والتي كانت دوافع للمشرع المغربي لحماية وتحصين هذه المؤسسة وهو بالفعل ما تحقق في ديباجة مدونة الأسرة معتبرة على أن الأسرة المغربية القائمة على المسؤولية المشتركة، والمودة والمساواة والعدل، والمعاشرة بالمعروف، والتنشئة السليمة للأطفال لبنة جوهرية في دمقرطة المجتمع باعتبار الأسرة نواته الأساسية، توجه حمائي ما أضحى دستوريا لمؤسسة الأسرة مكرسا فيها المشرع الدستوري عبارات أكدت لذلك عند قوله في الفقرة الأولى من الفصل 32 من دستور فاتح يوليوز 2011 على أن “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع”، مقررا في الفقرة الثانية من هذا الفصل حمايتها حتى من طرف الدولة عند قوله “تعمل الدولة على ضمان الحماية القانونية والإجتماعية والإقتصادية للأسرة بمقتضى القانون بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها”.
[2] – بظهور فيروس كورونا كحدث كوني لم يسبق له مثيل طرح التساؤل عن ماهية هذا الفيروس، وهو ما أجابت عنه منظمة الصحة العالمية وغيرها من علماء الطب البيولوجيين معتبرين على أن فيروسات كورونا هي سلالة واسعة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان، إذا المعروف أن عددا من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر أمراض تنفسية تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد مثل ملازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس”، والمتلازمة الحادة الوخيمة “سارس”، وهو الفيروس المستجد الذي يسبب مرض -كوفيد 19- فيروس ما أثار التساؤل عم مرض كوفيد 19 معتبرين إياه مرض معد يسببه آخر فيروس تم اكتشافه من سلالة فيروسات كورونا، فيروس لم يكن هناك أي علم به قبل أن يفاجئ العالم بعد تفشيه لأول مرة في مدينة ووهان الصينية في دجنبر 2019، قبل أن يتحول هذا الفيروس –كوفيد 19- وفي تقرير لمنظمة الصحة العالمية إلى جائحة ظهرت في جل بلدان العالم مقررا تداعياته على مختلف دول العالم إن اقتصاديا ثقافيا واجتماعيا ملامسا وبشكل سلبي حقوق الأفراد، فيروس أودى بحياة الآلاف من سكان العالم سببا في فرض حالة الطوارئ الصحية في جل بلدان العالم تجنبا للإختلاط الذي يعتبر السبب الرئيس في ذروة هذا الفيروس المستجد، أنظر:
– تقارير منظمة الصحة العالمية حول فيروس كورونا المستجد –كوفيد 19- في موقها الإلكتروني، تاريخ الإطلاع 11 يونيو 2020، الساعة 9h55min.
– أنظر كذلك الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية حول فيروس كورونا المستجد –كوفيد 19- www.who.inter/ar/emergencies/diseas/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses
[3] – أنظر مجلة الباحث، مجلة قانونية علمية فصلية محكمة، ملف خاص 2 بجائحة كورونا كوفيد 19، العدد 18، ماي 2020، ص: 115- 116.
[4] – لقد كانت ولازالت حقوق الأطفال من أبرز اهتمامات دول العالم مقررة لها اتفاقيات قررت كونية حقوقه والتزام معظم دول العالم بتقريرها في قوانينها الداخلية كأحد الأسس الحمائية لحقوق الإنسان، حقوقا للأطفال لا فرق فيها بين ما إذا كانوا شرعيين أو غير شرعيين بدون هوية ما تجد أسسها في مرجعيتها الدولية التي تبلورت لأول مرة سنة 1919 إلى أن تم الإعتراف بحقوق الطفل دوليا سنة 1924 في الإعلان العالم الأول لحقوق الطفل، ليتقرر بعده وفي سنة 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذا الإعلان الأمريكي للحقوق والواجبات واللذين أكدا على حق الإنسان في عدم تعريضه للعنف وسوء المعاملة والإستغلال سيما للطفل كإنسان له حقوق، لتتأكد هذه الحقوق في الإعلان العالمي لحقوق الطفل سنة 1959 وبعدها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية سنة 1966، لتتقرر بعدها مجموعة من البروتوكولات التي فرضت تطورا حقيقيا في حقوق الطفل مقررة مصلحته الفضلى في ذلك وبحقوق كونية يصعب حصرها، إلى أن توجت بأبرز اتفاقية كونية لحقوق الطفل لسنة 1989 التي سوت بين الأطفال بغض عن شرعية هويتهم من عدمها، وبعدها باستراتيجية دولية تلزم الجميع بتطبيقها على أرض الواقع وبحماية متكاملة وخطة عمل دولية سميت “بعالم جدير بأطفاله”، أنظر في هذه المرجعية الدولية لحقوق الأطفال:
– الدليل العملي للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء والأطفال، مديرية الشؤون الجنائية والعفو، ص: 17- 19.
[5] – لقد جاءت هذه الخطة الوطنية ترجمة حقيقية لإلتزامات المشرع المغربي الدولية باتفاقيات حقوق الطفل كما تأكد ذلك في قوانينه الداخلية بل حتى في دستوره الجديد الذي اعتبر دستورا للحقوق والحريات بامتياز عندما كرس مقتضيات دستورية أقرت مساواة حقيقية بين الأطفال سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين أو بدون هوية إلى غيرهم من الأطفال الموجودين في وضعية غير قانونية صعبة أو إهمال، حيث ومما جاء في أهداف هذه الخطة رصد وتدعيم المكتسبات الوطنية في مجال حقوق الطفل والتي حددت لها فترة حصرية ابتدأت من سنة 2006 إلى غاية 2015، وهي الخطة لتي أخذت عنوانا بارزا لها جاء فيه “من أجل مغرب جدير بأطفاله”، لتتقرر بعدها مجموعة من الخطط لعل أبرزها خطة عمل وزارة العدل لتعزيز التكفل بالنساء والأطفال، أنظر بهذا الخصوص:
– الدليل العملي للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء والأطفال، م س، ص: 20- 24.
[6] – لقد اعتبر قانون كفالة الأطفال المهملين رقم 15.01 والصادر بتاريخ 13 يونيو 2002، من أبرز المقتضيات التشريعية التي قررت حماية للأطفال الموجودين في وضعية إهمال والذين تعدد أسباب إهمالهم كما في حالة جهل أبويهم أو تم التخلي عنهم، أو كانوا يتيمي الأبوين أو عجزوا عن رعايته، أو في حالة انحراف الأبوين تجنبا للإضرار بهؤلاء الأطفال، وهو إهمال ما يدخل في زمرته حتى الأطفال بدون هوية كأطفال موجودين في وضعية صعبة مجردة من عديد الحقوق الأساسية قانونا أو واقعا على خلاف نظرائهم من الأطفال الشرعيين الذين قرر المشرع وفي عديد قوانينه زمرة من الحقوق الممتازة التي أكدت وفائه بالأوفاق الدولية لحقوق الطفل، أنظر بهذا الخصوص:
– عبدالقادر قرموش، كفالة الأطفال المهملين –دراسة تحليلية نقدية لظهير 13 يونيو 2002 على ضوء أحكام مدونة الأسرة-، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى 2008.
[7] – مرسوم بمثابة قانون رقم 2.20.292، صادر بتاريخ 23 مارس 2020، والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، والمرسوم الآخر رقم 2.20.293، والصادر بتاريخ 24 مارس 2020، والمتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19-، وهي المراسيم المنشورة في الجريدة الرسمية السنة التاسعة عشر بعد المائة، العدد 6867 مكرر.
[8] – لعله ومن الأسس الحمائية للأطفال وبدون هوية ما قرره المشرع الدستوري مقررا مساواة حقيقية للأطفال بغض عن وضعهم العائلي كما أكد منطوق الفقرة الثالثة من الفصل 32 من الدستور، وبشكل أضحت فيه حقوق هذه الفئة شأنا دستوريا وعاما تقتضي سياسات وقوانين ذات بعد حقوقي اجتماعي لهذه الفئة، وبرعاية خاصة سيما في ظل فيروس كورونا الذي استهدف صحة هذه الفئة مؤثرا وبشكل سلبي على حقوقها التي هي أصلا منتفية كما يشهد بذلك الواقع وقبل هذا الفيروس المستجد، فيروس لمن شأنه إعادة الإعتبار لحقوق هذه الفئة التي تشكل نسبة مهمة من أفراد المجتمع بل ومستقبله مساواة إياهم بباقي الأطفال كما توجهت في ذلك التشريعات الغربية.
[9] – من الثابت اليوم منافسة بعض أنواع الأسر للأسرة الزواجية الشرعية على غرار مفاهيم الأسرة الواقعية والأسرة البديلة، وبمفاهيم أظهرت علاقات شرعية وخلانية حرة بين الجنسين أنتجت أطفالا وبدون هوية، وإن بتشريعات قررت مساواة تامة بين الأطفال بغض النظر عن نسبهم على خلاف المشرع المغربي الذي لا يزال يقيم تمييزا بين النسب والبنوة الشرعية عن النسب والبنوة غير الشرعية كما أكدت ذلك مدونة الأسرة وبعض قوانين المشرع الأخرى، لكن بتسجيل بعض التطور الملحوظ من طرف بعض قوانين المشرع الجديدة على غرار الدستور “الفصل 32” وبعض مقتضيات مدونة الأسرة”المادة 16- 156″، لعل أبرزها قانون كفالة الأطفال المهملين معتبرا الكافل أسرة بديلة تجسيدا حرفيا لمقتضيات المادة 20 من اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1989، مقررة هذه الأخيرة حق الطفل في أسرة أصلية فإن لم توجد أو لم تكن مؤهلة لتربيته فيلزم أن يوضع في أحضان أسرة بديلة، أوضاع تقتضي مضاعفة الجهود سيما من طرف المغرب بتشريعه وسياسته إلى تدعيم حقوق الطفل الموجود منه في وضعية غير قانونية انتقالا من لاهويته إلى تقرير هويته كحق طبيعي له سيما في ظل الوضع الحالي الإستثنائي لفيروس كورونا المستجد كوفيد 19.