مقال: انهاء عقود الشغل أي مصير في ظل تفشي جائحة كورونا
أمين اوتزكي
طالب باحث بسلك ماستر المنازعات القانونية
و القضائية بسلا
الفوج الثالث
تقديم
بعد ازيد من ثلاثة أشهر على تسجيل اول حالة ظهور لفيروس كورنا المستجد المعروف-covid19- بالمغرب، اتخذت الحكومة المغربية عدة قرارات هامة جدا، من اجل التصدي لتفشي هذه الجائحة، و على غرار باقي دول العالم التي فرضت حالة الطوارئ الصحية، عملت حكومة المغربية ايضا على إصدار مرسوم بقانون 2.20.292 صادر بتاريخ 28 من رجب 1441(23 مارس 2020) الذي يتعلق بسن احكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها، و مرسوم رقم 2.20.293 صادر بتاريخ 29 من رجب 1441(24 مارس 2020) بالمتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء الترب الوطني المغربي، من اجل الحد من انتشار فيروس كورنا.
ومع هذا الظروف الخاصة التي يعيشها المغرب، فقد تخللتها نشوب عدة نزاعات قانونية في مختلف المواد القانونية، وعلى رأسها منازعات الشغل خصوص الفردية منها، حيث تعرضت مجموعة من المقاولة الى الإغلاق بسبب تفشي جائحة كورونا وفرض حالة الطوارئ الصحية، مما أدى معه الى تسريح العديد من الاجراء، إما مؤقتا واما بصفة نهائية من خلال انهاء عقود شغلهم، الا ان النقاش الذي يدور هنا حول طبيعة هذه الجائحة، حيث ان العديد من يقول انها قوة قاهرة، والأكثر من هذا فقد يلقي الامر بظلاله أيضا على التزامات أطراف العلاقة الشغلية.
من اجل هذا فمن المهم ان نسلط الضوء على اثار جائحة كورونا على عقود الشغل، في إطار مدونة الشغل، والقانون المدني، هذا الأخير الذي يكمن ان يكون السند لإيجاد الحل لمختلف الإشكالات التي يمكن ان تستحدثها جائحة كورونا.
ويبقى للقضاء ان يقول كلمته هنا، ويسد كل فراغ تشريعي، من خلال حماية كل من الاجير والمقاولة، وكذا الاقتصاد الوطني في إطار معالجته لجائحة كورونا، فالمادة الثالثة من قانون المسطرة المدنية تنص على “ يتعين على المحكمة أن تبت في حدود طلبات الأطراف ولا يسوغ لها أن تغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات وتبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة.”
وهنا يتبادر الى الدهن عدت أسئلة، ما مصير عقود الشغل الفردية على ضوء تفشي جائحة كورنا؟ ومن يتحمل مسؤولية انهائها إذا اكان هناك انهاء؟ والى أي حد يمكن ان تتأثر التزامات أطراف العلاقة الشغلية؟
من اجل البحث والدراسة في هذا الموضوع، والبحث عن أي نظرية يمكن ان درج ضمنها جائحة كورونا، قررنا ان نبدأ بمقاربة لنظرية القوة القاهرة في القانون المدني، ثم اسقاطها على جائحة كورنا، حتى نستطيع معرفة طبيعة جائحة كورونا، وأين يمكن ان ندرجها، على أساس ان نختم بتأثير جائحة على اهم وأبرز التزامات الناشئة عن عقد الشغل.
وسنحاول عرض كل هذا طبقا لما يلي:
أولا: مقاربة نظرية العامة للقوة القاهرة.
ثانيا: القوة القاهرة ونظريات الأخرى المشابهة لها واسقاطها على جائحة كورونا.
ثالثا: اثار جائحة كورنا على أبرز التزامات عقد الشغل.
أولا: مقاربة نظرية العامة للقوة القاهرة:
- تعريف القوة القاهرة وشروطها:
- تعريف القوة القاهرة:
القاعدة العامة تقضي انه عند تحقق القوة القاهرة تنتفي أي مسؤولية بكل أنواعها، وهذا ما نص عليه الفصل 268″لا محل لأي تعويض، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه، كالقوة القاهرة…”
وبرجوع الى مقتضيات الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود، الذي وضع لنا تعريف للقوة القاهرة، وبين لنا أيضا ما يمكن ان نخرجه نها، حين نص على:
“القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.
ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين.”
فالقوة القاهرة هي صورة من صور السبب الأجنبي الذي ينفي علاقة السببية بين فعل المدعى عليه وبين الضرر الذي لحق بالمدعي. وهي كل حادث خارجي عن الشيء، لا يمكن توقعه، ولا يمكن دفعه مطلقاً.
وبالتالي من خلال هذا التعريف نستشف انه يتعين توفر شروط أساسية من اجل ان نكون امام قوة قاهرة، حتى نتمكن من ترتيب أثارها، وينتج عنها استحالة في التنقيد، كما نص الفصل 745 من ق.ل.ع على: ” إجارة الصنعة وإجارة الخدمة تنقضيان:
أولا: بانتهاء الأجل المقرر أو بأداء الخدمة أو الصنع الذي كان محلا للعقد؛
ثانيا: بالفسخ المحكوم به من القاضي في الحالات التي يحددها القانون؛
ثالثا: باستحالة التنفيذ الناشئة إما بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة وإما بسبب وفاة مؤجر الصنعة أو الخدمة، مع مراعاة ما يقضي به القانون من استثناءات بالنسبة إلى الحالة الأخيرة، ولا تنفسخ الإجارتان بموت السيد أو رب العمل“
- شروط القوة القاهرة:
1 عدم إمكانية توقع الحادث : ومعيار عدم التوقع معيار موضوعي يتطلب أن يكون عدم التوقع مطلقاً. فلا يكفي فيه أن يكون غير ممكن التوقع من جانب المدين، وإنما أيضا يجب أن يكون غير ممكن التوقع من جانب أكثر الناس حيطة وحذراً.
ويترتب على ذلك أنه إذا كان الحادث متوقعاً، فإنه لا يعفي من المسؤولية، ومثال ذلك انفجار بركان في مكان معتاد فيه ذلك، فهو أمر متوقع ومن ثم لا يعد قوة قاهرة.
ويختلف الوقت الذي يجب أن يتوافر فيه عدم إمكانية التوقع تبعاً لنوع المسؤولية، ففي المسؤولية العقدية يجب أن يكون الحادث غير ممكن التوقع لحظة انعقاد العقد. أما في المسؤولية التقصيرية فيجب توافر عدم إمكان التوقع لحظة وقوع الحادث.
2 استحالة دفع الحادث : لا يكفي لقيام القوة القاهرة عدم إمكانية توقع الحادث، بل يجب إضافة لذلك أن يستحيل دفعه، ومعنى ذلك أن الحادث يجب أن يؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام استحالة مطلقة، فإذا استطاع المدين دفع الحادث ولم يفعل، فلا يعفي هذا الحادث المدين من المسؤولية حتى لو كان غير ممكن التوقع. ولا فرق هنا بين أن تكون استحالة تنفيذ الالتزام مادية، كالزلزال، أو أن تكون الاستحالة معنوية، كما لو التزم شخص بالقيام بعمل معين في يوم محدد، وأخل بذلك نتيجة ولادة مولوده، ومن ثم تعفي من المسؤولية إذا كانت غير ممكنة التوقع أيضاً. وهذا الشرط هو تطبيق للقاعدة القائلة: ” لا التزام بمُحال “.
3 أن يكون الحادث خارجياً : أي لا يكون هناك خطأ من المدعى عليه ، فإذا تسبب المدعى عليه بوقوع الحادث أو ساعد على وقوعه، فلا يعد الحادث قوة قاهرة حتى لو توافر فيه الشرطان السابقان؛ ومن ثم لا يعفي من المسؤولية، وكذلك إذا كان الحادث داخلياً بالنسبة للشيء.
4 استحالة التنفيذ: فالمشرع حسب الفصل 269 من ق.ل.ع يشترط ان تكون القوة القاهرة يستحيل معها تنفيذ الالتزام.
ومع أن النص القانوني كان واضحا في تعريفه للقوة القاهرة من خلال إدراجه لبعض صورها وذلك على سبيل المثال، باعتبارها سببا معفيا من المسؤولية، فلا مانع من ان يتفق أطراف العقد على اعتبار أحداث أخرى صورة من صور القوة القاهرة أو الاتفاق على عدم اعتبارها كذلك، وإن كان القانون قد أشار إليها، وهذا ما سنحاول ان نطبقه مع جائحة كورونا.
ثانيا: القوة القاهرة ونظريات الأخرى المشابهة لها ومطابقتها على جائحة كورونا
ان ظهور فيروس كورنا في الآونة الأخيرة، لا يمكن القول عليه انه كان متوقع، فلا أحد كان يتنبأ بأن يصل العالم الى هذه الوضعية، خصوصا في المغرب حتى انه الحكومة في بداية دخول فيروس كورنا الى المغرب كانت تقول بأنه لن نصل الى حد اغلاق كل المؤسسات والمقاولات وفرض حالات الطوارئ داخل المملكة المغربية، لكن مع مرور الوقت وتفاقم الوضع، وانتشار السريع للوباء في ارجاء انحاء المملكة، كان لازم معه اتخاد مجموعة من الإجراءات، التي القت بظلالها على جل مجالات.
وهنا لابد من الوقوف على مدى توفر شروط القوة القاهرة، حتى نتمكن من ان ندرج ضمنها جائحة كورنا، فنهاك عدة أمور تدفعنا الى القول بأن الامر يتعلق بقوة قاهرة.
تطبيق للفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود، أولا فجائحة كورنا لا علاقة لها بأي خطأ يمكن ان يرتكب سواء من طرف الاجير او من طرف المشغل، فهو خارج عن ارادتهما.
ثانيا ان الفيروس لا يمكن رده من قبل أطراف العلاقة الشغلية، وثالثا فليس هناك توقع لجائحة كرونا، حيث انه بعد فرض حالة الطوارئ فالعديد من المقولات انهت عقود شغل مع مجموعة من الاجراء، بالدفع بوسيلة حدوث قوة قاهرة، لكن إن عنصر عدم التوقع لا يمكن اعتباره بانه مطلق، حيث لابد ان نتبه الى انه خلال حيز من هذه مدة التي فرض فيها حالة الطوارئ، لم يكن تنفيذ الالتزامات مستحيلا، حيت ان المقولات ظلت تشتغل لكن في إطار الأخذ بعين الاعتبار وسائل السلامة الصحية، وبالتالي يمكن القول ان عدم التوقع كان على مستوى تطور الوباء ببلادنا فقط.
فان شرط ان تكون القوة القاهرة مستحيلة التنفيذ، هو من سيساعد القضاء على معرفة مدى توفر القوة القاهرة فيما ستأتي به جائحة كورونا من مستجدات، خصوصا انه إذا كانت الاستحالة جزئية فلا يمكن ان نقول ان هناك قوة قاهرة، وهذا فيه تشدد، ولكن هذا ما هو الى تطبيق للقانون.
إذا فمن الناحية النظرية يمكن ان نقول ان شروط القوة القاهرة متوفرة، لكن عمليا يصعب قول ذلك، حيث هل التوقع يكون من ظهور أول حالة في المغرب، أم من تاريخ اعلان حالات الطوارئ الصحية، حيث انه رغم اعلان حالة الطوارئ الصحية بقية مجموعة من المقولات مفتوحة، ونشاطها مستمر مع القيام بمجموعة من الإجراءات السلامة الصحية للأجراء، طبقا لما توصي به وزارة الصحة، وهذا منصوص عليها أيضا ضمن مدونة الشغل، في مادته 24 حيث تنص على ان المشغل عليه أن يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الاجراء وصحتهم.
لكن بخصوص بعض المقولات يمكن ان نقول فعلا ان هناك قوة قاهرة، حيث انه كان هنا قرار بإغلاق مجموعة من المقولات، كالمقاهي التي اغلت بشكل كلي، وكذلك فمجموعة من الأساتذة المحامين اغلقوا مكاتبهم، بناء على القرار الذي صدر عن السلطة القضائية بتعليق سير العادي للمحاكم، فهنا لابد للقضاء ان يمعن النظر في كل نزاع على حدى، و في تاريخ الانهاء وسببه.
وهنا فالعديد من المشغلين قد يتمسكوا بالقوة القاهرة من اجل انهاء عقود الشغل مع اجرائهم، باعتبارها مبرر للفصل حسب الفصل 745 من قانون الالتزامات والعقود، دون تعويضهم عن مستحقتهم، وهذا قد يكون فيه تملص من القانون.
ونستشهد هنا بثلاثة قرارات لمحكمة النقض غير منشورة:
القرار الأول لمحكمة النقض عدد 279 صادر في 29/05/2015، الذي قضى بخصوص نزاع متعلق بإنهاء عقد شغل بسبب اغلاق محطة للوقد بناء على قرار تخطيط حدود طريق العامة للتوسيع الطريق، و رفع الاجراء الذين ثم انهاء عقد شغلهم دعوى للمطالبة بتعويض عن الانهاء التعسفي للعقد شغل، لكن محكمة النقض اعتبرت ان القوة القاهرة قائمة، حيث انه الامر كان مفاجئا، و لا يمكن توقعه، و من المستحيل استمرار الطالبة في تنفيذ التزامها بتشغيل عمالها، مما تبقى معه عناصر القوة القاهرة حاضرة في النازلة، المنصوص عليها في الفصل 269 من ق.ل.ع، و بالتالي اعتبرت فعل السلطة يشكل شكلا من اشكال القوة القاهرة.
و نجد قرار ثاني لمحكمة النقض عدد 133 صادر في 21/01/2015، المتعلق بنزاع يدور حول انهاء عقود شغل لعمال يشتغلون بمقلع، هذا الأخير الذي اغلق بأمر من عامل عمالة الصخيرات تمارة، حيث ان محكمة النقض اعتبرت ان هذا الامر بالإغلاق لا يمكن ان يرتب نفس اثار الاغلاق بسبب القوة القاهرة، و ذهبت محكمة النقض الى اعتبار ان الامر يتعلق بالإغلاق المتخذ من طرف الإرادة غير متوقع مما يشكل “فعل الأمير“، الذي يراد به جميع الاعمال الإدارية المشروعة التي تصدر عن السلطة الإدارية، و بما انه ليس هناء أي خطاء صدر من الطرفين، و ليس لهما يد في الانهاء، فيبقى الحق في التعويض عن الاخطار و الفصل دون التعويض عن الضرر، و هو ما خلص له القرار.
قرارا الأخير صادر عن محكمة النقض عدد 285/1 صادر في 27/02/2018، الذي اعتبر ان انهاء عقود شغل للأجراء كانوا يشتغلون بشركة لصنع أكياس البلاستيك، بعد صدور قانون 15/77 المتعلق بمنع صنع الاكياس البلاستيكية، حيث اعتبرت محكمة النقض ان توقف عمل بهذه الشركة جاء امتثلا لإرادة المشرع، و هو ما يعتبر تطبيقا لنظرية فعل الأمير، التي هي كل إجراء مشروع و غير متوقع يصدر عن جهة ثالثة غير طرفي العقد، ينجم عنه الاضرار بالمركز المالي للمقاول، بسبب تصرف الإدارة، و قضت المحكمة بعدم استحقاق أي تعويض عن الضرر التي تعرض له الاجير .
ارتباطا بموضوعنا فالنسبة للقرار الأول الذي اعتبر ان سلطة الإدارة يعد قوة قاهرة، إذا ما أردنا ان نعتبر أيضا ان جائحة كورنا قوة قاهرة، فسيؤدي الامر الى اضرر بالأجير، وتجدر الإشارة أيضا الى انه إذا ما أردنا ان نطبق القوة القاهرة فيجب تحديد بدقة تاريخ وقوع الفصل، لأنه كما أشارنا أن عنصر عدم التوقع يعد غير مطلق، بالنسبة لجائحة كورونا، حيث قد يكون حاضر في فترة معينة، وقد يكون بشكل نسبي فقط، خصوصا خلال إمكانية استمرار العمل.
اما اذا ما اردنا اعتبار ان الجائحة و ما ترتب عليها يدخل ضمن نظرية فعل الأمير، كما ذهبت له محكمة النقض في القرارين الثاني و الثالث، فاستنادا الى نظرية عمل الامير فان المتعاقد المتضرر في هذه الحالة يستحق تعويضا عن تلك الاضرار ، فالأساس القانوني الذي تستند عليه نظرية عمل الامير هو فكرة التوازن المالي، و هذا ما خلص اليه القرار الثاني، الذي أعطى الحق للتعويض عن الضرر، و نجد سنده في ذلك المادة 70 من مدونة الشغل الذي ينص على ” يستفيد الأجراء عند فصلهم في حالة حصول المشغل على الإذن أو عدمه طبقا للمواد 66 و67 و69 أعلاه من التعويض عن أجل الإخطار، وعن الفصل، المنصوص عليهما على التوالي في المادتين 51 و52 أعلاه.
أما في حالة الفصل طبقا لنفس المواد، ودون الحصول على الإذن المذكور، فإن الأجراء المفصولين لا يستفيدون من التعويض عن الضرر المنصوص عليه في المادة 41 أعلاه إلا بناء على حكم قضائي ما لم يتم إرجاعهم إلى شغلهم مع احتفاظهم بحقوقهم.
يجوز للمشغل والأجراء اللجوء إلى الصلح التمهيدي طبقا للمادة 41 أعلاه أو اللجوء إلى المحكمة للبت في النزاع.”
الا انه في نظرنا انه لا يمكن ان ندخل جائحة كورونا ضمن نظرية فعل الأمير، لان الاغلاق لم يكن بفعل كورونا، ولكن كان بفعل السلطة، الذي اعتبره المشرع قوة قاهرة طبقا للفصل 269 من ق.ل.ع، وبالتالي لا يمكن ان تعتبره فعل الأمير في القضاء الإداري،
ان المشرع عمل على التضييق من حالات القوة القاهرة حفاظا على مبدا ضمان العمل، سواء كانت الاستحالة من طرف المقاولة لأزمة اقتصادية، او خارجة عن ارادتها، كجائحة كورونا، حيث يجب التمييز بين استحالة في التنفيذ اما ان تكون موقتة او نسيبة، واما ان تكون نهائية، او مطلقة.
فظروف الحالية مع جائحة كورونا، اكيد انها لن تستمر، فقد تبقى لمدة طويلة، وقد تقصر مدتها، لهذا فانه يجب الرجوع الى القاعدة الاصلية للقوة القاهرة في قانون الشغل، ليبقى العقد قائما بعد زوال السبب، الذي أدى الى توقيف عقد الشغل.
فاعتبار القوة القاهرة سببا لانقضاء عقد الشغل، بتوفر سبب أجنبي مستقلا، عن المشغل وكذا الاجير، يجعل حق للأجير منعدم بان يحتج بعدم ممارسة مسطرة الاستماع اليه قبل الفصل، وبالتالي فلا مجال للتطبيق مقتضيات المتعلقة بالفصل، وفي حالة غياب الاستحالة فأن المتخذ لبادرة الانهاء يتحمل مسؤوليته، كما انه لا يمكن ان نعتبر ان الفصل الاجراء هنا يعد تعسفيا لما له من أثار وخيمة طبقا للمادة 61 من مدونة الشغل.
اذا فعناصر القوة القاهرة قد نلمسها فعلا هنا، لكن لابد من بدل جهد من اجل الوقوف على مدى توفر شروطها، بحث ان المدين عليه أثباتها عند نشوب نزاع، ومن خلال هذا فلا يمكن ان نعتبر ان جائحة كورونا هي قوة قاهرة بشكل مطلق، وسماح بتسريح الاجراء دون تعويضهم، مادام ان الامر صادر عن سلطة إدارية، خصوصا وأن الأمر لا يعد اغلاق نهائي للمقاولة، بل هو اجراء إحترازي من أجل تصدي لتفشي فيروس كورونا، وبعد زوال جائحة فستعود الحياة الاقتصادية كما كانت، لكن هذا ليس بالأمر السهل طبعا، وبالتالي لا يمكن تصور فصل الاجراء هنا.
لابد من الإشارة الى نظرية الظروف الطارئة فالمشرع المغربي أولا لم ينظم لنا نظرية الظروف الطارئة، عكس بعض التشريعات المقارنة، ومن أجل ان نميزها عن القوة القاهرة، حيث ان كلاهما قد ترتبطا بظروف اقتصادية صعبة، الا ان الفارق بينها على مستوى اثار كل منهما، ان القوة القاهرة تجعل الالتزام مستحيل، اما نظرية الظروف الطارئة فتجعل التنفيذ مرهقا فقط، لأحد الاطراف او كليهما. ويكون الجزاء هو رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول وتوزيع الخسارة على الطرفين.
ثم يبقى ان نشير الى نظرية الضرورة وهي من أكثر الموضوعات إثارة وتعقيدا في القانون، هي نظرية شملت جميع فروع القانون، حيث لعبت دورا بارزا في القانون المدني والقانون الجنائي والقانون الإداري، فحالة الضرورة هي الحالة التي يجد فيها الإنسان نفسه في ظرف أو موقف يهدده بخطر ما.
وأخيرا فإن تحديد ما إذا كان الأمر يتعلق بقوة قاهرة أو فعل امير او بظروف طارئة، يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع أو المحكم الذي له الصلاحية لاعتبار فيروس كورونا المستجد كذلك أم لا، فيقضي إما بالإعفاء من المسؤولية أو بثبوتها، بحث يتعين مناقشة كل نزاع على حدى.
ثالثا: اثار جائحة كورنا على أبرز التزامات عقد الشغل
ارتأينا الى ان نتطرق أيضا الى تأثر التزامات عقد الشغل بفعل جائحة كورنا، فكما هو معلوم وحسب منظمة العمل الدولية في تقرير أولي لتأثير مرض covid19 على مجال العمل في العالم إلى أن آثاره ستكون بعيدة المدى، وأن وباء فيروس كورونا ليس مجرد أزمة طبية فحسب، بل اجتماعية واقتصادية أيضا.
وبالتالي فالالتزامات أطراف العلاقة الشغلية، لم تسلم من اثار جائحة كورنا، حيث يتولد عن عقد الشغل عدة التزامات متبادلة، بين الاجير والمشغل، نابعة من قواعد قانونية من النظام العام، ورغم ان قواعد قانون الشغل تعد أمرة، الا انها قائمة على التبادل.
فالأجير يلتزم أساس بوضع عمله، وطاقته تحت تبعية، المشغل، حيث تكون حريته تابعة للسلطة المشغل، ويبقى خاضع لها، وفي حالة الخطأ قدي يتعرض الى عقوبة تأديبية، وفي ظل هذه الوضعية فعلى الاجير ان يبقى واضعا لعملها تحت تبعية المشغل، حيث يمكن للمشغل والأجير الإتفاق على الإشتغال عن بعد، بالإضافة الى انه يمكن التقليص من مدة العمل حسب المادة 185 من مدونة الشغل.
اما أهم التزام يقع على عاتق المشعل وهو أداء الاجر، وهو الذي قد يكون قد تأثر فعلا في إطار جائحة كورونا، حيث أنه في ظل الأزمة الحالية فإن جل المقاولات يصعب عليها تنفيذ أهم التزاماتها اتجاه أجرائها فيما يخص دفع الأجور وذلك لتوقف نشاطها بشكل كلي أو جزئي.
فالعديد من المشغلين، قاموا بتسريح مجموعة من الاجراء، إما بشكل كلي او جزئي، ما خلق نوع من شلل لدى الاجراء، جراء توقفهم عن العمل، ومن أجل تغطية الاضرار التي لحقه هؤلاء الاجراء، ثم تخصيص لهم تعويض من صندوق المخصص لجائحة كورونا.
وهنا لا بد ان نشيد بما قام به صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبمبادرة منه، ومن اجل التصدي لوباء كورنا، وما خلفه، وما سيخلفه من اضرر على صعيد المملكة المغربية، حيث تم إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة فيروس كورونا، باعتمادات تصل لـ 10 مليارات درهم، بالإضافة الى مساهمات وتبرعات العديد من الجهات والمؤسسات، سواء الخاصة او العامة، وكذا مساهمات المالية للمواطنين من داخل وخارج البلاد.
حيث أعطيت الأولوية لطبقة اجتماعية مهمة، من اجل الاستفادة من هذا الصندوق وهي طبقة المأجورين، فكما هو معروف فالمشرع كان دائما يسعى من جهة الى ضمان حماية أكبر للأجير، لأنه هو ذلك الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية، وكذلك من جهة أخرى حماية مصالح المقاولة.
وقد تم وضع بعض الشروط الواجب توفرها حتى يستفيد الأجير من التعويض عن فقدان الشغل وهي:
- ان يكون الاجير يشتغل ضمن مقاولة خاصة.
- ان تكون المقاولة في وضعية صعبة بسبب وباء كورونا.
- ان يتم تسريح الأجير بسبب وضعية الصعبة للمقاولة بسبب كورونا.
- ان يكون الاجير مصرح به لدى الصندوق الوطني لضمان الاجتماعي في فبراير
ولنا في هذا الموضوع مقال منشور يتعلق بحماية القانونية للمأجورين في ظل تفشي كورونا فيروس، يشرح بشكل مدقق شروط ومسطرة الحصول على هذا التعويض، لمن أراد التوسع أكثر في هذا الموضوع.
في ختام موضوعنا نود ان نؤكد على موقفا، الذي يحتمل النقض كما يتحمل التأييد، انه من ناحية النظرية يمكن ان نقول ان جائحة كورونا هي قوة قاهرة، لكن من ناحية الواقعية فالمدين عليه اثبات توفر شرط القوة القاهرة كلها، لهذا من الصعب اصدار حكم نظري في إطار المناقشة، واتخاد القرار بان كورونا قوة قاهرة.
فعموما بخصوص مسألة التوقع، فاذا كانت بعض المقولات ثم اغلاقها بقرار اداري، فالقوة القاهرة تتمثل في فعل السلطة، الذي اتخذته بسبب كورونا فيروس، لكن فعل السلطة هو الذي يعتبر قوة قاهرة وليس كورونا فيروس.
وبقي ان نشير الى انه في ظل جائحة كورونا يجب النظر الى المدين ووضعه، وأي مدين يتواجد في ظروفه، لأنه إذا اعتمدنا على المرسوم بقانون وقلنا بانه من تاريخ تتحقق القوة القاهرة، فهناك مهن أخرى التي تم اغلاقها بقرار خاص، وهنا يجب ان يكون تحفظ، وان تتحقق المحكمة من توفر شروط القوة القاهرة، مع ابقاء عبئ الاثبات على المدين.