خصوصيات الإمهال القضائي في القانون 31.08
من إنجاز : المهدي فتح الله
طالب باحث
خصوصية الإمهال القضائي
في القانون 31.08
إن إنظار المدين المعسر الذي لا يملك ما يسد به دينه، يعد من بين أحب الأعمال الى الله تبارك وتعالى، حيث قال في محكم كتابه: { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَة فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }.
فلقد حث الله جل وعلا على إنظار المعسر، وعدم التثريب عليه والتشديد عليه في أداء ما عليه من الدين- فضلاً عن حبسه وأذيته بالمن ونحو ذلك – إذا كان لا يملك ما يسد به دينه مع رغبته في السداد، وقصده رد المال لصاحبه { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }.
لما كان الأصل في تنفيذ الالتزامات، أن التنفيذ يكون بحسن نية[1] وكذلك وفق ما اتفق عليه المتعاقدان، سواء على مستوى موضوعه أو على مستوى زمان ومكان تنفيذه، ومرد ذلك يعود الى القاعدة الذهبية التي تحكم الالتزامات التعاقدية والتي مفادها أن “العقد شريعة المتعاقدين”[2]، وبالتالي فإنه لا يجوز إلغاء أو تعديل أي إلتزام إلا بتراضي منشئيه معا، أو في الحالات المنصوص عليها في القانون.
ونظرا للمرونة التي تعتري الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للأفراد، الشيء الذي يؤدي في بعض الأحيان إما الى استحالة أو صعوبة في التنفيذ، الأمر الذي حدى بالمشرع المغربي الى محاولة ايجاد اطار قانوني كفيل بتجاوز هذا الخلل اللاإرادي، ومعه أقر المشرع المغربي مؤسسة الإمهال القضائي.
حيث منح المشرع المغربي سنة 1917، مكنة حصول المدين المعسر على أجل للوفاء، وذلك بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 243 من ظهير الالتزامات والعقود التي جاء فيها أنه “ومع ذلك يسوغ للقضاة، مراعاة منهم لمركز المدين ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء، وأن يوقفوا إجراءات المطالبة، مع إبقاء الأشياء على حالها”.
ولكن سرعان ما أدى نمو القطار الاقتصادي والصناعي الى ظهور أنماط جديدة التصرفات القانونية، والتي تختلف تماما الاختلاف عن ما جرى به العمل قبل احتداد هذا التطور، الشيء الذي أدى الى اختلال المراكز القانونية لجذا الصنف من المعاملات القانونية، والذي يتعلق بالعقود الاستهلاكية، مما استفاق معه المشرع المغربي بسنه للقانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، لضمان ذلك التكافؤ والتوازن العقدي.
وما يهمنا من القانون 31.08 في موضوعنا هذا، هو مؤسسة الإمهال القضائي التي نص عليها المشرع في المادة 149، والتي شكلت تكسيرا للقواعد العامة الواردة في ظهير الالتزامات والعقود.
ومن خلال هذه التوطئة البسيطة، يمكن أن نطرح التساؤلات التالية :
- ما هو التأصيل النظري لمؤسسة الإمهال القضائي؟
- وما هي الشروط المتطلبة لمنح الإمهال القضائي والآثار المترتبة على منحه؟
- وما هي الإشكالات العملية التي تحيط بهذه المؤسسة؟
ولكي نجيب على كل هذه التساؤلات، سنعمد الى تتبع التقسيم التالي :
الغصن الأول : التأصيل النظري للإمهال القضائي.
الغصن الثاني : الممارسة العملية للإمهال القضائي.
الغصن الأول : التأصيل النظري للإمهال القضائي.
يعتبر التأصيل النظري للمواضيع القانونية من بين أهم ما يمكن أن يفتتح به الباحث موضوعه، وذلك من أجل وضع القارئ الكريم أمام الصورة المثلى لموضوع البحث، ولقد تشبتنا بهذا التأصيل، لكي يتم التعرف أولا على كل من ماهية الامهال القضائي (أولا)، وعلى الشروط والآثار المترتبة على منح هاته المؤسسة.
أولا : ماهية الإمهال القضائي.
يمكن اعتبار الماهية لغة بمثابة كنه الشيء وحقيقته، وهي أوسع لغة من المفهوم والتعريف، لذلك سوف نتناول في هذا الجانب، كل من مفهوم الإمهال القضائي، والإطار القانوني المنظم لهذه المؤسسة.
1 – مفهوم الإمهال القضائي.
الإمهال لغة[3] هو الإنظار والتريث، أعطاه مهلة، صبر عليه ولم يعجله، ويقال طلب إمهاله فترة من الوقت، أي إعطاؤه مهلة أو ما يكفي من الوقت لقضاء ما بذمته.
أما الإمهال في الإصطلاح[4]، فينطبق عليه ما قلناه لغة، لكن قد يستتبع الاستمهال الإمهال فيجتمعان، وقد لا يستتبعه فلا يجتمعان، فيتحقق الإستمهال ولا يتحقق الإمهال، او العكس.
ولكن المفهوم في المجال القانوني، دائما ما يسقط على المهلة التي تمنح للمدين نتيجة بعض الظروف الخارجة عن الإرادة، من أجل أن يؤدي ما عليه من التزامات، وتمنح هذه المهلة بصورتين، إما بشكل اتفاقي، أو عن طريق حكم قضائي.
حيث عرفه بعض الفقه[5]، بكونه منحة إضافية للمدين، تمكنه من تنفذ الالتزامات التي تعهد بها إذا اعترضته بعض الصعوبات القانونية أو الواقعية، وحالت دون تنفيذه لهذه الالتزامات في وقتها المحدد. ولعل هذا التعريف هو ما يمكن أن نجمع به كل ما تقدم.
2 – الإطار القانوني للإمهال القضائي.
إن نظرية الإمهال القضائي ليست بالأمر الجديد في القانون 31.08[6]، فهذه النظرية منصوص عليها في الكثير من النصوص التشريعية، منها ما هو موضوعي ومنها ما هو اجرائي، ومثال ذلك الفصل 164 من قانون المسطرة المدنية[7] الذي جاء فيه أنه “يمكن لمحكمة الإستئناف، بناء على طلب المدين أن توقف التنفيذ كليا أو جزئيا بقرار معلل طبقا للفقرة الثالثة والرابعة والخامسة من الفصل 147 من نفس القانون”.
ولكن الفصل 243[8] من ظهير الإلتزامات والعقود يظل اللبة الأولى لتكريس مؤسسة الإمهال القضائي، حيث جاء فيه المشرع المغربي قائلا “ومع ذلك يسوغ للقضاة، مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء، وأن يوقفوا إجراءات المطالبة، مع إبقاء الأشياء على حالها”. ولقد ظل هذا الفصل ساري المفعول منذ سنة 1917 الى حين صدور القانون 31.08 الذي تفرد بتنظيم الامهال القضائي بشكل مبدئي، وأفرد له مجموعة من الخصوصيات التي سنأتي على ذكرها فيما بعد.
حيث جاء في المادة 149 من القانون المومأ له أعلاه، أنه “بالرغم من أحكام الفقرة الثانية من الفصل 243 من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 ( 12 أغسطس 1913 ) بمثابة قانون الالتزامات والعقود يمكن ولاسيما في حالة الفصل عن العمل أو حالة اجتماعية غير متوقعة أن يوقف تنفيذ التزامات المدين بأمر من رئيس المحكمة المختصة ويمكن أن يقرر في الأمر على أن المبالغ المستحقة ال تترتب عليها فائدة طيلة مدة المهلة القضائية…”، ولقد أصبحت هاته المادة بمنزلة الأساس القانوني الذي على القاضي أن يستند إليه من أجل منح المدين أجال إضافيا للوفاء بدينه الذي له تجاه الدائن.
ثانيا : شروط الإمهال القضائي والآثار المترتبة على منحه.
تعتبر الشروط القانونية من بين أهم المتطلبات التي تستتبعها مجموعة من الآثار في حالة توفرها، ولعل هذا الأمر سيقودنا الى تمحيص النقاش في هذا الشق بالتحديد.
1 – شروط منح الإمهال القضائي.
يمكن اجمال هذه الشروط في ضرورة وجود صعوبات تعيق المدين دون أن تكون له يد في حصولها، ويجب أن لا تكون تلك الصعوبة مما يمكن توقعه أو دفعه.
أ – وجود صعوبة تعيق المدين.
ويظهر هذا الشرط بجلاء في المادة 149 من القانون 31.08 التي تقول “…ولاسيما في حالة الفصل عن العمل أو حالة اجتماعية…”، فمن خلال هذه الفقرة تضح لنا، أن المشرع المغربي اتوجب توفر صعوبة مادية أو قانونية للمطالبة بمنح نظيرة الميسرة للمدين، ويدخل في هذا الإطار كل ما قد يصيب المدين من تحولات مهنية واجتماعية، مثل إصابة المدين بحادثة شغل أثناء مزاولته لعمله، مما أدى الى قعوده في المنزل لمدة طويلة، أو وقوع زوجة المدين بوعكة صحة استوجبت مجموعة من المصاريف الطبية والعلاجية، مما جعله في أزمة مالية، وغيرها من الأمثلة التي تشخص كل ما يمكن أن يقع فيه المدين من صعوبات.
ب – أن تكون الصعوبة غير متوقعة.
ولكي تؤخذ الصعوبة بعين الاعتبار من طرف القضاء، يجب أن تكون غير متوقعة، أي أن تكون مما يستعصي على المدين توقعه وتجنبه، ولقد أتى المشرع المغربي بهذا الشرط صراحة عندما قال في المادة 149 من القانون 31.08 “… أو حالة إجتماعية غير متوقعة…”، فكلما كانت الصعوبة متوقعة سقط حق المدين في المطالبة بالإمهال القضائي.
ج – أن لا يكون للمدين يد في حصول تلك الصعوبة.
ولعل هذا الشرط قد يكون بديهيا، لأنه لا يمكن التسليم بالصعوبة دون التأكد أولا أن تلك الصعوبة لا يد للمدين في حدوثها، وإلا سوف نكون أمام تماطل عمدي من طرفه، ويريد المدين من خلاله أن يتدرع عن أداء ما بذمته من التزامات دون موجب قانوني، والمشرع المغربي بدوره أكد على أن تنفيذ الالتزامات يجب أن يكون بحسن نية، ولا يمكن للشخص أن يصنع لنفسه عذرا قانونيا، وذلك قياسا على القاعدة التي تقول أنه لا يمكن التمسك بحجة من صنع صاحبها، ومن بين أبرز الأمثلة التي سوف تضع القارئ الكريم أمام الصورة بشكل واضح، المدين الذي يراهن بكل ما يملك في لعب القمار، وبمجرد أن يخسر الرهان يدفع بالصعوبة من أجل الإستفادة من مهلة الميسرة، والتي لا يمكن أن تمنح له في هذه الحالة، وكذلك حالة قيام المدين بخطأ جسيم بغية فصله من العمل.
2 – الآثار المترتبة على منح الإمهال القضائي.
فبمجرد توفر الشروط التي أشرنا لها أعلاه، أمكن بعد ذلك التقدم بطلب منح مهلة الميسرة، ويكون طلبه مبني على أساس قانوني يؤخذ بعين الاعتبار من طرف الجهة المخول لها قانونا منح هذه المهلة، مما يترتب عنه مجموعة من الآثار سنعالج من بينها، كل من وقف أجال التنفيذ وإمكانية القيام بحجز تحفظي تجاه المدين.
أ – وقف اجراءات التنفيذ.
قبل صدور القانون 31.08 كان المشرع المغربي ينص على أن هذا الأثر بشكل صريح من خلال الفقرة الثانية من الفصل 243 من ظ.ل.ع، الشيء الذي يؤدي الى ايقاف اجراءات المطالبة بالآداء، مع إبقاء الأشياء على حالها، بمفهوم آخر أن سريان الدعوى يتوقف طيلة تلك المنحة القضائية، ونفس الأمر ينطبق على اجراءات التنفيذ.
وبمجرد صدور القانون 31.08 لم يبقى لهذا الأثر الغموض الذي كان يحيط به في إطار الفصل 243 من ظ.ل.ع، حيث جاء المشرع المغربي بهذا الأثر صراحة في المادة 149 من القانون 31.08 عندما قال : “…يمكن ولاسيما في حالة الفصل عن العمل أو حالة اجتماعية غير متوقعة أن يوقف تنفيذ التزامات المدين بأمر من رئيس المحكمة المختصة…”
وبالتالي فإنه يترتب على منح المدين المهلة القضائية وقف تنفيذ التزاماته الى حين انصرام تلك المدة، إذ لا يجوز للدائن مطالبته بالأداء خلال سريانها.
وجذير بالتنبيه الى أن المشرع المغربي حدد المدة في سنتين بالنسبة للقروض الاستهلاكية (الفقرة الثانية من المادة 149)، أمر الذي كان يشكل خلافا طويلا قبل دخول القانون 31.08 حيز التنفيذ.
ب – إمكانية القيام بحجز تحفظي تجاه المدين.
فبعد أن يحصل المدين على مكنة الامهال القضائي، لا يحول ذلك الأمر دون سلوك الدائن لمسطرة الحجز التحفظي تجاه المدين، وهذا الأثر يستقى من القواعد العامة الواردة في ظهير الالتزامات والعقود، حيث جاء في الفصل 138 أنه “يجوز للدائن بدين مقترن بأجل أن يتخذ، ولو قل حلول الأجل، كل الاجراءات التحفظية لحفظ حقوقه، ويجوز له أيضا أن يطلب كفيلا أو أي ضمانة أخرى أو أن يلجأ الى الحجز التحفظي، إذا كانت له مبررات معتبرة تجعله يخشى اعسار المدين أو فراره”.
فبعد استنطاقنا لهذا المقتضى القانوني، يتضح لنا أن المشرع المغربي جعل بمقابل الامهال القضائي المخول للمدين، امكانية ممارسة الحجز التحفظي لصالح الدائن، كلما خشي تأثير تقلب الأوضاع على ما له من دين في ذمة المدين، ولعل هذا هو السبيل الوحيد المعطى للدائن لمواجهة المدين سيء النية، الذي يلجأ الى المطالبة بمهلة الميسرة نتيجة خطئه الشخصي، وبالتالي وجب على الدائن أن يسلك مسطرة الحجز التحفظي بناء على المقتضى المشار له اعلاه، من أجل ضمان حقوقه تجاه المدين.
الغصن الثاني : الممارسة العملية للإمهال القضائي.
وبعد أن تناولنا في الغصن الأول بعض الخصوصيات النظرية لمؤسسة الإمهال القضائي، وما لها من تمييز عن ما هو وارد في ظهر الالتزامات والعقود، ترى أنه من الأفيد أن نعمد للتطرق الى الاشكالات العملية التي تشوب هاته المؤسسة من حيث الاختصاص (أولا)، وبغية ختم النقاش بتأثير جائحة كورونا على تفعيل مهلة الميسرة القضائية (ثانيا).
أولا : الاشكالات العملية المتعلقة بالجهة القضائية المختصة.
سوف نعتمد في تحليل هاته الفقرة على كل من الفصل 243 من ظ.ل.ع والمادة 149 من القانون 31.08.
1 – الجهة المختصة وفق الفصل 243 من ظ.ل.ع.
لقد رافق التعديل الذي لحق الفصل 243 من ظ.ل.ع سنة 1917 نقاش مستفيض وعميق، حيث أن نص الفصل جاء مبهما من حيث الاختصاص القضائي، وتوحد الرأي على أن المحكمة المدنية هي المختصة نوعيا للبت في الطلب الذي يخص الامهال القضائي، ولكن الخلاق شب حول الجهة المختصة القضائية المختصة داخل المحكمة المدنية.
حيث ظهر توجهين، الأول يندد بكون الاختصاص يعود لقضاء الموضوع، وذلك لعدة اعتبارات، من بينها أن الامهال القضائي تم التنصيص عليه في ظهير الالتزامات والعقود، الذي يعتبر قانونيا موضوعيا – الى حد ما – ولو أراد المشرع أن يسلب منهم الاختصاص لنص على ذلك صراحة، واستدلوا كذلك بأن الأصل في الاختصاص يعود لقضاء الموضوع، إلا ما استثني بنص خاص، وأكدوا على أن الاهمال القضائي هو بمثابة حق يستوجب منحه تفحص الوثائق وتقديرها، وليس من صلاحية قاضي المستعجلات التدقيق في الوثائق وتحديد مدى صحتها، لأن ذلك سوف يمس بجوهر النزاع، وبالتالي سوف ينعدم الشرط الجوري في اختصاص قاصي الامور المستعجلة، والذي هو عدم المساس بجوهر النزاع. في حين يندد الثاني بأنه لا مانع يمنع قاضي المستعجلات من البت في طلبات منح الامهال القضائي، مادام ليس هنالك نص يمنعه من ذلك.
في حين أن الممارسة العملية هي الأخرى أفرزت تضاربا على مستوى قبول طلبات الامهال القضائي، حيث أن أغلب الطلبات يبت فيها قضاء الموضوع، ولكن هذا الأمر لم يكن كافيا لمنع رؤساء المحاكم من اصدار أوامر إستعجالية بمنح مهلة الميسرة، وفي ذلك قضى الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 23/10/1978[9]، بأن الطلب يتعلق بالآداء وهو التزام يدخل في نطاقه الالتزامات المنصوص عليها في الفصل 243 من ظ.ل.ع، نأمر برد الطلب فيما يخص ايقاف التنفيذ وبمنح العارضة أجلا استعطافيا مدته ثلاثة أشهر وذلك في حدود ثلثي المبلغ المحكوم به، وبإبقاء الثلث مشمولا بالنفاذ المعجل.
ولقد ارتكز اساس مجموعة من فقهاء المؤيدين لإختصاص القاضي الاستعجالي، بما جاء به المشرع الفرنسي، الذي أعطى صلاحية البت في الطلبات الرامية الى منح الامهال القضائي لرئيس المحكمة بصفته قاضي الامور المستعجلة طبقا لقانون 25 مارس 1936.
2 – الجهة المختصة وفق المادة 149 من القانون 31.08.
لعل النقاش الذي أثير في إطار مقتضيات الفصل 243 من ظ.ل.ع أصبح عقيما، وغير ذي أثر بعد صدور القانون 31.08 المتعلق بتحدبد تدابير لحماية المستهلك، حيث ينص بصريح العبارة في الفقرة الاولى من المادة 149 منه “…أن يوقف تنفيذ التزامات المدين بأمر من رئيس المحكمة الختصة…”، فمن خلال ما تفضلت به فقرة المادة، يمكن أن نقول أن النقاش انتهى مع صدور هذا القانون، وإن كان بعض الفقهاء اختلفوا في الصفة التي يبت بها رئيس المحكمة في طلب الامهال القضائي، هل سبت بصفته تلك، أو بصفته قاضيا للأمور المستعجلة، وفي ذلك حسمت محكمة النقض النقاش قائلة في أحد قراراتها[10] : ” إن كان من حق المستأنفة الإستفادة من المهلة القضائية المنصوص عليها في المادة 149 من القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك الذي أضفى المشرع على مقتضياته صبغة النظام العام، التي تمنح للمقترض حق الاستفادة من المهلة القضائية، ووفق تنفيذ التزاماته الناجمة عن عقد القرض لمدة مناسبة مع عدم ترتيب أي فائدة أثناء سريان المهلة القضائية في جالة حرمانه من أجرة بسبب فصله عن العمل، فإن ايقاف تنفيذ التزامات المدين يتم بناء على أمر يصدره رئيس المحكمة المختصة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة، وبذلك يكون الأمر المطعون فيه قد طبق مقتضيات المادة 149 المذكورة تطبيقا سليما”.
ولقد ذهبت المحكمة التجارية بوجدة في نفس السياق، وذلك في شخص رئيسها الذي قضى في أمر[11] له بأن : “أي مقترض تعرض للفصل من عمله، وتعذر عليه الوفاء بأقساط القرض الشهرية، يحق له اللجوء الى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات من أجل الايقاف المؤقت لأقساط القرض طبقا لمقتضيات المادة 149 من القانون 31.08…”
ثانيا : تأثير جائحة كورونا على تفعيل الإمهال القضائي.
تعتبر جائحة كورونا من بين أهم المدخلات الفعلية في تأسيس مهلة الميسرة بوجه عام، حيث أن ما أصاب العالم بأسره من أزمات بسبب هذا الفيروس الذي لا يفرق بين الغني والفقير ولا بين الصغير والكبير، حيث شكل هذا الوباء حدثا استثنائيا لم تفلت منه حتى الدول الكبرى في العالم، بل يمكنني أن اجزم قولا أن الدول الكبرى هي أكبر المتضررين من هذا الوباء.
وبالتالي ما يهمنا في هذا الأمر هو ما نصيب المغرب من هذا الانتشار المخيف، حيث وبمجرد اكتشاف الحالة الاولى بأحد مطارات المملكة المغربية، بادرت السلطات المغربية الى سن قوانين احترازية، بما فيها قانون حالة الطوارئ الصحية، وكذلك فرض توقيت صارم على بعض المؤسسات الجوهرية، مع الأمر بإغلاق باقي المقاولات والمشاريع الخاصة، الأمر الذي أدى الى ظهور مجموعة من الحالات المعوزة، والتي تضررت بشكل مباشر من اخلاق المحلات التي كانوا يشتغلون بها، الشيء الذي حدى بهم الى وقف تنفيذ بعض الالتزامات الملقاة على عاتقهم بمقتضى عقد، ونضرب لكم مثالا بعقد القرض الإستهلاكي.
وإذا قمنا بإسقاط الشروط التي أشرنا لها مسبقا سوف نجدها تتلاءم مع جائحة كورونا، حيث أن هذه الجائحة تعتبر من بين الحالات التي تؤدي الى الانقطاع عن العمل، الشيء الذي يسري ليصبح حالة اجتماعية غير متوقعة، ولا يد للمدين في حصول هذا العذر القانوني.
فبجرد أن يصبح المقترض في حالة اجتماعية غير متوقعة، جاز له أن يتقدم بطلب من أجل الإستفادة من مهلة بغية ايجاد حل أمثل لسداد ما عليه من دين، ولقد جاء في أحد أوامر[12] رئيس المحكمة الابتدائية بالقنيطرة ما يلي : “حيث يهدف الطلب الى الأمر بتأجيل الأقساط الشهرية المترتبة على عقد القرض المبرم بين المدعي والمدعى عليها – الشركة – تطبيقا للمادة 149 من ظهير 18/02/2011، وحيث أسس المدعي طلبه على كونه ظل يؤدي أقساط القرض الممنوح له من قبل المدعى عليها، وأنه يمارس مهنة حرة، وأن دخله تأثر بالظروف الصحية التي تمر منها البلاد من جراء وباء كورونا، وأنه مهدد بالتوقف عن الأداء، وأن الظروف الصحية المشار إليها لازالت مستمرة وغير معروف مداها، وأنها تعتبر قوة قاهرة وظرف اجتماعي عير متوقع، وحيث يستشف من ظاهر الوثائق والمستندات المدلى بها، أن المدعي تأثر دخله بشكل كبير من جراء الظروف الصحية التي تعرفها البلاد، والمتمثلة في جائحة كورونا، وأنه بسبب ذلك سيتعذر عليه الوفاء بالتزامه تجاه الشركة المقرضة، وبالتالي نأمر طبقا لمقتضيات المادة 149 من القانون 31.08 التي تمنحنا هذه الصلاحية، بإيقاف تنفيذ التزامات المدين – المدعي – موضوع عقد القرض المبرم مع المدعى عليها – الشركة – وذلك لمدة ستة أشهر ابتداء من تاريخ التوقف عن أداء الأقساط الشهرية مع عدم ترتيب الفوائد القانونية خلال هذه المدة، ويستأنف تنفيذ الالتزامات بعد انصرام المدة المذكورة بنفس الكيفيات والشروط المنصوص عليها بعقد القرض، مع شمول الأمر بالنفاذ المعجل…”
ومن خلال ما تفضل به أمر رئيس المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، نقول أن جائحة كورونا تعتبر من بين أبرز مظاهر الاستفادة من الامهال القضائي، مادام جميع الشروط المتطلبة قانونا متوفرة في هاته الحالة، شريطة التحقق من وجود صعوبة مادية للطالب، وكذلك وجود علاقة سببية بين الجائحة الحالة الاجتماعية المعاشة، وأن لا يكون للمدين دخل فب ما حصل له من عوز.
- ختم العمل :
وزبدة القول، ان الامهال القضائي من بين أهم المؤسسات القانونية التي جاء بها المشرع المغربي، وتبناها عن طريق تبعية التشريع الفرنسي، حيث أن لها من الفوائد ما تشد به يد المدين في حالة وقوعه في حالة اجتماعية يصعب معها أداء ما بذمته من التزامات، ولعل مسايرة هذا الموضوع جعلتنا نقف عند مجموعة من النقاط المهمة، سواء ما تعلق منها بالشروط والآثار المنصهرة عن منح هاته المنحة القضائية، أو ما تعلق بالاشكالات العملية التي تحيط بهاته المؤسسة القانونية، ونتمنى أن نعمق النقاش أكثر في ما هو قادم ان شاء الله.
[1] – الفصل 231 من ظ.ل.ع، وتقابله المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي.
[2] – لقد نص المشرع المغربي على هذه القاعدة صراحة في الفصل 230 من ظ.ل.ع، وتقابله المادة 1214 من القانون المدني الفرنسي.
[3] – معجم المصور – الطبعة السابعة – أوغسطس 2011 – مطبعة دار المجاني – ص 152.
[4] – أنظر الصحاح – لسان العرب – مجمع البحرين – “مهل”.
[5] – عبد القادر العرعاري – مصادر الالتزام – الكتاب الاول – نظرية العقد “دراسة مقارنة” – ص 206.
[6] – القانون المنشور في الجريدة الرسمية عدد 59932 المؤرخ في 07 أبريل 2011.
[7] – ظهير شريف بمثابة قانون رقم 01.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 الموافق 28 شتنبر 1974.
[8] – المعدل بظهير 18 مارس 1917.
[9] – منشور بمجلة المحاكم المغربية – عدد 18 – ص 61.
[10] – القرار عدد 366/01 – الصادر بتاريخ 2014/06/19 – ملف رقم 520/03/01/2014.
[11] – أمر رئيس المحكمة التجارية بوجدة – عدد 207 – الملف عدد 135/8101/2019 – بتاريخ 2019/08/15.
[12] – أمر عدد 123 – ملف استعجالي عدد 488/1101/2020 – الصادر بتاريخ 08/09/2020.