في الواجهةمقالات قانونية

الاعتقال الاحتياطي و سؤال قرينة البراءة

 

الاعتقال الاحتياطي و سؤال قرينة البراءة

من اعداد : وفاء عاشيق

طالبة باحثة في القانون الخاص

 

مقدمة

 

كما هو معلوم أن المشرع استهل قانون المسطرة الجنائية بإقراره لمبدأ أساسي هو قرينة البراءة لفائدة المتهم[1] . و جاءت عبارة المشرع  قوية و صارمة كون إرادته القوية على أن اقراره لهذا المبدأ ليس فقط من أجل تزيين قانون المسطرة الجنائية ، و إنما لوضع الإطار العام لتطبيق القواعد الإجرائية للمحاكمة العادلة.

ويعد الأصل في الإنسان البراءة وهي دعامة أساسية لضمان الحرية الشخصية للمتهم. وبمقتضاها يظل المتهم بريئا ويبقى هذا الأصل قائما إلى ان يصدر حكم نهائي بإدانته. ويقتضي ذلك تحديد وضعه القانوني ، أي تحديد براءته من ادانته . ولا يجب حرمانه من حريته خلال سريان البحث والتحقيق والمحاكمة الجنائية. وعليه يكون مستفيدا من مبدأ – قرينة البراءة – كل من المشتبه فيه ، المتهم ، المتابع او المدان ابتدائيا طوال مراحل القضية ، و ذلك منذ توافر شكوك تفيد ارتكاب الجريمة الى حين صدور حكم يقضي بإدانته او براءته، فيكون الحكم انداك حائزا لقوة الشيء المقضي به. إلا أن الاعتقال الاحتياطي يحول دون ذلك ، بسلب حرية المتهم ، اثناء اجراءات التحقيق . ما ينتج عنه اضطراب مع قرينة البراءة . و صحيح أن الاعتقال الاحتياطي يضمن حسن سير العدالة و الحفاظ على النظام العام، خصوصا إذا كانت الجريمة المرتكبة جريمة خطيرة  أو أحدثت رعبا لدى العامة .ما يبدو لنا من الوهلة الاولى عادلا وفيه صلاحية العامة و لكن  نكون بذلك اغفلنا  حالة ما إذا كان المعتقل ليس هو الفاعل ، وفرضا  أطلق سراحه  بعد مدة 12 شهرا  ألا يكون  هذا الاعتقال قد أضر بحرية الشخص؟

و بحكم أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته ، فيجب معاملته على هذا الأساس وليس العكس.

و من هذه الاشكالية يمكن صياغة عدة تساؤلات منها

ما مفهوم الاعتقال الاحتياطي ؟

ألا يعد تعسف في حق المعتقلين ؟

هل هناك غلو في استعمال سلطة الاعتقال من طرف الأجهزة المنوط بها اعمال هذه الألية ؟

مدى تأثير الاعتقال الاحتياطي على قرينة البراءة ؟

هل يعد الحل الأمثل كإجراء استثنائي للمتهمين ؟

هل هناك بدائل لهذا الإجراء؟

هل يمكن أن يكون هناك تأثير سلبي على نفسية الاشخاص الأبرياء؟

هل له علاقة بظاهرة الاكتظاظ في السجون؟

هل يراعي مخاوف المس بالحرية ؟

هل تحول الاعتقال من استثناء الى  قاعدة ؟

هل هذا الاجراء يتماشى مع حقوق الانسان و ما كرسته المواثيق و الاتفاقات الدولية ؟

 

و كل هذه التساؤلات سنحاول مناقشتها بالاعتماد على واقعنا الحال وعلى الشرعية الجنائية  بالأساس و ذلك عبر التصميم الآتي :

 

المطلب الاول : تضارب الاعتقال الاحتياطي مع قرينة البراءة

 المطلب الثاني : بدائل الاعتقال الاحتياطي

 

 

المطلب الاول : تضارب الاعتقال الاحتياطي مع قرينة البراءة

يعد موضوع الاعتقال الاحتياطي هاجسا  لدى اغلبية الباحثين و الممارسين، باعتباره إجراء خطير  بمقتضاه يتم سلب حرية الشخص المتهم على دمة التحقيق ، و يمس مبدأ اساسي منصوص عليه في القانون الجنائي أي قرينة البراءة، فبرغم أنه تدبير استثنائي الا انه يحرم الاشخاص من حريتهم كما سنرى في الفقرة الاولى على أن نعرج في فقرة الثانية مدى تأثير هذا الاجراء على قرينة البراءة .

الفقرة الأولى: تعريف الاعتقال الاحتياطي

يؤطر القانون المغربي موضوع الاعتقال الاحتياطي من خلال المواد من: 175 إلى المادة 188 من قانون المسطرة الجنائية .

وهو اجراء من الاجراءات الاحتياطية التي تتخذها سلطة التحقيق ضد متهم، بمقتضاها يتم سلب حريته لفترة معينة يحددها القانون عن طريق ايداعه في إحدى المؤسسات السجنية أثناء نظر الدعوى الجنائية أو جزء منها ، أو حثى صدور الحكم النهائي في التهمة المستندة اليه [2].

و بالتالي فالاعتقال الاحتياطي نزاع بين مصلحتين : مصلحة المتهم في ألا تسلب حريته الا اذا صدر حكم باث بإدانته ، ومصلحة المجتمع في سلب حرية المتهم قبل إدانته من أجل مصلحة التحقيق، وقد غلب المشرع مصلحة المجتمع بإجازته للاعتقال الاحتياطي بصفة احتياطية بمجرد أن يبدأ التحقيق أو أتناء سيره و إن كان لم يغفل مصلحة المتهم إلا في النطاق المحدود الذي تقتضيه مصلحة التحقيق [3]

الاعتقال الاحتياطي له طابع تقديري من قاضي التحقيق أن مصلحة التحقيق تفتضيه ، من جانب و بأنه اجراء استثنائي يرد على المتهم بريء من جانب أخر لذلك يجدر بقاضي التحقيق ألا يأمر به إلا اذا لم يكن له نطاقه في أضيق الحدود و إحاطته بضمانات فعالة لحماية الحالة الشخصية [4]

 الفقرة الثانية: تضارب الاعتقال الاحتياطي مع قرينة البراءة

يعتبر الاعتقال الاحتياطي من أخطر اجراءات التحقيق و أكثرها مساسا بحرية المتهم و التي يبرز فيها بوضوح التناقض بين مقتضيات احترام الفرد و سلطة الدولة في العقاب. إذ بمقتضاها تسلب الحرية فترة من الزمن على الرغم من انه لم يحكم بإدانته بعد و بما يتعارض مع حقوق الانسان ، فالأصل في الانسان البراءة و مقتضى هذه القاعدة ألا يجازى الفرد عن فعل أسند  اليه ما لم يصدر ضده حكم بالعقوبة من جهة ذات ولاية قانونية بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها للمتهم كافة ضمانات للدفاع عن نفسه [5].

و مع ذلك جاز المشرع بالمساس بالحرية الفردية للمتهم مع بدأ التحقيق أو أثناء سيره و قبل إدانته بحكم حائز للقوة الشيء المقضي به . أي يتم تقييده بالاعتقال الاحتياطي أو الحبس الاحتياطي، و تنحصر المبررات التي أجاز من أجلها حبس المتهم احتياطيا في الأنظمة القانونية في كونه اجراء من إجراء تحقيق ، و ضمان لتنفيذ الحكم . دون مراعات للحرية الفردية برغم انها اسمى الحقوق التي يتوفر عليها كل فرد داخل المجتمع .

لذلك فالمتهم يجب معاملته على أنه بريء في كافة مراحل الدعوى عملا بالقاعدة العامة ،  المتهم بريء حثى تثبت ادانته ، دون اعتقاله و سلب حريته، تفاديا لضرر الذي قد يتسبب به القضاء في حق الاشخاص الذين قضى الحكم ببراءتهم بعد ان تم اعتقالهم من قبل ، فكتير ما يوضع أشخاص رهن التوقيف لمدة طويلة تم يحكم بعد ذلك ببراءتهم بعد الانتهاء من محاكمتهم.

وبالتالي، وجب اعادة النظر في هذا الاجراء ، والاهتمام بوضعية المتهمين ، حيث لم يصدر بشأنهم مقرر نهائي بالإدانة  .

       المطلب الثاني: بدائل الاعتقال الاحتياطي   

يعتبر البحت عن بدائل الاعتقال الاحتياطي من أهم التحديات التي تواجه التشريعات والسياسة الجنائية . فالاعتقال الاحتياطي يؤدي الى تجاوزات نطاق حقوق الافراد و يمس بحرياتهم و كرامتهم ،  خاصة و أن هذا الاجراء يتم الاتخاذ به قبل الادانة،    أي قبل اصدار حكم بات في حق المتهمين، مما يشكل تضارب مع قرينة البراءة، لذلك أوجب استبدال هذا الاعتقال بمجموع من التدابير المتمثلة في الكفالة المالية المخولة لنيابة العامة و الوضع تحت المراقبة القضائية و لا شك أن هذه التدابير ستخفف من الاكتظاظ و الاختلاط الموجود بالسجون.

الفقرة الاولى: الكفالة المالية

  لم يحدد المشرع المغربي تعريفا قانونيا للكفالة المالية، التي تدخل ضمن الإجراءات القانونية التي تسمح بمتابعة الشخص في حالة سراح سواء من قبل النيابة العامة أو قضاء التحقيق أو قضاة الحكم.

الكفالة هي المبلغ الذى تقرره النيابة أو المحكمة، نظير إطلاق سراح المتهم، لحين محاكمته في القضية المنظورة، بمعنى كونه مبلغًا يفتدى به المتهم نفسه حتى لا يسجن أثناء سير التحقيقات، الفرق بينها وبين الغرامة أن الأخيرة حكم أو عقوبة على جريمة ما، بينما الكفالة هي إجراء قانوني يتخذ في أثناء نظر التحقيقات [6].

وأضاف أن النيابة تقوم بدراسة الحالة المالية للمتهم وبناءً عليه تقرر مقدار الكفالة. وأضاف هيكل أن تقدير قيمة الكفالة أمر متروك كلية للجهة التي تأمر بالإفراج حسبما تراه، ولم ينص القانون على شروط معينة لتقدير قيمة الكفالة المالية، لكن من واقع القضايا فإن تحديد المبلغ يراعى فيه حالة المتهم الاجتماعية وقدرته المالية ومدى اقتناع المحقق بثبوت التهمة أو عدم ثبوتها على المتهم[7] .

ومنه فهذا البديل يعمل على صيانة مبدأ قرينة البراءة ، تتم معاملة المتهم على اساس انه بريء وتمتعه في نفس الوقت بالحرية التامة ، لذلك يستحسن اللجوء اليه بدلا من اللجوء للاعتقال الاحتياطي الذي بدوره يسلب حرية المتهم .

الفقرة الثانية : المراقبة القضائية

تنـصـت المـادة 160 من قانون المسطرة الجنائية عـلـى مـا يـلـي: يـمكـن أن يـوضـع الـمـتهم تـحـت المـراقـبة الـقـضائيـة فـي أيـة مـرحـلـة مـن مـراحـل الـتحـقـيـق لـمـدة شـهـريـن قـابلـة للـتجـديـد خـمـس مـرات، خـاصـة لأجـل ضـمان حـضوره، مـا لم تـكـن ضـرورة الـتحقـيـق أو الـحفـاظ عـلـى أمـن الأشخاص أو عـلـى الـنظـام الـعام تـتـطـلـب اعـتقالـه احـتياطـيـا.

ويعتبر الوضع تحت المراقبة القضائية من أهم اجراءات التحقيق المتعلقة بشخص المتهم التي استحدثت بالقانون المغربي لأول مرة بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد. و هو بديل للاعتقال الاحتياطي ، و على الرغم من كونه يمس بعض الحقوق و الحريات الأساسية للمتهم ، الا أنه يختلف عن الاعتقال الاحتياطي في كونه يبقى مجرد تدبير، و إن كان ،من شأنه الحد من حرية المتهم أو من بعض حقوقه ، فإنه يتيح له أن يبقى حرا. في حين يؤدي الاعتقال الاحتياطي إلى حرمان المتهم من حريته و الزج به في السجن [8].

يأمر قاضي التحقيق بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية. لضمان حضوره لإجراءات التحقيق، دون اللجوء لاعتقاله و سلب حريته تماشيا مع تمتعه بالحرية الكاملة الى أن يتم صدور حكم بالإدانة أو البراءة .

إن اعتبار المراقبة القضائية بديلًا للاعتقال الاحتياطي يؤكد العمل على صيانة مبدأ قرينة البراءة، والتي تعد ضمانة أساسية للمحاكمة العادلة . ويساعد هذا التدبير على الحد  من الاكتظاظ  داخل السجون ، و ما يتطلبه  الامر من اواء ، طعام ، تمريض و تجنيد لأطر النيابة العامة ، و ضرورة التنسيق بينهم كلما استلزمت المحاكمة ضرورة نقلهم و إحضارهم.

 

خاتمة

على ضوء ما سبق يبقى الاعتقال الاحتياطي من أهم و أخطر اجراءات التحقيق و بطبيعة الحال أكترها مساسا بحرية المتهم، بحيث تسلب منه هذه الحرية فترة من الزمن بالرغم من عدم  صدور حكم بإدانته بعد.

و هو ما يتعارض مع حقوق الانسان.  فالأصل هو البراءة الذي أكدت عليه جل المواثيق الدولية و الدساتير و التشريعات الوطنية ، فالاعتقال الاحتياطي و العقوبة السالبة للحرية ينبغي أن يكون الملاذ الأخير و لو من باب معالجة اكتظاظ داخل السجون .

اذا كنا نعتبر قضاة التحقيق و قضاة النيابة العامة هم أطباء المجتمع  فعليهم أن يصفو الدواء الناجع لشفاء مرضاهم من سقامهم، لذلك عليهم اعادة النظر في هذا الاجراء  الذي يقضي بسلب حرية المتهمين و يمس بأهم مبدأ في قانون المسطرة الجنائية أي قرينة البراءة ، و أن الاعتقال الاحتياطي يساءل إشكالية تنفيذ القوانين وتنزيلها وضعف الثقافة الحقوقية ونقص في الحكامة المعرفية والتعامل الغير إيجابي مع مبدأ قرينة البراءة .

 

 

 

 

انتهى

 

[1] -المادة الاولى من قانون المسطرة الجنائية

[2] – الاعتقال الاحتياطي كممارسة قانونية و تأثيرها على المتهم مقال منشور على الموقع الالكتروني: www .marocdroit .com تم الدخول اليه يوم 2020 /09/21 على الساعة 13:57

[3] – محمد عبد اللطيف فرح ، الحبس الاحتياطي في ضوء المواثيق الدولية  و التشريعات الوطنية دراسة تحليلية مقارنة طبقة 2010 ص 12

[4]– أحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون الاجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، الطبعة 7 سنة 1996 ص  362

[5] – راجع في هذا الصدد قدري عبد الفتاح الشهاوي : معايير الحبس الاحتياطي و التدابير البديلة ، دار النهضة العربية  سنة 2006 ص 10

[6]– مقال منشور على الموقع الالكتروني : WWW .elmawke3 .com  تم الدخول اليه يوم 21/09/2020 على الساعة 23:01

 

[7] – نفسه .

[8] – وزير العدل الأستاذ محمد بوزبع ، شرح قانون المسطرة الجنائية ، مطبعة فضالة ،المحمدية ، 2005 ص271

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى