في الواجهةمقالات قانونية

إثارة صعوبات تنفيذ الأحكام المدنية بين هشاشة التنظيم وضعف الأثار

محمد الرحوتي

باحث بماستر قانون الأعمال بتطوان حاصل على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة

مقدمة

        يعتبر القضاء ذلك الملجئ و المأوى الذي يستنجد به الناس في حالة ما تم المساس بحقوقهم و انتهاكها، وذلك بالنظر لكون المحاكم لم تعد ذلك العالم المجهول الموخف كما كان سابقا، حيث أرست جل التشريعات مبدأ الحق في التقاضي و عملت على صونه و الحرص على إحترامه أشد الحرص بإعتباره أهم الضمانات الممنوحة للمتقاضين.

والغاية من اللجوئ إلى القضاء ليست عرض الخصومة أمامه  بعناصرها الواقعية و القانونية و استصدار حكم فاصل في النزاع فقط، إنما الأمر يتعدى ذلك إلى ضرورة تمكينه من تنفيذه و إنزال مقتضياته من على الورق إلى أرض الواقع بطريقة سليمة دون إرهاق أو تعب، وفي ذلك قال سيدنا عمر رضي الله عنه في رسالته إلى أبي موسى الأشعري بمناسبة توليه القضاء ” لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له”، كما أن الله سبحانه و تعالى يقول في كتابه العزيز ” يا أيها الذين أمنوا لما تقولون ما لا تفعلون “.

وبذلك يظهر جليا أن لا فائدة ولا جدوى من صدور حكم دون تنفيذه، فالتنفيذ يعتبر أهم مرحلة من مراحل التقاضي وأعقده، وهو إخراج الشيء من مجال الفكر والتصور إلى مجال العمل و التطبيق[1]،   فعدم تمكين المتقاضين من حقوقهم التي أرستها لهم الأحكام و القرارات بتنفيذها على الوجه السليم من شأنه أن يقلل من قيمة كل الفاعلين داخل المؤسسة القضائية وخاصة القضاة الذين اجتهدوا من أجل الوصول إلى الحقيقة.

و تعد الصعوبة في التنفيذ من أشد المعضلات المعرقلة للتنفيذ و أكثرها تعقيدا بحيث لا يستطيع أحد أن يتكهن كيف و متى ستنتهي.

   وقد تعرض المشرع المغربي لصعوبات تنفيذ الأحكام المدنية في الفصول 26 و 149 و 436 و 468 و 482 و 491 من قانون المسطرة المدنية، و يقصد بها كل المسائل التي تعترض تنفيذ الحكم القضائي سواء كانت ذات طابع واقعي أو كانت ذات صبغة قانونية محضة [2] ، هذه الصعوبات التي تتخذ أشكالا عديدة و تتنوع بتنوع المحل  المراد التنفيذ عليه.

و بالتالي يظهر  بشكل جلي مدى الأهمية التي يكتسيها التعامل مع موضوع صعوبات التنفيذ سواء على المستوى النظري أو العملي و ذلك بإعتبار أن التنفيذ هو الغاية المراد الوصول إليها والهاجس المحدق  بكل المتقاضين، فكل صعوبة في التنفيذ تمثل خطرا   يهدد إستخلاص الحقوق المستحقة بمقتضى السندات التنفيذية، هذا بالإضافة إلى ضعف التنظيم الذي أولاه المشرع لهذه المؤسسة و مدى تأثير ذلك على الجهاز القضائي أثناء تعامله معها .

و ركونا إلى ما سبق فإن الفلسفة التي يرمي المشرع إليها من خلال إحكام تنظيم مؤسسة صعوبات تنفيذ الأحكام تنبلج في توفير مزيد من الجرعات الحمائية لطرفي التنفيذ و كذا الغير من أجل يسر إستيفاء الحقوق و المكتسبات التي أرستها لهم السندات التنفيذية، و بالتالي نتساءل:

إلى أي حد إستطاع المشرع المغربي من خلال تجنيد أسطوله الإجرائي و كذا الموضوعي من إحتواء الصعوبات التي تنبثق عن عملية تنفيذ الأحكام المدنية؟

 

ولمحاولة مقاربة موضوع صعوبات تنفيذ الأحكام المدنية و السعي للإجابة على الإشكالية الرئيسية فإننا سنحاول التصدي له وفق التقسيم التالي:

المبحث الأول: الإطار العام لصعوبات التنفيذ

المبحث الثاني: الأثار الناجمة عن إثارة صعوبات التنفيذ

           

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: الإطار العام لصعوبات التنفيذ

إن من أهم الإشكالات التي تطرح على القضاء بصفة مستمرة خلال مرحلة التنفيذ هي الصعوبات القانونية في تنفيذ الأحكام المدنية، حيث أضحت جل الملفات التنفيذية لا تخلو من إثارة صعوبة في التنفيذ  حتى أن بعضها قد يؤدي إلى إيقاف عملية التنفيذ حتى قبل التأكد من جديتها، الأمر الذي تترتب عنه نتائج خطيرة تجعل جدوى اللجوء إلى القضاء وفعالية أحكامه موضع علامات تعجب و استفهام كثيرة.

من هنا سنحاول أولا قبل الغوص في ثنايا هذا الموضوع الوقوف على ماهية هذه الصعوبات و الشروط الواجب توفرها لإثارة هذه الصعوبة (المطلب الأول)، من ثم نتعرف على الجهة القضائية المختصة و أطراف صعوبات التنفيذ (المطلب الثاني).

المطلب الأول: ماهية صعوبات التنفيذ و شروط إثارتها

إن تحديد كنه صعوبات تنفيذ الأحكام المدنية يقتضي منا باذئ ذي بدء الوقوف على مفهومها و كذا طبيعتها القانونية (الفقرة الأولى )، ثم محاولة الإحاطة بأنواع هذه الصعوبات وشروط إثارتها ( الفقرة الثانية ).

 

الفقرة الأولى: مفهوم صعوبات التنفيذ وطبيعتها القانونية

تصدى المشرع المغربي لصعوبات التنفيذ في مجموعة من الفصول المتفرقة دون أن يولي إهتماما لتعريفها، حيث اكتفى فقط بتنظيمها الأمر الذي جعل من تدخل الفقه أمرا ضروريا في الإنكباب على وضع صيغات تؤسس لمفهوم صعوبات التنفيذ (أولا) كما أن ذات الفقه إختلف في تحديد الطبيعة القانونية لهذه الصعوبات التي تعترض سبل تنفيذ الأحكام المدنية (ثانيا).

أولا: مفهوم صعوبات التنفيذ

         لما لم ينكبب المشرع المغربي على وضع تعريف لصعوبات التنفيذ – وهذا موقف محمود –  على غرار باقي التشريعات المقارنة  واكتفى فقط بتنظيمها في مجموعة من النصوص القانونية المتفرقة، فإن الأمر كان معقودا للفقه و القضاء في  ضرورة الإسهاب في وضع تعاريف لها.

وهكذا فقد تعددت مذاهب الشراح في تعريف صعوبات التنفيذ  فعرفها البعض[3] بكونها ” هي منازعات قانونية أو واقعية يتقدم بها المحكوم عليه لمنع التنفيذ أو الحيلولة دون تمامه أو الشخص المحكوم له المتضرر من عدم التنفيذ أو من عدم تمامه، أو الغير المتضرر من التنفيذ على أمواله”.

وعرفها البعض الأخر[4] بكونها ” الصعوبة القانونية أو الواقعية التي تعترض تنفيذ حكم من طرف المدين او الدائن بمناسبة البدئ في تنفيذ الأحكام و السندات المشمولة بالصيغة التنفيذية ، مستوفية لسائر الإجراءات التي يتطلبها القانون، قبل البدئ في التنفيذ وتكون غايتها إذا كانت وقتية إما وقف التنفيذ أو الاستمرار فيه، وإذا كانت موضوعية تعرض على محكمة الموضوع للفصل فيها”.

أما القضاء بدوره لم يغفل على مد العون للأسرة الفقهية في إطارمهامه التأويلية و التفسيرية حيث حاولت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكم عدد 466 تعريف صعوبات التنفيذ بالقول بأنها” .. كل العوارض القانونية و الواقعية الطارئة بعد الحكم و المعترضة على التنفيذ..”

وهكذا يظهر أن جل التعاريف التي أعطيت وإن إختلفت في المبنى فإنها لم تختلف في المعنى فهي تصب في اتجاه واحد أن صعوبات التنفيذ منازعات  تثار بين المحكوم له أو عليه او من الغير تتخذ إما شكل صعوبات قانونية أو واقعية و  ترمي في مجملها إلى إيقاف عملية التنفيذ أو على الأقل تأخيره.

وإذا كان جموع الفقه  لم يختلفوا اختلافا كبيرا في تحديد المقصود من صعوبات التنفيذ إلا أنهم وقعوا في خلط بشأن تحديد الطبيعة القانونية لهذه الصعوبات.

 

 

ثانيا: الطبيعة القانونية لصعوبات التنفيذ

 

تعد الطبيعة القانونية لصعوبات التنفيذ من المسائل التي وجد الفقه نفسه  أمام خلط و مزج بشأنها.

حيث ذهب البعض[5] إلى التأكيد على أنها “نتيجة ما حسمت به خصومة التنفيذ من قصور لا يسمح بالمواجهة الكافية بين الخصوم، فهي بذلك لا تعتبروسيلة لتدعيم مركز المنفذ عليه في مواجهة المنفذ له المستند على قوة السند التنفيذي”.

في حين أن رأيا آخر[6] إعتبر أن طبيعة المنازعة في التنفيذ إنما تنتج عن سند التنفيذ نفسه فهي تتعلق بسند التنفيذ عندما تكون بيناته غير واضحة، أو بأطراف سند التنفيذ عندما يكون غير شامل لأطراف النزاع، أو ماسا بحقوق الغير الذي لم يمثل في سند التنفيذ، ولهذه الأسباب كلها اجاز المشرع للأطراف و لمأمور التنفيذ إثارة صعوبة التنفيذ ، كما أجاز ذلك للغير في حالات  يؤدي فيها التنفيذ إلى الإضرار به، ووجب عليه في هذه الحالة رفع دعوى الاستحقاق أو الإلتجاء إلى الطعن بالتعرض الخارج عن الخصومة.

وعموما فصعوبات التنفيذ  ذو طبيعة يتسع مدلولها ليشمل بالإضافة إلى أطراف الدعوى و  أطراف التنفيذ أطرافا أخرى احيانا بالنظر لكون عمليات التنفيذ قد تؤدي إلى المساس بحقوقهم المكتسبة، كما يتسع ليشمل كل نقص أو إغفال للبيانات القانونية الازمة الوجود وكذا الوضوح في السند التنفيذي و ضرروة إحترامه للمسار الإجرائي القانوني.

 

 

 

 

 

الفقرة الثانية: أنواع صعوبات التنفيذ و شروط إثارتها

    بالفحص و التمحيص للفصول المنظمة لصعوبات التنفيذ يستشف بشكل جلي أن المشرع 

لم يجعل هذه الصعوبات على شكل واحد وإنما جعلها على أنواع ( أولا )، كما إستلزم توفر مجموعة من الشروط لإمكانية إثارتها ( ثانيا ).

 

أولا: أنواع صعوبات التنفيذ

لقد ميز المشرع في قانون المسطرة المدنية  بين نوعين من الصعوبات في التنفيذ، صعوبات وقتية و صعوبات موضوعية.

وأما الأولى فتعرف بكونها  تلك المنازعات المستعجلة المتعلقة بالتنفيذ والتي يرجع أمرها إلى القضاء المستعجل ليقضي فيها بإجراء وقتي وهو وقف التنفيذ أو الاستمرار فيه.[7]

فهي لا تتعلق بجوهر النزاع وإنما يروم مثيروها إيقاف عملية وإجراءات التنفيذ فقط، وقد نظمها المشرع المغربي في الفصلين 149 و436 من قانون المسطرة المدنية.

و تجدر الإشارة في هذا المقام أن من الفقه[8] من ميز بين نوعين من الصعوبات الوقتية،  الصعوبات المثار منها قبل البدء في التنفيذ  و الصعوبات المثار منها أثناء التنفيذ .

غير أن هذا الرأي كان محل نظر – و ذلك رغم الإنطباعات الأولية للنصين التي  تحيلنا على القول بوجود نوعين من الصعوبات الوقتية، من ذلك إختلاف شكل التبويب بإعتبار الصعوبة الأولى واردة بباب المستعجلات في إطار الفصل 149، و الثانية بباب القواعد العامة للتنفيذ الجبري للأحكام – الفصل 436 – . وكذا  ” إختلاف الأحكام المتعلقة بإحدى الصعوبتين عن الأخرى: فالفصل 149 من ق.م.م يشترط في الصعوبات المثارة في  إطاره توفر حالة الإستعجال لإمكانية البت فيها من طرف قاضي المستعجلات، بينما الفصل 436 من نفس القانون لا يشترط توفر هذا العنصر لإمكانية الإحالة إلى رئيس المحكمة.

كما  أن الفصل 149 من ق.م.م لا يحصر أطراف الصعوبة و لا يحدد الغاية من رفعها في حين أن الفصل 436 و ان اكتفى الإشارة إلى الأطراف دون حصر لهم فإنه حدد الغاية من هذه الصعوبة المثارة في وقف تنفيذ  الحكم أو تأجيله دون أي تدبير أخر و لو كان وقتيا، علاوة على أن الصعوبة المثارة في الفصل 149 تثار مباشرة أمام قاضي المستعجلات بالطرق المعتادة، أما الصعوبة الأخرى فهي تثار أمام عون التنفيذ أثناء التنفيذ و تحال بعد ذلك على الرئيس من لدن المحكوم عليه أو المنفذ له، أو عون التنفيذ لمراقبة جدية الادعاءات المتعلقة بها، و الأمر بعد ذلك اما بإيقاف التنفيذ مؤقتا، أو بصرف النظر عن تلك الإدعاءات”[9] – حيث ذهب بعض الفقه[10] إلى التأكيد على  أن هذه المفارقة لا تعد كونها مفارقة شكلية محضة، فرضتها الظروف التي تثار الصعوبة أثناءها و في جوها، و لا علاقة لها بطبيعة الصعوبة حسب تعريفها. و بالتالي  فإن الإختلاف بين هذين الصعوبتين قد ينظر له من زاوية زمن الإثارة فقط و ليس من حيث الطبيعة.

 و على العموم فالصعوبات الوقتية تتسم بجملة من السيمات إنطلاقا من كونها ذات طابع إستعجالي ولا تؤدي بالمساس بالموضوع، وصولا إلى الإنفراد بجهة قضائية خاصة تبث فيها.

 

وأما النوع الثاني المتمثل في الصعوبات الموضوعية فهي مجموع النزاعات التي يثيرها اللأطراف أو الغير قبل التنفيذ أو التي يثيرها الأطراف أو الغير أو عون التنفيذ أثناء التنفيذ و تتعلق بإجراءاته وبوقائع حدثت بعد صدور الحكم بحيث لو صح لأثرت في التنفيذ ونتج عنه إيقافه أو تأجيله.[11]

وقد نظمها المشرع المغربي بمقتضى الفصل 26 من قانون المسطرة المدنية، وكما هو ظاهر من خلال تسميتها فإنها تهدف إلى المساس بالموضوع على خلاف الصعوبات المستعجلة، حيث ينازع الطرف الذي يثير الصعوبة في أصل الحق ويرمي إلى الحصول على قرار موضوعي من شأنه إرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل صدور الحكم.

وعلى العموم فإن أوجه الإختلاف و التباين واضحة بين كلا الصعوبتين الموضوعية و الوقتية في كون الأولى ترمي إلى استصدار حكم بصحة التنفيذ أو بطلانه، في حين ترمي الثانية إلى إلى اتخاذ إجراء وقتي لا يؤدي إلى المساس بالموضوع.

 

ثانيا : شروط  إثارة صعوبات التنفيذ

لقد أحاط المشرع المغربي  لإمكانية إثارة صعوبة التنفيذ بمجموعة من الشروط التي ينبغي إستيفائها ، وذلك محاولة لخلق نوع من التوازن بين الضمانات الممنوحة لأطراف عملية التنفيذ وكذا الغير، و الحؤول دون إثارة هذه الصعوبات من قبل كل من هب و دب الذين في غالبيتهم لا يكون مرادهم من ذلك إلا الممطالة و التسويف.، وتختلف هذه الصعوبات باختلاف نوع الصعوبة المثارة.

وبغية الوقوف على هذه الشروط فإننا سنحاول التعرض لشروط إثارة صعوبات التنفيذ الوقتية في الفقرة الأولى، على أن نتناول شروط إثارة الصعوبة الموضوعية في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: شروط  إثارة صعوبات التنفيذ الوقتية

     يشترط لقبول الصعوبات الوقتية أو الاستعجالية مجموعة من الشروط – طبقا للفصلين 149 و 436 –  تتجلى في ضرورة توافر عنصر الاستعجال، وعدم مساسها بالجوهر، وأن تكون جدية، وكذا عدم سبقية تقديم الطلب لتأجيل التنفيذ أو وقفه.

ويقصد بعنصر الاستعجال كشرط أول بأنه هو الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه.[12] وقد نص عليه الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية ” يختص رئيس المحكمة الابتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا لمستعجلات كلما توافر عنصر الاستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ، أو الأمر بالحراسة القضائية، أو أي إجراء آخر تحفظي..”

ويعتبر عنصر الإستعجال من النظام العام يثيره القاضي من تلقاء نفسه وإن لم يطلبه الخصوم.

أما الشرط الثاني المتعلق بعدم المساس بالجوهر فيستشف من خلال الفصل 152 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص أنه: “لا تبت الأوامر الاستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر”.

وذلك باعتبار أن رئيس المحكمة المختص يتخذ إجراء مؤقتا أو تحفظيا لا يمس بموضوع النزاع يتمثل في وقف التنفيذ مؤقتا أو الاستمرار فيه إلى حين صدور الحكم بشأنه موضوعيا إنطلاقا من تحسسه لظاهر الوثائق و الحجج المستظهر بها.

وأما بخصوص الشرط المتعلق بأن تكون  الصعوبات المثارة جدية فقد أرسى معالمها الفصل 436 الذي أكد أنه ينبغي على رئيس المحكمة تقدير مدى جدية الصعوبة في التنفيذ التي أثارها الأشخاص المخولة لهم صلاحية إثارتها. بحيث قد يقضي وفق ما مدى جديتها فإن كانت جدية قام بإيقاف التنفيذ، وأما وإن رأى منها مجرد وسيلة للتماطل و التسويف فإنه يصرف النظر عنها ولا يستجيب لإدعاءات مثير الصعوبة.

في حين يتجلى الشرط الأخير- عدم سبقية طلب التأجيل أو الوقف – في ما تقضي به الفقرة الثانية من الفصل 436 من ق.م.م بعدم إمكانية تقديم طلب جديد لتأجيل التنفيذ أو وقفه كيفما كان السبب المستند إليه و ذلك بغية الحيلولة دون إتاحة الفرصة للمحكوم عليه أو من يقوم مقامه للوقوف مرة أخرى أمام وجه التنفيذ.

و تجدر الإشارة ان منع تقديم طلب جديد لإثارة الصعوبة ينحصر فقط في الحالة التي يكون قد سبق قبول طلب الصعوبة، أما في حالة الرفض فتظل إمكانية إثارة الصعوبة مقبولا.

و لما كان القصور يشوب الفصل 436 من ق.م.م فإن القضاء وضع شروطا أخرى لإمكانية قبولة إثارة الصعوبة من بينها: أن يتم رفع دعوى الصعوبة بعد البدئ في التنفيذ و قبل تمامه، و أن يكون السبب الذي ركن إليه مثير الصعوبة لاحقا على الحكم.

إذا كانت هذه هي الشروط الذي إستوجبها المشرع لقبول الصعوبات الوقتية المثارة، فما هي الشروط التي استلزمها كذلك بالنسبة للصعوبات الموضوعية؟

 

 

 

 

الفقرة الثانية: شروط إثارة الصعوبات الموضوعية

إن الصعوبات الموضوعية على خلاف الصعوبات الوقتية فإنها تهدف إلى المساس بجوهر الحق المتنازع عليه وهذا واضح من خلال تسميتها، وتتميز كذلك عن الصعوبات الوقتية في كونها تعرض على أنظار ذات المحكمة مصدرة الحكم في إطار الفصل 26 من قانون المسطرة المدنية.

وقد استلزم المشرع المغربي لإثارة هذه الصعوبة توفر شروط إقامة الدعوى بصفة عامة من أهلية و صفة و مصلحة، كما ركن إلى ضرورة إثارة هذه الصعوبة أمام محكمة الموضوع قبل مباشرة إجراءات التنفيذ. وذلك ما جاء في إحدى قرارت الإستئناف بالرباط بقولها: “.. إن دعوى الصعوبة التي تثار بعد التنفيذ لا تسمع، ذلك أن من شروط قبول دعوى الصعوبة ألا يكون التنفيذ قد تم..”.[13]

لأن الصعوبات الوقتية هي التي يتمسك بها قبل التنفيذ وأثناءه. أما بعد تمام التنفيذ فلا الصعوبات الوقتية ولا الموضوعية يمكن أن تكون موضوعا للإثارة أمام الجهة المختصة.[14]

وعموما تشترك الصعوباتان الموضوعية و الوقتية في مجموعة من الشروط و يختلفان كذلك بمجموعة أخرى من الشروط .

 

 

 

المطلب الثاني: الجهة القضائية المختصة وأطراف صعوبات التنفيذ

         ما دامت صعوبات التنفيذ هي تلكم المنازعات القانونية و الواقعية المنصبة على الأحكام و القرارات و السندات القابلة لتنفيذ، فإن المشرع المغربي و إن عزف عن تقديم تعريف جامع و مانع لهذه الصعوبات  إلا أنه لم يغفل عن تنظيمها و إن كان يؤاخذ عليه تبعثرها و تشتتها داخل قانون المسطرة المدنية، ومن ذلك تحديده للأشخاص الذين لهم الصفة و الحق في إثارة هذه الصعوبات، وكذا بيانه للجهات القضائية التي ينعقد لها الإختصاص بخصوص كل نوع من أنواع هذه الصعوبات.

وعليه فإننا سنحاول من خلال هذا المبحث تناول الجهات القضائية المختصة بالبت في هذه الصعوبات في الفقرة الأولى، على أن نعمد إلى التنقيب و ملامسة خصوصية الأشخاص الذين حق لهم  إثارة هذه الصعوبات في الفقرة الثانية.

 

الفقرة الأولى : الجهة القضائية المختصة بالبت في صعوبات التنفيذ

        تشكل نوعية الصعوبة المثارة مناط تحديد الجهة القضائية المختصة في البث فيها، فإذا كانت ذات طابع وقتي إنعقد الإختصاص لرئيس المحكمة (أولا)، وإن كانت ذات طابع موضوعي ماس بجوهر النزاع انعقد الإختصاص لمحكمة الموضوع  ( ثانيا).

 

أولا: الجهة المختصة بالبت في صعوبات التنفيذ الوقتية

     تتميز صعوبات التنفيذ الوقتية بإزدواجية الإختصاص الذي قد ينعقد تارة إلى رئيس المحكمة الإبتدائية وتارة أخرى إلى الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف استنادا على مقتضيات الفصلين .149 436  من قانون المسطرة المدنية.

فالمشرع المغربي أسند الإختصاص لرئيس المحكمة الإبتدائية للبت في الصعوبات الوقتية سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل إلى المحكمة أم لا، على خلاف الإختصاص المسند للرئيس الأول لمحكمة الإستئناف التي لا تكون له الصلاحية للبت في هذه الصعوبات إلا إذا كان النزاع معروضا على محكمة الإستئناف، حيث يصبح مختصا بمجرد إحالة الملف على محكمة الإستئناف سواء شرعت في النظر أم لا.[15]

غير أن ما يسيل الحبر في هذا المقتضى الأخير هو تلاطم قصد المشرع الرامي إلى إسناد إختصاص النظر في هذه الصعوبات إلى رئيس المحكمة لما يلتمس في هذا الأخير من خبرة و تجربة بإعتباره أقدم القضاة والصرامة الواقعية التي أبانت عن ضعف الإشراف الفعلي على التنفيذ الذي يفوض  إلى أقدم القضاة في غالب الاحيان و ذلك بفعل تعدد المهام الرئاسية .

 كما أنه لوحظ تضارب على مستوى التفسيرات القضائية في تحديد الجهة الرئاسية المختصة نوعيا و مكانيا – الإختصاص المزدوج لرئيس المحكمة الإبتدائية و الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف – بإعتبار أن منطوق الفصل 149 من ق.م.م يقضي بتقاسم الإختصاص بين رئيس المحكمة الإبتدائية و الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف كلما كان النزاع معروضا على محكمته،

في حين أن الفصل 436 يمنح هذا الإختصاص إلر رئيس المحكمة الإبتدائية دون غيره، مما يجعل الخلط واردا حول المعايير المعتمدة لإسناد الإختصاص لهذا الرئيس أو ذاك.

ومن التشريعات – التشريع المصري – من تفادى هذا التضارب و التشابك في الإختصاص من خلال إسناد الإختصاص صراحة إلى قاضي واحد هو القاضي المكلف بالتنفيذ ليخطوا بذلك خطوة هامة في سبيل إرساء حكامة تنفيذية رشيدة.

 

ثانيا : الجهة المختصة بالنظر في صعوبات التنفيذ الموضوعية.

        تعد الجهة القضائية المختصة في النظر في الصعوبات الموضوعية استنادا إلى مضمون الفصل 26 من قانون المسطرة المدنية هي المحكمة التي أصدرت الحكم في إطار قضائها الموضوعي لا الإستعجالي، و سواء كانت محكمة عادية أو متخصصة، درجة أولى أو درجة ثانية.

 وذلك لأن الصعوبة الموضوعية هي التي تقع إثارتها أمام قضاء الموضوع، وتهدف إلى تفسير الحكم أو الطعن في التنفيذ لمخالفته لمقتضى الحكم، أو تصحيح الأخطاء المادية التي تقع في الحكم كالأخطاء التي تقع في تحديد المدعى فيه و أسماء الأطراف و عناوينهم و ممثليهم القانونيين.[16]

وتنبغي الإشارة في هذا المقام أنه تعطى لمثير الصعوبة قبل البدئ في التنفيذ إمكانية تقديم طلب إستعجالي في إطار الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية لطلب وقف التنفيذ ريثما تبت محكم الموضوع في الطلب الموضوعي المقدم أمامها في حالة ما كان مهددا بالتنفيذ.

وعلى العموم فإن مثير الصعوبة الموضوعية في التنفيذ ليست غايته الرئيسية هي إيقاف التنفيذ وإنما يرمي إلى البث في النزاع، فهي ترفع في جميع أطوار عملية التنفيذ قبله و أثنائه و بعده.

 

الفقرة الثانية : أطراف صعوبات التنفيذ

حدد المشرع المغربي الأشخاص الذين يحق لهم إثارة صعوبات التنفيذ  وذلك في سبيل إرساء تنظيم محكم لهذه الصعوبات، وهكذا مكن مكنة إثارة صعوبات التنفيذ لأطراف النزاع الذي صدر الحكم بشأنهم ( أولا)، وكذا الغير في حالة تضرر مصالحه (ثانيا).

أولا: إثارة صعوبات التنفيذ من طرف أطراف النزاع

         من بين الأشخاص الذين مكنهم المشرع من حق إثارة صعوبات التنفيذ هم أطراف النزاع، و مصطلح أطراف النزاع ينصرف إلى المحكوم عليه و المحكوم له، و يعد الأول هو المعني الأول بإثارة صعوبات التنفيذ لأن التنفيذ سيؤدي بالمساس بحقوقه، الأمر الذي يجعله يسلك مسطرة صعوبات التنفيذ بنوعيها الإستعجالية إن توفرت شروطها و الموضوعية،  إن وجدت أسباب تستند عليها.

كما أن حق إثارة صعوبة التنفيذ يخول أيضا إلى ورثة المحكوم عليه و كفلائه و دائينيه عندما تكون لهم مصلحة في إثارتها، و يثيرون هذه الصعوبات بصفتهم هذه و ليس بصفتهم أغيارا.

أما الثاني – المحكوم له – فإنه بدوره قد يعمد إلى إثارة صعوبات التنفيذ كما في حالة تضرره من تنفيذ الأمر الصادر لصالحه إذا صدر دون أن يحتوي على متطلبات المحكوم له، أو في حالة منحه أقل مما يستحق.

وكما هو الشأن بالنسبة للمحكوم عليه يمكن لورثة المحكوم له و كفلائه و دائنيه طلب وقف التنفيذ  متى توفرت مصلحتهم في ذلك.

ثانيا: إثارة صعوبات التنفيذ من طرف الغير

يراد بالغير في هذا المقام كل شخص ليس طرفا في النزاع  ولا ممثلا فيه وسيتم التنفيذ على أمواله من خلال سند قابل للتنفيذ.

فالغير بهذا المعنى قد يلجأ إلى إثارة صعوبة التنفيذ في حالة ما مست عمليات التنفيذ المزمع تنفيذها بحقوقه و مصالحه، و تعد صلاحية الأغيار في إثارة صعوبات التنفيذ محل جدل فقهي و قضائي واسع من حيث من يرى بأحقيته في إثارة الصعوبة و من يرى بعكس ذلك.

وهكذا ذهب جانب من الرأي [17]الفقهي بالقول بعدم أحقية الغير في إثارة الصعوبة و ذلك بالإستناد إلى الفصل 436 التي عددت الأشخاص الذين لهم الصلاحية في الإثارة على سبيل الحصر وهم اطراف النزاع و أطراف السند التنفيذي و مأموري التنفيذ، و بالتالي لا وجود للغير معهم و على المحكمة و الرئيس عدم قبول طلب الإثارة منه. وسار في نفس الدرب بعض القضاء بأن لم يقبل دعوى الصعوبة المثارة من طرف الغير، حيث جاء في قرار للرئيس الأول لدى محكمة الإستئناف التجارية بمراكش : “.. حيث إنه بالإطلاع على القرار المطلوب تنفيذه يتبين أن الطالبة ليست طرفا فيه و إثارة الصعوبة في التنفيذ لا يثبت إلا لأطراف الحكم المراد تنفيذه لا للغير الخارج عن الخصومة طبقا للفصل 436 من ق م م لذلك يتعين عدم قبول الطلب..”.[18]

فمفاد هذا الرأي عدم قبول طلب إثارة الصعوبة في التنفيذ بعلة عدم توفره على الصفة في ذلك الذي لم يمنحه إياها الفصل 436 من ق م م، و يبقى له الحق فقط في الطعن الغير الخارج عن الخصومة.

في حين يرى رأي آخر بخلاف ذلك بالتأكيد على أحقية الغير بإثارة هذه الصعوبة وذلك لكون الفصل 436 لم يحرم الغير من هذه الصفة لا بطريقة مباشرة و لا بطريقة ضمنية، و لا كذلك بمفهوم المخالفة أو الموافقة.

كما ذهبت محكمة الإستئناف بمراكش في نفس المنحى في احد قرارتها عندما قضت بإلغاء أمر إستعجالي لم يقبل إثارة صعوبة التنفيذ من طرف الغير ليس استنادا على مقتضيات الفصل 436 من ق م م ، ولكن اسنادا على الفصل 482 الذي ينص على أنه إذا ادعى الغير أن الحجز وقع على عقارات يملكها أمكنه رفع دعوى الإستحقاق لإبطال الحجز و يترتب عنها وقف مسطرة التنفيذ بعد اطلاع مأمور التنفيذ على الوثائق لكي يرى مدى جدية الطلب.

وعلى العموم فإن الإختلافات التي آل إليها الوضع ما كنا لنتحدث عنها أو لتثار بتاتا لو أن المشرع لم يسقط في الصياغة المعيبة للفصل 436 من ق م م عندما استعمل عبارات فضفاضة تجعل اللبس فيها جليا، وأملنا ان يتم تجاوز هذا الخلاف ونعطي بصفة صريحة الإمكانية للأغيار لإثارة صعوبات التنفيذ مادامت قد آتت على ممتلكاته و مصالحه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني: الأثار الناجمة عن إثارة صعوبات التنفيذ

         يعد الحفاظ على المصلحة الشخصية هو الدافع لإثارة صعوبات التنفيذ سواء كان مثيرها طرفا في النزاع أو من الغير، هذه المصلحة التي تختلف بإختلاف موقع مثيرها في النزاع، فالمنفذ عليه يرمي من خلال رفع الصعوبة تفادي التهديد الذي سيشكله التنفيذ عليه أو على أمواله، و المنفذ له يسعى من خلال رفعها إلى التعجيل بتذليل العقبات التي تحول دون استيفائه لحقه، و الغير الذي قد يدعي ملكية مال ينفذ عليه سواء كان منقولا أو عقارا.[19]

غير أن هذا الدافع يصطدم بضرورة إستيفاء الشروط المنصوص عليها قانونا لإمكانية قبول هذه الصعوبة بحيث تقبل إن هي إستوفيت وترفض إن هي لم تستوفى، وإن كان عدم قبول دعوى صعوبة التنفيذ لا يثير أي إشكال بخصوص مواصلة إجراءات التنفيذ، فإن عدة إشكاليات تطرح في حالة قبول هذه الصعوبة، من قبيل: هل لتقديم طلب الصعوبة في التنفيذ أثر واقف؟ وإن كان الأمر كذلك فإلى متى تظل هذه الوقتية معرقلة لتنفيذ حكم أصبح قابلا للتنفيذ ؟

هذه الإشكالات و غيرها تجبرنا على المزيد من التنقيب و البحث لملامسة الأثار الناجمة  عن إثارة الصعوبة في التنفيذ ، هذه الأثار التي تختلف بإختلاف مثيرها سواء كانوا أطرافا رئيسين ( المطلب الأول )، أو بصفتهم أغيارا ( المطلب الثاني ). 

 

المطلب الأول: إثارة صعوبات التنفيذ من الأطراف والأثار المتمخضة عنها

إن لجوء الأطراف إلى إثارة الصعوبة في التنفيذ من أجل إيقاف تنفيذ الحكم أو تأجيله يقتضي طبقا للفصل 436 من ق.م.م إحالتها على الرئيس من لدن المنفذ له أو المحكوم عليه أو العون المكلف بتبليغ أو تنفيذ الحكم القضائي ليقدر مدى جديتها و يتخذ إنطلاقا من ذلك التقدير إما قبول أو رفض  الصعوبة.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل لتقديم طلب الصعوبة أثر واقف بالنسبة لإجراءات التنفيذ، أم يمكن متابعتها بقطع النظر عن تقديم ذلك الطلب؟

من خلال استقرائنا للفصلين 149 و  436 من ق.م.م  لا نهتدي إلى أي مقتضيات خاصة تنص بكيفية صريحة على مدى الأثر المترتب عن تقديم طلب الصعوبة في التنفيذ.

وأمام هذا الفراغ التشريعي وجدت المحاكم الإبتدائية نفسها أمام ضرورة معالجة هذه النقطة بشكل تنظيمي فقط مما أدى إلى إختلاف موقف كل محكمة منها، وهكذا إعتبرت بعض المحاكم أنه لا موجب من الناحية القانونية للتوقف عن مواصلة التنفيذ بمجرد تقديم طلب الصعوبة، في حين ذهبت أخرى إلى إعتبار كون تقديم طلب الصعوبة من العون القضائي التريث في مباشرة عملية التنفيذ إلى أن يتم البث في هذا الطلب إما بالقبول أو بالرفض، و ذلك تفاديا لتعذر إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في حالة ما إذا تم التصريح بوجود تلك الصعوبة، و منها من تعتبر أن عملية التنفيذ إذا كانت محددة التاريخ باليوم و الساعة كالإفراغات و المحجوزات، فإن طلب الصعوبة يتم البث فيه قبل الموعد المحدد لعملية التنفيذ و لو قدم قبل ساعة من ذاك الموعد، أما إذا لم تكن عملية التنفيذ محددة التاريخ فإنه يتم التريث في التنفيذ ريثما يتم البث في الصعوبة.[20]

الأمر الذي يستدعي التدخل الحازم للمشرع للحسم في هذه النقطة إحكاما لهذه المؤسسة و تفاديا لتضارب المواقف بين محاكم المملكة.

و عموما فما إن يقدر جدية الطلب من طرف الرئيس حتى يقبل الطلب، و يصدر بالتالي أمرا بوقف التنفيذ إلى حين أن يبث في الأمر، هذا الوقف الذي لم يحدد المشرع المدة التي ينبغي فيها أن يتم و اكتفى فقط بذكر عبارة فضفاضة – إلى حين البث في الأمر-.

هذا المقتضى الذي قد ينظر له من زاويتين، زاوية أولى وهي إحسان الصنع من طرف المشرع حين لم يقنن هذا الوقف و بالتالي ترك الأمر للسلطة التقديرية للرئيس الذي يبقى له تقدير الصعوبات و المدة الكافية للوقف بشكل يتناسب و ظروف إثارة كل صعوبة.

ومن زاوية ثانية وهي وقف تنفيذ حكم قابل للتنفيذ لمدة غير معينة ما يشكل ذلك من طول للإجراءت وصعوبة في استيفاء الحقوق.

وأمام هذا الوضع تظل مسطرة التنفيذ  موقوفة إلى حين إقامة الدعوى في الموضوع و الفصل فيها بحكم نهائي، أو أن التوقف سيظل إلى حين تقادم مسطرة التنفيذ أو صدور أمر استعجالي جديد يقضي بالعدول عنه في حالة تغيرت الظروف.

هذا فيما يخص الأثار الناجمة عن صعوبة التنفيذ المثارة من طرف الأطراف، فكيف هو الأمر بالنسبة للأغيار؟

 

المطلب الثاني:  الأثار المترتبة عن إثارة صعوبة التنفيذ من طرف الأغيار

 

          إذا ما لجئ الأغيار إلى إثارة الصعوبة في التنفيذ من خلال إحالة الطلب إلى الرئيس فإنه إذا ما كانت المزاعم المبنية عليها الطلب جدية قوبل الطلب بالقبول، و ترتب على ذلك وقف إجراءات التنفيذ على المحجوزات.

هذا الوقف لإجراءات التنفيذ يكون مصيره مرتبطا بدعوى الإستحقاق التي ترفع لمحكمة الموضوع داخل أجل 8 أيام من تاريخ الامر بوقف التنفيذ من أجل الفصل فيها بحكم نهائي .

حيث أن قرار محكمة الموضوع برفض دعوى الغير أو بعدم قبولها  ، أو مضي أجل 8 أيام دون إقامة تلك الدعوى فإن إجراءات التنفيذ تواصل على المحجوزات إلى حين نهاية مسطرة التنفيذ.

و دعوى الإستحقاق هي تلك المنازعة الموضوعية التي يرفعها شخص من الغير يدعي ملكية المنقولات أو العقارات المادية المحجوزة أو أي حق عيني  يتعلق بها و يطلب فيها تقرير حقه عليها ووقف بيعها لتعارضه مع حقه عليها . [21]  

و بالتالي فهي تبدأ بادعاء الغير لملكية العقارات أو المنقولات المنصب عليه الحجز في إطار الفصلين 468  و 482 من ق.م.م، حيث يوقف العون المكلف بالتنفيذ البيع إن قدم مثير الصعوبة حججا و مستندات معقولة، و تجدر الإشارة في هذا المقام أن العون المكلف بالتنفيذ يضطلع بادوار هامة في هذا الجزء من المسطرة التنفيذية حيث تبقى امكانية إعتبار إدعاء الغير صعوبة في التنفيذ و بالتالي وجب إحالتها إلى الرئيس أو كونها لا تعد سوى  وسيلة للتسويف أو المماطلة.

هكذا إذا هي الأثار الناجمة عن إثارة الصعوبة في التنفيذ، التي تختلف باختلاف مثيرها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة

 

ختاما لما سبق نستشف أن صعوبات التنفيذ تعد من أعقد المسائل الإجرائية بإعتباره نظاما تشوبة العديد من المشاكل و الثغرات  وكذا محدودية و ضعف فعالية الأثار المترتبة عن إثارة هذه الصعوبة بفعل غياب حقيقي لتنظيم محكم لهذه المؤسسة.

و ذلك على خلاف الأحكام الصادرة في المادة الزجرية التي تلعب فيه النيابة العامة أدوار هامة تأدي إلى الفعالية و النجاعة في التنفيذ.

فبالإضافة إلى تعنت المحكوم عليهم فإن المشرع ساهم إلى حد كبير في زرع التشكك و الضبابية في مؤسسة تعد من أهم المؤسسات في الساحة الإجرائية من خلال عدم الإعتماد على صياغة رزينة و كذا ضعف الضبط الذي أولاه لها. لذا فإنه كان من الازم التدخل بحزم ومحاولة شذ بنيان هذه المؤسسة التي تعد بحق من أهم المؤسسات الإجرائية و اعقدها.

 

[1] نور الدين الشطويطي، التنفيذ المدني و إشكالاته، تطوان، بدون طبعة،ص: 4

[2] عبد الكريم طالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية،مراكش، الطبعة التاسعة،يناير 2019،ص:376

[3] إبراهيم البحمائي، تنفيذ الاحكام العقارية، مطبعة دار السلام، الرباط، الطبعة الثالثة 2012، ص:194

[4] عبد اللطيف هداية الله، القضاء المستعجل في القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، ص 1998، ص: 58

[5] الشرقاوي الغزواني، نور الدين، الصعوبات في تنفيذ الأحكام المدنية و الزجرية، مجلة الإشعاع، عدد 23 يونيو 2001، شركة بابل للطباعة و النشر و التوزيع، الرباط، ص: 156

[6] إبراهيم بحمائي، مرجع سابق، ص: 160

[7] عبد الله  درميش، موقع القضاء المستعجل من القضاء بصفة عامة، مجلة المحاكم المغربية، العدد41، فبراير يناير، 2004 ص: 42

[8]

[9] محمد بولمان،الصعوبات الواقعية و القانونية المثارة في إطار الفصل 436، مقال منشور بموقع مقالات قانونية

[10] محمد بولمان، مرجع سابق.

[11] تعريف أورده الدكتور عبد الكريم طالب في مؤلفه  الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، مرجع سابق، ص: 383

[12] محمد علي راتب، قضاء الأمور المستعجلة، الجزء الأول، طبعة 1958، ص: 50

[13] قرار عدد 4179 صادر بتاريخ 8/7/99  منشور بالمجلة المغربية للقانون و الاقتصاد و السياسة، العدد 15، سنة 1984

[14] عبد الكريم طالب، مرجع سابق، ص: 384

[15] محمد يحيى ولد محمد تاه، إجراءات التبليغ و التنفيذ في العمل القضائي، رسالة لنيل دبلوم ماستر القانون الخاص، 2009،2010، طنجة، ص: 106

 

[16] محمد يحيى ولد محمد تاه، مرجع سابق، ص108

[17] محمد بولمان،الصعوبات الواقعية و القانونية المثارة في إطار الفصل 436، مقال منشور بموقع مقالات قانونية

[18] قرار الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف التجارية مراكش، رقم 3 ، تاريخ صدوره 2008/04/17 ملف رقم 2008/1/.

[19]

[20] مصطفى التراب، نظرات حول القضاء المستعجل، مقال منشور بمجلة الملحق القضائي، العدد 36، مارس 2003

[21]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى