في الواجهةمقالات قانونية

التمويل الجماعي الإسلامي عبر المنصات الرقمية الباحثة فتيحة موساوي

التمويل الجماعي الإسلامي عبر المنصات الرقمية
“Islamic Crowdfunding Via Digital Platforms”
الباحثة فتيحة موساوي
باحثة في سلك الدكتوراه -الفقه المقارن بالقانون -كلية الشريعة -جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس-
Fatiha Moussaoui
PhD researcher – Comparative Jurisprudence and Law – Faculty of Sharia – Sidi Mohamed Ben Abdallah University Fes

الملخص:
يعتبر التمويل الجماعي الإسلامي عبر المنصات الرقمية آلية تمويل مبتكرة تعتمد على جمع الأموال من عدد كبير من الأفراد لتمويل مشاريع اقتصادية واجتماعية، مع الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية. يتميز هذا النموذج باستخدام عقود إسلامية مثل المضاربة والمشاركة والمرابحة، مما يضمن توافقه مع القيم الشرعية وتجنبه للربا والمخاطرة غير المشروعة (الغرر). تعمل المنصات الرقمية كوسيط شفاف وفعال يربط بين المستثمرين ورواد الأعمال، مما يسهم في تعزيز الشمول المالي ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصة في المجتمعات الإسلامية. ورغم ما يوفره من فرص لتوسيع دائرة التمويل وتحقيق التنمية الاقتصادية، إلا أنه يواجه تحديات تتعلق بالإطار القانوني والتنظيمي، وضرورة توعية المجتمع بأهميته ودوره في دعم الاقتصاد الإسلامي.
الكلمات المفتاحية: التمويل الجماعي، منصات التمويل الجماعي الإسلامية، التكنولوجيا المالية.

Abstract :
Islamic crowdfunding through digital platforms is an innovative financing mechanism that relies on raising funds from a large number of individuals to finance economic and social projects, while adhering to the principles of Islamic law. This model is characterized by the use of Islamic contracts such as Mudaraba, Musharaka and Murabaha, which ensures its compatibility with Sharia values and avoids usury and unlawful risk (Gharar). Digital platforms act as a transparent and efficient intermediary between investors and entrepreneurs, promoting financial inclusion and supporting SMEs, especially in Muslim communities. Despite its opportunities to expand the circle of financing and achieve economic development, it faces challenges related to the legal and regulatory framework, and the need to educate society about its importance and its role in supporting the Islamic economy.
Keywords : Crowdfunding, Islamic crowdfunding platforms, Fintech.

مقدمة:
رغم المساهمة المتزايدة لقطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الاجمالي والتشغيل ولاسيما في البلدان النامية، يعاني القطاع من فجوة تمويلية تقدر بنحو 4.3 تريليون دولار في العادة يحجم القطاع المصرفي عن تمويل هذه المشروعات لما يرتبط بها من مخاطر وعدم امتلاكها للضمانات الملائمة التي تكفي لإقناع البنوك بمنحها التمويل اللازم. من جانب آخر، انعكست الأزمة المالية العالمية الأخيرة سلباً على قدرة القطاع في الحصول على التمويل نظراً لظروف شح السيولة في هذه الأثناء، شهد العالم تطورات تقنية طالت عدد من المجالات من أبرزها الخدمات المالية في ظل تنامي أهمية التقنيات المالية الحديثة حيث أصبحت العديد من الخدمات المالية والمصرفية تعتمد في إنجازها على التقنية المالية، مما ساهم في تحسين الوصول إلى الخدمات المالية وزيادة المنافسة في النظام المالي، بالتالي تعزيز النمو الاقتصادي والشمول المالي في هذا الإطار، تعتبر خدمات التمويل الجماعي (Crowdfunding) من أهم الابتكارات المتضمنة في سياق التقنيات المالية الحديثة التي مكنت المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من النفاذ إلى آليات أكثر ملائمة للتمويل.
يمكن تعريف التمويل الجماعي أنه عملية تمويل جماعية وتعاونية من خلال منصة تجمع بين المستثمرين وأصحاب المشروعات الذين هم بحاجة لتمويل مشروعاتهم. تستهدف هذه الخدمة بشكل أساسي قطاع المشاريع الصغيرة والناشئة، حيث يتم عرض المشاريع من قبل أصحابها عبر منصات التمويل الجماعي ليقوم المستثمرون باختيار المشروع الذي يلبي توقعاتهم، ويحصل الممولون على مكافأة أو فائدة أو نسبة من أرباح المشروع.
استناداً إلى ما سبق، وفي ظل الأهمية المتزايدة لمنصات التمويل الجماعي ودورها في توفير التمويل اللازم لدعم المشاريع الاقتصادية وبالتالي تعزيز الشمول المالي، تستهدف هذه الدراسة إلقاء المزيد من الضوء على منصات التمويل الجماعي كأحد أهم قنوات التمويل التي ظهرت في إطار تنامي دور التقنيات المالية الحديثة، حيث سيتم التطرق إلى الإطار العام لمنصات التمويل الجماعي، وعرض منصات التمويل الجماعي في بعض البلدان العربية والتحديات التي قد تعترضها، وأيضا الأطر التنظيمية والرقابية المختلفة التي تبنتها البلدان لتنظيم هذه الصناعة.
إشكالية الدراسة:
بناء على ما تم ذكره سابقا، ومن أجل الإحاطة الشاملة بموضوع الدراسة، يمكننا صياغة إشكالية الدراسة على النحو التالي:
كيف تساهم منصات التمويل الجماعي الإسلامي في تلبية احتياجات التمويل للمشاريع الناشئة؟
وبناء على هذه الإشكالية يمكن طرح الأسئلة الفرعية التالية:
 ما هو التمويل الجماعي؟
 ما المقصود بمنصات التمويل الجماعي الإسلامية؟
 ما هي أنواع منصات التمويل الجماعي الإسلامية؟ وها هي تطبيقاتها؟
أهمية الدراسة: ترجع أهمية هذه الدراسة إلى:
 أن منصات التمويل الجماعي أحد أهم الآليات التمويلية المبتكرة التي تعمل على توفير الوقت والجهد مع حشد التمويل المناسب للمستثمرين والممولين.
 سهولة الحصول على التمويل من خلال منصات التمويل الجماعي ومنصات التمويل الجماعي الإسلامية بصفة خاصة، مقابل الصعوبات والعراقيل التي تضعها مصادر التمويل التقليدية الأخرى للمشاريع التنموية.
منهج الدراسة:
لمعالجة إشكالية موضوع الدراسة، تم اعتماد المنهج الوصفي لتوضيح المفاهيم المختلفة المرتبطة بموضوع البحث، إلى جانب المنهج التحليلي الذي استُخدم لتحليل تطبيق التمويل الجماعي الإسلامي عبر المنصات الرقمية.
الدراسات السابقة:
 بولحبال زوبير، تحديات التمويل الجماعي المتوافق مع الشريعة دراسة حالة منصة “شكرة”، المجلة الدولية للمالية الريادية، المجلد 3، العدد 1، يناير 2020. تناولت هذه الدراسة أهمية منصات التمويل الجماعي الإسلامية كأداة حديثة لتمويل المشاريع، وخاصة في الدول النامية. حيث ركزت الدراسة على منصة “شكرة” كمثال عملي، وحللت دور هذه المنصة في دعم المشاريع التنموية والاجتماعية، وكيف ساهمت في سد الفجوة التمويلية في مناطق معينة.
 قميش خولة، كتاف شافية، منصات التمويل الجماعي الإسلامية كأحد مصادر التمويل الحديثة لتحقيق التنمية الاقتصادية “دراسة حالة منصة ETHIS للتمويل الجماعي الإسلامية”، مجلة التمويل والاستثمار والتنمية المستدامة، المجلد 07، العدد 01، يونيو 2022. تطرقت هذه الدراسة إلى دور منصات التمويل الجماعي الإسلامية، مثل منصة ETHIS، في تعزيز التنمية الاقتصادية. من خلال تحليل تجربة منصة ETHIS، وسلطت الدراسة الضوء على قدرة هذه المنصات على جمع التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يساهم في خلق فرص عمل ودفع عجلة النمو الاقتصادي، خاصة في المناطق المحرومة.
محاور الدراسة:
من أجل الإحاطة الشاملة بموضوع الدراسة فإنه تم تقسيم الموضوع على النحو التالي:
المبحث الأول: الإطار العام لمنصات التمويل الجماعي
المبحث الثاني: التمويل الجماعي الإسلامي: الضوابط والتطبيقات
المبحث الأول: الإطار العام لمنصات التمويل الجماعي
تعد منصات التمويل الجماعي أداة مبتكرة لدعم المشاريع والأفكار من خلال جمع التمويل من عدد كبير من الأفراد عبر الإنترنت، حيث تمثل بديلاً حديثاً عن الوسائل التقليدية للتمويل.
لذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين اثنين، ماهية منصات التمويل الجماعي وأنواعها كمطلب اول ثم الإطار التنظيمي والرقابي لمنصات التمويل الجماعي كمطلب ثان.
المطلب الأول: ماهية منصات التمويل الجماعي وأنواعها
أولا: مفهوم منصات التمويل الجماعي
التمويل الجماعي هو تجميع مبالغ صغيرة من المال من قبل عدد كبير من المستثمرين، عبر منصات الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أحد الأساليب المشهورة للتمويل البديل. ويُعرف أيضاً بأنه الجهد المبذول من قبل أفراد ورواد أعمال ومجموعات -ثقافية واجتماعية وهادفة للربح -بهدف تمويل مشاريعهم، بالاعتماد على مساهمات صغيرة نسبياً من قبل عدد كبير نسبياً من الأشخاص، وباستخدام الانترنت، ومن دون الوسطاء الماليين المعتادين. كما يُعرف بأنه نوع من المساهمة في نشاط معين عبر الانترنت، يقوم من خلاله شخص أو مؤسسة أو منظمة غير هادفة للربح بعرض مشروع معين على جماعات أشخاص يختلفون من حيث المستوى التعليمي ودرجة التجانس والعدد، وتشارك الجماعة في المشروع عبر المساهمة بالمال أو المعرفة أو العمل.
ومما سبق يمكن تعريف التمويل الجماعي بأنه آلية تمويل مستحدثة، لا تعتمد على الوساطة المالية المعروفة والممارسة من قبل البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، بل تعتمد على الانترنت. ويهدف إلى تعبئة الأموال وتمويل المشاريع التي يبادر بها أشخاص أو مؤسسات تجارية أو منظمات خيرية، ويتم تمويل المشروع عبر مساهمات صغيرة من قبل عدد كبير من الأشخاص المتحمسين للمشروع، والمساهمة إما أن تكون بالمال أو المعرفة أو العمل والخبرة.
وتتم عمليات التمويل الجماعي عبر منصات مصممة لهذا الغرض الخاص، ومنصات التمويل الجماعي هم وسطاء على الانترنت يعملون على تسهيل تحويل الأموال من الراغبين في التبرع أو الاستثمار يطلق عليهم (الداعمون) إلى الباحثين والمحتاجين لرؤوس الأموال يطلق عليهم (المؤسسون). وظهرت العديد من هذه المنصات خلال السنوات القليلة الماضية، ومن خلالها يقوم مؤسس مشروع بعرض فكرة مشروعه على الداعمين المحتملين، عبر نشر إعلان يبين فيه مبلغ التمويل المطلوب، وسبب الحاجة إلى التمويل، والمقابل الذي سيحصل عليه الداعم إذا وجد مقابل. ويكتشف الأشخاص المشاريع عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال تصفح مواقع التمويل الجماعي ويمكنهم التفاعل مع المؤسس والداعمين المحتملين الآخرين، وفي حالة اقتناع الشخص بالفكرة وأراد المساعدة في تحقيق المشروع، يستطيع دعم المشروع بتقديم مساهمة مالية عبر موقع التمويل الجماعي. وعادة ما يكون المبلغ المقدم من الداعم الواحد صغيراً نسبياً مقارنة بالاحتياجات التمويلية الكلية للمشروع. وتعمل جميع المنصات على أساس مبدأ “الكل أو لا شيء”، بمعنى إذا لم تبلغ المساهمات المالية رأس المال المستهدف رفعه خلال الفترة الزمنية المحددة، ترد كل المساهمات لأصحابها الداعمين وتنتهي حملة تمويل المشروع.
ثانيا: أنواع منصات التمويل الجماعي
توجد أربعة أنواع رئيسة من منصات التمويل الجماعي كالآتي:
-منصات التمويل الجماعي القائمة على المكافأة: يقوم الممول أو الداعم بتمويل المشروع للحصول على عائد غير مالي، أي يحصل الداعم على تعويض رمزي مقابل مساندته للمبادرة أو المشروع، مثل: الهدية، شهادة تقدير، أو عينة من السلعة أو الخدمة المنتجة، ويعتبر التمويل الجماعي القائم على المكافأة وسيلة ممتازة لبيع المنتج مسبقا (قبل إنتاجه)، واستخدام متحصلات البيع لإنتاج ذلك.
-منصات التمويل الجماعي القائمة على التبرع: يساند الداعم للمبادرة أو المشروع عبر مساهمة في شكل هبة، أي يقوم الممول بالتبرع بمبلغ من المال بدافع فعل الخير أو لأسباب اجتماعية، دون توقع أو انتظار الحصول على أي عائد أو ربح كان في المستقبل.
-منصات التمويل الجماعي القائمة على إقراض النظراء: تعتبر من أسرع المنصات نموا، يقوم نموذج عمل هذه المنصات على إقراض المال للأفراد أو الشركات مقابل الحصول على فائدة، رغم وجود منصات تستهدف بشكل حصري الإقراض الموجه لخدمة أهداف اجتماعية، تعمل غالبية منصات إقراض النظراء كقنوات تمويل منافسة لقنوات التمويل التقليدية من خلال البنوك والمؤسسات المالية الأخرى.
-منصات التمويل الجماعي القائمة على الأسهم: رغم كون التمويل الجماعي القائم على المشاركة في رأس المال من خلال شراء الأسهم نموذجا جديدا من نماذج التمويل الجماعي، إلا انه ينمو سريعا باستثمار قدر بأكثر من 2.5 مليار دولار أمريكي في عام 2015، يتأثر نمو سوق التمويل الجماعي القائم على المشاركة بالأسهم بشكل كبير بطبيعة الأطر التنظيمية التي تقصر في كثير من الأحيان الاستثمار بالأسهم على المستثمرين المحترفين مقابل المستثمرين الأفراد الذين عادة ما ينخرطون في هذا النوع من منصات التمويل الجماعي.
المطلب الثاني: الإطار التنظيمي والرقابي لمنصات التمويل الجماعي
يرتبط كل نموذج من نماذج التمويل الجماعي بمتطلبات تنظيمية مختلفة قد تختلف اختلافاً كبيراً بين الدول. قد تكون المتطلبات القانونية مرهقة اعتمادًا على النموذج المتبع على سبيل المثال، التمويل الجماعي القائم على حقوق الملكية هو الأكثر خضوعاً للتنظيم الرقابي، كما يرتبط الإطار التنظيمي بمكان تواجد منصة التمويل الجماعي، أو راعي المشروع أو المستفيد، وما إذا كانت منصات التمويل الجماعي ترتبط بمعاملات عبر الحدود.
هناك أربع مداخل للتعامل الرقابي مع منصات التمويل الجماعي وهي:
1. عدم وجود نهج رقابي خاص بمنصات التمويل الجماعي، حيث تلجأ بعض الدول إلى عدم سن تشريعات خاصة بمنصات التمويل الجماعي التي قد ينطبق عليها في بعض الحالات أحكام عامة تحمي المستثمرين.
2. إخضاع بعض أشكال التمويل الجماعي لبعض المتطلبات الرقابية والتنظيمية الخاصة بالوساطة المالية من خلال لجوء بعض الدول إلى وضع ضوابط رقابية بعمل منصات التمويل الجماعي، لا سيما في حال منصات الإقراض والاستثمار في الأسهم تمثل تلك المفروضة على أنشطة الوساطة المالية، وبحيث تفرض على تلك المنصات متطلبات للتسجيل وقواعد الحوكمة والإفصاح وإعداد التقارير، مماثلة لنشاط الوساطة المالية.
3. إخضاع منصات التمويل الجماعي القائمة على الإقراض ومنصات الأسهم لنفس القواعد الرقابية التي تنطبق على البنوك، بحيث يتعين على تلك المنصات استخراج ترخيصا مصرفيا لبعض عمليات التمويل الجماعي.
4. إخضاع منصات التمويل الجماعي لمستويين من الرقابة والتنظيم. ففي بعض الدول مثل الولايات المتحدة تخضع منصات التمويل الجماعي إلى مستويين من الرقابة والتنظيم على المستويين الفيدرالي والاتحادي والتي قد تختلف من ولاية إلى أخرى حيث تفرض بعض الولايات الأمريكية حظراً على بعض أشكال التمويل الجماعي، على سبيل المثال الأسهم، في حين أن ولايات أخرى قد توفر إعفاءات لتشجيع مثل هذه المنصات.
وعلى مستوى التجارب الدولية، لدى بعض الدول تشريعات أكثر ملائمة لعمل منصات التمويل الجماعي ومن بينها على سبيل المثال المملكة المتحدة، وهولندا، وألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، تشهد هذه البلدان تطوراً ملحوظاً في الإصلاحات الرقابية والتنظيمية بهدف تشجيع عمل هذه المنصات، حيث قام عدد من هذه الدول بتحديث إطارها التنظيمي لتسهيل التمويل الجماعي. ومن بين هذه الدول فقد أكملت المملكة المتحدة والسويد أكثر من جولة واحدة من الإصلاحات. فيما يلي نبذة عن واقع الإطار التنظيمي لمنصات التمويل الجماعي في الأقاليم المختلفة.
-الاتحاد الأوروبي: لدى الدول الأعضاء أحكام خاصة بكل بلد مع تنسيق محدود فيما بينها، بينما تسعى المفوضية الأوروبية إلى تقييم الأطر الوطنية لتنظيم منصات التمويل الجماعي بهدف تحديد أفضل الممارسات.
-الولايات المتحدة الأمريكية: يعتبر التمويل الجماعي القائم على المكافآت أو التبرع مقبولاً على نطاق واسع، فيما تخضع منصات التمويل الجماعي القائمة على الاستثمار في الأسهم إلى القواعد الرقابية لهيئة الأوراق المالية.
-الدول الآسيوية: تتسم البيئة التنظيمية لمنصات التمويل الجماعي في آسيا بالتنوع والديناميكية. اختارت بعض الدول مثل سنغافورة وتايلاند إخضاع منصات التمويل الجماعي للأطر الرقابية القائمة، لكن دولا أخرى، مثل ماليزيا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية اختارت وضع لوائح مفصلة تحكم عمل منصات التمويل الجماعي القائمة على الإقراض والاستثمار في الأسهم.
-أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي: تعتبر دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي من الدول المتأخرة في وضع تنظيم رقابي لعمل منصات التمويل الجماعي حيث أشار نحو ثلثا منصات التمويل الجماعي التي شملتها دراسة صادرة عن جامعة كامبريدج إلى عدم وجود لوائح منظمة لعمل هذه المنصات أو أن عمل منصات التمويل الجماعي لا يزال غير قانونياً فعلى سبيل المثال، لا يوجد في المكسيك تشريع داعم لعمل مثل هذه المنصات، فيما تعمل دول أخرى مثل البرازيل على تحديد طبيعة الإصلاحات المطلوبة في هذا الصدد.
-الشرق الأوسط وأفريقيا: تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من أكثر الدول التي توفر بيئة تنظيمية أكثر تقدماً لعمل منصات التمويل الجماعي من بين دول منطقة الشرق الأوسط. وفي إفريقيا، تعد جنوب إفريقيا وكينيا الأكثر تقدماً، لكن لا تزال أنشطة التمويل الجماعي بشكل عام غير منظمة بشكل واضح.

المبحث الثاني: التمويل الجماعي الإسلامي: الضوابط والتطبيقات
يمثل التمويل الجماعي الإسلامي نموذجاً حديثاً لتمويل يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، حيث يهدف إلى دعم المشاريع والمبادرات من خلال جمع الأموال من عدد كبير من الأفراد. يتميز هذا النموذج باعتماده على عقود شرعية مثل المشاركة والمضاربة، مما يضمن توافق العمليات مع الضوابط الشرعية.
لذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين اثنين، منصات التمويل الجماعي المتوافقة مع الشريعة وضوابطها الشرعية كمطلب اول، ثم عرض منصات التمويل الجماعي الإسلامي في بعض الدول العربية وتحدياتها كمطلب ثان.
المطلب الأول: منصات التمويل الجماعي الإسلامية وضوابطها الشرعية
أولا: منصات التمويل الجماعي الإسلامية
لاقى التمويل الإسلامي اهتماماً عالمياً واسعاً في أعقاب الأزمة المالية العالمية في ظل النظرة إلى آليات التمويل الإسلامي كأحد عناصر تحقيق الاستقرار المالي وتجنب الآثار الناتجة عن تراكم المخاطر المالية، لا سيما على ضوء الدراسات التي أشارت إلى أن المخاطر المرتبطة بهذا النوع من التمويل أقل من نصف المخاطر المرتبطة بالتمويل التقليدي لكون آلياته قائمة بالأساس على المشاركة في الربح والخسارة. لم يقتصر نشاط الصناعة على الدول الإسلامية فقط، وإنما اتسع نطاق انتشارها إلى عدد من الدول غير الإسلامية.
شهدت منصات التمويل الجماعي المتوافقة مع الشريعة نمواً ملحوظاً في الآونة الأخيرة سواءً في دول منظمة التعاون الإسلامي أو خارجها تحت مظلة ما يعرف بالمشروعات الأخلاقية (Ethics Ventures). فعلى سبيل المثال لاقت منصة (Skolafund) في ماليزيا إقبالاً واسعاً منذ إطلاقها في عام 2015، حيث تستهدف المنصة تسهيل نفاذ الطلاب إلى التمويل لاستكمال دراستهم الجامعية وجعل تكاليف التعليم العالي متاحة لكافة الطلاب المؤهلين لذلك وبحيث لا يحرم طالب من فرصته في التعليم استناداً إلى ظروفه المادية. كما تأسست منصة (NusaKapital) في ماليزيا كأول منصة عالمية للتمويل الجماعي القائم على إقراض النظراء وتم منحها ترخيصاً من قبل هيئة الأوراق المالية في ماليزيا. كذلك يوجد عدد من المنصات في الدول العربية مثل منصة (Liwwa) في الأردن القائمة على الإقراض والتي تؤكد أهمية الالتزام بتوافق المشروعات التي يتم تمويلها مع الشريعة الإسلامية ويقوم نموذج أعمالها بشكل رئيس على عقود المرابحة. كما تقدم منصة (Beehive) القائمة على الإقراض في الإمارات خدمات التمويل التقليدي والإسلامي جنباً إلى جنب. كما تعتبر منصة “شارك فكرة” (Shekra) واحدة من أقدم منصات التمويل الجماعي للأسهم في مصر التي نالت عدد من الجوائز في مجال التمويل المتوافق مع الشريعة. أما في خارج العالم الإسلامي، فهناك منصة (Kapital Boost) للتمويل الجماعي في سنغافورة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة توفر للأعضاء الفرصة للاستثمار وكسب عوائد جذابة من خلال تمويل متوافق مع الشريعة من خلال تقديم بدائل تمويل قصيرة الأجل بأسعار تنافسية. يتم التمويل الجماعي من خلال ترتيبات متوافقة مع أحكام الشريعة مثل عقود المرابحة والمشاركة.
كي تمارس هذه المنصات دورها في توفير التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية يستلزم ذلك عدد من الشروط والمتطلبات المماثلة لتلك الواجب توافرها من خلال قنوات التمويل التقليدية كي يمكن إجازتها على كونها متوافقة مع الشريعة الإسلامية من أهمها وجود عقود بين الممولين والمستفيدين تتضمن شروطاً وبنود واضحة للتعاقد استناداً إلى صيغ تمويل إسلامية متعارف عليها للاستثمار في أنشطة متوافقة مع الشريعة. رغم ذلك يُشار إلى أن عدد من المنصات التي تصنف على كونها متوافقة مع الشريعة الإسلامية قد يصعب على المستثمر أو الممول التحقق من ذلك من واقع المعلومات المتضمنة فقط على موقع المنصة، وهو ما يستلزم تنظيم الصناعة وضمان توافقها مع مبادئ الشريعة.
في هذا الصدد، اهتم مجلس الخدمات المالية الإسلامية مؤخراً بدراسة مدى توافق منصات التمويل الجماعي التي صنفت في قاعدة بيانات (Crowdsurfer) بكونها متوافقة مع الشريعة الإسلامية، حيث تم في هذا الإطار فحص أنشطة 108 منصة للتمويل الجماعي في 32 دولة، من بين دول منظمة التعاون الإسلامي البالغ عددها 57 دولة نظراً لازدواجية احتساب منصات التمويل الجماعي أتضح وجود 80 منصة تعمل في دول مجلس التعاون الإسلامي معظمها قائم على التبرعات والمكافآت، من بينها 27 منصة للتمويل القائم على الإقراض والاستثمار صنعت كمنصات نشطة للتمويل الجماعي.
قام مجلس الخدمات المالية الإسلامية بفحص منصات التمويل الجماعي المتواجدة في دول منظمة التعاون الإسلامي سواء تلك التي صنفت كونها متوافقة مع الشريعة الإسلامية أو غيرها من المنصات الأخرى خلص المجلس إلى محدودية عدد منصات التمويل الجماعي المتوافقة مع الشريعة في دول منظمة التعاون الإسلامي بما لا يتعد أربع منصات، وأشار المجلس إلى صعوبة التأكد من توافق هذه المنصات مع الشريعة بالنسبة للمستثمر العادي نظرا لعدم تضمن مواقع هذه المنصات للمعلومات الكاملة والمفصلة في هذا الصدد والتي توك توافق عمل المنصات مع الشريعة الإسلامية.

ثانيا: الضوابط الشرعية للتمويل الجماعي الإسلامي
من أجل الاستفادة من مزايا التمويل الجماعي في الدول الإسلامية يجب أن يتوافق مع خصوصياتها، من خلال الأخذ بعين الاعتبار طبيعة هذه الأسواق، ومن أجل ضمان ذلك يجب أن يتحقق في التمويل الجماعي الشروط التالية:
o ضرورة الاهتمام بالأهداف المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والتي تستبعد أي مشاريع غير أخلاقية والتي تنطوي على عناصر المضاربة أو القمار.
o يجب تصميم هيكل المساهمين ومتطلبات حماية المستثمرين بشكل يمكن من التقيد بمبادئ الشريعة.
o يجب تحديد قيود قانونية واضحة للتأكد من أن الشركة الناشئة لن تقوم في المستقبل بالاقتراض أو الإيداع بفوائد، أو الاستثمار في أدوات لا تتوافق مع الشريعة أو توسيع تشكيلة منتجاتها وخدماتها لتشمل نشاطات غير متوافقة مع الشريعة.
o أن يكون رأس المال الموجه لتمويل المشاريع حلالا.
o من أجل ضمان أن تكون منصة التمويل الجماعي موافقة للشريعة الإسلامية، ينبغي إنشاء هيئة رقابة شرعية، للتأكد من أن رأس المال الموجه لتمويل المشاريع أو المنتجات، والمشاريع في حد ذاتها ملتزمة بنصوص الشريعة الإسلامية.
المطلب الثاني: منصات التمويل الجماعي الإسلامية في بعض الدول العربية وتحدياتها
أولا: استعراض بعض منصات التمويل الجماعي الإسلامية النشطة في الدول العربية
 في مصر أنشئت في نهاية 2012 منصتان للتمويل الجماعي الإسلامي هما:
– منصة Shekra: وهي منصة تمويل جماعي تربط شبكة من المستثمرين مع الشركات الناشئة المحتملة، وهي المثال الأول للتمويل الجماعي القائم على الأسهم المتوافق مع الشريعة الإسلامية. تأسست في نوفمبر 2012، وهدفها الرئيسي هو سد فجوة التمويل للشركات الناشئة والمؤسسات المتناهية الصغر، وهي تركز كثيرا على بعد المسؤولية الاجتماعية، وتستهدف المشاريع التي تحتاج تمويل ما بين 50000 و300000 دولار.
– منصة Yomken: وهي منصة تمويل جماعي قائمة على المنتجات، بدأت نشاطها في أكتوبر 2012 وهي المثال الأول من التمويل الجماعي القائم على المنتج، وتعتبر نفسها متوافقة مع الشريعة الاسلامية، وتجمع هذه المنصة بين التمويل الجماعي والابتكار المفتوح والتوافق مع الشريعة، حيث تم تصنيف منتجها على أنه “حلال”. تستهدف هذه المنصة مستقبلا إدراج المزيد من المشاريع على موقعها وتوسيع نشاطها إلى منطقة الشرق الأوسط وباقي دول شمال أفريقيا.
– أما منصة “أجل”: فتعمل على توفير خيارات تمويلية بديلة تعتمد على الحلول التكنولوجية عبر منصة رقمية مستحدثة لتلبية احتياجات المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في مصر حيث تقوم المنصة بتطوير منتجات تمويل رقمية متخصصة وغير نقدية، تتوافق مع الشريعة الإسلامية. تشمل نموذج المرابحة كنموذج لتمويل الشراء. تأسست شركة “أجل” في أكتوبر 2021، حينما أدرك مؤسسها عبد الرحمن سعيد وأحمد الشربيني الفرصة الكامنة في توفير خيارات تمويلية بديلة تتناسب مع المعتقدات الاجتماعية والثقافية لقطاع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في مصر، من خلال العمل على إعادة هيكلة الخدمات المالية التقليدية.
 في الاردن: هناك منصتان هما “أفكار مينا” و”ليوا”:
حيث يستخدم التمويل الجماعي في الأردن لتمويل المشاريع الاجتماعية لمساعدة الأشخاص الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى النظام المصرفي التقليدي، حيث تتمثل أهداف التمويل الجماعي في توفير الأموال لرواد الأعمال الأردنيين من خلال جذب وإقناع المستثمرين بتمويل المشروعات المبتكرة وخصوصا تنفيذ المشاريع التعليمية. إضافة إلى تمويل المشاريع الإبداعية مقابل مكافآت مالية بسيطة للممولين. ومنصة “أفكار مينا” هي منصة تمويل جماعي لرواد الأعمال الاجتماعيين، حيث أنها موجهة لمنظمات المجتمع المدني والنشطاء ورواد الأعمال والخبراء في مجالات التكنولوجيا والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتهدف هذه المنصة إلى بناء مجتمع وسوق مفتوح على مفهوم وفكرة الاقتصاد التشاركي لتبادل المعرفة والخبرة والتجربة والموارد بين أعضاء المنصة. وتتمثل نشاطاتها في إطلاق حملات للتركيز على مشكلات محلية، وتحديد الحلول والمساعدة في التغيير الإيجابي، بالإضافة إلى نشاطات تبادل المعرفة والدورات التدريبية.
 في الإمارات هناك عدد من المنصات التي تمارس نشاط التمويل الجماعي من أبرزها منصات “دبي نکست ” و “بيهايف”، و”بوريكا”:
– تعتبر منصة “دبي نكست”: أول منصة تمويل جماعي حكومية تهدف إلى تقديم الدعم، وتعتبر منصة “بيهايف” أول منصة إلكترونية تسمح للمستثمرين بتقديم القروض لأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة في الإمارات. كذلك تقدم منصة “يوريكا” تمويل جماعي للشركات الصغيرة والمتوسطة والجمهور من خلال الاستثمار في الأسهم، تهدف منصة “دبي نكست” إلى تقديم الدعم المجتمعي للشباب وأصحاب الأفكار المبدعة من مختلف الجنسيات من خلال جذب رؤوس أموال صغيرة الحجم من أفراد المجتمع للمشاركة في تمويل مشاريع تجارية قائمة على أفكار مبتكرة وتتيح المنصة للأفراد والشركات البدء في عرض أفكارهم لاستقطاب رؤوس الأموال اللازمة لهم من المساهمين من أفراد المجتمع، ليتسنى لهم تنفيذ مشاريعهم في دبي اعتماداً على مفهوم التمويل الجماعي. وتعتمد منصة “دبي نكست” على نموذج “الكل أو لا شيء” في تمويل المشاريع، حيث يتم تحديد التمويل المستهدف الذي ينوي صاحب المشروع جمعه من خلال منصة “دبي نكست” ضمن فترة زمنية محددة، وفي حال وصول التمويل من جمهور المساهمين إلى المبلغ المستهدف، يحصل صاحب المشروع على المبلغ المطلوب لتنفيذ المشروع من خلال مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وفي حال عدم وصوله إلى المبلغ المستهدف، تعاد المبالغ إلى المساهمين بعد انتهاء المدة الزمنية المحددة للتمويل يحتفظ أصحاب المشاريع بملكية مشاريعهم بنسبة 100%، وتكون المساهمة بدون مقابل أو مقابل مكافأة يقدمها صاحب المشروع كطريقة لإظهار التقدير منها الحصول على المنتج مجانا ومنها الاشتراك في الخدمة مجانا وغيرها، حيث تتلائم المكافأة المستلمة بشكل عام مع المبلغ الذي تم المساهمة به.
– أما بخصوص منصة “بيهايف”: والتي اعتبرها مجلس الخدمات الاسلامية IFSB من المنصات الشرعية للتمويل الجماعي، فتعد أول منصة للتكنولوجيا المالية مصرح لها مزاولة نشاط الإقراض بين النظراء (الند للند) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومسجلة لدى سلطة دبي للخدمات المالية في مركز دبي المالي العالمي. وتستخدم المنصة تقنية مبتكرة لربط الشركات التي تسعى للحصول على تمويل سريع، وبأسعار معقولة، مع المستثمرين الذين يمكنهم المساعدة في تمويل نموهم.

 في البحرين:
تعتبر منصات التمويل الجماعي أحد البدائل لتمكين الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ودعم النظام البيئي للتقنيات المالية، وأيضا زيادة عروض خدمات التمويل المتوافق مع الشريعة التي تساهم في سد جانب من الفجوة التمويلية في البحرين، وتوفير الفرص المناسبة لكل من المستثمرين، والمقرضين، والمساهمة في تنمية الحلول الابتكارية.
 في السعودية: هناك ثماني منصات، وهي منصات “سكوبر “، و “منافع “، و “ثروة المالية”، و”المنصة الرقمية”، و”أصول وبخيت الاستثمارية “، و”صكوك المالية “، و”إمكان العربية المحدودة”، و “وثاق المالية”، وتعتبر منصة “منافع” من أبرز هذه المنصات.
– تتميز منصة “منافع” بأن لها لجنة شرعية تحرص على توافق نشاط المنصة مع الشريعة الإسلامية. وتنحصر مهام هذه اللجنة في التحقق من التزام المنصة بقرارات اللجنة في منتجاتها وعقودها. وتوضح أحكام الشريعة في جميع المعاملات المالية والاستثمارية للمنصة ويقوم نموذج عمل المنصة على ما يعرف بالتمويل الجماعي بالدين، حيث يوفر سيولة نقدية فورية تصل إلى 80% من قيمة فواتير المبيعات المقدمة للجهات الحكومية والخاصة، وتوفر تمويل يصل إلى 80% من قيمة خطابات الضمانات الابتدائية والنهائية للمشاريع والمنافسات الحكومية والخاصة.
– بالإضافة لتلك المنصات هناك منصة “ليندو” وهي منصة تمويل مرخصة ومتوافق مع الشريعة الإسلامية تعمل بالتمويل الجماعي بالدين (P2P) والتي تساعد في تمويل فواتير المبيعات الآجلة للشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية وكل عملية تمويل تتم على منصة “ليندو” تكون من خلال عملية مرابحة متكاملة بما في ذلك العقود للمستثمرين والشركات والإجراءات الشرعية والقانونية.
 في فلسطين: هناك منصتان هما “لنبني فلسطين”، و ” كرودبال” تمارسان نشاط التمويل الجماعي القائم على التبرعات والتمويل الجماعي القائم على الأسهم (المشاركة في راس المال):
-حيث تعتبر منصة “لنبني فلسطين” أول منصة لدعم المشاريع ذات الأثر الإيجابي في المجتمع الفلسطيني. حيث تقوم المنصة بتحديد احتياجات المجتمع ومن ثمة تقوم بعمل حملة ترويجية لجمع التبرعات لتنفيذ المشاريع والابتكارات الخاصة بالشباب والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. في حين تعتبر منصة “كرودبال” أول منصة تمويل جماعي جديدة للأسهم لدعم رواد الأعمال الفلسطينيين في فلسطين تم إنشاؤها خصيصا لدعم رواد الأعمال الفلسطينيين.

 في المغرب:
يتم تمويل ريادة الأعمال الاجتماعية من خلال تمويل مانحين خاصين، ومن خلال مبادرات جمعيات ومؤسسات: مثل “مبادرة سوس ماسة”، جمعية الإقراض الأصغر. ويعاني التمويل الجماعي في المغرب من عدم وجود إطار تشريعي وتنظيمي. ومن بين أربع منصات عاملة في المغرب هناك منصتان يحكمها القانون الفرنسي رغم ذلك هناك اجتهادات وجهود في هذا الإطار خاصة بعد ظهور البنوك التشاركية، ومشروع القانون المتعلق بالتمويل التعاوني والتشاركي في المغرب، وبهذا فإن السياق المغربي موات لإيجاد تمويل جماعي إسلامي.
هذه الأمثلة تدل على الانتشار المتزايد لمنصات التمويل الجماعي الإسلامي في الدول العربية، بعد إدراك أهميتها والإيمان بضرورتها لتمويل مشاريع ريادة الأعمال الاجتماعية، ولازالت هناك جهود متواصلة لإنشاء المزيد من المنصات في الدول المذكورة ذاتها، وفي دول أخرى في المنطقة العربية، مما سيدفع بمشاريع الريادة الاجتماعية نحو التوسع والنمو والانتشار، ومن ثم المساهمة في حل بعض الإشكالات الاجتماعية التي تعاني منها المنطقة.
ثانيا: تحديات منصات التمويل الجماعي المتوافقة مع الشريعة الإسلامية
أ‌- ضعف البنية التحتية التكنولوجية:
تعتبر البنية التحتية التكنولوجية حجر الزاوية لنمو التمويل الجماعي، فهو يعتمد على اتساع الاتصال بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، واتساع الاعتماد على الدفع الالكتروني، والمعالجة القانونية للصفقات عبر الانترنت.
في قارة أفريقيا أغلبية السكان غير متصلون بشبكة الانترنت، وهو ما يخلق صعوبات رواد الأعمال من ناحية بلوغ الممولين وإقامة شبكة علاقات مع الداعمين، وبالتالي عدم الاستفادة من المزايا الأساسية والفرص التي أوجدها التمويل الجماعي والملاحظ في السنوات الأخيرة بداية تحسن هذه الوضعية، بعدما أصبحت تكنولوجيا الانترنت والهواتف الذكية في متناول عدد أكبر من سكان أفريقيا، وبالنسبة لمعدل اختراق الانترنت داخل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا فقد شهد نمواً كبيراً، غير أنه يبقى متراجعاً جداً مقارنة بالدول المتقدمة، ففي سنة 2017 بلغ معدل اختراق الانترنت في أفريقيا 35.2% من عدد السكان وفي الشرق الأوسط 64.5% مقارنة بمعدل 85,2% في أوروبا و 95% في شمال أمريكا.
من جهة ثانية، تعتبر المدفوعات الالكترونية التحدي الرئيس الآخر للدول النامية، فهناك نقص في وسائل الدفع الالكتروني بمختلف أنواعها والتي بإمكانها تخفيض تكاليف معاملات التمويل الجماعي، كما أن استخدام بطاقات الائتمان والتحويلات المصرفية عبر الانترنت منخفض كثيراً في هذه الدول.
ب‌- غياب الإطار التنظيمي:
تعاني صناعة التمويل الجماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عموماً من غياب الإطار المنظم لعملياتها، حيث تنشط المنصات في ظل غياب قوانين تنظم عملياتها، وغياب الترخيص بممارسة نشاط منصة تمويل جماعي من قبل السلطات، وكذلك غياب قواعد تنويع الاستثمار والاحتراز من المخاطر، وهو ما تم معاينته من خلال تصفح موقع المنصات.
ت‌- نقص الشفافية:
تعد التطورات التكنولوجية مرادفاً لتوفير مزيد من الشفافية، وعلى هذا الأساس فإن الدور الرئيسي لمنصات التمويل الجماعي هو توفير معلومات دقيقة للداعمين سواء الحاليين أم المحتملين حول المؤسس والمشروع، ورفع شفافية عملية التمويل والقائم عليها، حتى يتمكن الداعمون من اتخاذ قرارهم عن دراية، ولكن في بعض حالات التمويل الجماعي يحدث العكس، حيث تحد المواقع الالكترونية من القدرة على الوصول للمعلومات، سواء بالنسبة لنوعية المعلومات أم الفئات التي تحصل عليها. وفي مثل هذه الحالات فإن التكنولوجيا توفر الشفافية ولكن بالنسبة لبعض المعلومات فقط ولبعض أصحاب المصالح.
ث‌- الحوكمة الشرعية
متصفح مواقع هذه المنصات لا يجد أية تفاصيل حول الكيفية التي تضمن بها توافق نشاطاتها مع الشريعة أو خضوعها للإشراف والرقابة من قبل مجلس أو مستشار شرعي. فمثل منصة “شكرة” ما يدل على مراعاتها للشريعة هو ذكرها على الموقع أنها حصلت على جوائز إسلامية قدمت لها من قبل جهات تدعم الاقتصاد الإسلامي، وكذلك روج مؤسسو المنصة لمقاربتهم على أنها تراعي الشريعة عبر الجرائد والمؤتمرات. وسجلت دراسة “مجلس الخدمات المالية الإسلامية” نفس الملاحظة فيما يخص منصة (ataplus)، وهي منصة متوافقة مع الشريعة، والأمر الوحيد الذي يوحي بذلك هو قائمة النشاطات التي لا ينبغي لرائد الأعمال الباحث عن التمويل الدخول فيها. أما بالنسبة لمنصة التمويل الجماعي بالإقراض (beehive) المتواجدة في الإمارات العربية المتحدة والتي تتبع مقاربة ثنائية، حيث تعرض أساليب تمويل تقليدية وإسلامية، وأسلوب التمويل الإسلامي موضح بشكل مفصل للغاية على موقع المنصة.
خاتمة:
بعد استعراض جميع محاور الموضوع والإجابة على الإشكالات المطروحة، توصلنا إلى النتائج والتوصيات التالية:
أبرز النتائج:
 التمويل الجماعي الإسلامي يمثل نموذجًا حديثًا يجمع بين التكنولوجيا الرقمية ومبادئ الشريعة الإسلامية، مما يتيح للأفراد والمؤسسات إمكانية المشاركة في تمويل المشاريع بطرق مبتكرة ومتوافقة مع القيم الإسلامية.
 يسهم هذا النوع من التمويل في تعزيز الشمول المالي، حيث يوفر فرصًا للأفراد الذين يفضلون التعاملات المتوافقة مع الشريعة أو الذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى التمويل التقليدي.
 ضعف البنية التحتية التكنولوجية الناتج عن محدودية الاتصال بالإنترنت، وقلة وسائل الدفع الإلكتروني، وغياب المعالجة القانونية للصفقات على الإنترنت.
 غياب الإطار القانوني المنظم لنشاط التمويل الجماعي، وهو ما يحد من قدرة المنصات القائمة للتمويل الجماعي المتوافق مع الشريعة على تطوير أعمالها وزيادة نشاطها، كما لا يشجع ولا يحفز على التوسع في إنشاء منصات أخرى تلبي احتياجات عدد أكبر من رواد الأعمال والمستثمرين الصغار.
التوصيات:
 إنشاء إطار قانوني وتنظيمي متكامل: يجب أن تضع الدول قوانين ولوائح واضحة لتنظيم عمل منصات التمويل الجماعي الإسلامي، بما يضمن التوافق مع الشريعة الإسلامية وحماية حقوق جميع الأطراف.
 تشجيع الابتكار في المنصات الرقمية: تطوير تقنيات حديثة لتحسين تجربة المستخدم وزيادة مستوى الأمان وحماية البيانات لضمان الثقة في المنصات.
 إنشاء هيئات رقابية شرعية: تأسيس لجان رقابية تابعة للمنصات للتحقق من توافق المشاريع والعمليات المالية مع أحكام الشريعة الإسلامية.

قائمة المصادر والمراجع
أولا: المصادر باللغة العربية
• بولحبال زوبير، تحديات التمويل الجماعي المتوافق مع الشريعة دراسة حالة منصة “شكرة”، المجلة الدولية للمالية الريادية، المجلد 3، العدد 1، يناير 2020.
• هبة عبد المنعم، ورامي يوسف عبيد، منصات التمويل الجماعي الافاق والاطر التنظيمية، الامارات العربية المتحدة امانة مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، سنة 2019.
• فيصل شياد، فرص بديلة للتمويل في العالم العربي التمويل الجماعي الإسلامي، مجلة الادارة والتنمية للبحوث والدراسات، 08، العدد 01، سنة 2019.
• سليمان بلعور، خديجة بن حمدون، منصات التمويل الجماعي الإسلامي كآلية لدعم ريادة الأعمال الاجتماعية-دراسة استعراضية لبعض المنصات النشطة في الوطن العربي-، مجلة معهد العلوم الاقتصادية، المجلد 27، العدد 01، سنة 2024.
• صندوق النقد العربي الإصدار الثاني لتقرير مرصد التقنيات المالية الحديثة في الدول العربية، منصات التمويل الجماعي، أبو ظبي: صندوق النقد العربي، 2021.
ثانيا: المصادر باللغة الأجنبية
• Cambridge Center for Alternative Finance, “Crowdfunding in East Africa: Regulation and Policy for Market Development”,(2017).
• Cambridge Alternative Finance,”Breaking New Ground,”(2016).
• Mauro, F. et al.”Islamic Finance in Europe “, ECB Occasional Paper No. Available,(2013),https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=2251204
• IFSB, “Islamic Financial Services Industry Stability Report”,(2018), available at:
• file:///C:/Users/saif%20mohamed/Downloads/Islamic%20Financial%20Services%20Industry%20Stability%20Report%202018_En%20(1) .pdf
• Hasan S. and Muniir A. “Islamic Crowdfunding Platforms: A Possible Tool for Financial Inclusion”, Ethics Crowd, Nov., (2017). available at: https://www.ethiscrowd.com/blog/islamic-crowdfunding-platforms/ .
• IFSB, “Islamic Financial Services Industry Stability Report”, (2017). available at: https://www.ifsb.org/docs/IFSB%20IFSI%20Stability%20Report%202017. pdf
• islamic crowdfunding. (2021, 5 ,12). Consulté le 4 26, 2021, sur islamic-crowdfunding.com : https://www.islamic-crowdfunding.com
• (2023). https://manafa.sa/products .
• (2023). https://lendo.sa .
• CHAKIR, A. L. Growdfunding islamique une solution pour le financement de l’entrepreneuriat social au Maroc Revue de l’entrepreneuriat et de l’ennovation, (2020).
• World Bank (WB), Islamic Development Bank (IDB) and Islamic Research and Training Institute (IRTI), «Leveraging Islamic finance for small and medum enterprises (SMEs)», Joint WB-IDB policy report, World Bank Global Islamic Finance Development Center, Istanbul, Turkey, 2015.
• Beaulieu Tanya Y, Sarker Suprateek and Sarker Saonee, «A conceptual framework for understanding crowfunding». Communications of the Association for information Systems: Volume 37, Article 1, 2015.
• Mushthaq Ahammed K, «Shariah compliant crowd funding: an alternative optimal platform for funding MSMES», KAAV international journal of economics, commerce & business management, Vol 4, Iss 3, A 13, Delhi, India, 2017.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى