التَّصَالُح الجِنَائيّ فِي الجَرَائِم الاقتصَاديَّة فِي التَّشريعات القَطَرِيّة: دراسة تحليليَّة – الاصدار 46 من سلسلة الابحاث الجامعية و الاكاديمية
إعداد خلود عتيق الكعبي قُدّمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلّبات الحصول على درجة الماجستير في القانون العام
للتحميل و الاطلاع
المُلخَّص
خلود عتيق الكعبي : ماجستير في القانون العام / يناير 2021.
العنوان: التَّصَالُح الجِنَائيّ فِي الجَرَائِم الاقتصَاديَّة فِي التَّشريعات القَطَرِيّة: دراسة تحليليَّة
المشرف على الرسالة: د. دكتور أحمد سمير حسنين
يُعّد التَّصَالُح الجِنَائيّ أحد الوسائل الفعّالة لبدائل الدعوى الجِنَائيَّة، فهو إجراء تنقضي بشأنه الدعوى الجِنَائيَّة إن تمَّ الضلوع بها فعلًا، ويكون ذلك بمقابل معين يؤديه الشخص المتهم أو المخالف بحسب الأحوال، فيأتي هذا النظام كاستثناء للقاعدة الأساسيَّة فِي القَانُون الجِنَائيّ، وهي حق الدَّولَة فِي عقاب الجاني، وحقها فِي حماية المجتمع، وتطبيق العدالة بحق كل من يخالف القَانُون ويرتكب جَرَائِم تهدد الجانب الاقتصادي للدَّولة، فتلجأ الدَّولَة إلى إجرِاءَات تأخذ من خلالها حقَّها دون أن تسلك طرق المحاكم الطويلة، وإن اختلفت مسميات هذا الإجراء، فهو يحقق نتيجة واحدة ألا وهي انقضاء الدعوى الجِنَائيَّة أو وقف تنفيذ العُقُوبَة فِي حال تمَّ التَّصَالُح بعد صدور الحكم، إلا أن هذا النّظام قد يتشابه مع غيره من الأنظمة التي تنتهي بإجراء مغاير لإجراء الدعوى الجِنَائيَّة؛ فيستلزم الأمر الالتفات لمثل هذه الأنظمة والتمييز فيما بينها وبين نظام التَّصَالُح الجِنَائيّ، كذلك من المهم الوقوف عند الآراء الفقهيَّة حول تأييد ومعارضة هذا النظام، بالإضافة إلى بيان القوانين التي تبنت نظام التَّصَالُح بين طياتها، وتوضيح الآليات المتبعة لنظام التَّصَالُح فِي دولة قطر، وسوف تسلط الدراسة الضوء على هذه النقاط، بالإضافة إلى بيان الآثار الإجرائيَة للتصالح، منتهين فِي ذلك إلى مجموعة من النتائج والتوصيات، ومن أهمها تبني المشرع القَطَرِيّ فكرة التسوية مع المتهم فِي الجَرَائِم التي تمس الاقتصاد الوَطَنيّ، بينما نص على التَّصَالُح فِي الجَرَائِم ذات الطابع المَالي الأخرى، كما أنه لم يحدد ماهية الجَرَائِم التي تمس الاقتصاد الوَطَنيّ، وتشمل التوصيات التعديل على قَانُون الإجرِاءَات الجِنَائيَّة المادة 18، واستبدال بـمصطلح التَّصَالُح بمصطلح التسوية، تحديد الجَرَائِم الماسة بالاقتصاد الوَطَنيّ على سبيل المثال
المقدمة
إنّ الطريق نحو التطور ومواكبة المستجدات يتطلب كسر القواعد التقليديَّة والجمود الذي يعتريها لاستحداث سُبل استثنائيَّة تُسهم وبشكل جليّ فِي تحقيق التطلعات المستقبليَّة لكل دولة، فمن الأساسيات التي ترقى بالدول: وجود نظام قَانُوني مرن من ناحية التعديل والتغيير؛ ليواجه كافة التطورات فِي العالم، فمن بين هذه المستجدات فِي مجال القَانُون ما يتعلق بالسياسة العِقَابيَّة التي تسعى إلى المضي بنظام يكون بديلًا للدعوى الجِنَائيَّة ألا وهو التَّصَالُح الجِنَائيّ، الذي يُعد استثناء على القاعدة الأساسيَّة المتمثلة في رفع الدعوى الجِنَائيَّة التقليديَّة وسُبل التقاضي الطويلة التي تؤدي بطريقة ما إلى تكدس القضايا فِي المحاكم؛ ما ينتج عنه تأجيل الفصل فيها، فيأتي نظام التَّصَالُح الجِنَائيّ حاملًا بين طياته السرعة والإنجاز وتحقيق الاعتبارات الاقتصَاديَّة والأهداف العَمَليَّة التي تعد على رأس قائمة مميزاته، فلا مجال للتباطؤ فِي الإجرِاءَات أو تراكم القضايا، فالسياسة العِقَابيَّة الحديثة تهدف إلى تجنب مثالب النظم التقليديَّة كحبس الحرية لتحقيق أهداف العُقُوبَة، وهو ما يحاول التَّصَالُح الجِنَائيّ البُعد عنه والحصول على الفائدة من المتهم بدلًا من تقييد حريته، ويكمن تحقيق هذا الهدف فِي الجَرَائِم ذات الطابع المَالي والتي تكون الدَّولَة الطرف المعتدى عليه فيها من خلال سلب أموالها بأي طريقة كانت، فلا تستفيد الدَّولَة إن تم تكبيل حرية المتهم بدلًا من قيامه برد الأموال التي تحصل عليها، فالنتيجة الأخيرة تؤتي ثمارها وتعيد الأموال لخزينة الدَّولَة.
إنّ التَّصَالُح الجِنَائيّ فِي الجَرَائِم الاقتصَاديَّة أصبح من النظم القَانُونيَّة التي تتزاحم الدول الهادفة للتطور على وضعه فِي قوالب قَانُونيَّة منظمة متجنبة أي ثغرات أو قصور تشريعي؛ لما ينتج عنه من فوائد جلية أهمها: المقابل المادي الذي تتحصل عليه الدَّولَة، ومن جانبه يسعى المشرع القَطَرِيّ لأن تكون لديه بصمة فِي تبني هذا النظام، وذلك عبر النص عليه صراحةً فِي مختلف القوانين العِقَابيَّة إيمانًا منه بضرورة اتباع السياسات العِقَابيَّة الحديثة وأخذ ما يتماشى منها مع النظام القَانُوني القَطَرِيّ.
مشكلة الدراسة
تُعد الجرائم الاقتصادية من أكثر الجرائم التي تهدد أمن الدولة لاعتدائها على أموال الدولة في المقام الأول ولأثارها السلبية التي تؤثر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فاختلاس المال العام أو التهرب الضريبي والجمركي وغيرها من الممارسات ذات الطابع المال تؤدي إلى وجود عجز في الموازنة العامة للدولة، كما أنها تتميز باستحداث طُرق ارتكابها وبصعوبة ملاحقة مرتكبيها وإحالتهم للمحاكمات، فيأتي نظام التصالح الجنائي كسبيل لحصول الدولة على أموالها المسلوبة مقابل عدم تحريك الدعوى الجنائية في حق المتهمين، ولما يمثله هذا النظام من أهمية لابد من الوقوف عنده ودراسته ومعالجة اي قصور تشريعي يعتريه.
تساؤلات الدراسة
تكمن مشكلة الدراسة فِي التساؤلات التالية: ما أهمية الأخذ بنظام التَّصَالُح الجِنَائيّ في الجَرَائِم الاقتصَاديَّة ؟ هل تبنى المشرع القَطَرِيّ نظام التَّصَالُح في كافة الجرائم التي تمس الاقتصاد الوطني ؟ ما مدى تطبيق نظام التَّصَالُح فِي التَّشريعات القَطَرِيّة؟ وهل أحسن المشرع القَطَرِيّ فِي بيان كافة الإجرِاءَات والآثار المتعلقة بالتَّصَالُح الجِنَائيّ فِي الجَرَائِم الاقتصَاديَّة ؟
أهميَّة الدراسة
تتعلق الدراسة بموضوع بات شائعًا جدًا فِي السياسة العِقَابيَّة الحديثة، وهو التَّصَالُح كبديل من بدائل الدعوى الجِنَائيَّة التقليديَّة لما له من فوائد جلية تفوق الانتقادات التي توجه إليه خاصةً فِي الجَرَائِم الاقتصَاديَّة ، فهو يهدف للحد من اللجوء للقضاء، ويتفادى بالتالي الوقت الذي تستغرقه الإجرِاءَات التقليديَّة للمحاكمة الجِنَائيَّة، وبذلك تتمكن الدَّولَة من الحصول على حقها المسلوب منها بواسطة مرتكبي الجَرَائِم الاقتصَاديَّة.
منهجيَّة الدراسة
اتخذت الباحثة المنهج التحليلي من خلال تحليل النصوص القَانُونيَّة فِي التَّشريع القَطَرِيّ المرتبطة بموضوع التَّصَالُح الجِنَائيّ، كذلك تحليل الآراء الفقهيَّة المختلفة حول الفرق بين التَّصَالُح والصلح وغيره من الأنظمة المشابهة، وما آلت إليه الآراء الفقهيَّة حول تأييد أو معارضة فكرة التَّصَالُح الجِنَائيّ ، بالإضافة إلى المنهج المقارن لبيان الاختلاف بين المشرع القَطَرِيّ والمشرعين الأُردنِيّ و المِصرِيّ فيما يتعلق بالرقابة القضائية على التَّصَالُح الجِنَائيّ.
الدراسات السابقة
- الأستاذ/ محمد سعيد عبد العاطي، التَّصَالُح فِي جَرَائِم الأسواق المَالية غير المصرفيَّة فِي القَانُون المِصرِيّ والقَانُون القَطَرِيّ، المجلة القَانُونيَّة والقَضَائيَّة، 2013م.
تناولت هذه الدراسة نظام التَّصَالُح الجِنَائيّ وتحديدًا فِي جَرَائِم الأسواق المَاليَّة، بالمنهج المقارن بين القَانُون القَطَرِيّ والقَانُون المِصرِيّ؛ حيث تطرق الكاتب إلى بيان ماهية التَّصَالُح فِي جَرَائِم الأسواق المَالية كتعريف التَّصَالُح والفرق بين التَّصَالُح وبين الصلح والوساطة الجِنَائيَّة والتسوية الجِنَائيَّة، والطبيعة القَانُونيَّة للتصالح فِي جَرَائِم الأسواق غير المصرفيَّة، كما تناول الكاتب الإجرِاءَات القَانُونيَّة للتصالح فِي جَرَائِم الأسواق المَالية وبيّن أشخاص التَّصَالُح والشروط القَانُونيَّة للتصالح، وأخيرًا تناول الكاتب الآثار القَانُونيَّة المترتبة على التَّصَالُح كأثر التَّصَالُح على الدعوى الجِنَائيَّة، وعلى الدعوى المدنيَّة.
وتختلف دراستنا عن دراسة الأستاذ/ محمد سعيد عبد العاطي، فِي أنها شاملة للجَرَائِم الاقتصَاديَّة وليست خاصة بجَرِيمَة محددة، وتناولت دراستنا الآراء المؤيدة والمعارضة لنظام التَّصَالُح الجِنَائيّ، بالإضافة إلى بيان التَّصَالُح الجِنَائيّ فِي القوانين العِقَابيَّة الخاصة فِي دولة قطر، علاوة على وجود جزئيَّة تتعلق بالمقارنة بين المشرعين القَطَرِيّ والأُردنِيّ والمِصرِيّ فيما يتعلق بالرقابة القَضَائيَّة على التَّصَالُح الجِنَائيّ، كما أن دراستنا تتبع المنهجين التحليليّ للنصوص القَانُونيَّة القَطَرِيّة المتعلقة بالتَّصَالُح، وهي بذلك تكون مختلفة عن الدراسة المذكورة التي اتبع فيها المنهج المقارن بين المشرع القَطَرِيّ والمشرع المِصرِيّ.
- الأستاذ/ أنور محمد المساعدة، الصلح الجزائيّ فِي التَّشريعات الاقتصَاديَّة القَطَرِيّة، مجلة دمشق للعلوم الاقتصَاديَّة والقَانُونيَّة 2008.
تناولت هذه الدراسة الصلح الجِنَائيّ فِي القَانُون القَطَرِيّ عبر بيان الطبيعة القَانُونيَّة للصلح الجِنَائيّ ونطاق تطبيقه، وبيان الآراء المختلفة حول مدى فاعلية الصلح الجِنَائيّ فِي التَّشريعات الجِنَائيَّة، كذلك تطرق الكاتب إلى الضوابط الشكليَّة والموضوعيَّة للصلح الجِنَائيّ، بالإضافة إلى الآثار القَانُونيَّة المترتبة على الصلح الجِنَائيّ، وقد استند الكاتب فِي حديثه عن الصلح الجِنَائيّ إلى قَانُون الإجرِاءَات الجِنَائيَّة القَطَرِيّ وقَانُون الجمارك، كما استعان بالمنهج المقارن مع المشرعَين الفرنسي والأُردنِيّ فيما يتعلق بنطاق تطبيق الصلح فِي التَّشريعات الاقتصَاديَّة الفرنسيَّة والأُردنِيّة وفي التَّشريعات القَطَرِيّة؛ حيث أشار إلى قَانُون الإجرِاءَات الجِنَائيَّة وقَانُون الجمارك، بالإضافة إلى حديثه عن الشروط الشكليَّة والإجرائيَّة للصلح ومقارنته أطراف الصلح الجِنَائيّ فِي التَّشريعات الفرنسيَّة والأُردنِيَّة والقَطَرِيَّة.
وتختلف الدراسة المذكورة عن دراستنا فِي أنها جاءت مقارنة بين المشرع القَطَرِيّ والمشرعَين الفرنسيّ والأُردنِيّ، وتناولت بشكل تفصيليّ الشروط الشكليَّة والإجرائيَّة بالصلح وأطراف الصلح، وقد اتخذ الكاتب مصطلح الصلح بدلًا من التَّصَالُح ولم يُميز بينهما، بينما عمدنا فِي دراستنا استخدام مصطلح التَّصَالُح وبيان الفرق بينه وبين الصلح، كما أنه لم يتوسع فِي التَّشريعات الاقتصَاديَّة القَطَرِيّة الأخرى التي أخذت بنظام التَّصَالُح، كما هو الحال فِي دراستنا؛ حيث تطرق لقَانُون الجمارك فقط، فِي حين أن دراستنا بيَّنت التَّصَالُح الذي يتم فِي القوانين العِقَابيَّة الخاصة مثل قَانُون الضريبة على الدخل والتَّصَالُح الذي يتم فِي الجَرَائِم المنصوص عليها فِي قَانُون هيئة قطر للأسواق المَالية وقَانُون مصرف قَطَرِيّ المركزي وتنظيم المؤسسات.
خطة البحث
تم تقسيم البحث على النحو التالي:
الفصل التمهيدي: ماهية التَّصَالُح الجِنَائيّ وتقديره ومفهوم الجَرَائِم الاقتصَاديَّة
المبحث الأول: مفهوم التَّصَالُح الجِنَائيّ
المبحث الثاني: التمييز بين التَّصَالُح الجِنَائيّ وغيره من الأنظمة المشابهة
المبحث الثالث: تقدير نظام التَّصَالُح فِي الجَرَائِم الاقتصَاديَّة
المبحث الرابع: مفهوم الجَرَائِم الاقتصَاديَّة
الفصل الأول: النطاق الموضوعي للتصالح
المبحث الأول: التَّصَالُح فِي قَانُون الإجرِاءَات الجِنَائيَّة القَطَرِيّ
المطلب الأول: الأسباب التي دفعت المشرع القَطَرِيّ إلى تبني نظام التَّصَالُح.
المطلب الثاني: نطاق التَّصَالُح
المطلب الثالث: الرقابة القَضَائيَّة على إجراء التَّصَالُح فِي ظل التَّشريع القَطَرِيّ والتَّشريعات المقارنة
المبحث الثاني: التَّصَالُح فِي القوانين العِقَابيَّة الخاصة
المطلب الأول: التَّصَالُح فِي جَرَائِم الاحتكار
المطلب الثاني: التَّصَالُح فِي الجَرَائِم المنصوص عليها فِي قَانُون مصرف قطر المركزي وتنظيم المؤسسات المَالية
المطلب الثالث: التَّصَالُح فِي الجَرَائِم المنصوص عليها فِي قَانُون هيئة قطر للأسواق المَالية
المطلب الرابع: التَّصَالُح فِي قَانُون الضريبة على الدخل
المطلب الخامس: التَّصَالُح فِي قَانُون الجمارك
المطلب السادس: التَّصَالُح فِي قَانُون العنوان الوَطَنيّ
الفصل الثاني: الآثار الإجرائية للتصالح
المبحث الأول: انقضاء الدعوى الجِنَائيَّة
المطلب الأول: تحديد أسباب انقضاء الدعوى الجِنَائيَّة على سبيل الحصر
المطلب الثاني: الوقت الذي تنقضي فيه الدعوى الجِنَائيَّة بالتَّصَالُح
المطلب الثالث: أثر التَّصَالُح على العُقُوبَة المقررة للجَرِيمَة موضوع التَّصَالُح
المطلب الرابع: آثار انقضاء الدعوى الجِنَائيَّة بالتَّصَالُح
المبحث الثاني: وقف تنفيذ العُقُوبَة
المطلب الأول: مفهوم وقف التنفيذ فِي التَّشريع القَطَرِيّ
المطلب الثاني: وقف التنفيذ كأثر للتصالح
المطلب الثالث: أثر التَّصَالُح على اعتبار الجَرِيمَة سابقة فِي العود
الخاتمة
أولًا: النتائج.
ثانيًا: التوصيات.