في الواجهةمقالات قانونية

الرسم العقاري على ضوء القانون 14.07

الرسم العقاري على ضوء القانون 14.07

من إعداد: كوثر زلالة

طالبة باحثة في سلك الماستر

ماستر العقار والتعمير بكلية العلوم القانوني

والاقتصادية والاجتماعية وجدة

 

 

مقدمة

يقصد بالتحفيظ العقاري مجموعة من العمليات التي ترمي في مجملها إلى جعل العقار خاضعا لمقتضيات ظهير 9 رمضان 1331 الموافق ل 12 غشت 1913[1]، كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 14.07 بتاريخ 22 نوفمبر 2011 والتي ترمي إلى تسجيل ملك عقاري في وثيقة رسمية تسمى بالسجل العقاري.

وطبقا لمقتضيات الفصل الأول من قانون التحفيظ العقاري فإن: “التحفيظ يرمي إلى جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد

ويقصد منه:

  • تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم العقاري وبطلان ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به.
  • تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحملات المتعلقة بالملك، في الرسم العقاري المؤسس له”.

وهكذا يترتب عن التحفيظ إقامة رسم الملكية مسجل بكناش عقاري من شأن هذا الرسم تثبيت وضع العقار ماديا من حيث معالمه وأوصافه ومساحته وحدوده ومن حيث بيان مالكه وذوي الحقوق العينية الآخرون سواء كانت حقوقا عينية أصلية أو حقوق عينية تبعية[2]، وبذلك يمكن للغير الإطلاع على وضعية العقار، بحيث يشكل الرسم العقاري الحالة المدنية للعقار المحفظ حيث يسمح بتتبع سائر التطورات التي قد تطرأ على وضعيته القانونية والمالية[3].

ولا شك أن الغرض الأساسي الذي توخاه المشرع عند إنشاء نظام التقييد للملكية العقارية، أو ما اشتهر بنظام التحفيظ العقاري عند العديد من المهتمين بهذا الأمر، هو دفع الاضطرابات التي يمكن أن تحدث حول الملكية العقارية من أجل جعل الحقوق المقيدة بالرسم العقاري مستقرة، يسهل معرفة وضعها للتعامل بشأنها بين المعنيين بأمرها. فالمالك المسجل بالرسم العقاري بصفة قانونية سواء إثر التأسيس الأولي للرسم العقاري، أو بعد تصرف صحيح في الحق المسجل عليه يبقى هو المالك الحقيقي للعقار، ويتمتع بمقتضى النصوص القانونية المدنية والزجرية والإدارية أحيانا بحماية تامة[4].ومن بين تلك الحماية أن لا يواجه المقيد في اسمه العقار بالتقادم من أي أحد حائز له لأن الحقوق المدونة على هذا الرسم والمقيدة فيه لا تسقط ولا تكتسب ضدها أية حقوق عينية أخرى على العقار إلا بالتقييد القانوني لها على الرسم العقاري الذي يكون خاصا بالملك، و يكون له رقمه المسجل به بحسب تسلسل تدوينه بعد إعطاء كل ملكية عقارية الأرقام الثابتة، واسما معروفا به مسجل بدفاتر وسجلات المحافظة العقارية قد يكون هو الذي أعطى للملك عند التقييد و التحفيظ[5]. ومنه يمكن طرح الإشكالية التالية: إلى أي مدى يحظى الرسم العقاري بالقوة الثبوتية؟ وما مدى حجيته؟

وللإجابة عن هذا الإشكال سنعمل على تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين اثنين وذلك على الشكل الاتي:

المبحث الأول: إنشاء الرسم العقاري ونظيره وشهادة التقييد الخاصة.

المبحث الثاني: آثار العقاري قرار التحفيظ

المبحث الأول: إنشاء الرسم العقاري ونظيره وشهادة التقييد الخاصة

تتوج مراحل التحفيظ العقاري بتأسيس الرسم العقاري، ويصبح العقار خاضعا لنظام التحفيظ العقاري ويكون من غير الممكن إخراجه منه ليعود كما كان عقارا غير محفظ. وقرار المحافظ على الأملاك العقارية بتأسيس الرسم العقاري لا يقبل الطعن القضائي[6] بجميع أشكاله– سواء عن طريق الإلغاء أو عبر التشطيب أو بالتعديل-. وقرار تأسيس الرسم العقاري هو قرار يطهر العقار من الحقوق غير الظاهرة وقت التحفيظ ولو كانت مشروعة، ويعترف في نفس الوقت بالوجود القانوني للحقوق الظاهرة وقت التحفيظ، ويضفي عليها صبغة المشروعية، وهو قرار ينتج عنه تأسيس رسم عقاري يشكل دليلا قاطعا على حق الملكية والحقوق العينية والتحملات العقارية المعلن عنها أثناء مسطرة التحفيظ[7].

ستتم معالجة هذا المبحث من خلال مطلبين سنتطرق في (المطلب الأول) إلى الرسم العقاري ونظيره في حين سنتطرق في (المطلب الثاني) إلى تسليم نظير الرسم العقاري أو الشهادة العقارية الخاصة.

المطلب الأول: الرسم العقاري ونظيره

هذا المطلب بدوره سنعمل على تقسيمه إلى فقرتين، (الفقرة الأولى) الرسم العقاري أما (الفقرة الثانية) سنتحدث فيها على نظير الرسم العقاري.

الفقرة الأولى: الرسم العقاري

يقصد بالرسم العقاري هو ذلك السند الذي يقيمه المحافظ على الأملاك العقارية للتعريف بالعقار الذي اتخذ في شأنه قرارا للتحفيظ باسم صاحبه[8]، والذي يجب أن يتضمن مجموعة من البيانات طبقا للفصل 52 من ظهير التحفيظ العقاري والذي جاء فيه: “كل تحفيظ يقتضي من المحافظ على الأملاك العقارية تأسيس رسم عقاري يتضمن لزوما:

1- وصفا مفصلا للعقار مع حدوده وبيان الأملاك المجاورة والملاصقة له ونوعه ومساحته،

2- الاسم الشخصي والعائلي للمالك ومحل سكناه وحالته المدنية وجنسيته وإن اقتضى الحال اسم الزوج و النظام المالي للزواج أو كل اتفاق تم طبقا لمقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة. ويتضمن في حالة الشياع نفس البيانات المذكورة أعلاه بالنسبة لكل شريك مع التنصيص على نصيب كل واحد منهم.

وإذا كان المالك شخصا اعتباريا فيجب بيان تسميته وشكله القانوني ومقره الاجتماعي وكذا ممثله القانوني.

3- الحقوق العينية العقارية المترتبة على العقار.

يحمل هذا الرسم العقاري رقما ترتيبيا واسما خاصا به ويبقى تصميم العقار ملحقا به.”

ويستفاد من الفصل المذكور أن المشرع أعطى لكل رسم عقاري رقم خاص به، واسم معروف به مسجل بدفاتر وسجلات المحافظة العقارية.

وينص الفصل 55 من القانون المذكور آنفا على أن: “إذا أسس الرسم العقاري أو قيد به حق عيني في اسم قاصر أو محجور، فيجب التنصيص فيه على سن القاصر أو نوع الأهلية.

إذا انتهت حالة القصور أو الحجز فإن القاصر الذي صار راشدا أو المحجور الذي أصبح متمتعا بالأهلية يمكنه أن يحصل بشأن ذلك على تعديل في رسمه العقاري.”

ومنه يستفاد أنه في حالة تأسيس رسم عقاري أو حق عيني باسم قاصر أو محجور فإنه يتعين التنصيص في الرسم العقاري على سن القاصر أو نوع عدم أهليته، فإذا بلغ القاصر سن الرشد أو انتفى سبب عدم أهليته هنا يجب تعديل الرسم العقاري مع الوضع الجديد قصد مطابقة الوضعية القانونية للرسم العقاري مع الوضع الجديد الذي أصبح عليه الشخص.

وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن كل رسم عقاري لا يمكن أن يتناول إلا عقارا واحدا سواء كان مؤلفا من قطعة واحدة أو من قطع متعددة، تشكل في مجموعها وحدة عقارية، وسواء كان مالك العقار شخصا واحدا أو شائعا بين عدة ملاك طبقا لمقتضيات الفصل 13 و14 من القرار الوزاري الصادر في 20 رجب 1333 لموافق ل 03 يونيو 1915.

الفقرة الثانية: نظير الرسم العقاري والشهادة العقارية الخاصة

عندما يصدر المحافظ قرارا بتحفيظ العقار، فإنه إلى جانب ذلك السند الذي يعرف بهوية العقار المحفظ يتم تحرير نظير لهذا الرسم العقاري يحتوي على جميع البيانات المدرجة في هذا الأخير، وينص الفصل 58 من القانون 14.07 على ما يلي:” للمالك دون غيره، الحق في أخذ نظير من الرسم العقاري ومن التصميم الملحق به. يشهد المحافظ على الأملاك العقارية بصحتها بإمضائه ووضع خاتم المحافظة العقارية عليها.

في حالة الشياع لا يسلم إلا نظير واحد للشريك المفوض له ذلك. أما باقي أصحاب الحقوق العينية فيمكنهم الحصول على شهادة خاصة بالتقييد.”

وينص الفصل 60 من ظهير التحفيظ العقاري على أن:” يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بنسخ كل بيان تم تقييده بالرسم العقاري في نظيره المقدم له. ويشهد بمطابقة النظير للرسم العقاري”.

يتضح جليا من خلال مقتضيات الفصلين أعلاه أنه في حالة اتخاذ قرار يتعلق بتأسيس رسم عقاري يتم تحرير نظير لهذا الرسم يحتوي على جميع البيانات المدرجة في الرسم العقاري، حتى التقييدات الواردة بالرسم العقاري يجب إدراجها في نظير الرسم العقاري بطريقة منتظمة وصحيحة.

كما يجب أن تذيل تلك التقييدات أو البيانات بإمضائها ووضع خاتم المحافظة العقارية عليها. ويتم تسليمه لمالك الرسم العقاري إذا كان منفردا، أما في حالة الشياع فلا يسلم إلا نظير واحد للشريك المفوض له من طرف باقي الملاكين، ويجب أن يكون هذا التفويض كتابيا، أما بقية الشركاء فليس لهم الحق إلا المطالبة بشهادة خاصة كما هو الشأن بالنسبة للدائن المرتهن[9].

وتجدر الإشارة إلى أنه أثير تساؤل حول مدى صلاحية المحامي لسحب نظير الرسم العقاري؟

وقد ذهب مجلس الأعلى في أحد قراراته إلى أنه يحق للمحامي سحب نظير الرسم العقاري مادام أن وكالة المحامي تعد وكالة قانونية[10].

المطلب الثاني: تسليم نظير الرسم العقاري أو الشهادة العقارية الخاصة

كما تمت الإشارة سابقا أنه إلى جانب تأسيس رسم عقاري لعقار معين فأنه يتم تحرير نظير لهذا الرسم يسلم لصاحب العقار الذي حفظ عقاره وأصبح خاضعا للنظام المقرر في القانون 14.07.

غير أنه قد يحدث ما من شأنه أن يفقد هذه الوثيقة كتعرضها للتلف أو السرقة أو الضياع لذلك نص المشرع في الفصل 101 من نفس القانون المذكور سابقا على أنه:” في حالة ضياع أو سرقة أو تلف نظير الرسم العقاري أو شهادة التقييد الخاصة يجب على صاحبهما أن يقدم للمحافظ على الأملاك العقارية الوثائق المثبتة وأن يدلي إليه بتصريح يتضمن هويته وظروف الضياع أو السرقة أو التلف وكل ما لديه من معلومات عن الحادث.

يمكن للمحافظ على الأملاك العقارية إذا ما ظهر له صدق التصريح أن يسلم للمعنى بالأمر نظيرا جديدا للرسم العقاري أو نسخة من شهادة التقييد الخاصة بعد انصرام خمسة عشر يوما من نشر إعلان بذلك في الجريدة الرسمية.”

يتضح من خلال قراءة مقتضيات الفصل المذكور أعلاه أنه في حالة فقدان نظير الرسم العقاري أو شهادة التقييد والتي نظمها المشرع المغربي “الشهادة العقارية” بمقتضى قرار الوزيري الصادر بتاريخ 3 يونيو 1915، فعلى المالك أو الدائن المرتهن أو من ينوب عنهما أن يتقدم بطلب أمام المحافظ على الأملاك العقارية يتضمن تصريحا عن هويته، والمعلومات التي يعرفها عن الحادثة، حيث يمكن للمحافظ أن يسلم نظيرا جديدا للرسم العقاري أو نسخة من شهادة التقييد الخاصة إذا تبين له صدق ما يدعيه المصرح، و ذلك بعد مرور 15 يوما من تاريخ نشر الإعلان بالجريدة الرسمية، وذلك وفقا للسلطة التقديرية التي يملكها المحافظ على الأملاك العقارية قصد الاستجابة أو الرفض.

أما بخصوص الوثائق المطلوبة لتسليم نظير الرسم العقاري فهي كالتالي:

  1. طلب مؤرخ وموقع من طرف المالك المقيد الحائز للنظير.
  2. وكالة خاصة عند الاقتضاء.
  3. نسخة من البطاقة الوطنية للتعريف مصادق عليها.
  4. نسخة من جريدة يومية وطنية تتضمن نشر التصريح بالضياع أو السرقة.

وتعتبر المحكمة الابتدائية هي صاحبة الاختصاص للنظر في الدعوى الموجهة ضد قرار المحافظ في حالة رفض تسليم نظير الرسم العقاري أو الشهادة العقارية الخاصة وذلك عملا بمقتضيات الفصل 103 من ظهير التحفيظ العقاري والذي جاء فيه:” إذا وقع تعرض على تسليم نظير جديد للرسم العقاري أو نسخة شهادة التقييد الخاصة المنصوص عليهما في الفصل 101 من هذا القانون أو رأى المحافظ على الأملاك العقارية أنه لا داعي لتلبية الطلب المقدم إليه فيمكن للطالب أن يرفع الأمر إلى المحكمة الابتدائية التي تبت وفق الإجراءات المقررة في قانون المسطرة المدنية.”

وهذا ما استقر عليه القضاء المغربي في الكثير من القرارات والأحكام الإدارية التي دفعت بعدم الاختصاص في هذه الدعاوى:

كحكم المحكمة الإدارية بفاس عدد 16/94 بتاريخ 22 شتنبر 1994والذي قضت فيه المحكمة بعدم الاختصاص طبقا للفصل 103 من ظهير التحفيظ العقاري الذي يسند الاختصاص صراحة إلى المحكمة الابتدائية.

والملاحظ أن مقتضيات الفصل 103 من ظهير التحفيظ العقاري لا ينص صراحة على إمكانية استئناف الحكم الصادر أو الطعن فيه بالنقض، فسكوت هذا النص لا يفهم منه أن المحكمة تصدر حكما ابتدائيا ونهائيا في الموضوع، لأن لأمر لو كان كذلك لنص المشرع عليه صراحة، ولذلك فإن إمكانية الاستئناف والنقض تبقى واردة ما لم يتم التنصيص على هذا المنع قانونا.

وعندما يسلم المحافظ على الأملاك العقارية نظير الرسم العقاري أو نظير شهادة التقييد الخاصة، فإنه يضمن ذلك في النظير المسلم للمعني بالأمر، وتكون للنظير الجديد أو لنسخة شهادة التقييد الخاصة المسلمين وفق الضوابط المذكورة أعلاه نفس القيمة القانونية لأصلهما، كما يتم استعمالها لنفس الأغراض، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 102 من ظهير التحفيظ العقاري، كما تم تعديله و تتميمه بالقانون رقم 14.07 الذي جاء فيهما يلي: “ينص المحافظ على الأملاك العقارية بالرسم العقاري على تسليم النظير الجديد أو شهادة التقييد الخاصة مع بيان تاريخ و ظروف التسليم.

وتكون للنظير الجديد أو لنسخة شهادة الخاصة المسلمين بهذه الكيفية نفس القيمة القانونية لأصلهما ويستعملان لنفس الأغراض”.

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني: آثار قرار التحفيظ العقاري

يترتب عن تأسيس الرسم العقاري عدة آثار ويتجلى أهمها في قاعدة نهائية الرسم العقاري، والتي بمقتضاها يظهر العقار المحفظ من جميع الحقوق المترتبة عليه، والتي لم يتم التصريح بها أثناء مسطرة التحفيظ.

ويترتب على نهائية الرسم العقاري جملة من الآثار أولها أن الحقوق المتضررة من التحفيظ لا يمكن لأصحابها المطالبة بها عينا، وإنما يكون لهم فقط الحق في التعويض في حالة ثبوت ارتكاب طالب التحفيظ لتدليس أثناء سير إجراءات التحفيظ العقاري[11].

وعليه سنتناول مختلف آثار التحفيظ بدءا بتأسيس الرسم العقاري بمقتضى قرار المحافظ على الأملاك العقارية (المطلب الأول)، ثم حق الأطراف المتضررة في المطالبة بالتعويض (المطلب الثاني).

المطلب الأول: قرار المحافظ بتحفيظ العقار ونتائجه

سيتم معالجة هذا المطلب عبرة فقرتين، قرار المحافظ بتحفيظ العقار (الفقرة الأولى)، والذي ينتج عنه عدة نتائج (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: قرار المحافظ بتحفيظ العقار

بعدما يجتاز مطلب التحفيظ جميع الإجراءات المقررة في ظهير التحفيظ العقاري من إشهار وتحديد، وتأكد المحافظ من عدم تقديم أي تعرض خلال الآجال المحددة في القانون 14.07 ومن توفر جميع الشروط المطلوبة ويتأكد من صحتها ومن سلامة المسطرة التي تم إجراؤها[12] فإنه يتخذ قرارا بالتحفيظ، هذا وقد حدد المشرع في الفصل 30 من ظهير التحفيظ العقاري أجلا لاتخاذ قرار تأسيس الرسم العقاري وهو ثلاثة أشهر الموالية لانصرام أجل التعرض.

ويترتب عن قرار التحفيظ قرارا نهائيا لا يقبل الطعن القضائي عملا بمقتضيات الفصل 62 من القانون 14.07 والذي جاء فيه: “إن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن، ويعتبر النقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة”.

فحسب مضمون الفصل المذكور، فإن المشرع المغربي يعترف فقط بالرسم العقاري وما سجل فيه، ولا يأخذ بعين الاعتبار غيره من الوثائق والحجج والسندات، ومن ثم إخفاء القوة المطلقة والنهائية على الرسم العقاري، وهذا يفيد بأن الرسم العقاري نهائي لا يقبل مسطرة العدول عنه ولا التراجع، ولا يتصور أن يكون محل الطعن قضائي أو إداري منتج[13]. وهذا ما كرسه القضاء المغربي في عدة قرارات، حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 9/05/1990 بأن:” التظهير يطهر العقار المحفظ من جميع الحقوق والشوائب التي كانت عالقة به قبل التحفيظ ويشكل نقطة الانطلاق الجديدة في حياة العقار حيث يقطع صلته نهائيا بالماضي.”[14]

ولا تطبق الصبغة النهائية وعدم القابلية لأي طعن إلا بالنسبة للرسم العقاري المترتب عن التحفيظ. في حين أن التقييدات أو التسجيلات اللاحقة عن إقامة الرسم العقاري لا تسري عليها هذه الخاصية، وهذا ما ذهب إليه مجلس الأعلى -محكمة النقض حاليا- حيث جاء فيه ما يلي: ” و أنه لا مجال للاستدلال بالفصول 64و 2[15]و62 من قانون التحفيظ العقاري لعدم تعلق الأمر بالتطهير الناتج عن التحفيظ، و إنما فقط بالتسجيل الذي هو مجرد شهر عقاري يمكن التشطيب عليه متى ثبت أن هناك ما يستوجب ذلك.”[16]

وإلى جانب الفصل 62 نجد الفقرة الثانية من الفصل 1 والتي جاء فيها أن: تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنه تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به”. ومنه يتضح من الفصلين بأن قرار التحفيظ ينجم عنه بالضرورة تطهير العقار من جميع الحقوق غير المعلنة والتي لم تتم المطالبة بها خلال مسطرة التحفيظ فالرسم العقاري المقدم بعد التحفيظ هو المنطلق الوحيد لكافة الحقوق العينية، وبذلك يكون رسم الملكية قد اكتسب صفة نهائية الغير القابلة لأي طعن لأنه يفترض بأن العقار قد تم تطهيره من جميع المطالبات والتعرضات خلال مرحلة التحفيظ[17]، ومن ثم فإن الحقوق العينية المسجلة بالرسم العقاري تكتسي مناعة مطلقة ولا يسري عليها التقادم سواء كان مكسبا أو مسقطا وقد نص الفصل 63 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل و المتمم بالقانون 14.07 على أن: ” إن التقادم لا يكسب أي حق عيني على العقار المحفظ، في مواجهة المالك المقيد ، ولا يسقط أي حق من الحقوق العينية المقيدة بالرسم العقاري”[18].

ومن صور إعمال قاعدة التطهير ما يلي:

  1. عدم إمكانية المطالبة بالحقوق العينية القائمة قبل تأسيس الرسم العقاري إذا لم تقع المطالبة بها في شكل تعرض أو وقع إيداعها وفقا لمسطرة الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري[19].
  2. انعدام صفة غير المقيدة في الرسم العقاري بإجراء التصرفات وأعمال الإدارة على العقار المحفظ[20].
  3. حق المقيد في الرسم العقاري في اللجوء سواء إلى محكمة الموضوع أو القضاء الاستعجالي لطرد المتواجد في الحل بوصفه محتل من غير سند قانوني[21].
  4. إفراغ المتواجد بالعقار إعمالا لقاعدة التطهير لا يمنع من إعمال قاعدة تعويض الباني حسن النية[22].

وخلاصة القول فإن القرار الإيجابي الذي يصدره المحافظ العقاري القاضي بتحفيظ عقار يعد قرارا إداريا نهائيا، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال إلغاؤه أو تغييره أو سحبه ولو عن طريق القضاء وهو قرار غير معلل.

ويترتب عن قرار التحفيظ النتائج التالية:

1- تسجيل العقار بالسجل العقاري الذي يعتبر بمثابة سجل عام للمحافظة تسجل فيه جميع العقارات التي تم تحفيظها بكيفية نهائية. وإعطاء رقما مميزا خاصا به يختلف عن رقم مطلب التحفيظ السابق.

2- ربط خريطة العقار بالخريطة العامة للمنطقة أو ما يسمى بعملية التثليث triangulation générale.

3- تأسيس رسم عقاري خاص بالعقار المحفظ يبقى محفوظا بالمحافظة العقارية.

4- تأسيس نظير الرسم العقاري الأصلي بناء على الطلب وهو عبارة عن نسخة طبق الأصل تتضمن كل ما هو مسجل بالرسم الأصلي قصد تسليمه إلى المالك المسجل اسمه فيه.

5- تأسيس خريطة للعقار ترفق بالرسمين المذكورين و تتضمن هذه الخريطة بيانا هندسيا لموقع العقار ومساحته وحدوده ومشتملاته، وعند الاقتضاء بيان البناءات الموجودة فوق العقار وعدد الطبقات إن كانت موجودة.

6- تضمين الرسم  العقاري الأصلي وكذا نظيره مجموعة من البيانات الجوهرية كما هي منصوص عليها في الفصل 52 من ظهير التحفيظ العقاري[23].

الفقرة الثانية: الاستثناءات الواردة على قاعدة التطهير

إذا كان المشرع المغربي قد اعتبر نهائية الرسم العقاري من أهم آثار قرار التحفيظ، فإنه سن إلى جانب ذلك بعض الاستثناءات التي يمكن أن ترد على قاعدة التطهير. بمعنى أن هناك مجموعة من العقارات التي لا تطالها القوة التطهيرية التي تنتج عن التحفيظ لخصوصية خص بها المشرع، إما لطبيعتها من جهة، أو لوجه الاستعمال المخصص لها من جهة ثانية، وهي الحقوق التي لا تكتسب بالحيازة. وبتعبير أدق يستفاد من بعض الأنظمة القانونية الخاصة مجموعة من الاستثناءات من قاعدة التطهير، ومعنى ذلك أن تأسيس الرسم العقاري من قبل المحافظ على الأملاك العقارية بعد سلوك مسطرة التحفيظ، لا يعط لهذا الرسم الحصانة المنصوص عليها في الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري، لأنها غير قابلة للتملك بالحيازة أو التقادم[24].

وتتمثل العقارات التي تخضع للاستثناءات الواردة على قاعدة التطهير فيما يلي:

أولا: الأملاك العامة التي تم تنظيمها بموجب الظهير الصادر بتاريخ 1 يوليو 1914 المنظم والمحدد للأملاك العامة الذي تم تعديله بظهير 8 نونبر1919[25]، ويقصد بالملك العام حسب مقتضيات الفصل الأول من ظهير 1/7/1914 “كل الأراضي والأعمال التي لا يمكن للأفراد تملكها لأنها مشاعة”.

فهذه الأملاك لا تقبل التفويت مالم يقع إخراجها من الملك العام بكيفية قانونية، ولا يمكن لأي شخص أن يحفظ ملكا عاما على اسمه، وإن حصل التحفيظ فعلا فليس من شأنه أن يطهر العقار ولا يترتب عليه ثبوت ملكية التحفيظ بصفة نهائيا.

ثانيا: الأملاك الحبسية: وتنقسم إلى قسمين: الملك المحبس المعقب وهو الذي يوقفه المحبس على أعقابه ينتفعون به بعده دون حق التصرف في الرقبة، ويدوم الانتفاع حسب الشروط رسم الحبس إلى أن ينقطع المستفيد ويصير المال المحبس إرثا. ويشترط لصحة الحبس المعقب أن تقع معاينة الحوز تحت طائلة اعتبار الحبس باطلا. ويبقى مالا في ذمة المجلس يتوارث بين ورثته من بعده[26].

أما الصنف الثاني فيعبر عنه بالملك الحبسي العمومي: وهو الذي تخصص منفعته لوجه من وجوه البر والإحسان وتحقيق منفعة عمومية كتخصيص عائداته لإنفاقها على مؤسسة خيرية أو تعليمية، أو تخصص الأملاك المحبسة مباشرة لانتفاع بها عينا كالسكن فيها من طرف طلبة أو الصلاة بالمساجد. فهذه الأملاك لا يجوز التصرف فيها ولا تقبل التفويت طبقا لمقتضيات ظهير 7يوليوز 1919، ولا يمكن اكتساب ملكيتها عن طريق التقادم. فلو أن شخصا تحايل بإقامة وثيقة تملك العقار المحبس وقام بتحفيظه باسمه ثم تبين أن هذا الملك هو محبس فإنه من الواجب على إدارة الأوقاف أن تباشر إلغاء إجراءات التحفيظ استرجاع العقار المغصوب.

ثالثا: الحقوق المائية المنجمة: تعتبر المياه العمومية من الأملاك العامة حيث لا يجوز التصرف فيها ولا يمكن اكتساب حقوق عليها عن طريق التقادم طبقا لمقتضيات المادة الأولى من القانون رقم 10.95 الصادر بتاريخ 5 يوليوز 1995 والذي دخل حيز التنفيذ في 16 غشت 1995 الذي جاء فيها:” الماء ملكا عاما ولا يمكن أن يكون محل تملك خاص”.

ويخضع استغلال الملك العام المائي لنظام الترخيص المسبق من طرف وكالة الحوض المائي وفق مجموعة من الشروط المنصوص عليها في قانون الماء.

رابعا: أراضي الجموع: عرفها الأستاذ عبد الكريم بالزاع بأنها: “أراضي تملكها جماعات قبلية إما في شكل دواوير أو قبائل أو عائلات أصبحت حقوق الفرد غير متميزة عن حقوق الجماعات، أي أن الحقوق فيها مشاعة وتسند رئاسة تسييرها لمجموع رؤساء العائلات المشكلة للجماعات القبلية في إطار يطلق عليه مجلس الجماعة[27].

ينص الفصل الرابع من ظهير 27 أبريل1919 المتعلق بتنظيم الوصاية على الأراضي السلالية على أنه:” أراضي الجموع لا تمتلك عن طريق التقادم ولا تقبل التصرف فيها ولا الحجز عليها”.

فمن خلال هذا النص فإذا ما تم تحفيظ عقار وتبين بعد ذلك بأن الامر يتعلق بأرض جماعية فإن الضرورة تقتضي تغيير اسم المالك بواسطة تقييد جديد دون الحاجة إلى إلغاء الرسم العقاري وذلك بناء على حكم نهائي في الموضوع. ولذلك فإن العمل القضائي تواتر على تكريس هذا المبدأ حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض) أنه: ” لا تثبت التملك الخاص للملك الخاص للملك الجماعي بالتقادم أو بالتفويت عملا بالفصل 4 من ظهير أبريل 1919، وأن الأراضي الجماعية لا يمكن تملكها بالتقادم مهما طال التصرف”[28].

خامسا: الملك الغابوي: فإن للإدارة الوصية أن تتقدم بطلب التحفيظ وتبادر إلى التعرض على كل مطلب تحفيظ قدم من طرف الخواص أو تركن إلى مسطرة التحديد الإداري، وما يترتب عنه من آثار. ولقد قرر المشرع قرينة الملك الغابوي في حالة وجود بعض العلامات في العقار، ومما لا ريب فيه أن القرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها من جهة وأن القرينة لا تكفي لوحدها لإثبات الملك الغابوي[29].

سادسا: الأراضي المسترجعة: فجميع الأراضي المسترجعة التي كان يملكها الأجانب خارج الدوائر الحضرية تعتبر ملكا للدولة حكما، حيث إنه لا يجوز الإدعاء بملكيتها عن طريق الحيازة[30].

سابعا: الأملاك الخاصة بالدولة: وهي مجموعة من العقارات والمنقولات التي تملكها الدولة دون أن تكون مخصصة للعموم والتالي فالدولة لها الحق أن تجري عليها ما تشاء من التصرفات من بيع وشراء ويتم تسيير هذه العقارات من طرف وزارة المالية والاقتصاد قسم مديرية أملاك الدولة[31]. وفي حالة تم وضع اليد من طرف الغير على الأملاك الخاضعة لإدارة أملاك الدولة الخاصة، أو ما كان يعرف بالأملاك المخزنية، لا يجوز كسبها عن طريق التقادم حتى ولو أهملت هذه الإدارة الإشراف عليها لمدة طويلة من الزمن كالعقارات المتروكة وأراضي الموات.

المطلب الثاني: حق الأطراف المتضررة من قرار التحفيظ

في حالة تضرر شخص من قرار المحافظ بتحفيظ عقار معين في هذه الحالة يمكن للمتضرر مقاضاة مرتكب التدليس ومطالبته بالتعويض (الفقرة الأولى)، كما يمكن اللجوء لصندوق التأمين (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مقاضاة مرتكب التدليس ومطالبته بالتعويض

إن أهم النتائج المترتبة عن قرار التحفيظ بشأن تأسيس الرسم العقر يتجلى في قاعدة نهائية الرسم العقاري كما سبقت الإشارة سابقا، والتي بمقتضاها يصبح القرار محصن من أي طعن، ويصبح العقار بموجب هذا الرسم هو المنبع الوحيد للاعتراف بالحقوق والتحملات الواردة على العقار محل قرار التحفيظ، دون ما سواه من الحقوق غير المضمنة به. وتستمد هذه القاعدة كينونتها من الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 14.07.

وعلى هذا الأساس فإنه يمكن طرح الإشكال الآتي: ما هي أهم الضمانات المخولة تشريعيا للمتضرر جراء قرار المحافظ بشأن التحفيظ العقاري؟

إن قاعدة التطهير الوارد عليها النص في الفصلين 1و 62 من ظهير التحفيظ العقاري لا تعني أن من حفظ العقار باسمه واكتسب نتيجة ذلك حقوق عينية في ملكية الغير إبراء ذمته بصفة نهائية من الحقوق التي اكتسبها في مواجهة أصحابها، وإنما تبقى لهؤلاء حقوق شخصية يتحملها مرتكب التدليس سواء كان من صدر منه التدليس[32] هو الذي سجل العقار باسمه أو كان التدليس صادرا عن  المحافظ العقاري إذا ثبتت مسؤوليته[33].وفي هذا الإطار نص الفصل 64 من قانون التحفيظ العقاري صراحة على أن:” لا يمكن إقامة أي دعوى في العقار بسبب حق وقع الإضرار به من جراء تحفيظ.

يمكن للمتضررين في حالة التدليس فقط أن يقيموا على مرتكب التدليس دعوى شخصية بأداء تعويضات….”

ومن خلال هذا النص يتضح أن كل عمل ترتب عنه ضياع الحق من جراء التحفيظ، يعطي الحق للمتضرر في إقامة دعوى شخصية ضد مرتكب التدليس، فإذا قام شخص مثلا بشراء عقار وقام البائع بطلب التحفيظ العقار المبيع باسمه أثناء فترة غياب المشتري، فإن هذا الأخير يفقد عقاره لأن التحفيظ قد طهر العقار من كل حق عيني سابق، ويبقى للمشتري فقط المطالبة قضائيا باسترداد الثمن الذي دفعه في شراء العقار مع الحصول على التعويض المناسب، والتعويض يجد سنده في الضرر له نتيجة احتيال البائع وعمله غير المشروع، والمطالبة بالاسترداد تجد سندها في الفصل 70 من قانون الالتزامات والعقود والذي ينص على أنه: “يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق أو لسبب كان موجودا و لكنه زال”. و قد جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- أن تحفيظ العقار في اسم البائع بعد بيعه يعد تدليسا ضد  المشتري موجبا للتعويض”[34]

وخلاصة القول فالمشرع لا يجيز للمتضرر من قرار التحفيظ العقاري من المطالبة بحقه عينيا بل منحه فقط حق المطالبة بالتعويض، وذلك بمقاضاة المستفيد من التحفيظ سواء كان هذا المستفيد هو من حفظ العقار باسمه أو كان المحافظ، كما أنه يمكن للمتضرر من التحفيظ أن يرفع دعوى التعويض على الدولة باعتبارها مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها، وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها بناءا على الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود أو إقامتها على المحافظ على الأملاك العقارية باعتباره مسؤولا مسؤولية شخصية عن الأضرار التي يحدثها بسبب تدليسه والأخطاء الجسيمة التي كانت نتيجة تصرفاته أثناء أدائه لوظيفته طبقا للفصل 87 من قانون الالتزامات والعقود.

وقد قرر ظهير التحفيظ العقاري دعوى التعويض لصاحب الحق الذي تضرر من التحفيظ من خلال الفصل 64 من القانون السابق، غير أنه لقبول هاته الدعوى يجب توافر شرطين اثنين هما:

الشرط الأول: تحقيق ملكية الحق المدعى فيه بالتعويض، بمعنى انه يتعين على من يدعي التعويض إثبات استحقاقه الحق الذي وقع تحفيظه باسم الغير.

الشرط الثاني: تحقق واقعة التدليس، يشترط المشرع لسماع دعوى التعويض حسب الفصل 64 المذكور تحقق واقعة التدليس التي مكنت طالب تحفيظ العقار أن يكون صاحب الحق فيه.

وما تجدر الإشارة إليه أنه في حالة ثبت أن المحافظ العقاري استعمل في إصداره لقرار التحفيظ ولجأ إلى التواطؤ والتدليس، فإنه يتحمل عواق تصرفاته وتترتب عنه مسؤوليته الشخصية ويكون التعويض من نتائجها المباشرة، بمعنى ان المحافظ يدفع التعويض من ماله الخاص.

هنا يطرح تساؤل حول: ما مآل دعوى التعويض ضد المحافظ المدلس في حالة إثبات إعساره؟

 

 

الفقرة الثانية: صندوق التأمين

خصص المشرع المغربي الفصل 100 من قانون التحفيظ العقاري لصندوق الـتأمين والذي جاء فيه: “يؤسس صندوق التأمين الغاية منه أن يضمن، في حالة عسر المحافظ العام أو المحافظين على الأملاك العقارية، أداء المبالغ المالية التي قد يحكم بها عليهم لصالح الطرف المتضرر من جراء خطأ في التحفيظ أو في تقييد لاحق.

يحدد السقف الأقصى للصندوق المذكور في مبلغ مائة مليون درهم.”

كما تمت الإشارة لهذا الصندوق في الفقرة الأخير من الفصل 64 من قانون 14.07 والذي جاء فيه:”…في حالة إعسار المدلس تؤدى التعويضات من صندوق التأمينات المحدث بمقتضى الفصل 100 من هذا القانون”.

وتتمثل الغاية من إنشاء هذا الصندوق في ضمان استخلاص المتضرر للمبالغ المالية الموجبة للتعويض التي يحكم بها ضد المحافظ المعسر وهذا يفيد بأن هذا الصندوق يعتبر بمثابة ضامن احتياطي لا يدخل إلا بعد إثبات إعسار المحافظ، والدعوى التي تقام ضده تعتبر دعوى احتياطية وليست دعوى أصلية، لأن الصندوق المذكور لم ينشأ لتغطية مسؤولية المحافظ، وإنما لتغطية عسره، حيث يحل محله في الأداء مع إمكانية الرجوع إليه[35].

واستناد إلى الفصل 100من القانون 14.07 المذكور صدر القرار الوزيري المؤرخ في 4 يونيو1915 والمتعلم بتنظيم مصالح المحافظة العقارية، والذي تضمن في بابه الرابع المقتضيات التنظيمية بتنظيم صندوق التأمين، وخاصة الفصول من 58 إلى 66، والتي تعتبر هي المرجع الأساسي والوحيد لمعرفة تنظيم الصندوق وكيفية تمويله ومجالات تدخله[36].

وتماشيا مع الارتفاع الملحوظ لمداخيل الوكالة الوطنية للمحافظ العقارية من جهة وصعوبة التوصل إلى تطبيق مقتضيات الفصل 100 من القانون 14.07 على المستوى العملي من جهة أخرى، يستطيع المتضرر بفعل وجود هذا الصندوق أن يحصل على حقه إذا وجد نفسه أمام محافظ متعثر أو معسر ولا يمكن القول بأن من شأن هذا التأمين أن يشجع على الإهمال والتقصير مادام إدخال صندوق التامين مسألة سهلة، بل يتعين إتباع مسطرة تجريده من أمواله وممتلكاته أولا قبل مراجعة الصندوق، فالمتضرر يرفع الدعوى ضد المحافظ بصفة أصلية وضد صندوق التأمين بصفة احتياطية، ويبدو من هذا أن المتضرر يصبح أمام مدينين بالتعويض لكنهما غير متضامنين، فلا يجوز للمتضرر أن يطالب صندوق التامين بالأداء إلا بعد تجريد المحافظ على الأملاك العقارية وإثبات أن ليس لديه ما يحجز.

خلاصة

نستخلص من خلال دراسة موضوع الرسم العقاري على ضوء القانون 14.07 مجموعة من الآثار المترتبة عن احترام مقتضيات القانون 14.07 والمتمثلة في قاعدة التطهير، إذ بمجرد تأسيس الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية يطهر العقار من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به، غير أن هذا القرار ربما سيفضي إلى وجود متضررين منه مما توجب على المشرع إيجاد آليات للتخفيف من حدة الضرر الذي لاحق المتضرر من هذه النهائية.

إذ لا زالت تعرض على القضاء قضايا تطالب بإبطال قرار المحافظ والاعتراف بحقوق ترجع إلى مرحلة ما قبل تأسيس الرسم العقاري. وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى عدم تحفيظ كامل لأراضي بالمغرب، وبالتالي عدم مساهمة العقار في التنمية الاقتصادية، وحتى يتخذ الفصلين 1و 62 من ظهير التحفيظ العقاري مسارهما بدون إثارة نزعات حولهما أمام القضاء، وحتى لا يسلك هذا الأخير مسالك متناقضة مع بعضه ومع النصوص القانونية، نورد الاقتراحات التالية:

  • تعميم وإشهار كافيين ومفصلين لجميع مراحل التحفيظ، وآثاره خصوصا الأثر التطهيري، حتى يكون جميع أفراد المجتمع على دراية بها.
  • وضع وسائل جديدة لإشهار مطلب التحفيظ وضمان علانيته، مثل النشر بالجرائد اليومية، وتعليق اللوحات على العقار تفيد البدء في إجراءات التحفيظ.
  • تجدير الرسم العقاري من صبغته النهائية في حالة تبوث الغش والتدليس.

[1]– ظهير شريف صادر في 9 رمضان1331 (12غشت 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري والمنشور بالجريدة الرسمية، عدد46، بتاريخ 12 شتنبر 1913، ص، 19.

[2]– محمد بن أحمد بو نباب: الحقوق على العقارات، دراسة شاملة لواقع العقار وللحقوق العينية على ضوء التشريع المغربي، سلسلة آفاق القانون، مطبعة الوراقة الوطنية بمراكش، سنة ‌2009، ص: 75.

[3]– إدريس السماحي: القانون المدني، الحقوق العينية ونظام التحفيظ العقاري، مطبعة أمبريزار للطباعة والتلفيف، مكناس، الطبعة الأولى 2003، ص: 20.

[4]– محمد بلحاج الفحصي: نظام التحفيظ العقاري، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى 2018، ص:203.

[5]– عبد العالي بن محمد العبودي: نظام التحفيظ العقاري وإشهار الحقوق العينية بالمملكة المغربية، الطبعة الثانية، الناشر المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب، ص: 121-122.

[6]-ينص الفصل 62 من القانون 14.07: “إن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن، ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة.”

[7]– محمد خيري: العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، دار النشر المعرفة، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، طبعة 2018، ص: 222.

[8]– إدريس الفاخوري: نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07 منشورات مجلة الحقوق، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة 2017، ص: 90.

[9]– إدريس الفاخوري: م،س، ص:92.

[10]– قرار عدد 923 صدر بتاريخ 14-12-2005 في الملف الإداري عدد 501/05، أورده إدريس الفاخوي: م،س، ص:92.

[11]-زكرياء العماري: نهائية الرسم العقاري بين الإطلاق و التقييد، دراسة مركزة في الاستثناءات الواردة على قاعدة التطهير-  سلسلة دراسات وأبحاث المنازعات العقارية، منشورات المجلة القضاء المدني، ص:96.

[12]– ينص الفصل 30 من قانون 14.07 على ما يلي: ” خلال الثلاثة أشهر الموالية لانصرام أجل التعرض يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بتحفيظ العقار بعد التحقق من إنجاز جميع الإجراءات المقررة في هذا القانون، ومن شرعية الطلب وكفاية الحجج المدلى بها، وعدم وقوع أي تعرض”.

[13]-قرار عدد: 420 صدر بتاريخ 11-4-2002، في الملف الإداري عدد 24-4-1-99، أورده عمر أزوكار: التحفيظ العقاري في ضوء التشريع العقاري وقضاء محكمة النقض الطبعة الأولى، 2013، منشورات دار القضاء بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص:455.

[14] – قرار المجلس الأعلى عدد 1025 بتاريخ 9/5/1995، ملف عدد 187/86،مجلة الإشعاع ،عدد4،ص: 113.

[15]– الفصل 1 من ظهير التحفيظ العقاري حاليا.

[16]– قرار عدد: 1468 صدر بتاريخ 3-5-2006 في الملف المدني عدد 2884-1-1-2004، أورده عمر أزوكار: م.س، ص:455.

[17]– محمد خيري: قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، دار النشر المعرفة الرباط، الطبعة الخامسة 2009، ص:39.

[18]– وكان النص القديم الملغى ينص على ما يلي: ” إن التقادم لا يكتسب أي حق عينين على العقار المحفظ في مواجهة المالك المسجل اسمه ولا يزيل أي حق من الحقوق العينية المسجلة برسم الملك”.

[19]– قرار المجلي الأعلى عدد: 3245 صدر بتاريخ 24-9-2008، في الملف المدني عدد 1527/1/3/2007 أورده عمر أزوكار م.س: ص،460.

[20]– قرار المجلي الأعلى عدد: 3245 صدر بتاريخ 24-9-2008، في الملف المدني عدد 1527/1/3/2007.أورده عمر أزوكار: م.س ص:461.

[21]– قرار المجلس الأعلى عدد: 2834 صدر بتاريخ 12-9-2007، في الملف المدني عدد 3093/1/3/2006، أورده عمر أزوكار: م.س، ص:462.

[22]– قرار المجلس الأعلى عدد: 3243 صدر بتاريخ 24-9-2008، في الملف المدني عدد 3029/1/3/2007، أورده عمر أزوكار: م.س، ص: 463-464.

[23]– محمد خيري: العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، م.س، الطبعة 2018، ص:224.

[24]– قرار المجلس الأعلى عدد: 3228 المؤرخ في: 11-1-2006، الملف المدني عدد 252-1-1-2006، أورده عمر أزوكار: م.س، ص:464.

[25]– ظهير صادر في 8 نونبر 1917، منشور بالجريدة الرسمية عدد 342 بتاريخ 23 صفر 1338 الموافق ل 17نونبر 1919.

[26]– قرار محكمة الاستئناف بمراكش رقم 02، صدر في 3-1-2008، ملف رقم: 127/07/2007، أورده عمر أزوكار: م،س، ص:470.

[27]-عبد الكريم بالزاع: أراضي الجموع محاولة لدارسة بنيتها السياسية والاجتماعية ودورها في التنمية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1998، ص:10 وما بعدها.

[28]– قرار صادر بتاريخ 20-2-200_ منشور بالمجلة المعيار، العدد 45، سنة 2011نص: 167.

[29]– قرار المجلس الأعلى عدد: 2779 المؤرخ في: 5/9/2007، في الملف المدني عدد938/1/1/2007، أورده عمر أزوكار:م،س، ص:486.

[30]– محمد بلحاج الفحصي: م س،ص:219.

[31]– محمد أوزيان: الأملاك المخزنية بالمغرب، النظام القانوني والمنازعات القضائية، دراسة في نظام أملاك الدواة الخاصة في ظل التطور التشريعي والعمل القضائي، أوطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، وحدة تكوين والبحث في العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية:2012-2013، ص:23 وما بعدها.

[32]– المقصود بالتدليس هو استعمال خديعة توقع الشخص في غلط يدفعه إلى التعاقد، فالتعاقد تحت وطأة التدليس إنما يتعاقد تحت تأثير الوهم الذي أثاره في ذهنية المدلس فإدارته ليست إذن حرة سليمة بل هي معيبة، والعيب الذي يشوبها هو الغلط الذي ولده لتدليس.

[33]-محمد كشبور: التطهير الناتج عن تحفيظ عقار، تطور القضاء المغربي قراءة في قرار المجلس الأعلى بتاريخ 29 دجنبر 1999، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء الطبعة الأولى 2005، ص:43.

[34]– قرار عدد746صدر في 21-10-1978، في ملف مدني عدد:2164/1/1/95، أورده إدريس الفاخوري: م.س، ص”112.

[35]– محمد خيري: قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، المساطر الإدارية والقضائية، منشورات المعارف، دار النشر المعرفة، الرباط، مطبعة 2010،ص:599.

[36]-محمد بلحاج الفحصي: نظام التحفيظ العقاري بالمغرب،ص:226.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى