في الواجهةمقالات قانونية

الرقابة الحديثة للقاضي الإداري على ممارسة السلطة التقديرية للإدارة ودورها في حماية حقوق وحريات الأفراد.

 

الرقابة الحديثة للقاضي الإداري على ممارسة السلطة التقديرية للإدارة ودورها في حماية حقوق وحريات الأفراد.

الاسم الكامل : عبد القادر لحريشي

دكتور في الحقوق تخصص القانون العام و العلوم السياسية شعبة القانون الإداري.

 

           

            يعتبر مبدأ الشرعية الإطار العام الذي يؤطر نشاط الهيئات الإدارية وفقا لما يقرره القانون. واعتبارا للدور التدخلي للدولة في جميع مختلف الأعمال الإدارية والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وما تتسم به القاعدة القانونية من عمومية وتجريد، أصبح من الضروري واللازم بأن تمنح للإدارة قسطا من التقدير والملاءمة، لمواجهة ومواكبة التطور السريع التي تعرفه الحياة العامة للإدارة. وبالتالي تكون القرارات الإدارية إحدى الوسائل  التي تستطيع من خلالها أن تؤمن سير المرافق العمومية وإشباع الحاجات العامة للمرتفقين.

والقرارات أو التصرفات الإدارية التي تصدرها الإدارة والتي تقتصر على تطبيق القانون على الحالات التي تصادفها عندما تتحقق أسبابها، أي بطريقة آمرة وعلى سبيل الإلزام مع تحديد الهدف المعين الذي يجب عليها أن تسعى إليه، فإنها و إن كانت تشكل المثل الأعلى فيما يتعلق بحماية حقوق وحريات الأفراد، فإنها تبقى قرارات نادرة، فحتى البعض منها والذي يبدو لنا مقيدا بالكامل لا يعدم بعض الحرية في التقدير، فمنح الترخيص مثلا يتطلب شروطا محددة قانونا للحصول عليه، حيث يتحول عمل الإدارة في هذه الحالة إلى عمل شبه آلي، إذ بمجرد توافر تلك الشروط و تقدم من استوفاها بطلب الحصول على الترخيص تصبح الإدارة ملزمة بمنحه إياه، لكن رغم ذلك تحتفظ الإدارة بحق اختيار الزمن الذي تمنح فيه الترخيص إذا لم يقيدها المشرع بذلك[1].

 

وتمتع الإدارة بسلطة تقديرية تكون دائما في إطار القانون، لضمان توازن بين سير المرافق الإدارية بانتظام و اضطراد،  وبين حقوق وحريات الأفراد للوصول إلى الأهداف المحددة شرعا، أو تحقيق المصلحة العامة التي تمثل بدورها الأمن الأسمى والغاية الأخيرة من كل نشاط إداري. إن السلطة التقديرية للإدارة في مجال القرارات الإدارية الفردية السلبية تنصرف إلى تقييم وتقدير وملاءمة العلاقة بين سبب القرار الإداري والأثر القانوني الذي يحدثه في المراكز القانونية للأفراد المخاطبين به.

إن تقدير المحل لا يكون إلا كنتيجة لقيام حالة من الوقائع أو القانون تنهض وتدفع رجل الإدارة إلى اتخاذ القرار، واختيار محل هذا القرار يوضح العلاقة بينه وبين أسبابه الواقعية أو القانونية، التي تكون محددة بشكل دقيق من طرف المشرع كما هو الشأن في حالة السلطة المقيدة، وقد تترك حرية للإدارة في تقييم و ملاءمة هذه العلاقة، وفي هذه الحالة تكون أمام السلطة التقديرية للإدارة.

ولقد ساهم الكثير من الفقهاء في تعريف هذه السلطة فنجد:

* تعريف بونار: حيث اعتبر هذا الأخير أن السلطة التقديرية هي: “التقييم الحر الذي يتركه القانون لرجل الإدارة “[2].

وعرف الدكتور عبد الله حداد هذه السلطة بقوله: ” نقول إن للإدارة سلطة تقديرية إذا استطاعت أن تتحرك بدون أن تتقيد بقاعدة قانونية سابقة.

وهي تختلف عن السلطة التحكمية في كون حريتها ليست مطلقة لأنها تبقى ملزمة بمراعاة الصالح العام، في حين تكون حريتها مطلقة في السلطة التحكمية، وتتحرك حسب إرادتها الخاصة و تبعا لنزواتها ومزاجها.

والسلطة التقديرية ضرورية في الإدارة الحديثة، لأن المشرع لا يستطيع أن يسن جميع القواعد القادرة على مواجهة كل التغيرات التي تحصل في المجتمع.

وتكون الرقابة التي يمارسها القاضي على الإدارة، واسعة في حالة توفرها على سلطة مقيدة، وضيقة عندما تتمتع بسلطة تقديرية[3].

إن موقف القضاء الإداري من السلطة التقديرية عرف تطورا كبيرا، فمن انعدام الرقابة الكلية على هذه القرارات في ظل ما كان يعرف بالقرارات الإدارية البحتة مرورا بجواز الطعن فيها لعيب الاختصاص والشكل بالنسبة للقرارات التي كانت تسمى تقديرية[4]، إلى أن طور القاضي الإداري رقابته و ابتدع أسباب أخرى لمخاصمة القرارات الإدارية التقديرية التي تتعلق بالمشروعية الداخلية للقرار وأصبحت كل القرارات الإدارية خاضعة للرقابة القضائية وقابلة للطعن بمختلف أوجه الإلغاء، ثم امتدت هذه الرقابة على السلطة التقديرية للإدارة لتشمل ملاءمة محل القرار الإداري، ومدى تناسبه مع الوقائع القانونية والواقعية وابتدع القضاء الإداري – (الفرنسي) على وجه الخصوص – نظرية الخطأ الواضح في التقدير التي شكلت طفرة نوعية في مجال الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للإدارة وتأطير رجل الإدارة في تقييم التناسب بين السبب والمحل في إطار المنطق و عدم الغلو في التقدير، ثم أردفت هذه النظرة نظرية أخرى لا تقل أهمية تعرف بالموازنة بين المنافع والأضرار.

فكيف مارس القاضي الإداري المغربي رقابته على السلطة التقديرية للإدارة من خلال هاتين النظريتين ؟

سوف نقوم بالإجابة على هذا السؤال من خلال مطلبين أساسيين، بحيث يعالج الأول مدى تطور رقابة القاضي الإداري المغربي على السلطة التقديرية للإدارة في دعوى الإلغاء.

بينما الثاني يتطرق إلى رقابة الموازنة بين المنافع والأضرار.

المطلب الأول: مدى تطور رقابة القاضي الإداري المغربي على السلطة التقديرية للإدارة في دعوى الإلغاء.

إن البحث في تطور رقابة القضاء الإداري للسلطة على ممارسة السلطة التقديرية للإدارة بالمغرب تقتضي دراسة وتحليل الأحكام الصادرة قبل إحداث المحاكم الإدارية (الفرع الأول) وما بعد إنشاء المحاكم الإدارية (الفرع الثاني).

 

  • الفرع الأول: قبل إحداث المحاكم الإدارية:

إن القاضي الإداري باعتباره قاضي الشرعية تنحصر رقابته على مدى احترام مبدأ الشرعية بصفة عامة كما رأينا سابقا. ولا يمدها على السلطة التقديرية للإدارة، حيث نجد أن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض منذ تأسيسها وعلى مدار سنوات كثيرة ترفض الرقابة على ملاءمة القرارات الإدارية الفردية السلبية مما يؤدي إلى إهدار حقوق وحريات الأفراد.

وقد طورت محكمة النقض رقابتها على هاته القرارات الإدارية من خلال التكييف القانوني للوقائع بعدما كان يمتنع في كثير من الأحيان عن فرض رقابته في هذا المجال.

ويبرر عدم بسط الرقابة على السلطة التقديرية للإدارة في السنوات الأولى من الاستقلال وإنشاء المجلس الأعلى – محكمة النقض – على حماية المصلحة العامة وتعزيز سلطات ومؤسسات الدولة ومعها الامتيازات المخولة في ظل سيادة الهاجس الأمني واعتماد التدبير الضبطي في معالجة مختلف القضايا، في غياب شبه تام بين نهج أسلوب التوازن بين امتيازات وسلطات الإدارة من جهة و حقوق  وحريات الأفراد من جهة أخرى، و تكرست هوة التفاوت في هذه المعادلة بشكل واضح خلال هذه الفترة الزمنية.

وقد كان المناخ السياسي للدولة أثر كبيرة على مواقف وتوجهات القضاء الإداري، ممثلا في الغرفة الأولى بمحكمة النقض، حيث كان البعض ينظر إلى القاضي الإداري على أنه يحابي و يجامل الإدارة ويحمي سلطاتها و امتيازاتها.

ويمكن القول أن القاضي الإداري المغربي قد تأثر أيضا بنظيره الفرنسي الذي لم يتجاوز بدوره المرحلة الأولى قبل 1960 الحد الأدنى من الرقابة التي تشمل عناصر الشرعية الخارجية إضافة لبعض عناصر الشرعية الداخلية[5] المتمثلة في البحث عن صحة الوقائع من الناحية المادية و القانونية، ومخالفة القانون و الانحراف في استعمال السلطة.

وظلت رقابة الغرفة الإدارية بمحكمة النقض حاليا، رقابة موضوعية تشمل جل عناصر القرار الإداري المتنازع حوله، إلا أنها لا تمتد لتشمل عناصر القرار الداخلية ضمن إطار الملاءمة، أي أنها لا تمس السلطة التقديرية للإدارة، حيث كانت تعتبر مراقبة أهمية الوقائع و خطورتها و علاقتها بالقرار،  وكذا ملاءمة الخطأ التأديبي مع العقوبة المتخذة تدخل ضمن مجال الملاءمة الخاضع لسلطة الإدارة التقديرية التي تخرج عن نطاق الرقابة القضائية[6].

وهكذا نجد أن القاضي الإداري المغربي ظل وفيا لاتجاهه الذي رسمه والمتمثل في عدم مراقبة الملاءمة بين مضمون القرار الإداري وسببه في العديد من المجالات منها تلك المرتبطة بالعقوبات التأديبية للموظفين أو نقلهم نوعيا ومكانيا أو قرارات إدارية تتعلق بنزع الملكية و العقود الإدارية وبعض قرارات الضبط الإداري المرتبط بالنظام العام.

الفقرة الأولى: القرارات الإدارية المرتبطة بنزع الملكية

لقد تأثرت اجتهادات القاضي الإداري المغربي بنظيره الفرنسي الذي كان يمارس رقابة قضائية في حدها الأدنى قبل سنة 1971 تاريخ صدور حكم المدينة الشرقية الجديدة.

ويلاحظ من خلال اجتهادات الغرفة الإدارية أنها كانت تتحاشى رقابة السلطة التقديرية للإدارة في إعلان المنفعة العامة، مكتفية بالتأكد من مادية الوقائع، أي من وجود المشروع الذي اقتضته المنفعة العامة، و في أقصى الأحوال الوقوف عما إذا كان يشكل منفعة عامة، معلنا أن للإدارة حرية في تقرير هذه المنفعة. وارتبطت هذه الرقابة  بفترة ما بعد الاستقلال وما طبع هذه الفترة من بناء و تشييد من أجل مغرب المستقبل تطلب الأمر بالضرورة نزع ملكية الخواص لتحقيق ذلك الهدف، و مع حرص المشرع المغربي لما بعد الاستقلال على عدم وضع تحديد دقيق لحالات المنفعة العامة لما يتصف به هذا المفهوم من تغيير وتطور انحصرت رقابة القاضي الإداري المغربي عند التحقق من صحة الوقائع – أي توافر المنفعة العامة بصفة مجردة -وكذا فحص عيب انحراف السلطة، ليبقى تقدير الإدارة لتحقق المنفعة العامة بعيد عن أي رقابة فعلية[7].

فالقاضي الإداري خلال هذه المرحلة كان يكتفي بإلقاء نظرة سطحية ومجردة على توافر عنصر المنفعة العامة ليقضي بصحة قرار نزع الملكية دون توغله في الظروف المحيطة بهذه العملية أو الوقوف على المدى الحقيقي لهذه المنفعة.

ومن الأحكام القضائية الصادرة عن المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا- نجد القرار عدد 217 بتاريخ 1 أبريل 1987 الذي جاء فيه:”… لكن حيث أنشئ مرآب في العقار المنزوعة ملكيته لاستعماله للمصلحة العامة كمستودع لناقلات الجماعة التي تكون المنفعة التي يتطلبها القانون متوفرة، و لهذا فإن القرار المطلوب إلغاؤه لا يشوبه أي شطط “[8].

من خلال هذا القرار يتضح أن القاضي الإداري لم يدرس الظروف المحيطة بقرار نزع الملكية، بل قرر توافر صفة المنفعة العامة استنادا إلى أن العقار موضوع نزع الملكية سيستعمل كمستودع لناقلات الجماعة، إذ أنه لم يعط أهمية للأضرار المحتملة لهذا الإجراء والذي كان من بينها في هذا القرار أن السكنى موضوع نزع الملكية توجد بالقرب من مجزرة عمومية و مع ذلك سعت الجماعة إلى استغلالها كمستودع لشاحنات جمع الأزبال ما لذلك من انعكاسات سلبية على صحة المواطنين وسلامة المذابح وعلى الاقتصاد الوطني بعدما هددت السوق الأوروبية بتوقيف استيراد اللحوم، ما لم يتم تحسين مستوى المجازر، فضلا عن كون التكلفة المالية تفوق بكثير ما ستجنيه الجماعة من عملية نزع الملكية.

فرغم كل هذه الدفوعات التي تنصب حول انتفاء المنفعة العامة لم يعرها القاضي الإداري أي اهتمام ما دامت الإدارة تشبتت بأن هناك منفعة عامة.

ونفس المبدأ أكده القاضي الإداري في قرار له سنة 1991، حيث نص في حيثياته على ما يلي: “و حيث أن فكرة إنشاء منطقة صناعية بمدينة مراكش ليس الهدف منها مجرد تجريد الخواص بمن فيهم الطاعنون من أملاكهم ولكن استجلاب رؤوس أموال وطنية قصد القيام بصناعات حيوية تعود على مدينة مراكش بالازدهار، مما يعني أن عنصر المصلحة العامة متوفر وأن المرسوم المطعون فيه لا يتسم بأي شطط في استعمال السلطة “[9].

وتواترت نفس المنهجية لمراقبة المنفعة العامة لدى القضاء الإداري عندما تعرض عليه قضية تتعلق بالطعن في نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، حيث كرس هذا الاتجاه في أحكام أخرى، من بينها قراره الصادر بتاريخ 13 يونيو 1991 والذي جاء فيه: ” لكن حيث يتضح من مراجعة مشروع المرسوم المطعون فيه أن المنفعة العامة التي من أجلها تم نزع ملكية القطعة الأرضية التي يملكها الطاعنات تتجلى في إحداث تجزئة سكنية بسوق أربعاء الغرب… يتعلق بمشروع ذي طابع اجتماعي لأنه يمكن من تهيئ قطع أرضية اقتصادية لذوي الدخل المحدود، كما سيضمن هذا المشروع تجهيزات أساسية و إدارية لمدينة سوق أربعاء الغرب، إضافة إلى مركب رياضي على مساحة ست هكتارات…”[10].

وجاء في قرار الغرفة الإدارية عدد 515 بتاريخ 30 نونبر 1995 أن : “اختيار العقارات اللازمة للمنفعة العامة، طالما أن الباعث هو المنفعة العامة، سواء فيما يتعلق باختيار الموقع أو القطع التي سيشملها المشروع، أو فيما يتعلق بتحديد حاجياتها فيما يرجع لحاجيات الأرض الواجب نزع ملكيتها أو فيما يتعلق أخيرا بإمكانية الاستغناء عن أجزاء من الأرض الواجب نزع ملكيتها لفائدة بعض الأطراف المنزوعة ملكيتهم واحتفاظها بأراضي ملاك آخرين دون المساس بمبدأ المساواة “[11].

وتميزت هذه المرحلة – ما قبل إحداث المحاكم الإدارية – ببسط الرقابة التقليدية لشرعية القرارات الإدارية والوقوف عند حد التأكد من صحة الوقائع القانونية والواقعية فحسب، دون الخوض في مدى ملاءمة سبب القرار بمضمونه. و ما يمكن أن يفسر هذا الموقف للقضاء الإداري المغربي هو إعطاء الأولوية لبناء هياكل الإدارة المغربية و ضمان إقلاع اقتصادي واجتماعي مع ضمان امتيازات سلطة الوحدات الإدارية.

بحيث فطن القاضي الإداري لطبيعة المرحلة و خصوصياتها، ولم ينساق وراء موجه التحديث التي عرفتها حقوق الإنسان و حماية الأفراد في فرنسا.

الشيء الذي أدى إلى تأخر الأخذ بنظرية الموازنة بين المنافع و الأفراد التي ظهرت في بداية تطبيقها في مجال نزع الملكية في فرنسا. ويعتبر الحكم الصادر في فاتح أبريل سنة 1987 في قضية طاك السالف الذكر لدليل واضح في تفهم القاضي الإداري المغربي لخصوصيات هذه المرحلة.

ولم تنحصر هذه الرقابة التقليدية عند نزع الملكية بل امتدت كذلك إلى مجالات مختلفة ومن بينها الوظيفة العمومية.

            الفقرة الثانية: القرارات الإدارية المرتبطة بالوظيفة العمومية

لقد أعلن القاضي الإداري في كثير من القرارات الصادر عنه بامتناعه عن رقابة جانب الملاءمة في السلطة التقديرية للإدارة خلال فترة ما قبل إحداث المحاكم الإدارية وفي مقدمتها القرارات الإدارية في مجال الوظيفة العمومية التي تمس المركز  القانوني للموظف العمومي وتحدث ضررا في حياته المهنية، سواء تعلق الأمر بالتأديب أو النقل أو الترقية.

 

أولا: القرارات التأديبية

 

لعل أبرز مجالات حرية الإدارة في استعمال سلطتها التقديرية دون رقابة قضائية عليها، تظهر بأجل مظاهرها في تقدير ملاءمة التناسب بين عنصري السبب والمحل، خاصة في مجال التأديب[12].

حيث يرفض القاضي الإداري مراقبة اختيار العقوبة الأكثر ملائمة للخطأ المرتكب من طرف الموظف والمكيف على أنه خطأ تأديبي[13]. فهو يعترف  لنفسه بمراقبة عملية تقدير الإدارة للأسباب من حيث وجودها المادي والقانوني وصحة تكييفها القانوني ويتحقق من عدم وقوع انحراف بالسلطة، إلا أنه لا يقبل توسيع رقابته لتطأ حدود تقدير التناسب بين الأسباب ومضمون المحل المتخذ، على اعتبار أن هذا التحديد وفي ظل غياب مقتضى قانوني يعتبر اعتداءا منه على سلطات الإدارة و تجني على سلطة الملائمة المتروكة لها[14].

ويعتبر الحكم الصادر في قضية محمد الدانج[15] من أشهر الأحكام التي دشنت بها الغرفة الإدارية قضاءها المتعلق برفض رقابة تناسب العقوبات التأديبية.

وخلصت محكمة النقض اتجاهها في مجال رقابة الملاءمة بالقول:”حيث إن ملاءمة العقوبة والفعل المعاقب عليه يرجع أمر تقديرها لسلطة الإدارة دون رقابة عليها في ذلك من طرف المجلس الأعلى- محكمة النقض- حاليا- الأمر الذي تكون معه الوسيلة غير قائمة على أساس و تبعا لذلك قضت محكمة النقض برفض الطلب”[16].

كما أن اختيار العقوبة المناسبة في حق الموظف المخطئ هو سلطة تقديرية بيد الإدارة ولا يملك القضاء فرض رقابته عليه. وهذا ما جاء في قرار محكمة النقض عدد 116 بتاريخ 28/05/1987[17]:” وحيث أنه ليس من اختصاص المجلس الأعلى (محكمة النقض)مراقبة قساوة أو عدم قساوة العقوبة المتخذة من طرف الإدارة في حق الموظف وحيث يستنتج من كل ما سبق أن القرار المطعون فيه كان مؤسسا قانونا ولم يكن متسما بأي شطط في استعمال السلطة مما يجب معه رفض طلب الإلغاء”.

وتواترت العديد من الأحكام الصادرة عن هذه السلطة القضائية الرافضة لرقابة السلطة التقديرية للإدارة. وأقرت أن العقوبة المتخذة ضد الطاعن لها ما يبررها، ويرجع تقدير درجتها إلى السلطة التي اتخذتها دون رقابة عليها من طرف المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا ونحن في سنة 2017[18].

وجاء في حيثيات قرار آخر في قضية محمد بن ادريس الذي طعن قرار صدر عن وزير العدل بعدم ملاءمة العقوبة و الخطأ المرتكب بقولها:”لكن حيث أن ملاءمة العقوبة للمخالفة الإدارية تعتبر من السلطة التقديرية التي تستقل بها الجهة التي لها حق إصدار العقوبة التأديبية لهذا فإن هذا الوجه غير مبني على أساس”[19].

وجاء في قرار آخر أن للإدارة حرية مطلقة في مدى ملاءمة العقوبة للخطأ المهني وذلك ما صرحت به[20] :”وحيث إن للإدارة سلطة تقديرية دون مراقبة المجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا- على العقوبة التي تقرر إنزالها على الموظف بعد ثبوت ما نسب إليه من مخالفة الأمر الذي تكون معه الوسيلة مخالفة للواقع من جزئها الأول وغير مرتكزة على أساس في الجزأين الآخرين”.

 

واستغرق موقف القضاء الإداري المغربي بتشبته بعدم مراقبة ملاءمة القرارات الإدارية التأديبية حتى منتصف التسعينات من القرن العشرين إلا أنه وبعد إنشاء المحاكم الإدارية بالمغرب بدأت هذه الأخيرة في اعتماد عدد من المبادئ التي استقر عليها القضاء الإداري في دول لها تجربة رائدة في هذا الميدان كفرنسا ومصر، منها اعتمادها لنظرية الغلو كوسيلة لمراقبة السلطة التقديرية للإدارة، كما أن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض التي تعتبر نبراس هذه المحاكم وسراجها المنير كان لها الفضل في ترسيخ هذا القضاء الجديد وتطويره[21].

وهكذا يلاحظ أن القاضي الإداري المغربي طبق نظرية الغلو في مجال تأديب الموظفين في أول حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23 مارس 1995، حيث جاء فيه[22]: “إن للإدارة سلطة تقديرية في اتخاذ العقوبة المناسبة في حق الموظف حسب خطورة الأفعال المنسوبة إليه، ومدى تأثيرها داخل المرفق العام … وأن هذه السلطة التقديرية لا رقابة للقضاء عليها ما لم يشبها غلو في التقدير “، وقد تأيد هذا الحكم بقرار لاحق للغرفة الإدارية بمحكمة النقض بتاريخ 13/12/1997.

والذي اعتبر من قبل الفقه آنذاك إيذانا بميلاد قضاء جديد وتحول كبير في مسار قضائنا الإداري، بحيث مهد لتطبيق نظرية الغلو أو الخطأ الواضح في التقدير في مجال رقابة القرارات الإدارية الفردية السلبية المرتبطة بتأديب الموظفين.

ثانيا: قرارات التـرقية

تعد القرارات الإدارية الخاصة بترقية الموظفين، من القرارات التي تحظى من خلالها الإدارة بسلطة تقديرية واسعة، حيث يمتنع القضاء على فرض رقابته على مدى ملاءمتها، مكتفيا بالرقابة على مدى مشروعيتها بالبحث في الجوانب المقيدة في أركان القرار الإداري سواء عناصر الشرعية الخارجية أو الداخلية، فالملاءمة والتقدير التي ترتكز عليها الإدارة في ترقية الموظف يجب أن تراعى من خلالها الكفاءة والنزاهة مع الاستقامة والمردودية والمروءة وحسن السلوك و الأقدمية التي تأخذ بعين الاعتبار في حالة تكافؤ فرص المرشحين للترقية، لكن بالرغم من ذلك فإن الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية في مجال ترقية الموظفين بالاختيار رغم خضوعها لعدة معايير وشروط يقتصر دورها في تجنيب القرار الإداري عيب من عيوب تجاوز السلطة[23].

وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية في قراراتها بمناسبة رقابتها على القرارات الإدارية المتعلقة بترقية الموظفين، حيث صرحت بأن:”حق مراقبة المشروعية المخول لقاضي الإلغاء يتسع نطاقه و يضيق يدخل ضمن الاختصاص التقديري العام للرئيس الإداري لا يمكن الطعن فيه من ناحية المشروعية الداخلية بمناسبة طلب إلغاء الترقية إلا بالانحراف في استعمال السلطة و الخطأ القانوني والمادي”[24].

وأعلنت الغرفة الإدارية في إحدى قراراتها المرتبطة بمجال الترقية بأن سلطة الإدارة في التركيز هي سلطة تقديرية و لا يحدها سوى الانحراف في السلطة أو وقوع خطأ واضح في تقييم مؤهلات المرشحين للترقية، و تقول في ذلك”… إن النصوص القانونية المعمول بها في مجال الترقية تؤكد على حق الإدارة في اختيار موظفيها للترقية من بين من تراهم أجدر بها معتمدة على معايير موضوعية للمفاضلة بين المرشحين المتنافسين على المناصب المالية المحددة حسب ترتيبهم في لائحة الترشيح، وأن المستأنف لئن كان يحتج بأقدميته واعتبارها في الترقية فإن هذه الأقدمية لا تكتفي وحدها لاكتساب الحق في الترقية بل يبقى للإدارة صلاحية ترتيب المرشحين للترقية على ضوء مؤهلاتهم و كفاءتهم ما لم يثبت أن في الترتيب انحرافا في استعمال السلطة أو خطأ بينا في التقدير، ولا شيء في النازلة”[25].

واعتبر القضاء الإداري المغربي بأن الترقية بالاختيار تعتبر من اختصاصات السلطة التقديرية للإدارة،لا يجوز للقضاء فرض رقابته عليها. حيث أكدت الغرفة الإدارية هذا الموقف في العديد من قراراتها [26] شريطة عدم الانحراف في استعمال السلطة.

وسايرت المحاكم الإدارية نفس النهج الذي تبنته محكمة النقض في مسألة رقابة السلطة التقديرية للإدارة في مجال الترقية بحيث تركت حرية التقدير والملاءمة للسلطة الإدارية دون التعمق في مراقبتها ما لم يشب ذلك انحراف في استعمال السلطة مقتصرة على رقابة جوانب الشرعية.

معبرة عن ذلك بقولها:” لكن حيث و لئن كانت للإدارة سلطة تقدير كفاءة موظفيها ولا رقابة للقضاء في ذلك، فإنه في حالة ثبوت تغطيها في الترقية لموظف أكثر متساو في الأقدمية مع من قررت ترقيته، فيتطلب الأمر إقامة الدليل الذي يبرر هذا التخطي كالإدلاء بما يثبت وجود تفاوت بين الاثنين سواء في التنقيط أو المردودية أو المؤهلات و غيرها، وإلا اعتبر تصرفها إخلالا بمبدأ المساواة”[27] .

كما صرحت كذلك بأن للإدارة تتمتع بسلطة واسعة في تقدير كفاءة الموظف وترقية إلى الدرجة الأعلى ولا رقابة للقضاء عليها في ذلك ما لم يشب ذلك انحراف في استعمال السلطة[28].

يلاحظ أن القاضي الإداري يتجنب تشديد الرقابة على السلطة التقديرية في شأن ترقية الموظفين العموميين على وجه العموم، بحيث يطغى تعليل هذه الرقابة في التصريح بالعبارة التالية: “لا معقب للقضاء على حرية الإدارة في ترقية موظفيها، ما لم يشب قرار الترقية انحراف في استعمال السلطة

ثالثـا: قـرارات النقل

                إن قرارات النقل في مجال الوظيفة العمومية تعتبر من اختصاصات السلطة التقديرية للإدارة، لا يجوز لمحكمة النقض فرض رقابتها عليها، تكون العلاقة التي تربط الموظف بالإدارة هي علاقة نظامية، تحكمها القوانين و اللوائح[29].

فإن مركز الموظف يبقى مركزا قانونا يجوز تغييره في أي وقت وفق مقتضيات المصلحة العامة ما دامت الوظيفة لم تخلق بهدف تأمين مصلحة الموظف، وإنما لتأمين المصلحة العامة، و لذلك فإن القرارات الصادرة عن الإدارة بنقل أو انتقال الموظفين تندرج في إطار السلطة التقديرية المخولة للإدارة، فيكون لها أن تستفيد من خدمات الموظف في المكان الذي تحدده وتختاره سواء في بداية تعينيه أو أثناء تأديته لوظيفته،و بالتالي لا يمكن للموظف أن يتمسك بوجود مكتسب في البقاء في وظيفة ما بعينها أو مكان آخر ما دامت المصلحة العامة تستوجب ذلك و بتتبعنا لمجموعة من الاجتهادات الصادرة في هذا الشأن، يلاحظ أنها تدور في فلك هذه الحيثيات لتبرير قراراتها المساندة لاختصاص السلطة التقريرية للإدارة وعدم بسط رقابتها عليها. بحيث استمر هذا الموقف إلى أن ثم إحداث المحاكم الإدارية التي أصبحت تقر بفرض الملاءمة في مجال النقل الذي تفرضه الإدارة إلى موظفيها.

وقد أوضحت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض ذلك في قولها: “الموظف العمومي يوجد في وضعية قانونية و تنظيمية قابلة للتغيير في كل وقت…”[30].

ودأب القضاء المغربي خلال هذه الفترة على الاعتراف للإدارة بسلطة واسعة في مجال نقل موظفيها وتوزيعهم على مختلف المرافق التابعة لها[31]. على اعتبار أن ذلك مما يدخل في سلطة الإدارة التقديرية ما لم يشبه انحراف في استعمال السلطة[32].

ونهجت المحاكم الإدارية في بداية إحداثها نفس الاتجاه الذي رسمته اجتهادات محكمة النقض في هذا المجال، بحيث صرحت إدارية مراكش[33]:”وحيث أن القاعدة أن وضعية الموظف تبقى دائما قابلة للتغيير تبعا لما يقتضيه حسن سير الإدارة كما أن للوزير المعني بالأمر أن ينقل الموظفين التابعين لمصالحه وإعادة توزيعهم في إطار الصلاحيات المخولة له بمقتضى الفصل 64 من قانون الوظيفة العمومية كلما استوجبت المصلحة العامة ذلك استنادا إلى ما يملكه من سلطة تقديرية وأن قراراته المتخذة في هذا الصدد تعتبر مشروعة ما لم تكن مشوبة بخرق القانون أو انعدام الأسباب أو الانحراف في استعمال السلطة”.

هكذا وبعد أن تمسكت محكمة النقض لمدة وطويلة بموقفها التقليدي الذي يبعد سلطة الإدارة في مجال نقل الموظفين من الرقابة القضائية، اهتدى إلى اتجاه جديد بمقتضاه أصبح يلغي قرارات النقل المتسمة بالانحراف في استعمال السلطة. وذلك بمراقبته لهدف هذا النقل ومبرراته وعدم التستر وراء المصلحة العامة لتوقيع عقوبة تأديبية مقنعة كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الفقرة الخاصة بالانحراف عن المسطرة و الإجراءات في اتخاذ القرار الإداري.

وقد دشنت محكمة النقض موقفها الجديد في حكم بتاريخ 30 يناير 1986[34] حيث بسطت رقابتها على ركن الغاية فبحثت في نوايا الإدارة و هدفها من اتخاذ القرار ليخلص إلى أن قرار النقل المتخذ في حق الطاعن يكتسي في الواقع صبغة القرار التأديبي دون منح الطاعن الضمانات التأديبية المخولة له قانونا للدفاع عن حقوقه. وقد استدل هذا القرار على انحراف الإدارة في استعمال سلطتها التقديرية، نظرا لكون الطاعن خضع لعدة انتقالات منذ توظيفه بالخزينة العامة للملكة ما بين مصالح المالية بمدن خنيفرة، تازة، الخميسات، فاس، قلعة السراغنة،مراكش، سيد افني، الحاجب،في مرة أخرى.

وتبنت المحاكم الإدارية الاتجاه الجديد على قرارات نقل الموظفين،فتصدت بالإلغاء لقرارات النقل كلما استهدفت توقيع جزاءات مقنعة تحت غطاء المصلحة العامة. وهذا ما سندرسه بالتحليل في الاتجاه الحديث للرقابة القضائية على القرارات الفردية السلبية للإدارة بعد إحداث المحاكم الإدارية.

  • الفرع الثاني: بعد إحداث المحاكم الإدارية بالمغرب

                لقد كانت نظرية الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه التي اهتدى إليها مجلس الدولة الفرنسي منطلقا لإحداث ثورة في مجال رقابة القضاء الإداري على السلطة التقديرية للإدارة.

واكتسبت هذه النظرية قوتها وخصائصها عندما انتقلت للتطبيق في مجال الملاءمة بين محل القرار الإداري المتخذ والوقائع القانونية والمادية الدافعة إليه في إطار ما تتمتع به الإدارة من سلطة تقديرية.

وبما أن رقابة الخطأ الواضح في التقدير أصبحت نظرية قضائية مسلمة بها في تعليل بعض الأحكام القضائية من أجل إلغاء القرارات الإدارية التي تمس بمصلحة الأفراد ولا تراعي مبدأ الملاءمة بين المحل وأسبابه .فكيف ساهم تطبيق هذه النظرية في مجال الرقابة القضائية الإدارية الحديثة على رقابة حقوق وحريات الأفراد من شطط الإدارة؟

الفقرة الأولى: رقابة الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه

تعتبر نظرية الخطأ الواضح في التقدير نتاج عمل قضائي خالص لمجلس الدولة الفرنسي في رقابته للقرارات الإدارية، ولقد ظهرت هذه النظرية في قضاء المجلس بهدوء وحذر شديدين ودون أدنى تمهيد من الفقه، بل حتى دون تبشير بها في مذكرات المفوضين كما حدث بالنسبة لبعض الأفكار الهامة التي أخذ بها المجلس في تطور قضائه[35].

وهكذا انطلق الفقه في إبراز الصفات و السمات العامة لنظرية الخطأ الواضح في التقدير، ولعل أول محاولة لتعريف هذه النظرية هي التي قال فيها الفقيه Kronprobest والتي عرف فيها الخطأ الواضح بأنه أداة تحليل تسمح برقابة أكثر فعالية للتقديرات التي تقوم بها الإدارة في المسائل الفنية والدقيقة، وأنه يقع على وصف الوقائع، وقد ابتكره القاضي الإداري لزيادة رقابته و لمراجعة الإدارة في تقديراتها التي كانت تتهرب من الرقابة القضائية[36].

في حين ذهب مفوض الحكومة Braibant  أثناء عرضه لوجهة نظره بخصوص التقدير المقدم في قضية Sieur Lambert  إلى أن : “الرقابة على الخطأ الواضح تهدف إلى أن تفرض على السلطات الإدارية حدا أدنى من المنطق و العقل السليم…ويظهر الخطأ عندما تسيء الإدارة عن عمد أو غير عمد استخدام الحرية التي تتمتع بها وتذهب أبعد من الحدود المعقولة في الحكم الذي تحمله على عناصر الملاءمة[37].

أما العميد جورج فيدل فقد عرف الخطأ الواضح بأنه الخطأ الجسيم ذي الصفة الظاهرة، وأن التطبيقات الظاهرة الأولى له  تعلقت بحالات كان الغلط البين فيها جسيما وواضحا و جليا[38].

بيد أن أهم المحاولات لتعريف نظرية الخطأ الواضح هي المحاولة التي جاء بها مفوض الحكومةBadouin حين قال: “إنه يجب البحث عن معيار الخطأ الواضح لا في مدى الخطأ ولا في خطورته ولا في كون الخطأ الواقع بارزا، و لكن يجري البحث عن معيار الخطأ الواضح في إطار درجة عدم الانضباط وعدم الكفاية بالنسبة للعوامل التي كانت تحت نظر الإدارة عند تقديرها[39].

* أما ظهور هذه النظرية فهي من ثمار العمل القضائي لمجلس الدولة الفرنسي بشبه إجماع.

لكن أن هناك بعض الفقهاء الذين ربطوا شأن هذه النظرية بأنظمة قانونية أخرى[40] تحت مسميات بديلة، كالقضاء السويسري الذي تبني فكرة “السهو أو الغفلة الواضحة” و كذا القضاء الإنجليزي الذي كان يلغي القرار استنادا لفكرة عدم المعقولية، بل إن أصول هذه الفكرة قفزت إلى قضاء المنظمات الدولية، حيث أخضعت منظمة العمل الدولية القرارات الصادرة عن مديرها العام ومديري الفروع إلى هذا القضاء[41].وبالرغم من صحة هذا الاتجاه المتعلق بأصل نشأة نظرية الخطأ الواضح في التقدير. فإن ذلك لم يكن سوى عبارة عن إرهاصات لم تتبلور بشكل جدي في مجال الرقابة القضائية على القرارات الإدارية الفردية السلبية إلا مع رقابة القاضي الإداري في مجلس الدولة الفرنسي الذي كان له الفضل والسبق في إبراز معالم هذه النظرية و حسن صياغتها وبلورتها وجعلها قاعدة قانونية تطبق على القرارات الإدارية الفردية التي تكون ماسة بحقوق وحريات الأفراد بشكل لا يتلاءم وحجم الخطأ الإداري المستمد من الوقائع القانونية و المادية.

وبغض النظر عن هذا الخلاف، فقد كان مجلس الإدارة أكثر تفاعلا وتحمسا في صياغتها لنظرية عامة في قضائه الإداري، و أصبحت بذلك ركنا من أركان القضاء الإداري على القرارات الإدارية إلى جانب رقابة الوقائع المادية و القانونية والانحراف بالسلطة أو مخالفة القانون.

وقد كان أول حكم أعمل مجلس الدولة رقابته بخصوص تقدير ملاءمة تصرف الإدارة، والذي شكل منعطفا نوعيا وحقيقيا في تعامله مع حرية تقدير الملاءمة وفتح المجال لإعادة تقييم اختيار الإدارة لفحوى القرار في غياب كلي لأي مقتضى قانوني هو الحكم الصادر في يونيو 1978 في قضية السيد Lebon  الذي تتلخص وقائعه في كونه كان مدرسا بأكاديمية تولوز، إلا أن فوجئ بقرار إحالته على المعاش بدون طلب منه فرفع دعواه أمام المحكمة الإدارية لنفس المدينة طالبا منها إلغاء القرار الصادر عن الإدارة. لكن هذه الأخيرة تحججت وبررت قرارها الإداري بسبب كون الطاعن كانت تصدر منه إشارات وحركات مخلة بالحياء إلى التلميذات.

فجاء حكم المحكمة الإدارية بتولوز برفض الطعن المقدم من طرف الطاعن، ثم استأنف الحكم أمام مجلس الدولة الفرنسي الذي رفض الطعن وأيد بدور حكم المحكمة الإدارية حيث قرر ما يلي:

“أنه لا يتضح من الأوراق أن الجزاء الموقع على المدعي بالإحالة على المعاش بدون طلب يقوم على خطأ واضح في التقدير و على ذلك فإن الحكم المطعون فيه قام على أسبابه الكافية المبررة له”[42].

وبصدور هذا الحكم يكون مجلس الدولة قد تجاوز رقابته التقليدية في مجال الجزاءات التأديبية إلى رقابة صارمة لا تترك الحرية المطلقة للإدارة في تقدير أهمية وخطورة الوقائع التي تدعيها الإدارة لقراراتها التأديبية وما يناسبها من عقوبات، ولم تعد السلطة الإدارية المختصة تضرب بحرية تامة على بيانو الجزاءات  Clavier des sanctionوتختار من بينها ما تراه محققا للنغمة التي ترغب في سماعها[43].

ويعتبر هذا الحكم بمثابة اللبنة الأولى لتأسيس قضاء إداري ليراقب مدى ملاءمة مضمون القرار الإداري الفردي السلبي مع أسبابه الداعية له، و إحداث عقلنة نشاط الإدارة في مسألة العقوبات الإدارية التي تنزلها بموظفيها.

وبعد هذا الحكم تناولت الأحكام القضائية في مجال مراقبة الملاءمة التي أصبح إحدى المبادئ الأساسية التي تبرزها أحكامها. ففي قضية Sieur Vinolay [44] والذي يعتبر أول تطبيق إيجابي لنظرية الخطأ الواضح في التقدير بخصوص تقدير الملاءمة بين محل القرار الإداري وسببه، حيث ألغى من خلاله المجلس الجزاء التأديبي الموقع على مدير للخدمات بغرفة الزراعة والقاضي بفصله من العمل لما نسب إليه من إهمال وعدم عناية في أدائه لوظيفته، وقضى في هذا الحكم بأن التفاوت بين الأخطاء المقترفة من قبل السيد Vinolay والمتمثلة في القسوة و الصرامة في معاملته لمرؤوسه وبين عقوبة العزل من العمل يعد تفاوتا صارخا و بينا ولا يمكن تبرير الإجراء المتخذ ضد المدعي دون خطأ واضح في التقدير.

وبذلك استقرت رقابة الخطأ الواضح في التناسب على الجزاء و الخطأ في المجال التأديبي، حيث راقب مجلس الدولة قرار إداري يتعلق بتقدير الكفاية الوظيفية للموظفين العامين في قضية Leca. وتتلخص وقائع هذا الحكم في أن السيد Leca كان يعمل موظفا بوزارة الاقتصاد والمالية فطلب من الوزير مراجعة الدرجة الرقمية التي منحت له لأنها أقل من أن تمثل كفايته الوظيفية، لكن الوزير لم يرد على طلبه، فطعن في القرار الضمني بالرفض أمام المحكمة الإدارية لمارسيليا التي رفضت دعواه على أساس أن قرار تقدير كفايته غير مشوب بخطأ بين ليطعن مرة أخرى في هذا الحكم أمام مجلس الدولة الفرنسي الذي أشار إلى أنه: “يتضح من الأوراق أن تقدير الكفاية صدر مشوبا بخطأ واضح في التقدير”[45].

ومن خلال هذه الرقابة القضائية على زمرة هذه القرارات الإدارية التي تحدث ضررا في المراكز القانونية للأفراد. فقد تجاوز القضاء الإداري الفرنسي مبدأ عدم مراقبة تقدير الوقائع التي يمارسها المسؤول الإداري على مرؤوسيه إلى رقابة قصوى تنصب في صميم التقدير الإداري، و خطورة الوقائع التي تستند الإدارة عليها لإنزال عقوبة إدارية، و مدى تلاؤمها مع الإجراء المتخذ على أساسها.

إذن، فما هي الأسس الفقهية و القانونية لهذه النظرية؟ وكيف تعامل معها القضاء الإداري المغربي بعد إحداث المحاكم الإدارية ؟

الفقرة الثانية: الأسس الفقهية و القانونية لنظرية الخطأ الواضح في التقدير

لا يختلف اثنان في الجزم بأهمية نظرية الخطأ الواضح في التقدير في مجال الرقابة القضائية الإدارية على القرارات الإدارية، وذلك لما حققته من ضمانات قضائية للأفراد من شطط الوحدات الإدارية. لكن هذا الموضوع يثير تساؤلات حول حدود القاضي الإداري والأساس القانوني الذي يستند إليه عند ممارسة رقابته على نشاط الإدارة في مجال القرارات الإدارية الفردية السلبية، الشيء الذي يمكن أن يؤدي بهذه الرقابة إلى الانزلاق عن حماية مبد الشرعية، و التدخل في تقدير الإدارة و أعمالها وسلطاتها التقديرية، ويصبح بذلك سلطة رئاسية أخرى على الإدارة و يراقب ملاءمة قراراتها. في هذه الحالة، ألا يمكن القول بأن القاضي الإداري، قد تجاوز اختصاصاته المنوطة بحماية الشرعية بصفة عامة ؟

وكيف وفق القاضي الإداري بين ممارسة مراقبة الملاءمة واحترام السلطة التقديرية للإدارة؟ وكيف ساهمت هذه الرقابة القضائية الحديثة في عقلنة النشاط الإداري وحماية حقوق وحريات المرتفقين ؟

وأمام تضارب الفقهاء حول رقابة القضاء الإداري على ملاءمة القرارات الإدارية بين رافض ومؤيد لها[46]. سوف نحلل العلاقة البنيوية بين عناصر القرار الإداري و خاصة أسبابه ومحله و الغرض منه حتى تتضح لنا مدى اختصاص أو عدم اختصاص القاضي الإداري في مراقبة مبدأ الملاءمة.

أولا: مراقبة فعالية القرار الإداري الفردي السلبي

إن الدكتور عصام بنجلون[47] يعتبر أن النظرة التكاملية للثالوث: السبب، المحل، الغاية في القرار الإداري هي التي تشكل المنطلق الأساسي لتأصيل رقابة الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه.

 

فمن المتعارف عليه في فقه القانون العام أن الامتيازات والقواعد الغير المألوفة التي تؤطر تصرفات الإدارة ليست غايات بحد ذاتها بقدر ما هي وسائل و أدوات تهدف إلى خدمة المنفعة والمصلحة العامة، و أن كل قرار إداري يزيغ عن تحقيق الهدف منه يبقى قرارا باطلا.

يقول العميد فيدل في هذا الصدد عن النهائية في العمل القانوني: “إن الحقوق المعترف بها لشخص القانون ليست بغايات في ذاتها وإنما هي تتصل بأغراض ووظائف معينة. فالقانون الإداري يختلف عن القانون الخاص لأن غايته الموضوعية محددة على وجه أكثر وضوحا أو على الأقل على وجه أكثر دقة و تتمثل في المصلحة العامة أو المنفعة العامة، وهي فكرة و إن لم تزل غامضة ومتغيرة فإنها تقوم على الأقل كمبدأ للعمل محدد على وجه إيجابي لا سلبي كما في القانون الخاص، وهذه الفكرة تعني أن كل الأعمال الإدارية يجب أن تحقق المصلحة العامة “.

 

ويعتبر الفقيه Eisenmann أن النشاط الإداري موجه نحو غايات اجتماعية معينة تسيطر عليه حتى إننا لا تستطيع فهم هذا النشاط إلا إذا ربطناه بغاياته، فالسلطات والاختصاصات والرخص والميزات الممنوحة للإدارة لم تتقرر إلا لتحقيق نتائج معينة والقيام بمهمة أو وظيفة معينة، ولذلك لا تستطيع فهم هذه السلطات ما لم نضع في الاعتبار الغاية التي تمارس هذه السلطات لخدمتها[48].

وعليه فإن أي قرار إداري يبقى مرتبطا بالغاية منه، و الأثر الذي يحققه للمرفق والمرتفق على حد سواء، بحيث يبحث المشرع دائما عن العلاقة المناسبة والملائمة بين الأسباب الواقعية والقانونية ومحل القرار الإداري.

وإذا كان المشرع في مجال السلطة المقيدة يقوم بتحديد الأسباب أو الوقائع المبررة لإصدار القرار، وكذا بتحديد المحل الملائم والمناسب لتلك الوقائع فإن هذا التحديد لا يتم بطريقة عبثية أو مزاجية، بل يتم بشكل يستطيع معه القرار أن يحقق الغرض من إصداره،وبذلك تكون مسألة الملاءمة أو التناسب قد حسمت تشريعيا بناءا على تقدير المشرع بأن القرار إذا صدر بهذا الشكل سوف يحقق غرضه المنشود[49].

وإذا كان مصدر القيد في حالة السلطة المقيدة يجد سنده في القاعدة القانونية التي تحدد مضمون المحل الواجب اتخاذه فإن العيب الذي سيقوم في حالة خرق القاعدة القانونية سيكون متصلا بمخالفة القانون، أما في حالة السلطة التقديرية وحيث الملاءمة غير محسومة تشريعيا، فإن عدم تحري حدا أدنى من الملاءمة سوف يعيب القرار في كونه لن يحقق الغرض من إصداره[50].

وإذا كانت الإدارة غير ملزمة أمام القاضي الإداري بدرجة معينة من تحقق الغرض، فإنها بالتبعية تكون حرة في تقدير ملاءمة مضمون قرارها، و لكن في حدود تحقق الغرض بغض النظر عن درجة ذلك التحقق، والقاضي الإداري تبعا لذلك لا يلغي القرار إلا إذا كان سوء تقدير الملاءمة فيه من الفداحة و الوضوح ما لا يمكن الحديث معه آنذاك عن تحقق لأي غرض، وهذا هو لب نظرية الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه.

إن الغرض كركن من أركان القرار الإداري في حالة السلطة التقديرية يمكن أن يتحقق بإصدار قرارين أو أكثر تختلف ملاءمتهما من واحد لآخر، غاية الفرق أن كل واحد منهما يؤدي إلى تحقق الغرض بدرجة متفاوتة من حي الإتقان والكفاءة، ومع ذلك فإن القاضي الإداري لا يستطيع إلغاء أي منهما ما دامت تحقق الغرض موضوعيا من إصدارها، و بذلك فإن القرار الغير الملائم في حدود معينة، أي أن كليهما يؤديان إلى تحقيق الغرض من إصدارهما، بيد أن المغالاة في سوء تقدير هذه الملاءمة إلى درجة يتعذر معها تحقيق القرار للهدف المشروع من إصداره تتيح للقضاء إلغاء القرار الموصوم بهذه المغالاة لعيب في مشروعيته.

ففعالية القرار الإداري الفردي السلبي في مجال تأديب الموظفين العموميين على سبيل المثال، لا يمكن أن يكون له أثر إيجابي على سير المرفق العمومي من جهة وتأديب الموظف المخل بالتزاماته المهنية من جهة ثانية، ما لم يكن الغرض من تلك العقوبة المتخذة في حق ذلك الموظف تتلاءم ونوع الخطأ المرتكب. أما إذا كانت جد قاسية، فإنها تتعارض مع الهدف الذي قصده المشرع من التأديب،وتؤدي إلى عدم الاطمئنان في نفسية الموظفين وعدم تحمسهم لاتخاذ أي مبادرة أو تحمل أي مسؤولية، وهي نتائج تتعارض كليا مع الهدف من التأديب وضمان حسن سير المرفق العام.

وبذلك يكون القاضي الإداري يراقب ملاءمة القرار الإداري والهدف منه في إطار احترام مبدأ الشرعية وتجنب التعسف في استعمال السلطة، وضرورة احترام حد أدنى من المنطق والصواب في اختيار مضمون القرار ومدى تناسبه مع الأسباب الدافعة في اتخاذه ومدى تأثيره على المرفق والمرتفق معا.

والقاضي الإداري يبقى قاضي الشرعية على اعتبار أن علة الإلغاء تقوم على أساس بطلان أحد أركان القرار وعناصر شرعيته. ويعتبر التناسب والملاءمة في بناء القرارات الإدارية شرطا منطقيا. كما يستند الخطأ الواضح في التقدير على عيب انحراف في استعمال السلطة.

ثانيا: رقابة مبدأ الشرعية في تحقيق المصلحة العامة  

إن القاضي الإداري عندما يلغي قرارا، إداريا بناءا على نظرية الخطأ الواضح في التقدير، فإنه لا يلغيه لعدم الملاءمة أو الغلو، وإنما يستند في إلغائه إلى عيب من عيوب تجاوز السلطة وهو عيب انحراف استعمال السلطة. وهو عيب موضوعي مرتبط بعدم تحقيق المصلحة العامة يضفي عليها الشرعية، و الفعالية، و يحتج بها أمام الكافة، وبالتالي تتحصن تلك القرارات من أي طعن، التي هي الهدف الأول والأخير من وراء القرار الإداري.

 

وتتجلى علاقة رقابة الخطأ الواضح في التقدير بوضوح من خلال ما قام به مفوض الحكومة Braibant من مقارنة بين تلك الرقابة و بين عيب الانحراف في استعمال السلطة حيث عبر عن ذلك في حديثه الموجه إلى مجلس الدولة قائلا: “إن الخطأ الواضح يمكن مقارنته في هذا الشأن بانحراف السلطة الذي يهدف إلى رقابة أخلاقيات الإدارة ومنعها من استخدام سلطاتها لغايات أجنبية عن المصلحة العامة، وكذلك الرقابة على الخطأ الواضح تهدف إلى أن تفرض على السلطات الإدارية حدا أدنى من المنطق و العقل السليم”[51].

ويعلل د. سامي جمال الدين مراقبة الملاءمة من خلال مراقبة بنيوية لعناصر القرار الإداري بقوله: “…إن التناسب والمعقولية، بل والملاءمة هي صفات للعلاقات المتبادلة بين عناصر السبب والمحل والغاية في القرار الإداري، ولذلك لم تعد رعاية قاضي الإلغاء مقصورة على فحص مشروعية (شرعية) كل عنصر من هذه العناصر على حدة، وإنما صارت شاملة كذلك لفحص شرعية العلاقة بين هذه العناصر، والتي تمثل المجال الحقيقي الذي تبدو فيه جوانب الملاءمة والتناسب  والمعقولية واللزوم في القرار الإداري، وحيث تتصل هذه العلاقة بالعناصر القانونية للقرار، فإنها تندرج بالتالي ضمن ضوابط مشروعية هذه العناصر[52].

 

والقانون الإداري يهدف دائما إلى حماية المصلحة العامة بغض النظر إلى العمل الإداري للإدارة، بحيث أن الحكم على سلامة هذا العمل لا يكون إلا بالنظر إليه في ذاته لا بالنظر إليه من زاوية الإرادة التي أصدرته، فمتى صدر القرار فقد عزل وصار كيانا مستقلا يقدر بمعايير موضوعية بعيدا عن الإرادة التي أصدرته، وهذه المعايير الموضوعية تبرز جليا في أركانه التي يجب أن يقوم عليها والتي لا تتصل بالإرادة بصلة، فركن الاختصاص مثلا هو ركن محدد بقواعد ثابتة لا تلعب فيها الإرادة أي دور، والحكم بعدم الاختصاص هو حكم موضوعي يتم في ضوء القواعد القائمة بعيدا عن كل بحث نفساني للإدارة، وعما إذا كانت قد وقعت في هذا العيب بحسن نية أو أنها قصدت عمدا الاعتداء على اختصاص غيرها، والأمر كذلك بالنسبة لركن الشكل وبالنسبة للشروط الموضوعية التي قد يتطلبها القانون، فهي تقدر موضوعيا في ضوء القانون بعيدا عن كل اعتبار للإدارة التي أصدرت القرار، وكذلك لركن الغرض فهو محدد بالقانون على وجه إيجابي وسواء تمثل هذا التحديد في فكرة عامة مرنة كفكرة المصلحة العامة أو فكرة أكثر تخصيصا ودقة كالنظام العام أو المصلحة العامة، فالغرض دائما فكرة موضوعية وما منحت الإدارة سلطاتها إلا لتحقيق هذا الغرض ولذلك تعين أن يقاس الغرض بمقياس موضوعي لا ذاتي وألا يكون صحيحا إلا إذا وجد له سندا من الحقيقة الواقعية و ما يتجه إليه القرار في ذاته لا أن يكون سنده في نوايا الإدارة وما تتوخاه في دخائلها[53].

وتوجد هناك حالات تعرض على قاضي الإلغاء يصعب استخلاص عيوب القرار الإداري انطلاقا من ظروف الوقائع المعروضة عليه، فيتجه ليتحسس نية مصدر القرار، فإن استشفى منها غرضا معيبا اتجهت الإدارة إلى تحقيقه كان ذلك بمثابة قرينة على انعدام الغرض الموضوعي المشروع وهي قرينة تبقى بسيطة وتندثر بمجرد إدلاء الإدارة بدليل يفند ذلك، وهذا البحث في نوايا الإدارة لا يمثل في الحقيقة سوى آلية أو وسيلة للوصول إلى مشروعية الغرض الموضوعي، فالإلغاء لا يتم لعيب في الغرض الذاتي، بل إن هذا الأخير يشكل قرينة و مؤشر بأن الغرض الموضوعي غير متحقق، وهذا الدليل المستمد من نية الإدارة لا يغير من طبيعة الرقابة بل إنها تبقى رقابة موضوعية هدفها التعرف على وجهة القرار لا على وجهة مصدر القرار، وبذلك يبرز دور الغرض الذاتي في الرقابة على الانحراف[54].

ومما يستنتج من خلال هذه الأسس الفقهية والقانونية السالفة الذكر في رقابة قاضي الإلغاء للخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه، أن هذه الرقابة لا تخرج من رقابة مبدأ الشرعية بمفهومها الواسع، وأن التساؤل حول ما إذا كان هناك انزلاق القاضي الإداري إلى رقابة الملاءمة التي هي من اختصاص السلطة التقديرية للإدارة وما يشكل ذلك من خرق مبدأ الفصل بين السلطات، تبقى تساؤلات وفرضيات دون جدوى بناءا على ما سقناه من تحليل لهذا النوع من الرقابة القضائية على القرارات الإدارية.

وبالتالي فرقابة الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه، فهي رقابة شرعية لا تشكل أي اعتداء أو تطاول على حرية الإدارة في تقدير ملاءمة نشاطها اليومي.

وهكذا فإن القاضي الإداري المغربي مارس هذه الرقابة، حماية لحقوق و حريات الأفراد من جهة، وحماية المصلحة العامة من جهة أخرى. وسوف نلامس أثر هذه الرقابة الحديثة على القرارات الإدارية الفردية السلبية من خلال تطبيقات القضاء الإداري لهذه النظرية (الفقرة الثالثة).

الفقرة الثالثة: تطبيقات نظرية الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه في القضاء الإداري المغربي

بعد إحداث المحاكم الإدارية بموجب القانون 41/90، ذهبت هذه الأخيرة في اعتماد عدد من المبادئ التي استقر عليها القضاء الإداري في دول لها تجربة رائدة في هذا الميدان كفرنسا ومصر، منها اعتمادها لنظرية الغلو كوسيلة لمراقبة السلطة التقديرية للإدارة، كما أن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض التي تعتبر نبراس هذه المحاكم وسراجها المنير كان لها الفضل في ترسيخ هذا القضاء الجديد وتطويره[55].

وهكذا يمكن القول أن القضاء الإداري المغربي بسط رقابته على مدى الملاءمة والتناسب بين الفعل المرتكب والعقوبة المطبقة عليه في مجال الوظيفة العمومية ابتداءا، ثم نقله إلى مجالات أخرى.و سوف نقتصر في هذه التطبيقات القضائية على مجال الوظيفة العمومية من حيث رقابة الملاءمة في العقوبات التأديبية ثم رقابة الملاءمة في نقل الموظفين.

أولا: رقابة الملاءمة في العقوبات التأديبية في الوظيفة العمومية بالمغرب

إن المحاكمة العادلة لا تكمن في تهيئ شروطها و احترام مبادئ قيامها بل ينبغي أن تكون الغاية منها هدفا تراعي فيه حرمة الإدارة والمحافظة على هيبتها وقدسيتها لضمان السير العادي للمرفق العام و المصلحة العامة، وكذا ضمانات الموظف المتابع لكل حقوقه وعدم المساس بها في إطار التجرد والنزاهة، وبمعنى آخر ينبغي  أن تكون العقوبة الصادرة عقوبة ملائمة لطبيعة المخالفة المرتكبة، وأن كل غلو في تقديرها يعتبر تعسفا في استعمال الحق، ومسا بحقوق الموظف في أن يمتع بمحاكمة عادلة[56].

وهكذا أصدرت المحكمة الإدارية بوجدة حكما راقبت فيه الملاءمة إلى جانب المشروعية و الذي جاء فيه: “إن للإدارة سلطة تقديرية في اتخاذ العقوبة المناسبة في حق الموظف حسب خطورة الأفعال المنسوبة إليه ومدى تأثيرها داخل المرفق العام، ولا تكون ملزمة بظروف التخفيف التي تكون المحكمة الجنائية أو الجنحية قد منحتها له اعتبارا لظروفه الاجتماعية، وأن هذه السلطة التقديرية لا رقابة للقضاء عليها ما لم يشبها غلو في التقدير [57].

وقد أوضحت نفس المحكمة الإدارية هذا الاتجاه في حيثيات حكمها بأن المحكمة تملك سلطة مراقبة مدى ملاءمة العقوبة التأديبية المتخذة في حق الموظف بالنظر للمخالفة المنسوبة إليه إعمالا لمقتضيات الفصل 66 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية الذي ينص على تدرج العقوبات تبعا لخطورة المخالفات المنسوبة إلى مرتكبيها. في هذا الحكم اعتبرت المحكمة تغيب الطاعن – وهو معلم – عن العمل بدون إذن يؤثر سلبا على مستقبل الناشئة، وبالتالي فإن العقوبة التي قررتها الإدارة في حقه ملائمة للمخالفة و قضت برفض الطعن الذي تقدم به.

ونفس المبدأ أقرته نفس المحكمة (بوجدة) في قضية خديجة صبرينة بوتشيش ضد رئيس المجلس الجماعي لاعزائن الناظور[58]. بحيث رفعت الطاعنة دعوى الإلغاء ضد قرار عزلها من وظيفتها معتمدة من بين وسائل الطعن عدم ملاءمة هذه العقوبة والأفعال المنسوبة إليها. فاستجابت المحكمة الإدارية لطلبها معتمدة : “على أنه من المقرر فقها و قضاء أن رجل الإدارة لئن كان يتمتع بسلطة تقديرية في إيقاع العقوبة التأديبية على الموظف المخالف فهو يظل مراقبا من طرف القاضي الإداري في كل غلو أو إفراط في استعمال السلطة أو خطأ في التقدير بين العقوبة التأديبية الموقعة وحجم المخالفة المنسوبة للموظف المتابع، ومن تم فالقضاء الإداري وهو في سبيل التحقق من مدى شرعية المقرر الإداري المتخذ من طرف الإدارة في إطار الفصل 66 من قانون الوظيفة العمومية بعد النعي عليه بوسيلة عدم الملاءمة يملك حق مراقبة مدى تناسب العقوبة الموقعة في حق الموظف المتابع مع الأفعال المنسوبة إليه في إطار تطبيق تسلسل العقوبات التأديبية كما هي محددة في الفصل 66 المذكور، ذلك أن رجل الإدارة في ممارسته لاختصاصاته المنوطة به يجب أن يخضع في تصرفاته و قراراته ولو اتخذت في إطار سلطته التقديرية إلى المبررات الواقعية والقانونية التي تبرر قراراته وملاءمتها مع الأفعال المنسوبة للمخالف.

وإنه يؤخذ من واقع النزاع ومستنداته أن جهة الإدارة المدعى عليها أصدرت قرارا بعزل الطاعنة من وظيفتها استنادا للأفعال المنسوبة إليها أعلاه.

وأن المحكمة لما لها من سلطة تقدير مدى التناسب بين تلك العقوبة والأفعال الثابتة في حقها كما هي محددة بسبب القرار أعلاه، ووعيا منها لملابسات القضية والظروف التي صاحبت ارتكاب الطاعنة لتلك الأفعال و التي كانت مردها حالة الاستفزاز الناتجة لها من جراء وجود أختها أثناء الحادثة في حالة إغماء ورعيا منها لتصنيف العقوبات التأديبية الواردة في الفصل 66 أعلاه، ترى أن عقوبة العزل الموقعة عليها تعتبر جد قاسية ولا تتلاءم عما صدر من أفعال التي يمكن أن تكون محل عقوبة أقل خطورة منها، سيما وأنه لم يثبت في حقها جرما أو إخلالا خطيرا بواجباتها المهنية و السلوكية في إطار العمل الوظيفي التي تبرر مثل القرار المتخذ مما تبقى الوسيلة الملقاة عليه قائمة و الطعن بإلغائه مبرر. أحالت الطاعنة على سلطة التأديب لاتخاذ العقوبة الملائمة في إطار القانون.

مع أن هذا الجزء من الحكم ما كان للمحكمة أن تصرح به لأن مهمتها هي إلغاء القرار أو رفض الطلب دون أن تفرض على الإدارة اتخاذ عقوبة أخرى احتراما لمبدأ فعل السلطات.

ونفس المنحى أكدته هذه المحكمة الإدارية في قضية امنشان الصادر بتاريخ 10 فبراير 1999، إذ صرحت على أن القاضي الإداري في إطار مراقبة مشروعية القرار الإداري يملك صلاحية التأكد من مدى ملاءمة العقوبة الموقعة من طرف الإدارة في حق موظفيها مع الأخطاء والمخالفات المنسوبة إليهم عملا بمدلول الفصل 66 من قانون الوظيفة العمومية.

وإن المحكمة بعد مراقبتها للأفعال المرتكبة من طرف الطاعن تبين لها أن العقوبة المتخذة ضدها ملائمة للأفعال والوقائع التي اعتمدتها الإدارة في إصدارها هذه الأفعال تتمثل في إهانة وسب الرئيس المباشر داخل مقر العمل هي أفعال خطيرة تمس بهيبة ووقار الإدارة المتمثلة في رئيس الجماعة، و يعد إخلالا كبيرا بالاحترام الواجب على الموظف اتجاه رئيسه مما يجعل العقوبة المتخذة ملائمة.

واعتمادا على نظرية الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه، نهجت المحكمة الإدارية  بمراكش نفس المنحى في حكمها الصادر بتاريخ 24 فبراير2002 وأقرت المبدأ التالي:

– إذا كانت الإدارة تتمتع  بسلطة تقديرية في اتخاذ العقوبة التأديبية في حق الموظف المخالف فإنها تخضع لمراقبة القضاء الإداري في كل غلو أو خطأ في التقدير بين العقوبة المتخذة و المخالفة المرتكبة.

– اتخاذ عقوبة الإقصاء عن العمل لمدة 25 خمسة وعشرين يوما مع الحرمان من كل أجرة في حق موظفة من أجل عدم الجواب على بعض الاستفسارات و عدم تحليها باللباقة في تعاملها مع رئيسها ينم عن الغلو في التقدير بين العقوبة و حجم المخالفة “[59].

وتطبيقا لرقابة القاضي الإداري المغربي لملاءمة القرارات الإدارية التأديبية في مجال الوظيفة العمومية نموذجا، أكدت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط ببسط رقابتها على التناسب فقررت إلغاء عقوبة العزل في حق رجل الأمن، و عللت قرار الإلغاء بما يلي:

“إن للإدارة سلطة تقديرية في اتخاذ العقوبة المناسبة في حق الموظف حسب خطورة الأفعال المنسوبة إليه ومدى تأثيرها داخل المرفق العام، وأن هذه السلطة لا رقابة للقضاء عليها ما لم يشبها غلو في التقدير.

– لئن كان المستأنف عليه قد نسب إليه كون تصرفاته مشينة باعتباره يعاشر رفقاء السوء، و هذا له مساس بالمرفق العام الذي ينتمي إليه كرجل أمن، إلا أن معاقبته عن هذا التصرف غير اللائق بعقوبة العزل، ينم عن غلو في التقدير، إذ لا تتناسب هذه العقوبة بتاتا مع خطورة الفعل المرتكب من قبل الطاعن، مما يكون معه القرار المطعون فيه مشوبا بتجاوز السلطة و حري بالإلغاء[60].

إذن، يتضح من خلال هذه الزمرة من الأحكام، أن القاضي الإداري المغربي عندما يراقب السلطة التقديرية للإدارة في مجال التأديب، فإنه يستعمل تارة نظرية الغلو وتارة أخرى يطبق الخطأ الواضح في التقدير أو يجمع بينهما. فالقاضي الإداري يمارس تلك الرقابة في أحيان كثيرة باعتماد مبدأ الملاءمة بشكل عام.

ففي حكم المحكمة الإدارية بالبيضاء، راقب القاضي الإداري مدى ملاءمة السبب للقرار المتخذ مع محله، بحيث قضت بما يلي:[61]“وحيث أنه إذا كان أمر اتخاذ القرارات التأديبية يدخل في إطار السلطة التقديرية للإدارة فإن القاضي الإداري باعتباره المراقب لمشروعية القرارات الإدارية أن يفحص السبب المعتمد من طرف الإدارة مقارنة مع القرار المتخذ من طرف هذه الأخيرة في مواجهة الخطأ المقترف، كما لو تعجلت الإدارة في اتخاذ قراراتها أو أصدرت قرارا غير ملائم أو قرارا قاسيا لا يتناسب مع سببه”.

وهذا لا يدل على أن القاضي الإداري عند ممارسته لمبدأ الملاءمة بين العقوبة والخطأ المهني كان يلغي كل القرارات الإدارية، بل في كثير من الحالات وافق الإدارة على تشديد العقوبة، ولم يقبل بأعمال مبدأ الملاءمة أو التناسب[62]، كما هو الشأن في حكم المحكمة الإدارية بالرباط في قضية بوليل محمد، حيث أشارت إلى أن السلطة التقديرية للإدارة في اتخاذ العقوبة المناسبة في حق الموظف لا رقابة للقضاء عليها ما دام لم يشبها أي غلو في التقدير …”[63].

وعادت نفس المحكمة في قضية أجدع رشيد لتؤكد على أن المحكمة و على افتراض أحقيتها في مراقبة الملاءمة بين الأفعال و العقوبة المتخذة، فإنها ترى بأن الأخطاء المرتكبة من طرف  الطاعن تبرر العقوبة المتخذة في حقه…”[64].

وهذا الحكم أيدته محكمة النقض بقولها: “إن الملاءمة قائمة بين الأفعال المنسوبة إلى الطاعن و العقوبة المتخذة في حقه “[65].

وكان هذا الحكم ونظرا للصيغة التي جاءت بها حيثياته المشار إليها، بمثابة الضوء الأخضر للمحاكم الإدارية[66] لمراقبة الملاءمة بين المخالفة و الجزاء التأديبي.

ولا ينحصر تطبيق نظرية الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه على مجال التأديب في الوظيفة العمومية، وإنما يشمل مجالات أخرى بالرغم من أن ظهور هذه النظرية ارتبطت بداية بهذا المجال.

ويعتبر هذا الموقف الايجابي الذي  تجاوز الرقابة التقليدية لرقابة مبدأ الشرعية تمليه التطورات و التحولات الأساسية التي تعرفها بلادنا على جميع الأصعدة.

وإن ترسيخ هذا المبدأ من شأنه أن يحقق العدالة و الإنصاف ويساهم بشكل جذري على حماية الحقوق و صيانة الحريات[67].

ثانيا: رقابة الملاءمة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة في نقل الموظفين العموميين بالمغرب

في مجال انتقال الموظفين وتطبيقا للفصل 64 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية[68]، كان للمجلس الأعلى باستمرار موقف موسوم بشدة التحفظ، معتبرا أن السلطة الإدارية تملك بهذا الخصوص سلطة تقديرية، لا يمكن فرض الرقابة عليها أو الحؤول دون نفادها، عدا في حالة الانحراف في استعمال السلطة الذي يصعب فوق ذلك تقديم الدليل عليه[69]، وقد ترتب عن هذا الموقف رفض أي طعن رام إلى إلغاء مقرر متعلق بالانتقال،علما بأن هذه الأحكام بالرفض تستمد تبريرها  – حسب محكمة النقض- من كون السلطة الإدارية وحدها مؤهلة لتقدير مصالح الإدارة التي أشار إليها الفصل 46 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية[70].

لكن تسليم القضاء بالسلطة التقديرية للإدارة لا يتنافى وضمان حقوق الموظفين، كما أن هذه السلطة تنعدم في مجال تحديد الغرض، أي اقتران قرارات النقل بمصلحة الإدارة أو المصلحة العامة بصفة عامة، فلم يتوانى القاضي الإداري عن مراقبة مدى تناسب قرار نقل الموظف مع ما تقتضيه المصلحة العامة للمرفق الذي ينتمي إليه، على اعتبار أن هذه المصلحة تشكل دائما الوازع، والمبرر لاتخاذ قرارات النقل المكاني، ولم يكتف القاضي الإداري بخلو القرار من أي قصد، أو نية لإساءة استعمال السلطة، بل طال بقضائه الحد الأدنى من التناسب والملاءمة في هذا النوع من القرارات[71]. ودرءا لشطط الإدارة في استعمال سلطتها التقديرية لمفهوم المصلحة العامة أو مصلحة الإدارة، لكون هذه المصلحة ذات دلالات مطاطية عامة وغير محددة المعالم، لذلك شدد القضاء على هذا المفهوم، ومراقبة أسبابه، وخلفياته التي استلزمت صدور القرار الإداري، مع التأكد من صحة المبررات التي تحتج بها الإدارة.

وهكذا صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط قرارا يشير إلى أن : “للإدارة سلطة تقديرية في نقل موظفيها حسب ما تقتضيه المصلحة العامة و لا رقابة للقضاء عليها في ذلك إلا بسبب الانحراف في استعمال السلطة أو وجود خطأ بين في التقدير”[72].

كما تأكد هذا الاتجاه بحكم الغرفة الإدارية التي أعادت صياغة نفس المبدأ بقولها: “حيث أن الإدارة تتوفر على سلطة تقديرية في مجال نقل موظفيها و إعادة انتشارهم على مختلف المصالح والمرافق التابعة لها، وأن الأصل أن تكون تلك القرارات قد صدرت بدافع المصلحة العامة ولا تجوز المنازعة فيها إلا بالانحراف في استعمال السلطة أو الخطأ البين في التقدير”[73].

كما يجب أن تراعي القرارات الإدارية المتعلقة بنقل الموظفين العموميين لظروفهم العائلية في إطار الملاءمة بين مصلحة الإدارة من جهة والمصلحة الشخصية والعائلية للموظف من جهة أخرى،  وهو شرط لمشروعيته ما عدا في حالة قيام أو وجود حالة من حالات الضرورة التي يتحقق القاضي من وجودها.

ويعتبر القرار الصادر عن محكمة النقض في قضية خديجة جلزيم[74]، من القرارات الأولى التي أخذ فيها القضاء بعين الاعتبار الظروف الشخصية و العائلية للمعنيين بقرارات النقل. فقد قضى بإلغاء القرار الصادر عن وزير الشؤون الخارجية المتعلق باستدعاء المعنية – التي كانت في وضعية إلحاق – من فرنسا إلى المغرب لأن الإدارة لم تراع ظروفها الخاصة – حيث سجلت أبناءها في المدارس مع ما يتطلب ذلك من مصاريف، إضافة إلى المرض الذي كانت مصابة به في عينها و مضطرة لمتابعة العلاج الطويل وإجراء عملية جراحية وإلا فقد عينها خصوصا وأن الوزارة على علم بهذه الظروف مع ذلك فقد رفضت مراعاتها- .

“فالوزير أخطأ في اختيار وقت التدخل حيث لم يتخذ قراره في الوقت المناسب- نهاية السنة الدراسية – و لم يشعر المعنية خلال مدة معقولة بالتغيير الحاصل في وضعيتها حتى تتمكن من اتخاذ الترتيبات التي يقتضيها قرار النقل الذي يعنيها، مما ألحق بها أضرارا جسيمة تتجاوز ما يستلزمه تحقيق مصلحة الإدارة”[75]، كما أنه لم يراع الظروف الشخصية والعائلية للمعنية خاصة وأن الفصل 20 من النظام الخاص للأعوان الدبلوماسيين و القنصليين[76] ينص على أنه: “يجب أن تراعى في كل تعيين أو انتقال أو استدعاء إلى الإدارة المركزية الحالة العائلية للمعنيين بالأمر و حقوقهم في الرخصة و تذكرة السفر”.

لذلك فالإدارة أصبحت ملزمة في إطار سلطتها التقديرية بمراعاة الظروف الشخصية والعائلية المحيطة بالمعنيين بقرارات النقل، مما يجعلها مقيدة باتخاذ مثل هذه القرارات بشكل ملائم للأسباب المادية والقانونية بناءا على تقدير الظروف الخاصة والذاتية الزمنية والمكانية… فهي مدعوة في كل حالة أن تأخذ بعين الاعتبار كل من المصلحة العامة والظروف الشخصية للموظف وأن توازن و توافق بينها”[77].

وقد تبنت مجموعة من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية هذا الاتجاه، فقضت المحكمة الإدارية بالرباط في أحد أحكامها “. وحيث إذا كانت للإدارة سلطة تقديرية في اتخاذ العقوبة التي تراها مناسبة في حق مستخدميها، فإنه بالنظر إلى وضعية الطاعنة كامرأة متزوجة، فإن عقوبة النقل المتخذة في حقها تعتبر بالنسبة إليها غير مناسبة، لأنها قد تؤدي حتما إلى تشتيت أسرة بكاملها و ذلك بالنظر إلى المسافة الرابطة بين مدينة سلا ومدينة ابن جرير التي تم نقل الطاعنة إليها “[78].

وفي نفس المبدأ الذي كرسته نفس المحكمة في قضية الدحاني فاطمة ضد الصندوق الوطني للقرض الفلاحي و الذي يعتبر حكما متقدما،وهو بالأهمية بمكان على الرغم مما آثاره من تعليقات في الجانب المتعلق بموقف المحكمة من الدعوى الموازية.[79]

وتتلخص وقائع هذا الحكم في أن مدير الصندوق الوطني للقرض الفلاحي اتخذ قرار بنقل السيدة المذكورة من مدينة تمارة إلى مدينة ورزازت، وعندما طعنت في هذا القرار، أجابت المؤسسة المطلوبة في الطعن بأن هذا القرار قد اتخذ نتيجة الخصاص الذي حصل للصندوق الوطني للقرض الفلاحي بورزازت  لكن المحكمة اعتبرت أنه :

“ولئن كان الخصاص المزعوم ثابتا، فإنه كان بوسع الإدارة تعيين شخص آخر يعمل بمؤسسة تابعة لها قريبة من الجهة التي تشكو من الخصاص، سيما وأن الطاعنة امرأة متزوجة ولها أبناء تسهر على تربيتهم اللهم إذا كان المنصب المطلوب ملؤه يتطلب كفاءات استثنائية تتوفر في الطاعنة دون سواها و هو ما لم تبينه الإدارة “.

ففي هذا الحكم لم يبحث القاضي في القرائن العادية لانحراف الإدارة، ولم يتساءل عن نوع العلاقات التي تجمع الطاعنة بالإدارة، كما لم يطالب هذه الأخيرة بتبرير المصلحة العامة والأسباب التي دفعتها لاتخاذ هذا القرار، و إنما رسم إطارا جديدا لمراقبته معلنا على أنه على افتراض أن وجه المصلحة العامة قائم، فإن نقل موظفة من مدينة تمارة إلى مدينة ورزازت لا يكون مقبولا إلا إذا كانت المعنية دون سواها تتوفرعلى كفاءات استثنائية، وهذا ما دفع أحد الأساتذة إلى القول بأن القاضي تجاوز حدود الشرعية لمراقبة الملاءمة[80].

ويعتبر حكم المحكمة الإدارية بوجدة[81] خطوة أخرى لمعالجة إشكالية نقل الموظفين دون رضاهم، حيث راقب القاضي الإداري ملاءمة القرار المتخذ من طرف السلطات الإدارية.

وتتلخص وقائع القضية في كون الطاعن الذي يعمل كمهندس رئيس المصلحة التقنية ببلدية السعيدية، تقدم بمقال مسجل لدى كتابة ضبط المحكمة الإدارية يطعن بمقتضاه في القرار الصادر عن رئيس المجلس البلدي القاضي بنقله إلى باشوية السعيدية والمعللة بعلة- الطلب الكتابي الملح من طرف الباشا لتزويد هذا المرفق بأطر إدارية – معتبرا أن تلك العلة غير دقيقة، بل هي محاولة للانتقام منه. ويتجلى ذلك من حيث عدم ملاءمة زمانا وظروفا، إذ سيحول دون قيامه بواجبه و يتسم بالانحراف، لكون النوايا الحقيقية لإصداره ليست المصلحة العامة أو الإدارية، وإنما هي إبعاده إلى منطقة بعيدة عن الأنشطة التي يمارسها، ملتمسا الحكم بإلغاء القرار القاضي بنقله إلى الباشوية وبقائه في منصبه بالبلدية.

وقد أجاب رئيس المجلس بأن نقل الطاعن اقتضته المصلحة العامة، نظرا لكفاءة الطاعن  و لدرايته الواسعة بالتسيير الإداري، ملتمسا رفض الطلب لعدم ارتكابه على أساس و احتياطيا، رفض طلب الإلغاء لكونه أصبح غير ذي موضوع بعد أن التحق الطاعن بمقر عمله، كما هو ثابت من محضر الالتحاق.

فقضت المحكمة بإلغاء قرار النقل مؤسسة حكمها على مجموعة من الحيثيات أوردتها كالتالي:

  • أولا: أنه بالرغم من أن رئيس المجلس يتوفر على السلطة التقديرية في نقل موظفيه، ومادام هذا النقل يندرج في إطار المصلحة العامة وحسن تسيير المرفق العمومي الذي يعمل لحسابه، فإن ذلك مقيد ضمن حدود الموازنة بين مصلحة الإدارة التي يعمل لفائدتها الموظف و بين المصالح العامة التي يمثلها.
  • ثانيا: اعتبرت المحكمة أن إصدار قرار النقل من شأنه أن يعطل المهام المنوطة به ويؤثر سلبا على المصالح العامة التي يسهر على تنفيذها داخل هذه الهيئات.

فالقاضي اعتبر أن الإدارة إذا كانت حرة في تقدير مناسبة القرار الإداري وملاءمته، فإن القضاء مطالب بإيجاد حلول مرضية للتوفيق بين الرغبة في تحقيق المصلحة العامة وضرورة تمكين الأفراد من الحماية والضمانات القانونية.

وبذلك أصبحت الإدارة في إطار سلطتها التقديرية مقيدة باتخاذ القرارات الملائمة للأسباب المادية والقانونية، حيث أنها ملزمة في كل حالة، أن تأخذ بعين الاعتبار كلا من المصلحة العامة والمصلحة الشخصية، وأن توازن بينهما. وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية بمحكمة النقض  في العديد من قراراتها وكرست هذا المبدأ. نذكر من بينها القرار 80 مكرر الصادر بتاريخ 18/03/1993 في قضية هاشم قصري ضد المدير العام للجمارك[82].

حيث راقبت الغرفة الإدارية ظاهر الملاءمة في القرارات المتعلقة بالنقل من أجل المصلحة العامة، لتتأكد من الطريقة التي يتم بها النقل وكذا المقاييس المتبعة وبحاجيات الإدارة الفعلية لتخلص في النهاية إلى أن النقل هل فعلا تم من أجل حسن سير المرفق العمومي أم أملته اعتبارات شخصية مبعثا الانتقام، أو التخلص من تواجد الموظف ؟

” وحيث أن الإدارة إذا كانت تتوفر فعلا على السلطة التقديرية لنقل موظفيها من مركز إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى، ما دام هذا النقل يندرج في إطار المصلحة العامة وحسن تسيير المرفق العام الذي يعمل لحسابه، فإن ذلك مقيد بعدم الانحراف في استعمال السلطة، وحيث أن الإدارة تتذرع بالمصلحة العامة لنقل الطاعن  من جديد من مدينة مكناس إلى مدينة الدار البيضاء بنفس الصفة كمسؤول،قد كاتبته بتاريخ 22/11/1992، بعد شرح لها وضعيته العائلية والاجتماعية، مقترحة عليه عدة حلول منها إمكان استقراره بمدينة فاس ولكن دون تقلد أي مسؤولية والاكتفاء بعمله في مصلحة الجمارك كمفتش رئيسي، الشيء الذي يعني أن الإدارة بعدم تمسكها بقرارها القاضي بنقل الطاعن إلى مدينة الدار البيضاء في نطاق المصلحة العامة التي تتذرع بها لتغطية هذا النقل والسماح له بالبقاء بمدينة فاس دون أية امتيازات، كما كان يتمتع بها سابقا تكون قد اشتطت في استعمال السلطة باتخاذها القرار المطعون فيه”.

كما أن المحاكم الإدارية هي الأخرى أكدت هذا النهج، ففي حكم صادر عن إدارية مكناس بتاريخ 22/06/1995 قضية ماريا الطاهري[83]، كرست المحكمة الإدارية من خلال حكمها اتجاه الغرفة الإدارية و مما جاء في هذا الحكم :

أ- للقاضي الإداري أن يفحص ظاهر الملاءمة كي يتأكد من خلف القرار الإداري من أي عيب من عيوب الشرعية دون أن يمس هذه الملاءمة في حد ذاتها.

ب- إذا كان النقل من أجل المصلحة يدخل في عداد السلطة التقديرية التي تتمتع بها الإدارة، فإن ذلك مشروط بالتقييد بمبدأ المساواة أمام القانون.

وهكذا تعتبر الرقابة وسيلة للتخفيف من حدة سلبيات غياب رقابة شاملة، حيث تؤدي بالقاضي إلى التأكد من أن الإدارة لم تتعسف في استعمال الحرية التي تتمتع بها، ولم تتجاوز حدود المعقول في تقديرها لعناصر الملاءمة عند اختيار مضمون القرار. وهذه الرقابة تنضاف إلى الرقابة العادية التي يباشرها القاضي على القرار المطعون فيه من خلال عناصره الشكلية والموضوعية.

حيث أصبح القاضي الإداري يحل محل الإدارة لتقدير عناصر الملاءمة، كي يفحص هل هناك تناسب أم لا؟ وإذا ما تأكد لديه انعدام التناسب الواضح، يحكم بإلغاء القرار المطعون فيه، ويعتبر هذا الموقف تطورا نوعيا لقضائنا الإداري[84].

ويلاحظ أن القاضي الإداري المغربي اتخذ موقفا جد مهما ومتقدما ينصب في منحى تقوية حماية حقوق وحريات الأفراد مع الحفاظ على المصلحة العامة و مصلحة الإدارة.

وبذلك، فإن القاضي الإداري هنا يلعب الدور المنوط به كمنشئ، و كواضع أو مفسر للقواعد القانونية، وكذلك أنه قاضي مشروعية و قاضي ملاءمة[85].

ومن هنا يتجلى بوضوح أن القضاء يقوم بدور مهم في حماية مبدأ الشرعية بمفهومه الواسع تكريسا لدولة القانون و المؤسسات.

إن القضاء الإداري المغربي لم يظل حبيس المراقبة القانونية أو الملاءمة، بل تجاوز ذلك من رقابته و ذلك بالموازنة بين المنافع وأضرار القرار الإداري حتى ولو تم اتخاذه بصفة سليمة[86].

المطلب الثاني: تطبيقات نظرية الموازنة بين المنافع والأضرار في القضاء الإداري المغربي

ابتكرت نظرية الموازنة بين المنافع و الأضرار من لدن القضاء الإداري الفرنسي في إطار تطوير رقابته على القرارات الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، بغية عقلنة السلطة التقديرية لنشاط الإدارة لهذا النوع من القرارات الإدارية.

 

ونظرية الموازنة شأنها شأن نظرية الخطأ الواضح في التقدير في سياق تطوير القضاء الإداري لرقابته على سلطة الإدارة التقديرية، ولاسيما من أجل مواجهة التدخلات الاقتصادية للدولة كالمشاريع الاقتصادية والتدخلات العقارية، وكذا ازدياد سلطتها في هذا المجال، وخاصة أن هذه المجالات مؤطرة بقوانين تتميز بالمرونة والمطاطية ما يتيح للإدارة هامشا أكبر للتحرك ويمتعها بسلطة تقديرية أوسع، الأمر الذي تستعصي معه مهمة القاضي في رقابة هذه المجالات بوسائله التقليدية، هذا إضافة إلى المطالبة الفقهية الحثيثة لمواكبة الرقابة القضائية لتطور الحياة الاقتصادية للمجتمع[87].

 

حيث أصبح القاضي الإداري يبحث عن التوازن بين المنافع و الأضرار في قرارات نزع الملكية. وكان أول حكم ظهرت خلاله هذه النظرية هو حكم Ville nouvelle lille Est،ثم انتقلت تطبيقات رقابة القضاء الإداري لنظرية الموازنة إلى مجالات أخرى من بينها الوظيفة العمومية.

 

وسنعالج في هذا المطلب مفهوم الموازنة وأسسها الفقهية والقانونية، ثم بعد ذلك التطبيقات القضائية لهذه النظرية في مجال القرارات الإدارية الفردية السلبية.

 

  • الفرع الأول: مفهوم الموازنة بين المنافع والأضرار وأسسها الفقهية والقانونية

الفقرة الأولى: مفهوم نظرية الموازنة

لقد ارتبط ظهور نظرية الموازنة بين المنافع و الأضرار في القضاء الفرنسي ارتباطا وثيقا بتطور قضاء مجلس الدولة في قضايا نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، حيث عرفت رقابة المجلس تطورا مطردا يتماشى وما لحق بمفهوم المنفعة العامة من تطور، ففي مرحلة أولى كانت صفة المنفعة العامة لا تتحقق إلا في الحالات التي ينص عليها المشرع، إذ غالبا ما كان هذا الأخير يربط تلك الحالات بالضرورة العامة[88]Nécessité publique كالطرق العامة والميادين العامة، وفي هذه المرحلة بالذات كانت قضايا نزع الملكية المعروضة على القضاء محدودة للغاية لارتباطها بحالات مقننة ومحددة مسبقا.

 

وفي مرحلة ثانية توسع مفهوم المنفعة العامة و أصبح مرتبطا بمفهوم المرفق العمومي، إذ أصبحت تتوقف مشروعية نزع الملكية استنادا إلى هذا المعيار، وهو معيار من العمومية بحيث يرتبط بكل ما تقدمه الإدارة من خدمات للمواطنين كتوصيل المياه والكهرباء وتوفير السكن لذوي الدخل المحدود إلخ.

وبصيغة أخرى كان هناك مبرر نزع الملكية في كل حالة يتطلب الأمر فيها تنفيذ أنشطة ترتبط بمفهوم المرفق العام، بيد أن الأزمة التي عرفها هذا المفهوم كمعيار بعد تدخل الدولة في بعض أنشطة الخواص دفعت القضاء للبحث عن معيار آخر[89].

أما المرحلة الثالثة والأخيرة فإن مصطلح المنفعة أصبح مرتبطا بمفهوم أكثر شمولا ومطاطية، إذ أصبح قرار الإدارة مشروعا بخصوص نزع الملكية إذا كان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة، و قد ترتب على هذه العمومية و عدم الدقة في تحديد المعيار أن استفادة الإدارة من سلطة تقديرية واسعة، حيث أصبحت معها رقابة القضاء بدون جدوى، فكان يكفي بالادعاء بالمصلحة العامة لأحد المشروعات، فإن ذلك يكفي لإضفاء المشروعية على القرارات المتعلقة بملحقات المشروع[90]، ومما زاد من خطورة إجراء نزع الملكية هو التوسع المستمر والدائم لتدخلات الدولة في ميادين متشعبة و شاملة لجل مناحي الحياة، وما يتطلب ذلك من عقارات و أموال.

من هنا عمل مجلس الدولة الفرنسي جاهدا لكبح جماح الإدارة في هذا المجال، وقد توج مجهوده بتبنيه لنظرية الموازنة بين المنافع والأضَرار، ويعتبر قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 28 ماي 1971 في قضية مدينة ليل الجديدة أول قرار يطبق تلك النظرية، حيث أقر أن المنفعة العامة لمشروع مالا يمكن تقديرها لذاتها وإنما تقيم بالنظر لمزايا و أضرار ذلك المشروع.

فأصدر مجلس الدولة قراره الشهير الذي أعلن فيه عن قاعدة الموازنة التي لقيت استحسانا و تقديرا كبيرين، إن أي مشروع لا يمكن الاعتراف له قانونا بتوافر شرط المنفعة العامة إلا إذا كانت الأضرار التي يلحقها بمنفعة عامة أخرى ليست باهضة بالنظر إلى المنفعة التي يحققها. و أضاف الحكم، إلى أنه نظرا للأهمية التي يمثلها هذا المشروع في مجمله، فإن ما يقتضيه تنفيذه من إزالة بعض المنازل، لا يمكن أن ينفي عنه توافر شرط المنفعة العامة[91].

وهكذا و خلافا للنهج السابق لمجلس الدولة الفرنسي، لم يعد يكتفي القاضي بالنظر إلى المنفعة العامة التي يحققها قرار نزع الملكية نظرة مجردة بل قام بموازنة بين أضرار المشروع ومزاياه، ولاشك أن الترحيب الذي لاقاه هذا الحكم كان مبررا، إذ لاحظنا أن مسلك القضاء الفرنسي لم يكن كافيا لحماية الحريات الفردية في مواجهة الإدارة، بحيث كان إلغاء قرارات نزع الملكية أمرا نادرا لأن توقف القاضي عند النظر في صحة الوقائع كان يجعل من الصعب عليه أن يقرر تخلف شرط المنفعة العامة، لذلك كان الفقه يتطلع إلى رقابة أكثر فعالية خاصة في وقت تطورت فيه المفاهيم الاجتماعية وتعددت فيه المصالح الاقتصادية، وصارت بعض المصالح الخاصة كالشركات العملاقة تختلط شيئا فشيئا بالمصلحة العامة لما لها من تأثير على سوق الشغل وإنعاش الاقتصاد الوطني[92].

وكان الحكم القضائي الفرنسي الذي علل إلغاء القرار الإداري القاضي بإنجاز مشروع إعادة تخطيط مدينة ” ليل ” وتحويل الجامعة إلى شرق المدينة باستعماله لمفهوم الموازنة بين المكاسب و المزايا التي يحققها هذا المشروع بالمقارنة مع الأضرار التي يسببها للأفراد الذين تنتزع ملكيتهم بداية ميلاد رقابة حديثة أنشأها القضاء الإداري. فأصبحت مبدأ من مبادئ مراقبة القاضي الإداري للقرارات الإدارية المتعلقة بنزع الملكية، وتواترت الأحكام التي كرست هذا المفهوم الجديد في رقابة القضاء الإداري على عنصر المنفعة العامة[93].

ونظرا للصبغة العملية لهذا المفهوم وارتباطه بداية بمجال نزع الملكية لم يعر الفقه اهتماما بتحديد تعريف دقيق له، بحيث تأثر بعضهم بالمجال الذي ولد فيه، فجاءت هذه التعاريف مرتبطة بذلك.

بحيث عرف الدكتور محمود سلامة جبر الموازنة بما يلي:

“تعني نظرية الموازنة أنه تقدير شرعية مشروع أو عملية ما واعتبارها من المنفعة العامة يتعين معرفة ما تحققه من مزايا وفوائد والوقوف على ما ترتبه من أضرار واعتداءات على الملكية الخاصة وما تستلزمه من نفقات وتكاليف مالية مع الأخذ في الاعتبار الأضرار الاقتصادية والاجتماعية للمشروع وإقامة موازنة بين هذه العناصر، بحيث لا يمكن إقرار المشروع إذا جاءت الأضرار والأعباء المترتبة عليه مفرطة بالنسبة للمزايا والمصلحة التي يحققها[94].

وهناك معايير أخرى تستعمل في تعليل إلغاء القرارات الإدارية التي لا تتناسب مع مبدأ الموازنة والمتمثلة في:

  • الكلفة المالية للجهة المنفذة للمشروع والفوائد التي تترتب على إنجازه.
  • المقارنة بين الأَضرار الناتجة عن نزع الملكية وما يمكن أن تحدث من انعكاسات سلبية ذات طابع اجتماعي أو بيئي أو صحي والفوائد المترتبة عن المشروع المزمع تنفيذه.وهكذا يتطلب مبدأ الموازنة بين الأضرار والمنافع، أن يضع القاضي الإداري الآثار الناجمة عن القرار الإداري في ميزان العدالة، مزاياه في كفة وأضراره في كفة أخرى، وذلك قبل أن يقرر أيهما أولى بالرعاية[95].

وبالرغم من النقلة النوعية التي أحدثتها هذه النظرية في العلاقة بين السلطة القضائية والسلطة الإدارية وحمايتها لحقوق وحريات الأفراد من تعسف السلطة التقديرية للإدارة، فقد أثارت في نفس الوقت بعض المخاوف والانتقادات حول رقابة القاضي الإداري لنشاط الإدارة.

وهذا الأمر يقتضي أسس فقهية وقانونية لتضفي شرعية الرقابة القضائية، وهذا ما سنوضحه في الفقرة الثانية.

الفقرة الثانية: الأسس الفقهية والقانونية لنظرية الموازنة

                إن القاضي الإداري عندما يراقب محل القرار الإداري، فإنه يبسط رقابته على جميع أركانه لاستنباط عيبه والقضاء بإلغائه في إطار الموازنة. وطبقا لهذه النظرية يشترط حد أدنى من التناسب والملاءمة بين السبب و المحل على وجه الخصوص.

ومن أجل ذلك اتجه الفقه إلى وضع السند القانوني الذي يؤطر رقابة القضاء الإداري. وفي هذا الاتجاه أسس الدكتور سامي جمال الدين شرعية هذه الرقابة بقوله[96]:إن رقابة الموازنة لا تخرج عن الدور الإنشائي والخلاق الذي يلعبه القاضي الإداري في مجال المنازعات الإدارية و الذي يكمل ما اعتور النصوص التشريعية من نقص أو قصور، وعلى هذا الأساس فإن بحث القاضي الإداري من خلال نظرية الموازنة لا يعدو أن يكون مجرد وسيلة للتأكد من مشروعية قرار نزع الملكية بمطابقته لمبدأ الموازنة باعتباره من المبادئ القانونية العامة التي أقرها القضاء والتي تلتزم الإدارة باحترامها وإلا بات قرارها المخالف لأي منها غير مشروع.

وعلق الدكتور عصام بنجلون على أن هذا التحليل تسوده السطحية والتبسيطية وجعل مبدأ الموازنة من المبادئ الإنشائية للقاضي الإداري، بحيث علل شرعية هذه الرقابة بقوله[97]: “فالقاضي الإداري إن كان يستطيع أن يقلب اختصاصا كان يبدو تقديريا إلى اختصاص مقيد فإنه لا يقوم بذلك من تلقاء نفسه أو رغبة منه في تحقيق عدالة إدارية بل يستند إلى أسس وضوابط قانونية وموضوعية تحول دون تطاوله على اختصاصات الإدارة، كما أن بسطه لرقابته على عنصر ما هو إلا نتيجة لكون ذلك العنصر هو في ذاته يخضع لمجال التقييد، وليس أنه أصبح مقيدا بفعل الرقابة القضائية، وعليه فإنه لا ينبغي تأسيس أي تدخل قضائي استنادا لسلطة القضاء في خلق وإنشاء قواعد قضائية تؤسس إلى جانب المشرع مجال المشروعية”…

يكمن الأساس القانوني الذي تنطلق منه رقابة الموازنة بين المنافع والأضرار في العلاقة الموضوعية التي تجمع أركان القرار الإداري و لاسيما مسألة الملاءمة في اختيار التصرف وعلاقته بالهدف من إصداره، فالقاضي الإداري إن كان يراقب مضمون محل القرار الإداري وفي غياب كل نص تشريعي يحدد ذلك المضمون، فإنه يفعل ذلك فقط للتأكد من مدى مشروعة هذا القرار في هدفه أو غايته، وذلك للعلاقة الموضوعية بين عناصر القرار الإداري.

فالقاضي الإداري إن كان يبدو للوهلة الأولى أنه يبسط رقابته على مجال يعتبر مبدئيا ممنوع الخوض فيه، فإن الإلغاء لا يرجع لخلل في الملاءمة بل يرجع إلى العيب الذي يصيب ركن الغرض باعتباره عنصرا من عناصر المشروعية الداخلية للقرار الإداري.

وإذا كان العنصر الذي يسلط عليه القاضي الإداري رقابة الموازنة و يلغي القرار بسببه هو ركن الغرض، فإن العيب الذي يلحق بالقرار المتسم بالإفراط و المبالغة في تقدير مزاياه ومضاره يتمثل في عيب الانحراف بالسلطة.

وبالتالي فنظرية الموازنة التي يستند عليها القضاء الإداري في إلغاء القرارات الإدارية لا تطرح أي تخوف كما أطلقها بعض الفقه[98]لما تشكله من مساس بمجال الملاءمة للسلطة الإدارية.

بل ونطالب[99]بتوسيع نطاق تطبيقه من طرف القاضي الإداري المغربي، على أن هذا لا ينفي ضرورة توخي الحذر والحيطة عند تطبيق هذا القضاء شأنه في ذلك شأن نظرية الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه، و ذلك لصعوبة تقييم درجة الخطأ أو سوء التقدير الذي يصاحب اختيار القرار والذي يحول دون تحقيق أي درجة من درجات الهدف الموضوعي المتوخى من القرار.

فكيف طبق القاضي الإداري المغربي هذه النظرية مقتفيا بخطوات القضاء المقارن الذي كان له السبق و الخبرة في هذا المجال؟ وهذا ما سنجيب عنه في الفرع الثاني.

  • الفرع الثاني: مجالات تطبيق القاضي الإداري المغربي لنظرية الموازنة

لقد تأثر القاضي المغربي بموقف الاجتهاد القضائي المقارن في مجال الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للإدارة فأصبح يوازن بين منافع القرار الإداري القاضي بنزع الملكية والأضرار التي يمكن أن تترتب عنه والوقوف على الغرض الحقيقي الذي تستهدفه الإدارة من نزع الملكية معترفا لنفسه بالأحقية في بسط رقابته لتشمل سلطة الإدارة في اختيار العقارات المراد نزع ملكيتها ومتخذا من مبدأ الموازنة معيارا لرقابة شرعية قرار الإدارة.

ثم بعد ذلك طبق القاضي الإداري هذه النظرية في مجال الوظيفة العمومية، بحيث لجأ إلى وضع موازنة بين المصلحة العامة التي تتذرع بها الإدارة و مصلحة الموظف العمومي وخاصة في مجال النقل والاستقالة.

وسنعالج مجالات تطبيق هذه النظرية من خلال تطبيقاتها في مجال نزع الملكية (الفقرة الأولى) و في مجال الوظيفة العمومية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تطبيق نظرية الموازنة في مجال نزع الملكية

بعدما ظلت محكمة النقض ترفض الأخذ بتقنية الموازنة كنظرية حديثة في مراقبة القرارات الإدارية الفردية السلبية، خطت خطوة مهمة أسست بها هذه النظرية حيث جاء في قرارها الصادر بتاريخ 07/05/1997:”… إن الاتجاه الحديث في القضاء الإداري لا يكفي بالنظر إلى المنفعة العامة المتوخاة من نزع الملكية نظرة مجردة بل يتجاوز ذلك إلى النظر فيما يعود به القرار من فائدة تحقق أكبر قدر من المصلحة العامة،وللقاضي الإداري في هذا المجال أن يوازن بين الفوائد التي سيحققها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي سيمس بها”، لا تتماشى في بعض الأحيان ومتطلبات المصلحة العامة[100] . وأضاف الدكتور بنعبد الله على أن لهذا القضاء الجديد أثر وقائي كون الإدارة ستردد أكثر من مرة وستدرس قراراتها دراسة متعمقة و متأنية قبل أن تصدرها[101].وبذلك يكون قرار محكمة النقض الصادر في قضية “الأبيض” قد فتح المجال نحو مراقبة عملية نزع الملكية من أجل المنفعة العامة،ليس فيما يتعلق بالجوانب المسطرية فحسب كما كان عليه الحال منذ ما يزيد عن أربعين سنة، بل فيما يتعلق كذلك بمراقبة مشروعية المنفعة العام، ثم أن المفاهيم التي استعملها المجلس في قراره لم تأت بشكل تلقائي، فهي تدل على القصد الصارم للقاضي في استبدال توجهه التقليدي بآخر حديث و متطور،ولم يكن من باب الصدفة كونه وظف هذه الفكرة في تعليل قراره[102].

ولم ينحصر تطبيق نظرية الموازنة على مجال نزع الملكية، وإنما امتدت إلى مجالات أخرى من بينها الوظيفة العمومية (الفقرة الثانية).

الفقرة الثانية: تطبيق نظرية الموازنة في الوظيفة العمومية

                شكلت نظرية الموازنة إضافة إلى نظرية الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه في تطبيقات القضاء الإداري المغربي درعا حصينا لحماية حقوق وحريات الأفراد، إذ يحق للسلطة القضائية بالمغرب أن تعتز بها.

لقد طبقت نظرية الموازنة في مجال نقل الموظفين العموميين بحيث اعتبرت المحكمة الإدارية بوجدة في حكم لها [103] أنه: “وحيث إن رئيس الغرفة وإن كان يتوفر فعلا على السلطة التقديرية في نقل موظفيه طبقا للفصل الرابع من المرسوم المؤرخ في 09/01/1981 بمثابة النظام الأساسي الخاص بموظفي غرفة الصناعة التقليدية ما دام هذا النقل يندرج في إطار المصلحة العامة وحسن تسيير المرفق العام الذي يعمل لحسابه، فإن ذلك مقيد ضمن حدود الموازنة بين مصلحة الإدارة التي يعمل لفائدتها الموظف وبين المصالح العامة التي يمثلها في إطار مهمته الانتخابية … وحيث إنه اعتبارا لما ذكر فضلا عن اعتراف الإدارة بكفاءة الطاعن داخل الغرفة التي يعمل لحسابها بمدينة وجدة فإن نقله إلى مدينة بوعرفة بعلة تحقيق المصلحة العامة لم يكن ملائما ما دام أن الإدارة لم تراع مبدأ التوازن بين المصلحتين مما يعرض القرار المطعون فيه للإلغاء”.

يلاحظ في هذا الحكم أن القاضي الإداري قد وازن بين مصلحتين عامتين ليقرر أيهما أولى وأحق بالرعاية والحماية، وعلى ذلك قضي بإلغاء القرار القاضي بنقل الموظف من مدينة وجدة إلى مدينة بوعرفة على اعتبار أن الإدارة تعلم كون الطاعن مستشار بمجلس جماعة سيدي ادريس القاضي، وعضو باللجنة الثقافية والرياضية كما هو ثابت من وثائق الملف المدلى بها، فإن إقدامها على إصدار قرار بنقله إلى مدينة نائية من شأنه أن يعطل المهام المنوطة به، ويؤثر سلبا على المصالح العامة التي يسهر على تنفيذها داخل هذه الهيئات،وبذلك أصبحت الإدارة في إطار سلطتها التقديرية مقيدة باتخاذ القرارات الملائمة للأسباب المادية والقانونية، حيث أنها ملزمة في كل حالة أن تأخذ بعين الاعتبار كلا من المصلحة العامة والمصلحة الشخصية وأن توازن بينهما، وهكذا، نهجت المحاكم الإدارية بالمغرب منهج الالتزام بمبدأ الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة وضرورة التأكد من شرعية ومصداقية قرارات النقل،وقد علق الأستاذ محمد الأعرج على موقف المحكمة الإدارية بوجدة بأنه يستحق التنويه، لأن من شأنه أن يعطي ضمانات للأفراد حالات لا تكفلها لهم النصوص التشريعية[104]. كما استعملت رقابة القاضي الإداري على مبدأ الموازنة في مجال استقالة الموظفين بحيث أكدت المحكمة الإدارية بالرباط على ضرورة الأخذ بمبدأ الموازنة، بحيث رفضت طلب الطاعنة في عدم قبول استقالتها من لدن وزارة الصحة العمومية معللة حيثياتها فيما يلي[105]:”إن القاضي الإداري وباعتباره قاضي المشروعية وانطلاقا من مراعاته لمبدأ الموازنة بين المصلحة العامة و لمصلحة الخاصة الذي يفرض مناهضة كل تعسف سواء من قبل المواطن أو الإدارة، ثبت له جليا أن الأضرار التي سيتحملها المرفق من عدم قدرته على تغطية الطلب الصحي بالنظر للخصاص الفادح في العرض الطبي والأطر الطبية المتخصصة- والتي أنفق عليها الكثير في سبيل تكوينها وتأهيلها علميا وتطبيقيا- ستنعكس بالضرورة سلبا على صحة المواطنين و أمنهم الطبي،وهي مخاطر تلحق بالمصلحة العامة للدولة أشد الأضرار وأفدحها،ولاشك أنها بطبيعتها وحكم عموميتها أضرار لا تتناسب البتة في فداحتها مع ما قد يلحق المدعي من أضرار ذاتية خاصة به مما يفرض تغليب المصلحة العامة والتضحية بأي مصلحة أدناها تتعارض معها تتعلق بالمصلحة الخاصة، لاسيما وأن الطاعنة أصرت على رفض الاستجابة لقرار التعيين بالالتحاق بالوظيفة،ونفس المبدأ أكدته محكمة مكناس الإدارية عندما عرض عليها الطعن في قرار إداري يتعلق بالامتناع عن منح الترخيص لمتابعة الدراسة، حيث استعمل القاضي الإداري نظرية الموازنة للتوفيق بين متطلبات المرفق العام والحق في متابعة الدراسة، فجاء في حيثيات حكمها ما يلي[106] : “وحيث إنه إذا كانت الإدارة المعنية تتمتع بسلطة تقديرية لمنح الترخيص في متابعة الدراسة، فإن ممارسة هذه السلطة لابد أن تؤسس على معطيات واقعية موضوعية تستهدف الموازنة بين متطلبات المرفق العمومي والحق في متابعة الدراسة الذي يعتبر حقا دستوريا، إذا أن الحق في الامتناع عن منح الترخيص المذكور لا يكون له مسوغ إلا في حالة عدم إمكانية الجمع بين هذين الأمرين وهو الشيء الذي لم تثبته وثائق الملف”.

ومن هنا يتضح أن نظرية الموازنة يلجأ إليها القاضي الإداري المغربي في مجال الوظيفة العمومية نموذجا عندما يكون تناقضا بين مصلحة عامة، وأخرى خاصة، أو بين مصلحة عامة، و مصلحة عامة أخرى. ويمكن الاستعانة بمبدأ الموازنة في رقابة ملاءمة القرارات الإدارية الفردية السلبية بدون التصريح بهذه النظرية.

 

 

خاتمة:

لقد اتضح من خلال دراسة و تحليل مظاهر الرقابة القضائية في مجال السلطة التقديرية للإدارة، أن القاضي الإداري حرص جاهدا على ضمان احترام مبدأ الشرعية بمفهومه الواسع، وذلك بالتطبيق السليم للنصوص القانونية عند ممارسته لسلطاته الرقابية على هذا النوع من القرارات الإدارية من خلال فحص شرعيتها الخارجية أو الداخلية.

وكما أبانت الأحكام الصادرة عن محكمة النقض أو المحاكم الإدارية في مجال القرارات الإدارية الفردية السلبية، عن المجهود الكبير الذي يبذله القاضي الإداري من أجل حماية حقوق وحريات الأفراد من تعسف الإدارة و عقلنة نشاطها.

بحيث ألغت المحاكم الإدارية العديد من القرارات الإدارية غير الشرعية سواء تعلق الأمر بعدم احترام الإدارة للشكليات الجوهرية  في إصدار قراراتها كعدم احترامها للضمانات الممنوحة للموظف العمومي عند تعرضه للتأديب قبل أو أثناء أو بعد القرار الإداري، أو لعيب في شكلية التعليل الذي يعد ضمانة أساسية للموظف للدفاع عن حقوقه من جهة ووسيلة رقابية للقاضي على شرعية القرار الإداري من جهة أخرى، أو عدم احترام مبدأ من المبادئ العامة للقانون، كمبدأ حق الدفاع، ومبدأ توازي الشكليات، و مبدأ المساواة، أو التصريح بإعدام القرارات الإدارية المشوبة بعيب صارخ كاغتصاب السلطة، أو الاعتداء على حرية يكفلها الدستور،كما ألغى كذلك العديد من القرارات الإدارية التي تم الطعن فيها من لدن الأفراد، وخاصة الموظفين العموميين بناءا على عيب السبب و مخالفة القانون.

ولم تقتصر رقابة القاضي الإداري على الجوانب المقيدة في القرار الإداري بل شملت مجال السلطة التقديرية للإدارة التي كانت تتذرع وراء مفهوم المصلحة العامة، أو المنفعة العامة، لإصدار قرارات إدارية تمس بالأوضاع والمراكز القانونية للأفراد بحجة أن الإدارة تملك سلطة تقديرية في هذا الشأن. فأصبحت رقابة القاضي الإداري تأخذ بمبدأ الملاءمة في رقابة القرارات التأديبية انطلاقا من نظرية الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه، بحيث ساهمت هذه النظرية في عقلنة نشاط الإدارة من جهة و حماية حقوق وحريات الأفراد من جهة أخرى، كما اعتمد كذلك في رقابته على مفهوم المصلحة العامة أو المنفعة العامة على نظرية الموازنة بين المنافع والأضرار، والتي تعد من الرقابة الحديثة على السلطة التقديرية للإدارة.

وانطلاقا مما سبق يتبين أن القاضي الإداري المغربي يلعب دورا مهما في حماية حقوق و حريات الأفراد من تعسف الهيآت الإدارية، وعقلنة نشاط الإدارة في مجال السلطة التقديرية الممنوحة لها.

لكن هذه الحماية تبقى محدودة نظرا للإشكالات التي ترافق طبيعة قضاء الإلغاء والمتمثلة عموما في:

– الاكتفاء بالتصريح بإلغاء القرار الإداري  المشوب بتجاوز السلطة.

– إشكالية عدم تنفيذ الأحكام القضائية التي تحد من الدور المنوط بالقضاء الإداري.

– عدم التناسب بين عدد المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية والوحدات الترابية للمملكة المغربية. والدي يمكن معالجته من خلال قراءة في مشروع التنظيم القضائي لاحقا إن شاء الله.

 

 

[1]– Voir LOPEZ RODO « Le pouvoir discrétionnaire de l’administration Evolution Doctrinal et jurisprudentielle, R.D.P 1953, p : 578.

أورده الدكتور بنجلون عصام، الاتجاهات الحديثة للقضاء الإداري في مراقبة جوهر ملاءمة القرارات الإدارية دراسة مقارنة، الطبعة الأولى 2011، ص: 5.

[2]– R.Bonnard, le pouvoir discrétionnaire des autorités administratives et le recours pour accès de pouvoir ; R.D.P 1923, p : 363.

[3]– د.عبد الله حداد: تطبيقات الدعوى الإداري .م.س، ص: 130.

[4]– الاتجاهات الحديثة للقضاء الإداري…م.س، ص: 10.

[5]– عبد الله الحارسي: رقابة القضاء الإداري على ملاءمة العقوبة الإدارية مع الخطأ في مجال الوظيفة العمومية، المجلة المغربية للمنازعات القانونية، العدد 1، 2004، ص: 43.

[6]– أمال المشرفي، حماية الحقوق و الحريات بالتقييد القضائي لسلطة الإدارة التقديرية م.م.إ.م.ت عدد 13 أكتوبر – دجنبر 1998 ، ص: 49.

[7]– أحمد أجعون، اختصاصات المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، أكدال الرباط، السنة الجامعية 1999-2000، ص: 361 و ما بعدها.

[8]– قرار عدد 217 بتاريخ 1 أبريل 1987 – قضية طاك طاك عبد العزيز ضد رئيس مجلس الجماعة – مشار إليه في : الطاهر جبران  قضاء الإلغاء ومراقبة مشروعية المقرر المعلن عن المنفعة العامة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 24 يوليوز، شتنبر 1998،ص: 61.

[9]– قرار عدد 176 بتاريخ 13 يوليوز 1991 ملف إداري عدد 10394/89 مشار إليه في أطروحة أحمد أجعون، م.س، ص: 367.

[10]– قرار عدد 557 بتاريخ 21 دجنبر 1995، ملف إداري عدد 10119/93، منشورات المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين 58-97 بمطبعة النجاح الجديدة 1997، ص: 371.

[11]– قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، عدد 515 بتاريخ 30 نونبر 1995 ملف إداري عدد 9/95 غ.م.

 مليكة الصروخ: القانون الإداري، دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الخامسة 2001 ص 579[12]

[13] عبد الله الإدريسي: القرارات الإدارية بين رقابة المشروعية و الملاءمة في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، جامعة محمد الخامس، الرباط  1983، ص 206.

[14]– عصام بنجلون م،س ص 36

[15]– الحكم عدد 251/62 نوفمبر 1962 محمد الرانج المجموعة الثالثة ص:87

[16]–  قرار محكمة النقض رقم 211 بتاريخ 7 نوفمبر 1986 في الملف الإداري عدد 7079/85.

[17]– ملف إداري عدد 7234/84

[18]– قرار غ.إ عدد 58 بتاريخ 18/03/1977، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 25،ص:33

– قرار غ.إ عدد 336 بتاريخ 31/10/1980، جعي على ضد الوزير الأول.

– قرار غ.إ عدد 221 بتاريخ 09/09/1983، وازي عبد الجبار ضد المدير العام للأمن الوطني.

[19]– قرار غ.إ عدد 162 بتاريخ 27/04/1980، قضية محمد ين ادريس الفضي ضد وزير العدل،غ.م

[20]– قرار غ.إ عدد 39 بتاريخ 19/02/1982، الأشهب عبد القادر ضد وزير العدل، غير منشور

[21]– مصطفى التراب:” مراقبة سلطة الملاءمة مع المنع الكلي إلى الجواز النسبي”، عمل المجلس الأعلى و التحولات الاقتصادية و الاجتماعية .أشغال الندوة تخليدا للذكرى الأربعين لتأسيس محكمة النقض- مجلس الأعلى سابقا-، الرباط 18-20 دجنبر 1997 ص:431.

[22]– انظر مقال الأستاذ مصطفى التراب، مرجع سابق، ص:431.

– عبد الغني اعبيزة:” ترقية الموظف والقاضي الإداري المغربي م.م.إ.م.ت،عدد 65، نونبر – دجنبر 2005، ص:102[23]

[24]-الحكم عدد1 بتاريخ 21 نوفمبر 1969 بلحسين الإدريسي ضد وزير الشؤون الإدارية، قضاء المجلس الأعلى سابقا- محكمة النقض حاليا- العدد 14 فبراير 1970،ص:86

[25]– قرار الغرفة الإدارية تحت عدد 2163 بتاريخ 4/01/2000 غ.م

[26]– قرار غ.إ عدد 80 بتاريخ 09/04/1987، الجوالي بوشعيب ضد مدير الجمارك، مجموعة 1966-1970،ص145

– قرار غ.إ عدد 865 بتاريخ 05/01/1998، م.م.إ.ت عدد 31،ص:140

– قرار غ.إ عدد 9554 بتاريخ 26/01/1995، مجموعة 1958/1997، ص:297.

[27] حكم المحكمة الإدارية عدد 70 بتاريخ 04/03/1999، م.م.إ.م.ت، عدد 28،ص149

[28]– حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 770 بتاريخ 16/09/1999،الزهاني عبد المجيد ضد وزير البريد،م.م.إ.م.ت، سلسلة دلائل التسيير  عدد  06،2004،ص:90.

[29]– ينص الفصل 3 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية (الموظف في حالة قانونية و نظامية إزاء الإدارة) للمزيد من التفصيل أنظر د عبد القادر باينة الموظفون العموميون في المغرب ص 36 فما بعد، دار توبقال للنشر الطبعة الأولى 2002

[30]– قرار بتاريخ 20 فبراير 1976 في الملف الإداري 50042، مجلة القضاء و القانون، السنة السابعة عشرة، العدد 128، يوليوز 1978،ص 130 فما بعد.

[31]– قرار محكمة النقض عدد 34 بتاريخ 17 مارس 1972، المحمدي عبد القادر ضد وزير البريد والتيلفون والتلغراف، قرارات 1972-1971، طبعة 1، 1983، ص83.

[32]-BEN ABDELLAH (M.A) :Le Contrôle de l’opportunité de la mutation du fonctionnaire dans l’intérêt service « REMALD ;N° 24 juillet –septembre 1998,P :40.

[33]– حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 7 بتاريخ 14/02/2001، الحياني محمد ضد وزير التجهيز، أورده أحمد بوعشيق في ” الدليل العملي للاجتهاد القضائي” الجزء1، م س.ص: 304.

[34]– قرار محكمة النقض عدد 28 ملف عدد 7126/85 عبد الحق كارم ضد الخازن العام للمملكة.

[35]B.Kornprobest :La compétence liée R.D.P 1961 P :122

[36]– أنظر عصام بنجلون، م.س، ص: 68 فما بعد.

[37]-Braibant : Conclusion C.E. 13 Nov.1970, Sieur Lambert, A.J.D.A, 1971, p : 33.

[38]-George vedel : Droit administratif, 1980,p : 767.

[39]-Badouin : Conclusion sur C.E. 6 Nov. 1970 Sieur Guyé RDP, 1971,p : 517.

[40]– الدكتور محمد سلامة جبر: نظرية الغلط في التقدير، بدون تاريخ و دار النشر، ص: 212.

[41]-B.Spry : La fonction publique international, R.D.P, 1970, p : 961.

[42]– C.E 9 juin 1978, Lebon, Sieur Lebon, A.J.D.A 1978 ;p : 245.

[43] – F.Moderne : L’extension du contrôle juridictionnel à la corrélation faute disciplinaire mesure disciplinaire dans le droit de la fonction publique, Rev, adm 1978, p : 636.

[44]– C.E 27 juin 1978, Sieur Vinolay, A.J.D.A 1978 , p : 579.

[45] – George Vlochas : note sur C.E 26 oct 1979 Leca.D 1980, p : 290.

[46]– للمزيد من لتفصيل حوا آراء الرافضين و المناصرين من الفقهاء أنظر د. عصام بن جلون م.س.، ص: 110.

[47]– د. عصام بنجلون م.س.، ص: 118.

[48]-M.Eisenmann : cours de droit administratif , paris 1946, p : 11.

[49] – Ahmed Zijjari : « Technique d’élaboration des projets de textes législatifs et réglementaires » 2ème édition revue et enrichie, Imprimerie Rabat-net. 2009. P :105.

[50]– د. عصام بنجلون، م.س، ص: 121.

[51]– Braibant : Concl. Sur C.E 13 Nov 1970, Sieur Lambert .A.J.D.A 1971, p :34.

[52]– د. سامي جمال الدين: القضاء الإداري و الرقابة على أعمال الإدارة، الطبعة 2003، ص: 222 و ما بعدها.

[53]– الدكتور السيد محمد ابراهيم: رقابة القضاء الإداري على الوقائع في دعوى الإلغاء 1983، الطبعة الأولى،ص:252– 253.

[54]– د. عصام بنجلون، م.س، ص: 129.

 

[55]– مصطفى التراب: ” مراقبة سلطة الملاءمة من المنع الكلي إلى الجواز النسبي “عمل محكمة النقض والتحولات الاقتصادية و الاجتماعية. أشغال الندوة تخليدا للذكرى الأربعين لتأسيس المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا – بالرباط 18-20 دجنبر 1997، ص:431.

[56]– ذ محمد نميري رئيس المحكمة الإدارية بمراكش، دور القضاء الإداري في حماية الدفاع بالنسبة للموظفين وفي مراقبته لملاءمة العقوبة،مجلة المحاكم الإدارية، العدد الثاني أكتوبر 2005 ص103.

[57]– حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد 90 بتاريخ 23/03/1995، منشور .م.م.إ.م. ت عدد 27،ص:12.

[58]– حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد257/2000 بتاريخ 13 أكتوبر 2000 في الملف رقم 239/1999.

انظر كذلك حكمها رقم 25 في الملف 142/98 قضية امناشن ضد المجلس القروي بتاريخ 10 فبراير 1999.

[59]– حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 44 بتاريخ 24/02/2002، زينب بنعومو ضد وزير العدل.

[60]– قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 552 بتاريخ 25/07/2007، في الملف رقم 14/07/5.

[61] – حكم المحكمة الإدارية بالبيضاء عدد 550 بتاريخ 21/11/2001، أحمد تارك ضد وزير العدل.

[62] – خديجة امعيوة: القاضي الإداري و حماية الحقوق و الحريات بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، 2005 ، ص: 339.

[63] – حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 90 بتاريخ 23/03/1995، بوليل محمد ضد وزير العدل، م.م.إ.م.ت، عدد 11،أبريل – يونيو1995- ص:74.

[64]– حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 321 بتاريخ 09/11/1995، أجدع رشيد ضد المدير العام للأمن الوطني،م.م.إ.م.ت، عدد 20-21،1997،ص:106.

[65]– قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عدد 136 بتاريخ 13/02/1997 أجدع رشيد ضد المدير العام للأمن الوطني، نفس المرجع سابق  ص:109

[66]– voir :BEN ABDELLAH.(MOHAMED AMINE) : « La consécration du contrôle de l’adéquation de la sanction à la faute commise par le fonctionnaire » Note sous C.S.A 13/02/1997,AJDAH rachid ;REMALD ; N° 22 ;1998 P107 etss..

[67]– ذ محمد نميري، م.س، ص:107.

[68]– ظهير شريف رقم 1.58.008 م.س(ينص الفصل 64 على ما يلي:”للوزير حق مباشرة انتقالات الموظفين الموجودين تحت سلطته، ويجب أن تراعى في تعيين الموظفين الطلبات التي يقدمها من يهمهم الأمر وكذا حالتهم العائلية ضمن الحدود الملائمة لمصالح الإدارة”.

[69]– قرار محكمة النقض بتاريخ 10 يوليوز 1986، قضية بلخور- م.م.ق 1987 عدد 12 ص:119 تعليق أمين بنعبد الله (باللغة الفرنسية) تعريب الجيلالي أمزيد.

[70] – أمين بنعبد الله: انتقال الموظفين من أجل مصلحة المرفق” م.م.ق 1986،عدد5،ص 241

[71]– د.عصام بنجلون م س ص:103.

[72] – حكم المحكمة الإدارية بالرباط تحت عدد 601 بتاريخ 8/7/1999، قضية السيد بنعسو الحسين،غ.م

[73] – قرار محكمة النقض تحت عدد 4392/2002 بتاريخ 8/01/2002، غ م .

[74]– قرار محكمة النقض عدد25 بتاريخ 5 فبراير 1975.

[75]– أمال المشرفي:حماية الحقوق و الحريات بالتقييد القضائي لسلطة الإدارة التقديرية،م. الدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية عدد خاص بندوة القضاء الإداري و حماية الحقوق و الحريات بالمغرب 6-7 أبريل 1995 ص: 155.

[76]– المرسوم الملكي رقم 186-66 بتاريخ 27 ذي القعدة 1386( 9 مارس1967) بشأن النظام الأساسي الخاص بالأعوان الدبلوماسيين والقنصليين، ج ر.عدد2837 ص:475.

[77]– أمال المشرفي، م.س، ص: 155.

[78]– حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 114 بتاريخ 04/03/1999، م.م.إ.م.ت، عدد 30 ص:115.

[79] – M.Antari ; «  du pauvoir,discrétionnaire du juge administratif dans l’application a la théorie du recours paralléle et ses effets.(Note sous T.A rabat 19 Mars1998 Dahmani »REMALD N°24,1998,P147

[80]–  M.A. Benabdallah ;  «  le contrôle le l’opportunité de la mutation du fonctionnaire dans l’intérêt du service »

(Note sous T.A.Rabat 19 mars 1998 dahmani )REMALD.N° 24 ;1998 p139

[81]– حكم المحكمة الإدارية بوجدة تحت رقم 90 الصادر بتاريخ 11/04/2001، العبيد نور الدين ضد المجلس البلدي للسعيدية. تعليق هذا الحكم من طرف الدكتور محمد الأعرج، م.م.إ.م.ت ص 87 سلسلة مواضيع الساعة العدد78، الطبعة الأولى 2012.

[82] – قرار محكمة النقض عدد 80 مكرر الصادر بتاريخ 18/03/1993،منشور م.م.إ.م.ت، عدد 9،1994،ص67

[83]– حكم إدارية مكناس عدد 22/95 غ بتاريخ 22/06/1995، الطاهري مارية ضد وزير التربية الوطنية،م.م.إ.م.ت، عدد12، ص:121.

[84]– تعليق محمد الأعرج الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة رقم 90 بتاريخ 11/04/2001 السالف الذكر، نفس المرجع ص:95.

[85]– محمد الأعرج، ص:95.

[86]– عبد الواحد القريشي، م س، ص: 130.

[87]– R.Savy : le contrôle juridictionnel de la légalité des décisions économiques A.J.D.A 1972, p : 3.

[88]– M.Waline : «  Droit administratif » 7ème édition, Sirey Paris 1957, p : 796.

أورده الدكتور عصام بنجلون، م س، ص: 141.

[89]– محمد فؤاد مهنا: حقوق الأفراد إزاء المرافق العامة، مجلة مجلس الدولة، السنة الثانوية، يناير 1951، ص:170.

[90]– الدكتورة نبيلة عبد الحليم، دور القاضي في الرقابة على شروط المنفعة العامة في حالة نزع الملكية، الاتجاه الحديث لمجلس الدولة في مصر وفرنسا، دار النهضة العربية 1993، ص: 13 في كتاب د.عصام بنجلون، م س، ص:142.

[91]– حكم سبقت الإشارة إليه يتعلق بالمدينة الجديدة الشرقية Le projet « Ville nouvelle Est » .

[92]– الدكتورة نبيلة عبد الحليم، مرجع سابق، ص: 23.

[93]– أنظر على سبيل المثال قضية Société Civile Sainte, Marie de l’assamption الذي انتهى فيه القضاء إلى أن القرار الصادر بنزع الملكية و ما يشير إليه من منفعة عامة، هو قرار باطل لما يؤدي إليه هذا القرار من مساس بمنفعة عامة أخرى لا تقل أهمية عن المنفعة العامة الصحية.

[94]– الدكتور سلامة جبر بدون تاريخ ولا دار النشر، ص: 159.

[95]– عبد العزيز اليعكوبي : ” تطور الرقابة على شرط المنفعة العامة في حالة نزع الملكية من خلال نظرية الموازنة م.م.إ.م.ت عدد 14-15 يونيو 1996، ص: 264.

[96]– الدكتور سامي جمال الدين: ” قضاء الملاءمة و السلطة التقديرية للإدارة ” جامعة الإسكندرية كلية الحقوق 199، ص:236.

[97]– د. عصام بنجلون م.سن ص: 160 فما بعد.

[98]– WALINE (M) : note sous l’arrêt « Ville nouvelle Est » R.D.P, 1975, p : 454.

[99]– د.عصام بنجلون،م س، ص: 164.

[100]– محمد أمين بنعبد الله،”ظهور نظرية الحصيلة في الاجتهاد القضائي للمجلس الأعلى” مذكرة حول قرار غ.إ. بتاريخ 07/05/1997، ترجمة الأستاذ حمزة، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ( سابقا) محكمة النقض حاليا، العدد51، السنة العشرون، ص 243.

[101] – Mohammed Amine Benabdellah : L’apparition de la théorie du bilan dans la jurisprudence de la cour suprême, REMALD N 22 janvier- Mars 1998.P.214

[102]– محمد أمين: م س، ص244

– أنظر كذلك مجموعة من الأحكام المتواثرة في موضوع نزع الملكية في رسالة الماستر تحت عنوان” رقابة القاضي للسلطة التقديرية للإدارة سنة 2011-2012، كلية ع.ق.إ.إ، أكدال، الرباط، عبد القادر لحريشي ص :152 فما بعد.

[103]– حكم المحكمة الإدارية بوجدة، رقم 76/95 ملف رقم 32/95 غ بتاريخ 12/07/1995، منشور بمجلة المحاكم الإدارية، العدد:1، ص 413-418.

– انظر كذلك حكم رقم 90 الصادر بتاريخ 11/04/2001، العبيد نور الدين ضد رئيس المجلس البلدي للسعيدية.

[104]– محمد الأعرج، م.م.إ.م. ت عدد 78، طبعة الأولى 2012 م س ص :95.

[105]– حكم المحكمة الإدارية بالرباط، رقم 1764 بتاريخ 10/05/2012 ملف رقم 431/05/2011 غ، مجلة القضاء الإداري، العدد 2 شتاء / ربيع 2013.

[106]– حكم المحكمة الإدارية بمكناس عدد 16/2001/3 غ بتاريخ 01/03/2001 ادريس العلوي ضد وزير الداخلية، م.م.إ.م.ت عدد 42 يناير – فبراير 2000، ص:148.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى