مقالات قانونية

الضوابط القانونية لحرية الرأي و التعبير

capp2

الاسم: عمر

اللقب: العربي دواجي

الشهادة: ماجستير، مسجل سنة ثانية دكتوراه

التخصص: قانون الأعمال المقارن

الرتبة: أستاذ مؤقت بجامعة الشلف

 

مقدمة

يعتبر الحق في حرية التعبير دعامة اساسية من دعائم الدول التي يتيحها النظام الديمقراطي ،فالانسان بطبيعته يسعى للتعبير عن ذاته وعن رايه في مختلف المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ،الامر الذي يساهم في تكوين رأي عام قادر على مراقبة القائمين على الحكم بطريقة تحول دون انحرافهم ويقود ايضا الى تحقيق مصلحة المجتمع ككل ،لذا قيل أن حرية الراي و التعبير هي مباديء فعالة لتقويم المجتمع وكشف كافة الممارسات التي تنتهك الحقوق و الحريات ،فلعل ذلك ما جعل الامم المتحدة تقر أن هذه الحرية من الحقوق الانسانية التي كرست و لازالت تكرس المنظمات الدولية و الاقليمية جهودها من اجل حمايتها وتعزيزها .

بالرغم من الاهمية التي تحظى بها حرية الرأي و التعبير الا اننا نجد الدين الاسلامي و مختلف المواثيق و العهود الدولية لم تترك هذه الحرية مطلقة بل قيدتها بمجموعة من الضوابط و ذلك بغية حماية النظام العام و المصلحة العامة ،ومن تم فان الاشكالية تتحدد ببيان الاطار القانوني لحرية الرأي و التعبير وحدوده ؟ و للإلمام بالموضوع أكثر سيتم التعرض في المبحث الاول الى تحديد الطبيعة القانونية للحق في حرية الرأي و التعبير  ،ومن ثم التطرق في المبحث الثاني الى القيود الواردة على هذا الحق.

المبحث الاول :الاطار القانوني لحرية الرأي و التعبير

تعد حرية الرأي و التعبير حقا انسانيا خالصا ،فلكل شخص الحق في تكوين معتقداته و أرائه و له أيضا الحق في التعبير عنها بكافة الوسائل السلمية،وهذا ما أكدت و أقرت عليها الشريعة الاسلامية ومختلف المواثيق و العهود الدولية.،وعليه سيتم التطرق في هذا المبحث الى العناصر الاتية :

  • حرية الرأي و التعبير في الاسلام

  • حرية الرأي و التعبير في المواثيق الدولية

المطلب الاول:حرية الرأي و التعبير في الاسلام

لاشك أن الشريعة الاسلامية كان لها السبق في وضع الاسس و القواعد المؤصلة لحقوق الانسان ،فإذا نظرنا الى كافة تلك الحقوق و الحريات التي نادت بها المنظمات الدولية الان لوجدناها تكرار لقواعد سبق وأن وضعتها شريعتنا منذ أكثر من خمسة عشر قرنا.[1]

تقررت حرية الرأي في الاسلام مع الايات القرآنية الاولى التي كانت تعيب على الناس اتباع الاباء و الاجداد بغير دليل،وتدعو لاستنارة العقول للتفكير الحر،و الاستقلال بالرأي القائم على تمحيص الاراء.كما ارسى الاسلام من خلال القران و السنة قواعد لحرية الرأي و التعبير سواء في الامور الشرعية او في الشؤون العامة و السياسية ،فمن بين هذه القواعد نذكر منها

  • قاعدة :”وأمرهم شورى بينهم“:

ينبغي افساح المجال  لحرية الرأي و التعبير حتى يستطيع اهل الشورى ابداء أرائهم و ايصالها الى من يطلبونها ،وخصوصا الحكام و لا تستقيم الشورى ،و لا تؤتى ثمارها الصحيحة في جو لا يسمح فيه بحرية الرأي و التعبير ومكان يسوده القهر و االكبت[2]،فالإسلام لم يكتف بإقرار حرية الري و التعبير ،بل يحث المسلم عن الادلاء برأيه اذا رأى في ذلك مصلحة للأمة ،ولكن ضمن الاطر الاتية:

  • يجب على من استشير أن يشير بالحق و أن يدلي فيه برأيه فيما يعتقد جازما وهنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المستشر مؤتمن”:قال أيضا “اذا استشار احدكم اخاه فليشر عليه”

  • يجب على المسلم اذا وضح له حق في امر ،ان يدلي برأيه استجابة لأمر الله تعالى وعملا بواجب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ،قال تعالى :”و المؤمنين و المؤمنات بعضهم أولياء بعض،يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر”[3]

  • حرية الرأي و التعبير في الشؤون السياسية :

يربي الاسلام اتباعه على المشاركة في الحياة العامة و الشؤون السياسية و لا يرضى لهم الموقف السلبي و اللامبالاة ،ومن ثم أوجب عليهم فريضة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ،ومعلوم أن هذا النوع من الرأي يكون تنبيه و التعبير عنه من باب الواجب المستحب لا المباح فحسب.

كما شجعت العديد من الاحاديث على ابداء الرأي دون خوف من الناس أو الحاكم في النطاق العام أو الخاص بل و تجعل من الموت في سبيل ذلك استشهادا في سبيل الله و ليس فقط تشجيعا لحرية الرأي و التعبير ،وبالإضافة الى ما سبق فان حرية الرأي السياسي في الاسلام تستند أيضا على المناصحة التي أمر بها الاسلام خاصة مع الحكام ،اذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”الدين نصيحة قالوا لمن ،قال لله و لكتابه و لرسوله و لائمة المسلمين و عامتهم” ،وقال ايضا ” من لهم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يصبح و يمس ناصحا لله و لرسوله ولكتابه و لإمامه و لعامة المسلمين فليس منهم”.

ج- قاعدة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر:

اوجب الله عز وجل على عباده الامر بالمعروف ،و النهي عن المنكر امتثالا لقوله تعالى :”و لتكن منكم أمة يدعون الى الخير ،ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و اولئك هم المفلحون.”ويعد الامر بالمعروف و النهي عن المنكر مظهرا لحرية الرأي و التعبير التي كفلها التشريع الاسلامي للفرد ،فهو نوع من النقد المباح لأجهزة الدولة وعمالها[4].

كما أوجد الاسلام مجالا لحرية الرأي و التعبير عن الرأي و الفكر حتى لغير المسلمين في اطار النقد البناء للمسلمين ،ويذهب في هذا الرأي أبو الاعلى الماوردي اذ يقول :” سيكون لغير المسلمين في الدولة الاسلامية من حرية الخطابة و الكتابة و الرأي و التفكير و الاجتماع ،ما هو للمسلمين سواء بسواء ،وسيكون عليهم من القيود و الالتزامات في هذا الباب ،ما على المسلمين أنفسهم ،فيجوز لهم أن ينتقدوا الحكومة وعمالها حتى رئيس الحكومة نفسه ضمن حدود القانون،بينما ذهب العلامة اسماعيل الفاروقي الى القول بأنه يحق لغير المسلمين أن يعبروا عن رأيهم في اطار الدولة الاسلامية و لكن بشرط عدم انتهاك الشعور العام للمسلمين.[5]

المطلب الثاني :حرية الراي و التعبير في المواثيق الدولية  و الاقليمية

ظلت علاقة الدولة بمواطنيها من الموضوعات التي تدخل في صميم الاختصاص الداخلي ،ومن ثم تخرج عن دائرة اهتمام القانون الدولي العام ،وقد كان لنشوب الحرب العالمية الثانية الاثر الاكبر في دفع الكثير من اصحاب الفلسفات الانسانية للمناداة بضرورة ايلاء القانون الدولي قدرا من الاهتمام بعلاقة الدول بمواطنيها متجاوزين بذلك حدود مبدأ السيادة الوطنية الذي يقف بينها وبين التدخل في هذا المجال.

أ-حرية الرأي و التعبير في المواثيق الدولية:

يعتبر الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 و الذي جاء في اعقاب بروز تيارات مناصرة للحريات وحقوق الانسان بعد قيام الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وما تمخض عنها من نتائج وأثار الوثيقة الرجعية لباقي المواثيق الاخرى فقد اباح في المادة 19 منه حق كل شخص في التمتع بحرية الرأي و التعبير ،ويشمل هذا الحق حرية الفرد في اعتناق الافكار دون مضايقة و استقاء الانباء و الافكار و تلقيها و اذا عتها  بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية[6] ،كما نصت على ذات المعنى المادة 17 من اتفاقية الحقوق المدنية و السياسية الصادرة عام 1966 ،والتي اكدت في فقرتها الاولى على حق كل انسان في اعتناق الافكار دون مضايقة ،فيما جاءت الفقرة الثانية منها موضحة لمعنى حرية الرأي و التعبير التي تشتمل على حق كل انسان و حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات و الافكار ،وتلقيها ونقلها الى الاخرين دون اعتبار للحدود على شكل مكتوب او مطبوع،او في قالب فني أو اية وسيلة يختارها هذا الشخص [7]،وتلزم نفس المادة الدول الاطراف في العهد باحترام و تامين حرية الرأي و التعبير وجميع الحقوق المقررة في هذا العهد وسن القوانين اللازمة لتحقيقها.

تضمنت المادة 21 من ذات العهد الحق في التجمع السلمي المعترف به وعدم وضع قيود على ممارسة هذا الحق ،الا ما كان من شأنه الاضرار بالأمن و السلامة العامة و النظام العام وحماية الصحة العامة و الاخلاق وحماية حقوق الاخرين وحرياتهم ،واعترفت ايضا في المادة 22 بالحق في حرية المشاركة مع الاخرين في تشكيل النقابات و الانضمام اليها ،وقد اشترط هذا العهد لممارسة حرية الرأي و التعبير وضع ضوابط طالما كانت هذه الاخيرة محل نزاع بين السلطات الثلاثة داخل مؤسسات الدولة ،فالسلطة التنفيذية غالبا ما تحاول أن تطغى على المجال العام عبر ممارستها السلطوية المختلفة ،ويتضح ذلك من خلال سيطرتها وتوجيهها لوسائل الاعلام المختلفة. و اخيرا لا يتضمن العهد احكاما (المادة04) تفرض قيودا على ممارسة الحقوق التي نص عليها باستثناء القيود التي ينص عليها القانون أو تلك الازمة لحماية الامن القومي وذلك “في حالة الطواريء العامة التي تهدد حياة الامة و التي يعلن عن وجودها رسميا” ،هذا الاستثناء لا يتناول الحقوق الاساسية و لا سيما حرية الفكر و الضمير و الديانة المنصوص عليها في المادة 18 من العهد.

اما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الذي ابدت الجمعية العامة موافقتها عليه 16 ديسمبر 1966 ودخل حيز النفاذ في 03جانفي 1976 فهو يتسم بمكانه مهمة وبخصوصية تميزه عن غيره من الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وتظهر خصوصيته في الحقوق المحمية وفي طبيعة الالتزامات الناشئة عنه[8] .

تضمنت المادة08 من العهد حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع الاخرين و الانضمام الى النقابة التي يختارها بهدف تعزيز مصالحه الاقتصادية و الاجتماعية وحمايتها ،ولا يجوز اخضاع ممارسة هذا الحق لأية قيود غير التي ينص عليها القانون.[9]

ب-حرية الرأي و التعبير في المواثيق الاقليمية:

تعتبر الاتفاقات الاقليمية امتدادا للاتفاقات الدولية ،فمنظمة الامم المتحدة دفعت الدول و المنظمات التابعة لها لوضع اتفاقيات لحسن الجوار ،وأخرى لحماية مواطني دولة داخل باقي الدول ،تنشأ الاتفاقيات ذات الطابع الاقليمي من ظهور عوامل كثيرة منها الجوار الجغرافي أو التقارب الحضاري أو الثقافي ،أو الديني ،أو اللغة المشتركة.

تكرس الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان حرية الرأي و التعبير حيث تعلن في الفقرة الاولى من المادة10 حق كل انسان في حرية التعبير ،ويشمل هذا الحق حرية الرأي وحرية تلقي المعلومات و الافكار و اذاعتها من دون تدخل السلطات العامة، ومن دون التقيد بالحدود الجغرافية و لا تمنع هذه المادة الدول من اخضاع نشاط مؤسسات الاذاعة أو السينما أو التلفزة لطلبات الترخيص[10].

وهنا تعطي المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان لمعنى “المعلومات و الأفكار المشار اليها في المادة 10 المذكورة بما فيها من مؤلفات فنية أو رسائل دعاية تفسيرا واسعا جدا ،ونلاحظ ايضا أن تفسير هذه الاخيرة (أي المحكمة الاوروبية) للجملة الاخيرة من الفقرة المشار اليها و التي تعطي للدولة الحق في اخضاع مؤسسات الراديو و التلفزيون و السينما لنظام الترخيص كان تفسيرا ليبراليا. [11]

كما نصت الاتفاقية ايضا في مادتها 11 على حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات السليمة وانشاء النقابات و الانضمام اليها و الدفاع عن تلك الممارسات و التعبير عن الرأي بطريقة سليمة و بالإضافة الى ذلك اصدر الاتحاد الاوروبي في  7ديسمبر2000 ميثاقا بشأن الحقوق الاساسية أكد فيه على أن لكل فرد الحق في حرية الرأي و التعبير وحرية الحصول على المعلومات وإرسالها دون تدخل السلطات العامة ودون اعتبار للحواجز.

اما الميثاق الافريقي لحقوق الانسان و الشعوب فقد اعتبر الحرية و المساواة و العدالة و الكرامة اهدافا اساسية لتحقيق التطلعات المشروعة للشعوب الافريقية ،ومن ثم تناول الميثاق الكثير من الحقوق منها حرية الرأي و التعبير ،حيث نص على حق كل فرد في الحصول على المعلومات و التعبير عن الافكار ونشرها وكذا حق الانسان في تكوين جمعيات مع الاخرين على ان لا يتعارض ذلك مع القوانين وعدم ارغام أي شخص في الانضمام لأية جمعية بدون رغبته وأقر أيضا حرية الاجتماع مع الاخرين ووضع القيود الضرورية التي يفرضها الصالح العام داخل كل دولة و احترام حقوق الاخرين.

كما نصت على ذات المعنى المادة 24 من ميثاق حقوق الانسان العربي حيث اعترف بان لكل مواطن الحق في الرأي و التعبير ،وله الحرية في تكوين الجمعيات مع الاخرين و الانضمام اليها ،أما في المادة 32 منه فقد ضمنت الحق في الاعلام و حرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الانباء و الافكار و تلقيها ونقلها الى الاخرين وبأية وسيلة كانت ودون اعتبار للحدود الجغرافية.[12]

المبحث الثاني :حدود القانونية لحرية الرأي و التعبير

لا شك أن لكل قاعدة استثناء ،ولكل حق قيود ،ولكل حرية حدود  ،وهذا كله يتفق مع المنظومة الاساسية لحماية الحقوق و الحريات ،فحرية الشخص تقف عند حدود حريات الاخرين ،ومن ثم يجب تنظيم تلك الحريات و التاكد من الضوابط الموضوعة لممارستها بما يتفق مع الاوضاع و الظروف المحيطة.،وبما أن حرية الرأي و التعبير واحدة من بين تلك الحريات وتخضع للتقييد فانه يجب مراعاة جملة من الشروط من بينها :

أولا التقييد القانوني

ثانيا :التقييد المقبول في المجتمع المدني

المطلب الاول : التقييد القانوني

لا جدال في ان لكل فرد التزام اساسي يتمثل في احترام الدستور و القانون ،فالدستور يرسم القواعد و الاصول للحريات الواجب اتباعها ويضع الحدود و القيود الواجب الالتزام بها ،اما القانون فانه يضع نظاما لتطبيق تلك الحقوق و الحريات وكيفية ممارستها ،ومن ثم فان حرية الراي و التعبير يجب ان تكون متفقة مع القانون حتى لا يقع الشخص تحت طائلة المساءلة القانونية ،فلذا اشترطت كل اتفاقيات حقوق الانسان أن تكون القيود المفروضة على هذه الحرية واردة في القانون النافذ داخل الدولة المعنية.[13]

فسرت هيئات الاتفاقية للرقابة هذا الشرط (التقييد القانوني) تفسيرا واسعا ،فاوضحت أن لفظ القانون لغايات تطبيق هذا الشرط ينصرف الى النص القانوني النافذ بصرف النظر عن مصدره .فقد يكون تشريعيا أو أنظمة أو لوائح وتعليمات ،وقد يكون حكما قضائيا في حالة الدول التي تأخذ بالسوابق القضائية ،ويلاحظ في هذا الخصوص أن محكمة الدول الامريكية لحقوق الانسان لم تأخذ بالتفسير الموسع الذي اخذت به اللجنة المعنية بحقوق الانسان و المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان ،طبقت مفهوما أكثر ضيقا ومحدودية يقصر لفظ “القانون” على التشريع دون غيره.[14]

ويشترط لتحقق ذلك التقييد ان يكون القانون دقيقا و محددا ومعلوم الاثار ،و النتائج فلا يكفي النص فقط على جواز التقييد في القانون ،وانما يفترض أن يعرف القانون الشروط الخاصة بتقييد الحقوق و الحريات بدقة  حتى يكون الناس على دراية كافية بها و لكي يتمكنوا من ضبط سلوكهم بمقتضى هذا الشرط.[15]

كما جاء في المادة 17 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان ما يلي:”لا يجوز تاويل اي حكم من احكام هذه الاتفاقية على انها تخول اية دولة او جماعة او فرد حق القيام بنشاط او عمل يهدف الى اهدار الحقوق و الحريات المقررة في هذه الاتفاقية ،أو فرض قيود على هذه الحقوق و الحريات اكثر من تلك التي نصت عليها الاتفاقية”،و الملاحظ من خلال نص المادة انه يمكن فرض قيود على حرية الرأي و التعبير لاسباب ضرورية وهي محددة في حفظ الامن ومنع الجريمة وحماية الصحة و الاخلاق و الحفاظ على حقوق الاخرين داخل المجتمع ،كما أصدرت هذه الاتفاقية (الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان) من القرارات من شأنها تحديد الاسباب الضرورية ومنها القرار الصادر بتاريخ 04جويلية 1983 المتضمن لمجموعة  القيود التي منعت نشر المعلومات التي دافعت عن مصالح المحطات الاذاعية غير المرخصة.[16]

أما بالنسبة للاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان فقد حددت هي الاخرى مجموعة من الاسباب الضرورية وحصرها في احترام حقوق الانسان وسمعتهم وحماية النظام العام أو الامن القومي أو حماية الاخلاق العامة أو الصحة العامة.[17]

كما تعرض العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الصادرة في سنة 1966 في المادة 19 منه الفقرة الثانية الى مايلي:”تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة الثانية  من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة ،وعلى ذلك يجوز اخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون ضرورية :

-احترام حقوق الاخرين أو سمعتهم.

-حماية الامن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الاداب العامة.[18]

المطلب الثاني: التقييد المقبول في المجتمع الديمقراطي

 

اشارت المادتين 21 و22 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية الى هذا الشرط (التقييد المقبول في المجتمع الديمقراطي ) حيث تضمنت المادتان اللتان تعترفان بالحق  في الاجتماع السلمي و بحرية تكوين الجمعيات شرطا يسمح بتقييد هذين الحقين و اخضاعهما لتدابير تكون ضرورية أو بالأحرى مقبولة في مجتمع ديمقراطي ،لذا لا يحق  لقانون دولة ما أن يضع ما يشاء من قيود وإنما يجوز ان يفرض بعض القيود المعترف بها في مجتمع ديمقراطي.

لم تعترف الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان بفكرة المجتمع الديمقراطي ،ولكن اجهزة الرقابة المعنية بهذه الاتفاقية سعت في اجتهاداتها المختلفة الى توضيح سمات المجتمع الديمقراطي ومعايير تحديده .فالمجتمع الديمقراطي هو مجتمع يتسم بالتعددية و بالتسامح وبروح الانفتاح ،ويقصد به ايضا كما اشارت اليه المادة 10 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان في نصها :” لكل شخص الحق في حرية الرأي و التعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الاراء و استقاء الانباء و الافكار و تلقيها و اذاعتها بأية وسيلة كانت وذلك دون أي تدخل من السلطات ودون تقييد بالحدود الجغرافية.[19]

كما اوضحت ايضا هذه الهيئات ان الديمقراطية لا تعني حصريا سيادة رأي الاغلبية و انما يستدعي احداث توازن يضمن لجماعات الاقلية معاملة عادلة وحمايتها من اي تعسف قد تتعرض له بسبب وضعها في مواجهة وضع الاغلبية المهيمن أو المسيطر داخل المجتمع ،ولذلك فان الحقوق الضامنة للتعددية داخل المجتمع من قبيل حرية التعبير وحرية الدين و المعتقد و الحق في انتخابات حرة ونزيهة وتحريم التعذيب و المعاملة اللانسانية تعد من الضمانات و القيم الاساسية في المجتمعات الديمقراطية .بالإضافة  الى ذلك يرتبط مبدأ سيادة القانون بركائز الديمقراطية .

ان القانون الدولي لحقوق الانسان يجيز تقييد حرية الرأي و التعبير ويترك يد الدول طليقة في تطبيق هذا الحق بصورة تتفق مع قناعتها الايديولوجية او مع مصالحها ورؤاها الذاتية على حساب مقتضيات العدل و الانصاف [20].

خاتمة:

 

أن حرية الرأي والتعبير واحدة من أهم حقوق الإنسان وأساس لنظام الديمقراطي لأي دولة من دول العالم وهذا واضح من خلال النص عليه في ميثاق الأمم المتحدة التي تعتد من المنظمات الدولية العالمية إذ اقترنت حرية الرأي والتعبير بمقاصد الأمم المتحدة ومنها حفظ الأمن والسلم الدوليين وهذا يدل على عالمية هذه الحرية وأهميتها وان كانت هذه الحرية قد تقيد بعض الضوابط والإجراءات والقيود لغرض تنظيم استخدامها وحفاظا على النظام الوطني والآداب أو الأخلاق العامة والصحة العامة والنظام العام وحقوق الغير وغيرها.

وبالرغم مما تقدم فأن هذه الحرية مازالت تنتهك والأسباب عديدة ومختلفة في معطياتها من مكان الى اخر ،فمثلا في الدول النامية إذ ترزخ تحت خطوط الفقر والتخلف وحماية حقوق الإنسان وحرياته أخر اهتماماتها حرية الرأي والتعبير،بالمقارنة  مع دول العالم المتقدم التي تمتلك كل إسرار التقدم والتطور التكنولوجي ،اذ تهتم بكل مجالات الحياة وشؤونها ملبية  للحاجات وتحل الكثير من المشاكل ومن مجمل اهتمامها بالفرد مما يهدد خصوصيته ويعطي الحق للدولة في مراقبته بما وصلت اليه من تقدم تكنولوجي كبير.

وعلى أي حال ورغم كل تحديات التي تواجه حرية الرأي و التعبير باعتبارها حق من حقوق الانسان لازال المجتمع الدولي يحاول توفير اكبر قدر ممكن من الضمانات القانونية لها ،لذا يتوجب تشجيع هذه الحرية وحمايتها من خلال اعطاء فرصة اكبر لممارستها .

[1] – خالد مصطفى فهمي،حرية الرأي و التعبير في ضوء الاتفاقيات الدولية و التشريعات الوطنية و الشريعة الاسلامية و جرائم حرية الرأي و التعبير،دار الفكر الجامعي،الاسكندرية ،2009،ص143.

[2] – عبد الحليم موسى يعقوب،حرية الرأي و التعبير في ظل الانظمة السياسية العربية ،الطبعة الاولى ،دار مجدلاوي للنشر و التوزيع ،2003،الاردن،ص.50

[3] – سورة التوبة ،الاية 71.

[4] – عبد الحليم موسى يعقوب ،المرجع السابق،ص.57.

[5] – عبد الحليم موسى يعقوب ،المرجع السابق،ص.58.

[6] – أحمد سليم سعيفان،الحريات العامة وحقوق الانسان ، الطبعة الاولى ،منشورات الحلبي الحقوقية ،2010 ،بيروت ،لبنان،139.

[7] – أشرف فتحي الراعي ،حرية الصحافة في التشريع و مواءمتها للمعايير الدولية ،دراسة مقارنه ،دار الثقافة للنشر و التوزيع ،2011،عمان ،الاردن،ص 30.

[8] – خالد مصطفى فهمي ،المرجع السابق ،ص ص.84،85.

[9] -سهيل حسين الفتلاوي ،حقوق الانسان ،الطبعة الاولى،دار الثقافة للنشر و التوزيع،2007 ،عمان ،الاردن ،ص166.

[10] -احمد سليم سعيفان ،المرجع السابق ،ص ص.139-140.

[11] – محمد أمين الميداني،النظام الاوروبي لحماية حقوق الانسان،منشورات الحلبي الحقوقية ،دون تاريخ النشر،بيروت،صص88-89.

[12] – خالد مصطفى فهمي ،المرجع السابق ،صص96-97.

[13] – خالد مصطفى فهمي ،المرجع السابق ،صص.27-28

[14] -محمد يوسف علوان ،محمد خليل الموسى،القانون الدولي لحقوق الانسان :الحقوق المحمية،ط1،دار الثقافة للنشر و التوزيع،2007،ص87

[15] – محمد أمين الميداني،النظام الاوروبي لحماية حقوق الانسان،منشورات الحلبي الحقوقية ،2008،ص.105

[16] – محمد أمين الميداني، المرجع السابق،ص107.

[17] -محمد حسن دخيل، الحريات العامة في ظل الظروف الاستثنائية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،دون تاريخ النشر،لبنان ،ص.106.

[18] – حسن محمد هند ،النظام القانوني لحرية التعبيير ،دار الكتب القانونية ،مصر ،2004 ،ص23

[19] – خالد مصطفى فهمي ، المرجع السابق ،ص.88.

[20] – محمد يوسف علوان ،محمد خليل الموسى ،القانون الدولي لحقوق الانسان ،الحقوق المحمية ،المرجع السابق،ص.87.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى