الطبيعة الإجرائية للدفع بالتقادم في الدعوى المدنية وجهة نظر أكاديمية – زهير الداودي
زهير الداودي
طالب باحث بماستر قانون العقود والأنظمة العقارية
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
بجامعة محمد الأول بوجدة
بسم الله الرحمان الرحيم
تمهيد:
التقادم نوعين، تقادم مكسب وتقادم مسقط، فالتقادم المكسب هو الذي يسمح للجائز الحق العيني أن يكسب هذا الحق إذا إستمرت حيازته مدة من الزمن عينا القانون، أما التقادم المسقط فهو سبب يؤدي إلى انقضاء الحقوق الشخصية والعينية مما عدا حق الملكية، إذا سكت صاحبها وأهمل المطالبة بها زمنا حدده القانون .
والذي يهمنا الأن هو التقادم المسقط الذي يدخل في حقل إنقضاء الالتزامات.
ويقول الفقيه جوسران أن الزمن الذي يتغلب على كل شيء، والذي ينال من المؤسسات والقوانيين والكلمات، يهدم الحقوق كذالك، فيدفع بها إلى عالم النسيان ويجعلها تتلاشى لمجرد انها بقيت راكدة مدة طويلة دون أن تستعمل، ويتلاشى الحق بالتقادم مما يعني منع سمع الدعوى به ولعلها خير أثار هذه المؤسسة بالنسبة للمدين، فهو وسيلة إجرائية تحرم الدائن من حقه في ملاحقة المدین قضائیا بعد مضي المدة التي قررها إیاه القانون، مما یتبین أن مؤسسة التقادم ما هي إلا إقرار لحالات واقعیة إستقرت فترة طویلة من الزمن، وتعامل الناس بها و اطمئنوا إلیها وذلك بوضع حد للمنازعات على هذه الحقوق .
إن التقادم المسقط مؤسسة حقوقية لا غنى عنها، لقيامه على اعتبارات متعددة اجتماعية واقتصادية وأمنية، حيث لولا التقادم لاضطرت المحاكم إلى سماع القضايا التي مر عليها زمن طويل مع ما ينتج عن ذلك من اضطراب وتشويش وإرهاق للمتقاضين بسبب اندثار الأدلة مع مرور الزمن. فنظام التقادم يعمل على استقرار المعاملات والأحوال، وبالتالي فهو يقوم على فكرة وجوب احترام الأوضاع المستقرة التي مضى عليها ردح من الزمن، ولهذا نجد أغلب التشريعات أجازته في المعاملات المدنية، من بين هذه التشريعات التشريع المغربي والذي نظمه في الباب السابع من القسم الخاص بانقضاء الإلتزامات في الفصول من 371 إلى 392 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي .
ويرجع المصدر التاريخي للتقادم في التقنين المدني الفرنسي، للقانون الروماني وقانون الكنيسة والعادة الجرمانية والأوامر الملكية ، والتقادم في الواقع لا یقوم على أساس قانوني بحت، إذ أن مضي مدة من الزمن لا تؤدي لإحداث أثر قانوني، فهو لا یؤدي إلى إكتساب أي حق أو سقوطه ما لم تضف إلیه عناصر أخرى.
وعليه إلتزاما منا بموضوع البحث نرى من الأهمية الإيراد تعاريف للتقادم المسقط (المحور الأول)، على أن نعرج للتعرض إلى الإشكالات المهمة والمتمركزة في الجنس الذي ينتمي إليه وهو بصدد ممارسته في الدعوى المدنية مع ضرورة حد إتصاله بالنظام العام ومدى نطاق وحدود إثارة المحكمة له من تلقاء نفسه، على إعتبار أن القضاء يتصدى للأمور المتعلقة بالنظام العان تلقائيا (المحور الثاني)
المحور الأول: تعريف التقادم المسقط
من خلال هذا المحور المفاهيمي بإمتياز نرى البحث أولا عن مفهوم التقادم المسقط في الإصطلاح ( أولا)، ثم نعرج الحديث عنه كمفهوم قانوني مع الإشارة إلى موقف بعض التشريعات المقارنة (ثانيا).
أولا: تعريف بالتقادم المسقط في اللغة والاصطلاح
ويعرف التقادم في اللغة على انه جاء من قَدَّمَ يقدم قدماً وقدامة، أي القديم والقدم: وهو نقيض الحدوث، والتقادم يضم الدال من قدم: بمعنى مضي الزمن الطويل على وجود الشيء ، وتقادم الدعوى (Prescription) يعني مرور مدة طويلة – يحددها النظام – على الدعوى دون أن يحركها صاحبها.
أما بالنسبة للتعريف الإصطلاحي للتقادم المسقط فقد ورد في القوانين الوضعية واختلف حوله الفقهاء القانونيون، أما الفقهاء المسلمون فلم يُعرف لديهم هذا النوع من التقادم، واكتفوا فقط بالتعريف اللغوي.
ثانيا: التعريف القانوني للتقادم المسقط
يقصد بالتقادم إنقضاء الحق إذا مضت عليه مدة معينة دون أن يطالب به الدائن أو دون أن يستعمله صاحبه، وهو يسقط معه الحق عند إهمال الدائن المطالبة به مدة معينة .
ومن بين التعاريف التي توصلنا إليها أثناء البحث – التقادم المسقط عبارة عن مضي مدة معينة على استحقاق الدين دون أن يطالب به الدائنين فيترتب على ذلك سقوط حقه في المطالبة إذا تمسك بالتقادم من له مصلحة فيه.
– هو الدفع الموجه إلى دعوى الدائن يؤدي إلى سقوط حق المطالبة بالدين إذا تمسك به من له مصلحة فيه.
– هو انقضاء الحق إذا مرت عليه مدة معينة دون أن يطالب به الدائن أو دون أن يستعمله صاحبه. – جاء في المادة 2219 من القانون المدني الفرنسي أن التقادم هو وسيلة للكسب أو للتحرر بمرور مدة زمنية، وبحسب الشروط المحددة قانونا.
فالتشريع الفرنسي هنا جمع بين التقادم المكسب والمسقط في تعريف واحد، عكس المشرع المغربي الذي فرق بينهما فأورد آثار التقادم المسقط في القسم الخاص بانقضاء الإلتزامات في الفصل 371 من ظ ل ع، حيث جاء فيه أن التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الالتزام.
وبالتالي يستشف مما سبق أن هذه التعاريف بخصوص التقادم المسقط عبارة عن مضي مدة معينة مقررة في القانون، يسقط بعد انقضائها استحقاق الحق في حالة تمسك المدين بهذا التقادم، وذلك بسبب عدم مطالبة الدائن بحقه أو عدم استعمال الحق خلال المدة المقررة قانونا.
وعلى هذا الأساس طرحت مجموعة من الإشكالات مفادها، هل التقادم قرينة للوفاء باعتبار أنه یقوم على افتراض أن الدائن استوفى حقه خلال المدة التي حددها إیاه المشرع، فلیس من المعقول أن یظل الدائن ساكتا عن المطالبة بحقه مالم یستوفي دینه .
المحور الثاني: طبيعة الإجرائية للدفع بالتقادم ومدى إرتباطه بالنظام العام
إن هذا الموضوع لا يخلوا من أهمية البحث مادام لم يوحد الرأي الفقهي على طبيعته في الدعوى المدنية، وإن كان القضاء وخصوصا قضاء النقض حسم المسألة ولو جزئيا في هذ الإطار، وعليه سنخصص البحث لهذا (أولا)، على أن نبحث في مدى سلطة المحكمة الإثارته من تلقاء نفسها تكريسا للدور الأساسي للقضاء في حماية النظام العام، ومدى إرتباط التقادم به (ثانيا).
أولا: الوصف الذي يأخذه الدفع بالتقادم أثناء ممارسته في الدعوى المدنية
إن تلاشي الحق بالتقادم يعني طبعاً منع سماع الدعوى به. وقد وجد المشرع أن يؤكد على هذا المعنى، عندما أوضح في المادة 371 من ظ ل ع التي استهل بها بحث التقادم أن “التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الالتزام”. فلو أن زيداً استحق له مبلغ من المال كان أقرضه لعمرو، وجاء بعد عشرين عاماً وأقام الدعوى على عمر أو على ورثته للمطالبة بهذا المبلغ، كان من حق عمر أو من حق ورثته من بعده دفع دعوى زيد بالتقادم المسقط وطلب ردها، لأن التزام عمر يعتبر منقضياً بالتقادم والدعوى به غير مسموعة، لأن المشرع حدد أقصى مدة للمطالبة بالحق بخمسة عشر عاماً (المادة 387).
وبرغم من الأثار التي يخلفها الدفع بالتقادم إلا أنه وبصدد إستعماله كدفع بمفهوم عام في الدعوى المدنية وبمناسبة ممارسته لها يطرح تساؤل في ذهن العديد من الممارسين والباحثين هل يدخل في زمرة الدفوع الموضوعية أم الشكلية أم الدفع بعدم القبول؟
وفي هذا الصدد يرى أحد الفقه أن الدفع بالتقادم وتكييفه على أساس أي جنس من الدفوع يقتضي التفريق بين نظرين:
فمن رأى أن التقادم يؤدي إلى سقوط الحق ذاته، فهذا يستوجب اعتبار الدفع به من قبيل الدفع الموضوعي، إذ هو في حقيقته دفع موجه إلى الحق المطلوب بالدعوى.
ومن رأى أن أثر التقادم ينحصر في سقوط الدعوى التي تحمي الحق كان الدفع به من قبيل الدفع بعدم قبول الدعوى لسقوط حق المدعي في رفعها بسبب تقادم حقه.
والنقاش الذي ثار في الفقه المغربي، فذهب إتجاه من الفقه وأيد فكرة أن التقادم يندرج ضمن الدفوع الموضوعية على أساس أن المشرع تناوله ف ظ ل ع وهو قانون الحقوق والمراكز القانونية ولا ينصب على القواعد المسطرية، وبتالي ففي حالة ثبوت دفع بالتقادم فإن المحكمة تقضي برفض الطلب.
وإتجاه ثاني من الفقه المغربي إعتبر الدفع بالتقادم دفع شكلي يدفع به المدعى عليه دعوى المدعي لا كسبب من أسباب إنقضاء الإلتزام ولكن كسبب من أسباب عدو قبول أو عدم جواز سماع الدعوى.
وبين هذا وذاك برز تجاه وسط يرى أن الدفع بالتقادم هو دفع مختلط mixé، فهو دفع شكلي يندرج في باب الإخلالات الشكلية للدعوى، وهو دفع موضوعي يمكن لكل ذي مصلحة أن يتمسك به أمام قضاء الموضوع، فهو حتى جانبه الإجرائي يعتمد على قانون موضوعي.
إن الدفع بالتقادم ليس من الدفوع الشكلية بل هو دفع في الجوهر ، والدليل على أنه دفع موضوعي أن المشرع المغربي نظمه في إطار ظهير الالتزامات والعقود، وكما هو معلوم فالقانون المذكور ينظم المراكز القانونية والحقوق ولا يتناول القواعد المسطرية، وعليه لا يستطيع المدعي الذي ردت دعواه على اساسه، أن يجدد الدعوى ولو غير في المبررات وفي الأسلوب.
وعليه دون الغوص في أحكام التقادم التي هي كثيرة، نرتئي أن نعرض للتقادم كإشكال لم يتفق الباحثون والمهتمون حول طبيعته، هل هو دفع موضوعي، أم شكلي أم هو دفع بعدم القبول، وإن كان الرأي الراجح يذهب إلى أن التقادم ليس دعوى، بل هو يتخذ صورة دفع(exception) يتقدم به المدعى عليه ردا على دعوى المدعي ليتحقق له رد هذه الدعوى ، وهو يتصل بأصل الحق ويترتب على ذلك أن الحكم بقبوله وينهي النزاع ويعطيه حجية الشيء المقضي به.
ثانيا: هل يعد الدفع بالتقادم المسقط من النظام العام
لما كان الدفع بالتقادم دفعاً موضوعيًا ، فهو وسيلة إجرائية يهدف من خلالها المدعى عليه رد ادعاء خصمه، ومنع ما له به، لسبب يتعلق بقدرة المدعي على توجيهه أو صلاحية المحكمة لنظره، وهو دفع يُوجَهُ للحماية القضائية التي يطلبها صاحب الشأن، ويرمي إلى إنكار الحق المدعى به ، و كما يهدف إلى منع المحكمة من نظرها فإذا تمسك المدعى عليه بالدفع بالتقادم، فإنَّ المحكمة أولاً تُحَدِّدُ ما إذا كان هذا الدفع متمسكا به في الوقت المناسب، حيث يكون للخصم الحق في إبداء هذا الدفع قبل الدخول في الموضوع أو أساس الدعوى أو في أي حالة تكون عليها الدعوى، إلا أنه لا يجوز التمسك بالدفع بالتقادم في شكل طلب إلا قبل الدخول في أساس الدعوى، وذلك لتجنيب المحكمة مغبة المجادلة في موضوع الدعوى وتفحصه .
لكن هل يعد الدفع بالتقادم المسقط متعلقا بالنظام العام؟
إجابة عن هذا التساؤل ينص الفصل 372 من ظ ل ع على أن:
«التقادم لا يسقط الدعوى بقوة القانون، بل لابد لمن له مصلحة فيه أن يحتج به، وليس للقاضي أن يستند إلى التقادم من تلقاء نفسه».
من خلال هذا النص يتضح بما لا شك فيه أن الدفع بالتقادم لا يتعلق بالنظام العام مادام المشرع لم يكلف القاضي بإثارته من تلقاء نفسه، وإنما ألزم ذا المصلحة بالتمسك به والإدلاء به، وذو المصلحة إما أن يكون المدين شخصيا أو خلفه في حال وفاته سواء كان خلفا خاصا أو عاما، ويمكن أن يتمسك بهذا الدفع كذلك الكفيل ، إذا تعلق الأمر بدين المدين الأصيل ولو تنازل عنه ذا الأخير وفقا للفصل 374 من ظ ل ع.
وهذا ما سايره المشرع المصري في المادة 387 من القانون المدني المصري على أنه: “
1- لا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها، بل يجب أن يكون ذلك بناءً على طلب المدين أو بناءً على طلب دائنيه أو أي شخص له مصلحة فيه؛ ولو لم يتمسك به المدين.
2- ويجوز التمسك بالتقادم في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو أمام المحكمة الاستئنافية”.
أما بخصوص الدائنين المتضامنين في التشريعات التي تعتبر أن انقضاء الدين بالتقادم بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين يفيد باقي المدينين المتضامنين بقدر حصة هذا المدين، كما في التشريع اللبناني والتشريع المصري والتشريع السوري، يستطيع المدين المتضامن، إذا ما طالبه الدائن بكامل الدين. أن يدفع بتقادم الدين الحاصل لمصلحة مدين متضامن آخر وذلك بقدر حصة هذا المدين.
أما التشريع المغربي فهو يعتبر أن انقضاء الدين بالتقادم بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين لا يفيد بقية المدينين (المادة 176). وعليه يمتنع على هؤلاء المدينين الادلاء بالتقادم الحاصل لمصلحة أحدهم.
وعلى هذا الأساس جاء في قرار حديث لمحكمة النقض «حيث يعيب الطالب على القرار الخرق الجوهري للقانون المتخذ من خرق الفصل 391 من ظ. ل. ع، ذلك أنه لم يستجب لدفعه بالتقادم بالنظر إلى أن التقادم الخمسي يسري أيضا على حق كراء المباني التي تدر المبالغ الكرائية وبذلك فطلب أداء واجبات الكراء من سنة 1998 إلى سنة 2015 قد سقط بالتقادم المسقط للحق، كما أن الفصل 371 من ظ. ل. ع نص على أن التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الالتزام.
لكن، حيث ينص الفصل 387 من نفس القانون على أن الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمسة عشرة سنة ولما كان العقد الرابط بين الطرفين هو عقد وكالة وليس عقد كراء والمحكمة المطعون في قرارها لما تبين لها أن عقد الوكالة لا ينطبق عليه التقادم الخمسي المنصوص عليه في الفصل 391 من ظ. ل. ع تكون لم تخرق الفصل المحتج به وما بالفرع على غير أساس”.
ملحق:
القاعدة: الدفع بتقادم الكراء، دفع موضوعي يتمسك به في كل مراحل الدعوى.
اعتبار المحكمة المطعون في حكمها أنه دفع شكلي يجب أن يثار قبل كل دفع في الموضوع، اعتبار خاطئ يعرض القرار للنقض.
القرار رقم 3396/89
الصادر بتاريخ 20 يونيو95
ملف مدني رقم 656/89
باسم جلالة الملك
إن المجلس الأعلى…
وبعد المداولة طبقا للقانون
وحيث يؤخذ من أوراق الملف ومن القرار المطلوب نقضه الصادر عن محكمة الاستئناف بتطوان بتاريخ 15/12/1988 في الملف المدني عدد 88/879 أن السيد عبدالسلام عمر فارس المطلوب في النقض قدم مقالا أمام المحكمة الابتدائية بشفشاون بتاريخ 3/10/1986 عرض فيه أن السيد أحمد محمد التسولي يعتمر دكانه الكائن بالجبهة قرب السوق العمومي والمعد لإصلاح الأحذية وذلك بسومة كرائية قدرها 35 درهما في الشهر وأنه توقف عن أداء واجب الكراء منذ شهر يونيو1976 إلى الآن رغم إنذاره بالأداء والتمس الحكم بأداء مبلغ 5180 د واجب الكراء عن شهور أولها يناير 78 وآخرها شتنبر 86 وبإفراغه هوومن يقوم مقامه من الدكان المكتري فأجاب المدعي عليه بأنه لا تربطه والمدعي أية رابطة كرائية، وأن الدكان المذكور اكتراه من مالكه الحقيقي السيد المفضل عمر فارس منذ سنة 1972 فأصدرت المحكمة حكما يقضي بأداء واجبات الكراء وبالإفراغ معللة ذلك بأن العلاقة الكرائية بين الطرفين ثابتة بمقتضى حكمة حاكم الجماعة بمركز الجبهة، الصادر بتاريخ 10/5/1978 وبأن المدعي عليه متماطل في أداء واجبات الكراء فاستأنف المحكوم عليه الحكم المذكور مؤكدا إنكاره للعلاقة الكرائية مع المستأنف عليه ذاكرا أن حكم حاكم الجماعة المحتج به صدر في غيبته وتعذر عليه طلب الإحالة ضده، وأن الكراء المطلوب قد مر عليه أمد التقادم المنصوص عليه في الفصل 371 من قانون العقود والالتزامات. وبعد جواب المستأنف عليه أصدرت محكمة الاستئناف قرارها بتأييد الحكم الابتدائي بعلة أن المدعي المستأنف عليه أثبت العلاقة الكرائية بمقتضى الحكم الصادر عن حاكم الجماعة في القضية 65/75 وأن المدعى عليه لم يطعن في الحكم المذكور بوجه مقبول وأن المحكمة استمعت إلى السيد المفضل عمر فارس الذي ذكر المستأنف أنه صاحب المحل موضوع النزاع فنفى ذلك وأن الدفع بالتقادم هومن قبل الدفع بعدم القبول وطبقا لمقتضيات الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية فإن الدفع بالتقادم يجب أن يثار قبل كل دفع أودفاع في الموضوع وبما أن المستأنف لم يثر الدفع بالتقادم إلا بعد أن ناقش الموضوع في المرحلتين الابتدائية والاستئنافية فإنه يكون غير مقبول وهوالقرار المطلوب نقضه.
وحيث يركز الطاعن طعنه في القرار المطلوب نقضه على أنه أثار وبشكل صريح بأن الكراء المطلوب عن الشهور من فاتح يونيو1978 إلى فاتح شتنبر قد مر عليه أمد التقادم المنصوص عليه في الفصل 371 من قانون العقود والالتزامات، وأن الدفع بالتقادم يتعلق بالموضوع واحتج به العارض قبل أن تقفل باب المناقشة وضمنه في عريضة الاستئناف وبذلك يكون الدفع بالتقادم المثار من طرف العارض قدم على الشكل القانوني على أن الدفع بانعدام القبول يجب أن ينتج عن إخلال مسطري لحق مقال الدعوى ويجب في هذه الحالة تنبيه الطرف المدعى بضرورة تصحيح مقاله.
حقا لقد ثبت صدق ما عابته الوسيلة على القرار المطعون فيه ذلك أنه وبقطع عن كون التقادم الذي دفع به الطالب يتعلق بمجموع المدة المطالب بأداء كرائها أوبجزء منها طبقا لمقتضيات الفصل 391 من قانون العقود والالتزامات، فإن القرار المطعون فيه عندما لم يعتد بالتقادم الذي دفع به الطالب أمام قضاة الموضوع معتبرا أن الدفع المذكور من قبل الدفوع الشكلية التي يجب أن تثار قبل كل دفع أودفاع، والحال أن الدفع بالتقادم دفع موضوعي يمكن لذي المصلحة أن يتمسك به في أية مرحلة كانت عليها الدعوى، أسس قضاءه في هذه النقطة على تعليل فاسد ينزل منزلة انعدامه ويعرض القرار للنقض.
لهذه الأسباب
وبصرف النظر عن بحث باقي الوسائل المستدل بها.
قضى المجلس الأعلى بنقض القرار المطعون فيه المشار إليه أعلاه وبإحالة القضية على نفس المحكمة لتبت فيها من جديد طبقا للقانون متركبة من هيئة أخرى.
كما قرر إثبات حكمه هذا في سجلات محكمة الاستئناف بطنجة إثر الحكم المطعون فيه أوبطرته.
وبه صدر الحكم بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه بقاعة الجلسات العادية بالمجلس الأعلى بالرباط وكانت الهيئة الحاكمة تتركب من السادة:
رئيس الغرفة: – محمد بنعزو رئيسا
والمستشارين: – فاطمة عنتر مقررا
– محمد الجيدي عضوا
– المدني الزكيري “
– مليكة الدويب “
وبمحضر المحامي العام محمد عزمي ممثل النيابة العامة.
وبمساعدة كاتبة الضبط ابتسام الزواغي.