في الواجهةمقالات قانونية

المحكمة الرقمية آلية واعدة للارتقاء بجهاز القضاء – قراءة في التجربة المغربية – الباحث : أشرف الإدريسي

Digital court a promising mechanism for improving the judiciary - A review of the Moroccan experience -

 

المحكمة الرقمية آلية واعدة للارتقاء بجهاز القضاء – قراءة في التجربة المغربية –

Digital court a promising mechanism for improving the judiciary

– A review of the Moroccan experience –

الباحث : أشرف الإدريسي

خريج كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، جامعة محمد الخامس الرباط

مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 53 غشت – شتنبر 2024

الاميل الرسمي للمجلة : mforki22@gmail.com

للتواصل عبر الواتساب : 0687407665

لتحميل الاصدار و البحث : 

https://www.droitetentreprise.com/%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b9%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d8%af%d8%a7-3/?fbclid=IwY2xjawEvHLVleHRuA2FlbQIxMQABHa4fXPJbrENP-fePPtKndlrtkXmTc67Hb0Jf1TytBQ5LKFugpd1rCcOq7Q_aem_HGzZHMXcUnwOhEprDaZlYg

الملخص:

تهدف هذه الدراسة الى تسليط الضوء على التجربة المغربية في مسار إرساء مقومات المحكمة الرقمية، هذه الأخيرة التي تعد من مظاهر تأثير التحول التكنولوجي في الحقل القانوني بشكل عام والحقل القضائي بشكل خاص، فقد ألقت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بظلالها على مرفق القضاء والإجراءات القضائية فأضحت المحكمة الرقمية من أهم أعمدة إصلاح المنظومة القضائية، لذلك تضمن ميثاق اصلاح منظومة العدالة جملة من البنود نصت على تسخير الوسائل التكنولوجية الحديثة في الإجراءات القضائية -سواء على المستوى المدني أو على المستوى الجنائي-، ويثور التساؤل في هذه الدراسة حول الوضعية الحالية لبلادنا (على المستوى التشريعي) في مسار تنزيل مشروع المحكمة الرقمية.

الكلمات المفتاحية: المحكمة الرقمية، المحكمة الإلكترونية، المحكمة عن بعد، رقمنة الإجراءات القضائية، رقمنة القضاء، التقاضي عن بعد، التحول الرقمي لمنظومة العدالة، رقمنة الإدارة القضائية

 

Summary:

This study aims to shed light on the Moroccan experience in establishing the bases of the digital court, which is one of the manifestations of the technological transformation’s impact on the legal field in general and the judicial field in particular. Information and communication technology has cast its shadow over the judiciary and judicial procedures, making the digital court one of the main pillars of judicial system reform. Therefore, the Charter of the Judiciary System Reform includes several provisions that stipulate the use of modern technological means in judicial procedures – whether in civil and criminal matters-. This study raises question about the current status of our country (at the legislative level) in the process of implementing the digital court project.

Keywords: digital court, electronic court, remote court, digitization of judicial procedures, digitization of the judiciary, remote litigation, digital transformation of the justice system, digitization of judicial administration

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة

لم يكن المغرب بمنأى عن الثورتين الصناعيتين الثالثة[1] والرابعة[2]، فقد انتشر استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا الرقمية (الحواسيب، الهواتف المحمولة، الشبكات، الإنترنت…إلخ) داخل المجتمع في وقت مبكر، مما دفع المشرع للتدخل وسن مجموعة من القوانين، بالإضافة الى تغيير وتتميم وتغيير مجموعة من النصوص القانونية. وقد كان لزاما على المغرب أن يواكب هذا التطور على مستوى الإدارة، لذلك ظهرت عدة مفاهيم مستجدة كالتحول الرقمي، الإدارة الرقمية، التنمية الرقمية، المغرب الرقمي.

مر المغرب تحت الرعاية السامية لجلالة الملك وتوجيهاته بمجموعة من المحطات الهامة نحو التحول الرقمي، بداية من إحداث اللجنة الاستراتيجية لتكنولوجيا المعلومات في سنة 1997 قصد تعميم استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل يحقق مصلحة مختلف الفاعلين في المجتمع. مرورا بالاستراتيجية الوطنية للمغرب الرقمي 2013 التي وضعت المحاور الكبرى للتحول الرقمي ببلادنا، وصولا الى الاستراتيجية الوطنية للانتقال الرقمي 2030 التي تهدف الى رقمنة الخدمات العمومية في مختلف القطاعات بشكل شمولي.

لم تكن الإدارة القضائية بمعزل عن مواكبة هذا التطور التكنولوجي، ووعيا بأهمية وضرورة رقمنة مرفق القضاء سعى المغرب نحو إصلاح ورقمنة قطاع العدالة وتبسيط المساطر، فتكللت الخطب والتوجيهات[3] الملكية السامية لإصلاح القضاء بصدور ميثاق اصلاح منظومة العدالة، هذا الميثاق الذي استجاب للرهانات الرقمية بقطاع العدالة فتضمن بين طياته بنودا تتعلق برقمنة الإجراءات القضائية، من بينها البند 9 من الرؤيا العامة لإصلاح منظومة العدالة ” وضع أسس “محكمة رقمية” منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين، والتعميم التدريجي لاستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في إدارة المحاكم وفي علاقتها بالمتقاضين والمهنيين …”، وإلحاقا بذلك جاء المخطط التوجيهي للتحول الرقمي للعدالة 2020 ليشخص الوضعية الرقمية لقطاع القضاء، وليضع توجهات لمقاربة التحول الرقمي للعدالة، كما نص على مجموعة من الالتزامات الحكومية بهذا الصدد، بالإضافة الى وضعه لمجموعة من الأهداف والبرامج والمشاريع والدعائم.

أولا: إشكالية الدراسة

في ضوء ما سبق، يثور التساؤل حول مدى تقدم المشرع المغربي في الاتجاه نحو تحقيق مفهوم المحكمة الرقمية والقضاء الرقمي. يتفرع عن الإشكالية الآنف ذكرها سؤالين فرعيين، ما هي البوادر التشريعية للمحكمة الرقمية بالمغرب؟ وما هي الخدمات القضائية التي طالتها الرقمنة ببلادنا؟

ثانيا: أهمية الدراسة

تنبلج الأهمية النظرية -والعلمية- لهذا الموضوع في جدته وجدواه، وتكمن أيضا في كونه موضوع ذو أبعاد متعددة نظرا لأنه يضع رجلا في الحقل القانوني ورجلا في المجال التقني فضلا عن ارتباطه بمجالات أخرى[4]، أما عن الأهمية التطبيقية -والميدانية- لهذا الموضوع فتنبعث من كونه ذو راهنية، إذ أضحت الرقمنة ضرورة ملحة وحقا من حقوق المتقاضين والمرتفقين، ومن غير المقبول أن يعتاد المواطن على استعمال التكنولوجيات الحديثة في حياته اليومية دون أن يجدها في الإدارة عموما والقضاء خصوصا.

إلحاقا بما سبق، لقد أبانت جائحة كورونا عن أهمية استثمار التكنولوجيات الحديثة في مرفق القضاء، فلو أننا امتلكنا هذه التكنولوجيات بمحاكمنا أنذاك ما كنا لنوصد أبوابها ونترك لتلك الأزمة أن تفعل بنا الأفاعيل فتعطل عجلة العدالة ببلادنا. وعليه يعتبر موضوع المحكمة الرقمية من تجليات تأثير التكنولوجيات الحديثة في الحقل القضائي.

ثالثا: المنهج المتبع

اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج التحليلي بهدف تحليل المقتضيات الواردة في مشاريع القوانين والمرتبطة برقمنة الإجراءات القضائية، وذلك بغية الوصول الى تقييم مدى تقدم المشرع المغربي في مسار تنزيل مفهوم المحكمة الرقمية على أرض الواقع.

رابعا: خطة الدراسة

لسبر أغوار هذا الموضوع والإجابة عن الإشكالية والسؤالين الآنف ذكرهم سنستهل بالتطرق للبوادر التشريعية للمحكمة الرقمية بالمغرب (المبحث الأول)، ثم سنعرج على الخدمات القضائية الإلكترونية بالمغرب (المبحث الثاني).

المبحث الأول: البوادر التشريعية للمحكمة الرقمية بالمغرب

بصرف النظر عن التوصيات الواردة في ميثاق منظومة العدالة، والمخططات والأهداف الواردة في المخطط التوجيهي للتحول الرقمي للعدالة، يخلو التشريع المغربي من النصوص المؤطرة لرقمنة الإجراءات القضائية[5]، غير أن بعض مشاريع القوانين التي طرحها المشرع تدل على توجه بلادنا نحو تنزيل الورش المحكمة الرقمية[6] على أرض الواقع، لذلك سنسبر في هذا المطلب أغوار مشاريع القوانين التي نص فيها المشرع على مقتضيات تتعلق برقمنة هذه الإجراءات، وعليه سنتطرق باقتضاب لمسودة قانون الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية ومسودة مشروع قانون 27.21 المتعلق برقمنة الإجراءات القضائية (المطلب الأول)، ثم سننتقل لمشروع قانون المسطرة الجنائية (المطلب الثاني)، ومن ثم سنختم بمشروع قانون المسطرة المدنية (المطلب الثالث).

المطلب الأول: مسودة قانون الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية ومسودة مشروع قانون 27.21 المتعلق برقمنة الإجراءات القضائية

سنقف عند مسودة قانون الوسائل الإلكترونية في الإجراءات القضائية (أولا)، ثم سننتقل للحديث باختصار عن مسودة مشروع قانون 27.21 المتعلق برقمنة الإجراءات القضائية (ثانيا).

أولا: مسودة قانون الوسائل الإلكترونية في الإجراءات القضائية

فرضت جائحة كورونا على المحاكم اعتماد الوسائل التكنولوجية للاستمرار في فتح أبوابها للمتقاضين، ونخص بالذكر المحاكم الزجرية التي بدأت في عقد جلساتها عن بعد مع المتهمين القابعين في المؤسسات السجنية في إطار الاعتقال الاحتياطي، غير أن هذا النمط لم يكن له أساس قانوني متين يستند إليه، مما دفع المشرع الى محاولة سد هذا الفراغ التشريعي وفي الوقت نفسه تحقيق مكاسب في إطار رقمنة القضاء؛ وتنفيذ التوصيات الواردة في ميثاق اصلاح منظومة العدالة، وذلك عبر صياغته لمسودة قانون الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، هذه المسودة التي تضم بين ثناياها مجموعة من المقتضيات المتعلق بتسخير الوسائل التكنولوجية في الإجراءات القضائية.

بما أن هذا القانون لم يُكتب له أن يخرج الى حيز التنفيذ فسوف نكتفي بذكر بعض ما جاء في هذا القانون دون تمحيص ولا تدقيق، على أن ندخر هذين الأخرين لما احتفظ به وأورده المشرع من مقتضيات هذه المسودة في مشروع قانون المسطرة المدنية ومشروع قانون المسطرة الجنائية، وباستقراء مواد هذه المسودة نستشف أن المشرع حاول تعديل وتتميم مقتضيات قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية، فنص على مجموعة من المستجدات من بينها التعيين التلقائي للقاضي المقرر أو المكلف بواسطة النظام المعلوماتي (المادة الأولى)، التبليغ الإلكتروني، واعتماد المستندات الإلكترونية وإعطاؤها نفس حجية المستندات الورقية، كما اعتمد الأداء الإلكتروني في المادة 8 كالآتي “…يمكن اعتماد نظام الأداء الإلكتروني في جميع الأحوال التي تستوجب تأدية وجيبة قضائية أو إيداع مبلغ”، بالإضافة الى ذلك نص على اعتماد وسائل الاتصال عن بعد جلسات في استماع النيابة العامة للشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية (المادة 24)، وفي الاستماع الذي يقوم به قاضي التحقيق للمتهم أو الشاهد أو الخبير وذلك عند وجود أسباب جدية تحول دون حضورهم او عند بعد أحدهم عن مكان التحقيق (المادة 17)، وعند استماعه لشخص معتقل (المادة 19)، ، كما نص على إمكانية عقد المحكمة لجلساتها عن بعد (المواد 19 و21).

ثانيا: مسودة مشروع قانون 27.21 المتعلق برقمنة الإجراءات القضائية

جاءت وزارة العدل سنة 2023 بهذا المشروع[7] الذي يهدف الى إدماج استعمال التقنيات الحديثة في الإجراءات والمساطر القضائية سواء في المادة المدنية أو الجنائية، وقد وردت فيه عدة مستجدات تتعلق بحقل التقاضي عن بعد، كما أتى بمفاهيم جديدة كالنظام الرقمي؛ الأداء الإلكتروني؛ والعنوان الإلكتروني، وعرفها الى جانب تعريفه لبعض المفاهيم التي سبق تنظيمها بقوانين أخرى، وذلك كتعريفه للتوقيع الإلكتروني في المادة الثانية، وما نستغربه حول هذا التعريف هو أن المشرع أحال بخصوص شروط التوقيع الإلكتروني الى المادة 6 من القانون 53.05، والحال أن المشرع قد نسخ هذه المادة بمقتضى القانون 43.20 الذي دخل حيز تنفيذ قبل صياغة هذا المشروع.

المطلب الثاني: قراءة في مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية

أورد المشرع ثلة من المستجدات المتعلقة بالرقمنة والتقاضي عن بعد في هذه المسودة، كما حافظ على بعض ما ورد في مسودة قانون الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية ومسودة مشروع قانون 27.21، وترك البعض الآخر، كما أتى ببعض المقتضيات الجديدة، ومن أهم هذه المستجدات ما يلي:

  • تبني مفهوم المحضر الإلكتروني (المادة 25): ما نلاحظه هو أن المشرع لم يستثني المحضر الإلكتروني من المقتضيات الواردة في المادة 24 المتعلقة بتوجيه المحضر الى ممثل النيابة العامة مرفق بنسختين مشهود بمطابقتهما للأصل، كما أن المشرع لم ينص على التبادل اللامادي للمستندات الإلكترونية -ولاسيما المحاضر- بين الشرطة القضائية والنيابة العامة، أضف الى ذلك عدم انتباه المشرع الى مسألة التوقيع، فمعلوم أن هذا الأخير شرط من شروط المحضر، وعليه يفتح عدم تنصيص المشرع على اعتماد التوقيع الإلكتروني في المحضر المعد إلكترونيا الباب للتأويلات، اللهم إلا إذا كان مقصد المشرع من كل ذلك هو أن المحضر يحرر على دعامة إلكترونية ويستخرج في نسخة ورقية، فآنذاك لا يمكن أن يتخذ المحضر مفهوم محضر إلكتروني ولا أن يحقق مزايا وإيجابيات الرقمنة، كما أن ذلك يعتبر مجرد التواء على -ونحو- الورقية وتشبت بها.
  • استخدام الدعائم الإلكترونية لتخزين ما تم حجزه في مسرح الجريمة (المادة 67 الفقرة التاسعة).
  • اعتماد سجل إلكتروني للحراسة النظرية على المستوى الوطني والجهوي (المادة 81): وما ننقمه على المشرع هو اعتماده على السجلات الورقية كأساس لعملية تقييد الأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية، واعتماده على السجل الإلكتروني كوسيلة للتخزين فحسب[8]، والحال أنه من الممكن اعتماد السجلات الإلكترونية في العملية برمتها لتحقيق المرونة عبر لامادية الإجراءات.
  • إمكانية اعتماد النيابة العامة على تقنية الاتصال عن بعد قصد الاستماع الى الشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية (المادة 97 الفقرة الثالثة): الملاحظ هو احتفاظ المشرع بما ورد في المادة 24 من مسودة قانون الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، ومن حسنات هذه المكنة أنها ستقلص من وقت ونفقات نقل المشتبه بهم الى المحكمة قصد المثول أمام النيابة العامة، كما ستعمل على الحد من خطر هروب المشتبه فيهم أثناء نقلهم وما يترتب عن هذا الهروب من إمكانية الإصابة بأضرار شخصية للمعني بالأمر أو لغيره، بالإضافة الى الحد من تأخير مثول المشتبه فيه أمام النيابة العامة نتيجة زحمة الطرق
  • اعتماد تقنية الاتصال عن بعد قصد الاستماع الى الشهود (المادة 180): أحال المشرع في هذه المادة على المواد 402 و403 و404 من نفس القانون، وباستقراء هذه المواد ولاسيما المادة 402[9] نستشف بأن المشرع اعتبر أن اللجوء الى تقنية الاتصال عن بعد بغرض الاستماع الى الشاهد هو مكنة للمحكمة أن تلجأ لها إذا ما رأت بأن حضور الشاهد يشكل خطرا عليه أو على أسرته …إلخ، كما قيد المشرع هذه المكنة بوجوب إخفاء هوية الشاهد بشكل يحول دون التعرف عليه، بيد أن هذا يتنافى ومضمون حق -أو مبدأ- المواجهة [10]، وتجدر الإشارة الى أن مقتضى المادة 402 هو تكرار لما ورد في المادة 2 من القانون 37.10 المتعلق بحماية الضحايا والشهود والمبلغين والخبراء في جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وغيرها، وعليه حري بالمشرع أن يعدل هذا المقتضى ويمنح المحكمة إمكانية الاستماع الى الشهود عن بعد دون تقييدها بإخفاء هويتهم -إلا في حالات استثنائية-، وذلك لضمان ترشيد وعدم هدر الزمن القضائي، وتفعيلا لرقمنة الإجراءات القضائية، وحفاظا على حق المواجهة.
  • استدعاء المحامي قصد حضور عملية الاستنطاق أثناء التحقيق الإعدادي بالوسائل التقنية، واعتماد الدعائم الإلكترونية لوضع ملف القضية رهن إشارة المحامي (المادة 186).
  • إمكانية تذييل المقررات القضائية بالتوقيع الإلكتروني (المادة 422): لم يحدد المشرع طبيعة هذا التوقيع إذا ما كان متقدما أو مؤهلا، بالإضافة الى ذلك كان عليه أن يجعل من التوقيع الإلكتروني شرطا وليس إمكانية فحسب، اللهم إلا أن تحول مشاكل تقنية دون ذلك، فآنذاك يمكن الاكتفاء بالتوقيع اليدوي.

بناء على ما سلف، نستغرب من سبب تخلي المشرع عن اعتماد وسائل الاتصال عن بعد في المحاكمة الجنائية[11]، لاسيما وقد نص على ذلك سابقا في مسودة قانون الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية (المواد 19 و21)، كما نتساءل عن دواعي اعتماد المشرع على تقنية الاتصال عن بعد لتمكين قاضي التحقيق من الاستماع الى الشهود فقط دون المتهم أو المطالب بالحق المدني أو غيرهم، بل وإن اللجوء الى هذه الإمكانية رهين بحالات استثنائية تتوفر فيها حالة خطر على الشاهد، وما يدفعنا للاستغراب أكثر هو أن المشرع قد نص سابقا في مسودة قانون الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية على اعتماد تقنية الاتصال عن بعد لتمكين قاضي التحقيق من الاستماع للمتهم والشاهد وغيرهم (المادة 17)[12]، وكأن تراجع المشرع عن ذلك نابع من عدم ثقته بالتكنولوجيات الحديثة، لذلك حري بالمشرع أن يتحلى بالثقة والتفاؤل ليمضي قدما نحو تبني هذه التكنولوجيات التي ستعود بالنفع على حسن سير التحقيقات سواء في مرحلة البحث التمهيدي، أو التحقيق الإعدادي، أو في مرحلة المحاكمة.

المطلب الثالث: قراءة في مشروع قانون المسطرة المدنية

عمّر قانون المسطرة المدنية لما يقارب الخمسين سنة، وحاول المشرع المغربي وضع قانون مسطرة مدنية جديد غير مرة، آخر مشروع هو مشروع قانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية الذي جاء بعدة مقتضيات وردت سابقا في مسودة قانون الوسائط الإلكترونية ومسودة مشروع قانون 27.21 المتعلق برقمنة الإجراءات القضائية، كما جاء بعدة مستجدات ذات صلة برقمنة الإجراءات القضائية، ونذكر هذه المقتضيات والمستجدات كالآتي:

  • إمكانية مباشرة التنفيذ من خلال المنصة الإلكترونية للمحكمة (المادة 449 الفقرة الأخيرة).
  • نشر المقررات القضائية بالموقع الإلكتروني للمحكمة مصدرة المقرر (المادة 465).
  • الإعلان عن المزاد العلني (المادة 513) والإعلان عن بيع الأصل التجاري (المادة 527) في الموقع الإلكتروني للمحكمة المعنية.

كما جاء هذا المشروع بمقتضيات ومستجدات تتعلق بالتقاضي عن بعد والتبادل اللامادي مع المحاكم، وذلك في إطار القسم الحادي عشر بعنوان رقمنة المساطر والإجراءات القضائية الذي سيعد بمثابة إطارا قانونيا للتحول الرقمي بالمحاكم المدنية، وقد نص في هذا القسم على مجموعة من المقتضيات أهمها:

  • إحداث منصة إلكترونية لتدبير الملفات والقضايا والإجراءات القضائية[13] (المادة 622): ما نلاحظه من خلال هذه المادة هو استثناء محكمة النقض من هذه المنصة، باعتبار أن لها نظام الكتروني خاصة بها.
  • إحداث حسابات الكترونية مهنية للمحامين والمفوضين القضائيين والعدول …إلخ على هذه المنصة قصد تبادل المعطيات الإلكترونية المتعلقة بالمساطر والإجراءات القضائية (المادة 623).
  • اعتماد المستندات الكتابية في إيداع المقالات والطلبات والطعون، واعتماد الأداء بطريقة إلكترونية للرسوم والمصاريف القضائية، وتقييد القضية في سجل الكتروني، وتعيين القاضي المقرر او المكلف من طرف النظام الإلكتروني (المادة 626).
  • اعتماد التبليغ الإلكتروني لاستدعاء الأطراف (المادة 627): أحال المشرع في هذه المادة على المواد 81 الى 87 فيما يتعلق بمضمون الاستدعاء، وباستقراء هذه المواد ولاسيما المادة 81 نستشف بأن المشرع لم يتطرق الى الحالة التي تعقد فيها المحكمة جلساتها عن بعد، إذ نص في البند 4 على تاريخ وساعة الحضور ورقم قاعة الجلسات، فحري بالمشرع أن يتمم هذه المادة بما يتلاءم والطبيعة الافتراضية للمحكمة على المنصة الإلكترونية.
  • إمكانية عقد المحكمة لجلساتها بطريقة إلكترونية متى تبين لها توفر الشروط التقنية اللازمة (المادة 628)[14]: لم يبين المشرع ماهية هذه الشروط، وحسن فعل إذ ترك ذلك لنصوص تنظيمية لاحقة لصدور ق.م.م الجديد، ونعتقد بأن المقصود بالشروط هو توفر التقنيات اللازمة لهذه الجلسات من جانب المحكمة، ومن جانب المدعى والمدعى عليه[15]، وبدهي أن المشرع سيضع نصا تنظيميا -بعد صدور ق.م.م الجديد- يبين فيه طريقة وشروط عقد الجلسات عن بعد.
  • تبليغ المقررات القضائية عبر المنصة الإلكترونية، وتبليغها الى الحساب المهني للمحامي بناء على موافقته (المادة 631): ما نؤاخذه على المشرع هو أنه ترك مسألة تبليغ المقررات للمحامي على حسابه الإلكتروني مقيدا بموافقته، لأن هذا من شأنه أن يعرقل عجلة التحول الرقمي للمساطر والإجراءات القضائية. وفي هذا الصدد نستحضر مرة أخرى قرار محكمة الاستئناف بنيم الفرنسية الذي جاء فيه أن انتماء المحامي الى الشبكة الخاصة الافتراضية للمحامين «Réseau privé virtuel des avocats (PRVA)» يعد بمثابة موافقة مفترضة منه على تبليغه عبر الوسائل الالكترونية[16]. لذلك من باب أولى أن يلزم المشرع المحامي بتلقي التبليغات القضائية على حسابه الإلكتروني[17]، لاسيما إذا قدم دعواه أو طلبه عبر الوسائط الإلكترونية.
  • مباشرة إجراءات التنفيذ على المنصة الإلكترونية (المادة 632).

تبعا لما سلف، نص المشرع في المادة 636 على أنه يعتد بالإجراءات المتعلقة بإيداع المقالات والطلبات والطعون والمذكرات والمستنتجات، وبأداء الرسوم والمصاريف القضائية، وبإجراءات التبليغ والتنفيذ، المنجزة كليا أو جزئيا من خلال المنصة الإلكترونية، كما نص في المادة 638 على إمكانية إنجاز المساطر والإجراءات الواردة في ق.م.م أو في قوانين أخرى بطريقة إلكترونية، وهو ما يجعلنا نستنتج ثقة المشرع المغربي المدني بالتكنولوجيات الحديثة واتجاهه بلا تلكؤ نحو تبني هذه التكنولوجيات في الإجراءات والمساطر القضائية المدنية، عكس المشرع المغربي الجنائي الذي يتضح بأنه لا زال مترددا في تبني هذه التكنولوجيات في إجراءات البحث والتحقيق والمحاكمة.

ختاما لهذا المبحث، نود أن نشير الى ضرورة تعريف المصطلحات التقنية الأساسية المستعملة في مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية (كتقنية الاتصال عن بعد)، وفي مشروع قانون 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية (كالمنصة الإلكترونية، والحسابات الإلكترونية المهنية).

كما نلاحظ بأن المشرع حافظ على بعض ما ورد في مسودة قانون الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية ومسودة مشروع قانون 27.21، وترك البعض الآخر، وجاء بمستجدات لم ترد سلفا، وبناء على ذلك نعتقد بأنه من المستبعد أن تعود الحياة لهذين المشروعين مرة أخرى نظرا لأن المشرع اتجه مباشرة نحو تعديل قانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية.

المبحث الثاني: الخدمات القضائية الإلكترونية بالمغرب

يأتي إحداث المغرب لخدمات قضائية على منصات إلكترونية في إطار الاستراتيجية التي ينهجها والمتعلقة بالتجسيد اللامادي للإجراءات والمساطر القضائية، وهي إشارات أخرى على نيته الجادة لتحقيق محكمة رقمية منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين والمرتفقين، وسنتناول تباعا أهم الخدمات القضائية التي تقدم عبر الوسائط الإلكترونية ببلادنا كالآتي، منصة محاكم ومنصات المهنيين (المطلب الأول)، المواقع الإلكترونية للمحاكم والمنصة الإلكترونية لرئاسة النيابة العامة (المطلب الثاني)، المنصة الإلكترونية لمحكمة النقض وخدمات قضائية إلكترونية متنوعة (المطلب الثالث).

المطلب الأول: منصة محاكم “Mahakim.ma” ومنصات المهنيين

سنقف عند منصة محاكم (أولا)، ثم سننتقل لمنصات المهنيين ذوي الصلة بالعدالة (ثانيا).

أولا: منصة محاكم “Mahakim.ma”

عملت وزارة العدل في إطار استراتيجية تبسيط الإجراءات والمساطر وتقريب القضاء من المواطن على إنشاء هذه المنصة التي تقدم عدة خدمات:

  • الاطلاع وتتبع الملفات وتاريخ الجلسات؛
  • الاطلاع على جدول الجلسات
  • الاطلاع على المحاضر والشكايات؛
  • الاطلاع على محاضر الضابطة القضائية؛
  • الاطلاع على محاضر مخالفات وجنح السير؛
  • تتبع ملفات التنفيذ على شركات التأمين؛
  • الاطلاع على جلسات بيع العقارات في المزاد.
ثانيا: منصات المهنيين

في إطار إدماج المهن ذات الصلة بالعدالة ضمن مسار التحول الرقمي أنشأت وزارة العدل منصة إلكترونية للمحامين “portailavocat.justice.gov.ma” تمكنهم –عبر حساباتهم الشخصية[18]– من وضع المقالات وأداء الرسوم القضائية وتبادل المذكرات إلكترونيا دون الاضطرار الى الانتقال المحكمة، كما تمكنهم من معاينة كل الاستدعاءات الجديدة والاطلاع على تاريخ الجلسات والقاضي المقرر أو المكلف بعد تعيينه، كما أنشأت منصة إلكترونية للتبادل اللامادي مع المفوضين القضائيين “ehuissier.justice.gov.ma”” فيما يتعلق بالمهام والإجراءات المنوطة بهم قانونا، وأنشأت وزارة العدل منصة للعدول ” eadoul.justice.gov.ma”، والملاحظ بأن هذه المنصة مقتصرة على طلبات الإذن بالزواج، لذلك يتعين إضافة خدمات تقديم الوثائق والشهادات لقاضي التوثيق قصد مراقبتها والخطاب عليها عن بعد.

وقصد إدماج باقي المهن المتعلقة بالقضاء في مسلسل التحول الرقمي يجب إنشاء منصات الكترونية للخبراء القضائيين، والموثقون، والتراجمة المحلفون، وربطها بمنصة محاكم.

المطلب الثاني: المواقع الإلكترونية للمحاكم والمنصة الإلكترونية لرئاسة النيابة العامة

سنتطرق أولا للمواقع الإلكترونية للمحاكم (أولا)، ثم سننتقل للمنصة الإلكترونية لرئاسة النيابة العامة (ثانيا).

أولا: المواقع الإلكترونية للمحاكم

قامت وزارة العدل بإنشاء مجموعة من المواقع الإلكترونية لمجموعة من المحاكم، مثال ذلك موقع المحكمة الابتدائية بسلا “tpisale.ma”، موقع محكمة الاستئناف الدار البيضاء “cacasablance.ma”، والملاحظ على أن معظم هذه المواقع تعاني من ضعف على المستوى التقني، كما أنها غالبا ما تحيل فيما يتعلق بالخدمات التي تقدمها الى منصة محاكم “Mahakim.ma”، وبالرغم من أن ميثاق اصلاح منظومة العدالة يجعل من اللاتمركز الإداري والمالي للإدارة القضائية هدفا من أهداف تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها، فإننا نرى بضرورة استثناء الخدمات الإلكترونية من هذا الهدف والاكتفاء بمنصة الكترونية موحدة تقدم الخدمات القضائية لمختلف المتقاضين والمرتفقين أينما وجدوا بالمملكة، وذلك في إطار تحقيق المركزية على مستوى الخدمات القضائية الإلكترونية فحسب[19]، تفاديا لتيه المرتفقين والمتقاضين بين كثرة المنصات الإلكترونية المحدثة لكل محكمة على حدة.

ثانيا: المنصة الإلكترونية لرئاسة النيابة العامة

بهدف التكريس لنيابة عامة مواطنة ومنفتحة على المواطن وقريبة من همومه عملت رئاسة النيابة العامة على إحداث موقع “pmp.ma” لتقديم الشكايات من طرف المواطنين، وكذلك وضعت عناوين إلكترونية لتقديم الشكايات، أو عبر الفاكس، كما يمكن تتبع الشكايات عبر هذا الموقع، وقد تم أيضا وضع خطوط هاتفية بجميع النيابات العامة لتمكين المحامين والمتقاضين من طلب معلومات او الحصول على دليل إرشادات أو للتبليغ عن الجرائم، مصحوبة بالعناوين الإلكترونية والبريد الإلكتروني الخاص بها[20]. بالإضافة الى ما سبق، يوفر الموقع الإلكتروني لرئاسة النيابة العامة مكتبة رقمية، ومنصة للإعلانات والبلاغات، ومنصة رقمية لتلقي شكايات العنف ضد النساء.

بغرض التكريس لنيابة عامة مواطنة يمكن للمواطنين تقديم اقتراحاتهم وآرائهم عبر آلية معدة لهذا الغرض، كما يمكنهم الحصول على المعلومة تكريسا للمبدأ الدستوري الوارد في الفصل 27 من الدستور المغربي.

المطلب الثالث: المنصة الإلكترونية لمحكمة النقض وخدمات قضائية إلكترونية متنوعة

سنتعرض للمنصة الإلكترونية لمحكمة النقض (أولا)، ثم سنتطرق لخدمات قضائية إلكترونية متنوعة (ثانيا).

أولا: المنصة الإلكترونية لمحكمة النقض

تتوفر محكمة النقض على منصة إلكترونية “cassation.cspj.ma” تقدم عبرها مجموعة من الخدمات:

  • تتبع مآل الملفات؛
  • الاطلاع على الاجتهادات القضائية؛
  • الاطلاع على الاتفاقيات القضائية؛
  • الاطلاع على الهيكلة القضائية لمحكمة النقض؛
  • نشر إصدارات محكمة النقض.
ثانيا: خدمات قضائية إلكترونية متنوعة

أحدثت وزارة العدل مجموعة من الخدمات القضائية على موقعها الإلكتروني الحكومي ” justice.gov.ma” نذكر أهم هذه الخدمات كالتالي:

  • خدمة المنصة الإلكترونية لصناديق المحاكم “caisseenligne: هي خدمة تتيح للمواطنين إمكانية حساب الرسوم القضائية ومراقبة الدفع بصندوق المحكمة والدفع الإلكتروني للغرامات المالية لمخالفات السير، والملاحظ على أن هذه الخدمة محدودة ولا تشمل أداء كل الغرامات المالية المتعلقة بعامة المخالفات والجنح، ولا تشمل أداء الرسوم والمصاريف القضائية.
  • منصة الإيداع الإلكتروني للقوائم التركيبية “ depotbilan: تمكن الشركات من إيداع القوائم التركيبية الكترونيا، وتمكن كذلك من معالجة طلبات الإيداع وتسريع عملية معالجة وفرز الملفات مع إمكانية تتبع آنية لمسار إيداع القوائم التركيبية.
  • بوابة الخدمات الإدارية والقضائية عبر الخط “ servicesenligne: يمكن عبر هذه البوابة تقديم وتتبع طلبات الحصول على مستخرج السجل التجاري (نموذج 7)، وشهادة التقييد بالسجل التجاري (نموذج 9)، شهادة التشطيب (نموذج 13)، شهادة بعدم التسوية أو التصفية القضائية (نموذج 14)، والحصول عليها عن بعد.
  • الشباك الإلكتروني للسجل العدلي “casierjudiciaire“: تمكن هذه الخدمة من الحصول على مستخرج السجل العدلي بواسطة البريد الإلكتروني (مجانا) أو البريد المضمون.
  • بوابة طلبات العفو “ egrace: يمكن من خلال هذه البوابة تقديم وتتبع طلبات العفو، والإفراج الشرطي، والأمر بالإفراج.
  • المرجع الوطني الإلكتروني للمهن القانونية والقضائية “ marjii“: يمكن هذا المرجع من الاطلاع على جميع المعطيات المتعلقة بالمنتسبين للمهن القانونية والقضائية، مما سيسهل عملية التواصل معهم والاستفادة من خدماتهم.

وفي ختام هذا المبحث حري بنا أن نشير الى أن محاكم بلادنا عرفت تجربة في استعمال تقنية الاتصال عن بعد لعقد الجلسات مع الأشخاص المعتقلين إبان فترة جائحة كورونا، وقد استندت هذه الخطوة الى المادة 3 من مرسوم قانون 2.20.292[21] كأساس قانوني، كما تجد مبرر يتمثل في قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وحسب إحصائيات للمجلس الأعلى للسلطة القضائية حققت جلسات المحاكمات عن بعد خلال النصف الأول من سنة 2021 حصيلة مهمة تمثلت في 9980 جلسة تم عقدها عن بعد، 207489 قضية مدرجة، 241743 شخص مثلوا أمام المحاكم عبر تقنية المناظرة المرئية -Video Conferencing-، 71698 قضية محكومة[22].

من زاوية أخرى، نرى بأنه من الضروري رقمنة باقي الإجراءات والخدمات القضائية المادية، ولاسيما ذات الصلة بالمادة التجارية قصد تشجيع الاستثمار وتخليق وتجويد مناخ الأعمال، مع ضرورة إدماجها؛ وادماج الخدمات القضائية المتواجدة على موقع وزارة العدل؛ وإدماج المنصة الإلكترونية التي جاء بها مشروع قانون 02.23 في منصة واحدة وهي منصة محاكم “Mahakim.ma”، وذلك قصد جمع شتات الخدمات القضائية الإلكترونية في منصة موحدة وواضحة ضمانا لعدم تيه المتقاضين والمرتفقين وتحقيقا لتبسيط المساطر والإجراءات القضائية.

 

الخاتمة

إن عصرنة وتحديث قطاع العدالة لمن صميم إصلاحها والنهوض بها، وهذا يفسر ما ورد في ميثاق اصلاح منظومة العدالة من توصيات حول تحقيق مفهوم المحكمة الرقمية، إذ جعل الميثاق من رقمنة القضاء هدفا من أهداف تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها، وإن للمحكمة الرقمية المزايا ما يشجع بلادنا على المضي قدما في مسار رقمنة القضاء الى منتهاه[23]، بيد أن بيد أن السكة نحو تنزيل مشروع المحكمة الرقمية ليست دربا لينا مفروشا بالورود، بل هو مسلك شائك به من المصاعب والمثبطات ما هو كفيل بتعسير تنفيذ هذا المشروع على أرض الواقع[24].

ومن خلال حيثيات هذه الدراسة يتضح تقدم بلادنا بخطوات وإن كانت يسيرة نحو رقمنة قطاع العدالة، فقد تم إحداث خدمات قضائية إلكترونية على عدة منصات، بالإضافة الى ذلك بادر المشرع الى وضع مشاريع قوانين تضم بين طياتها مستجدات لها علاقة بتسخير الوسائل التكنولوجية الحديثة في التقاضي وفي عمل المحاكم عموما. وإن الناظر في التجربة المغربية في مجال رقمنة القضاء وما قام به المغرب من جهود حثيثة تشريعيا وخدماتيا سيستشف حتما النية الجادة نحو إرساء مقومات محكمة رقمية، بيد أنه وبالرغم من المجهودات المحمودة لوزارة العدل ومختلف الفاعلين، فإن ما قمنا به الى حد الآن لا يرقى الى القول بأننا حققنا الشيء الكثير بخصوص هذا الورش، كما يفتقر شطر مهم من الخدمات القضائية الإلكترونية الموجودة حاليا الى إطار قانوني ينظمه ويستند إليه، فضلا عن عدم وجود أساس قانوني للتبادل اللامادي بين المحامي والمفوض القضائي وبين المحاكم، أضف الى ذلك عدم تحقيق بلادنا للعديد من التوصيات الواردة في ميثاق اصلاح منظومة العدالة، هذه التوصيات المرتبطة بالرقمنة والحوسبة وفق الآجال المحددة، لذلك سنغض الطرف عما حققناه لنتطرق الى ما لم نحققه من هذه الأهداف:

 

 

 

1/ لم نصل الى الأهداف المتعلقة بضمان نجاعة آليات العدالة الجنائية[25]

2/ لم نحقق الأهداف الواردة في إطار البت في القضايا وتنفيذ الأحكام خلال آجال معقولة[26]

3/ لم نصل الى الأهداف المتعلقة بإرساء مقومات المحكمة الرقمية[27]

كما نص الميثاق على هدف إحداث بوابة الإدارة القضائية وتقوية المواقع الإلكترونية للمحاكم في إطار تحديث خدمات الإدارة الإلكترونية القضائية وانفتاحها على المواطن، والحال أن المواقع الإلكترونية للمحاكم مهترئة تقنيا، لذلك نعتقد بضرورة دمج كل الخدمات القضائية للمحاكم على منصة موحدة وهي منصة محاكم “Mahakim.ma”.

فضلا عن أهداف ميثاق إصلاح منظومة العدالة، جاء المخطط التوجيهي للتحول الرقمي للعدالة 2020 بعدة برامج لا يتجاوز أفق إنجاز معظمها سنة 2023، منها ما تم إنجازه بالفعل ومنها ما ظل حبرا على ورق الى يومنا هذا، ومن بين الأهداف المهمة التي لم نحققها بعد:

  • تحقيق مفهوم المكتب الافتراضي للقاضي، والمكتب الافتراضي للنيابة العامة، والمكتب الافتراضي لكتابة الضبط؛
  • الوصول الى عقد الجلسات عن بعد؛
  • رقمنة المقررات القضائية وتنفيذها.

انطلاقا مما سبق، وبالرغم من الأشواط التي قطعناها والأهداف التي تم تحقيقها لا مناص من الاعتراف بأننا لا زلنا متأخرين في مجال رقمنة الإدارة عموما والإدارة القضائية خصوصا، لأن رقمنة القضاء تقتضي الانتقال به وبكل خدماته ومساطره من الحيز المادي الى الفضاء الرقمي، وعلى رأس هذه الخدمات التقاضي عن بعد، باعتباره التقاضي هو جوهر وجود المحكمة، إذ تستطيع من خلاله أن تبسط يد الحماية القضائية لكل من عصفت به رياح الجور والتعدي ولفحه فيح الحيف، أما الخدمات القضائية الأخرى وإن كانت تنطوي على أهمية بالغة فإنها تبقى مسائل ثانوية مقارنة مع التقاضي.

قائمة المراجع

أولا: باللغة العربية

الكتب والمقالات:

  • سعيد بوطويل: مشروع المحكمة الالكترونية بالمغرب “دراسة أولية في آليات المحكمة الالكترونية وأحكامها”، دار الافاق المغربية للنشر والتوزيع، المغرب الدار البيضاء، 2021.
  • رامي متولي القاضي: إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد- دراسة تحليلية مقارنة، مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، م 19 ع 2، 2022.
  • لحسن وانيعام: نقل 1200 سجين يوميا إلى محاكم البيضاء والمحاكمة “عن بعد” لتجاوز المشاكل، جريدة كش24.
  • المجلس الأعلى للسلطة القضائية: بلاغ بشأن احصائيات حول تفعيل المحاكمات عن بعد خلال النصف الأول من سنة 2021. cspj.ma/actualites/details?idact=6223 تم الاطلاع عليه بتاريخ 12 أبريل 2024.

النصوص القانونية:

  • مرسوم قانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها: الصادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020). الجريدة الرسمية: عدد 6867 مكرر، 29 رجب 1441 (24 مارس 2020)، ص1782.

مشاريع قوانين:

ثانيا: باللغة الإنجليزية

  • Mark Dillon, David Beresford: Electronic Courts and The Challenges in Managing Evidence: A View from Inside the International Criminal Court, International journal for court administration, vol. 6, no. 1, 2014, p 3. https://dx.doi.org/10.18352/ijca.132
  • United Nations Office of Drugs and Crime: Manual on Videoconferencing Legal and Practical Use in Criminal Cases, 2017, p25. unodc.org/documents/organized-crime/GPTOC/GPTOC2/MANUAL_VIDEOCONFERENCING.pdf
  • Justice (Ret.) J. Gary Hastings: “Views from the Bench” The Online Courtroom: Leveraging Remote Technology in Litigation, edited by Richard gabriel, Ken broda-bahm, ABA Book Publishing, USA Chicago.

ثالثا: باللغة الفرنسية

Cour d’appel de Nîmes. 4 décembre 2012. N° de RG : 11/05606, enregistrée sous le no 11/00801. Disponible sur : https://www.legifrance.gouv.fr/juri/id/JURITEXT000026964579.

[1] الثورة الصناعية الثالثة «The Third Industrial Revolution (3IR)»: هي مرحلة بدأت في أوائل خمسينيات القرن العشرين، وقد ظهرت نتيجة اكتشاف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتمثلت في الانتقال من التكنولوجيا الإلكترونية الميكانيكية والتماثلية «Analog» الى الإلكترونيات الرقمية، عرفت هذه المرحلة انتشار أجهزة الكمبيوتر وأجهزة التسجيل الرقمي …إلخ.

[2] الثورة الصناعية الرابعة «The Fourth Industrial Revolution (4IR)»: بدأت هذه الثورة سنة 2011 وارتكزت بشكل كبير على الثورة الرقمية (الثورة الصناعية الثالثة)، وتشير هذه الثورة الى دمج وتأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء …إلخ في نمط حياتنا، واختراق هذه التكنولوجيات لمختلف المجالات والممارسات. وتجدر الإشارة الى أننا على مشارف نهاية هذه الثورة، ونحن نتطلع الى ثورة جديدة وهي الثورة الصناعية الخامسة.

[3]                    مثال ذلك ما جاء في الرسالة الملكية الى المشاركين في المؤتمر الدولي للعدالة بمراكش 2019: ” ندعو لاستثمار ما توفره الوسائل التكنولوجية الحديثة من إمكانيات لنشر المعلومة القانونية والقضائية، وتبني خيار تعزيز وتعميم المادية الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية، والتقاضي عن بعد، باعتبارها وسائل فعالة تسهم في تحقيق السرعة والنجاعة، (…)، مع الحرص على تقعيدها قانونيا، وانخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي “.

[4] أهمها مجال المجال الديني، فللقضاء أحكام في الشريعة الإسلامية، وللقاضي ولمجلس القضاء شروط وصفات وضعها الفقهاء استنادا الى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومقاصد الشريعة.

[5] مع مراعاة المادة 25 من 38.15 التي تشير الى اعتماد المحاكم على الإدارة الإلكترونية للإجراءات والمساطر القضائية، وبالرغم من أن هذا النص القانوني لا يمكن أن نعتبره إطارا تشريعيا أو نصا مؤطرا فإن لفظ الإيحاء الذي ورد فيه يستفاد منه خروج المشرع من دوامة التفكير والتنظير نحو التخطيط لتفعيل المحكمة الرقمية وتحقيق مفهوم الإدارة الإلكترونية القضائية.

[6] بالرغم من حداثة فكرة المحكمة الرقمية إلا أن الساحة القانونية لا تفتقر الى تعريف يحدد مغزاها ومدلولها. وقد عرفها بعض الباحثين بأنها “محكمة افتراضية تعتمد على شبكة الإنترنت، وتوفر يوميا على مدار الأسبوع إمكانية الولوج الى خدماتها، والى السجلات والمعلومات المرتبطة بها كجدول الجلسات، وتتوفر على قاعات حديثة مجهزة بتقنيات عقد الاجتماعات عن بعد، والافصاح الالكتروني، وآليات العرض الرقمي، بالإضافة الى الدعم الذي توفره آليات المعالجة الالكترونية فيما يتعلق بالقضايا التي تتسم بضخامة الحجم” (المصدر: Mark Dillon, David Beresford: Electronic Courts and The Challenges in Managing Evidence: A View from Inside the International Criminal Court, International journal for court administration, vol. 6, no. 1, 2014, p 3. https://dx.doi.org/10.18352/ijca.132).

[7] مسودة مشروع قانون 27.21 المتعلق برقمنة الإجراءات القضائية: للاطلاع عليه أنظر https://www.juridika.ma/%D9%85%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%8A%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%82-%D8%A8%D8%B1%D9%82%D9%85%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D8%A7

[8] نص في الفقرة السادسة من المادة 81 على أنه “تنقل محتويات السجل فورا الى سجل إلكتروني وطني وجهوي للحراسة النظرية…”، ومعنى ذلك أن السجل الإلكتروني يستعمل لتخزين ما تم تقييده ورقيا، ولو ان المشرع يقصد اعتماد السجل الإلكتروني في عملية التقييد وعملية التخزين معا لنص على ذلك صراحة.

[9] تنص هذه المادة على ما يلي: “إذا كانت هناك أسباب جدية تؤكدها دلائل على أن حضور الشاهد للإدلاء بشهادته أو مواجهته مع المتهم من شأنها أن تعرض حياته أو سلامته الجسدية أو مصالحه الأساسية أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو سلامتهم الجسدية للخطر أو مصالحهم الأساسية؛ جاز للمحكمة بناء على ملتمس النيابة العامة أن تأذن بتلقي شهادته بعد إخفاء هويته بشكل يحول دون التعرف عليه. كما يمكنها الإذن باستعمال الوسائل التقنية التي تستعمل في تغيير الصوت من أجل عدم التعرف على صوته؛ أو الاستماع إليه عن طريق تقنية الاتصال عن بعد”.

[10] حق المواجهة “The principle of contradictory” مفاده مواجهة الشهود أو المجني عليه مع بعضهم بعضا أو مع المشتبه فيه. وتجدر الإشارة الى أن بعض الدول تمنع استخدام هذه التقنيات المتعلقة بحجب الشهود أو المجني عليهم بحجة أنها تعتبر تقييد لحق -أو مبدأ- المواجهة بين المشتبه فيه والشهود، كما سيمنع القضاة من تكوين انطباع على الشاهد أو المجني عليه والتفرس في سماته الجسدية. (المصدر: United Nations Office of Drugs and Crime: Manual on Videoconferencing Legal and Practical Use in Criminal Cases, 2017, p25. www.unodc.org/documents/organized-crime/GPTOC/GPTOC2/MANUAL_VIDEOCONFERENCING.pdf). ومن جانبنا نرى بأن إخفاء وجوه الشهود والمجني عليهم لن يحول دون تمكين القاضي من مراقبة سماتهم الجسدية ولغة أجسادهم إذا ما تم حجب وجوههم وتغيير أصواتهم بتقنيات تمنع فقط المشتبه فيه -أو المتهم- من التعرف عليهم ولا تمنع القاضي من ذلك، أما عن تقييد مبدأ المواجهة، فإن هذا المبدأ يعد من ضمانات المحاكمة العادلة، وهو الحجة الوحيدة التي يمكن الاستناد إليها لمنع حجب الشهود والمجني عليه عن المشتبه فيه.

[11] يكتسي تسخير وسائل الاتصال عن بعد في المحاكمة الجنائية أهمية تفوق المحاكمات المدنية. لذلك يرى بعض الباحثين بأن للمحاكمة الجنائية الإلكترونية بعد إنساني أيضا، لأنها ستحافظ للسجناء بصفة عامة على كرامتهم بالاستغناء عن اقتيادهم الى المحكمة في سيارات الشرطة وسط حراسة مشددة أمام غيرهم من المواطنين (المصدر: سعيد بوطويل: مشروع المحكمة الالكترونية بالمغرب “دراسة أولية في آليات المحكمة الالكترونية وأحكامها”، دار الافاق المغربية للنشر والتوزيع، المغرب الدار البيضاء، 2021، ص138). ونحن نتفق مع هذا الرأي، فالمحاكمة الإلكترونية لها بعد تكنولوجي يتمثل في تسخير الوسائل التكنولوجية الحديثة في المحاكمة، وبعد اجتماعي وإنساني يتمثل في حفظ ماء وجه المتهم تكريسا لمبدأ قرينة البراءة، أضف الى ذلك أن لها بعد اقتصادي يتجلى في التقليص من النفقات. فتقنيات التقاضي عن بعد توفر على الدولة تكاليف نقل السجناء وتُستبدل بتكلفة بسيطة تتعلق بالأجهزة الرقمية المستعملة للتقاضي (رامي متولي القاضي: إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد- دراسة تحليلية مقارنة، مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، م 19 ع 2، 2022، ص378. https://doi.org/10.36394/jls.v19.i2.11). ولا مرية أن تكاليف نقل المعتقلين الى المحاكم تشكل عبء على خزينة الدولة. والمغرب كنموذج -وحسب إحصائيات رسمية- يعرف فيه نقل السجناء الى المحاكم تزايد ناهز حوالي 1200 معتقل يتم نقله يوميا الى المحكمة الزجرية ومحكمة الاستئناف بالدار البيضاء فقط، وهو ما يتطلب قوافل من الناقلات، وحشد للقوة العمومية، وما يرافق ذلك من متاعب الخفر والحراسة والنقل (كلمة لمحمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2022، المصدر: لحسن وانيعام: نقل 1200 سجين يوميا إلى محاكم البيضاء والمحاكمة “عن = = بعد” لتجاوز المشاكل، جريدة كش24، تم الاطلاع عليه بتاريخ 11 يوليوز 2024). فضلا عن وجود هذه الأعباء في باقي المدن، فما الدار البيضاء إلا نموذج.

[12] بالرغم من أن المشرع نص في مسودة قانون الوسائط على اشتراط وجود أسباب جدية تحول دون حضورهم أو لبعدهم عن مكان التحقيق، ولكن تبقى هذه الحالة أوسع من الحالة التي أوردها المشرع في مسودة قانون المسطرة الجنائية.

[13] هذا ما أشرنا له في هذا البحث بمنصة المحكمة الرقمية أو المنصة الرقمية.

[14] الملاحظ هو أن المشرع المغربي في المادة 628 من مشروع ق.م.م قد نص -على غرار ما نص عليه المشرع الإماراتي في المادة 331 من قانون الإجراءات المدنية- على أن اعتماد الوسائل الإلكترونية في عقد الجلسات يرجع الى تقدير المحكمة، وذلك متى تبين لها توفر الشروط التقنية اللازمة، وحري بالمشرع ألا يكتفي بالشروط التقنية فحسب وإنما أن يأخذ بعين الاعتبار الشروط المتعلقة بالمتقاضين أيضا، فليس من الأصوب إلزام المتقاضي من المثول أمام المحكمة دون حسبان لما إذا كان المتقاضي يقدر على ذلك أم لا، اللهم إلا إذا كان المشرع ينطلق من فكرة أن القضايا غالبا ما يُنصب فيها محام، وأن هذا الأخير عليه يُلزم بالتواصل مع المحكمة عن بعد، وبالرغم من ذلك يجب ألا يغفل المشرع عن الحالات التي جوز فيها القانون للمتقاضي أن يلجأ للمحكمة دون تنصيب محام.

[15] قد تتوفر هذه التقنيات اللازمة لعقد الجلسات عن بعد عند بعض أطراف الدعوى دون الآخر، وهذا ما يستدعي اعتماد نمط المحاكمات الهجينة “Hybrid Trials” عند الاقتضاء. وعرف بعض الباحثين المحكمة الهجينة كالآتي “هي المحاكمة التي يكون أحد أطرافها حاضرا بشكل مادي وأحد أطرافها حاضرا بشكل افتراضي (أي عن بعد)” (المصدر: Justice (Ret.) J. Gary Hastings: “Views from the Bench” The Online Courtroom: Leveraging Remote Technology in Litigation, edited by Richard gabriel, Ken broda-bahm, ABA Book Publishing, USA Chicago, p63). نعتقد بأن هذا النمط سيكون حلا للحالات التي يتعذر فيها على أحد الأطراف أن = = يمثل أمام المحكمة عن بعد، أضف الى ذلك، إن اعتماد نمط التقاضي عن بعد بشكل إلزامي سيصيب طائفة من المتقاضين بالحيف، بحكم عدم توفر الوسائل الإلكترونية -أو الدراية الكافية بها- للجميع.

[16] Cour d’appel de Nîmes. 4 décembre 2012. N° de RG : 11/05606, enregistrée sous le no 11/00801. Disponible sur : https://www.legifrance.gouv.fr/juri/id/JURITEXT000026964579.

[17] كما يلزمه بتبادل المستندات إلكترونيا مع المحكمة إذا ما عقدت جلساتها بطريقة إلكترونية.

[18] التي يتم إنشاؤها بعد ملء استمارة التسجيل وإرسالها الى الجهة المعنية، وبعد التحقق من هوية المحامي.

[19] دون خدمة التقاضي التي نرى بعدم إمكانية مركزتها، فبالرغم من أن هذه الفكرة تبدو ذات جدوى على المستوى العملي، لأن تقسيم العمل على كل محاكم المملكة سيعمل على تجاوز مشكلة تراكم القضايا في بعض المحاكم وفراغ محاكم أخرى، على سبيل المثال إذا كانت المحكمة الابتدائية بسلا تعج بالقضايا الزجرية، والمحكمة الابتدائية للرباط تكتظ بقضايا الأحوال الشخصية، والمحكمة الابتدائية بطنجة تمتلئ بقضايا التحفيظ العقاري، وبعض المحاكم الأخرى تعرف نسبة قليلة في كل القضايا، فيمكن تقسيم العمل على كل هذه المحاكم بشكل متساوي قصد تجنب إغراق إحدى المحاكم بالقضايا، بيد أن هذه الفكرة جد صعبة لعدة اعتبارات، من بينها أن الوسائل التكنولوجية -على الأقل في يومنا هذا- لا تمنحنا الثقة الكافية لنعتمدها في مركزة عمل المحاكم، كما أن بعض القضايا في بعض الحالات ستحتم على القضاء أن يلجأ الى الاستدعاء الشخصي للمتقاضين، ومن الحيف أن نكبد المتقاضين عناء السفر الى محاكم أخرى غير المحكمة المختصة محليا، اضف الى ذلك أن الدول التي اعتمدت التقاضي عن بعد لم تستغني عن قواعد الاختصاص المحلي، مثال ذلك المشرع الأمريكي الذي يعتمد بشكل كبير على محل إقامة المدعي والمدعى عليه لتحديد الاختصاص المحلي، سواء في قانون الإجراءات المدنية الفيدرالي، أو في قوانين الإجراءات المدنية لمختلف الولايات، وكذلك فيما يتعلق بالمشرع الإماراتي الذي حافظ على هذه القواعد في الفصل الثالث من الكتاب الأول من قانون الإجراءات المدنية.

[20] سعيد بوطويل: مرجع سابق، ص37.

[21] مرسوم قانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها: الصادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020). الجريدة الرسمية: عدد 6867 مكرر، 29 رجب 1441 (24 مارس 2020)، ص1782.

[22] المجلس الأعلى للسلطة القضائية: بلاغ بشأن احصائيات حول تفعيل المحاكمات عن بعد خلال النصف الأول من سنة 2021. www.cspj.ma/actualites/details?idact=6223 تم الاطلاع عليه بتاريخ 12 أبريل 2024.

[23] فمن مزاياها السرعة وتبسيط التقاضي؛ الجودة وترشيد الزمن القضائي؛ تقريب القضاء من المواطن؛ قلة التكلفة؛ فعالية التبليغ الالكتروني؛ تكريس مبدأ علنية الجلسات؛ ترسيخ الشفافية ومكافحة الفساد.

[24] العراقيل التقنية؛ التكلفة الباهظة لتنزيل هذا المشروع؛ اتساع الفجوة الرقمية حاليا وزيادة تمددها مع دخولنا في مرحلة الذكاء الاصطناعي؛ بالإضافة الى ذلك يوجد من التحديات ما من شأنه أن يعترض للمحكمة الرقمية إبان عملها ويقلل من كفاءتها ونجاعتها، كهشاشة الأمن السيبراني وإمكانية انتهاك الخصوصية؛ غياب هيبة المحكمة في أفئدة المتعاملين معها. كما تستند المحكمة الرقمية الى مقومات قانونية تتمثل ترسانة تشريعية تؤطر عملها وتوفر لها الحماية القانونية، بالإضافة الى استنادها الى مقومات تقنية متعلقة بالمنصة الإلكترونية للمحكمة الرقمية؛ الشبكات الداخلية للمحاكم؛ الأجهزة الرقمية؛ البرامج الإلكترونية والحماية التقنية؛ إنشاء قواعد البيانات؛ أضف الى ذلك ارتكاز المحكمة الرقمية على مقومات بشرية تتعلق بضرورة تحقيق مفهوم القاضي المعلوماتي في القضاة؛ مفهوم المحامي المعلوماتي في المحامون؛ ومفهوم المواطن الرقمي في المتقاضين والمرتفقين؛ وقس ذلك على مختلف الفاعلين في المنظومة القضائية ومساعدي القضاء.

[25] – حوسبة محاضر الضابطة القضائية والتواصل الرقمي مع النيابات العامة الذي حُدد أجل تنفيذه في 2014-2015؛

–                  اعتماد وسائل الاتصال عن بعد في تنفيذ الإنابات القضائية والاستماع الى الشهود، ولم نحقق كليا هدف اعتماد التقنيات والوسائل التكنولوجية الحديثة في البحث والتحري وإنشاء بنيات مؤسساتية مساعدة على تطوير البحث الجنائي وإنشاء بنك البصمات الجينية الذي حدد أجل تنفيذهم في 2013-2014.

[26] – اعتماد إدارة قضائية إلكترونية كما هو محدد في الميثاق وفق آجل التنفيذ 2013-2020، فلم نحقق سوى حوسبة بعض المساطر والإجراءات القضائية ورقمنة بعض الخدمات القضائية المتعلقة ببعض المهن كالمحاماة والمفوضين القضائيين، وكل ذلك في ظل غياب نصوص قانونية مؤطرة؛

– وسائل الاتصال الحديثة لضبط وتسريع إجراءات التبليغ الذي حدد أجل تنفيذه في 2013-2014.

[27] لم نحقق معظم الأهداف المتعلقة بوضع المخطط المديري لإرساء مقومات المحكمة الرقمية الذي يعتبر آجل تنفيذها هو 2013-2020، وبالرغم من تحقيق البعض منها ولكن معظمها لا زال حبيس التنظير والتخطيط، ونذكر منها ما يلي:

  • تقوية البنية التحتية للأنظمة المعلوماتية للإدارة القضائية للمحاكم، والحال أننا لم نعمل بعد على إحداث نظام معلوماتي كامل للإدارة القضائية؛
  • الحوسبة الشاملة للمساطر والإجراءات القضائية، وواقع الأمر يشهد بأن الرقمنة قد شملت بعض المساطر والإجراءات القضائية فحسب؛
  • التخلي تدريجيا عن السجلات والمطبوعات الورقية المحررة يدويا، ومعلوم أننا لا زلنا نتشبث بالمحررات الورقية؛
  • استحداث خدمات الإنترانيت للعاملين بالإدارة القضائية؛
  • التواصل الإلكتروني بين الإدارة الإلكترونية والمهن القضائية، وقد تم تحقيق هذا الهدف فيما يتعلق بمهنة المحاماة والمفوضون القضائيون فحسب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى