في الواجهةمقالات قانونية

المصادر الاحتياطية للَّتشريع، دارسة عن دور المصلحة في تفسير النُّصوص العامة في قانون المعاملات المدنية السُّوداني. – الباحث الأَول – الدكتور محمد المدني، صالح الشريف، الباحث الثاني – الدكتور فيصل محمد محجوب،

المصادر الاحتياطية للَّتشريع، دارسة عن دور المصلحة في تفسير النُّصوص العامة في قانون المعاملات المدنية السُّوداني.
Supplementary Sources of Legislation: A Study on the Role of Interest in Interpreting General Provisions in the Sudanese Civil Transactions Law
الباحث الأَول – الدكتور محمد المدني، صالح الشريف،
الأستاذ المشارك بقسم القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة ظفار، سلطنة عمان.
الباحث الثاني – الدكتور فيصل محمد محجوب،
الأستاذ المساعد، بقسم القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة ظفار، سلطنة عمان.

ملخص الدارسة:
تهدف هذه الدارسة إلى الوقوف على دور المصلحة في فهم النُّصوص القانونية بغرض تطبيقها على الوقائع محل النِّزاع وما يستلزمه هذا الاجتهاد من عدم التَّمسك الحرفي بظاهرها للحد الَّذي يؤدي إلى مناقضة قصد المشرع من التَّشريع، وهو منهج وسط يوفق بين دلالات النُّصوص الظَّاهرة ومقاصدها التي تهدف إلى تحقيقها دون افراط أَو تفريط، حيث يُحيل إلى ظاهر النُّصوص تارة، وإلى معانيها تارة أُخرى بحسب مُقتضيات الحال، وهو ما يُعبر عن مشكلة البحث التي تمكن في الضَّوابط التي تحكُم مثل هذا الاجتهاد ممَّا يُثير العديد من التَّساؤلات حول الحالات التي يُحيل فيها القاضي في حِكمه إلى التَّشريع؟ والحالات التي يُحيل فيها إلى المصلحة؟ والضَّوابط التي يجب أَنْ يلتزم بها لتحقيق هذه المُوازنة؟ وقد تم الاعتماد في اعداد هذه الدارسة على المناهج المُتعارف عليها في مجال البحوث القانونية، كالمنهج الوصفي، والمنهج الاستقرائي، والمنهج التَّحليلي، والمنهج المقارن، وقد خلصت الدراسة إلى العديد من النتائج منها: تفسير النُّصوص القانون على ضوء المصالح التي شُرعت لأَجل تحقيقها في جلب المصالح، ودرء المفاسد يعطي التَّشريع الفعالية اللاَّزمة لتحقيق أهدافه العامة، والخاصة، ومنها: أَنَّه لا يجوز استبعاد النَّص الواضح الصَّريح بدعوى تحقيق المصلحة؛ لكون الالتفات إلى المصلحة يجب أَلاَّ يؤدي إلى التَّحلل من مقتضيات النُّصوص الواضحات وإلاَّ كان في ذلك اهداراً للتَّشريع.
الكلمات المفتاحية: المصلحة – ظاهر النَّص – مقصد النَّص – تخصيص النص.

 

 

 

 

 

Abstract
This study aims to examine the role of “interest” in understanding legal texts for their application to the facts of a dispute. This process requires a departure from a literal adherence to the text when such adherence would contradict the legislator’s intent. The methodology adopted here strikes a balance between the apparent meanings of the texts and their intended objectives without excess or deficiency. It sometimes relies on the literal wording of the texts and, at other times, on their underlying meanings, depending on the circumstances. This highlights the central problem of the study: determining the principles that govern such judicial discretion. This raises several questions, including: In which cases does the judge rely on legislation in their rulings? In which cases does the judge rely on public interest? What guidelines must be adhered to in achieving this balance?
The study utilizes well-established methodologies in legal research, including the descriptive, inductive, analytical, and comparative approaches. The findings of the study include the conclusion that interpreting legal texts in light of the interests they were enacted to achieve—whether in promoting benefits or averting harms—grants legislation the necessary effectiveness to achieve its general and specific objectives. Additionally, the study emphasizes that clear and explicit legal texts cannot be set aside under the pretext of pursuing an interest, as reliance on interest should not lead to a disregard of unequivocal legal provisions, which would otherwise undermine the integrity of the legislation.
Keywords: Interest – Apparent Meaning of the Text – Objective of the Text – Specification of the Text.

مقدمة:
يقتضي الحديث عن دور المصلحة باعتبارها أَحد المصادر الاحتياطية للتَّشريع أَنْ نتعرض لدورها في مجال اصدار الأَحكام القضائية، وفي هذا يُمكن القول من الأَهمية بمكان عند تفسير النُّصوص القانونية بغرض تطبيقها على الوقائع أَن تُفسر وفقاً للمصالح التي تهدف إلى تحقيقها وهو ما يبتعد بقواعد القانون عن التَّطبيق الآلي الَّذي يلتزم التزاماً صارماً بدلالاتها الظَّاهرة دون الالتفات إلى روحها، بجانب ذلك تُعدُ المصلحة أَحد المصادر الاحتياطية للتَّشريع حيث يُمكن للقاضي الاعتماد عليها في معالجة حالة الفراغ التَّشريعي حينما لا يجد في التَّشريع حلاً للمسألة المعروضة أَمامه، ومن جهة أُخرى قد تفرض متغيرات الحياة على القاضي أَنْ يخرج بعض الحالات من حكم النَّص القانوني العام لخصوصيتها وتفردها؛ لأنَّ المصلحة تقتضي ذلك، وهو من باب تخصيص النَّص العام بالمصلحة اعتماداً على دليل اجتهادي غير نصِّي، حيثُ تُستصحب فيه المحكمة المصلحة باعتبارها أَحد العوامل التي تؤثر فيما يجب فهمه من معاني الأَلفاظ ودلالاتها، وهو عمل يعتمد على علم القاضي بالقانون من حيث أَحكامه الجزئية، ومن حيث مقاصده الكلية التي ترشده إلى تقرير أَحكام أَقرب إلى العدل والإنصاف، وأَقرب إلى جلب المصالح ودرء المفاسد.
وباستقراء السَّوابق التي أَرساها القضاء السُّوداني نجد أنَّ هنالك الكثير من الأحكام القضائية التي ذهبت فيها محكمة الموضوع إلى استصحاب المصلحة في تقرير الحكم الَّذي ترى أنَّه منصفاً وعادلاً، وهو منهج يجد سنده في أنَّ رعاية المصالح والتَّوفيق بينها من مسوغات التَّأويل السَّليم الَّذي يستصحب رعاية المصلحة عند العمل بالقانون، بناءً على ذلك فإنَّ المصلحة تضحى من الأُمور واجبة المُراعاة عند النَّظر في تفسير القواعد القانونية بغرض تطبيقها على الوقائع ضماناً لانسجام الأَحكام القضائية مع مبدأ رعاية المصالح ودرء المفاسد الَّذي يُعدُ أَحد المبادئ العامة التي يجب أَنْ تستهدي وتسترشد بها المحاكم في فهمها للقانون، وهو ما سنتناوله بالشرح والتَّحليل في هذا البحث؛ ولكن قبل الولوج في ثناياه نُشير إلى عناصر هذه المقدمة بما يلي:
أولاً – مشكلة الدارسة: تكمن المشكلة الأَساسية لهذه الدراسة في عمومية النُّصوص القانونية في مقابل واقع الحياة الَّذي يتسم بالاختلاف ويحفل بالمُتغيرات على الدَّوام، مما يُثير العديد من التساؤلات، حول كيفية فهم النُّصوص العامة وتطبيقها على ضوء المصالح التي تهدف إلى تحقيقها؟ وما هي الآليات التي يجب على القاضي اتباعها للتَّوفيق بين الالتزام بالنُّصوص العامة، والالتزام بتحقيق المصلحة؟ وماهي ضوابط التَّأَويل التي يجب الالتزام بها عند الاعتماد على المصلحة كمصدر لاستنباط القاعدة، أَو القواعد القانونية التي يتم بموجبها الفصل في النزاع؟ ومتى يصبح تعليل الأَحكام بالمصلحة من قبيل التأَويل السائغ المقبول، ومتى لا يُعتبر كذلك؟
ثانياً – أهمية الدارسة: تستمد هذه الدراسة أَهميتها من الدَّور الَّذي تقوم به المصلحة في مجال العمل القانوني بصفة عامة، حيث يعمل المشرع على سن التَّشريعات لتحقيق مصالح المجتمع والأفراد، وبناءً على ذلك يصبح من الضَّروري أَنْ يعمل القاضي على تفسيرها بغرض تطبيقها على وقائع النزاع وفقاً لهذا المبدأ الكلي الَّذي يُعدُ أَحد المبادئ التي يرتكز عليها القانون برمته، حتى تكون أَحكامه منسجمة مع مبدأ جلب المصالح ودرء المفاسد، وصيانة الحقوق، والمحافظة عليها.
ثالثاً – أَهداف الدارسة: يمكن الإشارة إلى الهدف من هذه الدراسة بما يلي:
1/ لفت نظر الدَّارسين والمهنيين إلى أَهمية تفسير النُّصوص القانونية العامة بما يحقق مقاصدها دون الالتزام الحرفي بدلالاتها اللُّغوية الظَّاهرة؛ لكون جلب المصالح ودرء المفاسد يُعدُ من أَهم المقاصد التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من خلال سن التَّشريعات التي تنظم حياة المجتمع في مختلف جوانبها.
2/ شرح ضوابط الاجتهاد الفقهي السَّليم التي يجب أَنْ يتقيد بها الحُكم القضائي الَّذي يهدف إلى تحقيق التوازن المطلوب بين الالتزام بظاهر النُّصوص وبين تحقيق مقاصدها التي شُرعت من أَجلها والتي تُعتبر رعاية المصلح واحدة منها.
3/ جمع شتات المادة العلمية المُتعلِّقة بتفسير النُّصوص القانونية العامة على ضوء المصالح التي شُرعت لأَجل تحقيقها، والمُتعلِّقة بالعمل بالمصلحة باعتبارها أَحد المصادر الاحتياطية للتَّشريع التي يلجأ إليها القاضي في التماس الحلول المناسبة في حالة الفراغ التَّشريعي، والمُتعلِّقة بالعمل بالمصلحة كأَحد مخصصات النَّص العام عند الحاجة إلى تخصيصه.
رابعاً – منهج الدارسة: تم اتباع عدد من المناهج في اعداد هذه الدراسة لعل أَهمها المنهج الوصفي، والمنهج الاستقرائي، والمنهج الاستنباطي، والمنهج التَّحليلي، والمنهج المقارن؛ وذلك بغرض عرض موضوع الدراسة وشرحه وتحليله واستخلاص نتائجه، بصورة علمية.
خامساً – خطة الدراسة: اقتضت متطلبات البحث في موضوع هذه الدراسة تقسيم مادتها العلمية إلى ثلاثة مطالب تناول المطلب الأَول: تعريف المصلحة وترتيبها بين مصادر التَّشريع، بينما تناول المطلب الثاني: تعليل الأَحكام بالمصلحة، أَما المطلب الثالث: فعن: دور المصلحة في تقرير الأَحكام القضائية.
المطلب الأول
تعريف المصلحة وترتيبها بين مصادر التَّشريع
يتناول هذا المطلب التعريف بالمصلحة، وترتيب العمل بها بين مصادر التَّشريع على مستوى الأحكام الشَّرعية والقانونية؛ وذلك من خلال فرعين:

 

الفرع الأَول
تعريف المصلحة
عرَّف علماء الأُصول المصلحة بعدة تعاريف، منها: “المنفعة التي قصدها الشَّارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ونفوسهم، وعقولهم، ونَسلهم، وأَموالهم، وفق ترتيب معين في العمل بها عند تعارضها فيما بينها”( ) ومن هذه التَّعاريف: المصلحة هي جلب المنفعة، أَو دفع المضرَّة”( ) وتعبيراً عن هذا المعنى قال الإمام أَبي اسحق الشَّاطبي في كتابه الموافقات: “أَنَّ وضع الشَّرائع إنَّما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً”( ) وهو يقصد بالعاجل الحياة الدنيا، وبالآجل الحياة الأُخرى.
تنقسم المصلحة عند علماء الشَّريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام: مصلحة معتبرة وهي لا حصر لها، ويدخل في معناها كلما أَمر به الشَّارع الحكيم، ومصلحة ملغاة وهي التي نهى عنها الشَّارع الحكيم وشهد لها بالبطلان كالمصلحة العائدة على المرابي بزيادة ماله، والمصلحة من الخمر والميسر، ومصلحة مسكوت عنها، وهي المصلحة التي لم يشهد لها الشَّارع الحكيم بالاعتبار، أَو الإلغاء؛ ولكنَّ يتوفر دليل يشهد على أنَّها مُحققة لمقصود الشَّارع، دون أَنْ يتناولها بخصوصها”( ) وهي ما تسمى في عرف علماء الأُصول بالمصلحة المرسلة، ففي بعض الحالات قد يسكت الشَّارع الحكيم في أَحكام الشَّريعة عن أَمر فيه جلب مصلحة ظاهرة، أَو دفع مفسدة ظاهرة فلا يأمر به ولا ينهى عنه، وحينئذ يجوز الأمر به، أَو النَّهي عنه عند تحقق شروط محددة؛ وبهذا تكون هذه المصلحة مما يُمكن الاعتماد عليها في استنباط الحُكم الشَّرعي( )
كما يُمكن للقاضي في نظم التَّشريع الوضعية الاعتماد على المصلحة في استنباط القواعد القانونية التي يفصل بموجبها في المنازعات المطروح أَمامه، خاصة في الحالات التي يغفل فيها المشرع عن تنظيم مسألة يكون في الأَخذ بها تحقيق مصلحة ظاهرة، أَو دفع مضرَّة ظاهرة، مما يستلزم من القضاء سد الثَّغرات القانونية باجتهاداته المبنية على المبادئ التي يقوم عليها التَّشريع بصفة عامة بما في ذلك مبدأ درء المفاسد وجلب المصالح اَّلذي يُعدُ أَحد أَهم الأُسس التي يقوم عليها أَي تشريع.
وحينما يُلاحظ المجتهد في أَحكام الشَّريعة الإسلامية، أو القاضي في نظم التَّشريع الوضعية للمصلحة عند تفسيره للنُّصوص العامة فهذا يعني العمل بروح التَّشريع في بعض الحالات، والعمل بروح التَّشريع وبمنطوقه في حالات أُخرى، وهو اجتهاد يُراعي حكمة التَّشريع ومقاصده في فهمه للأحكام العامة( ) بغرض تطبيقها في الواقع العملي.

الفرع الثاني
ترتيب المصلحة بين مصادر التَّشريع
تقضي القاعدة العامَّة على مستوى العمل بالأدلة الشَّرعية، أَو القانونية بأنَّه لا يجوز استنباط الأحكام الشَّرعية، أو القواعد القانونية عن طريق المصلحة إلَّا إذا لم يكن هنالك نصَّ في التَّشريع يستند إليه المُجتهد، أَو القاضي عند حُكمه على الوقائع، واعترافاً من المشرع السُّوداني بدور المصلحة في استنباط القواعد القانونية في الحالة المُشار إليها، فقد جعلها من ضمن المصادر الاحتياطية للتَّشريع التي يعتمد عليها القاضي في الوصول إلى الحُكم العادل في القضيَّة في حالة عدم وجود نص يحكُم الوقائع؛ وذلك بما جاء بالفقرة (ب) من المادة (3) من قانون أُصول الأحكام القضائية السُّوداني لسنة 1983م ما نصَّه: “فإن لم يجد القاضي نصَّاً يجتهد رأيه ويهتدى في سبيل ذلك بالمبادئ التالية: ثم ذكر المصلحة من ضمن هذه المبادئ بقوله: “اعتبار ما يجلب المصالح ويدرأ المفاسد، وتقدير ذلك بما يتوخى مقاصد الشَّريعة وأغراض الحياة الشَّرعية المتكاملة في ظروف الواقع الحاضر وبما لا تلغيه نصوص الشَّريعة الفرعية” حيث وضع المصلحة في المرتبة الثالثة بين هذه المصادر؛ وبهذا يتبيَّن أنَّ المشرع في نظم التَّشريع الوضعية يقر المصلحة كوسيلة لإصدار الأَحكام القضائية ويعدها أَحد طرق استنباط القواعد القانونية التي تحكُم النّزاع في الحالات التي تقتضي العمل بهذه الوسيلة، أي في حالة عدم وجود نص بالتَّشريع يحكم الوقائع، وفي الواقع توجد الكثير من الحالات التي يلجأ فيها القضاء إلى استنباط الحُكم الَّذي يطبقه على الوقائع استناداً إلى المصلحة عند عدم وجود نص ينظمها في القانون؛ وذلك بهدف المحافظة على حقوق الأَفراد، والتَّرجيح بين مصالحهم عند تعارضها، واحقاق الحقوق، ورد المظالم إلى أهلها، وغيرها من الاعتبارات.
المطلب الثاني
تعليل الأَحكام بالمصلحة
يتضمن هذا المطلب فرعين، تناول الفرع الأَول: التَّعريف بتعليل الأَحكام، بينما تناول الفرع الثاني: رأي جمهور علماء الأصول، وفقهاء القانون في تعليل الأحكام بالمصلحة؛ وذلك بما يلي:

الفرع الأَول
التعريف بمفهوم تعليل الأَحكام
يقتضي الحديث عن الرأي القانوني والرأَي الشَّرعي في تعليل الأَحكام بالمصلحة أَنْ نُشير بإيجاز إلى أنَّ المقصود بتعليل الأَحكام بيان عِلَّة الحُكم، أي سببه ثم أنَّ معرفة العِلَّة التي بُني عليها الحُكم العام قد تكون عن طريق المشرع حينما ينص عليها بالتَّشريع، أو عن طريق الاستنباط من قبل المجتهدين، والقضاة، وبما أَنَّ المصلحة تمثل أَحد عناصر حكمة التَّشريع؛ لذلك من المهم أنْ نُشير إلى الفرق بين سبب الحُكم، وحِكمة المشرع من شِرعة الحُكم، فسبب الحُكم هو الوصف الظَّاهر المنضبط الموجب للحُكم، ومتى ما وُجِد سبب الحُكم تحققت الحِكمة المقصودة للشَّارع من سن الحُكم وتقريره، سواء تمثلت هذه الحِكمة في المصلحة المبتغاة من الحكم، أَم في غيرها، مما يعني أَنَّ سبب الحُكم هو الضَّابط أَو الأَمارة الدَّالة على وجود الحِكمة من شِرعة الحُكم، أما الحِكمة من شِرعة الحُكم فيريدون بها مقصود الحُكم وغايته التي شُرع لأجلها، أَي الباعث على تقريره، وبعبارة أخرى أنَّ الحِكمة هي المصلحة المقصود جلبها، أَو المضَّرة المقصود دفعها، ويطلق علماء الأصول على الحِكمة عدة مسميات، منها المصلحة، والمقصد، والغاية، والغرض، والباعث، والحامل، والدَّاعي، والمغزى( ).
يتبيَّن ممَّا سبق أنَّ الفرق بين حِكمة الحُكم، وسبب الحُكم، أنَّ الحِكمة هي الباعث على تقرير الحُكم؛ إذ لولاها لما كان الحُكم، بينما سبب الحُكم، هو العلامة الدَّالة على كيفية وجوده وظروف تطبيقه في الواقع( ) والتَّعليل بالحِكمة تعليل بالمقصود من شِرعة الحُكم، بينما التَّعليل بسبب الحُكم تعليل بما هو وسيلة للحُكم( ).
الفرع الثاني
تعليل الأَحكام بالمصلحة
الرأي الغالب في تعليل الأَحكام عند علماء الأصول أنَّ الأحكام تُعلل بأسبابها، أي بالأوصاف الظَّاهرة المنضبطة لاعتقادهم أَنَّ ذلك يؤدي إلى توفر خاصية الحسم والوضُوح في وضع الأحكام وسن القوانين العامة؛ ويحول دون اضطرابها وتخبطها، ويُجنب التَّشريع الميوعة والفوضى( ) لكون المجتمع لا يستطيع حفظ مصالحة وادامة وجوده إلَّا بقوانين معيارية واضحة يسير على هديها ويتقيد بضوابطها؛ وذلك بخلاف التَّعليل بالحِكمة لعدم انضباطها وخفائها في بعض الحالات، وفي هذا قال الامام الشاطبي: “نَصَّب الشَّارع المظنَّة في موضع الحِكمة ضبطاً للقوانين الشَّرعية”( ) وهو يقصد بالمظنَّة الأسباب الظَّاهرة المنضبطة، كما قال الفخر الرازي: “استقراء الشَّريعة يدل على أنَّ الأحكام مُعللة بالأوصاف لا بالحِكم”( ) وقال ابن الهمام: “الحُكم يدور مع العِلَّة لا الحِكمة”( )
وقد سلك المُشرع السوداني كغيره من نظم التَّشريع الوضعية نفس هذا المسلك حيث يعتمد في تقريره للأَحكام العامة على الأَسباب الظَّاهرة القابلة للقياس والتَّقويم، وتأسيساً على هذا المنهج تبنَّى العمل بالعديد من النَّظريات، منها نظرية الوضع الظَّاهر في العقد الباطل التي تهدف إلى حماية الشَّخص حسن النّية الذَّي اعتمد على ما هو ظاهر في تعامله، استناداً على أنَّ القانون يعتمد في تنظيمه للحياة على المظاهر المادية القابلة للإدراك بالحس والضبط والتَّقويم، دون البحث عن النَّوايا المستكنَّة في الصّدور( ) ولهذا نصت الفقرة (1) من المادة (116) من قانون المعاملات المدنية السُّوداني لسنة 1983 بأَنَّ: “لدائني المتعاقدين والخلف الخاص في العقد الصوري أَنْ يتمسكوا به متى كانوا حسني النّية، كما لهم أَنَّ يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الَّذي أَضر بهم” ثم نصت الفقرة (2) من نفس المادة على أنَّه: “إذا تعارضت مصالح ذوي الشَّأن فتمسَّك بعضهم بالعقد الظَّاهر، وتمسَّك الآخرون بالعقد المستتر كانت الأفضلية للأولين” فكان تفضيل المشرع للأولين عند تعارض مصالح ذوي الشَّأن بسبب تمسكهم بالعقد الظَّاهر، حيث غلَّب مصلحة من يتمسك بالظَّاهر لتماهي وضعه مع الفلسفة التي يقوم عليها القانون في بناء الأحكام على مناطات ظاهرة ومُنضبطة.
كذلك من تطبيقات بناءً الأحكام على أسبابها الظَّاهرة والمنضبطة، أي على عللها التي تخضع للقياس والتَّقويم أنَّ العقد لا ينعقد إلَّا بعد رضا المتعاقدين، والرضا يمثل حِكمة المشرع بالحُكم على صحة العقد الَّذي اتفق عليه الطَّرفان؛ ولكن الرِّضا أمرٌ باطني يعسُر الحُكم بتوفره، فأقام المشرع تطابق القَبول مع الإيجاب مقام الرضا الدَّال على انعقاد العقد؛ لكون تطابق القَبول مع الايجاب يدل على مظنَّة الرضا، وهو ممَّا يُمكن الحُكم على وجوده، أو عدم وجوده، وفقاً لمعايير ظاهرة ومنضبطة من خلال تحقق المحكمة من الوقائع المادية التي تدل عليه؛ كذلك رضا المشتري بالمبيع المعيب دليل على ثبات العقد ولزومه، وهو ما يمثل حِكمة المشرع في الحُكم بعدم قابليته للفسخ، وبما أنَّ الرضا أَمرٌ عسير في التَّثبت منه؛ لكونه من الأُمور الباطنة؛ لذلك فإنَّ المشرع أقام استعمال المشتري للمبيع المعيب، أَو تصرفه فيه مقام الرضا به، ومن ثم سقوط خياره بفسخ العقد، ويُمكن الحُكم برضا المشتري بالمبيع في هذه الحالة من خلال تحقق المحكمة من الوقائع المادية التي تثبت استعماله، أَو تصرفه فيه بأي نوع من أَنواع التَّصرف كالبيع أَو المقايضة، أَو الرَّهن( ).
كما علق قانون الأحوال الشَّخصية الحُكم بتحقق الخَلوة بين الزَّوجين، ومن ثم ترتيب آثارها الشَّرعية والقانونية بوجودهما معاً في مكان خاص لا يشاركهم فيه أَحد، ولم يُعلّقها بالمباشرة الفعليَّة لمعنى الدخول؛ لأَنَّ وجودهما معاً في حالة من الخَلوة بمكان واحد له مظهر مادي يمكن ضبطه والتَّحقق منه، بخلاف المباشرة الفعليَّة لكونها مما يتعذر التَّحقق منها واثباتها لحرمة ذلك، وتتمثل الحِكمة من الحُكم بالدخول في هذا المثال في الآثار الشَّرعية والقانونية التي تترتب عليه، وهي وجوب المهر كاملاً، بينما يتمثل سبب الحُكم بحصول المباشرة بين الزَّوجين بوجودهما في مكان لا يشاركهما فيه غيرهما، ومنه – أَيضاً – أنَّ الحُكم بحق الشُّفعة للشَّريك في العقار مناطه، أَي سببه بيع الشَّريك نصيبه لأَجنبي عن الشَّراكة وليس الضَّرر المحتمل من الشَّريك الجَّديد، ومن ثم فإنَّ سبب الحُكم بالشُّفعة يتعلق بواقعة البيع، وهي مناط ظاهر ومنضبط يُمكن للمحكمة التَّحقق من وجوده أو عدمه بمظاهره المادية( ) بينما الحِكمة من منح الشَّريك الحق في الشُّفعة، هي دفع الضَّرر عنه بسبب دخول الشَّريك الجَّديد معه في الشَّراكة، والضَّرر أًمرٌ محتمل قد يقع وقد لا يقع، وقد يصعب التَّحقق منه، فلا يصلح أَنْ يُعلَّق عليه الحُكم بأَحقية الشَّريك في الشُّفعة، بخلاف واقعة البيع التي يسهل التَّحقق منها واثباتها ومن ثم يدور معها الحُكم بحق الشريك في الشُّفعة وجوداً، وعدماً.
بناءً على هذا المنهج أَصدرت المحكمة العليا السُّودانية الكثير من الأَحكام التي علَّقت فيها حُكمها في الوقائع على أسباب ظاهرة ومنضبطة قابلة للقياس والتَّقويم منها: أنَّ الحكم بانتهاء وجوب النَّفقة على الأبناء الذكور يُشترط فيه بلوغ الفتي السّن التي يتكسب فيها أَمثاله في مجالات الرّزق المُختلفة( ) وليس بالضَّرورة أَنْ يتكسبوا فعلاً أَو يعثروا على العمل الَّذي يُناسبهم، ومنها أَنَّ معنى الاعسار المُسقط للنَّفقة في قضايا الأَحوال الشَّخصية مرتبط بقدرة المدين بها على الكسب وليس بكسبه الفعلي، فإنْ كان قادراَ على الكسب فلا يمكن اعتباره مُعسراَ وإنْ كان في واقع الحال كذلك؛ لكون القُدرة على الكسب قدرةٌ على الوفاء( ) وهو من باب ربط الأَسباب بمسبباتها، ومنها أَنَّ الحُكم على المستند بالتَّزوير يعتمد على وجود آثار مادية على المحرر تراها العين ويدركها الحس( ) ومنها ربط ثبوت المسؤولية القانونية للصَّحفي عندما ينشر خبراً يتبيَّن لاحقاً أنَّه غير صحيح بتسرعه، وليس بسوء نيته في نشره للخبر( ) فبنت المحكمة حكمها على التَّسرع وهو عمل مادي يمكن ادراكه بالحس، مع قابليته للقياس والتَّقويم، ولم تبنه على سوء النّية، لتعذر الاطلاع على نيات البشر؛ ولكون السلوك المعتاد للصَّحفي المعقول يفرض عليه أَنْ يتيقن من صحَّة ما يتلقاه من أَخبار قبل نشرها.
كما أَناط الشَّارع الحكيم في الشَّريعة الاسلامية وجوب الزكاة على بلوغ المال مقداراً معيناً مع حلول الحلول، وهو معيار ظاهر ومنضبط يمكن قياسه وتقويمه، ولم يَنِطه بالغني؛ لأنَّ للغنى معني نسبي ليس محل اتفاق بين جميع النَّاس فمن بلغ من الغني مستوى معين قد لا يراه غيره كذلك، وممَّا يُشابه ما سبق ذكره أَنَّ المشرع ينص على توفر الرُّشد في الشَّخص ببلوغه سن محدد يختلف تقديرها من نظام قانوني إلى آخر، كأنْ تكون ثمانية عشر سنة، أَو عشرين سنة؛ لكون هذه السن مظنَّة توفر الرُّشد في الانسان في غالب الأَحوال( )، ولم يربطه بالحِكمة من ذلك وهي أَنْ يبلغ الشَّخص قدراً من الوعي يمكَّنه من التَّصرف في أُمور حياته بعقلانية، لأَنَّ الوعي الذاتي والنضج العقلي ممَّا يتفاوت فيه الأَشخاص لاعتبارات ترتبط بظروف نشأتهم وبيئاتهم.
بناءً على ما سبقت الإشارة إليه يُمكن القَول أنَّ القاعدة العامة في العمل بالأَحكام – شرعية أكانت أَم قانونية – تقتضي تعليلها بالأوصاف الظَّاهرة؛ أَي بأسبابها الواضحة المُنْضَبطة؛ لكونها مناط واضح يُمكن تقرير الحُكم العام بناءً عليه، ومن ثم لا يجوز تعليلها مباشرة بالمصلحة التي قد تكون خفية وغير ثابته( ) ؛لكون التَّعليل بالمصلحة من قبيل التَّعليل بالحِكمة ومن المعلوم أنَّ الأحكام تدور مع عِلَّتها لا مع حِكمتها، وهو ما عبَّرت عنه المحكمة العليا السُّودانية في احدى أَحكامها بأنَّه: “لقد استقر القضاء على أَنَّه متى كان النَّصُّ واضحاً جلى المعنى قاطعاً في الدلالة على المُراد منه فإنَّه لا يجوز الخروج عنه، أَو تأَويله بدعوى الاستهداء بالحِكمة التي أَملته؛ لأَنَّ البحث في حِكمة التَّشريع، أَو دواعيه إنَّما يكون عند وجود غموض، أَو لَبس في النَّصّ ممَّا يكون معه القاضي مضطراً في سبيل التَّعرف على الحُكم الصَّحيح إلى تقصي الغَرض الَّذي رمى إليه ذلك النَّص والقصد الَّذي أَملاه؛ ذلك أَنَّ الأَحكام تدور مع عِلَّتها لا مع حِكمتها، ومن ثمَّ لا يجوز اهدار العِلَّة، والأَخذ بالحِكمة عند وجود نصٍّ واضحٍ ومحدّدٍ”( ).
واستناداً على أَهمية الالتزام بالنُّصوص الصَّريحة في دلالتها على معانيها، وعدم الركون إلى التَّعليل بالمصلحة في حالة وجود نص قاطع في الدلالة على معناه، أَنكر علماء الشَّريعة الاسلامية على الفقيه المالكي يحي بن يحي حينما أَفتي أَمير الأندلس عبد الرحمن بن الحَكم لما جامع أَهله في نهار رمضان بأَنْ يصوم شهرين متتابعين دون أَنْ يفتيه بعتق رقبة، ممَّا يعني أنَّه لم يتقيد بترتيب خيارات الكفارة التي نصَّ عليها حديث الرَّجل الَّذي واقع أَهله في نهار رمضان، معللاً فتواه بأَنَّ المصلحة تقتضي زجر الملك بالصَّوم دون العِتق لكون العِتق أَهون عليه لسعة ماله، وفي ذلك اجتهاد استناداً على المصلحة مع وجود النَّص الصَّريح الوارد في الحديث النَّبوي الشَّريف الَّذي يوجب في مثل هذه الحالة على من يستطيع عتق رقبة أَنْ تكون هي كفارته”( ) فإنْ لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، فإنْ لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً( ).
وممَّا يشابه الفتوى المُشار إليها ما جاء في قضية أَحوال شخصية رفعت أَمام القضاء السُّوداني، تتلخَّص وقائعها في أَنَّ محكمة الموضوع استبعدت العمل بمنشور صادر من رئيس القضاء السُّوداني مستندة فيما ذهبت إليه بأَنَّ المصلحة تقتضي عدم تطبيقه على وقائع النزاع المعروضة أَمامها؛ ولذلك قررت في حكمها بأَنَّه: “على الرَّغم من أَنَّ ما يصدر من رئيس القضاء يُعتبر تشريعاً يجب اتباعه إلَّا أَنَّها ترى في هذا المنشور ما يجعلها تتردد في العمل به لإصدار حكم تطمئن إليه النَّفس، ولا يصح مطلقاً أَنْ تصدر المحكمة حكماً لا تطمئن إليه؛ ولهذا ترى عدم الأَخذ به في هذه القضية، أَو ما يماثلها؛ لأنَّه قد استُقل استغلالاً بشعاً في التَّفريق بين الأَزواج( ).
في مرحلة لاحقة قضت المحكمة العليا السُّودانية بنقض هذا الحكم مقررة في ذلك ما نصَّه: “أَما ما جاء في الحكم الابتدائي من رفض المحكمة العمل بالمنشور وتطبيقه على وقائع النزاع، لا يعدو أَنْ يكون جهلاً من القاضي لوضعه كمنفذ للقانون … فمهمة القاضي هي تطبيق القانون سواء اقتنع بعدالته أَم لم يقتنع ولا يُشكل عدم اطمئنانه الشَّخصي سبباً مانعاً لتطبيقه، وله أَنْ يُبدي رأَيه في تدوين أَسباب حكمه، أَو في مقترحات للجهة التي لها حق التَّشريع( ).
المطلب الثالث
دور المصلحة في تقرير الأَحكام القضائية
يتكون هذا المطلب من ثلاثة فروع، تناول الفرع الأَول: تفسير النُّصوص القانونية على ضوء المصالح التي ترعاها، والفرع الثاني: استنباط القواعد القانونية عن طريق المصلحة، والفرع الثالث: تخصيص النَّص العام عن طريق المصلحة؛ وذلك على النحو التالي:

 

الفرع الأول
تفسير النصوص القانونية على ضوء المصالح التي ترعاها
إذا كان من الثابت أَنَّ للنُّصوص العامة – شرعية أكانت أم قانونية – مقاصد مصلحية تقف وراء سنها وشِرعتها، فمن الأهمية بمكان أَن تُفسر هذه النُّصوص على ضوء المصالح التي سُويت لأَجل رعايتها، والمحافظة عليها والتَّوفيق بينها عند تعارضها، فالمصلحة المعتبرة مقصد أساسي لكل تشريع، أَو يجب أَنْ تكون كذلك؛ لذلك يجب استصحابها عند تفسيره، أَي أَنْ تُؤخذ نصوصه بمقاصدها في درء المفاسد وجلب المصالح عند تطبيقها في الواقع دون الوقوف الحرفي عند المعاني الظَّاهرة لكلماتها وعباراتها، ومن ثم إذا كان النَّص يحتمل معنيين فيجب حمله على المعنى الَّذي يتفق مع مبدا جلب المصالح، ودرء المفاسد، دون المعنى الآخر، وهو نظر يجد سنده في أَنَّ الأحكام الشَّرعية، أَو القانونية تهدف إلى تحقيق مقاصد كلية ترتبط بمصلحة المجتمع بصفة عامة، كما تهدف إلى تحقيق مقاصد جزئية ترتبط بمصالح الأَفراد( ).
على أَنَّ الحديث عن أَثر المصلحة في فهم النُّصوص العامة بغرض تطبيقها في الواقع العملي، يستلزم التَّنبيه إلى أَنَّ مراعاتها لا تعني إلغاء النُّصوص الصَّريحة ومخالفة ما تقتضيه من معاني بدعوى تحقيق المصلحة؛ فالالتزام بمقتضيات النُّصوص الواضحة في دلالتها على معانيها أَمر واجب لا يمكن الحيدة عنه؛ ولكن ما هو مطلوب أَنْ يجري فهم النُّصوص العامة على ضوء المصالح التي ترعاها، وتعبيراً عن اهتمام فقهاء الشَّريعة الإسلامية بالعمل بالأَحكام الشَّرعية، وفقاً لغاياتها ومقاصدها قال ابن القيم رحمه الله: “فإنَّ الشَّريعة مبناها وأَساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحِكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرَّحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى الفساد، وعن الحِكمة إلى العبث، فليست من الشَّريعة، وإنْ أُدخلت فيها بالتأَويل”( ).
وفي نظم التَّشريع الوضعية يُمكن القول أَنَّ المشرّع يهدف من وراء سن القوانين بصفة عامة إلى تحقيق مصالح الأَفراد ورعايتها، والمحافظة عليها، وسوف نشير هنا – على سبيل المثال – إلى بعض النُّصوص القانونية الدَّالة على ذلك منها: إجازة المشرع السُّوداني للمالك أَنْ يشترط على المتصرف إليه عدم التَّصرف فيما آلت إليه ملكيته لفترة زمنية محددة وبشروط معينة؛ استثناءً على المبدأ العام الَّذي يقضي بحرية المالك في التَّصرف في ملكه كيف يشاء ما دام متقيداً بضوابطه القانونية؛ وذلك حينما يكون في العمل بهذا الشَّرط مصلحة مشروعة للمتصرف، أَو للمتصرف إليه، أَو الغير وذلك بما نص عليه بالفقرة (1) من المادة (805) من قانون المعاملات المدنية لسنة 2013م( ) ومنها توسُّع المشرع السُّوداني في مفهوم شروط قَبول الدَّعوى بما يشمل كل من له مصلحة فيها؛ ولهذا قضت محكمة الاستئناف السُّودانية بأنَّ: “من القواعد العامة في الإجراءات المدنية أَنَّ الشَّخص ولو لم يكن طرفاً في الدَّعوى جاز له الاستئناف ضد الحُكم الصَّادر في الدَّعوى إذا كان قد أُضير بذلك الحُكم بشرط أَنْ يكون الحُكم حجَّة عليه( ) ومنها – أَيضاً – إجازة المشرع السُّوداني للدَّائن أَنْ يرفع دعوى قضائية ضد مدين مدينه، وهي ما تُسمى بالدعوة غير المباشرة؛ لأَنَّ في ذلك مصلحة تعود على الدَّائن حيث يمكنه استيفاء دينه عند تقوية الضَّمان العام لمدينه( ) كذلك الأَمر قد يربط القانون بين مصلحة الأَفراد وتخويلهم حق الانضمام إلي الدَّعوى، أو الطَّعن فيها( ) وتطبيقاً لذلك قضت المحكمة العليا السُّودانية بأَنَّ: “طلبات الفحص يمكن أَنْ تقدم ممَّن له مصلحة في تقديمها … متى توافرت تلك المصلحة” مما يعني عدم حصر الحق في الدَّعوى على طرفي النّزاع( ).
وهكذا باستقراء النُّصوص القانونية بمختلف مسميات القوانين وتباين الوقائع والمواضيع التي تنظمها يتبيَّن أَنَّ رعاية المصالح أَحد المقاصد العامة لأَي قانون، ولو لم يُشر المشرع إلي هذا المقصد صراحة في نصوصه، ممَّا يحتم فهمها عند العمل بها على ضوء ذلك، وتأكيداً لهذا المعنى قضت المحكمة العليا السُّودانية بمناسبة نظرها في قضية تتعلَّق وقائعها بإغفال المدَّعى المطالبة بالتَّعويض في عريضة دعواه بأنَّ: “عدم المطالبة بالتَّعويض في عريضة الدَّعوى المتعلقة بالتَّعدي على العقار لا يمنع المحكمة من الحُكم به متى ما ثبت لديها أَنَّ عدم الاستجابة لطلب المدَّعي يُشكل اعتسافاً ويجافي قواعد العدالة والوجدان السَّليم”( ).
وبما أَنَّ المصالح بصفة عامة عرضة للتَّبديل والتَّغيير، والاختلاف من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى آخر؛ فإنَّ هذه السُّنة الكونية تقتضي أنْ يتغير الحكم الَّذي بُني على المصلحة تبعاً لتغيرها لتعلُّقه بها؛ ولذلك وجب أّنْ يدور معها وجوداً وعدماً، وتعبيراً عن هذا المعنى قضت المحكمة العليا السُّودانية بمناسبة نظرها في قضية إسقاط حضانة أنَّ: “مدار دعوى الحضانة هي مصلحة المحضونين وعلى القاضي أَنْ يبحث عن هذه المصلحة وهي أَمرٌ تقديري لا يخضع لمعايير وقوالب جامدة، وهذه المصلحة تتغير بتغيُّر الزَّمان والمكان والأحوال، سواء حال المدَّعي، أَو المدَّعى عليه، أَو المحضونين”( ) وبالمقابل قد يحمل وجود المصلحة المحكمة على الحُكم بما يناقضها؛ ولذلك قضت المحكمة العليا السُّودانية في قضية: “ت، ع” ضد “م، ع وآخرون” بأنَّ: “المناط في قَبول الشَّهادة طبقاً لأحكام الشَّريعة الإسلامية هو عدم توفر المصلحة لدى الشَّاهد فيما يشهد فيه، فإذا قامت المصلحة أَصبحت شهادته غير مقبولة ( )كما قد يمنع القانون بعض الأفراد من الانضمام إلى الدَّعوى لشبهة المصلحة غير المشروعة كالشَّهادة بين الأُصول والفروع وشهادة الزَّوجين لبعضهما البعض( ) ولنفس العِلَّة قد يمنع القانون بعض الأَفراد من اجراء بعض المعاملات المشروعة في أَصلها كمنع القضاة والمحامين من شراء الأَموال المتنازع فيها( )
الفرع الثاني
استنباط القواعد القانونية عن طريق المصلحة
بجانب تفسير النُّصوص العامة بغرض تطبيقها على الوقائع على ضوء المصالح التي تهدف إلى تحقيقها، والمفاسد التي تهدف إلى دفعها هناك دورٌ آخر للمصلحة حيث يجوز للمجتهد في أحكام الشّريعة الإسلامية، وللقاضي في نظم التَّشريع الوضعية الاعتماد عليها لكي يستنبط منها الحلول المناسبة للمسائل المعروضة أَمامه حينما لا يجد لها حلاً في التَّشريع؛ وذلك عند تحقق شروط معينة لعل أَظهرها أَنْ تشهد لها أُصول التَّشريع ومبادئه العامة بالاعتبار، والمتتبع لاجتهادات علماء الشَّريعة الإسلامية، وأَحكام القضاء بنظم التَّشريع الوضعية يجد أَنَّ الشَّواهد على أَثر المصلحة في استنباط الأدلَّة الشَّرعية، أَو القواعد القانونية في الحالات التي تقتضي الاعتماد عليها لإيجاد الحلول المناسبة لحل النزاع لا تنحصر فمن الأَمثلة على ذلك في الأَحكام الشَّرعية قول فقهاء الشَّريعة الإسلامية بصحة وصيَّة السَّفيه المحجور عليه إذا كانت وصيَّته في سبيل الخير؛ ذلك لأَنَّ المقصود بالحجر على السَّفيه المحافظة على ماله حتى لا يهدره في غير منفعة ويصبح عالة على غيره؛ ولكن لما كانت وصيَّته في سبيل الخير لا تتنافى مع هذا المقصود؛ لأنَّها لا تُفيد الملك إلَّا بعد موته استُثنيت من الأَصل العام الَّذي يقضي ببطلان تصرفاته لمصلحة جلب الثَّواب له مع عدم الاضرار به في حياته( ) وقس على ذلك الكثير من التَّصرفات التي يُلتفت فيها إلى اعتبار المقاصد، كالشَّرط الَّذي يرد في عقد بيع مؤجل الثَّمن بهدف منع المشترى من التَّصرف في المبيع حتى يوفي البائع بجميع ثمنه فشرط المنع من التَّصرف في هذه الحالة لا يتعارض مع الحجز على المبيع، لأَنَّ الحجز حينئذِ لا يستلزم منه تهديد مصلحة البائع في الحصول على ثمن المبيع نظراً إلى أَنَّ البيع بالمزاد يستلزم تطهير المبيع من كافة الضَّمانات التي تثقله ومنها امتياز البائع، فيستطيع البائع استيفاء حقه من ثمن البيع بالمزاد حسب مرتبته التي يخولها له الامتياز( ) وكل هذه الوقائع وما شابهها تستند المحكمة في الحُكم عليها على ما يُحقق المصلحة، وليس على قواعد القانون بصورة مباشرة لكون المشرع لم يتطرق إلى تنظيمها.
ومن الأَحكام القضائية التي استندت فيها المحكمة على المصلحة في حُكمها على الوقائع في موضع سكت فيه المُشرع عن تنظيم المسأَلة المطروحة أمامها ما قضت به محكمة الاستئناف بالخرطوم في قضية تتلخَّص وقائعها في طلب الدَّائن الدخول في المُزايدة الخاصة ببيع عقار مدينه بما نصَّه: “رغم أَنَّ القانون لم ينص على دخول الدَّائن في المُزايدة في حالة بيع العقار؛ إلَّا أنَّه لم ينص على المنع أيضاً وبما أَنَّ الإجراءات ليست هدفاً في ذاتها وإنَّما هي وسيلة لتحقيق غاية هي العدالة وعدم الاضرار بالمدين فإنَّ قرار المحكمة بدخول الدَّائن للمزايدة لا يكون معيباً طالما كان يحقق العدالة بدرجة أكبر كما أنَّ المادة (303) من قانون الإجراءات المدنية تكفل للمحكمة اتخاذ ما تراه ضرورياً لتحيق العدالة”( ) ومن ذلك – أيضاً – أنَّ القضاء السُّوداني ربط بين مصلحة الطّفل و من له الحق في حضانته حيث جعل الحضانة حقاً للطّفل ولم يجعلها حقاً لوالديه؛ لكونها تصب في مصلحة الطّفل في المقام الأَول والأَخير؛ ولهذا قضت المحكمة العليا السُّودانية بأنَّ: “التَّنازل عن الحضانة غير جائز؛ لأَنَّ حق الحضانة ليس للأب أو للأُم، وإنَّما هو حق مقرر للصَّغير تُراعى فيه مصلحته على الدَّوام … ولو حدث التَّنازل عنه يكون باطلاً”( ) وربما لو كان التَّنازل لا يتعارض مع مصلحة الصَّغير لأصبح جائًزاً، وهو من باب دوران الحُكم مع علته وجوداً وعدماً.
كذلك من الأَحكام القضائية التي استندت فيها المحكمة على المصلحة لكي تستنبط من خلالها حُكماً تطبقه على الوقائع في موضع سكت فيه المشرع عن النَّص على حُكم المسألة المطروحة أَمامها ما ذهبت إليه محكمة التَّمييز العراقية إلى: “أنَّ الصَّغير غير المميز يستحق التَّعويض الأدبي؛ لأنَّ الثَّابت لدى علماء النَّفس أنَّ الطَّفل يتأثر نفسياً بشكل آني وبشكل متواصل بعد ذلك بسبب فقدان أحد والديه، وأنَّ عدم وضوح هذا التَّأثير في حينه لا يعني عدم وجوده” مع أنَّ التَّعويص عن الضَّرر الأَدبي بموجب القانون العراقي لا يستحقه إلَّا زوج المتوفى واقاربه من الدرجتين الأولي والثَّانية، الَّذين أُصيبوا بآلام حقيقية، وعميقة”( ).
كما قد تعتمد المحكمة في حكمها على المصلحة عند تعارض مصالح الخصوم وسكوت المشرع عن النَّص على الترجيح بينها، حيث تعمل على تغليب مصلحة طرف على مصلحة الطَّرف الآخر لاعتبارات لها معقوليتها، من ذلك ما قضت به المحكمة العليا السودانية بأنَّ: “استقرت السَّوابق القضائية على وجوب تغليب مصلحة المالك في استرداد حيازة عقاره على مصلحة المستأجر متى ما تعارضت المصلحتان؛ إذ أنَّ المالك أَولى بملكه من الغير …”( ) كذلك قد تُغلِّب المحكمة مصلحة المشتري الثَّاني الَّذي بادر إلى تسجيل العقار في اسمه على مصلحة المشتري الأَول عند تزاحمهم؛ استناداً على استجابته لما يتطلبه القانون في ملكية العقار؛ وبهذا قضت المحكمة العليا السُّودانية بما نصَّه: “تقتضي مبادئ العدالة تغليب مصلحة من سجل بيعه على مصلحة المشتري الأَول الَّذي لم يسجل بيعه إذا تساوى الأَطراف في المركز.”( )
وبصفة عامة فإنَّ استقراء السَّوابق التي أرساها القضاء في نظم التَّشريع المختلفة بما في ذلك القضاء السُّوداني يؤكد على أَنَّ القضاء يعمل جاهداً على حماية المصالح ورعايتها من خلال التَّفسير الَّذي يحافظ على المصلحة التي استهدفها النَّص، كما يعمل على رعايتها في الحالات التي لم ينظمها المشرع بأحكام صريحه مستنداً في ذلك على تأويل النُّصوص القانونية تأويلاً سائغاً ومعقولاً، عاملاً على سد الفراغ الحاصل بالتَّشريع باجتهاداته المُتقيّدة بضوابط الاجتهاد الفقهي السَّليم، وقد يستهدى القضاء في هذه الحالة بالأَهداف العامة للقانون، أَو بالمبادئ العامة للنظام التَّشريعي بالدولة بما فيها مبدا رعاية المصالح ودرء المفاسد، أَو بأحكام قضائية لدولة أُخرى( ).
الفرع الثالث
تخصيص النَّص العام بالمصلحة
يُقصد بتخصيص النَّص العام بالمصلحة إخراج المسألة من عموم الحُكم الكُلي الَّذي يقتضيه الأَصل العام، لوجود مصلحة راجحة تقتضي هذا الاستثناء، وهو ما يسميه علماء الأُصول بالاستحسان الَّذي عدوه وسيلة من وسائل تحقيق المصالح، ودرء المفاسد، وقد قال عنه ابن رشد: “ومعنى الاستحسان في أَكثر الأحيان؛ هو الالتفات إلى المصلحة والعدل( ) على أَنَّ تخصيص النَّص العام بالمصلحة لا يعني إلغاء النَّص لحساب المصلحة، وإنَّما يعني العمل بالمصلحة، وبالنَّص في آنٍ واحد، وهو ما يتفق مع معنى القاعدة الأُصولية التي تنص على أَنَّ: “اعمال الدَّليلين أَولى من اهمال أَحدهما( ).
من الأَمثلة على تخصيص النَّص العام بالمصلحة في الأَحكام الشَّرعية، تخصيص الخلفاء الرَّاشدين لعموم قوله تعالى: ﴿السَّارقُ وَالسَّارقَةُ فَاقطَعُوا أَي ديَهُمَا﴾( ) بأَنَّ المراد بالسَّارق في الآية الكريمة من يسرق وهو في حالة كفاية، ومن ثم فإنَّ الحُكم العام للآية لا يشمل من يسرق تحت وطئة الضَّرورة لدفع الهلاك عن نفسه أَو عياله، وقد قرروا هذا الحُكم لكون مصلحة المحافظة على سلامة الأَرواح مقدمة على مصلحة حماية الأَموال عند تعارضهما، ومن ذلك قضاء الصَّحابة والخلفاء الرَّاشدين بتضمين المُستعير، والمُستأجر، والمُقاول، وما شابههم لكل ما يُصيب العين التي في عهدتهم من ضرر، أَو تلف ولو لم يرجع سببه إلى تقصيرهم في حفظها، مع أَنَّ يدهم على الشَّيء الَّذي في حيازتهم يد أَمانة، وما فيه من تخصيص لحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – :”لا ضمان على مؤتمن” فحُكم الحديث حُكم عام؛ لأنَّ كلاً من “ضمان” و “مؤتمن” نكرة في سياق النَّفي تُفيد العُموم؛ ولكن الصَّحابة أَخرجوا هؤلاء من عموم الحديث؛ لأَنَّ الأُجرة التي يستحقونها مضمونة على المالك فيلزم أَنْ يكون المعمول فيه مضموناً، لما في ذلك من المحافظة على مصلحة أصحاب المواد الأولية التي تكون في حيازة هؤلاء( ).
كذلك من الأَحكام التي استند فيها فقهاء الشَّريعة الإسلامية على المصلحة في تخصيص النَّص العام، فتوى الحنفية بجواز قبول شهادة النّساء وحدهن في الأُمور التي لا يطَّلع عليها غيرهن كشهادة القابلة، وتعيين الولد عند النزاع، وتوريث الزَّوجة التي طلقها زوجها في مرض الموت، وشهادة الصبيان على بعضهم( ) ومن ذلك – أيضاً – ما جاء في حديث أَنس بن مالك، قال: غلا السّعر بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النَّاس: يا رسول الله، غلا السّعر، سّعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله المُسعّر القابض، الباسط الرَّازق، إني لأرجو أَنْ ألقى الله، وليس أَحد منكم يطلبني بمظلمة في دم، ولا مال”( ) غير أَنَّ بعض فقهاء المسلمين اعتبروا أنَّ التَّسعير قد يكون واجباً في بعض الأحيان استجابة لمقتضيات المصلحة العامة( ) قال ابنْ القيم: “وجماعُ الأمر أَنَّ مصلحة النَّاس إذا لم تتم إلَّا بالتَّسعير سعر عليهم تسعير عدل، لا وكس فيه ولا شطط وإذا اندفعت حاجتهم ومصلحتهم بدونه، لم يفعل( )” وفي هذا تخصيص لعموم هذا الحديث الَّذي ينهى عن التَّسعير بالمصلحة، فيكون التَّعسير الجَّبري ممنوعاً عندما لا تدعو حاجة النَّاس إليه، وجائزاً إذا دعت الحاجة إليه.
وبما أَنَّ مبدأ رعاية المصالح ودرء المفاسد من المبادئ الأَساسية التي يقوم عليها القانون في نظم التَّشريع الوضعية؛ لذلك فمن واجب القضاء أنَّ يعمل على تطبيق النُّصوص القانونية على ضوء هذا المبدأ الكلي، بما في ذلك تخصيص النَّص العام بالمصلحة، ومن الأَمثلة على ذلك عدم تقيد القضاء السُّوداني في بعض أَحكامه بمبدأ حياد القاضي تقيُّداً حرفياً تحقيقاً لمصلحة أَحد أطراف الدَّعوى؛ وذلك حينما عملت المحكمة على ارشاد بعض أَطراف الدَّعوى حينما وجدت أنَّه لا يدرك مصلحته، وأَنَّ تركه على هذه الحال يتجافى مع حكم القسط،، ويُفرغ دور القاضي من معناه في إقامة العدل بين النَّاس، واحقاق الحقوق ورد المظالم إلى أهلها؛ لهذا قررت المحكمة العليا السُّودانية في قضية: “أَ س ع” ضد “ح د” بأنَّه: “على الرغم من أنَّ المحكمة المدنية غير مُلزمة بتبصير أَي من طرفي الدَّعوى بحقوقه الموضوعية، أَو الإجرائية، إلَّا أَنَّ القضاء قد استن سنة حميدة مراعاة لاعتبارات ذات أَثر في تحقيق العدالة، وهي إرشاد الطَّرف الضَّعيف كلما بدا أنّه لا يدرك مصلحته”( ) كما جاء في حكم آخر لنفس المحكمة: “لقد استقر الوضع في محاكم السُّودان في أَنْ تتولى المحكمة مهمة الدفاع عن المُتَّهم عندما لا يتيسر له تعيين محامي ينوب عنه، ولم تعين له الدولة من يؤدي تلك المهمة”( ) دون أَنْ يُعدُ ذلك انحيازاً أَو محاباة لأَحد أَطراف النّزاع على حساب الطَّرف الآخر، أَو خرقاً لمبدأ حياد القاضي، بما يُوحي بعدم جواز العمل بهذا المبدأ على عمومه المطلق، وهو من باب تخصيص عموم هذا المبدأ بما تقتضيه رعاية مصالح الخصوم، وعدالة الأَحكام القضائية؛ لكون العدالة تقتضي أَلَّا يكون موقف القاضي من الخصوم سلبياً بالقدر الَّذي يغل يده عن التَّدخل بينهم لإقامة ميزان العدل الَّذي نُصِّب لحراسته، وقد عبَّرت محكمة استئناف الخرطوم عن هذا المعنى بمناسبة نظرها في قضية حكومة السودان ضد “آ، م، ع” وآخرين بقولها أنَّ: “… القاضي ليس مجرد حكم فمن حقه أَنْ يُناقش الخصوم للوصول إلى القرار الصَّائب، وهو يقوم إلى حد كبير بمهمة الاتهام والدفاع”( ).
فتخصيص النَّص العام بالمصلحة من ضروب التَّفسير الَّذي تستصحب فيه المحكمة الظروف المحيطة بالوقائع، وتُراعي للحالات ذات الخصوصية التي يُفترض أَنْ يكون لها حُكماً خاصاً خلافاً للحُكم العام الَّذي يشملها بظاهره، وبما أَنَّ في تخصيص النَّص العام بالمصلحة صرف للَّفظ عن ظاهر معناه الراجح إلى معناه المرجوح إلَّا أنَّه بلا شك تأويل سائغ ومقبول طالما كان محققاً للمصلحة ويتماشى مع حُكم العدل ومُتقيداً بضوابط هذ الاجتهاد الَّذي يعمل على صرف النَّص العام عن ظاهره إلى معنى آخر يحتمله اعتماداً على دليل آخر( ).
كذلك من الأَحكام التي ذهب فيها القضاء لتخصيص النَّص العام بغرض المحافظة على مصالح الخصوم جميع الأَحكام القضائية التي تعمل فيها المحكمة العليا، أَو محاكم الاستئناف على قبول طلبات الاستئناف أو الطعون في الأحكام القضائية التي يقدمها المستأنف، أو الطاعن بعد فوات الأجل المحدد لها قانوناً بسبب قوة قاهرة حالت بينه وبين الالتزام بهذه الآجال، منها ما قضت به المحكمة العليا السُّودانية بأنّهَ: “لقد أصبح راسخاً إلَّا في حالات محددة أَلَّا مانع من استخدام المحكمة لسطتها في مد الميعاد وفقاً للمادة (70) من قانون الإجراءات المدنية متى ثبت أنَّ التَّأخير في تقديم الاستئناف لم يكن يُعزى لإهمال المستأنف، لأنَّ المستأنف قد أثبت جِدِّية في تقديم الاستئناف”( ) ومنها – أيضاً – ما قضت به المحكمة العليا السُّودانية بأنَه: “يجوز للمحكمة العليا تحقيقاً للعدالة أَنْ تتقاضى عن مدة تقديم طلب الطَّعن بالنَّقض”( ) كما قضت نفس المحكمة في قضية أُخري بأنَّ: “للمحكمة سلطة طبيعية بموجب المادة (303) من قانون الإجراءات المدنية في مد ميعاد الطَّعن إذا رأت أنَّ هناك أَسباب كافية لذلك سَواءً ذكرها مُقدم الطَّلب أم لم يذكرها كأنْ يكون الحُكم المطعون فيه ممعن في الخطأَ، أَو إنبنى على إجراءات معيبة”( ).
وحينما تقضي المحكمة في هذه المسائل الإجرائية بمثل هذه الأَحكام التي تهدف إلى رعاية مصالح الأَفراد والمحافظة على حقوقهم إنَّما تستند على سُلطاتها الطَّبيعية، وقد بينت المحكمة العليا السُّودانية مفهوم هذه السُّلطة بمناسبة نظرها في قضية “أَ، أَ، ف” ضد “ح، ع، ش” بما نصَّه: “سُلطة المحكمة الطَّبيعية التي نصت عليها المادة (2/303) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1974 لم يقصد منها… أَنْ تسود أَو تحل مكان النُّصوص الصَّريحة بل قُصد منها تكملة القانون حيث يوجد غموض، أَو عدم تناسق، أو عدم عدالة تتأتى من الحرفية؛ وذلك مما يحقق العدالة ويمنع سُوء استغلال إجراءات المحاكم”( ) لذلك من الجائز أًنْ تستخدم المحكمة سطتها الطَّبيعية لرعاية مصالح الأَفراد والمحافظة عليها في الحالات التي يقتضيها حُكم العدل، ومصلحة المتقاضين.
في ختام هذا البحث تم التَّوصل إلى عدد من النتائج والتَّوصيات، يمكن الاشارة إلى أهمهما على النَّحو التالي:
أولاً- النتائج:
1/ تفسير النُّصوص القانون على ضوء المصالح التي شُرعت لأَجل تحقيقها في جلب المصالح، ودفع المفاسد يعطي التَّشريع الفعالية اللَّازمة في تحقيق أَهدافه العامة، والخاصة، ويسمه بخاصية المرونة والواقعية التي ترتقي بمستوى عدالة الأَحكام القضائية التي تترتب عليه.
2/ هنالك بعدين لفهم علاقة المصلحة بالتَّشريع، البعد الأول أَنْ تفسر نصوص التَّشريع على ضوءها، أي بما يحقق المصالح التي ترعاها، دون الالتزام الحرفي بدلالاتها الظَّاهرة بمعزل عن غاياتها وأهدافها، والبعد الثَّاني، أَنْ تكون المصلحة هي الأساس الَّذي يتم الاعتماد عليه في استنباط القاعدة القانونية التي تحكُم الوقائع؛ وذلك مشروط عدم وجود نص يحكم الوقائع.
3/ التطبيق السَّليم لمُقتضيات النُّصوص القانونية يستلزم من القاضي الموازنة بين بين دلالتها حسب التركيب اللُّغوي للكلمات، والعبارات، وأَهدف المشرع، ومقاصده من التَّشريع، دون افراط، أَو تفريط.
4/ استخدام المحكمة لسطتها الطَّبيعية في تفسير النُّصوص القانونية بغرض تطبيقها على وقائع النِّزاع، مشروط بعدم وجود نص صريح يحكم الوقائع، كما هو مشروط بأنْ يكون الغرض من استخدام هذه السُّلطة تحقيق العدالة بين النَّاس ورعاية مصالحهم والمحافظة عليها.
5/ لا يجوز للقاضي الاعتماد على المصلحة في لاستنباط قاعدة قانونية إلاَّ في حالة عدم وجود نص يحكُم الوقائع؛ حيث تكون الأَولوية للعمل بالنَّص عند وجوده؛ إذ لا اجتها مع صراحة النَّص ووضوح معناه.
ثانيا – التوصيات:
1/ النَّص في قانون تفسير القوانين السوداني على الضَّوابط التي تحكم الاجتهاد الَّذي يُراعي للمصلحة عند فهم النُّصوص العامة، أَو يعتمد عليها في استنباط الحُكم المناسب لوقائع النزاع في حالة عدم وجود نص بالتَّشريع، مع الإشارة إلى الشروط التي يجب توفرها في المصلحة حتى يمكن ملاحظتها في مثل هاتين الحالتين.
2/ استحداث مادة في قانون تفسير القوانين السُّوداني، ينص فيها المشرع على الشِّروط القانونية اللَّازمة لاستخدام المحكمة لسلطاتها الطَّبيعية حينما يكون الهدف من ذلك إقامة العدل بين النَّاس ورعاية مصالحهم.
3/ استحدث نص في قانون تفسير القوانين السُّوداني يقضي بتخصيص قاعدة: “لا اجتهاد مع النَّص” يُشار في فقراته إلى المصلحة لتكون ضمن هذه المُخصصات، وأَنْ يكون هذا التَّخصيص في الحالات التي تستدعيها رعاية مصالح المجتمع، والأَفراد، دون التَّقيُّد الصَّارم بمضمون هذه القاعدة.
المراجع والمصادر:
1/ ابن القيم، أَبي عبد الله محمد بن أَبو بكر، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحيق نايف بن أَحمد الحمد، الطبعة الأُولى، دار بن حزم – ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب، اعلام الموقعين عن رب العالمين (ط 1) دار الكتب العلمية، بيروت 1991م.
2/ ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، فتح القدير، الجزء رقم (7) كتاب البيوع، باب الربا، طبعة دار الفكر.
3/ ابن رشد، أَبو الوليد محمد بن أَحمد بن محمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، الناشر، دار الحديث، القاهرة، ٢٠٠٤.
4/ ابن قدامة المقدسي، موفق الدين عبد الله بن أَحمد، روضة الناظر، وجنة المناظر في أُصول الفقه، مؤسسة الريان، (ط2) 2002م.
5/ أَيمن صالح، التعليل بالمظنة لا بالحكمة، دراسة أُُصولية، المجلد 21، العدد 1يوليو 2019، جامعة قطر، كلية الشريعة.
6/ الباجي، سليمان بن خلف، المنتقى شرح الموطأ، مطبعة السعادة، بجوار محافظة مصر (ط1) 1332 هـ.
7/ بلتاجي، محمد، منهج عمر بن الخطاب في التشريع، دراسة مستوعبة لفقه عمر وتنظيماته، دار الفكر العربي.
8/ البوطي، محمد سعيد رمضان، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، الدار المتحدة للطباعة والنشر، دمشق.
9/ الحسن، خليفة بابكر، تخصيص النصوص بالأََدلة الاجتهادية عند الأصوليين، القاهرة، مكتبة وهبه، 1993م.
10/ حفيان، إسماعيل حسن، تفسير النصوص في منظور الشريعة والقانون (دراسة مقارنة) الدار المغربية دار الكلمة للنشر والتوزيع، مصر، القاهرة, 2019م.
11/ الدريني، فتحي، المناهج الأُصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت ،1997م.
12/ الرازي، أَبو بكر محمد بن زكريا، المحصول، (ط1) الطبعة الأُولى، دار الكتب العلمية بيروت، 1408م.
13/ الريسوني، أحمد، نظرية المقاصد عند الامام الشاطبي، تقديم طه جابر العلواني، المعهد العالمي للفكر الاسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية ،1995م فيرجينيا.
14/ الزلمي, مصطفى ابراهيم, أُصول الفقه في نسيجه الجديد, الطبعة خمسة وعشرين, مزيدة ومنقحة 2015م مكتب التفسير, اربيل, العراق.
15/ السنوسي، عبد الرحمن بن معمر السنوسي، اعتبار المآلات ومراعاة نتائج التَّصرفات، دراسة مقارنه في أصول الفقه، ومقاصد الشَّريعة، الدمام، المملكة العربية السعودية، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع, 1424ه (ط 1).
16/ الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، الموافقات، الطبعة: الأولى، ١٤١٧ هـ – ١٩٩٧ م الناشر، دار ابن عفان – الشاطبي، أَبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي، الاعتصام، الطبعة الأُولى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
17/ الشريف، محمد المدني صالح، تفسير القوانين، المبادئ العامة في تفسير النصوص القانونية، والعقود، الطبعة الأُولى، دار الآفاق العلمية، مصر، الإمارات 2024م- الشريف، محمد المدني، صالح، الحقوق العينية، الأَصلية، والتَّبعية في قانو المعاملات المدنية العماني لسنة 2013، الطبعة الأُولى، دار الكتاب الجامعي، الإمارات، 2018.
18/ الغزالي، أبو حامد، محمد بن محمد بن محمد، المستصفى، الطبعة الأُولى، المطبعة الأميرية ببولاق.
19/ مبارك، نجوان عبد الستار على، الوضع الظاهر في القانون المدني، الطبعة، دار الجامعة الجديدة، مصر، الإسكندرية، 2015م.
20/ محمود، أَحمد سيد، شرح قانون الإجراءات المدنية، والتجارية العُماني، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار الكتاب الجامعي، الإمارات.
21/ الونشريسي، أبو العباس أحمد بن يحيى، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، الجزء الأَول.
ثانياً – المبادئ القضائية:
1/ محكمة الاستئناف المدنية، قضية ورثة: م، أَ، ضد أَ، ز، بالرقم (م أ/ أَ س م/ 304/74) مجلة الأََحكام القضائية لسنة 191974، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
2/ محكمة الاستئناف، شركة تلكسترية لصناعة التريكو “المستأنف” ضد بنك جوبا أََم درمان “الوحدة” رئاسة البنك “المستأََنف ضده” (م أَ/ أَ س م /280/ 1979م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1979م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
3/ محكمة الاستئناف، قضية رقم (م أ/ أَ ن ج /563/1975م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1975م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
4/ محكمة الاستئناف، و، أَ، ن، “المستأََنف” ضد ع، م، أَ، “المستأََنف ضده، مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1975 السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
5/ المحكمة العليا السودانية ج، س “الطاعن” ضد ح، ح، ج، “المطعون ضده” (م ع/ ط م/ 243/1977م) مجلة الأََحكام القضائية لسنة 1977، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
6/ المحكمة العليا السودانية في قضية نفقة، قرار النقض رقم 349/2002، الصادر في 19/11/2002، مجلة الأَحكام القضائية لسنة 2002، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
7/ المحكمة العليا السودانية قضية: ف خ أ “الطاعنة” ضد ف ح ع “المطعون ضده” بالرقم (م ع/ ط م/ 321/ مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1976م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
8/ المحكمة العليا السودانية قضية: ف، ا، س، ضد أَ، م، ح، ا، المطعون ضده (م ع/ ط م/ 56/ 1980م) مجلة الأََحكام القضائية لسنة 1980م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
9/ المحكمة العليا السودانية: الطعن رقم (م ع/ط م/9/1981م) مجلة الأَحكام لسنة 1981م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
10/ المحكمة العليا السودانية، الطعن رقم (م ع / ط ت/14/ 1983م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1983م السلطة القضائية المكتب الفني، الخرطوم.
11/ المحكمة العليا السودانية، الطعن رقم (م ع / ط ت/14/ 1984م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1984م السلطة القضائية المكتب الفني، الخرطوم.
12/ المحكمة العليا السودانية، الطعن رقم (م ع / ط ت/14/ 1987م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1987م السلطة القضائية المكتب الفني، الخرطوم.
13/ المحكمة العليا السودانية، ح، أَ، م “الطاعن” ضد ع، ح، ز، “المطعون ضده” بالنمرة (م ع/ ط م/ 198/ 1973م) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1973، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
14/ المحكمة العليا السودانية، حكومة السودان ضد – ش وآخر (م ع/ ط ج /513/ 2004) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 2004، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
15/ المحكمة العليا السودانية، حكومة السودان ضد أَ ع أَ م ع/ ف ج/ 39/ 2003 م ارجعة 14/ 2004، مجلة الأَحكام القضائية لسنة 2003 السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
16/ المحكمة العليا السودانية، حكومة السودان ضد أَحمد عجبنا معلا وآخرين (م ع/ م ك /151/74) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1974، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
17/ المحكمة العليا السودانية، حكومة السودان ضد ص ط م / م ع/ ط ج/ 501/ 2004 مجلة الأََحكام القضائية لسنة 2004، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
18/ المحكمة العليا السودانية، فضية بالرقم (م ع/ ط م/ 63/م)) 1975) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1975، السلطة القضائية المكتب الفني، الخرطوم.
19/ المحكمة العليا السودانية، قرار النقض رقم (188/ 1995م) الصادر في 4/11/1995م، قضية حضانة، مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1995م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
20/ المحكمة العليا السودانية، قضية بالرقم (م ع/ ط م /117/ 1976م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1976، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
21/ المحكمة العليا السودانية، قضية تنفيذ نفقة متجمدة، قرار النقض نمرة/194/1977، الصادر في يوم الخميس الموافق 13/ 7/ 1977م.
22/ المحكمة العليا السودانية، م ع ا “الطاعن” ضد ب ف ا “المطعون ضده” (م ع/ ط م/ 145/1977م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1977، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.
23/ المحكمة العليا السودانية، م ع/ قرار النقض/ 117/2003م، قضية اسقاط حضانة، مجلة الأَحكام القضائية لسنة 2003م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى