الممارسات المنافية لقواعد المنافسة بين الحظر والإباحة – الباحث : بوسعيد عثمان
الممارسات المنافية لقواعد المنافسة بين الحظر والإباحة
Praticescontrary to rules of competitionBetween Prohibition and Authorization
الباحث : بوسعيد عثمان
باحث بسلك الدكتوراه
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس -اكدال- بالرباط
لتحميل الاصدار كاملا
مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024
ملخص:
المنافسة في الأصل تعد عملا مشروعا، لكنها أحيانا قد تأخذ صورة سلبية لتتحول إلى ممارسة منافية لقواعد المنافسة، نتيجة لجوء البعض إلى وسائل تتنافى مع قوانين وأعراف المنافسة النزيهة، لذلك نجد أن التشريعات لا تتردد في تنظيم المنافسة بين التجار، حماية لهم وللمستهلكين وللاقتصاد الوطني، ولضمان استعمالها في الحدود المشروعة،ولهذا تعرض المشرع المغربي من خلال قانون حرية الأسعار والمنافسة لمختلف الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، والتي تشمل بالأساس الاتفاقات التي يمكن أن تبرم بين المقاولات قصد منع أو تقييد حرية المنافسة، بالإضافة إلى استغلال المقاولة بصفة تعسفية لوضع مهيمن أو متميز تحظى به داخل السوق، في حين نجد أن مبدأ منع الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ترد عليه مجموعة من الاستثناءات، والتي يسمح فيها بالقيام بهذه الممارسات دون أن تعتبر أفعالا غير مشروعة.
Abstract
Competition, in principle, isconsidered a legitimateact, but sometimesitmaytake a negativeform and become a practice contrary to competitionrules due to someresorting to meansthatcontradictfaircompetitionlaws and practices. Therefore, legislations do not hesitate to regulatecompetitionamong traders, to protectthem, consumers, and the national economy, and to ensureits use withinlegitimateboundaries. Thus, the Moroccanlegislatorpresents, through the law on pricefreedom and competition, various practices that are contrary to competitionrules. These practices primarilyincludeagreementsthat can beconcludedbetweencontractors to prevent or restrictcompetition’sfreedom, as well as arbitrary exploitation of a contractor’s dominant or distinguished position within the market. However, the principle of prohibiting practices contrary to competitionrulesissubject to several exceptions, allowing for these practices to be conducted without being consideredillegitimate actions.
مقدمة
المنافسة كعمل مشروع قد تأخذ صورة سلبية لتتحول إلى ممارسة منافية لقواعد المنافسة، نتيجة لجوء البعض إلى وسائل تتنافى وأعراف الشرف المهني، لذلك نجد أن التشريعات لا تتردد في تنظيم المنافسة بين التجار، حماية لهم وللمستهلكين وللاقتصاد الوطني، ولضمان استعمالها في الحدود المشروعة.
ولهذا تعرض المشرع المغربي من خلال القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 40.21، لمختلف الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، من خلال القسم الثالث المتضمن للمواد من 6 إلى 10، حيث عنون المشرع هذا الباب بالممارسـاتالمنافيةلقواعدالمنافسة، والتي تشمل بالأساس الاتفاقات التي يمكن أن تبرم بين المقاولات قصد منع أو تقييد حرية المنافسة، بالإضافة إلى استغلال المقاولة بصفة تعسفية لوضع مهيمن أو متميز تحظى به داخل السوق، في حين نجد أن مبدأ منع الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ترد عليه جملة من الاستثناءات في شكل إعفاء القائمين بها.
ويكتسي الموضوع أهمية بالغة باعتباره يربط بين الجانبين القانوني المتعلق بترسانة قانونية تنظم عملية المنافسة بين مختلف المتدخلين في الدورة الاقتصادية، بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي والمتعلق أساسا بالتوجهات العامة للدولة في المجال الاقتصادي وحرية المنافسة وانفتاح الأسواق الاقتصادية.
فقد بات مؤكدا أن الحفاظ على القوة الشرائية للمستهلكين الذين يمثلون مختلف طبقات المجتمع، إضافة إلى العمل على رفع الوثيرة الإنتاجية للمقاولة من جهة ثانية في ظل منافسة شريفة تحترم الضوابط القانونية، سيؤدي لا محالة إلى إنعاش العملية الاقتصادية.
فعملية المنافسة والالتزام بضوابطها واحترام القوانين المؤطرة لها تبقى مسألة جد مهمة، تتطلب تأطيرا قانونيا مميزا وتمحيصا عمليا دقيقا للوصول لمنافسة نزيهة وشفافة في السوق الاقتصادية، تحت إشراف ورقابة من مجلس المنافسة الذي يلعب دورا أساسيا في تنظيم قواعد المنافسة ومحاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، من خلال الكشف عن أضرار هذه الممارسات ومحاولة إصلاحها بالاستناد إلى الصلاحيات المخولة له.
وتتمحور الإشكالية التي سنحاول إبراز معالمها من خلال البحث، في مدى إمكانية ضبط الممارسات المنافية لقواعد للمنافسة، وهل فعلا نجح المشرع المغربي في فرض القوانين اللازمة للحد من هذه الممارسات، كل ذلك مع الحفاظ على مبادئ الليبرالية المتمثلة في حرية المنافسة وتحرير الأسعار، ومع الأخذ بعين الاعتبار مراعاة مصلحة المستهلكين والاقتصاد الوطني، هذه المعادلة سنحاول الخوض في تفاصيلها في إطار البحث، لمعرفة حدود تطبيقها على أرض الواقع.
وسنعتمد في بحثنا على التقسيم الثنائي، حيث سنقسم البحث إلى مطلبين، يضم كل واحد منهما فقرتين، وذلك على الشكل التالي:
المطلب الأول: الاستثناء من حرية المنافسة
الفقرة الأولى: الأعمال المدبرة أو الاتفاقيات أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية
الفقرة الثانية: الاستغلال التعسفي
المطلب الثاني: الممارسات المنافية لقواعد المنافسة المستثناة من الحظر
الفقرة الأولى: الممارسات التي تنتج عن تطبيق نص تشريعي أو نص تنظيمي
الفقرة الثانية: الاتفاقات التي من شأنها المساهمة في التقدم الاقتصادي أو التقني أو الاجتماعي
المطلب الأول: الاستثناء من حرية المنافسة
إذا كانت المنافسة الحرة تشكل القاعدة العامة في التنافس بين الشركات، فإن هذه القاعدة تخضع لاستثناءات أملتها ضرورة الحفاظ على المنافسة النزيهة، إضافة إلى ضبط وتأطير قواعد المنافسة في السوق.
فالنظام الاقتصادي الحر يقوم على مبدأ حرية المنافسة، إذ تمثل هذه الأخيرة الإطار الأساسي للتجارة في الأنظمة الاقتصادية الحرة، وإذا كانت المنافسة بمثابة مرآة تعكس ازدهار وتطور النشاط الاقتصادي، فإن ذلك لا يعني التسيب وهدر الحقوق، وإنما هناك ضوابط ينبغي الالتزام بها وحدود لا يمكن تجاوزها، ولذا فإن تقييد المنافسة وإخراجها عن مسارها الطبيعي يعتبر عملا غير مشروع وسلوكا محظورا يخل بأهداف المنافسة الحرة كوسيلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فبادرت العديد من الدول إلى وضع قوانين تنظمها، وتجعل لمبدأ حرية المنافسة استثناءات غايتها حماية مصلحة الاقتصاد الوطني من خلال منع الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، وتشمل الأعمال المدبرة أو الاتفاقيات أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية (الفقرة الأولى)، والاستغلال التعسفي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الأعمال المدبرة أو الاتفاقيات أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية
جاء في المادة السادسة من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما وقع تغييره وتتميمه، على أنه: ” تحظر الأعمال المدبرة أو الاتفاقات والتحالفات الصريحة والضمنية كيفما كان شكلها، عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن يترتب عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما، ولاسيما عندما تهدف إلى :
الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى؛
عرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها؛
حصر أو مراقبة الإنتاج أو المنافذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني؛
تقسيم الأسواق أو مصادر التموين أو الصفقات العمومية “.
وحسب النص الوارد أعلاه، فمن بين الممارسات المنافية لقواعد المنافسة نجد الأعمال المدبرة والاتفاقيات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية كيفما كان شكلها وأيا كانسببها، عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن يترتب عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما.
وإذا كان المشرع المغربي سرد الغايات والأهداف التي تبرم من أجلها الاتفاقات المنصوص عليها في المادة السادسة من قانون حرية الأسعار والمنافسة، فإنه في المقابل لم يضع تعريفا دقيقا لها، لكن يمكن استنباطه من مقتضيات المادة السادسة أعلاه، حيث يقصد بالاتفاق: ” كل توافق بين إرادتين أو أكثر يهدف إلى عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما”، وعليه لا يمكن حظر أو منع أي اتفاق إلا إذا كان يشكل أو من المحتمل أن يشكل خطرا على المنافسة، سواء كان صريحا أو ضمنيا، وسواء كان سرا أو علانية أو بحسن نية أو بسوء نية، كما عرفه البعض بأنها “تآزر بين الإرادات قصد تقييد المنافسة”، وثمة من يرى بأنها نتيجة لمشاركة عدة إرادات مستقلة لإرساء سلوك جماعي للتصرف في السوق.
ويتم التميز في الغالب بين نوعين من الاتفاقات، أفقية وأخرى عمودية، فالاتفاق الأفقي هو اتفاق بين متنافسين أو شركات تتوفر على نفس مستوى الإنتاج أو التوزيع، بينما الاتفاقات العمودية فهي اتفاقات بين شركات تعمل على مستويات مختلفة من الإنتاج من قبيل اتفاقات بين مصنع وبائع الجملة وآخر بالتقسيط.
وفي إطار تحديد الاختصاص النوعي للنظر في الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، خولت الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة وفق ما تم تغييره وتتميمه بالقانون رقم 41.21، لمجلس المنافسة صلاحية النظر باقتراح من مقرره العام في كل الممارسات التي من شأنها المساس بالمنافسة الحرة.
وقد حدد المشرع أشكال الأعمال المدبرة أو الاتفاقيات أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية، بمقتضى المادة السادسة السالفة الذكر، في الحالات التالية:
– الحد من دخول السوق أو من الممارسات الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى:ويتأتى ذلك من خلال خلق حواجز وعراقيل قد تتخذ شرط عدم المنافسة، والغرض من هذه الصيغة هو حظر الاتفاقات الرامية إلى منع المنافسين الجدد من الوصول إلى ممارسة نشاط اقتصادي، أو الحد من إمكانية تنمية النشاط الاقتصادي والحرية التجارية لمنشآت قائمة.
– عرقلة تكوين الأسعار عن طرق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها: وهو كل اتفاق غايته رفع أو تحديد أو تقييد أو تثبيت أسعار المنتجات، أو عرقلة تكوين الأسعار من قبل الفاعلين في السوق الاقتصادي، من خلال الترويج بشكل مصطنع لصعودها أو انخفاضها، وهي عبارة عن اتفاقيات أفقية تهدف إلى توحيد الأسعار والهوامش التجارية، وأنظمة تبادل المعلومات حول الأسعار.
– حصر أو مراقبة الإنتاج أو المنافذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني: وهي الحالة التي يتم فيها الحد من الإنتاج أو فرض رقابة على الأسواق أو الاستثمارات أو التقدم التكنولوجي والتحكم فيه، وقد تتم هذه الممارسة من خلال حصر الإنتاج أو المبيعات، أو الاتفاق بين مجموعة من المقاولات على انفراد كل واحدة بإنتاج وصنع مواد وسلع معينة دون الدخول في المنافسة، أو اتفاق مجموعة من المنشآت على شرط عدم التصدير.
– تقسيم الأسواق أو مصادر التموين أو الصفقات العمومية: وهي اتفاقيات أفقية تهدف لتقاسم الأسواق التجارية أو شبكات التوزيع، ويتم التقسيم على أساس المناطق الجغرافية أو مراكز التوزيع أو نوعية العملاء أو السلع أو الفترات الزمنية، بقصد تقويض عملية المنافسة بشكل يستفيد منه حصريا المنشآت المتفقة فيما بينها.
الفقرة الثانية: الاستغلال التعسفي
جاء في المادة السابعة من قانون حرية الأسعار والمنافسة على أنه: ” يحظر قيام منشأة أو مجموع منشآت بالاستغلال التعسفي:
-
لوضع مهيمن في السوق الداخلية أو جزء هام من هذه السوق؛
-
لحالة تبعية اقتصادية يوجد فيها زبون أو ممون وليس لديه أي بديل مواز؛
وذلك عندما يكون الغرض منه أو يمكن أن تترتب عليه عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها.
يمكن أن يتجلى التعسف بوجه خاص في رفض البيع أو في بيوع مقيدة أو في شروط بيع تمييزية، وكذا في قطع علاقات تجارية ثابتة لمجرد أن الشريك يرفض الخضوع لشروط تجارية غير مبررة. ويمكن أن يتجلى كذلك فيما يفرض بصفة مباشرة أو غير مباشرة من حد أدنى لسعر إعادة بيع منتوج أو سلعة أو لسعر تقديم خدمة أو لهامش تجاري”.
-
الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن في السوق الداخلية أو جزء هام من هذه السوق:
الوضع المهيمن هو عبارة عن مكانة اقتصادية قوية تسمح للمقاولة التي تحظى بها بعرقلة المنافسة الفعلية في سوق معينة، وذلك من خلال تخويلها سلطة تمكنها من التصرف بشكل مستقل عن منافسيها وحتى المستهلكين.
فالاستغلال التعسفي للوضع المهيمن تمارسه منشأة أو عدة منشآت في السوق الداخلية أو جزء هام من هذه السوق، وحول مفهوم السوق الداخلية، فالسوق بالمفهوم العام لقانون المنافسة هو ذلك المكان الذي يتلقى فيه العرض والطلب على المنتوجات أو الخدمات القابلة للمبادلة، لكن السوق في إطار الاستغلال التعسفي للوضع المهيمن يأخذ بعدا آخر، وهذا ما يبرز من خلال المادة السابعة السالفة الذكر، إذ أن المقصود بها ليس كل الأسواق وإنما السوق الداخلية الوطنية أي التابعة للتراب الوطني للمملكة، لذلك فإن هيمنة منشأة أو عدة منشآت بشكل تعسفي على سوق داخل أقاليم المملكة تكون كافية لتبرير تطبق مقتضيات المادة السابعة من قانون حرية الأسعار والمنافسة، على اعتبار أن الفعل يشكل ممارسة منافية لقواعد المنافسة.
وعبارة جزء هام من السوق الداخلية ليس المقصود بها السوق بالمعنى الجغرافي، وإنما كانت غاية المشرع الأخذ بأهمية وحجم الإنتاج في السوق الداخلية موضوع الممارسة.
-
الاستغلال التعسفي لوضعية التبعية الاقتصادية
اعتبرت المادة السابعة من قانون حرية الاسعار والمنافسة أن الاستغلال التعسفي لوضعية التبعية الاقتصادية تعد من قبيل الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، وعليه فإنه يحظر قيام منشأة أو عدة منشآت بالاستغلال التعسفي لحالة تبعية اقتصادية يوجد فيها زبون أو ممون وليس لديه أي بديل مواز، وذلك عندما يكون الغرض منه أو يمكن أن يترتب عليه عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها.
وقد عددت الفقرة الأخيرة من المادة السابعة من قانون حرية الأسعار والمنافسة أصناف الممارسات التعسفية التي قد تشكل خرقا لقواعد المنافسة، في إطار الوضع المهيمن داخل السوق، ويتعلق الأمر بالحالات التالية:
-
رفض البيع أو البيوع المقيدة وفرض شروط تمييزية، وقطع علاقات تجارية ثابتة لمجرد رفض الشريك الخضوع لشروط تجارية غير مبررة؛
-
فرض بصفة مباشرة أو غير مباشرة حدا أدنى لسعر إعادة بيع منتوج أو سلعة أو لسعر تقديم خدمة أو لهامش تجاري.
أما المادة الثامنة من قانون حرية الأسعار والمنافسة فقد قامت بحظر عروض أسعار أو ممارسة أسعار بيع للمستهلكين، تكون منخفضة بصورة تعسفية بالنسبة إلى تكاليف الإنتاج والتحويل والتسويق وذلك بمجرد ما يكون الغرض من العروض أو الممارسات المذكورة ويمكن أن يترتب عليها في نهاية المطاف إقصاء منشأة أو أحد منتوجاتها من سوق ما، أو الحيلولة دون دخول هذه المنشأة أو أحد منتوجاتها إلى سوق ما.
وتشمل تكاليف التسويق وجوبا جميع المصاريف الناتجة عن الالتزامات القانونية والتنظيمية المتعلقة بسلامة المنتجات.
ولا تطبق مقتضيات هذه المادة في حالة إعادة بيع المنتوج على حاله.
وفي الحالة التي يتم فيها القيام بإحدى الأعمال أو الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، فإن المادة العاشرة من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 40.21، نصت على أن كل التزام (engagement) أو اتفاقية (convention) أو بند تعاقدي يتعلق بممارسة محظورة تطبيقا للمادتين 6 و 7 يكون باطلا بقوة القانون.
والظاهر من خلال النص الوارد أعلاه الطابع المطلق للبطلان المنصوص عليه، إذ أن المشرع يسعى بالأساس إلى حماية السوق وضمان حسن سير المنافسة داخله وهو ما يجعل هذا البطلان يرتبط بالنظام العام التوجيهي، كما أن تخصيص المشرع هذه العقوبة التي تعتبر أقصى عقوبة مدنية كجزاء للالتزامات أو الاتفاقيات الناجمة عن ممارسة محظورة تطبيقا للمادتين 6 و7، يبرز المكانة التي يوليها للمصالح الخاصة للفاعلين داخل هذه السوق.
فالممارسات المنافية لقواعد المنافسة الواردة في المادتين 6 و7 أي الاتفاقات المنافية وحالات تعسف الهيمنة الاقتصادية، تمس بالمنافسة بما يؤدي إليه من عرقلة أو حد أو تحريف لسيرها، أيضا تمس بالمصالح الخاصة للفاعلين الاقتصاديين، ولذلك نجد المادة العاشرة السالفة الذكر تعطي في فقرتها الثانية الحق للأطراف والأغيار في إثارة هذا البطلان.
المطلب الثاني: الممارسات المنافية لقواعد المنافسة المستثناة من الحظر
إذا كانت المنافسة الحرة بين الشركات وردت عليها استثناءات تتعلق بمنع الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، فهذه الأخيرة بدورها تضم استثناءات، حيث يسمح بهذه الممارسات في حالات خاصة حددتها المادة التاسعة من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 40.21، والتي حددتها في الممارسات التي تنتج عن تطبيق نص تشريعي أو نص تنظيمي (الفقرة الأولى)؛ إضافة إلى الممارسات التي يمكن للقائمين بها أن يثبتوا أنها تساهم في التقدم الاقتصادي وأن مساهماتها كافية لتعويض قيود المنافسة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الممارسات التي تنتج عن تطبيق نص تشريعي أو نص تنظيمي
ورد في الفقرة الأولى من المادة التاسعة من قانون حرية الأسعار والمنافسة، على أنه ” لا تخضع لأحكام المادتين 6 و7 أعلاه الممارسات:
التي تنتج عن تطبيق نص تشريعي أو نص تنظيمي متخذ لتطبيقه “.
فقاعدة الضرورات تبيح المحظورات تجد تطبيقها في النص السالف الذكر، وبناء عليه فإن الممارسات التي يتدخل المشرع بشأنها بنص قانوني سواء تشريعي أو تنظيمي لا تشكل ممارسات تعسفية كما هي محددة في المادتين 6 و7 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، بغض النظر عن النتائج التي ستفضي إليها هذه الممارسات.
وواقع الحال يبين أن المشرع لا يتدخل بإصدار نص تشريعي أو تنظيمي لإضفاء الشرعية على ممارسات منافية لقواعد المنافسة إلا إذا اقتضتها المصلحة العامة، أو فرضتها ظروف استثنائية تستدعي إعفاءات خاصة من الحظر الوارد على الممارسات المنافية لقواعد المنافسة.
الفقرة الثانية: الاتفاقات التي من شانها المساهمة في التقدم الاقتصادي أو التقني أو الاجتماعي
جاء في البند الثاني من المادة التاسعة من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 40.21، على أنه: ” لا تخضع لأحكام المادتين 6 و7 أعلاه الممارسات:
-
………….
-
التي يمكن للقائمين بها أن يثبتوا أنها تساهم في التقدم الاقتصادي أو التقني أو هما معا، بما في ذلك بخلق مناصب الشغل أو الحفاظ عليها، وأنها تخصص للمستعملين جزء عادلا من الربح الناتج عنها دون تمكين المنشآت المعنية بالأمر من إلغاء المنافسة فيما يخص جزء مهما من السلع والمنتوجات والخدمات المعنية. ويجب ألا تفرض الممارسات المذكورة قيودا على المنافسة إلا بقدر ما تكون ضرورية لبلوغ هدف التقدم المشار إليه أعلاه.
يجوز للإدارة، بعد موافقة مجلس المنافسة، أن تعتبر بعض أصناف الاتفاقات أو بعض الاتفاقات، خصوصا إذا كانت تهدف إلى تحسين تسيير المنشأة الصغرى والمتوسطة أو تسويق الفلاحين لمنتوجاتهم، متوفرة على الشروط المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه.
لا تخضع أيضا لأحكام المادتين6 أو7 أعلاه الاتفاقات ذات الأهمية الدنيا التي لا تعرقل المنافسة بشكل ملموس، خاصة الاتفاقات بين المنشآت الصغرى أو المتوسطة. وتحدد بنص تنظيمي المعايير التي يقاس بها ما لا يعد إخلالا ملموسا بالمنافسة”.
فالمشرع المغربي أجاز الاتفاقات المنافية لقواعد المنافسة عندما سينتج عنها الإسهام في تحقيق الرواج الاقتصادي والتقدم التقني والاجتماعي، عبر ضمان استمرارية أنشطة الشركات، وخلق مناصب الشغل ووفرة العرض مقارنة مع الطلب واستقرار الأسعار.
واستنادا للمادة السادسة من المرسوم التطبيقي للقانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، فإن الموافقة على الاتفاقات الواردة بالفقرة الثانية من المادة التاسعة من قانون حرية الأسعار والمنافسة، تصدر بقرار لرئيس الحكومة أو السلطة الحكومية المفوضة من لدنه لهذا الغرض بعد موافقة مجلس المنافسة، وتكون الاتفاقات المقدمة في هذا الإطار للإدارة مرفقة بالمعلومات التالية:
-
التعريف المفصل بالمنشآت المبرمة للاتفاق؛
-
الأهداف المحددة في الاتفاق؛
-
حدود السوق المعنية بالاتفاق؛
-
السلع والمنتوجات والخدمات المعنية؛
-
السلع والمنتوجات والخدمات القابلة للاستبدال؛
-
حصص السوق التي يستحوذ عليها كل طرف في الاتفاق (الحجم ورقم المعاملات)؛
-
التأثير على المنافسة.
وإذا اعتبرت المنشآت أن بعض الوثائق المضمنة في هذا الملف تكتسي طابعا سريا، أمكن لها أن تكتب على تلك الوثائق عبارة “أسرار أعمال”، وفي هذه الحالة يطلب منها رئيس الحكومة أو السلطة الحكومية المفوضة من لدنه لهذا الغرض الإشارة إلى المعلومات التي ترغب في عدم تضمينها في قراره وفى رأي مجلس المنافسة.
والملاحظ أن المشرع المغربي أعطى عناية خاصة للمقاولات الصغرى والمتوسطة وللقطاع الفلاحي، إذ جاء في الفقرة الثالثة من المادة التاسعة من قانون حرية الأسعار والمنافسة إمكانية السماح من طرف الإدارة بعد موافقة مجلس المنافسة على بعض أصناف الاتفاقات أو بعض الاتفاقات إذا كانت تهدف إلى تسويق الفلاحين لمنتوجاتهم، إضافة للاتفاقات التي يمكن إبرامها بين المقاولات الصغرى والمتوسطة والهادفة لتحسين تسيير هذه المنشآت، لما يشكله هذا النوع من المقاولات من قاعدة أساسية في الاقتصاد المغربي، فإذا كان من شأن الممارسات المنافية للمنافسة أن تساهم في تحقيق التقدم الاقتصادي والتقني والاجتماعي، من خلال تحسين الإنتاجية وحلول تقنيات جديدة في مجال الإنتاج وتقديم الخدمات، وكذا تحسين مستوى التشغيل، فإن ذلك يكون كافيا لاستبعادها من مجال الحظر.
كما يشمل الاستثناء من الحظر على الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، الاتفاقات ذات الأهمية الدنيا التي لا تعرقل المنافسة بشكل ملموس، وقد خص المشرع بهذا الاستثناء الاتفاقات بين جميع أصناف المنشآت بما فيها الكبيرة، وإن كانت الأولوية في تطبيق مضمون الاستثناء من الاتفاقات يسري بالدرجة الأولى على المنشآت الصغرى والمتوسطة، استنادا إلى ورود عبارة “خاصة” بالفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من قانون حرية الأسعار والمنافسة، وهي تفيد الأسبقية والامتياز وليس الحصر.
وتحدد بقرار لرئيس الحكومة أو السلطة الحكومية المفوضة من لدنه لهذا الغرض، المعايير التي يقاس بها ما لا يعد إخلالا ملموسا بالمنافسة.
كما يمارس مجلس المنافسة اختصاصاته في مراقبة وتتبع السوق الاقتصادية، استنادا للاختصاصات الممنوحة له بمقتضى القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 40.21، والقانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة الذي تم تغييره وتتميمه بالقانون رقم 41.21.
خاتمة:
ترمي المنافسة إلى تحقيق الفعالية الاقتصادية والرفع من المستوى المعيشي للمستهلك، فهذا الأخير هو محور العملية التنافسية، بما توفره له من إمكانات واسعة للاختيار بين عدد من السلع والخدمات، وبما تحققه من خفض للأسعار تساعد على رفع قدراته الشرائية، وكنتيجة لذلك فإن تقييد المنافسة وإخراجها عن مسارها الطبيعي يعتبر عملا غير مشروع، وسلوكا محظورا يخل بأهداف المنافسة الحرة كوسيلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومن ثم كان لزاما على المشرع التدخل لردع المخالفين، سواء عبر التأطير القانوني بما يتضمنه من عقوبات كجزاء عن الإخلال بالنصوص التشريعية المنظمة للمنافسة، أو من خلال تدخل مجلس المنافسة الذي يحرص علـى الإبقاء علـى مسـتوى مقبـول مـن المنافسة فــي الأسواق، عبر التركيــز علــى المحاور ذات الأولوية، والمتمثلة فـــي التصــدي للاستغلال التعسفــي لوضعن مهيمن أو لحالة تبعية اقتصادية إضافة إلى الاتفاقات المقيدة للمنافسة، مع استثناء تطبيـق قانـون المنافسة فــي مجـال التعـاون بـن الأطراف المتنافسة فــي حالات خاصة، لاسيما فــي القطاعـات الأكثر تضـررا بالضغوطـات المفروضة علـى قطاعات معينة.
إلا أن الملاحظ من خلال هذه الدراسة هو الغموض الذي يكتنف حالات الاستثناء من الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، وغياب معايير دقيقة للحالات التي يمكن استثناؤها من الحظر على الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، ويجب على المشرع التدخل من أجل وضع إطار قانوني موحد ودقيق لحالات الإعفاء من الممارسات المنافية لقواعد المنافسة.