مقالات قانونية

تدخل المساهمين غير المسيرين في جهاز مراقبي الحسابات من أجل ضمان حكامة تسيير شركة المساهمة

 8798

   عبد الحق العمرتي                                                                                           

 

  باحث في منازعات الأعمال 

 

ش.م: شركة المساهمة

ص: الصفحة

ط: الطبعة

ف: الفقرة

ق.ش.م: قانون الشركات المساهمة

م.س: المرجع السابق

م: المادة

 

Cass.com :Arrêt de la chambre commerciale  de la cour de la cassation française

éd :édition

JCP :jurisclasseur périodique(la semaine( édition commerce

 : Numéro

 op.cit :ouvrage précité.

P :page

Rev :revue

RTD com :revue Trimestrielle de droit commercial

S :suivant

Soc :société

 

 

 

مقدمة :

لقد أضحى إشراك المساهمين غير المسيرين في تسيير شركة المساهمة، من أجل تحقيق الحكامة الجيدة للتسيير عن طريق رقابة هؤلاء، مسألة أملتها الظروف الحالية من أجل تحصين الإطار الرقابي للشركة عن طريق توفير آليات تستثمر في هذا الجانب، وتعود بشكل أفضل على فعالية هذه الرقابة

ولإشارة   فالدور الرقابي للمساهم غير المسير لا يعتمد على آلية الإعلام فقط ،  لهذا نص المشرع المغربي على آليات جديدة من أجل توسيع الدور الرقابي للمساهم، الذي هو دور تكميلي إلى جانب آليات المراقبة الأخرى.

 كما أن الرقابة التكميلية، إذا صح القول، أساسها في إرادة المشرع حماية مصلحة المساهمين وحماية مصلحة الشركة، خاصة من خلال تمكين المساهمين من ممارسة رقابة فعالة ومتبصرة، بالنظر لخصوصية تسيير شركة المساهمة المتسمة بالتعقيد.

 من هنا فإن الرقابة الفردية التي يمارسها المساهم  تتطلب وجود آليات داعمة وأكثر حكامة، مثل تدخل المساهمين لرقابة جهاز مراقبي الحسابات   

و من أجل إنجاح الرقابة الفردية لضمان تحقيق حكامة على مستوى تسيير شركة المساهمة[1]، وضع المشرع آليات كفيلة لتحقيق هذه الغاية، تتجلى في السماح للمساهم  بالتدخل لرقابة جهاز مراقبي الحسابات [2]، لذا حاول المشرع تنظيم هذا التدخل حتى لا يتحول استعماله إلى تعسف في وجه المصالح الأخرى [3].

وانطلاقا من هذه العوامل نظم المشرع المغربي تدخل المساهم لرقابة جهاز مراقبي الحسابات على مستويين، على مستوى تعيين مراقبي الحسابات وإعفائهم (المطلب الأول) ومن خلال منحهم حق تجريح مراقبي الحسابات (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تدخل المساهمين لتعيين وإعفاء مراقبي الحسابات

لقد عمل  المشرع المغربي على وضع مجموعة من الضوابط لضمان حياد مراقبي الحسابات في أدائهم لوظيفتهم المتمثلة في مراقبة محاسبة الشركة، وحتى يحققوا المهمة المنوطة بهم في ضمان نزاهتها . وما يكرس هذا الطرح هو وضع آليات للمساهم من أجل رقابته على أعمال مراقبي الحسابات.

فالمشرع أعطى للمساهم أحقية تعيين مراقبي الحسابات في حالة عدم تعيينهم من الجمعية العامة. والحاجة إلى هذه الآليات تبرزها الغاية التي أملتها عوامل عدة، تتجلى في حاجة الشركة إلى هؤلاء المراقبين  (الفقرة الأولى) . كذلك خول المشرع للمساهم إمكانية إعفاء مراقبي الحسابات في حالة عدم التزامهم بالمهام[4] الموكولة لهم .(الفقرة الثانية).

الفقرة  الأولى: تدخل المساهمين لتعيين مراقبي الحسابات.

لقد سعى المشرع المغربي من خلال قانون الشركات إلى دعم المراقبة المالية للشركة نظرا لأهميتها، على مستوى ضمان الدقة والفعالية في مسك محاسبة الشركة[5]، فعمد إلى إلزام شركات المساهمة بتعيين مراقبين للحسابات، وخول للمساهمين الحق في طلب إجراء ذلك التعيين من قبل القضاء في حالة تقاعس الجمعية العامة عن إجراء ذلك التعيين (أولا)، لكن تدخل المساهم عبر هذه الآليات المتاحة له يبقى ضعيفا أمام صعوبة إعمالها (ثانيا).

أولا:  طلب تعيين مراقبي الحسابات

أوكل المشرع المغربي للجمعية العامة العادية الاختصاص بتعيين مراقب الحسابات كأصل عام. [6] لكن في حالات استثنائية خول المشرع للمساهمين حق تقديم طلب لرئيس المحكمة التجارية بتعيين مراقبي الحسابات، من منطلق ضرورة توفر شركات المساهمة على مراقب واحد للحسابات على الأقل (المادة 165 من قانون 95-17.)

وحق طلب تعيين مراقب الحسابات بواسطة القاضي الاستعجالي، في حالة إغفال الجمعية العامة ذلك، مقرر لكل مساهم، ولا عبرة في ذلك بعدد الأسهم التي يملكها أو بنسبتها في رأس مال الشركة، كما لا يلزم توفر شرط حالة الاستعجال.

وتجدر الإشارة أن هذا الاتجاه يعبر بكل وضوح على توجه المشرع المغربي إلى تكريس الرقابة الفردية للمساهمين غير المسيرين على هذه المرحلة التي يتعثر فيها تعيين مراقبي الحسابات لأسباب مختلفة.

 لذا فتمتيع المساهمين غير المسيرين بهذه الآلية في غاية الأهمية، ونحن نعرف أن  تعسف الأغلبية المجتمعة في الجمعية العامة، قد يؤدي إلى حرمان الشركة من مراقبي الحسابات، وهو الذي من شأنه أن يؤثر سلبا على مصالح المساهمين والشركة على السواء.

واستصدار الأمر بتعيين مراقبي الحسابات مشروط:

•            بعدم تعيين الجمعية العامة لمراقبي الحسابات.

•            بضرورة تقديم طلب من طرف أحد المساهمين غير المسيرين وفق الشكلية المتبعة.

•            بدعوة المتصرفين بصفة قانونية لهذا التعيين.

لكن يثار الإشكال في حالة عدم تقديم أي مساهم طلب التعيين لأسباب مختلفة، فما هو الحل في هذه الحالة؟. وهل تبقى الشركة بدون مراقب للحسابات، في حين أن تعيينه إلزامي بالنسبة لكل شركة المساهمة.

ففي هذه الحالة لا إمكانية للمساهمين إلا استثمار الآليات القانونية المنصوص عليها في المادة 178  من قانون شركات المساهمة، والتي تقر ببطلان كل القرارات المتخذة في غياب مراقبين للحسابات معينين بصفة صحيحة.

ثانيا: محدودية تدخل المساهم في تعيين  مراقبي الحسابات

إن تدخل المساهم عبر آلية طلب تعيين مراقبي الحسابات بواسطة القاضي الاستعجالي، في حالة إغفال الجمعية العامة ذلك، يبقى ضعيفا أمام صعوبة إعمال هذه الآليات.

فعلى مستوى التعيين نلاحظ غياب الدور الرقابي للمساهم خلال تعيين مراقبي الحسابات من طرف الأغلبية الحاكمة أثناء وضع النظام الأساسي للشركة[7]، فلا يبقى للمساهمين سوى  إمكانية تجريحهم (م 164)، أو طلب عزلهم (م 179)، وبالتالي تواجههم مشكلة إثبات أسباب التجريح أو العزل.

      وتأسيسا على ما سبق فإن الرقابة على تعيين مراقبي الحسابات من طرف المساهمين غير المسيرين  مسألة في غاية الأهمية لذا يستوجب تمتيع المساهمين بآلية كفيلة  تمكنهم من تدارك تعيين مراقبي الحسابات الذين لا تتوفر فيهم الشروط الضرورية.

 و يعد نطاق الأشخاص المسموح تعيينهم كمراقبي الحسابات أهم شيء يستلزم الوقوف عليه نظرا للمكانة الحساسة لهؤلاء على تسيير الشركة.

لهذا نسجل محاولة المشرع المغربي الارتقاء بشركات المساهمة من  هذه الزاوية، حيث حاول منع بعض الأشخاص من مزاولة مهمة مراقبي الحسابات مثل ما جاءت به الفقرة الثالثة من المادة 161  من قانون رقم 17/95 "الأشخاص المشار إليهم في البند 1 أعلاه لفائدة الشركة أو الشركات التابعة لها وظائف قد تمس باستقلالهم أو يتقاضون أجرا عن احدها عن وظائف أو مهام منافية مع مهام مراقبي الحسابات لو تتحد تلك الوظائف والمهام بنص تنظيمي."

ففي رأينا إن اعتماد هذا المقتضى يمكن المساهم غير المسير من الطعن في التعيينات المحددة من طرف الأغلبية وبالتالي يتحقق نوع من التوازن بين المصالح.

 

الفقرة الثانية : تد خل المساهم لإعفاء مراقبي الحسابات.        

        إن المهمة الأساسية التي من أجلها تم إقرار نظام مراقبي الحسابات هي المراقبة العامة للحسابات، وهذا لا يتم إلا وفق مدة محددة حسب طبيعة التعيين، لكن قد تطرأ ظروف تجعل من مصلحة المساهمين عزل مراقبين للحسابات قبل انتهاء مدة انتدابهم، وهذا لا يتم إلا وفق شروط منصوص عليها في المادة  179.

         أولا: الجهة المخول لها إعفاء مراقبي الحسابات.

حسب مقتضيات المادة 179  من قانون الشركات المساهمة فإنه يمكن تقديم طلب إلى رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للمستعجلات من أجل إعفاء مراقبي الحسابات . وهذا الطلب يمكن تقديمه من طرف المساهمين الذين يتوفرون على نسبة لا تقل عن 5%  من رأسمال الشركة.

وإذا كان قانون شركات المساهمة قبل تعديله طبقا لقانون 05-20، كان مجحفا في حق المساهمين من حيث تحديده سقف عشر الرأسمال كشرط لاستصدار طلب العزل، فإن قانون 05-20 جاء بتحصين أفضل لحقوق المساهمين بتخفيض هذه النسبة إلى5%، ولا شك أن من شأن هذا التعديل أن يساعد بعض المساهمين على تجاوز حاجز النسبة الذي كان يقف عقبة أمام بعض المساهمين لتقديم طلب عزل مراقبي الحسابات.

لكن تقديم طلب عزل مراقبي الحسابات ممن يملك نسبة 5% من رأسمال الشركة، لا يعني بالضرورة أن رئيس المحكمة يقبله إلا إذا كان هذا الطلب مبني على أسباب وجيهة.

ثانيا: الأسباب الموجبة لإعفاء مراقبي الحسابات.

استعمل المشرع المغربي شأنه شأن المشرع الفرنسي مصطلح الإعفاء بذل مصطلح العزل وذلك رغم أن النتيجة تبقى واحدة في الحالتين معا[8].

ولقد حددت المادة 179 من ق. ش. م الأسباب الموجبة لعزل أو إعفاء مراقبي الحسابات في الخطأ أو الحيلولة دون قيام المراقب بمهامه. فوفق منطوق المادة "يمكن إعفاء مراقب أو عدة مراقبي للحسابات من مهامهم في حالة ارتكابهم خطأ أو عاقهم عائق مهما كان سببه ". ويلاحظ على هذه المادة أنها لا تسعف في تحديد كل حالات العزل.  فمفهومي الخطأ والعائق جاءا عامين وغير محددين[9]، الأمر الذي يترتب عليه منح القاضي الاستعجالي سلطة تقديرية حسب كل حالة لتوضيح أسباب العزل.

والإعفاء لا يكون بشكل مزاجي بل لا بد من إثبات خطأ تجاه مراقب الحسابات أو عائق في أدائه لمهامه.

فبالنسبة لخطأ مراقبي الحسابات، فقد اعتبر ذ. D.Vidal أن الخطأ المبرر للإعفاء  هو الخطأ الذي يكون على نسبة من الخطورة، فيجعل الشركة والمتعاملين معها لا يثقون في فعالية مهمة المراقب و نجاعتها.

     ومن تطبيقات القضاء الفرنسي فيما يتعلق بإعفاء مراقبي الحسابات لخطئه، نذكر القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية [10]المؤيد  للقرار القاضي بعزل مراقب الحسابات لرفضه وضع التقرير العام وتعطيل انعقاد الجمعية العامة بحجة وجود اختلالات في حسابات  الشركة في حين القانون يوجب عليه تعيين هذه الاختلالات في التقرير الذي سيقدمه للجمعية العامة[11].

أما بالنسبة للعائق فالمشرع المغربي لم يحدد طبيعته أو شكله فترك المسألة للقضاء من أجل  توضيح الأمر، هل هذا العائق يستلزم العزل أم لا، لكن بعض الفقه اعتبر أن العائق هو تواجد مراقب الحسابات في حالة من حالات عدم الأهلية أو التنافي، لكن نلاحظ أن المشرع أعطى دلالة واسعة للعائق حين تنصيصه بصريح العبارة في  المادة 179 من قانون رقم 17/95 على"إذا عاقهم عائق مهما كان سببه".

 وللإشارة أن هناك تشريعات ذهبت عكس ذلك حيث اختزلت أسباب الإعفاء في السبب غير المشروع فقط مثل التشريع التونسي (المادة 264)[12]، ولكن في نظرنا أن المشرع  المغربي أصاب من خلال تحديد أسباب الإعفاء وهو ما يساهم في تحقيق الأمن القانوني نتيجة وضوح القاعدة القانونية ودقتها في التصدي للوقائع المستحدثة.

المطلب الثاني: تجريح المساهمين لمراقبي الحسابات.

إن التجريح آلية قانونية جديدة تم التنصيص عليها في قانون الشركات من أجل غاية اقتصادية وقانونية. فالأولى تتجلى في حماية الادخار العام برمته والحفاظ على المصلحة الاقتصادية للشركة  أما الثانية، فتتجلى في ضمان حياد المراقبين واستقلالهم.

فهي أداة لحماية الأقلية من تعيين الجمعية العامة لمراقبي حسابات ينعدم فيهم الكفاءة والحياد[13].

ومن أجل ممارسة هذا الحق من طرف المساهمين يجب توفر عدة  شروط  تؤطر طلب تجريح مراقبي الحسابات مع إتباع مسطرة خاصة (فقرة أولى) لكن يطرح الإشكال حول فعالية هذه الضوابط في إعمال الرقابة الفردية (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: الضوابط المؤطرة لتجريح مراقبي الحسابات

فمن أجل تجريح مراقبي الحسابات يستلزم توفر مجموعة من الضوابط، منها ما هو متعلق بالشروط اللازمة لتجريح مراقبي الحسابات[14]، ومنها ما هو متعلق بالمسطرة الواجب إتباعها[15].

أولا : شروط تجريح مراقبي الحسابات

         هذه الشروط منها ما يتعلق بطالب التجريح(1)، ومنها ما يتعلق بمراقبي الحسابات الذين يجري تجريحهم(2).

1ـ الشروط المتعلقة بطالب التجريح

إن المادة 164 من ق ش م [16]جاءت بقاعدة عامة من أجل الوقوف أمام أي تواطؤ بين أغلبية المسيرين ومراقبي الحسابات، وانطلاقا من هذه المادة، فإنه يحق لمساهم أو عدة مساهمين يمثلون ما لا يقل عن 5 في المائة من رأسمال الشركة ، توجيه طلب تجريح مراقب أو مراقبي الحسابات الذين عينتهم الجمعية العامة إلى رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للمستعجلات.

لكن ما يلاحظ على هذه المادة أن المشرع عمل على تقليص نسبة الرأسمال المتطلبة لتقديم طلب التجريح وذلك في التعديل الذي أجراه بمقتضى القانون رقم20-05 ، إذ نزل بها من 10 في المائة في ضوء قانون  17 /95  إلى 5 في المائة مع هذا التعديل.

فحسب المادة 164 يجب أن يتوفر المساهم الذي يريد تجريح واحد أو أكثر من مراقبي الحسابات على نسبة% 5  من رأسمال الشركة فقط، حتى يمكنه تقديم طلب التجريح إلى رئيس المحكمة التجارية التي يقع في دائرتها المركز الرئيسي للشركة . ويبدو أن هذا التعديل له أهمية قصوى لأن اشتراط ملكية نسبة 10% من رأسمال الشركة كشرط لاستصدار طلب التجريح كان فيه نوع من التعجيز لبعض المساهمين.

 كما أن المشرع ومن خلال المادة164  من ق. ش. م جاء بتعديلات هامة من حيث الجهة الموكول إليها طلب تجريح مراقبي الحسابات، حيث نجده أقحم مجلس القيم المنقولة بالنسبة للشركات التي تدعو الجمهور للاكتتاب، في نطاق الأشخاص الذين يحق لهم تقديم طلب تجريح مراقبي الحسابات. ومع ذلك يبقى القانون المغربي قاصرا بالمقارنة مع بعض التشريعات المقارنة[17] والتي ذهبت إلى إعمال مسالة تعدد الجهات التي لها حق طلب التجريح لتشمل لجنة المقاولة والنيابة العامة أو السلطة المكلفة بالأسواق المالية بالنسبة للأشخاص المعنوية

2ـ الشروط المتعلقة بالمراقبين المعنيين بالتجريح

انطلاقا من المادة164 من ق. ش. م،  فإنه متى ظهر أن تعيين أحد مراقبي الحسابات تم بصورة غير صحيحة من لدن الجمعية العامة، أو أنه تنعدم فيه الكفاءة والحياد، أمكن للمساهمين استصدار طلب تجريحه.

هذا يعني  أن طلب تجريح مراقب الحسابات لا يجب أن يقدم إلا ضد مراقب الحسابات المعين من طرف الجمعية العامة العادية[18]، وبالتالي يستثنى من مسطرة التجريح مراقب الحسابات المعين في النظام الأساسي[19] أوفي عقد منفصل  يشكل جزءا منه أو المعين من قبل القضاء[20].

      إن ضمان حق التجريح  للمساهمين ضمن الأسباب التي أقرتها المادة 164 من قانون رقم 17/95 يعكس توجها تشريعيا يروم توفير ضمانات هامة للمراقب ومن خلاله حماية حقوق المساهمين ، فحسب منطوق المادة 164 "يكون التجريح لأسباب صحيحة "، إذن رفع طلب التجريح يستلزم جدية الأسباب، وهو ما يجعل الأمر موكول للسلطة التقديرية لرئيس المحكمة التجارية بصفته قاضي المستعجلات كلما كان الأمر يمس الحياد والاستقلالية لمراقب الحسابات .

وتجدر الإشارة أن أغلب الأسباب المعتمدة للتجريح هي المتعلقة باستقلالية المراقب سواء المبنية على الحالات المتعلقة بالتنافي والمنع أو ما استحدث من الناحية الواقعية لهذا فكلما طرأت وقائع ومعطيات تمس وتشكك في استقلالية المراقب كان بإمكان المساهمين رفع الطلب  لرئيس المحكمة التجارية.                                                                   

ثانيا: مسطرة تجريح مراقبي الحسابات[21]

يتم تجريح مراقبي الحسابات طبقا للفقرة الثانية من المادة 164 ق ش م، من خلال تقديم طلب إلى رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للمستعجلات، وذلك خلال أجل30 يوما يبتدئ من تاريخ التعيين. ويجب أن يكون التجريح مستندا لأسباب صحيحة[22].

هذا يعني أن تقديم طلب التجريح خلال الفترة التي حددها المشرع لا يعني بالضرورة أن يكون مقبولا ، بل لابد أن تكون هناك أسباب جدية تبرره.

فلقد شكل ضمان حق التجريح للمساهمين بشأن المراقبين المحاسبيين المعينين من قبل الجمعية العامة، ضمن الشروط التي أقرتها المادة 164 ق ش م، توجها تشريعيا يروم صون حقوق المساهمين مع توفير الضمانات اللازمة لمراقبي الحسابات ضمانا لعدم اللجوء إلى تجريحهم بشكل اعتباطي، من منطلق أن المشرع استلزم لذلك استناد التجريح إلى أسباب صحيحة.

لهذا تعتبر مسطرة التجريح آلية رقابية في يد مساهمي الأقلية الذين يعترضون على تعيين مراقبي الحسابات لعدم حيادهم واستقلالهم، متى ظهر أن التعيين تم بصورة غير صحيحة من لدن الجمعية العامة[23].

الفقرة الثانية: محدودية آلية التجريح كآلية رقابية

يعد تقرب مراقبي الحسابات من أعضاء التسيير واختلال مبدأ الحياد والاستقلالية من الأسباب التي تعصف بحياة الشركة وتهدم التوازن بين مصالح الأقلية والأغلبية الحاكمة.

لهذا أوجد المشرع المغربي آلية التجريح، كوسيلة تستثمر من طرف مساهم الأقلية في تحقيق التوازن السالف الذكر، مع تعزيز مكانته داخل الشركة على المستوى الرقابي.

والملاحظ أنه رغم التنصيص على هذه الآلية فهي تبقى معطلة نظرا لصعوبة إعمالها على أرض الواقع.

لذلك فإن ضمان الوظيفة الرقابية للمساهم على هذا المستوى يستلزم ضمان سهولة اللجوء إلى آلية التجريح من ناحية الشروط المنصوص عليها، والأسباب المبررة لها [24].

وبالتالي فإننا نلاحظ أن آلية التجريح كما هي منصوص عليها في التشريع المغربي لا تخدم الدور الرقابي للمساهم وهذا راجع للعوامل التالية:

 فعلى مستوى اللجوء إلى آلية التجريح، نلاحظ أن المشرع المغربي قد قيد حق الأقلية في طلب التجريح، بضرورة التقدم داخل أجل30  يوما من تاريخ تعيين مراقب الحسابات الذي يراد تجريحه بطلب التجريح[25]، وفي اعتقادنا فإن ربط التجريح بهذا الأجل مخالف للمنطق القانوني[26]، لأنه إذا كانت تفتقد في المراقب شروط الحياد والاستقلالية، فإنه ليس من شأن الزمن أن يصحح ذلك، لذلك كان يفترض ترك المجال مفتوح أمام المساهم للتقدم في أي وقت بطلب تجريح مراقبي الحسابات ما دام يتوفر على صفة المساهمة وعلى سبب مقنع للتجريح.

هذا دون إغفال أن اكتشاف أسباب التجريح يتطلب بعض الوقت، كما يمكن أن يتظاهر المراقب بالنزاهة والحياد ريثما تنقضي مدة 30 يوما.

 وإذا تجاوزنا إشكالية المدة فإن المشرع المغربي لم يتطرق بالدقة لأسباب التجريح. فترك المسألة لتقدير رئيس المحكمة بصفته هو المختص. وحسب رأينا يجب أن تكون أسباب التجريح جدية، وهذا ما أكدته محكمة  colmar[27] في حكم صادر عنها بتاريخ23  فبراير 1983 والذي جاء فيه"" أن شغل مراقب الحسابات سابقا لمنصب مستشار للشركة ومساعدته لرئيس الشركة في حل الخلاف الذي كان بين هذا الأخير وأحد مساهمي الأقلية، لا يشكل سببا كافيا لتجريحه لأنه لا يوجد أي دليل موضوعي يفيد الشك في نزاهته وحياده واستقلاليته، أو أنه لم يحافظ على مبدأ المساواة بين الشركاء.""

أما فيما يخص نطاق إعمال هذه آلية، فإننا نلاحظ أن المشرع اقتصر على تجريح المراقبين المعينين من قبل الجمعية العامة فقط، وأقصى المراقبين المعينين من طرف القضاء، أو في النظام الأساسي.

فيجوز لنا أن نتساءل عن المعيار الذي اعتمده المشرع المغربي في التمييز بين هؤلاء، ما دام أن الغاية من آلية التجريح هي تطهير جهاز مراقبي الحسابات من الفساد والمحاباة، وتقوية الرقابة المحاسبية للشركة.

 أضف إلى ذلك صعوبة إثبات الوقائع والمعطيات التي تدل على عدم حياد واستقلالية مراقب الحسابات موضوع التجريح، نظرا لسيطرة الأغلبية على جميع المعطيات المرتبطة بهذا الشأن

 لذلك فلا مبرر لحصر نطاق إعمال آلية التجريح سواء من حيث المدة المحددة لممارستها، أو من حيث الأسباب المبررة للتجريح، أو من حيث الأشخاص المشمولين بالتجريح.

وخلاصة القول أن الدور الرقابي للمساهم جد محدود على هذا المستوى، نتيجة محدودية إعمال آلية التجريح بسبب الأسباب السالفة الذكر.

 

 


[1] – ترجع أسباب الانهيارات المالية وحالات الإفلاس التي لحقت الشركات، والتي كانت سببا في ظهور نظام حكامة الشركات، إلى عدم استقلالية مكاتب التدقيق المالي ومراقبي الحسابات. راجع طارق عبد العالي حماد، حوكمة الشركات، الدار الجامعية، دون ذكر مكان الطبع، 2005، ص 2، 5.

[2] J. Richard, La comparaison du représentant d’une société commercial J.C.P 1980, éd ci II 13203, n° 44, « intérêt social est une notion économique qui commence et ou finit l’intérêt social ».

   راجع عبد الوهاب المريني، سلطة الأغلبية في قانون شركة المساهمة في القانون المغربي،   أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال الرباط 1996-1997. ،  594 يوما بعده.

[3]– فاطمة الدهوز، دور الأقلية في الشركات التجارية ، رسالة ماستر، كلية الحقوق طنجة، يونيو 2011، ص 69.

[4] – احمد شكري السباعي، الوسيط في الشركات ومجموعات ذات النفع الاقتصادي، الجزء الرابع، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الرباط 2004، ص 289. فؤاد معلال شرح القانون التجاري المغربي الجديد، ج 2 الشركات، الطبعة الثالثة، دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع ، سنة 2009 ، 315.عثمان الصطي، القضاء الإستعجالي في قانون الشركات، رسالة ماستر، كلية الحقوق مكناس، سنة 2008، ص 18.

[5] – عبد الرحيم شميعة، آليات تدخل المساهم غير المسير في تدبير شركة المساهمة، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس، السنة الجامعية 2010-2011.، ص 262.

[6] – فاطمة الدهوز، دور الأقلية في الشركات التجارية، رسالة ماستر، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، يونيو 2011.، ص 5، 6.

[7]  المادة 159  من قانون رقم 17/95.

[8] J. Hémard. F Terré. P Mabilat. Op. cit n° 954 p  755. et Dominique vidal droit des sociétés édition LGDJ paris 4 édition 2003 n° 2259 p 681.

[9] – محدودية  لأسباب، حيث اقتصر المشرع على الخطأ دون تحديد نوعه وطبيعته.

.[10] ـ قرارمحكمة النقض الفرنسية، ذكرته زكية الشعيبي، دور مراقب الحسابات داخل شركات المساهمة في إطار القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،الرباط 2006 /2007، ص147

[11] – ذكرته زكية الشعيبي، مرجع سابق، ص 147.

 [12]   المادة 264 من قانون 93 لسنة 2000 مؤرخ في 3 نوفبرلسنة 2000 يتعلق بالشركات التجارية  http://abdallah.ayari.voila.net/magistrature/code_societes_commerciales/codsocomarabe.html                                                                          بتاريخ 20/08/2013

[13] – شكري السباعي، الوسيط في الشركات ومجموعات ذات النفع الاقتصادي، الجزء الرابع، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الرباط 2004.، ص 299، وكذلك فاطمة الدهوز، مرجع سابق، ص 69.

[14] – المستلزمات الضرورية لتجريح مراقبي الحسابات منظمة بالفصل 164 في قانون رقم 17.75 وهي على سبيل الحصر لا يمكن الاتفاق على مخالفتها، فعند عدم توفرها تعطل مؤسسة التجريح بصفة كاملة.

+ أما الشروط المتعلقة بمسطرة التجريح المنصوص عليها في نفي الفصل السالف الذكر فهي قابلة للتصحيح إذا غاب أحد الشرط فتبقى مؤسسة التجريع قابلة للإعمال حين تصحيح مسطرة مع مراعاة الآجال المحددة قانونا.

[15] – عبد الرحيم شميعة، مرجع سابق، ص 194.

– Y. Cuyon. L’indépendances des commissaires aux comptes. J.C.P  années 1977.  I.  2831

كذلك فائق ادريس، مراقبي الحسابات في شركات المساهمة، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن، العدد 20 ،سنة 1993، ص 21.

[16]   المادة 164 من قانون رقم 17/95 ""يمكن لمساهم أو عدة مساهمين يمثلون ما لا يقل عن 5 في المائة من رأسمال الشركة توجيه طلب لرئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات بتجريح مراقب أو مراقبي الحسابات الذين عينمتهم الجمعية العامة على أن يكون هذا التجريح لسباب صحيحة ""

ـ المادة 1823من مدونة التجارة الفرنسية.[17]

[18]– نصت المادة 164 من قانون شركات المساهمات يمكن للمساهم أو عدة مساهمين يمثلون ما لا يقل عن عشر رأس المال الشركة، توجيه طلب لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات بتجريح مراقب أو مراقب للحسابات التي عينتهم الجمعية العامة على أن يكون هذا التجريح لأسباب صحيحة وبتعيين مراقب أو عدة مراقبين يتولون القيام مكانهم بالمهام التي كانت موكلة إليهم.

[19]– ففي نظرنا أن هذا الاستثناء ليس له دور أو خصوصية تعرقل إعمال آلية التجريح لأن المادة 163 من ق.ش.م تقصر مدة تعيين هؤلاء في نسبة مالية واحدة.

[20]– أما التعيين الواقع من طرف القضاء فله نفس الخصوصية لباقي التعيينات السالفة الذكر وبالتالي فلا مجال لاستثناء هذه الحالة من التجريح.

[21]– فمسطرة التجريح آلية استعجالية تتطلب وجود خصوصيات السرعة من أجل تحقيق الغاية التي نظمت من أجلها.

[22]– الأسباب الصحيحة pour juste motif هي نفس العبارة المعتمدة من القانون التجاري الفرنسي من خلال مادة L 823.6 ويستشف من هذه العبارة أن يكون طلب معللا تعليلا منطقيا سليما ومشروعا وهذه العناصر راجعة للسلطة التقديرية للقاضي، راجع في هذا الصدد عبد الرحيم شميعة ، مرجع سابق ، ص 198.

[23] Colmar 23 Février 1983 Rev, Soc, 1983 p 583, note J.G.

[24]– عبد الرحيم شميعة، مرجع سابق، ص 197، وادريس فائق، مراقب الحسابات في شركات المساهمة، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن ، عدد 20 سنة 1993، ص 30. وعثمان الصطي، مرجع سابق، ص 30.

[25]– يرى كل من J. Hémard et P. Mabilat et F.Terré أن هذا الأجل يبدأ من تاريخ اجتماع الجمعية العامة التي عينته وليس من تاريخ شهر هذا التعيين بالسجل التجاري لأن المساهمين لا يعدون أغيار بالنسبة للشركة. راجع في هذا الصدد عزيز أطوبان،  حماية الحقوق الأساسية للمساهمين في شركة المساهمة في القانون المغربي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة 2004-2005، ص  413

415 D. Schmidt, op, cit n° 139 et Y. Guyoun, droit des affaires, op.cit n° 376 p 397.

[26] – محمد آيت موح، مقال أقلية المساهمين ومظاهر حمايتها خارج  الجمعيات العامة في شركات المساهمة، مجلة القانون المغربي ،العدد 5، أكتوبر 2003، ص 51.

.[27]ـ  حكم صادر عن محكمة كولمار بتاريخ 23/02/1983،ذكره فالي علال،مفهوم رأس المال في شركة المساهمة،أطروحة،الرباط،2006/2007، ص182

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى