في الواجهةمقالات قانونية

تطبيقات التوقيع الإلكتروني – حمزة اليوسفي

تطبيقات التوقيع الإلكتروني 

حمزة اليوسفي

باحث بسلك الماستر

(ماستر إدارة الشؤون القانونية للمقاولة)

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية / سلا

جامعة محمد الخامس بالرباط

مقدمة :

تلعب الكتابة دورا مهما في إثبات التصرفات القانونية، ولا تعد دليلا كاملا في الإثبات إلا إذا كانت موقعة في صورة إمضاء أو ختم أو بصمة، فالتوقيع هو العنصر الثاني من عناصر الدليل الكتابي لإثبات التصرفات القانونية، وقد ظلت الكتابة لفترة من الزمن مرتبطة بالدعامة الورقية التي دونت عليها، إلا انه وبظهور ثورة المعلوميات والاتصالات وانتشار الوسائل التكنولوجية والإعلام والاتصال وتأثيرها في مختلف نواحي الحياة وخاصة في التعاملات التجارية، حيث أصبحت هذه الأخيرة تتم عبر الوسائط الإلكترونية بعيدا عن الصيغة المادية للعقود والوثائق.

وإذا كان هذا هو حال الكتابة، فالتوقيع لم يسلم هو الآخر من تأثيرات استخدام الوسائل التقنية والمعلوميات، فنظرا لاعتماد الشركات والإدارات والبنوك في عملها على نظم المعالجة الآلية للمعلومات أصبح التوقيع بمفهومه التقليدي عقبة من المستحيل تكييفها مع هذه النظم، مما أدى إلى البحث عن بديل له، فكان في البداية الرقم السري ثم ظهرت صور أخرى للتوقيع الإلكتروني كان آخرها التوقيع الرقمي الذي ساهم بشكل كبير في انتشار التجارة الإلكترونية.

ونظرا لأهمية التوقيع الإلكتروني في المعاملات الإلكترونية، سعت مختلف التشريعات لمنحها المصداقية المطلوبة قصد بناء الثقة بين المتعاملين خاصة في التجارة الإلكترونية التي تشهد نموا متصاعدا لما تتميز به من سرعة في إبرام العقود و توفير المال و الوقت والجهد.

وبما أن تنظيم الجوانب المختلفة للتوقيع الإلكتروني أصبح أمرا ضروريا، تم إصدار قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية سنة 1996 وقانون الأونسيترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية سنة 2001 من طرف منظمة الأمم المتحدة عن طريق لجنتها للتجارة الدولية، و كذا قانون التوجيه الأوروبي للتجارة الإلكترونية لسنة 2000 ، كما قامت العديد من الدول بإدخال تعديلات في تشريعاتها من خلال سن مقتضيات خاصة بالتوقيع الإلكتروني.

من هنا نستنتج أن لهذا الموضوع أهمية بالغة ذلك أن تنظيمه بصورة محكمة يشجع المعاملات التجارية الوطنية منها والدولية، كما يعمل على الحد من النفقات التي تتطلبها المعاملات التقليدية الورقية التي تأخذ الكثير من الجهد والوقت على خلاف المعاملات الإلكترونية  المتميزة بالسرعة.

إن استخدام العقد الالكتروني المبرم عبر الانترنت وحلوله محل العقد التقليدي يتطلب إيجاد بديل للتوقيع التقليدي، فالعقد الإلكتروني لا يتفق وفكرة هذا التوقيع الذي لا يجد له مجالا في ظل النظام الإلكتروني الحديث، ولحاجة للحد من مشكلة الخصوصية على شبكة الأنترنت وتوافر الأمن يشغل حيزا كبيرا من اهتمام مستخدمي الشبكة، كما تثير قلق الكثير من المستخدمين، لهذا تم اللجوء إلى التوقيع الإلكتروني لتوفير أعلى مستوى من الأمن والخصوصية للمتعاملين مع الشبكة، ويتم ذلك بقدرة التكنولوجيا على الحفاظ على سرية المعلومات و تحديد شخصية وهوية المرسل والمستقبل الإلكتروني للتأكد من مصداقية هذه الشخصيات مما يسمح بكشف أي تحايل أو تلاعب، إلا أن مسألة تحقيق الأمن قد تتعذر أو قد تحتاج لمواكبة كبيرة نظرا لتعدد تطبيقات التوقيع الإلكتروني، وظهور تطبيقات جديدة مع مرور الزمن وتطور التقنيات الإلكترونية.

وقد أطر المشرع المغربي التوقيع الإلكتروني بنصوص قانونية متفرقة حاول من خلالها تحديد مفهوم التوقيع الإلكتروني وحماية المتعاملين به رغم تعدد صوره وتطبيقاته، فما مدى نجاح المشرع المغربي في ضمان الأمن المعلوماتي عبر حماية التصرفات القانونية التي تتم عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة من خلال القواعد القانونية المنظمة لموضوع التوقيع الإلكتروني؟

ولمعالجة هذا الموضوع، سنحاول الإجابة على الإشكالات التي يطرحها على مستوى تحديد مفهومه و تعدد تطبيقاته:

  • المطلب الأول: مفهوم التوقيع الإلكتروني
  • المطلب الثاني: تطبيقات التوقيع الإلكتروني

المطلب الأول: مفهوم التوقيع الإلكتروني

أدت الصعوبات التي يمكن أن تطرح بصدد مسألة بيان المقصود بالتوقيع الإلكتروني إلى تخوف مختلف المنظمات الدولية والتشريعات، لارتباطها بالثقة والأمان في نفوس المتعاملين به، مما فرض ضرورة وجود إطار قانوني ينظمه ويحافظ على مصالح المتعاملين به من الغش والاحتيال.[1]

تباينت التعريفات التي وضعت للتوقيع الإلكتروني باختلاف الزاوية التي ينظر منها إليه، فهناك من ركز على التقنيات المستخدمة في إنجازه، وهناك من ركز على الوظائف التي ينبغي أن يقوم بها التوقيع الإلكتروني في سياق بيئته الإلكترونية مقارنة بوظائف التوقيع بخط اليد، وعليه سنقوم باستعراض مختلف تعاريف التوقيع الإلكتروني، سواء تلك المقدمة من طرف التشريعات الدولية (الفقرة الأولى) أو التشريعات الوطنية (الفقرة الثانية) أو من طرف الفقه (الفقرة الثالثة).[2]

الفقرة الأولى: تعريف التوقيع الإلكتروني في التشريعات الدولية

نظمت مختلف التشريعات الدولية التوقيع الإلكتروني والتجارة الإلكترونية، وذلك بوضع تعريف شامل للتوقيع الإلكتروني لإزالة الغموض عن هذا المصطلح القانوني الحديث، ولتحديد هذا المفهوم سوف نتطرق إلى تعريف التوجيه الأوروبي وقانون “الأونسترال” اللذان حددا مفهوم هذا المصطلح.

 

 

أولا: تعريف التوجيه الأوروبي للتوقيع الإلكتروني

بعد صدور القانون النموذجي حول التجارة الإلكترونية الذي أعدته لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي، عرضت اللجنة الأوروبية مشروع التوجيه الأوروبي حول إطار قانون عام للتوقيع الإلكتروني لمجلس وزراء المجموعة الأوروبية الذي وافق عليه البرلمان الأوروبي في 13 ديسمبر 1999.

وقد أورد التوجيه الأوروبي في نصوصه مستويين للتوقيع الإلكتروني:

– المستوى الأول: يعرف بالتوقيع الالكتروني البسيط، وهذا التوقيع حسب نص المادة الثانية من التوجيه يعرف بأنه: “معلومات تأخذ شكلا إلكترونيا ترتبط بشكل منطقي ببيانات أخرى إلكترونية، والذي يشكل أساس منهج التوثيق”.

– أما المستوى الثاني: فهو التوقيع الإلكتروني المسبق أو المتقدم، وهو توقيع يرتبط بشكل غير قابل للفصل بالنص الموقع، ولكي يتصف التوقيع الالكتروني بأنه توقيع متقدم يجب أن يلبي الشروط التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة الثانية وهي:

  • أن يرتبط بشكل منفرد بصاحب التوقيع؛
  • أن يتيح كشف هوية صاحب التوقيع؛
  • أن ينشأ من خلال وسائل موضوعة تحت رقابة صاحب التوقيع؛
  • أن يرتبط بالبيانات التي وضع عليها التوقيع إلى درجة أن أي تعديل لاحق للبيانات يمكن كشفه.[3]

 

 

 

ثانيا: قانون الأونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية

حسب نص المادة الثانية من قانون الأونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية: “يقصد بالتوقيع الالكتروني بيانات في شكل إلكتروني مدرجة برسالة أو مضافة إليها أو مرتبطة بها منطقيا، حيث يمكن أن تستخدم لبيان هوية الموقع بالنسبة لهذه الرسالة أو لبيان موافقته على المعلومات الواردة في الرسالة”.

وكما هو واضح من النص السابق لم يقيد قانون الأونسترال مفهوم التوقيع الإلكتروني، بل إن هذا النص يمكن أن يستوعب أية تكنولوجيا تظهر في المستقبل تفي بإنشاء توقيع إلكتروني، وهذا ما نصت عليه المادة الثالثة من ذات القانون، إذ نصت على أنه لا تطبق أي من أحكام هذا القانون باستثناء المادة الخامسة بما يشكل استبعادا أو تقييدا أو حرمانا من مفهوم قانوني لأية طريقة لإنشاء توقيع إلكتروني تفي بالاشتراطات المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة السادسة، أو تفي على أي نحو آخر بمقتضيات القانون المنطبق.[4]

الفقرة الثانية: تعريف التوقيع الإلكتروني في التشريعات الوطنية

أولا: تعريف المشرع الفرنسي للتوقيع الالكتروني

عرف المشرع الفرنسي التوقيع الإلكتروني في المادة 1316 من القانون المدني الفرنسي المعدل بالقانون الصادر في 13 مارس 2000 والمتعلق بالتوقيع الإلكتروني بأنه: “التوقيع الذي يميز هوية صاحبه إذا ما تم التوقيع في شكل إلكتروني وجب استخدام طريقه موثوق بها لتمييز هوية صاحبه”.

وبالتالي فالمشرع الفرنسي نص على وجوب حماية صاحب التوقيع من تقليد توقيعه باستخدام مختلف الأساليب الاحتيالية، عبر استخدام توقيع موثوق يضمن استعماله من طرف صاحبه فقط، حيث تستلزم أن تكون الطريقة موثوقة بشكل يتيح التعرف على هوية صاحب التوقيع.

ثانيا: تعريف المشرع المغربي للتوقيع الإلكتروني

أما بخصوص المشرع المغربي فلم يعرف التوقيع الإلكتروني من خلال القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، لكنه في مقابل ذلك قام بتتميم الفصول 417، 425، 426، 440 و 443 من ظهير الالتزامات والعقود من خلال تمتيع الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق.

وقد قسم المشرع المغربي التوقيع الإلكتروني إلى توقيع الكتروني بسيط وتوقيع الكتروني مؤمن، هذا الأخير عرفه في الفقرة الثانية من الفصل 417-3 من قانون الالتزامات والعقود بكونه: “يعتبر التوقيع الإلكتروني مؤمنا إذا تم إنشاءه وكانت هوية الموقع مؤكدة، وتمامية الوثيقة القانونية مضمونة وفق النصوص التشريعية والتنظيمية في هذا المجال”.[5]

كما حدد لأول مرة تعريف التوقيع بوجه عام بالنظر للوظائف القانونية التي يؤديها، من خلال الفصل 417-2 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي متأثرا بذلك بتوجه المشرع الفرنسي، إذ ينص هذا الفصل على ما يلي: “يتيح التوقيع الضروري لإتمام وثيقة قانونية التعرف على الشخص الموقع، ويعبر عن قبوله الالتزامات الناتجة عن الوثيقة المذكورة”.

 

 

 

 

 

الفقرة الثالثة: التعريف الفقهي للتوقيع الإلكتروني

لقد تحدثت التعاريف الفقهية عن مفهوم التوقيع الالكتروني بشكل أكثر وضوحا، رغم اختلاف كل تعريف عن الآخر بحسب الزاوية المنظور منها إليه، حيث انقسم الفقه إلى اتجاهين:

– اتجاه أول: تبنى معيارا وظيفيا في تعريفه للتوقيع الإلكتروني، فاعتمد على ما يؤديه من وظائف، انطلاقا من ضرورة تحديد هوية صاحب التوقيع، ومدى التزامه بمضمون المحرر الموقع إلكترونيا.

– واتجاه ثاني: تبنى معيارا فنيا تقنيا ينبني على أساس المواصفات التقنية التي تسهم في إنشاء وضبط التوقيع الالكتروني، والتي ترفع من درجات موثوقيته على اعتبار مجموع معادلات ورموز.

ولقد عرفه البعض بأنه: “بيان مكتوب بشكل إلكتروني ويمثل بحرف أو رقم أو رمز أو إشارة أو صوت أو شيفرة خاصة ومميزة، ينتج عن اتباع وسيلة آمنة، وهذا البيان يلحق أو يرتبط منطقيا ببيانات المحرر الإلكتروني للدلالة على هوية الموقع على المحرر والرضا بمضمونه”.

وقد عرفه البعض الآخر على أنه: “مجموعة من الإجراءات والوسائل التي يتبع استخدامها عن طريق الرموز أو الأرقام لإخراج رسالة إلكترونية تضمن علاقة مميزة لصاحب الرسالة المنقولة إلكترونيا يجري تشفيرها باستخدام مفتاحين، واحد معلن والآخر خاص بصاحب الرسالة”.

ويستفاد مما سبق أنه رغم اختلاف هذه التعاريف إلا أنها تصب مجملها في اتجاه تأكيد أن التوقيع الالكتروني هو عبارة عن عمليات تقنية تتم عن طريق استخدام أرقام أو رموز أو إخراج علامة مميزة لصاحب الرسالة المنقولة إلكترونيا.

 

 

المطلب الثاني: تطبيقات التوقيع الإلكتروني

أصبح من الممكن دفع ما يترتب على المشتري من ثمن السلع أو الخدمات عن طريق بطاقات الدفع الإلكترونية، فقد استحدثت وسائط الاتصال الحديثة بطاقات دفع تتماشى مع التجارة الإلكترونية، إذ بواسطتها يستطيع المشتري تحويل أو إيداع ثمن السلعة أو الخدمة إلى رصيد البائع بمجرد الوصول للاتفاق، فأهم ما تمتاز به شبكة الأنترنت هو الفورية التي كانت من أسباب انتشار التجارة الإلكترونية، وبمقابل هذه الفورية فلابد من توفير وسيلة دفع فورية تتلاءم مع طبيعة الاتصال السريعة.

ومن وسائل الدفع الإلكتروني المستخدمة في سداد ثمن السلع والخدمات نذكر منها: بطاقات الدفع الإلكترونية بأنواعها المتعددة، وأنظمة الدفع الإلكتروني الحديثة مثل النقود الرقمية، الشبكات الإلكترونية ووسائل الدفع المصرفية مثل الهاتف المصرفي، بنوك الأنترنت…

ويبرز هنا دور التوقيع الإلكتروني، إذ لابد من توافر شكل معين من أشكال التوقيع الإلكتروني لإتمام عملية الدفع، فعلى سبيل المثال: جميع انواع بطاقات الدفع الإلكترونية تحتوي شرائط ممغنطة توجد عليها بيانات تخص صاحبها، هذه البيانات يتحدد لها رقم سري أثناء ترحيلها من الحاسوب إلى هذا الشريط، وهذا الرقم يمثل توقيعا إلكترونيا.[6]

ولبيان تطبيقات التوقيع الإلكتروني عبر وسائل الاتصال الحديثة، ولمعرفة ما إذا كان للدفع الإلكتروني سمات مميزة قريبة من سمات الدفع المادي، سنتطرق إلى تطبيقات التوقيع الإلكتروني في بطاقات الدفع الإلكتروني (الفقرة الأولى)، وتطبيقات التوقيع الإلكتروني في أنظمة الدفع الإلكترونية الحديثة (الفقرة الثانية).

 

 

الفقرة الأولى: تطبيقات التوقيع الإلكتروني في بطاقات الدفع الإلكتروني

إلى وقت ليس ببعيد كانت عمليات الدفع تتم إما بواسطة النقود المعدنية أو الورقية، ولكن مع ازدهار التجارة وتطورها استخدمت وسائل أخرى للدفع كالشيكات الورقية والحوالات البنكية، إلا أن تطور التجارة أكثر فأكثر محليا ودوليا خاصة في العقدين السابقين أدى بشركات البنوك إلى استحداث بطاقات الدفع الإلكترونية بأنواعها المختلفة كل واحدة حسب وظيفتها، وإن كانت فئات العملات المعدنية والورقية وكذلك الشيكات الورقية هي الأكثر استخداما في عمليات الدفع اليومية، إلا أن هذه الأساليب لم تعد ملائمة مع ظهور بيئة غير مادية، فالتعاقدات التي تتم عن طريق شبكة الاتصال الحديثة “الأنترنت” تحتاج الى وسيلة دفع تتلاءم مع طبيعتها الإلكترونية.

ومن هذه وسائل نجد بطاقات الدفع الإلكترونية، حيث استحدثت شركات البنوك بطاقات الدفع الالكتروني، ثم أخذت بطاقات الدفع في التطور والتنوع والانتشار عالميا، وهي عبارة عن قطعة من البلاستيك المقوى تحتوي شريطا ممغنطا، ومنها ما يحتوي ذاكرة إلكترونية، كما تتضمن البطاقات بعض البيانات كاسم المستفيد، تاريخ انتهاء استخدامها، اسم البنك المسوق لها، اسم المنظمة أو المؤسسة المصدرة لها. وبطاقات الدفع الإلكترونية عدة أنواع، من بينها بطاقات الدفع وبطاقات السحب الإلكتروني…[7] وبطاقات الدفع الإلكترونية عدة أنواع، جميعها ثلاثية الأطراف، وهم: البنك المسوق لها؛ العميل؛ والتاجر.

 

 

 

 

أولا: بطاقات الدفع

ويطلق عليها أيضا اسم بطاقات الوفاء، وهي بطاقات تعتمد على وجود رصيد للعميل لدى البنك المسوق لها في صورة حسابات جارية بغرض مساواة سحوبات العميل، وتسمح هذه البطاقات لحاملها بدفع ثمن سلع أو الخدمات التي يبتاعها من المحلات التجارية التي تقبل الدفع إلكترونيا ويتم ذلك بتحويل قيمة السلع أو الخدمات من رصيد حاملها المشتري إلى رصيد البائع، وعملية التحويل تتم بإحدى طريقتين، في إحداهما يستخدم التوقيع الإلكتروني، وفيما يلي شرح لهاتين الطريقتين:[8]

  • الطريقة غير المباشرة (off-line)

في هذه الطريقة يستخدم التوقيع التقليدي من أجل تحويل ثمن السلعة والخدمات من رصيد حامل البطاقة (المشتري) إلى رصيد البائع، وبهذه الطريقة يسلم المشتري بطاقته والتي تحتوي بيانات خاصة عن حاملها والبنك المسوق لها إلى تاجر، والذي بدوره يدون هذه البيانات إضافة لقيمة سعر الخدمة على فاتورة ثم يوقع المشتري عدة نسخ من هذه الفاتورة، وبعد ذلك ترسل إحداهما للجهة المسوقة للبطاقة لتحويل القيمة من رصيد المشتري إلى رصيد البائع.[9]

  • الطريقة المباشرة (On-line)

في هذه الطريقة يستخدم التوقيع الإلكتروني، حيث يسلم المشتري بطاقته إلى البائع الذي يمررها داخل جهاز آلي خاص للتأكد من صحة البيانات الموجودة على البطاقة ومن وجود رصيد للمشتري يكفي لتسديد قيمة السلع أو الخدمات، وبعد ذلك يدخل المشتري الرقم الخاص به ليعلن موافقته على إتمام العملية حيث يعد الرقم السري أحد أشكال التوقيع الإلكتروني وبمجرد الانتهاء من هذه الإجراءات يحول البنك المسوق للبطاقة المبلغ المطلوب مقابل ثمن السلعة أو الخدمات من رصيد المشتري إلى رصيد البائع وهذه العملية تتم مباشرة وكأنها بمثابة دفع فوري، لذا تعد طريقة الدفع المباشر (On-line) من اعلى درجات ضمان الوفاء للتاجر بعكس طريقة الدفع غير المباشر (Off-line) التي تعد بمثابة تعهد للتاجر من البنك المسوق للبطاقة بتسديد ثمن السلع أو الخدمات له.[10]

ثانيا: بطاقة السحب الآلي A.T.M

تعد بطاقة السحب الآلي أكثر أنواع البطاقات الإلكترونية شيوعا واستخداما، وهذه البطاقة تسمح لحاملها بسحب مبالغ نقدية من رصيده وبحد أقصى يتفق عليه في البداية مع البنك المسوق لها حتى في خارج أوقات الدوام الرسمي والعطل الرسمية، كما تمكنه من الاستفسار عن رصيده وطلب كشف حساب مختصر وتحويل كل أو جزء من رصيده إلى رصيد اي شخص آخر.

ولاستخدام هذا النوع من البطاقات الإلكترونية يستلزم وجود رصيد لحاملها بالقيمة المطلوبة، فإذا لم يكن له رصيد في حسابه أو كان الرصيد غير كافي فإنه لا يستطيع إتمام ما أزمع القيام به لأن هذه البطاقة لا تعد بطاقة ائتمان لأن البنك المسوق لها لا يوفر للعميل تسهيلا ائتمانيا، وإنما عمله يقتصر على رد النقود الموجودة بحساب العميل بطريقة إلكترونية.

ويسلم البنك المسوق لبطاقة السحب الآلي لعميله – إضافة للبطاقة البلاستيكية – رقما سريا يتكون من أربع خانات، حيث يستخدمه العميل بدلا من التوقيع التقليدي، ولكي تتم العملية التي عزم العميل على إجرائها، يجب أن يتبع عدة إجراءات متسلسلة وهي كالآتي:

  • إدخال بطاقة السحب الآلي في المكان المخصص لها في جهاز الصراف الآلي؛[11]
  • إدخال الرقم السري الخاص بالبطاقة، إذ يحتوي شريط البطاقة الممغنط مفتاح الرقم السري، وبهذه الخطوة يعبر العميل عن إرادته في إتمام التصرف، إذ يعد الرقم السري بمثابة توقيع، ولكن بشكل إلكتروني؛
  • تحديد العملية المصرفية (سحب، إيداع، تحويل من رصيده الى رصيد آخر…)[12]

الفقرة الثانية: تطبيقات التوقيع الإلكتروني في أنظمة الدفع الإلكترونية الحديثة

إذا كان تطور التجارة الإلكترونية وازدهارها يرجع إلى التقدم التقني والتكنولوجي في قطاع الاتصالات ومجال المعلوميات، فإن سبب انتشارها يعود إلى تطور أنظمة الدفع بين المشترين (المستهلكين) والبائعين (التجار) الذين يعتمدون على الوسائط الإلكترونية، إذ تتمتع أنظمة الدفع الإلكتروني بالسرعة والسهولة في تسوية المدفوعات، فمن غير المتوقع يوما وجود تجارة إلكترونية – وإن كانت هي التي أوجدت نظم دفع الحديثة – بدون تطور مستمر لأساليب الدفع. فعملية تحويل أثمنة السلع أو الخدمات أصبحت هي حجر الزاوية في نجاح وتطور التجارة الإلكترونية.

وسوف نقتصر على النقود الرقمية باعتبارها أسلوبا من أساليب الدفع الإلكترونية الحديثة:

أولا: ماهية النقود الرقمية

بداية يجب التنويه بأن النقود الرقمية هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن بموجبها الدفع عبر الاتصال المباشر، فوسائل الدفع الأخرى كالتحويلات البنكية والبطاقات البنكية والشيكات الإلكترونية هي وسائل معالجة عبر الاتصال المباشر لأمر من المؤدي إلى المتلقي، كما في النقود الورقية التي تصدر عن البنوك المركزية.

تتمتع النقود الرقمية بخاصية تجعلها غير قابلة للتزييف أو السرقة، إذ ليس لها كيان مادي ملموس، فمصدرها إحدى مؤسسات الأموال الرقمية كمؤسسة (pay pal) بالاشتراك مع بنك حقيقي.

 

 

 

 

ثانيا: أساليب إدارة النقود الرقمية

1 – الأسلوب الأول: بواسطة البطاقة الذكية (المحفظة الإلكترونية Smart Card) ، وتحتوي هذه البطاقة بفضل ذاكرتها الإلكترونية الواسعة بيانات متعددة كالبيانات المتعلقة بالبطاقة وبيانات خاصة بحاملها كاسمه وتاريخ حياته المصرفي، وبيانات خاصة بالمؤسسة التي أصدرتها، كما تخزن على هذه البطاقة النقود الرقمية في شكل وحدات (Bits) حسب القيمة التي يريدها مالكها، وهذه البيانات تقرأ بواسطة شاشة صغيرة مثبته عليها.

ومن مميزات هذه البطاقة، إمكانية تخزين إحدى خواص الإنسان الفيزيائية (مثل بصمة أو هندسة اليد أو مسح شبكة العين  أو بصمة الصوت) في ذاكرتها وتشغيلها بدلا من الرقم السري، وتمتاز أيضا بإمكانية استخدامها في شبكة الأنترنت للتعريف بهوية حاملها.

2 – الأسلوب الثاني: يتم بواسطة القرص الصلب أو ذاكرة الحاسوب للعميل، فبعد أن يحول العميل نقوده الورقية إلى نقود رقمية، يسحب هذه النقود من حسابه المصرفي ويضعها في حسابه الإلكتروني، بعد ذلك يحمل هذه النقود الرقمية على قرص صلب (CD) أو على ذاكرة حاسوبه، وعندما يحدد العامل السلعة أو الخدمة التي يريد أن يشتريها من تاجر يتعامل بالنقود الرقمية، يصدر امرا عن طريق حاسوبه بدفع ثمن هذه السلعة أو الخدمة وهذا الأمر لا يمكن للبنك الاستجابة له إلا بعد أن يدخل العميل توقيعه الالكتروني.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

من خلال ما سبق يتضح أن التوقيع الإلكتروني جاء حماية للتعاملات المبرمة عبر الوسائط الإلكترونية، لما يعززه من الثقة بها لقدرته على تحقيق نفس وظائف التوقيع التقليدي من حيث تحديد أو توثيق هوية الموقع والتعبير عن إرادته بالموافقة على مضمون الكتابة، بل بعض التوقيعات تتفوق على التوقيع التقليدي من حيث توثيق شخصية صاحب التوقيع كما هو الشأن في التوقيع رقمي حيث يعتبر التوقيع الإلكتروني آلية تتمتع بالصدق والأمان ولها القدرة على تحديد هوية الموقع والتعبير عن إرادته بالالتزام بمحتوى المحرر الإلكتروني ،وذلك أن ضرورة توفر الثقة والأمان في التعاملات التي تتم عبر الوسائط الإلكترونية  مسألة مهمة وضرورية لبقائها وانتشارها نظرا لعدم الحضور المادي بين أطراف التعامل، وبالتالي فقد ساوت التشريعات في القوة الثبوتية بين التوقيع التقليدي والتوقيع الإلكتروني، وهو حال المشرع المغربي حيث اعترف بحجية التوقيع الإلكتروني ومنحه ذات الآثار القانونية المترتبة على التوقيع التقليدي رابطا ذلك بتوفر جملة من الشروط نص عليها من خلال المادة السادسة من قانون 05_53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، ليتم الإعتداد بالتوقيع الالكتروني ليكون منتجا لكافة آثاره هادفا من خلال ذلك أساسا إلى إضفاء المصداقية على التوقيعات الإلكترونية.

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع:

 

  • محمد أحجام، “الثقة في المعاملات الإلكترونية على ضوء قانون 43.20” ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر القانون المدني والتحولات الاقتصادية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية تطوان، جامعة عبد المالك السعدي، السنة الجامعية 2021-2022
  • زينب غريب، “إشكالية التوقيع الإلكتروني وحجيته في الإثبات”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر قانون الاعمال والمقاولات، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – السويسي، جامعة محمد الخامس بالرباط،  السنة الجامعية 2009-2010
  • عيسى غسان ربضي، “القواعد الخاصة بالتوقيع الإلكتروني” ، عمان، دار الثقافة، الطبعة الأولى: 2009
  • حمزة اليوسفي وآخرون، “أحكام التبليغ وإشكالاته العملية حسب قانون المسطرة المدنية”، بحث نهاية سلك الإجازة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – سلا ، جامعة محمد الخامس بالرباط، السنة الجامعية 2021-2022
  • “قانون الأونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية”

 

[1] محمد أحجام، “الثقة في المعاملات الإلكترونية على ضوء قانون 43.20” ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر القانون المدني والتحولات الاقتصادية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية تطوان، جامعة عبد المالك السعدي، السنة الجامعية 2021-2022 ، الصفحة: 21

[2] زينب غريب، “إشكالية التوقيع الإلكتروني وحجيته في الإثبات”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر قانون الاعمال والمقاولات، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – السويسي، جامعة محمد الخامس بالرباط،  السنة الجامعية 2009-2010 ، الصفحة: 16

[3] زينب غريب، مرجع سابق، الصفحة: 17

[4] عيسى غسان ربضي، “القواعد الخاصة بالتوقيع الإلكتروني” ، عمان، دار الثقافة، الطبعة الأولى: 2009 ، الصفحة: 50

[5] حمزة اليوسفي وآخرون، “أحكام التبليغ وإشكالاته العملية حسب قانون المسطرة المدنية”، بحث نهاية سلك الإجازة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية – سلا ، جامعة محمد الخامس بالرباط، السنة الجامعية 2021-2022 ، الصفحة: 33

[6] زينب غريب، مرجع سابق، الصفحة: 52

[7] عيسى غسان ربضي، مرجع سابق، الصفحة: 98

[8] زينب غريب، مرجع سابق، الصفحة: 52

[9] عيسى غسان ربضي، مرجع سابق، الصفحة: 100

[10] زينب غريب، مرجع سابق، الصفحة: 53

[11] وهذه الأجهزة يوفرها البنك المسوق للبطاقة في أماكن مختلفة، كالأماكن العامة، الشوارع، الجامعات، المطارات…

[12] عيسى غسان ربضي، مرجع سابق، الصفحة: 101

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى