في الواجهةمقالات قانونيةندوات

تقرير عن ندوة حول محددات تطبيق المادة 49 من مدونة الأسرة

 

ندوة حول محددات تطبيق المادة 49 من مدونة الأسرة

من اعداد الدكتور أنس سعدون  عضو نادي قضاة المغرب

في إطار أنشطتها الرامية إلى فتح نقاش حول الحقوق المالية للمرأة بالمغرب نظمت جمعية صوت المرأة الأمازيغية ندوة لتقديم الدراسة الميدانية التي أنجزتها الجمعية حول وضعية تطبيق الفصل 49 من مدونة الأسرة بشراكة مع برنامج دعم للسفارة البريطانية وذلك عشية يوم الجمعة فاتح فبراير 2019 بمدينة الرباط.

استهلت أشغال الندوة بكلمة السيدة أمينة زيوال رئيسة الجمعية التي أكدت من خلالها أن 15 سنة من تطبيق مدونة الأسرة كشفت عن عدة اختلالات كانت ضحيتها النساء، ومن أبرزها تلك المتعلقة بحقوققهن في نصيب من الأموال المشتركة أثناء قيام العلاقة الزوجية في حالة الطلاق، فرغم أن المشرع أجاز للزوجين الاتفاق في عقد مستقل على كيفية تدبير هذه الأموال، الا أن عدم توقيع وثيقة تدبير الأموال المُكتسبة أثناء قيام الزوجية يَطرحُ مشاكلَ جمّة بالنسبة إلى النساء في حالة وقوع الطلاق، ويُخلّف مآسي اجتماعية تكون ضحيتها النساء، مُوردةً مثال زوجة بمدينة القنيطرة ساهمت إلى جانب زوجها في تنمية مشروع تجاري وبناء بيت، وحين طلّقها لمْ تحكم لها المحكمة بأيّ نصيب من الثروة التي ساهمت في اكتسابها.

وأضافت “بالرغم من أنّ الفصل التاسع والأربعين ينص على أنّه في حال لم يكن هناك اتفاق بين الزوجين حول تدبير الأموال المُكتسبة أثناء قيام الزوجية، “يتمّ الرجوع إلى القواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين، وما قدمه من مجهودات، وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة”، إلا أنّ النساء يجدن صعوبة في إثبات مساهمتهن في هذا الجانب، وهو “ما يؤدي إلى ضياع حقوقهن، وخروجهن خاليات الوفاض”.

وقدم الطيب العيادي، أستاذ علم الاجتماع نتائج الدراسة الميدانية التي أنجزها، بجهة سوس ماسة، و استغرقت ثمانية أشهر، وقال :”إنّ بعض الرجال الذين شملهتم الدراسة ذهبوا إلى القول إن المادة 49 من مدونة الأسرة “كتضسّر العيالات”، لكنَّ المفارقة، هي أن نسبة كبيرة من النساء لسْن أصلا على علْم بمقتضيات هذا الفصل من مدونة الأسرة.

وفي مقابل التمثل السلبي السائد لدى الرجال، الذين شملتهم الدراسة حول المادة 49 من مدونة الأسرة، عبّرت النساء المطلقات، اللواتي لم يقمن بإرفاق وثيقة تدبير الممتلكات بعقد الزواج، عن خيْبتهنّ لعدم معرفتهن بكون مدونة الأسرة تتيح لهن هذا الحق، وأنهن لو عاد بهن الزمن إلى الوراء لأصْررن على اشتراط إرفاق عقود الزواج بوثيقة تدبير الممتلكات.

وأضاف الطيب العيادي “إنّ أغلب العدول لا يُخبرون النساء المقبلات على الزواج بما تنص عليه المادة 49 من مدونة الأسرة، مضيفا “أن غالبية العدول يكتفون بالتحقق من توافر الايجاب والقبول، والسؤال عن مبلغ الصداق لا غير”.

ليخلص للقول إنّ “العدول يشكلون عائقا أمام تطبيق الفصل التاسع والأربعين من مدونة الأسرة”.

من جهة أخرى أشار الباحث الطيب العيادي الى مجموعة العراقيل التي تحول دون اعمال المادة 49 من مدونة الأسرة أهمها الثقافة السائدة في المجتمع المغربي، حيث لا يزالَ العمَل الذي تقوم به المرأة في البيت مُبخّسا من طرف الرجال. في المقابل تعتبر النساء أنفسهنَّ بحاجة إلى أن يصرف الرجال عليهنّ، وهو ما يكرّس إعلاء مكانة الرجل على المرأة داخل بيت الزوجية، وإعطاء قيمة أعلى للعَمل الذي يقوم به خارج البيت، في حين يتم تبخيس مساهمة المرأة في بيت الزوجية، رغم الأهمية القصوى لمساهمتها.

ومن مظاهر تأثير الثقافة السائدة في المجتمع المغربي على تمتيع المرأة بحق التدبير المشارك للأموال المُكتسبة خلال الحياة الزوجية، التي سجّلها البحث الميداني الذي أنجزته “جمعية صوت المرأة الأمازيغية”، سيادة التخوُّف لدى الرجال من كوْن إرفاق عقد الزواج بوثيقة تدبير الممتلكات “وسيلة للاستيلاء على ممتلكات الرجل”، رغم أنّ هذه الوثيقة لا تعني سوى الأموال التي ستُكتسب أثناء قيام الزوجية.

ويعزو الطيب العيادي سيادة هذه التصورات لدى الرجال إلى عاملين رئيسيين، هما عدم التوفر على معلومات حول مقتضيات الفصل التاسع والأربعين من مدونة الأسرة، واعتبار الرجل المجهود الذي تقوم به المرأة في بيت الزوجية غير ذي أثر على تنمية ممتلكات الزوجين، مضيفا “للأسف الشديد، كثير من الأحكام القضائية تزكّي هذا التصور الخاطئ”.

أشغال الندوة عرفت تقديم مجموعة من المداخلات حيث أكد الدكتور أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب أن  إن من بين الأسباب الرئيسية لضياع حقوق النساء المطلقات المتعلقة بمساهمتهن في الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية، صعوبة الولوج إلى العدالة، فضلا عن الاختلالات الموجودة في النص القانوني، مضيفا أنّ القاضي ليسَ مُلزما بالبتّ في الأموال المشتركة بين الزوجية إلا إذا أثارت الزوجة هذه المسألة أثناء مباشرة مسطرة الطلاق.

واعتبر الدكتور أنس سعدون أنَّ من بين المشاكل التي تواجه تنفيذ مقتضيات مدونة الأسرة، وخاصة المادة 49، نشر معلومات خاطئة عن هذا الفصل، من قبيل أنّها تتيح للمرأة، في حال توقيع وثيقة الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية، الحصول على نصف ممتلكات الزوج بعد الطلاق، بما في ذلك الممتلكات التي اكتسبها بمفرده قبل الزواج، رغم أنَّ المادة المذكورة تتحدث عن الأموال والممتلكات المُكتسبة أثناء قيام الزوجية فقط، أي التي ساهما معا في اكتسابها.

وأوضح عضو نادي “قضاة المغرب” أنّ صعوبة الولوج إلى العدالة وغياب تعميم المعلومة القانونية يحُدّان بدورهما من استفادة المطلقات من حقهن في الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية، إضافة إلى عدم تعميم الاجتهادات القضائية مثل تدخّل محكمة النقض لتوحيد الاجتهاد القضائي فيما يتعلق بتعويض المتعة. وأضاف متسائلا “لماذا لا نجد مُقتضى مماثلا في قضايا تدبير الأموال المشتركة بين الأزواج؟”.

من جهتها، دعت المحامية فتيحة شتاتو إلى ضرورة تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة لتصبح أكثر وضوحا في كيفية توزيع الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية، مشيرة في هذا الصدد إلى أن المشرع لم يكن جريئا بهذا الخصوص ولم يحسم في إشكالية هل يعتبر العمل المنزلي عملا منتجا ويخول، إثر ذلك، المطالبة بالكد والسعاية وهل يعد مساهمة من المرأة تؤدي إلى إنماء مال الأسرة دون تمييز؟ مشيرة في الآن ذاته إلى أن المرأة غير ملزمة بالأعمال المنزلية، معللة موقفها بالقول:” لا وجود في الشريعة لنص من هذا القبيل”.

الناشطة الحقوقية والمحامية خديجة الروكاني إعادة النظر في تصور المغاربة لمؤسسة الزواج، ونزع طابع القدسية عنه، قائلة: “المادة الرابعة من مدونة الأسرة تَعتبر الزواج ميثاقا، والحال أنّه عَقد، صحيح أنه يقوم على علاقة إنسانية، ولكن يجب إعادة النظر في مفهومه، لأنّ إضافة صبغة المقدس عليه يؤدي إلى تطبيق مرجعية معينة يتمّ تأويلها من طرف القضاة والمحامين”.

وعبّرت المتحدثة ذاتُها عن إحباطها من نتائج مدونة الأسرة في الشق المتعلق بالحقوق الاقتصادية للنساء، موضحة أنّ سبعة في المائة فقط من العقارات المحفّظة في المغرب مُسجّلة باسم النساء، بينما يستحوذ الرجال على الباقي، ومتهمة القضاة بـ”تكريس هذا الحيف، بالحُكم لفائدة النساء بمبالغ مالية هزيلة بعد الطلاق، رغم أنّ طلقاءَهن يملكون أموالا طائلة”.

وطالبت المحامية خديجة الروكاني أعضاء اللجنة الملكية التي كانت مكلفة بإعادة النظر في مدونة الأحوال الشخصية، والتي تمخضت عنها مدونة الأسرة، بـ”إخراج النقاشات الداخلية التي كانت داخلَ هذه اللجنة”، وزادت موضحة: “ذلك لنعرف السياقات التي كانوا يناقشون فيها المادة التاسعة والأربعين من مدونة الأسرة، لنواجهَ بها القضاء، ونُبرهن أنّ الأحكام التي يصدرها، والتي تؤطرها المادة التاسعة والأربعون، خاطئة”.

واستدلّت المتحدثة ذاتها في هذا السياق بمسألة التطليق للشقاق، مُعتبرة أنّها وُضعت في مدوّنة الأسرة “كنوع من الشونطاج”..”بغيتو أنّ المرأة يكون عندها الحق في التطليق للشقاق، إذن غادي تعطيونا يكون هذا الحق ديال الزوج والزوجة معا، وما يْكونش غير حق ديال المرأة، لكي تظلّ العقلية الذكورية هي السائدة في المجتمع”، تقول الروكاني، مضيفة: “هذا التوجه دافع عنه عدد من أعضاء اللجنة الملكية التي صاغت مدونة الأسرة”.

الباحث في الدراسات الاسلامية محمد عبد الوهاب رفيقي تناول في مداخلته “حق الكد والسعاية بين الفقه والقانون”، منطلقا من مفارقة مفادها أن استمرار اخضاع المجال الأسري لمنطق الفقه والفتوى يبقى موقفا متجاوزا على اعتبار أن هذا المجال ينبغي اخضاعه للقانون المدني، لأنه يدخل في اطار المعاملات، لافتا الانتباه الى حجم التطورات الكبيرة التي عرفتها الأسرة المعاصرة والتي لا يمكن اخضاعها وتقييدها باجتهادات فقهية مرتبطة بالأساس بسياق تاريخي معين أضحت متجاوزة في الوقت الراهن.

وأشار في هذا الصدد الى حق الكد والسعاية الذي ابتدعه الفقه المالكي من أجل حق المرأة العاملة خاصة في البوادي في الأموال المكتسبة بعد الزواج، علما بأن الفقه المالكي يعتبر من أكثر المذاهب تشددا في فرض قيود على حرية المرأة المتزوجة في التصرف في أموالها، ليستنتج امكانية اخضاع هذا الموضوع للاجتهاد مع تطور العصر والمجتمعات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى