في الواجهةمقالات قانونية

جنوح الأحداث في الوسط المدرسي في التشريع الجزائري

 

د. لاكلي نادية

تخصص: دكتوراه في القانون الخاص

أستاذة مساعدة بالمركز الجامعي بلحاج بوشعيب، عين تموشنت، الجزائر

 

 

جنوح الأحداث في الوسط المدرسي

في التشريع الجزائري

الملخص:

تعتبر الجرائم المرتكبة من قِبل الأحداث في الوسط المدرسي من الظواهر الأكثر شيوعا في وقتنا الراهن نتيجة عوامل إجتماعية مرتبطة بالظروف الإجتماعية والأسرية للحدث، أو عوامل نفسية مرتبطة بشخصيته. ويقصد بالحدث الطفل الذي لم يبلغ سن الرشد.

وتسعى معظم التشريعات بما فيها المشرّع الجزائري إلى التصدّي إلى هذه الظاهرة ومكافحتها من خلال توقيع عقوبات ردعية للحد من هذه الظاهرة الإجرامية، غير أنّ هذه العقوبات تتناسب مع سنّ الطفل وظروفه لذلك يفرّق بين مرحلة إنعدام المسؤولية والتي لا يُسأل فيها الحدث الجانح عن جُرمه نظرا لعدم قدرته على الإدراك والتمييز، وبين المرحلة المخفّفة للعقوبة والتي يخضع فيها الحدث الجانح إلى عقوبات ردعية لكن بشكل مُخفّف مقارنة بتلك المُوقّعة على المجرم البالغ.

الكلمات المفتاحية: الحدث، جنوح، المسؤولية الجنائية

Abstact :

Crimes committed by juveniles in the school environment are among the most common phenomena of our time as a result of social factors related to the social and family circumstances of the juvenile, or psychological factors associated with his personality. The event means a child who has not reached the age of majority. Most legislations, including the Algerian legislator, seek to address and combat this phenomenon through the introduction of deterrent sanctions to curb this criminal phenomenon. However, these penalties are commensurate with the age and circumstances of the child, thus distinguishing between the stage of irresponsibility, On cognition and discrimination, and between the mitigating phase of the juvenile and the delinquent being subject to deterrent sanctions, but subtly compared to those committed to the grave offense.

Keywords : Juvenile, delinquency, criminal liability

 

مقدّمة:

 

  تعتبر الجريمة ظاهرة قديمة تجتاح جميع المجتمعات وتهدّد أمنهم واستقرارهم، ممّا استدعى تدخّل التشريعات في توقيع عقوبات ردعيّة لمختلف الجرائم.

غير أنّه قد تصدر بعض الجرائم من فئة حسّاسة في المجتمع ألا وهي الأحداث نتيجة عدّة عوامل إجتماعية ونفسيّة تجعل منهم أحداثا جانحين لاسيما في الوسط المدرسي الذّي أصبح ميدانا خصبا لارتكاب الجرائم بمختلف صورها من قِبل الأحداث. ولقد أولى المشرّع الجزائري أهمية كبيرة لهذه الفئة من المجتمع باعتبارها في مرحلة حسّاسة من العمر من خلال استحداث القانون رقم 15-12[1] المتعلّق بحماية الطفل، والذّي تضمّن جميع الإجراءات المتعلّقة بالحدث الجانح تداركا للثغرات القانونية التي تضمّنها قانون الإجراءات الجزائية في هذا المجال.

أهميّة الموضوع:

تبرز أهميّة هذه الدراسة في تجاهل المجتمعات للعوامل المؤديّة إلى جنوح الأحداث، وفي

الإنتشار الكبير لهذه الظاهرة في المجتمعات العربية لاسيما في الوسط المدرسي، بالإضافة إلى

ندرة الدراسات المتعلّقة بجنوح الأحداث في الوسط المدرسي.

أهداف الموضوع:

تهدف هذه الدراسة إلى تحديد مفهوم الحدث الجانح، والتعرّف على عوامل وأسباب جنوحه، وكذلك على صور مساءلته جنائيّا.

الإشكالية:

تطرح هذه الدراسة التساؤلات التالية:

مالمقصود بالحدث الجانح؟

وماهي عوامل جنوح الحدث في الوسط المدرسي؟

وماهي مراحل المسؤولية الجنائية للأحداث في التشريع الجزائري؟

للإجابة على هذه التساؤلات، قسمنا هذه الدراسة إلى مبحثين، نتناول في أوّلها مفهوم الحدث وعوامل جنوحه في الوسط المدرسي، بينما سنتطرّق في ثانيهما إلى مراحل المسؤولية الجنائية للحدث، معتمدين في ذلك المنهج الوصفي والتحليلي.

المبحث الأول: مفهوم الحدث وعوامل جنوحه في الوسط المدرسي

 المطلب الأول: مفهوم الحدث

  يقصد بالحدث اصطلاحا الشخص الذي لم تتوفر فيه ملكة الإدراك والإختيار لقصور عقله عن إدراك حقائق الأشياء واختيار النافع منها وذلك لعدم اكتمال نموّه[2]، ويعرّفه علماء النفس بأنّه ” الصغير منذ ولادته حتى يتم نضجه النفسي وتتكامل لديه عناصر الإدراك والرشد”[3]. بينما يعرّفه الفقه الإجتماعي بأنّه” الصغير منذ ولادته حتى يتم نضجه الإجتماعي وتتكامل لديه عناصر الرشد المتمثّلة في الإدراك التام، أي معرفة الإنسان بصفة و طبيعة عمله والقدرة على تكييف سلوكه وتصرفاته طبقا لما يحيط به من ظروف ومتطلبات الواقع الإجتماعي”[4].

أمّا عن التعريف القانوني للحدث فيعرّفه المشرع الجزائري بأنّه:” هو صغير السن الذي يقل عن الثمانية عشر عاما، وبوصول الصغيرإلى هذه السن يكون قد بلغ سن الرشد الجنائي”[5]، كما حدّد فترة الحداثة ببلوغ الصغير عشر سنوات من عمره وعدم إتمامه سن الثامنة عشر[6].

أمّا عن الحدث الجانح فلقد عرّفته المادة الثانية من القانون رقم 15-12 المتعلّق بحماية الطفل في فقرتها الثالثة بأنّه: ” الطفل الذي يرتكب فعلا مجرّما والذّي لا يقلّ عمره عن عشر (10) سنوات.

وتكون العبرة في تحديد سنّه  بيوم ارتكاب الجريمة.”.

  المطلب الثاني: عوامل جنوح الحدث في الوسط المدرسي

    يقصد بالجنوح بصفة عامة كل سلوك عدواني يعود بالضرر على صاحبه وعلى الغير، ويعرّفه البعض كذلك بأنّه كل فعل أو سلوك يمكن أن يُعرض على المحكمة ويصدر فيه حكم قانوني[7].  ويعتبر جنوح الأحداث مفهوما قانونيا إذ يشير إلى التصرفات غير المشروعة التي يقوم بها الأحداث والتي تحيلهم إلى القضاء.

ويفرّق الفقهاء بين الأحداث المنحرفون والذين اعتادوا ارتكاب السلوكات غير الأخلاقية والمُجرّمة، والأحداث المعرّضون للإنحراف الذين لم يصلوا بعد إلى درجة الإنحراف لكنهم مُعرّضون له بسبب العوامل المحيطة بهم.

ويعدّ الوسط المدرسي في الوقت الراهن بؤرة جرائم الأحداث، ولكن ماهي عوامل جنوح الحدث في الوسط المدرسي؟

يجدر على المجتمعات التعرّف على العوامل الرئيسيّة التي تؤدّي بالحدث إلى ارتكاب جرائم رغم صغر سنّه، لاسيما عندما تُرتكب هذه الجرائم في المدرسة، و هذا بهدف إيجاد حلول لهذه الظاهرة المتفشيّة.

تعدّدت تقسيمات الفقهاء لعوامل جنوح الحدث، ويمكن تقسيمها إلى عوامل شخصية و أخرى إجتماعية.

الفرع الأوّل: العوامل الشخصيّة

قد يولد الجنوح لدى الحدث من شخصيته في حدّ ذاتها نتيجة عوامل نفسية تتمثّل في الرغبة الفطرية للحدث في اتباع سلوكات قد تصل إلى درجة الإجرام و ذلك بشكل لا شعوري، إذ يهدف الهدف من وراء تصرفه إلى إشباع رغباته الغريزيّة المتمرّدة دون التفكير في العواقب الناتجة عن تصرّفه[8].

كما قد يُصاب الطفل بأمراض نفسية بسبب عوامل اُسرية أو بسبب مشاكله مع مُدرّسيه في المدرسة أو حتى مع زملائه، تجعل منه طفلا عدوانيا يميل إلى الإنتقام من خلال تصرفات محظورة.

ويعدّ انعدام التحاور الأسري من أهم الأسباب التي تولّد مشاكل نفسية لدى الطفل والتي يحاول الهروب منها من خلال إدمان المخدرات أو المشروبات الكحولية، والتي تؤدي بدورها إلى ارتكاب الجرائم. لذلك ينصح علماء النفس بترك مجال للحوار بين الوالدين وأبنائهم للإستماع إلى انشغالاتهم ومشاكلهم و لو كانت بسيطة في نظرهم و عدم تجاهلهم.

الفرع الثاني: العوامل الإجتماعيّة

نلاحظ اهتمام المجتمعات بالجانب الرّدعي للجريمة بدلا من التعمّق في أسباب قيام الجريمة لاسيما من قِبل الأحداث، إذ تعتبر جرائم الأحداث تصرفات ناتجة عن عوامل اجتماعية متنوعة.

فقد تعتبر الأسرة العامل الأوّل والجوهري في خلق روح الإجرام لدى الحدث، إذ تشكّل الأسرة البيئة الأولى التي يجد فيها الإنسان نفسه والتي يتعلّم فيها مباديء الحياة. فكثير من الجانحين الأحداث يقتبسون سوء أخلاقهم من أسرتهم في حدّ ذاتها فلا يجدون فيها المثل الأعلى للإقتداء به، فإذا نشأ الطفل في بيئة يكون فيها الأب سارقا أو تاجر مخدرات أو قاتلا فسيقتدي حتما بوالده ليرث منه السلوكات الإجرامية، أو كأن تكون أمّه خليعة فستتحطّم لديه المباديء الأخلاقية ليصبح المحظور عنده مباحا.

كما يمكن ان يقع الوالدان في محظورات تربويّة غير مقصودة تؤدّي بشكل غير مباشر إلى وقوع الطفل في الجنوح، وتتجلّى أهم هذه المحظورات في التدليل المبالغ فيه للطفل بشكل غير منطقي والرّضوخ لطلباته، ممّا يكوّن لديه فكرة خاطئة عن واقع المجتمع الذّي يعيش فيه، فيتحوّل إلى طفل عدواني إزّاء زملائه في المدرسة في حالة عدم استجابتهم لطلباته، أو حتى إزّاء المدرّسين في حالة توبيخه.

و لكن قد ينشأ الطفل في بيئة مناسبة غير أنّه يكتسب التصرفات الإجرامية من خلال مخالطته لأطفال مجرمين، وذلك بسبب عدم وجود رقابة على الطفل من قِبل الوالدين بسبب انشغالاتهم لاسيما عندما تكون الأم عاملة و تترك مهمة تربية أولادها للغير. فالرّفقة السيئة مفتاح الإنحراف، إذ تعدّ معظم أسباب المشاكل السلوكية والاخلاقية ناتجة عن الرفقة السيّئة، لاسيما في غياب الرقابة الأبوية. ولا يقتصر الأمر على مراقبة أصدقاء الطفل فحسب، بل يجب على الوالدين مراقبة المشاهد التي يتلقّاها الطفل من خلال الرسوم المتحرّكة والألعاب الإلكترونية التي قد تحتوي على مشاهد عنف يحاول الطفل تطبيقها على أرض الواقع، لا قد يتعدّى الأمر الجنوح ليصل إلى مرحلة الإنتحار وهذا ما شهدته معظم الدول العربية من جرّاء لعبة الحوت الأزرق التي أودت بحياة العديد من الأطفال.

كما يؤدي التفكك الأسري سواء الناتج عن الخلافات المستمرة بين الوالدين، أوالناتج عن انفصالهما أو هجر أحدهما للعائلة إلى انحراف الطفل نتيجة الحالة النفسيّة للطفل من جهة ونقص الرقابة عليه من جهة أخرى، ويتأزّم الأمر في حالة زواج أحد الوالدين أو كلاهما من زوج آخر، فيشعر الطفل بعدم الأمان وغياب الإهتمام من طرف والديه فيقوم بتصرفات إجرامية لجذب انتباههما، وقد يؤدي كذلك التفكك الأسري إلى تشرّد الطفل.

ويعتبر الفقر وارتفاع عدد أفراد الأسرة من العوامل الشائعة التي تؤدي إلى جنوح الطفل، ولعل أهم الجرائم المرتكبة في هذه الحالة هي السرقة بحثا عن كسب المال. كذلك تعتبر الأحياء الفوضوية مصدر جنوح الأحداث لكثافة سكانها و غياب شروط المعيشة.

كما يلعب الدور التربوي و الأساليب التأديبية للوالدين داخل الأسرة و المُدرّسين داخل المدرسة في توجيه سلوك الطفل، فإذا كان الأسلوب يعتمد على الضرب فسيولّد العدوانية لدى الطفل والتي سيمارسها على زملائه في المدرسة من خلال ضربهم أو جرحهم، بل قد يصل الأمر إلى ضرب التلميذ لمعلّمه إذ أصبحت هذه الظاهرة شائعة في المجتمعات العربية. لذلك ينصح أطباء النفس بعدم ممارسة العقوبة الجسدية والألفاظ التجريحية على الطفل نظرا للعواقب الوخيمة التي تنتج عنها.

بالإضافة إلى الجانب الأسري، تلعب المدرسة دورا جوهريا في توجيه سلوك الطفل إذ تعتبر المدرسة أوّل بيئة خارجية تصادف الطفل أين يلتقي فيها بشخصيات مختلفة للأطفال، والتي يتلقى فيها تعاليم تربوية خارج أحضان أسرته لذلك يجب أن تكون هذه التعاليم سليمة وأن يكون المُدرّس المربّي الثاني الذي يغمر الطفل بالحنان وأن يتجنب معه جميع أساليب العنف من ضرب و تجريح بالألفاظ .

  المبحث الثاني: مراحل المسؤولية الجنائية للحدث

  يفرّق المشرع الجزائري في مجال جرائم الأحداث بين مرحلتين: مرحلة انعدام المسؤولية الجنائية للحدث ومرحلة التخفيف من المسؤولية الجنائية للحدث.

 

 

المطلب الأول: مرحلة انعدام المسؤولية الجنائية للحدث (قبل 10 سنوات)

يعتبر المشرع الجزائري الحدث في هذه المرحلة غير مسؤولا جنائيا عن تصرفاته المحظورة لعدم فهمه لمعنى الجريمة وخطورتها، إذ تنص المادة 49 من قانون العقوبات في فقرتها الأولى على أنّه: ” لا يكون محلا للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل عشر (10) سنوات”  وعليه، تنعدم المسؤولية الجنائية على القاصر الذي لم يبلغ عشر سنوات لعدم بلوغه سن التمييز.

وتنتهي مرحلة انعدام المسؤولية الجنائية للحدث بمجرد بلوغه سن الثالثة عشر، وتحتسب مدة ثلاثة عشر سنة من يوم وقوع الجريمة و ليس من تاريخ تحريك الدعوى ضده وهذا ما أقرّته صراحة المادة 443 من قانون الإجراءات الجزائية.

والحكمة من وراء عدم مساءلة الطفل الجانح في هذه المرحلة أنّه ينعدم الإدراك والتمييز في هذه السن، فلا يستطيع الشخص تقدير ماهية أفعاله.

المطلب الثاني: مرحلة تخفيف المسؤولية الجنائية للحدث

   و هي المرحلة التي يعاقب فيها الحدث بشكل مخفّف بسبب عدم بلوغه سن الرشد الجنائي، ويفرّق المشرع الجزائري بين الحدث الذي يتراوح سنه بين 10 إلى أقل من 13 سنة والذي توقّع في شأنه تدابير الحماية والتهذيب، أما إذا تعلّق الأمر بمخالفة فيكون محلّ توبيخ فقط[9]، وبين الحدث الذي يتراوح سنه من 13 إلى 18 سنة الذي توقّع عليه إما تدابير الحماية أو التهذيب، أو يخضع لعقوبات مخفّفة[10].

الفرع الأول: الحدث الذي يتراوح سنه من 10 إلى أقل من 13 سنة

في حالة ارتكاب الحدث الذي يتراوح سنه من 10 إلى أقل من 13 سنة لجناية أو جنحة فلا توقّع ضدّه سوى تدابير تربوية تهدف إلى تهذيب وإصلاح الحدث المجرم. ولقد حدّد المشرّع الجزائري في قانون حماية الطفل في المادة 85 منه التدابير التي يمكن اتخاذها ضد الطفل في حالة ارتكابه جناية أو جنحة و المتمثّلة في:

– تسليم الطفل لممثّله الشرعي أو لشخص أو لعائلة جديرين بالثقة، و تبقى السلطة التقديرية لقاضي الأحداث في تعيين الشخص الذي سيُسلّم له الطفل، كما يتعيّن على القاضي تحديد الإعانات المالية اللازمة لرعاية الطفل. ويعتبر هذا التدبير من أفضل الوسائل التهذيبية للطفل، إذ قد يؤثّر إبعاد الطفل عن وسطه العائلي سلبا على نفسيّته.

– وضعه في مؤسسّسة معتمدة مكلّفة بمساعدة الطفولة، ويهدف القاضي من وراء هذا التدبير إلى إبعاد الطفل عن محيطه الأسري والإجتماعي ووضعه في وسط يتلاءم مع حالته النفسية والمادية.

– وضعه في مدرسة داخلية صالحة لإيواء الاطفال في سن الدراسة، كأن يوضع الحدث في مركز التكوين المهني الذي يحتوي على إقامة داخلية. و يهدف هذا التدبير إلى تهذيب و إصلاح الحدث دون حرمانه من الحق في الدراسة.

– وضعه في مركز متخصص في حماية الأطفال الجانحين، فقد تحتاج فئة معينة من الأحداث الجانحين إلى وضعهم في مركز متخصص نظرا لصعوبة تطبيق التدابير السابقة عليهم.

– تطبيق نظام الحريّة المُراقبة، و يقصد بها الإفراج عن الحدث مع وضعه تحت المراقبة. و يُنفّذ الأمر بتطبيق نظام الحرية المراقبة في دائرة إختصاص المحكمة التي أمرت به أو محكمة موطن الطفل، و تتم هذه المراقبة من قِبل مندوبين دائمين و مندوبين متطوعين يختارهم القاضي من بين المربيّن المتخصصين في شؤون الطفولة لمراقبة الظروف المادية و المعنوية للطفل وصحته وتربيته وحسن استخدامه لأوقات فراغه، و يقدّمون تقريرا مفصلا لقاضي الأحداث كل ثلاثة أشهر، أما في حالة حدوث أي طارئ للطفل يجب على ممثله الشرعي أن يخطر قاضي الأحداث فورا[11].

و نلاحظ أن هذه التدابير هي تقريبا نفسها المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية لكن مع بعض التغييرات الطفيفة، إذ حددت المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية هذه التدابير في:

– تسليمه لوالديه أو لوصيه أو لشخص جدي بالثقة، ولا يشترط القانون قبول هؤلاء لاستلام الطفل لأنّه يدخل ضمن إلتزاماتهم. أمّا في حالة تعذّر تسليم الحدث لوالديه فيُسلّم في هذه الحالة إلى شخص جدير بالثقة، وتبقى السلطة التقديرية للقاضي في تقدير هذه الجدالرة من خلال دراسته لظروفه الخاصة.

– تطبيق نظام الإفراج عنه مع وضعه تحت المراقبة،ولقد تطرّقت المادة 478 من قانون الإجراءات الجزائية للإفراج تحت المراقبة والتي تنصّ على أنّه:” تتحقق مراقبة الأحداث الموضوعين في نظام الإفراج تحت المراقبة بدائرة كل قسم أحداث بأن يعهد إلى مندوب أو عدة مندوبين دائمين أو مندوبين متطوعين لمراقبة الأحداث. ويعين مندوب بالنسبة لكل حدث إما بأمر من قاضي الأحداث أو عند الاقتضاء من قاضي التحقيق المختص بشؤون الأحداث وإما بالحكم الذي يفصل في موضوع القضية”.

– وضعه في منظمة أو مؤسسة عامة أو خاصة معدّة للتهذيب أو التكوين المهني مؤهلة لهذا الغرض.

– وضعه في مؤسسة طبية أو طبية تربوية مؤهلة لذلك.

– وضعه في مصلحة عمومية مكلفة بالمساعدة.

– وضعه في مدرسة داخلية صالحة لإيواء الأحداث المجرمين في سن الدراسة.

و تتمثل هذه التدابير في إجراءات تربوية أو علاجية تتناسب مع حالة الحدث.

  أمّا في حالة ارتكاب الحدث لمخالفة فيكون محل توبيخ فقط و هو تدبير إصلاحي يقوم من خلاله القاضي بتأنيب الحدث وتحذيره من العودة إليه.

الفرع الثاني: الحدث الذي يتراوح سنه من 13 إلى 18 سنة

يخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 سنة إمّا لتدابير الحماية و التربية التي سبق التطرق إليها، أو إلى عقوبة مخفّفة، وترجع السلطة التقديرية لقاضي الأحداث في توقيع إحدى العقوبتين آخذا بعين الإعتبار بعض المعايير المتعلقة بالجاني وبطبيعة الجرم المُرتكب من قِبله. و في حالة ما إذا قرّر القاضي توقيع العقوبة الجزائية بدل التدبير فستكون عقوبة مخففة مقارنة بتلك الموقعة على الأشخاص البالغين.

و لقد حدّد المشرّع الجزائري العقوبات الجزائية الموقّعة على القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 سنة في المادّة 50 من قانون العقوبات و التي تنص على أنّه: ” إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي الإعدام أو السجن المؤيد فإنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة.

و إذا كانت العقوبة هي السجن أو الحبس المؤقت فإنّه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعيّن الحكم عليه بها إذا كان بالغا.”

وتُنفّذ العقوبة في مراكز خاصة لإعادة التأهيل تابعة لوزارة العدل بهدف إعادة تربيتهم وإدماجهم إجتماعيّا، ويتلقّى الحدث الجانح في هذه المراكز تكوينا أخلاقيا تحت إشراف لجنة إعادة التربية.

كما يمكن توقيع عقوبة العمل للنفع العام على القاصر الذي يبلغ من العمر 16 سنة، و تتمثل هذه العقوبة في قيام المحكوم عليه بعمل للنفع العام دون أجر بدلا من إدخاله المؤسسة العقابية. و لقد تطرّق المشرع الجزائري إلى هذه العقوبة في المادة 5 مكرر1 من قانون العقوبات مع توافر بعض الشروط و المتمثلة في:

ألا يكون الشخص مسبوقا قضائيا، بلوغه 16 سنة على الاقل وقت ارتكاب الجريمة، عدم تجاوز عقوبة الجريمة المرتكبة ثلاث سنوات حبس، عدم تجاوز العقوبة المنطوق بها سنة حبس. وحدّد مدة العمل للنفع العام بالنسبة للقاصر بمدة لا تقل عن عشرين ساعة و أن لا تزيد عن ثلاثمائة ساعة.

أما في حالة ارتكاب القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 سنة مخالفة فيكون محلّ توبيخ أو توقع عليه العقوبة المالية ” الغرامة “[12]، غير أنّ آراء الفقهاء تختلف حول توقيع الغرامة المالية على الحدث الجانح، إذ يعارض البعض توقيع هذه العقوبة على الحدث باعتبار أنّها ستُدفع من قِبل والديه، فلا يكون للغرامة المالية أثر ردعي في حق الحدث الجانح لعدم دفعه لها شخصيا. بينما يؤيّد البعض توقيع الغرامة المالية على الحدث الجانح رغم وقوعها على والديه بدلا منه، ممّا يحفّز من تكثيف رقابتهما عليه في المستقبل لتجنب ارتكاب جرائم أخرى[13].

و يجوز لقاضي الأحداث تغيير أو مراجعة تدابير الحماية والتهذيب في أي وقت بناء على طلب النيابة العامة أو بناءا على تقرير الوسط المفتوح أو من تلقاء نفسه مهما كانت الجهة القضائية التي أمرت به، غير أنّه إذا تعلّق الأمر باستبدال تدبير التسليم بتدبير الوضع يجب على قاضي الأحداث أن يرفع الملف إلى قسم الأحداث[14]. كما يمكن لجهة الحكم بالنسبة للطفل البالغ من العمر من ثلاثة عشر سنة إلى ثمانية عشر سنة أن تستبدل أو تستكمل التدابير بعقوبة الغرامة أو الحبس وفقا للكيفيات المحددة في المادة 50 من قانون العقوبات[15].

و نشير في الأخير إلى أن المشرّع الجزائري قد استحدث إجراءا يسمح بإبرام إتفاق بين الطفل الجانح و ممثله الشرعي من جهة و بين الضحية أو ذوي حقوقها من جهة أخرى بهدف جبر الضرر و إنهاء المتابعات و إعادة إدماج الطفل[16].

غير أنّه قد يثار إشكال حول السن الحقيقي للحدث، لاسيما عندما يكون الحدث المقدّم أمام المحكمة غير مسجّل في دفاتر الحالة المدنية أو في حالة تسجيل الطفل بعد سنة أو أكثر بعد ولادته، فيمكن للقاضي في هذه الحالة تعيين طبيبا مختصّا من أجل تحديد سن الحدث استنادا إلى بنيانه الفسيولوجي ونضجه العقلي، فيقدّم الطبيب السن التقريبي لهذا الحدث[17].

ونشير إلى أنّه لا يؤدّي إعفاء الحدث من المساءلة الجزائية إلى إعفائه من المسؤولية المدنية، إذ يعتبر الحدث مسؤولا عن الضرر الذي لحقه بالغير على أساس المسؤولية التقصيرية ويلتزم بدفع التعويض من ماله الشخصي أو مال الشخص الذي يتولى رعايته كالأب.

  خاتمة:

  و في ختام دراستنا لموضوع جرائم الأحداث في الوسط المدرسي نلاحظ المجهودات التي يبذلها المشرع الجزائري في حماية الحدث وتوفير بيئة قانونية تتناسب مع سنّه و ظروفه، وهذا ما يظهر من خلال إصداره لقانون حماية الطفل. غير أنّ ظاهرة جنوح الأحداث في الوسط المدرسي مازال متفشيّة بشكل ملاحظ، لذلك ارتأينا طرح بعض الإقتراحات للوقاية من هذه الظاهرة نذكر منها:

–  القيام بحملات توعوية و تحسيسية تحث الأُسر على ضرورة الإهتمام بأطفالهم و ممارسة الرقابة عليهم لاسيما الأسر المتفكّكة، وضرورة توفير الدفء العائلي لهم بدل البحث عنه خارج الوسط الأسري وبأساليب محظوررة.

– توعية المعلمين ومدراء المؤسسات التربوية بالدور الجوهري الذي يمارسونه في تطوير الذات لدى الطفل و حثّهم على تجنب الأساليب العدوانية المُمارسة على التلاميذ من ضرب وشتم وقلة احترام ازّاء التلميذ مما يولّد في نفسه روح الإنتقام من خلال تصرفات إجرامية.

 – تعيين أطباء النفس في المؤسسات التربوية بشتّى أطوارها لخبرتهم و قدرتهم في تحديد سلوك التلاميذ و الوقاية من ارتكاب الجرائم لاسيما في الوسط المدرسي.

– القيام بجلسات دورية في المؤسسات التربوية لفتح الحوار بين المدرّسين والتلاميذ للإستماع إلى انشغالات التلاميذ والمشاكل التي يواجهونها في وسطهم المدرسي، من أجل إيجاد الحلول لهذه المشاكل من جهة ولكسب ثقة التلاميذ في أنفسهم ثم في الطاقم المدرسي من جهة أخرى، وذلك من خلال منحهم حرية التعبير.

– ضرورة اهتمام الدولة بشكل مضاعف بالمشاكل الإجتماعية المتعلقة بالسكن والبطالة باعتبارهما من العوامل الرئيسية في جنوح الأحداث.

– إدماج التلاميذ ذوي المشاكل السلوكية في مختلف الأنشطة المدرسية لاكتشاف اضطراباتهم السلوكية في وقت مبكّر.

– مراقبة الأولياء للمشاهد التي يتلقاها أطفالهم في الرسوم المتحركة والألعاب الإلكترونية، ومحاولة ملأ فراغهم بألعاب تعليمية أو بممارسة الرياضة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع:

1- معوض عبد التواب، المرجع في شرح قانون الأحداث، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1995

2- صالح علي الزين، زينب محمد زهري، قضايا علم الإجتماع و الأنثروبولوجيا، منشورات جامعة يونس بنغتازي، ليبيا 1995

3- عبد المالك السايح، المعاملة العقابية والتربوية للأحداث في ضوء التشريع الجزائري والقانون المقارن، موفم للنشر، الجزائر، 2013

4- عبد الحميد الشواربي، جرائم الأحداث، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1988

5- محمد جعفر، الأحداث المنحرفون (دراسة مقارنة) ط. ثالثة، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، لبنان 1996

6- حمو بن ابراهيم فخار، الحماية الجنائية للطفل في التشريع الجزائري والقانون المقارن، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر

 المؤرّخ في 15 يوليو 2015، ج. ر. الصادرة في 19 يوليو 2015، ع. 39.[1]

 معوض عبد التواب، المرجع في شرح قانون الأحداث، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1995، ص. 14.[2]

 محمد عبد القادر قواسمية، جنوح الأحداث في التشريع الجزائري، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1992، ص. 49.[3]

4 صالح علي الزين، زينب محمد زهري، قضايا علم الإجتماع و الأنثروبولوجيا، منشورات جامعة يونس بنغتازي، ليبيا 1995، ص. 212.

 المادة 442 من ق. إ. ج. ج.[5]

 المادة 49 من ق. ع. ج. أما سن الرشد المدني فهو 19 سنة طبقا للمادة 40 من ق.م.ج.[6]

7 علي محمد جعفر، الأحداث المنحرفون (دراسة مقارنة) ط. ثالثة، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، لبنان 1996، ص. 10.

 عبد الحميد الشواربي، جرائم الأحداث، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1988، ص. 22.[8]

 المادة 49 /2 من ق. ع. ج.[9]

 المادة 49/3 من ق. ع. ج.[10]

 المواد من 100 إلى 105 من قانون حماية الطفل.[11]

 المادة 51 من ق. ع. ج. [12]

 13 حمو بن ابراهيم فخار، الحماية الجنائية للطفل في التشريع الجزائري والقانون المقارن، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، ص. 420

 المادة 96 من قانون حماية الطفل.[14]

 المادة 86 من قانون حماية الطفل.[15]

 المادة 37 مكرر من ق. إ. ج. ج. و المادة 110 من قانون حماية الطفل.[16]

17 عبد المالك السايح، المعاملة العقابية والتربوية للأحداث في ضوء التشريع الجزائري والقانون المقارن، موفم للنشر، الجزائر، 2013، ص.114.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى