بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

حماية الأجراء على ضوء العمل القضائي المغربي – الباحث : معاد الفحصي

حماية الأجراء على ضوء العمل القضائي المغربي

Protecting employees in light of Moroccan jurisprudence

الباحث : معاد الفحصي

باحث في سلك الدكتوراه بالكلية متعددة التخصصات تازة

جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

لتحميل الاصدار كاملا

مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024

ملخص:

يرمي القضاء الاجتماعي من خلال أحكامه وقراراته إلى بسط رقابته على قرارات المشغل تجاه أجراءه، والسهر على استمرار تنفيذ عقود العمل، بشكل يوفر الحماية للأجير باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة، و في نفس الوقت تجنيب المشغل هدر الوقت و المال في نزاعات قد يمتد صداها لا محالة إلى مقاولته، وبالتالي فإن هذا المقال يروم دراسة مدى الحماية التي وفرها القضاء المغربي للأجير، من خلال تنزيله لمقتضيات مدونة الشغل أرض الواقع في أحكامه وقرارته، خصوصا في بعض القضايا التي سكت عنها المشرع، وفي دوره أيضا في إحقاق التوازن العقدي بين المشغل باعتباره الطرف القوي، والأجير باعتباره الطرف الضعيف.

كلمات مفتاحية: الأجير- المشغل- القضاء الاجتماعي.

Abstract :

Through its rulings and decisions, the social judiciary aims to extend its control over the employer’s decisions regarding his employees, and to ensure the continued implementation of employment contracts, in a way that provides protection for the employee as the weak party in the relationship, and at the same time spares the employer from wasting time and money in disputes whose repercussions may inevitably spread. To his enterprise, and therefore this article aims to study the extent of protection provided by the Moroccan judiciary to the employee, through its implementation of the requirements of the Labor Code on the ground in its rulings and decisions, especially in some cases that the legislator was silent about, and also in its role in achieving the contractual balance between the employer as the powerful party. The employeeisconsidered the weak party.

مقدمة:

”تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في … – الشغل والدعم من طرف السلطة العمومية في البحث عن مناصب الشغل، أو في التشغيل الذاتي”، هكذا جاء في نص الفصل 31 من الدستور المغربي لسنة 2011، ولن يتم بلورة هذا الحق إلا من خلال تحقيق إقلاع اقتصادي، قوامه تشجيع وحفز الاستثمار، وجعل المغرب ورشا كبيرا للإنتاج وخلق الثروات، وكذا عن طريق مباشرة إصلاحات عميقة تهم شتى المجالات و على رأسها الترسانة القانونيةـ، خاصة المنظمة للشغل، لما لهذا الأخير من أهمية بالغة تتمثل في صيانة كرامة المواطن المغربي، و النهوض بأوضاعه المعيشية و الإسهام في تحقيق استقراره الأسري، كما عبر على ذلك جلالة الملك محمد السادس في الخطاب الافتتاحي للسنة الأولى من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان (11 أكتوبر 2002)، وهكذا جاءت مدونة الشغل في إطار أول خطوة تشريعية أعقبت التوجيهات الملكية السامية، مكملة لما أتى به الدستور باعتباره الإطار القانوني المحدد للتوجه العام الذي يجب أن تسري عليه القوانين الخاصة، لتؤطر هذا الحق بتحديد موجبات كيفية ممارسته وضمان احترامه .

و قد ضمن المشرع مدونة الشغل بمقتضيات قوامها حماية أطراف العلاقة الشغلية و الحفاظ على استقرار هاته العلاقة، عبر تبيان حقوق و واجبات الطرفين، وكذا رسم المسار الذي يجب أن يتم اتباعه عند كل نزاع، و بالتالي تجنب ما أمكنه ذلك انحلال تلك الرابطة .

و إذا كانت مدونة الشغل في صيغتها الجديدة اتسمت في العديد من أحكامها و موادها بالواقعية والصبغة الآمرة ، فإنه يلزم لتنزيلها في أرض الواقع جهازا قضائيا يسهر على تنفيذ ما تضمنته هاته المدونة من حقوق و ضمانات هدفها تحقيق العدالة لكل أطراف العلاقة التعاقدية، ولا يتوقف دور القضاء على بث الحركية في القواعد التي أتى بها المشرع و إنما يمتد عمله إلى سد الفراغ التشريعي الذي يتركه المشرع، من خلال اجتهاداته وتفسيراته للقضايا المعروضة على أنظاره

و تنبغي الإشارة هنا إلى المسار التاريخي الذي نشأ و تطور فيه القضاء الاجتماعي في المغرب، فقبل الحماية كان تنظيم علاقات العمل خاضعا لآراء فقهاء المالكية، وكان الفض في النزاعات التي تنتج بين الصناع والحرفيين و أرباب العمل تعرض على أنظار ” أمين الحرفة” الذي يكون على اطلاع بأحوال وخبايا الحرفة ليقوم بالوساطة بين المتخاصمين من أجل حل النزاع بشكل ودي، وعند عجزه يرفع الأمر إلى المحتسب.

و مع دخول المغرب عهد الحجر و الحماية تم إسناد مهام الفض في النزاعات القائمة بين المؤاجرين و العمال لمحاكم الصلح و المحاكم الابتدائية، إلا أن النمو المتسارع للمشاريع الصناعية و القطاعات الإنتاجية وما رافق ذلك من طلب كبير على اليد العاملة، خاصة الأجنبية منها، دفع سلطات الحماية الفرنسية إلى إنشاء أول جهة قضائية ينحصر اختصاصها في البت في النزاعات التي تنشب بين العمال وأصحاب الأعمال، فكانت مجالس الخبراء” Les conseils de Prud’hommes ” المؤسسة بظهير 16 دجنبر 1929 أول تجربة قضائية في المغرب تختص في البث في النزاعات الناجمة عن العلاقة الشغلية، و كانت هذه المجالس تتكون من قاضي الصلح رئيسا، و من عضوين يمثلان العمال، و عضوين يمثلان أصحاب العمل، ويتم تنصيب هؤلاء الأعضاء عن طريق الانتخاب .

و مع بزوغ فجر الحرية و الاستقلال سارع المشرع المغربي إلى إحلال محاكم الشغل محل مجالس الخبراء، كما وسع من نطاق اختصاصاتها لتشمل جميع النزاعات الاجتماعية بما فيها تلكم التي يكون أحد أطرافها أجنبيا، كما عزز المشرع المغربي هذا التوجه من خلال إحداث محاكم اجتماعية أسند لها بمقتضى الظهير الشريف رقم بمثابة قانون رقم 110 – 72 – 1 الصادر بتاريخ 15 جمادى الثانية 1392 ، الموافق ل 27 يوليوز 1972، اختصاص البث في جميع القضايا الاجتماعية، وعلى رأسها نزاعات الشغل الفردية و قضايا حوادث الشغل و الأمراض المهنية، وكذا قضايا الضمان الاجتماعي، و تتألف هاته المحاكم من قاض رئيس و عدد متساو من المستشارين المشغلين أو المستشارين المأجورين، يعينون بقرار لوزير الشغل اعتمادا على اقتراحات المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، و ذلك لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد.

و لم يكتب لهاته التجربة القضائية الاجتماعية أن تعمر طويلا، إذ سرعان ما تم إصدار ظهير 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي ، و الذي أسند الاختصاص في المادة الاجتماعية للقضاء العادي .

و لما كانت الغاية التي يرمي إليها القضاء الاجتماعي من خلال أحكامه وقراراته بسط رقابته على قرارات المشغل تجاه أجراءه، و السهر على استمرار تنفيذ عقود العمل، بشكل يوفر الحماية للأجير باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة، و في نفس الوقت تجنيب المشغل هدر الوقت و المال في نزاعات قد يمتد صداها لا محالة إلى مقاولته، فإن الأمر يتطلب منا تحديد مفهوم الأجير المعني بالحماية، فحسب المادة 6 من مدونة الشغل فإن الأجير هو : ” … كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني، تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين، لقاء أجر، أيا كان نوعه، وطريقة أدائه”.

ويمكن أن نستشف مما سبق أن موضوع الحماية القضائية للأجير يحظى بأهمية بالغة تتمثل أساسا في دور القضاء في توفير الحماية للأجير، من خلال تنزيل مقتضيات مدونة الشغل أرض الواقع في أحكامه وقرارته، وملامسة إلى أي حد وصل القضاء المغربي في توفير هاته الحماية، خصوصا في بعض القضايا التي سكت عنها المشرع، وفي دوره أيضا في إحقاق التوازن العقدي بين المشغل باعتباره الطرف القوي، والأجير باعتباره الطرف الضعيف.

وهنا تبرز لنا إشكالية الموضوع الذي نحن بصدد سبر أغواره والمتمثلة في:” إلى مدى نجح القضاء المغربي في توفير الحماية للأجير؟ ”

وتتفرع عن هاته الإشكالية إشكاليات فرعية متمثلة أساسا في:

  • ماهي السلطة التي يتمتع بها القاضي في إثبات وتفسير وتكييف عقود الشغل؟
  • ما هي حدود رقابة القضاء على السلطة التأديبية للمؤاجر؟
  • ما هي الضمانات القضائية التي يحتمي بها الأجير في معرض إنهاء العلاقة الشغلية؟

    حتى يتسنى لنا الإجابة عن هذه الإشكالية ارتأينا أن نعتمد منهجا تحليليا ومنهجا استنباطيا، فأما المنهج الأول سيمكننا من البحث في ثنايا مقتضيات مدونة الشغل، وفي مختلف القرارات والأحكام القضائية الصادرة عن محاكم المملكة عن المقتضيات الحامية للأجراء، أما المنهج الثاني فسيمكننا من استنباط ما وراء القرارات القضائية من أحكام وقواعد حمائية للأجير.

    ويعتبر الموضوع الذي نحن بصدد الاشتغال عليه من المواضيع التي كانت ولا زالت تطرح إشكالات وتساؤلات حول الضمانات التي يتمتع بها الأجير في حال نشوب نزاع بينه وبين مشغله، وهو الأمر الذي يتطلب تقسيم الموضوع إلى مبحثين، يتناول أولهما الحماية القضائية للأجير أثناء قيام علاقة الشغل، والثاني حماية الأجير خلال إنهاء عقد الشغل.

    المبحث الأول: حماية الأجراء أثناء قيام العلاقة التعاقدية:

    شكلت مسألة التوفيق بين مصالح الأجير كطرف ضعيف في علاقة العمل، و المؤاجر كفاعل اقتصادي يساهم بمقاولته في تنمية النسيج الاقتصادي الوطني، الهاجس الأكبر للمشرع المغربي، الذي وإن وضع اللبنة الأولى لهذا التوفيق من خلال الترسانة القانونية اللازمة لتحقيقها إلا أنه هنا يبرز دور القضاء لبث الروح في هاته القواعد و تطبيقها في معرض النزاعات المعروضة على أنظاره، و تمحيصنا لمختلف الأحكام و القرارات الصادرة عن محاكم المملكة، يمكننا أن نلمس و بشكل واضح أن معظمها تنصب إما على إثبات علاقة الشغل ( المطلب الأول)، أو تفسير و تعديل بنود العقد التي تحتوي على شروط تعسفية (المطلب الثاني).

    المطلب الأول: سلطة القضاء في إثبات وتكييف عقد الشغل:

    يعتبر مبدأ سلطان الإرادة الذي يجد أساسه في مقتضيات الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود، الضامن للحرية التعاقدية، إذ يكتسب عقد الشغل قوته بمجرد توافق إرادتي المشغل و الأجير دونما حاجة لإفراغه في قالب شكلي ، وهو ما يستفاد من نصل المادة 15 من مدونة الشغل حيث لم يلزم المشرع الأطراف بكتابة عقد الشغل، وترك لأطرافه الحرية في إبرامه وتضمينه ما شاءوا من الشروط، ولعل هذا ما يطرح الإشكال في حال النزاع بين الطرفين حول إثبات هذا العقد بل قد يتضمن هذا العقد عبارات غامضة أو واضحة لكنها تتنافر و إرادة الطرف الضعيف في العلاقة، الأمر الذي أصبح معه لزاما تدخل القضاء بشكل حازم و بات لإحلال التوازن العقدي عبر إثبات العلاقة الشغلية و ما يتبعها من حقوق و واجبات ( الفقرة الأولى) و عبر تفسير هذا العقد تفسيرا يزيح عنه الغموض و يحقق به العدالة للطرفين ( الفقرة الثانية).

    الفقرة الأولى: الإثبات في المادة الاجتماعية:

    ذهب المشرع من خلال نص المادة 18 من مدونة الشغل إلى تكريس مبدأ حرية الإثبات في القضايا الاجتماعية، إذ لم ينص على وسائل معينة لإثبات الوقائع المرتبطة بقضايا القانون الاجتماعي، وهو ما يجعل القضاء يستند بشكل كبير على قواعد الإثبات المنصوص عليها في الشريعة العامة (أولا)، كما أن المشرع لم يحدد على من يقع عبء الإثبات في المادة الاجتماعية وهو ما فتح الباب أمام اجتهادات القضاء (ثانيا).

    أولا: وسائل الإثبات في القضايا الاجتماعية:

    حدد الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود الوسائل التي يمكن بها إثبات قيام العلاقة التعاقدية وما يتبعها من التزامات متقابلة، حيث نص هذا الفصل على: ” وسائل الإثبات التي يقررها القانون هي:

    1 – إقرار الخصم؛ 2 – الحجة الكتابية؛ 3 – شهادة الشهود؛ 4 – القرينة؛ 5 – اليمين والنكول عنها”.

    فالإثبات استنادا إلى الفصل 404 السالف الذكر يتم بأية وسيلة مشروعة و هذا ما درج عليه القضاء المغربي في العديد من قراراته وأحكامه، و منها ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بتطوان:” … وحيث إن المدعى عليها، أقرت بالعلاقة الشغلية و استمراريتها مع المدعية منذ تاريخ افتتاحها سنة 2006 بحسب تصريحات ممثلها القانوني…”، وفي حكم آخر صادر عن نفس المحكمة:” … وحيث إن العلاقة الشغلية في ملف القضية ثابتة بموجب الإقرار الصريح للمشغل المدعى عليه بجلسة 12 أبريل 2018، عندما أقر بالعلاقة الشغلية واستمراريتها اعتبارا من سنة 2008…” وهو نفس ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بتطوان في إحدى قراراتها : ”… حيث تمسك نائب المستأنف بأن الأجير كان يعمل لفائدته و لفائدة جميع سكان العمارة وأن الإنذار الموجه إليه من طرفه مرجعه إلى جل سكان العمارة يتواجد بالخارج.

    و حيث إنه لا يوجد بالملف ما يفيد بأن المستأنف عليه كان يعمل مع سكان العمارة مما يبقي الدفع الرامي إلى ذلك غير مبرر، خاصة وأن المستأنف وجه إلى الأجير إشعارا بالرجوع إلى العمل الأمر الذي يعتبر إقرارا ضمنيا منه بالعلاقة الشغلية، فصلا عن التصريح الذي أدلى به المشغل أمام الضابطة القضائية محضر عدد 144/ش ق بتاريخ 14-06-2015 والذي له حجته الثبوتية…”

    وهكذا يستفاد من هذين القرارين أن القضاء المغربي يأخذ بالإقرار سواء كان ضمنيا أو قضائيا كوسيلة لإثبات العلاقة الشغلية.

    كما أنه يأخذ بشهادة الشهود لإثبات هاته العلاقة حيث ذهبت المحكمة الابتدائية بتطوان في إحدى أحكامها إلى : ” … وحيث أدلى المدعي إضافة لما ذكره أعلاه بالشاهدين … و … الذين صرحا على التوالي بعد أدائهما اليمين القانونية أن المدعي عمل بمحل الخياطة لدى المدعى عليه … منذ سنة 2000 إلى غاية سنة 2016، و سند علمهما المعاينة الفعلية خاصة الشاهد الثاني الذي عمل معه…”، وهو نفس ما أخذت به محكمة الاستئناف بطنجة في أحد قراراتها: ” حيث تبين بالرجوع إلى وثائق الملف …وهو ما تمكن منه في نازلة الحال بموجب شهوده الذين تم الاستماع إليهم طبقا للقانون أمام هذه المحكمة-منهم شهود جدد و منهم شهود سبق الاستماع إليهم خلال المرحلة لابتدائية- و الذين أجمعوا على معرفتكم التامة بكون الأجير المستأنف عليه أعلاه اشتغل لدى المستأنفة لوحدها بصفة دائمة و مستمرة …”، و إلى نفس الرأي نحت محكمة الاستئناف بطنجة في إحدى قراراتها ورد فيه : ” …حيث إن الحكم الابتدائي لما قضى بثبوت علاقة التبعية بين الطرفين كان قد اعتمد على شهادة الشاهدين اللذين كان سندهما من الشهادة هو المعاينة وشدة الاطلاع على الأحوال فجاءت شهادتهما متطابقة و منسجمة فجاء الحكم الابتدائي مصادفا للصواب…”.

    و محاكم المملكة لا تأخذ بشهادة الشهود في إثبات العلاقة الشغلية فحسب، بل يمتد الأخذ بالشهادة في إثبات الوقائع و الأخطاء التي قام بها الأجير، و من ذلك ما يستفاد من قرار محكمة الاستئناف بطنجة، حيث ذهبت في قرار لها إلى اعتماد شهادة الشهود للقول بالمغادرة التلقائية للأجير لشغله.

    و إلى جانب الإقرار و شهادة الشهود ذهب القضاء المغربي غير ما مرة إلى اعتبار توصيل تصفية الأجرة و مقرر فصل الأجير بمثابة حجة على قيام علاقة العمل و من جملة هاته القرارات ما ذهب إليه المحكمة الابتدائية بطنجة حيث ورد في تعليلها لحكمها:” وحيث إن العلاقة الشغلية قائمة بين المدعي و الشركة المشغلة طيلة المدة المضمنة بالمقال استنادا إل ى الثابت من شهادة العمل و أوراق أداء الأجور المستدل بها …”.

    وهكذا يتضح بجلاء بأن القضاء المغربي يكرس مبدأ حرية الإثبات الذي أقره المشرع من خلال المادة 18 من مدونة الشغل، وذلك بغرض حماية أطراف العلاقة الشغلية، خاصة فئة الأجراء كأطراف ضعيفة في هاته العلاقة.

    ثانيا:عبء الإثبات في القضايا الاجتماعية:

    سارت القواعد العامة على توقيع عبء إثبات واقعة أو علاقة تعاقدية على عاتق المدعي و طبقا لمقتضيات الفصل 399 من قانون الالتزامات والعقود ، و إذا أثبت المدعي الالتزام، فإن المشرع مكن المدعى عليه من إثبات العكس طبقا للفصل 400 من قانون الالتزامات و العقود الذي ينص على :” إذا أثبت المدعي وجود الالتزام، كان على من يدعي انقضاءه أو عدم نفاذه تجاهه أن يثبت ادعاءه.”، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن عبء الإثبات يكون تارة على عاتق المدعي وتارة أخرى ينتقل إلى ليصبح على عاتق المدعى عليه ، و هو الأمر الذي يسري في النزاعات الاجتماعية فالإثبات يكون تارة على عاتق الأجير، و من ناحية أخرى على عاتق المؤاجر .

    فمن ناحية كونه واقعا على عاتق الأجير، فهذا يدفع إلى كون هذا الأخير ملزما بإثبات قيام علاقة العمل بينه وبين المدعى عليه، كما يقع على عاتقه إثبات استمرارية عقد العمل إذا دفع المشغل بكون العقد كان محدد المدة كما ذهبت إلى ذلك محكمة النقض في إحدى قراراته، حيث نصت على” عبء استمرارية العمل يقع على عاتق الأجير”، و كما أنه ملزم بإثبات رجوعه إلى العمل و منعه منه في حالة توصله بإنذار العودة من طرف مشغله، كما أنه ملزم بإثبات عدم تلقيه أجوره و تعويضاته ومنها التعويض عن الساعات الإضافية و العمل أثناء الأعياد الدينية و الوطنية، و هو ما يستشف من حكم المحكمة الابتدائية بتطوان ورد فيه: ” وحيث إنه عملا بمقتضيات المرسوم رقم 2.04.426 الصادر في 16 ذي القعدة 1425 الموافق ل 29 دجنبر 2004 المتعلق بتحديد لائحة أيام الأعياد المؤداة عنها، الأجور في المقاولات الصناعية و التجارية و المهن الحرة و الاستغلالات الفلاحية و الغابوية، فإن المدعي لم يدلي بما يفيد اشتغاله خلال الأيام المطلوب عنها الأجر مما يتعين معه رفض الطلب”.

    هذا إضافة إلى أن الأجير ملزم بإثبات إيداع شهادة طبية في حالة مرضه داخل أجل 48 ساعة وإلا اعتبر في حالة ترك تلقائي للعمل، و هو ما ذهبت إليه الغرفة الاجتماعية بمحكمة الاستئناف بطنجة في قرار لها ورد فيه:” … وحيث نقضت محكمة النقض القرار الاستئنافي الصادر في القضية بعلة:” صح ما عاب الطاعن على القرار ذلك أن الثابت قانونا أنه يجب على كل أجير تعذر عليه الالتحاق بشغله بسبب مرض أو حادثة أن يبرر ذلك و يشعر مشغله خلال الثماني وأربعين ساعة الموالية لذلك إلا إذا حالت القوة القاهرة دون ذلك، ويجب على الأجير إذا استمر الغياب أكثر من أربعة أيام إخبار مشغله بالمدة المحتملة لغيابه….” ” .

    أما من ناحية كونه واقعا على عاتق المشغل فإنه يتحدد في مجموعة من الحالات من أبرزها:

    أن المشغل مطالب بإثبات أن الأجير يتقاضى الحد الأدنى للأجر أو أكثر منه، بحكم أن القانون ألزمه بمسك دفاتر الأداء وبتسليم أجراءه وثيقة أداء مفصلة تثبت استخلاص الأجير لأجره .

    ولعل الملاحظ أن المشرع والقضاء الاجتماعي يذهب في اتجاه التخفيف على الأجير فيما يخص الإثبات، آخذا بعين الاعتبار محدودية الوسائل المتاحة أمامه لإثبات حقه، في ظل المقومات التقنية والاقتصادية والإدارية التي يتمتع بها المشغل.

    وإذا كان الإثبات في المادة الاجتماعية في غالب الأمر لا يخلق صعوبات كبيرة، فإن الأمر يدفع للتساؤل حول حدود سلطة القضاء في تفسير وتكيف عقد الشغل.

    الفقرة الثانية: دور القاضي في تفسير وتعديل عقد الشغل:

    تنبني الالتزامات الناشئة عن العقود على أساس التوازن في الالتزامات المتقابلة، حيث يتعين على كل طرف أن يفي بالتزاماته تجاه الطرف الآخر، بيد أن العقد قد يقترن منذ نشأته بشروط مجحفة في حق الطرف الضعيف، المرغم على التعاقد وفق تلك الشروط لحاجة الماسة لمحل التعاقد ، و يمكن القول بأن هذا الأمر يسري على الأجير باعتباره طرفا خاضعا لسلطة المشغل فتكون إرادته مكبلة بشظف العيش و ضعف فرص العمل، عكس المشغل الذي يهدف إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح ولو على حساب المصالح الاجتماعية لأجراءه، فعلى هذا الأساس يضرب المشغل عرض الحائط الوازع الأخلاقي و يسمح لنفسه بحمل الأجير المغلوب على أمره على التعاقد وفق شروط ما كان ليتعاقد وفقها لو توافرت لديه فرص أكبر للحصول على عمل، وهو الأمر الذي أصبح معه لزاما تدخل القضاء بشكل حازم لتفسير و تكييف عقد الشغل (أولا) و لتعديل الشروط المجحفة فيه ( ثانيا).

    أولا: دور القاضي في تفسير عقد الشغل:

    إن غاية المشرع من إحاطته الأجير كفاعل في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية الوطنية بضمانات حمائية تتمثل أساسا في ضمان استمرار علاقة الشغل لأقصى مدة ممكنة، وعلى هذا الأساس حدد المشرع أنواع العقود المحددة زمنيا، ليحد من تحايل المشغلين على القانون، بلجوئهم لإبرام عقود عمل تلصق بالأجير صفة المؤقت رغم أنها في الواقع مستمرة زمنيا، إنما الهدف منها التملص من الالتزامات و الحقوق المترتبة عن عقد العمل غير المحدد المدة.

    وهنا يبرز دور القضاء في تكييف الإرادة الحقيقية للطرفين، واستجلاء الغموض عن عبارات العقد، ومن تجليات تدخل القضاء في تكييف العقود وتفسيرها:

  1. عقد الشغل أثناء فترة الاختبار:

    أطر المشرع المغربي عقد الشغل تحت التجربة أو أثناء الاختبار من خلال المادتين 13 و 14 من مدونة الشغل، حيث عرفه بقوله: ” فترة الاختبار هي الفترة التي يمكن خلالها لأحد الطرفين إنهاء عقد الشغل بإرادته دون أجل إخطار ولا تعويض”، و رغم تعريف المشرع لفترة الاختبار، إلا أنه لم يحدد طبيعة العقد أثناء هاته الفترة، الأمر الذي خلق سجالا بين فقهاء القانون بين من اعتبره عقدا تمهيديا، و من اعتبره عقدا معلقا على شرط واقف، و اتجاه آخره أدخله في خانة العقود المعلقة على شرط فاسخ ، و قد ذهب القضاء المغربي إلى اعتبار عقد الشغل أثناء فترة الاختبار ما هو إلا عقد معلق على نتيجة الاختبار، فإن نجح الأجير المتدرب في تجربته تأكد العقد وإلا فإن التعاقد بين الطرفين يتوقف عند مرحلة التجربة.

    و من خلال استقراء مضامين إلى المادة 14 من مدونة الشغل يتضح أن المشرع حصر مدة الاختبار بالنسبة للعقود غير محددة المدة ما بين خمسة عشر يوما و ثلاثة أشهر بحسب وضعية الأجير المراد توظيفه المهنية، في حين حصرها في العقود المحددة المدة في يوم واحد من كل أسبوع عمل على أن لا تتعدى أسبوعين بالنسبة للعقود التي مدتها محصورة في أقل من ستة أشهر، و شهرا بالنسبة للعقود المحددة المدة التي تفوق الستة أشهر، كما أنه أتاح فرصة تجديد فترة الاختبار وفق المدد المشار إليها آنفا لفترة واحدة وفي ذلك مصلحة للأجير المتدرب لاستدراك ما فاته من تأخر في الاطلاع على مهامه، و للمشغل لحسم موقفه تجاه الأجير المتدرب.

    وهو الأمر الذي سار على نهجه القضاء المغربي من خلال العديد من القرارات والأحكام، نورد منها الحكم الذي انتهب إليه المحكمة الابتدائية بسيدي بنور في إحدى النوازل المعروضة عليها ورد فيه: ” حيث دفع نائب المشغلة بكون المدعي مدمج في إطار الوكالة الوطنية للتشغيل وهو موضوع فترة اختبار لمدة 24 شهرا. وحيث إنه بمقتضى المادة 14 من مدونة الشغل تجدد فترة الاختبار بالنسبة للعقود غير المحددة المدة في خمسة عشر يوما للعمال ويمكن تجديدها مرة واحدة ولا يمكن أن تتجاوز فترة الاختبار بالنسبة للعقود المحددة المدة شهرا واحدا إذا كانت مبرمة لمدة تفوق ستة أشهر… وحيث إنه بغض النظر عن كون العقدة المدلى بها من طرف المشغلة وكما دفع بذلك نائب المدعي غير مؤرخة وغير موقعة من أي طرف فإنها مخالفة للمقتضى المذكور أعلاه طالما حددت فترة الاختبار في 24 شهرا مما ينبغي التصريح باستبعادها” .

    و إلى نفس المنحى اتجهت محكمة النقض في إحدى قراراتها: ”… حيث إن فقرة الاختبار و إن كان من حق المشغل تجديدها مرة واحدة كما تنص على ذلك مقتضيات المادة 14 من مدونة الشغل فإن هذا الحق في التمديد لم يرد التنصيص عليه كتابة في العقد الرابط بين المطلوب وطالبة النقض، و لم تدل هذه الأخيرة بما يفيد تمديدها، لذلك فإن المطلوب بقضائه في عمله مع مشغلته مدة التجربة المنصوص عليها في العقد ثلاثة أشهر، فإنه يعتبر أجيرا قارا… ”

  2. عقد الشغل النهائي:

    يتخذ عقد الشغل النهائي شكلين، فإما أن يكون عقدا محدد المدة وإما أن يكون عقدا غير محدد المدة.

    وتعد عقود الشغل المحدد المدة، إحدى أبرز عقود الشغل، لما تلعبه من دور في الحد من تفاقم مشكل البطالة ولو بصفة مؤقتة، إلا أن الواقع يفيد بأنها أضحت وسيلة المشغلين يلبسون بواسطتها عقود شغل غير المحددة المدة ثوب العقود المحددة المدة، للتهرب من آثار هذه الأخيرة، فقد يجد الأجير نفسه عرضة للطرد من عمله بعد أفنى زهرة عمره في عمله لدى كشغله تحت ذريعة أن مدة العقد انتهت، وهنا يبرز دور القضاء في تكييف هذا النوع من العقود لما في هذا التكييف من حماية للأجير.

    و هكذا ذهبت المحكمة الابتدائية بتطوان في حكم قضائي صادر عنها إلى القول باستمرارية عقد العمل بناء على شهادة الشهود و الإقرار الصريح للمدعى عليه –المشغل-.

    وإلى نفس ذلك ذهبت محكمة النقض في مجموعة من القرارات الصادرة عن محكمة النقض نجدها قد كرست هذا المبدأ، بحيث إذا رجعنا إلى حيثيات إحدى القرارات والذي جاء فيهوحيث أن الثابت لدى المحكمة هو أن العقد المؤرخ في 25/09/1989 والذي ينص على أن مدة العمل لا تتجاوز 12 شهرا ابتداء من تاريخ نفاذه في 05/09/1989 قد استمر العمل به إلى ما بعد انتهاء مدته، وذلك بإقرار ممثل الطاعنة الذي صرح في جلسة البحث بأن إنتاج الشركة قد تقلص سنة 1992 فاضطرت إلى إعفاء الأجراء ممثل المطلوبة في النقض. وأكد نفس الشخص في تمثيله للطاعنة أمام الخبير أن العقد تجدد تلقائيا. كما أكد الشاهد الذي وقع الاستماع إليه في جلسة البحث أن عقد الشغل الذي بدأ سنة 1980 نوقف سنة 1987 بسبب احتراق مقر العمل، ثم استأنفت الأجيرة المطلوبة في النقض العمل فيما بعد بصفة مؤقتة وظلت تشتغل في السنوات الموالية طيلة 12 شهرا ولم تتوقف إلا في العطل. ولذلك فإن استمرار العقد إلى ما بعد أجله رغم عدم التنصيص فيه بشكل صريح على إمكانية تجديده يجعله عقد غير محدد المدة طبقا للفصل 753 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص صراحة على أن العقد الذي يبرم لمدة محددة يمكن أن يمتد بالتجديد الضمني إلى ما بعد أجله المشروط. وفي هذه الحالة يصبح غير محدد المدة ويحل هذا التعليل المطابق للقانون ولوقائع الدعوى محل التعليل المنتقد الذي لا يؤثر في صحة القرار المطعون فيه مادامت النتيجة التي انتهى إليها تطابق الواقع والقانون مما يجعل الوسيلتين عل غير أساس”

    و وورد قرار آخر صادر عن نفس المحكمة والذي جاء فيه ” … لكن وحيث أنه مادام أن الطرفين استمرا في تنفيذ العقد لمد سبع سنوات متوالية وبدون انقطاع بعد انتهاء مدة العقد الأصلي المبرم لمدة سنة واحدة من 01/06/1971 إلى 31/05/1972، وبما أن طبيعة العمل لم تتغير، فإن تشبث الطاعنة بعقدة شغل محددة المدة ما هو إلا وسيلة احتيالية الهدف منها إخفاء وجود عقدة شغل غير محددة المدة للتهرب من آثارها، ولما تخضع له من قواعد تتعلق بتبرير فسخها، وبالتالي فإن إنهاء عقدة الشغل الرابطة بين المطلوب ضدها النقض وبين الطاعنة يعتبر تعسفا في استعمال الحق من طرف هذه الأخيرة وتحايلا على القانون يؤدي إلى تعطيل العمل به مما تكون مع الوسيلة غير جديرة بالاعتبار”.

    و هكذا يتبين بجلاء أن القضاء المغربي ذهب إلى اعتبار العقد غير المحدد المدة القاعدة العامة، و مرد ذلك إلى أن صفة العقد القانونية تستمد تكييفها من طروف إنشاءها و من نية الطرفين، وأن الأجير يعد أجيراً مرسما إلى أن يثبت العكس، حتى ولو اقترن بصفة المؤقت، وهو يجهل في الحقيقة آثارها بالنسبة إليه، و أمام عجز المشغل عن إثبات طبيعة العقد أو عدم إدلاءه بما يفيد طابع التأقيت في عقود العمل المبرمة على أساسها تشغيل الأجراء، كان للمحكمة أن تستخلص من ذلك أن العمل كان مستمرا ، و القضاء بهذا التوجه يحاول أن يضع العد لاحتيال المشغل على مستوى عقود الشغل.

    وإذا كان القضاء يتدخل في مسألة تكييف طبيعة عقود الشغل، فما هو موقفه إزاء الشروط التعسفية المضمنة في هذا النوع من العقود؟

    ثانيا: دور القاضي في تعديل عقد الشغل:

    ذهب بعض إلى الفقه إلى تعريف الشرط التعسفي بأنه:” الشرط المحرر مسبقا من جانب الطرف الأكثر قوة و يمنح لهذا الأخير ميزة مفرطة على حساب الطرف الآخر”، و عقود الشغل لا تخرج عن نطاق العقود التي يمكن أن يضمنها الطرف القوي ما شاء من الشروط و لو كانت مجحفة، لذا أتاح المشرع للقضاء مكنة تعديل عقد الشغل و تخفيف و إسقاط شروطه المجحفة والتعسفية.

    فتدخل القضاء على هذا الأساس يعد من صميم الأعمال التي عهد إليه القيام بها، وبتدخله هذا يساهم في استقرار العلاقات الشغلية بين الأطراف، كما يكرس ذلك نوعا من الحماية للطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.

    ويقصد بتعديل شروط عقد الشغل، تدخل القضاء لإجراء موازنة بين أطراف العلاقة التعاقدية في عقد الشغل، وذلك عن طريق بسط رقابته على جملة الشروط المضمنة فيه، حيث يحتفظ بالشروط المتفق عليها والتي لا تشكل إجحافا في حق أحد العاقدين ولا تخالف النظام العام، ويتم تعديل الباقي منها إما بتخفيفها أو إسقاطها من العقد.

    ومن صور الشروط التي يتدخل القضاء لتعديلها:

  3. شرط عدم المنافسة:

    يقصد بشرط عدم المنافسة:” التزام الأجير بألا يؤسس مشروعا منافسا لرب العمل و ألا يعمل في مؤسسة منافسة”، كما حدد المجلس الأعلى في قرار له معنى المنافسة التي تشكل حطأ يبرر فصل الأجير ورد فيه: ”بأعمال تمس فعليا بنشاط المشغل في سوق العمل، تحرم هذا الأخير أو تنقص من استفادته من خدمات أجيره بالصورة و الشكل المطلوبين، كأن يسخر خبرته أو خدماته إلى جهة أخرى بشكل يؤثر على مردوديته في العمل لدى مشغلته أو يقوم بإفشاء أسرار المؤسسة التي يعمل فيها”

    وهذا الشرط وإن كان مشروعا ولا يشكل تضييقا على الـأجير، إلا أنه يجب أن يبقى محدودا زمنيا بمدة العقد أو بمدة معقولة بعد انتهاء مدة العقد، ومكانيا بمنطقة محددة، كي لا يدخل نطاق الشروط التعسفية التي ترمي إلى خنق الأجير اقتصاديا.

  4. التعويض الاتفاقي:

    يقصد بالتعويض الاتفاقي: ” التقدير الاتفاقي و الجزافي للتعويض، يقدر بواسطته طرفا العقد مسبقا مبلغ التعويض الذي يستحقه أحدهما عن الضرر الذي لحقه نتيجة عدم تنفيذ الآخر لالتزامه إما كلا أو بعضا أو لتأخيره”، وقد نظم المشرع أحكام التعويض الاتفاقي من خلال الفقرة الثانية من الفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود التي تنص على: ”… يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على التعويض عن الأضرار التي قد تلحق الدائن من جراء عدم الوفاء بالالتزام الأصلي كليا أو جزئيا أو التأخير في تنفيذه.”.

    وأتاح المشرع للقاضي إمكانية التدخل لتعديل التعويض الاتفاقي متى تبين له أن فيه غلو أو نقص فادح، فيكون تدخله إما بالرفع منه أو بالتخفيض منه إلى الحد المعقول، وتنص الفقرة الثالثة من الفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود على: ” يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا، ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي”.

    ج- تدخل القضاء للحد من سلطة المشغل في تعديل عقد الشغل:

    لما كان المبدأ الذي يؤطر التعاقد يقتضي القول بأن العقد شريعة المتعاقدين، وأنه لا يجوز تعديل العقد دون رضى الطرفين معا، إلا أن عقد الشغل يتميز بخصوصية في هذا الصدد، ذلك أنه يخضع لوضعية المقاولة الاقتصادي، ولعل من أبرز وجوه التعديل الذي قد يطال عقد الشغل:

  5. تغيير مكان الشغل:

    إن المبدأ العام في عقود الشغل عدم جواز نقل الأجير من مكان شغله الحالي إلى مكان شغل آخر إلا إذا كان العقد ينص صراحة على ذلك، أو كانت الأعراف المهنية تقضي بذلك، دون نية الإضرار بالأجير أو تحميله أعباء إضافية، و هو ما سبق للمجلس الأعلى أن أكده من خلال إحدى قراراته:“..نقل الأجير من مدينة إلى أخرى و دون استفادته من هذا النقل…يعتبر تعديلا تعسفيا من طرف المشغل، و بالتالي فإن امتناع الأجير عن الالتحاق بمقر العمل الجديد لا يعتبر خطأ فادحا منه يستوجب طرده”

    وبالتالي فإن طبيعة نقل الأجير لمكان شغل آخر يتأرجح بين الرضائية في حال موافقة الأجير على قرار نقله ولو بصفة مؤقتة، والتعسف في حال كان التنقيل تم دون رضاه.

  6. تغيير المهام:

    تتميز المقاولة كنسيج اقتصادي بالدينامية و التأثر بالمناخ الاقتصادي و التطور التكنولوجي، الأمر الذي يتطلب منها مواكبة هاته التطورات ضمانا لاستمراريتها وتوخيا لتحقيق التي تأسست من أجلها، و على هذا الاعتبار يمكن للمشغل أن يتخذ كافة الإجراءات التي يراها مناسبة لاستمرارية و تطور مقاولته في إطار ما يتمتع به من سلطة تنظيمية ، و بناء على هاته السلطة يمكن للمشغل أن يحدث تغييرات في قائمة الوظائف داخل مقاولته، و أن يغير طبيعة العمل المسند للأجير، لكن الإشكال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا الصدد يتعلق بالقوة الملزمة للعقد، بحيث إن عقد الشغل كما مر معنا هو عقد رضائي ينتج التزامات متقابلة بين أطرافه، و لا يسوغ تعديله إلا برضى الطرفين معا، و الواقع أن تغيير طبيعة العمل المسند للأجير يكون بإرادة المشغل المنفردة، ما قد يدفع إلى الشك في كون هذا التعديل فيه تعسف تجاه الأجير.

    وإذا كان المشرع قد سكت عن تنظيم هاته المسألة، فإن موقف القضاء المغربي اتسم بالوضوح في صددها، حيث أقر للمشغل بهذا الحق، ولكن قام بتقييده بتوافر شروط ثلاثة:

  • عدم المساس الجوهري بطبيعة العمل المنصوص عليه في العقد: و مؤدى ذلك أن طبيعة المهام الجديدة التي أسندت للأجير، يجب أن تتناسب و الكفاءة ة المؤهلات التي على أساسها تم إبرام عقد الشغل، و هذا ما أكدته محكمة النقض من خلال قرار لها: ”...تكليف الأجيرة بالعمل مدرسة بالتعليم الإعدادي لا يتناسب مع -مؤهلاتها العلمية و تخصصها بدلا من العمل في التعليم الابتدائي فإن رفضها القيام بالعمل الجديد لا يشكل خطأ جسيما مبررا للطرد“، و في إحدى قرارتها أيضا: ”عدم إبراز المحكمة أن التغيير في طبيعة عمل الأجير سيتطلب منه مهارة أو فنية لم يكن يتوفر عليها أو سيلحقها من ذلك التغيير ضرر مادي أو معنوي من شأنه التأثير في جوهر عقد العمل الذي يربطه بمشغله يجعل القرار ناقص التعليل.
  • استهداف مصلحة المقاولة: و معنى ذلك أن تغيير طبيعة عمل الأجير يجب أن تستمد مشروعيتها من مصلحة المقاولة و من مقتضيات الفصل 231 من قانون الالتزامات والعقود ، لا من مصلحة المشغل، وإلا اعتبر هذا الأخير متعسفا في استعمال سلطته التنظيمية.
  • عدم المساس بالحقوق المادية للأجير: إذ لا يسوغ المساس بالحقوق المالية للأجير في معرض تغيير مهامه، و من بين القرارات التي صدرت بهذا الصدد، نورد قرارا للمجلس الأعلى جاء فيه: ”تخفيض ساعات العمل إلى أربع أو ست ساعات في الأسبوع يعتبر طردا تعسفيا مقنعا، و إخلال بأهم عنصر في عقد العمل و هو الأجر …”.

    وإذا كان العمل القضائي المغربي فرض رقابته على سلطة المشرع التنظيمية مكرسا بذلك الطابع الحمائي للأجير، فما هو موقفه في معرض رقابته على السلطة التأديبية للمشغل؟

    المطلب الثاني: رقابة القضاء على السلطة التأديبية للمشغل:

    إذا كان عقد الشغل يقتضي تبعية الأجير للمشغل و خضوعه لسلطته في التوجيه و المراقبة، فإن المشرع عزز هاته السلطة بسلطة أخرى تتمثل في السلطة التأديبية للمشغل و التي ما كان للمشرع أن يمنحها للمشغل إلا لفرض الانضباط و الاستقرار داخل المقاولة، هذا و يمكن تعريف السلطة التأديبية للمشغل بأنها سلطة قانونية موضوعها فرض قاعدة سلوكية على الأجراء الذين يشتغلون في المشروع الاقتصادي عن طريق عقوبات محددة تقع على المخل بهذه القاعدة التي تظهر في شكل أوامر وتعليمات المشغل .

    بيد أن المشرع لم يطلق العنان للمشغل ليمارس هاته السلطة على هواه ودون رقابة، بل جعلها خاضعة لمراقبة القضاء ومقيدة بقيود قانونية لا يجوز مخالفتها أو تجاوزها. وتبرز هاته الرقابة بالأساس في إثبات وتقدير الخطأ الجسيم (الفقرة الأولى)، ومدى ملائمة العقوبة لحجم الخطأ المرتكب (الفقرة الثانية).

    الفقرة الأولى: دور القضاء في إثبات وتكييف الخطأ الجسيم للأجير:

    أحجم المشرع المغربي عن تحديد مفهوم الخطأ الجسيم في مدونة الشغل الجديدة، معتبرا أن التعاريف هي من صميم أعمال الفقه واجتهادات القضاة، واكتفى فقط بتعداد أنواع الأخطاء الجسيمة الموجبة للعقوبة التأديبية تجاه الأجير، من خلال المادة 39 من مدونة الشغل والتي تنصعلى:” تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة يمكن أن تؤدي إلى الفصل، الأخطاء التالية المرتكبة من طرف الأجير:

    – ارتكاب جنحة ماسة بالشرف، أو الأمانة، أو الآداب العامة، صدر بشأنها حكم نهائي وسالب للحرية؛

    – إفشاء سر مهني نتج عنه ضرر للمقاولة؛

    – ارتكاب الأفعال التالية داخل المؤسسة أو أثناء الشغل :

    – السرقة؛

    – خيانة الأمانة؛

    – السكر العلني؛

    – تعاطي مادة مخدرة؛

    – الاعتداء بالضرب؛

    – السب الفادح؛

    – رفض إنجاز شغل من اختصاصه عمدا وبدون مبرر؛

    – التغيب بدون مبرر لأكثر من أربعة أيام أو ثمانية أنصاف يوم خلال الإثني عشر شهرا؛

    – إلحاق ضرر جسيم بالتجهيزات أو الآلات أو المواد الأولية عمدا أو نتيجة إهمال فادح؛

    – ارتكاب خطأ نشأت عنه خسارة مادية جسيمة للمشغل؛

    – عدم مراعاة التعليمات اللازم اتباعها لحفظ السلامة في الشغل وسلامة المؤسسة ترتبت عنها خسارة جسيمة؛

    – التحريض على الفساد؛

    – استعمال أي نوع من أنواع العنف والاعتداء البدني الموجه ضد أجير أو مشغل أو من ينوب عنه لعرقلة سير المقاولة.

    يقوم مفتش الشغل في هذه الحالة الأخيرة بمعاينة عرقلة سير المؤسسة وتحرير محضر بشأنها”.

    والمادة 293 من نفس المدونة والتي تنص: ” يعد عدم امتثال الأجراء للتعليمات الخصوصية المتعلقة بقواعد السلامة وحفظ الصحة، وهم يؤدون بعض الأشغال الخطرة، بالمفهوم الذي يعنيه هذا القانون والمقتضيات الصادرة في شأن تطبيقه، خطأ جسيما، يمكن أن يترتب عنه فصلهم من الشغل دون إخطار، ولا تعويض عن الفصل، ولا عن الضرر، إذا سبق اطلاعهم بكيفية قانونية على تلك التعليمات وفق الشكليات المنصوص عليها في المادة 289 أعلاه”

    و الملاحظ أن المشرع المغربي لم يقرن الخطأ الجسيم بالأجير وحده بل مدد هاته الأخطاء للمشغل و الذي إن ثبت في حقه ارتكاب هاته الأخطاء يصبح قراره بتأديب الأجير معيبا و موسوما بالتعسف و هذا ما يستفاد من نص المادة 40 من مدونة الشغل التي تنص على:”يعد من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة ضد الأجير من طرف المشغل أو رئيس المقاولة أو المؤسسة، ما يلي:

    – السب الفادح؛

    – استعمال أي نوع من أنواع العنف والاعتداء الموجه ضد الأجير؛

    – التحرش الجنسي؛

    – التحريض على الفساد.

    وتعتبر مغادرة الأجير لشغله بسبب أحد الأخطاء الواردة في هذه المادة في حالة ثبوت ارتكاب المشغل لإحداها، بمثابة فصل تعسفي”.

    و إذا كان المشرع لم يغطي تعريفا للخطأ الجسيم فإن الفقه اتجه إلى تعريفه بأنه:”ما يتأتى في عدم بذل العناية والحيطة في شؤون الغير، بقدر لا يمكن لأقل الناس عناية أو أقلهم ذكاء أن يغفله في شؤون نفسه”، كما عرفه اتجاه آخر بأنه: ”الانحراف في سلوك العامل داخل مجتمعه الصغير الذي يكونه المشروع ويخل بالقواعد المرعية فيه ويعبث بنظامه”، أما القضاء فذهب إلى تعريفه بكونه: ” هو الفعل الذي يجعل من غير الممكن الحفاظ بالعلاقة التعاقدية ولو أثناء مهلة الأخطار”.

    ويعد حق المشغل في سلوك مسطرة التأديب في حق الأجير المرتكب للخطأ الجسيم، يخضع لرقابة القضاء الذي يفرض على المشغل إثبات الخطأ المرتكب (أولا) كما يحتفظ القاضي بسلطة إعادة تكييفه لتحديد مدى خطورته (ثانيا).

    أولا: إثبات الخطأ الجسيم:

    يقع عبء إثبات ارتكاب الأجير للخطأ الجسيم على عاتق المشغل الذي يتعين عليه إثبات أن الأجير ارتكب خطأ جسيما موجبا للعقاب، وليس هذا فحسب بل يجب عليه تحديد الخطأ بدقة في الاستدعاء لحضور جلسة الاستماع و في محضر الاستماع، و هو ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بتطوان من خلال حكم لها ورد فيه: ” وحيث إنه بالرجوع للوثائق المثبتة لسلوك مسطرة الفصل فإنه يتبين أن نص الاستدعاء لحضور جلسة الاستماع المرفق بمحضر تبليغه المؤرخ في 28/12/2015 لم يتضمن تفصيلا للأخطاء المنسوبة للمدعية مكتفيا بالتصريح بكونها أخطاء جسيمة دون تحديدها…”، كما يتعين على المشغل إثبات تاريخ ارتكاب الأجير للخطأ الجسيم وإلا اعتبر القرار التأديبي الصادر تجاه هذا الأجير قرارا تعسفيا وهو ما أكدته المحكمة الابتدائية بطنجة في إحدى أحكامها، الذي تضمن :” … فقد صح ما أثارته المدعية بخصوص خرق بعض مقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل ذلك أن جميع الوثائق المنجزة بمناسبة فصل المدعية لا تتضمن التاريخ الذي تبين فيه ارتكابها الأخطاء المنسوبة إليها…”.

    ثانيا: تكييف خطورة الخطأ الجسيم:

    إن إثبات المشغل لخطأ الأجير يعطيه الذريعة القانونية لتوقيع العقوبة عليه، هاته الذريعة تبقى خاضعة لرقابة القضاء الذي يحتفظ لنفسه بحق تكييف هذا الخطأ ومراقبة ما إذا كان يندرج ضمن خانة الأخطاء المنصوص عليها سابقا في المادتين 39 و293 من مدونة الشغل أم لا يندرج، فنكون بالتالي أمام حالتين:

  • حالة ورود الخطأ المرتكب ضمن لائحة الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في المادتين 39 و 293: حيث تكون سلطة المحكمة مقيدة في التأكد من الوجود المادي للخطأ ، و هذا ما يستنبط من العديد من القرارات القضائية نورد منها: قرارا لمحكمة النقض ورد فيه: ”أن التلفظ بعبارات نابية داخل المعمل و في مواجهة أي كان يعد خطأ جسيما لما هو منصوص عليه في المادة 39 من مدونة الشغل وذلك لمخالفته لقواعد الأخلاق والآداب العامة والمحكمة لما نفت عن هذا الفعل وصف الخطأ الجسيم بعلة أن عبارة السب لم تستهدف أي شخص بذاته تكون قد عللت قرارها تعليلا فاسدا ”.

    و قرار آخر ورد فيه: ”عدم امتثال الأجير لتعليمات مشغله والمتعلقة بقواعد حفظ الصحة يعتبر خطأ جسيما يمكن أن يترتب عنه الفصل طبقا للمادة 293 من مدونة الشغل”

  • حالة عدم ورود الخطأ المرتكب ضمن لائحة الأخطاء المنصوص عليها في مدونة الشغل: هنا يبقى للمحكمة كامل الصلاحية في تقدير مدى جسامة الخطأ، وإذا أوكل للقاضي مهمة تحديد مدى جسامة الأخطاء فإنه ملزم بتبرير قراراته وتعليلها و ذلك لتجنب نقضها أمام محكمة النقض التي تبقى بدورها مطالبة بوضع معايير واضحة لعناصر الخطأ، رفعا للمشقة عن قضاة الموضوع .

    الفقرة الثانية: مراقبة مدى ملائمة الخطأ للعقوبة:

    وضع مجموعة من القيود والضوابط على السلطة التأديبية للمشرع حفاظا على استقرار علاقات الشغل، ورفعا لكل تعسف قد يطال الأجير، وجعل تحديد العقوبات التأديبية وملائمتها للأخطاء المرتكبة تحت رقابة القضاء، الذي يحتفظ لنفسه بحق مراقبة مدى احترام المشغل لمبدأ التدرج في العقاب (أولا)ومدى احترامه للإجراءات المسطرية(ثانيا).

    أولا: ملائمة العقوبة للخطأ المرتكب:

    تنص الفقرة السادسة من المادة 42 من مدونة الشغل على :”… تخضع لمراقبة السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية.”، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن للقضاء الحق في مراقبة مدى تلاؤم العقوبة و الخطأ المرتكب، و من جملة القرارات الصادرة بهذا الشأن ، قرارا لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء ورد فيه: ” المستأنف عليه في هذه النازلة تغيب لمدة ثلاثة أيام فقط، وكان على المشغل أن يقتصر على إحدى العقوبات الخفيفة التي لا ترقى إلى الطرد“، و لم يكتف القضاء المغربي بالتصريح بعدم ملاءمة العقوبة للخطأ المرتكب فحسب، بل امتد اجتهادها إلى حد إلغاء مقرر العقوبة التأديبية، و مما ورد في هذا الصدد حكم المحكمة الابتدائية بالرباط الذي جاء فيه: ”مادامت المدعية قد حصلت على الإذن بالتغيب لزيارة الطبيب…فإن ثقبها لبطاقة العمل أثناء خروجها وعودتها من تلك الزيارة لا يعد في نظر المحكمة خطأ مرتكبا من طرفها، الأمر الذي يتعين معه التصريح بأن الإجراء التأديبي الصادر في حق المدعية وهى عقوبة التوقف عن العمل لمدة ثلاثة أيام مع الحرمان من الأجرة عن نفس المدة و التحذير باتخاذ قرار آخر لا يرتكز على أساس و يتعين التصريح بإلغائه“.

    وانطلاقا مما سبق يتضح مدى سعي القضاء لاحترام مبدأ تلاؤم العقوبة والخطأ المرتكب، وكذا سعى لتكريس مبدأ التدرج في العقاب كي لا يتم اتخاذ الخطأ المرتكب من طرف الأجير ذريعة مقنعة لفصله من عمله.

    ثانيا: احترام المشغل لمبدأ التدرج في العقاب:

    إن العقوبات التأديبية المتخذة جراء الخطأ المهني المرتكب لا تخرج عن لائحة العقوبات التي عددتها المادة  37 من مدونة الشغل، و التي حصرها المشرع في : الإنذار التوبيخ، التوبيخ الثاني، أو التوقيف عن الشغل مدة لا تتعدى ثمانية أيام، التوبيخ الثالث، أو النقل إلى مصلحة، أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء، مع مراعاة مكان سكنى الأجير.، بالإضافة إلى ما ضمنته المادة 61 من نفس المدونة و التي تتيح إمكانية فصل الأجير لارتكاب خطأ جسيم، و هنا يتضح بما لا يدع مجالا للشك بأن المشرع اعتمد التدرج في العقوبات التأديبية، من أخفها إلى أشدها تبعا لدرجة خطورتهاوجسامتها.

    كما تخضع هاته العقوبات لمجموعة من القواعد من بينها:

  • وحدة العقوبة وعدم جواز تعدد العقوبات، إذ لا يسوغ معاقبة الأجير على الفعل مرتين،
  • التناسب أو الملاءمة بين جسامة المخالفة المرتكبة والعقوبة التأديبية المتخذة، من خلال تكييف الخطأ المهني المرتكب مع العقوبة المقررة، وكل تجاوز أو تهاون أو مغالاة في فرض العقوبة ومقدارها وحجمها يشكل قرارا معيبا قابلا للإلغاء.
  • المساواة في العقوبة، إذ لا يمكن تصور تفاوت في تنزيل العقوبة بين مرتكبي نفس الخطأ على اعتبار مكانتهم ومركزهم داخل المقاولة.

    و من جملة الاجتهادات القضائية الحاثة على احترام مبدأ التدرج في العقوبات نورد ما ذهبت إليه محكمة النقض في أحد قراراتها: “… والمحكمة لما عللت كذلك قرار ها أن ما قام به المستأنف لا يرقى إلى درجة الخطأ الجسيم الذي يستوجب الفصل خصوصا وأن ممثلة الشركة أفادت خلال جلسة البحث أن الأجير لم يسبق له أن تنازع مع الإدارة وبالتالي كان على المشغلة أن توجه له أي إجراء تأديبي آخر قبل اتخاذ قرار الفصل، وبذلك تكون المحكمة قدرت لما لها من سلطة تقديرية الخطأ المنسوب للأجير، وما قضت به المحكمة مرتكز على أساس …”.

    وانطلاقا مما سبق لنا التطرق إليه يمكننا أن القضاء المغربي يشكل إلى جانب المشرع الدرع الواقية للأجير ذلك أنه يستهدف ما أمكنه ذلك التوفيق بين سلطة المشغل على أجيره وحق هذا الأخير في الشغل والاستقرار النفسي والاجتماعي.

    وإذا كانت الغاية المثلى للقضاء والتشريع الحفاظ على استقرار علاقة الشغل لارتباطها بالاقتصاد الوطني من جهة ولطابعها الاجتماعي من جهة أخرى، فإنه يجب أن يضع في حسبانه أن العلاقة الشغلية قد تعتريها مثبطات وصعوبات قد تعصف بها، فما هي إذن الحماية التي وفرها القضاء المغربي للأجراء في حالة إنهاء عقد الشغل؟

    المبحث الثاني: حماية الأجراء خلال إنهاء العلاقة الشغلية:

    مما لا ريب فيه أن المشرع خول للمشغل في إطار إشرافه على الأجير و تبعية الأخير له، ممارسة سلطة التأديب كلما أقدم الأجير على ارتكاب خطأ مهني فادح، وإذا كان سلطة التأديب في شقها الموضوعي خاضعة لرقابة القضاء، فالأمر نفسه ينطبق على الإجراءات المسطرية التي يسلكها المشغل لتوقيع العقوبة على الأجير تحت طائلة التعسف في استعمال السلطة التأديبية، و إذا الفصل من العمل يشكل ضرورة حتمية فإن القضاء لا يدخر جهدا في مراقبة مدى احترام المشغل لمسطرته ( المطلب الأول)، كما يتولى حماية الأجراء في معرض فصلهم لأسباب تكنولوجية و اقتصادية ( المطلب الثاني)

    المطلب الأول: الرقابة على مسطرة إنهاء عقد الشغل:

    إن المشغل مطالب قبل توقيع قرار فصل الأجير بسلوك مسطرة الاستماع إلى الأجير، التي عالجها المشرع من خلال المواد 62 و63 و64 و65 من مدونة الشغل، والتي وإن اعتبرها المشرع الضامن لحقوق الأجراء في الاستماع إليهم والدفاع عن نفسهم والاستعانة بمن يعززون موقفهم (مندوبي الأجراء)، فإنه باستقراء لنص هاته المواد نجدها قد أسقطت مرحلة استدعاء الاجير لجلسة الاستماع وهو ما يمكن اعتباره حيادا عن السياسة الحمائية للأجير.

    وعلى النقيض من ذلك قام المشرع الفرنسي بتنظيم مسطرة الاستدعاء لجلسة الاستماع في المواد المنظمة لمسطرة التأديب بحيث ان المادة 232-4 من قانون الشغل الفرنسي ألزمت المشغل بتضمين الاستدعاء لحضور جلسة الاستماع مجموعة من البيانات الإلزامية نوردها كالآتي:

  • الغاية من جلسة الاستماع.
  • تاريخ ومكان انعقاد جلسة الاستماع.
  • تذكير الاجير بحقه في لاستعانة بأحد ممثلي الاجراء وفي حالة عدم وجودهم يتم إحالته على لائحة المستشارين المتخصصين ليقوموا مقام ممثلي الأجراء في الدفاع عنه ومؤازرته بجلسة الاستماع، كما ان المادة 232-2من نفس القانون ألزمت المشغل باحترام اجل خمسة من تاريخ تبليغ الاستدعاء وتاريخ عقد جلسة الاستماع.

    ولعل ذلك ما ينسجم مع مضامين الاتفاقية الدولية رقم 158 لسنة 1982 المنظمة لإنهاء الاستخدام بمبادرة من صاحب العمل والمتممة بالتوصية عدد 166.

    وإذا كان المشرع أغفل تأطير مسطرة الاستدعاء بدقة، فإن القضاء تدخل في العديد من القرارات لبسط رقابته على استدعاء الأجراء لمسطرة الاستماع، ومن بين القرارات في هذا الصدد نورد:

    القرار الصادر عن الغرفة الاجتماعية لمحكمة الاستئناف بطنجة: ” …ذلك أن الثابت من الرجوع إلى رسالة استدعاء الأجير المستأنف عليه لجلسة الاستماع …فإنه لم تتم الإشارة فيه إلى ضرورة حضور الأجير مؤازرا بأحد مندوبي الأجراء من اختياره أو ممثل نقابي في حالة وجوده، الأمر الذي يعد إخلالا بحق الأجير في الدفاع عن نفسه …”.

    وإذا كان استدعاء الأجير لجلسة الاستماع يشكل حدثا بارزا في مسطرة إنهاء عقد الشغل، أولاه المشرع والقضاء اهتماما بالغا، فماهي باقي الشكليات التي يجب على الطرفين احترامها قبل التوقيع على مخطط الفصل؟

    الفقرة الأولى: السهر على احترام شكليات الإنهاء:

    تبرز مسطرة الاستماع للأجراء على رأس هاته الشكليات حيث يلعب فيها مندوبو الأجراء ومفتش الشغل دورا هاما في الدفاع عن الأجير(أولا)، كما تعتبر مسطرة الاستماع لفئات الأجراء المحميين من أبرز الإشكاليات المطروحة في هذا الصدد (ثانيا)

    أولا: مسطرة الاستماع للأجير ودور مندوب الأجراء ومفتش الشغلفيها:

    ذهب أحد الفقه إلى تعريف مسطرة الاستماع بكونها: ” مختلفالإجراءات التي يتعين على المشغل إتباعها قبل إنهاء عقد الشغل الذي يوقعه مع هذا الأخير على الأجير والذي يكون في شكل طرد من العمل عبرت عنه المدونة بالفصل التأديبي والذي يرتبط وجودا وعدما بارتكاب الأجير لخطأ جسيم، كما يمكن القول بأنه نتيجة طبيعية لهذا الفعل الذي اقترفه، فضلا عن أنه يعتبر عقوبة تأديبية على إخلاله ببعض التزاماته”، وهو ما يحيل على ضرورة تحديد ضوابط هاته المسطرة ودور بعض الفاعلين فيها.

  1. مسطرة الاستماع للأجير:

    أتاح المشرع للأجير مكنة الدفاع عن نفسه خلال مسطرة الاستماع من خلال التنصيص على ذلك في الفقرة الأولى من المادة 62 من مدونة الشغل و التي جاء فيها: ”يجب، قبل فصل الأجير، أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه، وذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه…”، و المشرع إنما يهدف إلى تقييد المشغل بمسطرة الاستماع ضمان حق الأجير في الدفاع عن نفسه و شرح موقفه من الخطأ المرتكب، فقد يكون هذا الخطأ واقع تحت وطأة ظروف قاهرة، أو بفعل فاعل آخر، أو بتدخل عنصر آخر في القضية، الأمر الذي يمكن أن يستجلي به المشغل حقيقة الأمر، و يتراجع عن ما كان ينوي إقراره في حق الأجير من عقوبات.

    و لعل من حسنات المادة 62 من مدونة الشغل تنصيصها على آجل ثمانية أيام بين تاريخ ارتكاب الأجير للفعل الموجب للتأديب، و انعقاد جلسة الاستماع تحت طائلة بطلان المسطرة، و إقران المسطرة بأجل ثمانية أيام من شأنه أن يحقق الفعالية المرجوة لسلطة المشغل في التأديب دون أن يحيد بها إلى مصاف الوسيلة التهديدية المسلطة على رقبة الأجير في كل مرة أراد فيها المشغل أن ينصاع الأجير لرغباته .

    و قد عزز القضاء المغربي هذا الموقف من خلال العديد من القرارات و الأحكام القضائية، من بينها: حكم المحكمة الابتدائية بطنجة ورد فيه: ‘‘ … فقد صح ما أثارته المدعية بخصوص خرق بعض مقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل، ذلك أن جميع الوثائق المنجزة بمناسبة فصل المدعية لا تتضمن التاريخ الذي تبين فيه ارتكابها الأخطاء المنسوبة إليها، إذ ورد فيها فقط إقدام المدعية على سرقة مواد غذائية و إتيانها لسلوك عدواني اتجاه الأجراء دون تحديد تاريخ ارتكابها لتلك الأخطاء مما تعذر معه على المحكمة بسط رقابتها للتأكد من مدى احترام المشغلة لأجل الثمانية أيام الواجب الاستماع خلالها للأجيرة …”.

  2. دور مندوبي الأجراء ومفتش الشغل في مسطرة الاستماع:

  3. مندوبو الأجراء والممثلون النقابيون:

    ألزمت المادة 62 من مدونة الشغل المؤاجر الاستماع إلى الأجير بحضور مندوب للأجراء أو ممثل نقابي بالمقاولة يكون من اختيار الأجير، ومؤدى ذلك أن المشرع أراد أن يعزز بهذا المقتضى بضمانة أخرى تتمثل في وجود من يؤازره ويدافع عنه أثناء الاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه، وهنا لا بد من إثارة بعض الملاحظات حول حضور مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين خلال الاستماع للأجير:

  • للأجير الحق في اختيار من يراه مناسبا للدفاع عنه.
  • يجب أن يكون الشخص المختار لمصاحبة الأجير أثناء جلسة الاستماع منتميا للمقاولة و ليس من خارجها.
  • يمكن للأجير أن يستغني عن اختيار من يؤازره أثناء جلسة الاستماع، مع ضرورة تضمين ذلك في محضر الاستماع إليه، وهو ما يستفاد من قرار لمحكمة الاستئناف بطنجة تضمن: ” … كما أن محضر الاستماع المنجز فضلا عن أنه لم يتضمن أية إشارة إلى تنازل الأجير عن حقه في اختيار مندوب الأجراء الذي يؤازره … ”.

    إلا أن الإشكال الذي يبرز هنا هو هل تعتبر مسطرة الاستماع معيبة في حالة عدم تواجد ممثل نقابي أو مندوب للأجراء في المقاولة، خصوصا إذا كانت لم تتم السنة على افتتاحها، أو عدد عمالها يقل عن عشرة عمال؟

    جوابا على هذا التساؤل نورد قرارا لمحكمة النقض جاء فيه: ” حيث تبين صحة ما نعته الوسيلة على القرار: ذلك أنه من جهة أولى، فإن غاية المشرع من سن مقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل هو اتاحة الفرصة امام الأجير للدفاع عن نفسه، بالاستماع إليه من طرف المشغل حول الأخطاء المنسوبة إليه والتي يمكن أن تؤدي إلى طرده دون تعويض، ومكن المشرع الأجير من اختيار مؤازر له، يختاره بنفسه إما مندوبا للعمال أو ممثلا نقابيا بالمقاولة. وحيث من جهة ثانية، لما كان من الثابت أمام قضاة الموضوع، أن الطاعنة قبل إقدامها على طرده، طبقا لمقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل واستمعت إليه بحضور المسماة (ف ا) إحدى العاملات لديها كشاهد له، وبحضور المسؤول عن العمال…، والمدير العام بالنيابة، ….ووقع الجميع على المحضر المذكور بما فيهم الأجير المطلوب، وتأكد للمحكمة أن الطاعنة لم تكن تتوفر على ممثل نقابي وهي بذلك (أي الطاعنة) تكون قد احترمت مقتضيات الفصل 62 من مدونة الشغل ومكنت الأجير من فرصة الدفاع عن نفسه، بحضور إحدى العاملات في غياب مندوب الأجراء والممثل النقابي. والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه والتي استبعدت المحضر المنجز في هذا الإطار، واعتبرت أن عدم ضور مندوب العمال أو الممثل النقابي بالمقاولة إلى جانب الأجير أثناء انجاز المحضر خرقا لمقتضيات الفصل 62 من مدونة الشغل وقررت تبعا لذلك أحقيته من الاستفادة من التعويض عن الطرد التعسفي تكون والحالة ما ذكر قد بنت قرارها على غير أساس وعرضته للنقض“.

    ومنه فإن الأجير يعد الأولى بالدفاع عن مصالحه، وغياب الممثل النقابي أو مندوب الأجراء لا يعيب مسطرة الاستماع.

  1. مفتش الشغل:

    نصت الفقرة الأخيرة من المادة 62 من مدونة الشغل على أنه:” إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة، يتم اللجوء إلى مفتش الشغل”، وهو ما دفع للتساؤل حول دور مفتش الشغل في مسطرة تأديب وفصل الأجير، هل هو دور تصالحي؟ أم دور رقابي؟ وحول من عليه اللجوء لمفتش الشغل هل المشغل أم الأجير؟

    انبرى القضاء المغربي ممثلا في المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- للجواب عن كل هاته الإشكالات من خلال مجموعة من القرارات البليغة الصادرة عنه.

    و هكذا حسم المجلس الأعلى الجدل في مسألة من الملزم باللجوء إلى مفتش الشغل، حيث اعتبر في إحدى القرارات الصادرة عنه أن المشغل لما كان يمتلك سلطة التأديب فهو ملزم بسلوك مسطرة الاستماع و هو صاحب المبادرة في اللجوء إلى مفتش الشغل في حالة انسحاب الأجير أو رفضه إتمام مسطرة الاستماع.، إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة ما هو موقف مفتش الشغل في حال لجأ إليه الأجير؟

    أما فيما يتعلق بطبيعة تدخل مفتش الشغل في المسطرة فدوره في حالة لجوء المشغل له يتمثل في تسلم محضر الاستماع، مقابل تمكينه للمشغل أو من ينوب عنه بسند تسلمه لهذا المحضر، ووضع نسخة محضر الاستماع التي تسلمها المفتش بملف المقاولة المحتفظ به بالمديرية الإقليمية أو الجهوية للشغل والإدماج المهني.

    و في حالة لجوء الأجير إلى مفتش الشغل فإن المشرع من خلال المادة 532 أسند لمفتشية الشغل إلى جانب ما تقوم به كجهاز إداري متخصص في مجال علاقات الشغل، من رقابة تقتضي التأكد من مدى تطبيق مختلف المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بقانون الشغل داخل مختلف المؤسسات الخاضعة لها واحترامها دورا إضافيا لا يقل أهمية، وهو إجراء محاولة الصلح في مجال نزاعات الشغل الفردية، و هو ما يدفع بكون المشرع قام بتعزيز الوظيفة التصالحية لمفتش الشغل، و أقرت له صراحة بهذا الدور الفعال في إنهاء نزاعات الشغل الفردية، بيد أن هذا التنصيص التشريعي على الدور التصالحي لمفتش الشغل لم يحسم الجدل بهذا الخصوص، حيث انقسم الفقه و القضاء فيما يتعلق بطبيعة الصلح الذي يجريه مفتش الشغل بين طرفي العلاقة الشغلية بين رافض لهذا الصلح و بين مشجع عليه.

    وهكذا يرى الاتجاه المؤيد لهذا الصلح أن تدخل مفتش الشغل في حل نزاعات الشغل إنما هو بمثابة تقريب للرؤى بين المشغل والأجيروبالتالي المساهمة في التخفيف من حدة الصراعات داخل المقاولة، وذلك راجع بصفة رئيسية إلى طبيعة العلاقة التي ينسجها مفتشو الشغل مع أطراف النزاع، و تسخيرهم لمؤهلاتهم المعرفية و الفكرية لإبرام الصلح لما في هذا الأخير من دور كبير في الحفاظ على السلم الاجتماعي.

    أما الاتجاه المعارض فيرى أصحابه بأن منح مفتش الشغل الصلاحية لإجراء محاولة الصلح، أمرا غير موفق، و مناطهم في ذلك أن قيام مفتش الشغل بهذه المهمة يتعارض مع مهام مفتش الشغل في مجال المراقبة ، فالقيام بمهمة المصالح يتطلب ليونة أكثر وجانبا كبيرا من المرونة والدبلوماسية، بغرض التأثير على الأطراف و حثهم على إبرام الصلح بكيفية حبية، وهو الشيء الذي قد يؤدي إلى تزعزع صورته في أعين أرباب المشغل و يدخلهم في دوامة عدم احترام توجيهاته، خصوصا أنه الساهر على مراقبة تطبيق مواد قانون الشغل داخل المقاولة، فعون التفتيش عندما يتدخل حبيا لكي يستميل عطف المشغل من أجل رد أجير مطرود، يضعف في موقفه و ينقض من قيمته كساهر على احترام المقتضيات القانونية داخل المقاولات.

    هذا علاوة على أن تكليف مهمة الصلح إلى مفتش الشغل بنص القانون يجعل هذا الأخير غير منسجم مع ما نصت عليه المادة الثالثة من اتفاقية العمل الدولية رقم 81 المتعلقة بتفتيش الشغل في الصناعة والتجارة، والتي نصت على أنه: “إذا عهد إلى مفتش الشغل بمهام أخرى، فيجب ألا تتعارض بأي حال مع عملهم الأصلي، وألا تخل بالحياد الذي يجب توافره لدى المفتشين في علاقاتهم بالمشغلين والأجراء” .

    و بين هذا و ذاك برز رأي آخر يقف أنصار موقف الاعتدال في منظورهم لوظيفة العون المكلف بتفتيش الشغل التصالحية، حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه أن تدخل جهاز مفتشية الشغل لإجراء صلح تمهيدي بين أطراف النزاع يستلزم أن يضم هذا الجهاز أعوان لهم من الدراية و الخبرة ما يمكنه من الاضطلاع بهاته المهمة التصالحية دون امتداد اختصاصهم لغيرها من القضايا، و هو موقف تبناه المشرع التونسي حيث بادر إلى إنشاء هيئة للمصلحين من بين أعوان تفتيش الشغل، الذين يتوفرون على تجربة وخبرة كافيتين، تسند لهم مهمة البحث مع الأطراف المعنية، حول الحلول الحبية لتسوية نزاعات الشغل.

    وإذا كان الفقهاء اختلفوا أمرهم في معرض مناقشتهم للدور التصالحي لمفتش الشغل، فإن القضاء انقسم بدوره إلى فريقين فريق يأخذ بالصلح الذي يجريه مفتش الشغل ويصبغ عليه قوة ثبوتية باعتباره آلية لفض النزاع وهو ما يغلق باب الطعن في مقررات مفتش الشغل، وفي مقابل هذا الاتجاه يبرز اتجاه آخر يحصر هذا الصلح في مجرد تسليم الأجير وصلا بسيطا بالمبالغ التي تسلمها، وأنه يتعين على المحكمة مراقبة مدى تطبيق قواعد قانون الشغل.

    و على هذا الأساس ذهبت المحكمة الابتدائية بالمحمدية في حكم قضائي لها إلى استبعاد الصلح الموقع تحت إشراف مفتش الشغل، تحت طائلة عدم جواز تنازل الأجير عن الحقوق المترتبة لصالحه جراء الطرد التعسفي لأنها تعتبر من النظام العام .

    وعلى النقيض من ذلك أصدرت المحكمة الابتدائية بوجدة حكما يفضي إلى اعتماد الصلح المبرم تحت إشراف مفتش الشغل، ورفض طلب التعويض عن الفصل التعسفي، فقد ورد في أحد أحكامها: “حيث إنه بالرجوع إلى محضر الصلح المبرم بين الطرفين أمام السيد مفتش الشغل بتاريخ 25/07/2000، ثبت للمحكمة بأنه قد وقع اتفاق بين الطرفين ينص على إنهاء العقد القائم بينهما بعد توصل المدعية بحقوقها المترتبة في ذمة المدعى عليه، وحيث إن المدعية أبرمت صلحا مع المدعي عليه توصلت في إطاره بحقوقها، وانفصلا عن بعضهما البعض برضي واختيار وبدون متابعة، مما يجعل طلبها في هذا الشأن غير مؤسس ويتعين رفضه”.

    ثانيا: مسطرة الاستماع لفئة الأجراء المحميين:

    وإذا كانت مسطرة الاستماع للأجير العادي لا تخلق إشكالا كبيرا مادام أن المشغل حرص على احترام شكليات وبذل العناية اللازمة لإنجاحها، فإن الأمر لا ينطبق على مسطرة الاستماع لفئات الأجراء المتمتعين بالحماية القانونية، والمقصود هنا مندوبو الأجراء والممثلين النقابيين وأطباءالشغل والمرأة الحامل.

  2. مسطرة الاستماع لمندوبي الأجراء والممثلين النقابيين:

    سعى المشرع إلى توفير الحماية لفئة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين داخل المقاولة، نظرا للدور الريادي الي تلعبه هاته الفئة في الدفاع عن مصالح الأجراء ومؤازرتهم، هاته الحماية إنما أراد من خلالها المشرع الحد من النفوذ التأديبي للمشغل تجاه هاته الفئة، ذلك أن المشغل قد يتضايق من وجود هاته الفئة داخل مقاولته الأمر الذي قد يدفعه لتسليط سلطته التأديبية عليه في سبيل إلجامه وعرقلته عنأداء مهامه.

    وهكذا تدخل المشرع فقيد مسطرة التأديب المفتوحة في وجه هاته الفئة بقيود من أبرزها ما هو منصوص عليه في المادة 457 من مدونة الشغل التي نصت على ضرورة موافقة عون التفتيش وتأشيره على مقرر يقضي بتأديب مندوب الأجراء.

    و هو ما يستفاد من إحدى القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف بطنجة جاء فيه: ” حيث تبين من وثائق الملف و مستنداته عدم صحة ما نعته الشركة المشغلة على الحكم الابتدائي المطعون فيه على أساس احترامها مسطرة الفصل من العمل، بسبب الخطأ الجسيم كما تتطلب ذلك مدونة الشغل، و الحال أن الثابت من وثائق الملف أن الأجير المدعي هو مندوب أجراء يحظى بحماية قانونية بموجب المادة 457 من مدونة الشغل والتي أوجب ما يلي: ” يجب أن يكون كل إجراء تأديبي، يعتزم المشغل اتخاذه في حق مندوب الأجراء، أصليا كان أو نائبا، موضوع مقرر، يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل، إذا كان هذا الإجراء يرمي إلى نقل المندوب أو نائبه من مصلحة إلى أخرى، أو من شغل إلى آخر، أو إلى توقيفه عن شغله، أو فصله عنه”. و إلا اعتبرت المسطرة التأديبية و ما نتج عنها من فصل من العمل في حق الأجير باطلة وغير منتجة لآثارها القانونية لخرقها للمقتضى الآمر أعلاه، و هذا ما كرسه العمل القضائي و على رأسه محكمة النقض بموجب عدة قرارات منها القرار عدد 1194 الصادر بتاريخ 12/09/2013 في الملف الاجتماعي عدد 1664/5/2/2012 منشور بنشرة قرارات محكمة النقض (الغرفة الاجتماعية) العدد 13 بحيث جاء فيه :” عقد شغل – إنهاؤه – مندوب الأجراء – أجير محمي – قرار مفتش الشغل – الطعن فيه، فصل مندوب الأجراء في ظل مدونة الشغل يقتضي إشعار مفتش الشغل بالخطأ الجسيم المنسوب له، فيتم توقيفه مؤقتا إلى حين صدور قرار مفتش الشغل الذي يجب أن يكون معللا بالقبول أو الرفض، مما يعطي لمن تضرر منه حق الطعن فيه لأنه قرار إداري فإبقاء الأجير موقوفا إلى أجل غير معلوم يجعل الطرد الذي تعرض له مشوبا بالتعسف”. و حيث بناء عليه فإن الشركة المشغلة كان عليها الإحجام عن سلوك مسطرة الفصل بسبب الخطأ الجسيم التي باشرتها في حق الأجير إلا بعد عرض الأمر على مفتش الشغل و جواب هذا الأخير إما بالموافقة أو الرفض مع ترتيب الآثار القانونية حسب الجواب، وطالما أنها لم تفعل تكون المسطرة التأديبية هذه باطلة و لا أثر لها في مواجهة الأجير…” .

    و تنبغي الإشارة إلى أن الحماية المنصوص عليها في 457 من مدونة الشغل لا تنحصر في فئة مندوب الأجراء أو نائبه، وإنما تتوسع دائرتها لتشمل قدماء مندوبي الأجراء، خلال ستة أشهر من تاريخ انتهاء انتدابهم، و كذا المترشحين لانتخابات مندوبي الأجراء، منذ وضع اللوائح الانتخابية و إلى حين مضي ثلاثة أشهر من تاريخ الإعلان عن نتائج الانتخابات حسبما هو منصوص عليه في المادة 458 من مدونة الشغل.

  3. مسطرة الاستماع لطبيب الشغل والأجيرة الحامل:
  4. طبيب الشغل:

    يلعب طبيب الشغل دورا حيويا داخل المقاولات ذلك أن المشرع أناط به مهمة حماية و وقاية الأجراء و العمال من كل الأخطار المهنية، وهو ما يستفاد من نص المادة 318 من مدونة الشغل و التي تنص على:” يؤدي طبيب الشغل دورا وقائيا، يتمثل في إجراء الفحوص الطبية الواجبة على الأجراء، خاصة الفحص الطبي الرامي إلى التأكد من ملاءمة مناصب الشغل للحالة الصحية للأجراء عند بداية تشغيلهم، وإلى تجنيبهم كل ما قد يضر بصحتهم بسبب الشغل، ولاسيما بمراقبة شروط النظافة في مكان الشغل، ومخاطر العدوى، والحالة الصحية للأجراء”، و بالتالي فدوره وقائي بدرجة أولى و هو ما يعني أن مهمة طبيب العمل تتمثل في الحرص على تمتع العامل بأكبر قدر من الصحة البدنية و النفسية ضمانا لحسن سير العمل داخل المقاولة ، و استثناء أتاح المشرع لطبيب الشغل مكنة تقديم علاجات للأجراء في الأحوال الاستعجالية عند وقوع حوادث أو ظهور أمراض داخل المقاولة، وإسعاف كل أجير تعرض لحادثة شغل، إذا كانت الحادثة لا تؤدي إلى توقف الأجير عن شغله بمقتضى المادة 319 من مدونة الشغل.

    و إذا كان طبيب الشغل يمارس مهامه تحت رقابة المشغل الذي يتمتع كما سبقت الإشارة إلى ذلك بسلطة الإشراف و التوجيه والتأديب داخل مقاولته، إلا أن المشرع قيد سلطته الـتأديبية تجاه طبيب الشغل، حيث نص على ضرورة الاستماع إلى الأجير من طرف العون المكلف بتفتيش الشغل قبل الموافقة على قرار تأديبه أو رفضه، و هو ما يستفاد من نص المادة 313 من مدونة الشغل والتي تنص على: ‘يجب أن يكون، كل إجراء تأديبي، يعتزم المشغل أو رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات اتخاذه في حق طبيب الشغل، موضوع قرار، يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل، بعد أخذ رأي الطبيب مفتش الشغل”.

    كما قام القضاء بتكريس هذا المقتضى من خلال العديد من القرارات نورد منها ما ذهبت إليه محكمة النقض في إحدى قراراتها ورد فيه: ” … و الثابت أن المطلوب كان يشتغل مهمة طبيب الشغل لدى الطالبة و ذلك بمقتضى عقد غير محدد المدة، و بالتالي فهو يحظى بحماية خاصة في مدونة الشغل، وهي المنصوص عليها في المادة 313، و التي تبين من خلال معطيات النازلة عدم احترامها من طرف المشغلة، بل أن الطالبة اكتفت بتوجيه إخطار للمطلوب تشعره فيه بوضع حد لخدمته دون تبرير لموقفها، و لذلك من 02/10/2012 معتمدة على مقتضيات البند 7 من العقد المبرم بين الطرفين.

    و حيث إن المادة 11 من مدونة الشغل تسير في اتجاه أن الحقوق التي يقررها هذا القانون تعتبر الحد الأدنى لا يمكن النزول عنه، و بالتالي لا يمكن تطبيق بنود عقد الشغل إلا إذا كانت أحكامه أكثر فائدة بالنسبة للأجير، و أنه ما دامت المادة السابعة من عقد الاتفاق الطبي لا توفر حماية أكثر و هو ما ذهب إليه القرار الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي و عن صواب…”.

  5. الأجيرة الحامل:

    دفعت الوضعية الشائكة للمرأة الحامل المشرع إلى أن يسبغ عليها عنايته من خلال تنصيصه على تدابير حمائية خاصة بوضعيتها، وهكذا ذهب المشرع في المادة 159 من مدونة الشغل إلى صد المشغل عن فصل الأجيرة الحامل التي أدلت بشهادة طبية تثبت ذلك، أثناء حملها أو بعد الوضع بأربعة عشر أسبوعا، بل منعه من إنهاء عقد شغل الأجيرة أثناء توقفها عن العمل بسبب حالة مرضية ناشئة عن حملها ووضعها إذا كانت هاته الحالة المرضية مثبتة بشهادة طبية.

    غير أن المشرع أتاح للمشغل إمكانية فصل الأجيرة الحامل إذا ثبت أنها ارتكبت خطأ جسيما أو لتوافر الأسباب القانونية للفصل، شريطة أن لا تم تبليغها بمقرر الفصل أثناء فترة توقف عقد الشغل، و يعد مكل فصل من العمل في هاته الحالة غير منتج لآثاره.

    وهو ما توجته المحاكم المغربية في مجموعة من القرارات منها: ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بالرباط في قرار ها: “إن المشغلة استندت في فصلها الأجيرة على تغيبها عن العمل بدون مبرر والحال أن الأجيرة، وكما ثبت ذلك من الشهادات الطبية وشهادة الوضع أنها كانت حاملا وبثت بالشواهد التي لم تنازع في توصلها بها لتبرير غيابها و من تم فالسبب المستند عليه لا أساس له… و حيث يتعين القولبان الأجيرة طردت تعسفيا و تستحق عن ذلك التعويضات المخولة لها قانونا لان الطرد في هذه الحالة يكون باطلا و في هذا حماية الأمومة كما تناولتها المدونة و الاتفاقيات الدولية“.

    وإذا كان المشرع قد نص على مسطرة الاستماع للأجير في المادة 62 من مدونة الشغل، دون أن يحدد الطرف الذي عليه إثارة المسطرة هل المشغل أم الأجير نفسه، ودون أن يقرر ما إذا كانت هاته المسطرة إلزامية أم اختيارية، الأمر الذي أثار جدالا فقهيا تدخل القضاء في العديد من المواقف لحسمه.

    وقد انبرى أستاذنا الفقيه محمد بنحساين لاستجلاء هذا الغموض، عبر تفكيكه لمضامين المادة 62، تفكيكا يسهل معه فهمها الفهم الصحيح. وهكذا ذهب الفقيه إلى اعتبار أن من عليه إثارة مسطرة الاستماع هو المشغل لما يتمتع به من خبرة وتقنية تمكنه من تحديد ارتكاب الخطأ الجسيم من طرف الأجير وبالتالي احتساب أجل ثمانية أيام المنصوص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل، أما جوابه عن مسألة إجبارية سلوك مسطرة الاستماع من عدمها، فقد هب إلى اعتبارها إجبارية رغم أن المشرع لم يقرنها بجزاءات، ذلك أن جزءا يسيرا من أحكام مدونة الشغل وإن لم يتضمن قواعد زجرية فهي واجبة الاحترام، ويؤدي عدم احترامها لترتيب التعويض على المخالف.

    معززا أراءه بمجموعة من القرارات القضائية على رأسها: القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط تمسكت من خلاله بوجوب قيام المشغل أو من ينوب عنه بالاستماع إلى الأجير.، علاوة على قرارات للمجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا- حسم من خلالها الجدل حول هاته المسألة حيث ذهب إلى أن المشغل هو المعني بسلوك مسطرة الاستماع للأجير، وأن كل قرار صدر بناء على عدم احترام مسطرة الاستماع يصبح غير منتج لأثره.

    الفقرة الثانية: الرقابة القضائية على الإجراءات اللاحقة على مسطرة الاستماع:

    إن الاستماع إلى الأجير قد يؤدي في بعض الأحيان إلى استجلاء حقيقة ما كان خافيا عن المشغل، فيعدل عن قراره المسبق و الحازم في فصل الأجير، إلا أنه و في أحيان كثيرة يكون مآل مسطرة الاستماع إعمال المسطرة المنصوص عليها في المادتين 63 و 64 من مدونة الشغل، و اتخاذ قرار الفصل في حق الأجير، و هو ما يرتب على المشغل باتخاذ مقرر الفصل و فق ضوابط محددة بنص القانون و تبليغه للأجير لإتاحة الفرصة أمامه للتوجه للقضاء قصد الطعن في هذا المقرر، طالبا للحماية القضائية و لإعمال السلطة الرقابية للقضاء على مقرر الفصل الصادر في حق الأجير.

    أولا: رقابة القضاء على مقرر الفصل:

    يعتبر تبليغ مقرر الفصل خطوة أساسية في مسطرة فصل الأجير، ذلك أنها تتيح له الاطلاع على محتويات القرار المتخذ في حقه وتمكنه من اللجوء إلى القضاء قصد الطعن فيه.

  6. تبليغ مقرر الفصل وأجله:

    نصت المادة 63 من مدونة الشغل على ما يلي:” يسلم مقرر العقوبات التأديبية الواردة في المادة 37 أعلاه أو مقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر يدا بيد مقابل وصل، أو بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل داخل أجل ثماني وأربعين ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور.”، وبالتالي يكون المشرع قد حسم مسألة طريقة تبليغ الأجير بمقرر فصله، حيث حصرها في وسيلتين للتبليغ أولاهما تسليم المقرر للأجير يدل بيدا مقابل إقراره بالتوصل بواسطة وصل، أو عن طريق إرسال المقرر عبر رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، وبذلك يكون المشرع المغربي قد قطع مع النظام النموذجي الصادر بتاريخ 23 أكتوبر 1948 الذي كان يتيح للمشغل إمكانية تبليغ الأجير شفويا بقرار فصله ، كما حصر المشرع أجل تبليغ مقرر الفصل في أجل 48 ساعة من تاريخ اتخاذ القرار، الأمر الذي يطرح معه عدة إشكالات من أبرزها مسألة التبليغ عن طريق مفوض قضائي هل يتم الأخذ بها أم يجب التقيد بالوسيلتين المذكورتين في المادة 63 من مدونة الشغل؟ ومسألة التاريخ الذي يعتمد لاحتساب أجل 48 ساعة للتبليغ بواسطة رسالة مضمونة هل هو تاريخ إيداع الرسالة بمكتب البريد أم بتاريخ التوصل؟

    ولعل ما يمكن إيراده من قرارات قضائية تجيب عن المسألة الأولى، الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة و الذي جاء فيه: ”… وحيث لئن دفعت كان ما دفعت به المدعية من عدم احترام المشغلة لإجراءات تبليغها قرار الفصل من العمل، لا يرتكز على أساس طالما أن الثابت من محضر تبليغ المقرر المؤشر عليه من طرف المفوضة القضائية يوم 07/03/2019 أن المدعية قد رفضت التوصل و أن المحضر المذكور حجة رسمية لا يمكن إثبات خلافه إلا بالطعن بالزور و هو مالم تقم به المدعية و بالتالي لا يوجد ما يعيب المسطرة من هذا الجانب …”، و بالتالي فيمكن القول بأن القضاء المغربي أتاح إمكانية التبليغ عن طريق عون التبليغ ( المفوض القضائي).

    أم بخصوص المسألة الثانية فنورد قرار لمحكمة النقض جاء فيه: ” … حيث صح ما عابه الطاعن على القرار المطعون فيه، ذلك أن العبرة في تبليغ مقرر الفصل داخل أجل 48 ساعة للأجير بواسطة البريد المضمون، تكون بتاريخ إيداعه لدى مكتب صندوق البريد، و ليس تاريخ توصل الأجير أو عدم توصله، ما دام أن الطاعن قد قام بما توجبه عليه المادة 63 من مدونة الشغل، و لا يمكنه أن يضمن نتيجة قيامه بهذا الإجراء…”، الأمر الذي يمكن القول معه بأن التاريخ المعتمد للتبليغ هو تاريخ الإيداع لدى مكتب البريد لا تاريخ التوصل.

  7. مضامين مقرر الفصل:

    إضافة إلى ضرورة تبليغ الأجير بمقرر الفصل الصادر في حقه نصت المادة 64 من مدونة الشغل على ضرورة تبليغ العون المكلف بالتفتيش بمقرر فصل الأجير، مع تضمين هذا المقرر للأسباب المستند عليها لفصل الأجير، و تاريخ الاستماع للأجير، حتى يتسنى للقضاء بسط رقابته على سلطة المشغل في التأديب و هو ما يستفاد من حكم للمحكمة الابتدائية بتطوان جاء فيه: ” … وحيث إنه على فرض صحة الأفعال المنسوبة للأجير المدعي، ومدى أهليتها لأن تتموقع كخطأ جسيم من عدمه بعد خضوعها للرقابة القانونية والموضوعية لقاضي الخصومة العمالية، فإن عدم احترام الإجراءات النظامية المواكبة لعملية الاستغناء عن خدمات الأجير، و التي ارتقى بها المشرع من خلال الظهير رقم 1-03-194 المؤرخ في 14 رجب 1424 ه و الموافق ل 11 شتنبر 2003 القاضي بتنفيذ القانون رقم 65-99 إلى مرتبة الإجراءات المندرجة في خانة النظام العام حماية للأجير و إقرارا لتوازن مفترض بين طرفي العلاقة الشغلية على حد سواء، يجعل الاحتجاج بالخطأ الجسيم و العدم سواء، ولو على فرض صحة وقوعه.

    لما كان ذلك و لما كانت الإجراءات المسطرية من صميم تبعات العلاقة الشغلية و يترتب على إغفال احترام بنودها انتفاء صفة الخطـأ الجسيم عن الفعل الذي آتاه الأجير بغض النظر عن ثبوته، و لم يثبت المشغل من جهته سلوك الإجراءات النظامية المشار إلى تنصيصاتها أعلاه، فإن ادعاء المشغل ارتكاب الأجير لخطأ جسيم يبقى غير ذي تأثير في موضوع الخصومة العمالية، ولا حاجة لمحكمة الموضوع لأن تناقش حقيقة وجوده أو تبسط رقابتها على مدى ارتقاء الفعل المرتكب من قبل الأجير و اكتسابه صفة الخطـأ الجسيم.”.

    و بالعودة إلى نص المادة 65 من مدونة الشغل نجد أن المشرع ألزم المشغل بتضمين مقرر الفصل أجل رفع الدعوى بغية تنوير الأجير المفصول بالأجل المسموح له داخله برفع دعاه القضائية الرامية للطعن في قرار فصله، وهكذا وعودة إلى المادة 65 المذكورة أعلاه نستشف أن أجل رفع الدعوى يتمثل في 90 يوما من تاريخ توصل الأجير بمقرر فصله، و هو الأمر الذي ارتقى به المشرع لحماية الأجير و لتمتيعه بآجال أكبر، بعد أن كان النظام النموذجي لسنة 1948 في مادته السادسة يمنح الأجير أجل شهر فقط لرفع دعواه و هو ما كان في نظرنا حيفا في حق الأجير.

    وقد ذهبت المحكمة الابتدائية بتطوان في حكم قضائي لها إلى أن مقرر الفصل الصادر في حق أجير مدعي تضمن أجل 90 يوما للجوء إلى المحكمة.

    ثانيا: الضمانات المسطرية التي يتمتع بها الأجير:

    تتميز المسطرة في القضايا الاجتماعية بعدة خصوصيات من بينها:

  8. الصلح:

    يلعب الصلح في النزاعات الناشئة عن علاقات الشغل دورا محوريا و مرد ذلك إلى إسهامه في استقرار علاقات الشغل، و الحفاظ على مناصب الشغل، ومحاربة البطالة بشكل يمكن أن ينعكس إيجابا على الدورة الاقتصادية و يسهم في الحفاظ على الطابع المعيشي للعمل، أخذ المشرع المغربي بالصلح كوسيلة لحل النزاعات انطلاقا من قناعته بأنه الوسيلة الأبرز للحفاظ على التوازنات الاجتماعية و المصالح الاقتصادية للأطراف داخل المجتمع، ومن هذا المنطلق ظهر موضوع الصلح في نزاعات الشغل الذي يعتبر من بين أبرز الخصوصيات التي تميز الدعاوى الاجتماعية حيث نص الفصل 277 من قانون المسطرة المدنية على انه “ يحاول القاضي في بداية الجلسة التصالح بين الاطراف “:، و هو ما يدل على أن الصلح القضائي من المساطر الإلزامية التي يتعين على القاضي احترامها، تحت طائلة تعريض حكمه للبطلان، وهو ما يستفاد من قرار لمحكمة النقض مؤداه أن غياب ما يفيد في وثائق الملف أن القاضي قام بإجراء محاولة صلح بين الطرفين الشيء الذي عرض قرار المحكمة للبطلان .

    و قد تنجح محاولة الصلح فيثبت القاضي ذلك في اتفاق يوقف به نزاع الشغل القائم، و قد تفشل محاولة الصلح لسبب من الأسباب المذكورة في الفصل 279 من قانون المسطرة المدنية، فإن القاضي يقوم بتحرير محضر يثبت فيه تعذر إجراء الصلح، و يقوم بالبث في القضية.

    هذا ويعد الصلح إجباريا في المرحلة الابتدائية فقط إذ لا يمتد لمرحلة الاستئناف.

  9. المساعدة القضائية:

    سعى المشرع إلى تمتيع الأجير في سائر مراحل دعواه من المرحلة الابتدائية وصولا إلى مرحلة الاستئناف من المساعدة القضائية، و مؤدى ذلك أن المشرع أقر نظام المساعدة القضائية لمصلحة المتداعين الذين لا تمكنهم حالتهم المادية من دفع نفقات الدعوى، فيستطيعون بموجبه رفع هذه الدعوى والسير بها وإتمام جميع اجراءات التحقيق فيها، حتى صدور الحكم وتبليغه والطعن فيه عند الاقتضاء بالطرق القانونية وإجراء تنفيذه، وتسخير محام يساعدهم في خصومتهم مجانا

    وهكذا ذهب المشرع من خلال الفصل 273 من قانون المسطرة المدنية إلى تمتيع الأجير بالمساعدة القضائية، كضمانة حمائية له باعتبار الطرف الضعيف في العلاقة.

  10. النفاذ المعجل:

    إن الأصل في الأحكام هو عدم قابليتها للتنفيذ إلا إذا كانت حائزة لقوة الشيء المقضي به، إلا أنه نظرا للخصوصيات التي تميز بعض القضايا، أقر المشرع خضوعها للتنفيذ المعجل بقوة القانون.

    وعلى هذا الأساس متع المشرع قضايا نزاعات الشغل بالتنفيذ المعجل بقوة القانون وذلك من خلال الفصل 285 من قانون المسطرة المدنية، غير أن تطبيق مقتضيات هذا الفصل أثار خلافا كبيرا في أوساط الفقه والقضاء، ومصدر هذا الجدل الطبيعة القانونية لمسؤولية المشغل عن الفصل التعسفي هل هي مسؤولية عقدية أم تقصيرية؟ فإذا تم تكييف هذه المسؤولية على أنها عقدية، فإن التعويض الناتج عن ذلك يخضع لمقتضيات الفصل 285 من قانون المسطرة المدنية بينما إذا تم اعتبارها مسؤولية تقصيرية فإن التعويض الناتج عن هذه المسؤولية لا يكون مشمولا بالنفاذ المعجل، لأن العبارة الواردة في الفصل المذكور لا تستوعب الأحكام الناتجة عن المسؤولية التقصيرية للمشغل.

    متع القضاء المغربي التعويضات الناتجة عن القضايا الاجتماعية بالنفاذ المعجل، إلا أن الملاحظ أن هذا النفاذ اقتصر على التعويضات الناشئة عن العقد كالأجرة والتعويض عن العطلة السنوية، دون أن يمتد إلى المرتبطة بإنهاء عقد الشغل كالتعويض عن الفصل التعسفي ومهلة الإخطار والإعفاء من العمل والرجوع إلى العمل وذلك لكونها خاضعة للمسؤولية التقصيرية للمشغل. وهو ما يستفاد من جل الأحكام والقرارات المشار إليها سابقا.

    ولعل ما يمكن ملاحظته هو أن القضاء المغربي شأنه في ذلك شأن المشرع أولى عناية فائقة للأجير المفصول عن عمله، من خلال بسط رقابته على مسطرة فصل الأجير، وتمتيعه بضمانات مسطرية من شأنها أن تعزز موقفه وتضمن له كافة حقوقه، وإذا كان هذا التدخل يشمل الحالات العادية للفصل التأديبي للأجير، فما هو موقف القضاء من فصل الأجير لأسباب تكنولوجية واقتصادية؟

    المطلب الثاني: حماية الأجراء في الفصل لأسباب تكنولوجية واقتصادية وهيكلية:

    تمر المقاولة بمفهومها الاقتصادي من فترات رخاء وفترات أزمة ترخي بظلالها على كافة الفاعلين بها، خصوصا في ظل الاقتصاد الحر، والانفتاح على العالم الدولي الذي انتهجه الاقتصاد المغربي، أزمة من شأنها أن تعصف بحياة المقاولة فتضطرها إلى إغلاق أبوابها وبالتالي وضع حد لمجموعة من الارتباطات القانونية التي تتعلق بها، وعلى رأس هاته العلاقات نلفي عقود الشغل.

    وهو ما يفسر تشدد المشرع المغربي في مسطرة إنهاء عقود العمل في حالة الإغلاق الكلي للمقاولة، وعيا منه بخطورة المس بالاستقرار والسلم الاجتماعي، إذ قنن فصل الأجراء في هاته الحالة تحت مسمى الفصل لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو هيكلية وقيده بمسطرة دقيقة، يؤدي خرقها لترتيب جزاءات على المشغل أهمها ما ذكر في الفقرة 8 من المادة 78 من مدونة الشغل.

    وبالعودة إلى مقتضيات الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 624 من مدونة التجارة نجدها نصت على ما يلي:” إذا كانت القرارات المصاحبة للاستمرارية المذكورة أعلاه سيؤدي إلى فسخ عقود الشغل، فإن هذا الفسخ يعتبر واقعا لأسباب اقتصادية بالرغم من كل مقتضى قانوني مخالف، أو أي شرط تعاقدي”.

    إذ أنه من المزايا التي جاءت بها هذه المادة أنها قامت بتحديد طبيعة الفصل لهاته الأسباب، إذ اعتبرته تسريحا اقتصاديا. و تتمثل هذه الأسباب الاقتصادية حسب الأستاذ عبد اللطيف خالفي في تلك الصعوبات المالية أو الاقتصادية، التي قد تمر منها المقاولة المشغلة بكيفية طارئة، فتؤثر على نشاطها العادي، و تجعلها غير قادرة على مواجهة وضعها، إلا بالتقليص من نفقاتها، و أعبائها و من ضمن ذلك إعفاء كل أو جزء من أجرائها، حتى تتمكن من تقويم وضعها المالي و الاقتصادي، و تجاوز أزمتها، و بالتالي مواصلة نشاطها.

    كما ذهب المشرع من خلال الفقرة الأخيرة من المادة 624 من مدونة التجارة إلى 624 تقييد هذا الفصل بسلوك مسطرة محددة متمثلة في توجيه إشعار إلى المندوب الإقليمي للشغل وعامل العمالة أو الإقليم الذي تقع المقاولة تحت نفوذه الترابي.

    في حين ذهب المشرع الفرنسي إلى ربط فسخ عقود العمل الذي يمارسه المشغل في هاته الحالة بمدى احترامه لمقتضيات المادتينL321-8و L321-9 من مدونة الشغل الفرنسية، واللتان تنصان على أن ضرورة استشارة ممثلي الأجراء، وإعلام السلطات الإدارية قبل مباشرة الفسخ من طرف المشغل.

    إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح كيف بسط رقابته على الفصل لأسباب اقتصادية وتكنولوجية وهيكلية؟

    الفقرة الأولى: رقابة القضاء على احترام مسطرة الفصل لأسباب تكنولوجية واقتصادية وهيكلية

    عمل القضاء على بسط رقابته على مسطرة فصل الأجير لأسباب اقتصادية و تكنولوجية و هيكلية حيث أقر بكون أن فصل الأجير دون احترام المسطرة المذكورة” فصلا تعسفيا”، ولعل أبرز القرارات القضائية في الموضوع القرار الصادر عن محكمة النقض تحت عدد – 201 – مؤرخ في 16/6/1971، “لا حق للمشغل أن يقوم بفصل العمال بسبب تخفيض الإنتاج إلا بعد استئذان السلطة الإدارية وحصوله على الإذن بذلك، ويعتبر فصل العمال الذي لم يراعي فيه الإجراء المذكور فصلا تعسفيا”.

    ولعل ما يمكن أن يعاب على هاته المسطرة استنادها على ضرورة الحصول على إذن السلطة الإدارية الممثلة بعامل العمالة أو الإقليم، ما من شأنه أن يقزم دور القاضي في حماية مصلحة المقاولة ومصالح الأطراف المرتبطة بها، وخلق صراع بين ما هو إداري وما هو قضائي.

    ولتجنب حالة الارتباك والتناقض هاته نادى بعض الفقه بضرورة تدخل المشرع من أجل سن مسطرة خاصة بفسخ عقود الشغل حينما تكون القضية معروضة على أنظار القضاء التجاري.

    وإذا كانت إجراءات فسخ عقود العمل في مدونة الشغل تتسم بالطابع الإداري في سيرها، فكيف ينظر القضاء المغربي للأسباب لأسباب الفصل في هاته الحالة.

    الفقرة الثانية: موقف القضاء من أسباب الفصل لأسباب تكنولوجية واقتصادية وهيكلية:

    إن القضاء في معرض رقابته على قرار المشغل بفصل الأجراء بفعل أسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية، ينظر في مشروعية الأسباب المبررة للفصل، فتذرع المشغل بالأسباب الاقتصادية والتكنولوجية والهيكلية لفصل الأجراء غير كاف، وإنما يلزمه إثبات مشروعيتها أمام الجهات المختصة حتى لا يتستر وراء تعرض المقاولة لأسباب تكنولوجية، هيكلية أو اقتصادية، لإخفاء السبب الحقيقي غير المشروع.

    وللتأكد من مشروعية الأسباب، يجب ان لا ينظر إليها اعتمادا على الوثائق والمعطيات التي يدفع بها المشغل، أو إدارة المقاولة عموما. وإنما يلزم النظر كذلك إلى المحيط الاقتصادي للمقاولة، و الاجتماعي للأجراء، فقط تثبت الوثائق فعلا الوضعية الاقتصادية و المالية المتعثرة، أو تغير معطياتها التكنولوجية، الهيكلية، و لكن محيطها الاقتصادي ينبئ بقدرتها على تجاوز الوضعية الطارئة، أو أن الوضع الاجتماعي للأجراء يشكل خطورة أكتر على الوضع الاقتصادي الوطني في حالة الفصل منه، على الوضع الاقتصادي للمقاولة في حالة الحفاظ على مناصب الشغل رغم ما يعترض المقاولة من صعوبات.

    وإذا كان الفصل لهاته الأسباب يحكم على العلاقة الشغلية بالانهيار، إلا أنه لا يعني أن الأجير لا يستحق تعويضاته كاملة عن الفصل وعن الإخطار وعن فقدان الشغل، كما يتمتع الأجير بحق الأولوية في إعادة التشغيل.

    خاتمة:

    يتضح بما لا يدع مجالا للشك من خلال وقوفنا على مختلف جوانب التدخل القضائي لبسط رقابته على عقود من إنشاءها ومرورا بما قد يشملها من تعديلات وتوقيف وصولا إلى الإنهاء، تدخل كان الهدف منه تنزيل مقتضيات مدونة الشغل أرض الواقع، وتوفير الحماية اللازمة لفئة تتميز بالضعف والهشاشة تجاه قوة المشغل وسلطته في الإشراف والتوجيه والتأديب، تدخل اتسم في العديد من المواقف بالشجاعة والوضوح ولو على حساب إرادة طرفي العقد.

    إلا أن الغموض الذي تركته بعض المواد في مدونة الشغل تركت القضاء يغامر في بعض الأحيان في اجتهاداته، الأمر الذي يتطلب معه تدخل المشرع من أجل تدقيق تلك المواد ونفض غبار اللبس عنها.

    وهكذا من جملة ما يمكن اقتراحه في هذا الصدد:

  • تحيين المادة 62 من مدونة الشغل بما يخدم مصالح الأطراف المتنازعة، وبما يغلب مصلحة الأجير باعتباره الحلقة الأضعف في العلاقة التعاقدية.
  • اعتماد الكتابة كشرط من شروط صحة عقد الشغل، وذلك حتى يسهل إثبات علاقة العمل التي تجمع الأجير بالمشغل.
  • حصر لائحة الأخطاء الجسيمة تجنبا لتعسف المشغل في ممارسة سلطته التأديبية تجاه الأجير.
  • إنشاء هيئة تحكيم خاصة يكون اختصاصها التدخل لفض النزاعات الشغلية بطريقة ودية قبل عرضها على أنظار القضاء.
  • العمل على ملاءمة مدونة الشغل والتحولات التكنولوجية والرقمية التي يعرفها العالم والمغرب.

    قائمة المراجع:

    الكتب العامة:

  • إدريس العلوي العبدلاوي: الوسيط في شرح المسطرة المدنية، القانون القضائي الخاص وفق آخر التعديلات، ج 1، ط 1، مطبعة النجاح الجديدة، 1998.
  • عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع 2018، مكتبة المعرفة مراكش، ط 9، 2019.

    الكتب الخاصة:

  • أمينة رضوان، حقوق الأجراء في طل مساطر صعوبات المقاولة، سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة، العدد 17 مطبعة الأمنية الرباط 2017.
  • ريضا مومح: الحكامة في قانون الشغل المغربي، مجلة سلسلة أبحاث جامعية معمقة، العدد 52، أبريل 2021.
  • سارة الحسوني: دور مفتشية الشغل في الحد من منازعات الشغل، سلسلة المعارف القانونية، العدد الثالث، شتنبر 2016
  • عبد الطيف خالفي: “الوسيط في مدونة الشغل علاقات الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط1، ج1، 2004.
  • محمد بنحساين: القانون الاجتماعي المغربي، علاقات الشغل الفردية والجماعية، الجزء الأول، طبعة بدون رقم، مطبعة الأمنية، الرباط 2019.
  • محمد بنحساين، صعوبات المقاولة وقانون الشغل، صعوبات المقاولة وميدان التسوية القضائية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، مطبعة الأمنية، الرباط، 2007.
  • محمد بن رفيق: الحماية القضائية للأجير، مجلة سلسلة أبحاث جامعية معمقة، العدد 47، فبراير 2021.
  • محمد سعيد جرندي: الدليل العملي لمدونة الشغل، قراءة تحليلية نقدية لمقتضيات المدونة مدعمة باجتهادات محكمة النقض، ج 1، ط 1، مطبعة صناعة الكتب الدار البيضاء، 2016

  • محمد الكشبور، نظام تفتيش الشغل الواقع الحالي وآفاق المستقبل، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1997.

    الأطاريحوالرسائل :

  • نزهة الخلدي: الحماية المدنية للمستهلك ضد الشروط التعسفية، عقد البيع نموذجا، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس أكدال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، 2004/2005.
  • أيوب جدران: دور القضاء الاجتماعي في حماية الأجير، بحث نهاية التدريب، الملحقين القضائيين، الفوج 36، المعهد العالي للقضاء، 2009-2010.
  • حسن صغيري: رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، فصل الأجراء لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية، جامعة محمد الخامس الرباط، كلية الحقوق 2005_2006 .
  • سارة آيت بنقدور: سلطات القاضي في تعديل عقد الشغل، رسالة نهاية التكوين، المعهد العالي للقضاء، الفوج 36، 2009/2011.

    المقـــالات:

  • بدر الصيلي: شمول الأحكام الصادرة في دعاوى الشغل الفردية بالنفاذ المعجل بقوة القانون، مقال منشور بموقع ” سياسي” على الرابط :https://www.siyassi.com/avis/28945/
  • دنيا مباركة: دراسة نقدية لمفهوم الخطأ الجسيم في ظل مدونة الشغل المغربية، وارد بموقع محاماة نت، الرابط: https://www.mohamah.net/law/%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D9%88%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B3%D9%8A%D9%85/

  • سميرة فاندي: دور طبيب العمل في المحافظة على منصب الشغل للعامل المصاب، مجلة نظرة على القانون الاجتماعي، السنة 8، العدد 1، دجمبر2018.
  • عبد المولى بن شبيبة: حدود السلطة التأديبية للمشغل، مقال إلكتروني وارد في موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، الرابط التالي: https://www.aljami3a.com/963/963%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%AF%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%BA%D9%84/#_ftn2
  • مبارك أطويف، مسطرة الصلح التمهيدي في نزاعات الشغل الفردية، مقال منشور بمجلة القضاء المدني “سلسلة دراسات وأبحاث “المنازعات الاجتماعية في ضوء مدونة الشغل والقوانين المنظمة لحوادث الشغل والأمراض المهنية والضمان الاجتماعي”،ج1،عدد11، سنة 2017.
  • مبارك اطويف: حماية الأجراء أثناء مسطرة الفصل بين مقتضيات مدونة الشغل و العمل القضائي، مجلة قانونك الالكترونية، العدد 5 يناير 2021.
  • محمد القاسمي، دور القضاء في تكييف عقود الشغل وتعديل شروطه، مقال منشور على موقع المعلومة القانونية، الرابط التالي:https://alkanounia.info/?p=7231 .
  • نضال مصطفى محمد غيث، التسوية الودية لنزاعات العمل الفردية عن طريق الصلح التمهيدي دراسة في ضوء مدونة الشغل المغربية، مقال منشور بمجلة جيل للأبحاث القانونية المعمقة، العدد 43، ـأكتوبر 2020.
  • ياسين الكوراري، إشكالية عقد الشغل المحدد المدة وغير المحدد المدة، مجلة المنارة للعلوم القانونية والإدارية، على الرابط التالي: https://revuealmanara.com/%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%BA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84/#_ftn60


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى