مقدمة:
إن إقامة العدل بين الناس تعد من أسمى الغايات وأجلها، والتي لا يمكن الاستعاضة عنها.
ذلك أن العدل من مقومات الحياة الكريمة للإنسان([1])، وأعلى قيمة في المجتمع الإنساني([2]). ومبادئ العدل تفرض إيجاد أسلحة متوازنة في الإجراءات الجنائية، أي بين كفتي الاتهام والدفاع. وتحقق هذا المبتغى يستلزم بالدرجة الأولى بالنسبة للكفة الثانية، بحكم أن الكفة الأولى التي تمثلها النيابة العامة تتوفر على عدة صلاحيات للتوصل إلى الحقيقة.
فالسياسة الجنائية يجب أن تنصب أساسا على الضحايا، وليس فقط على النظام العام. انطلاقا من هذا فقد وضعت بعض التشريعات عدة تدابير من شأنها تقوية حماية حقوق الضحايا كالوساطة الجنائية La médiation pénale، والمصالحة الجنائية La Compsition pénale، مساعدة الضحايا وتعويضهم بموافقة الضحية، تدخل الجمعيات للدفاع عن حقوق الضحايا في إطار تطور السياسات العامة Développement de l’aide aux victimes grâce aux politiques publiques، مع العلم أن مساعدة الضحايا تستمر على امتداد سريان المسطرة وسنهتم هنا بالتجربة الفرنسية في هذا المجال.
فإلى أي حد نجح المشرع المغربي في حماية حقوق الضحايا من خلال سنه لقانون المسطرة الجنائية؟ أو ما هي أهم الآليات التي اعتمد عليها وفق هذا القانون؟
وللإجابة على هذا الإشكال اعتمدنا التصميم التالي:
مقدمة.
المبحث الأول: حماية حقوق الضحايا من خلال الدعوى المدنية التابعة.
المطلب الأول: شروط اختصاص القضاء الجنائي بالدعوى المدنية.
الفقرة الأولى: ضرورة وجود دعوى عمومية قائمة
الفقرة الثانية: وجوب كون الدعوى العمومية جارية أمام قضاء جنائي عادي.
الفقرة الثالثة: ضرورة احترام الإجراءات القانونية:
الفقرة الرابعة: ضرورة البحث عن سبب الالتزام:
المطلب الثاني: طرفا الدعوى المدنية التابعة.
الفقرة الأولى: المدعي:
الفقرة الثانية: المدعى عليه:
المطلب الثالث: الأضرار القابلة للتعويض.
المطلب الرابع: خيار الضحية بين الطريق الجنائي والطريق المدني.
الفقرة الأولى: حالة اختيار الطريق المدني:
الفقرة الثانية: حالة اختيار الطريق الجنائي:
المبحث الثاني: آليات حماية حقوق الضحايا وفق قانون المسطرة الجنائية.
المطلب الأول: الوساطة الجنائية كآلية.
الفقرة الأولى: التعريف بمؤسسة الصلح وخصائصها:
الفقرة الثانية: شروط افتتاح مسطرة الصلح والإشكاليات التي تعترضها
المطلب الثاني: التعويض عن الاعتقال الاحتياطي كآلية.
الفقرة الأولى: الجهة الممكن إثارة مسؤوليتها عن الاعتقال الاحتياطي للتعويض عنه وشروطه:
الفقرة الثانية: الشروط المتطلبة للتعويض عن الاعتقال الاحتياطي
المطلب الثالث: الخطأ القضائي ومسطرة المراجعة كآلية.
خاتمة.
المبحث الأول: حماية حقوق الضحايا من خلال الدعوى المدنية التابعة.
يسأل من ارتكب الجريمة عن فعله الغير المشروع مسؤولية جنائية وبما أنه قد ارتكب فعلا ضارا فإنه يسأل كذلك مسؤولية مدنية. فالجريمة يولد عنها حقان حق عام وهو سلطة الدولة في العقاب وحق خاص وهو حق المضرور من الجريمة في التعويض. ولحماية هاذين الحقين يخول القانون للدولة حق الدعوى العمومية ويخول للفرد حق الدعوى المدنية.
المطلب الأول: شروط اختصاص القضاء الجنائي بالدعوى المدنية.
يرفع من ناله ضرر مباشر من الجريمة المدنية التبعية طالبا بتعويضه عن هذا الضرر، تبعا للدعوى الجنائية المرفوعة عن هذه الجريمة فإذا نشأ ضرر عن فعل لا يعتبر جريمة فإن الدعوى تكون دعوى تعويض عادية والفرق بين الاثنين أن الدعوى المدنية التبعية يجوز رفعها سواء أمام المحاكم المدنية أو أمام المحاكم الجنائية كما يتوقف اختصاص المحكمة الجنائية بالدعوى المدنية على أن يكون الضرر ناشئا عن فعل آخر غير الجريمة مهما كانت علاقته بها أو كان ناشئا عن جريمة لم ترفع عنها الدعوى العمومية أمام ذات المحكمة، فإن المطالبة بالتعويض تكون بدعوى مدنية عادية أمام المحاكم المدنية لا بدعوى مدنية أمام المحاكم الجنائية إضافة إلى أنه يتعين لاختصاص المحكمة الجنائية بالدعوى المدنية أن يكون موضوعها هو المطالبة بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة.
أما إذا لم يتوافر الضرر المدعى به تعين الحكم برفض الدعوى المدنية أما إذا توافر الضرر ولكنه لم يكن ناشئا مباشرة عن الجريمة، فإنه يتعين الحكم بعدم اختصاص المحكمة الجنائية. وكذلك الأمر إذا لم يكن موضوع الدعوى المدنية هو طلب التعويض، فإن المحكمة الجنائية تكون غير مختصة بها.
لذلك ارتأينا تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين الأولى نتعرض فيها لضرورة وجود دعوى عمومية قائمة والثانية نتناول فيها الاختصاص.
الفقرة الأولى: ضرورة وجود دعوى عمومية قائمة
لا تقبل الدعوى المدنية التابعة إلا إذا كانت هناك دعوى عمومية جارية أمام القضاء الجنائي، أي أن تكون النيابة العامة قد حركتها أو يكون المتضرر هو الذي حركها أثناء مطالبته بالحق المدني أمام هيئة الحكم أو أمام قاضي التحقيق.
كما يلزم أن يتدخل المطالب بالحق المدني أثناء سريان الدعوى العمومية أما إذا كان تدخله لاحقا لها أي بعد انتهائها لسبب من الأسباب كالتقادم أو موت الساحب أو المسحوب عليه، في الكمبيالة مثلا، فإن المحكمة تكون غير مختصة للنظر فيها.
الفقرة الثانية: وجوب كون الدعوى العمومية جارية أمام قضاء جنائي عادي.
يلزم أن تكون الدعوى العمومية جارية أمام القضاء الجنائي العادي لأن المحاكم الإستئنافية لا يمكن الطعن في أحكامها استئنافي، وبالتالي فإن السماح بممارسة الدعوى المدنية بالتبعية للدعوى العمومية أمامها من شأنه أن يحرم المتضرر من إحدى درجات التقاضي.
كما لا يجوز المطالبة بالتعويض بسبب جريمة ارتكبت بخصوص الكمبيالة مثلا من طرف عسكري أمام المحاكم العسكرية([3]).
الفقرة الثالثة: ضرورة احترام الإجراءات القانونية:
يتقيد المطالب بالحق المدني عند المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء ارتكاب الجريمة أمام المحاكم الزجرية ببعض الشكليات واحترام بعض الإجراءات القانونية حتى يكون طلبه مقبولا سواء تعلق الأمر بالطلب الذي يقدم أمام السيد قاضي التحقيق أو ذلك الذي يقدم أمام هيئة الحكم([4]). وترفع الدعوى المدنية التابعة على المتهم أي الفاعل الأصلي والمساهم والمشارك وكذا الورثة أو الأشخاص المسؤولين عن الحقوق المدنية.
وفي حالة تعدد المدعى عليهم أمكن للمتضرر مطالبة الجميع أو اختيار أحدهم ومطالبته بالتعويض لا فرق في ذلك بين فاعل أصلي أو مساهم أو مشارك. كأن توقع مثلا الكمبيالة من طرف عدة ساحبين مادام المدعى عليه في الدعوى المدنية يسأل بالتضامن طبقا لأحكام المادة 109 من القانون الجنائي.
ويقيم الدعوى المتضرر ضد الورثة الذين انتقلت إليهم أموال الساحب أو الملزم بالكمبيالة إذا ما كانت الدعوى المدنية قد أقيمت عليه أمام القضاء الجنائي وهو على قيد الحياة، أما إذا لم تكن كذلك، فإن المتضرر لا سبيل له سوى اللجوء إلى القضاء المدني وحده.
كما يحق للمستفيد أو الحامل للكمبيالة في مثالنا هذا أن يطالب أمام المحكمة الزجرية التي تحاكم الساحب أو أي ملزم بأداء الكمبيالة عند تقديمها للمسحوب عليه بمبلغ مساو لقيمتها وكذا بقيمة الأضرار التي لحقته بسبب تحققها.
ويجوز الإدعاء مدنيا بقيمة الكمبيالة أمام المحاكم الزجرية بالتبعية للدعوى العمومية لما في ذلك من تيسير للإجراءات ومساعدة للمضرور على اقتضاء حقه بسرعة من الساحب. وتلافيا لكل ما ينشأ على ازدواجية الدعوى العمومية والدعوى المدنية من نفقات باهضة بدون أي مبرر.
ويمكن أن نقيس على ما أتت به مدونة التجارة من توسيع اختصاص القضاء الزجري أثناء النظر في الدعوى العمومية، حيث أجاز له في حالة عدم انتصاب الطرف المدني وعدم استخلاص ما يثبت وفاء الكمبيالة من عناصر الدعوى أن يحكم على الساحب أو المسحوب عليه أو ما يقوم مقامهما ولو تلقائيا بأن يؤدي للحامل إضافة إلى مصاريف تنفيذ الحكم مبلغا يعادل قيمة الكمبيالة وتضاف له عند الاقتضاء الفوائد ابتداء من يوم التقويم وفقا لما قضت به المادة 288 (م. ت. ج) ([5]) وكذا المصاريف الناتجة عن عدم الوفاء إذا لم يتم تظهير الكمبيالة إن لم يكن ذلك لتحصيل قيمتها وكان أصلها بالملف ويجوز للمستفيد من الكمبيالة في مثل هذه الحالة الحصول على نسخة تنفيذية من الحكم ضمن الشروط المتطلبة في حالة تنصيبه طرفا مدنيا بصورة صحيحة.
وتجدر الملاحظة أن المتضرر من إحدى الجرائم التي قد تقع على الكمبيالة مثلا أن يختار من أجل المطالبة بقيمتها وكذا بالتعويض عما أصابه من أضرار بسبب عدم تحصين قيمته إما رفع الدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي تبعا للدعوى العمومية المرفوعة أمامه وذلك تطبيقا لأحكام المادة 9 من قانون المسطرة الجنائية، وإما أمام القضاء المدني وهو الطريق الطبيعي فتكون الدعوى مدنية والمحكمة مدنية والمدعى عليه مسؤولا مدنيا عن فعله تطبيقا لأحكام الفصل 10 من قانون المسطرة الجنائية وهذا ما أكدته بالفعل الفقرة الأولى من المادة 326 من مدونة التجارة الجديدة([6]).
الفقرة الرابعة: ضرورة البحث عن سبب الالتزام:
إن السبب من الناحية المدنية يجب أن يكون مشروعا وغير مخالف للأداب والأخلاق الحميدة وإلا كان باطلا والقاضي الجنائي عندما يقدم إليه طلب من أجل المطالبة بقيمة الكمبيالة التي لم توفى وقت المطالبة: يجد نفسه وبصفة استثنائية قائما مقام القاضي المدني ويكون ملزما بالبحث عن السبب ومشروعيته([7]).
لذا فإن المحكمة الزجرية لا تستطيع الحكم بقيمة الكمبيالة للمستفيد منه إلا إذا ثبت لديها سبب الالتزام وتأكدت من مشروعيته فلو سحب الكمبيالة من أجل الدعارة أو من أجل سداد دين مقامرة أو بسبب قيام علاقة غير مشروعة كان السبب باطلا وغير مشروع وامتنع عليها الحكم بقيمتها([8]) كما أن البحث في سبب الالتزام لا يكون له مجال إلا بالنسبة للمطالبة المدنية وحدها، أما بالنسبة للجريمة فتبقى قائمة متى توفرت عناصرها.
المطلب الثاني: طرفا الدعوى المدنية التابعة.
يمثل طرفا الدعوى المدنية المدعي والمدعى عليه، فالمدعي هو المتضرر مباشرة من الجريمة سواء كان مجنيا عليه، أو ألحقه الضرر من وقائع الجريمة دون أن يكون معتدى عليه شخصيا أما المدعى عليه فهو المتهم مرتكب الجريمة أو المساهم أو المشارك فيها وورثة هؤلاء أو المسؤولون عنهم مدنيا لذا فإننا سنعرض لطرفي الدعوى في فقرتين نتناول في الأولى المدعي ونعرض في الثانية للمدعى عليه.
الفقرة الأولى: المدعي:
من حق كل من لحقه شخصيا ضرر ذاتي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة([9]) أن يقيم الدعوى المدنية للمطالبة بتعويض الضرر الناجم عن جناية أو جنحة أو مخالفة.
كما يمكن أن تقدم هذه الدعوى أمام المحكمة الزجرية إلى جانب الدعوى العمومية المرفوعة إليها، أو إلى الحكمة المدنية المختصة([10]).
وطبقا للمقتضيات العامة([11]) يجب أن يكون كل مدع متوفرا على الشخصية القانونية وعلى أهلية التقاضي، وضرورة وجود ضرر وأن يلحق هذا الضرر المدعي شخصيا، وأن يكون ناشئا عن الجريمة مباشرة([12]).
الفقرة الثانية: المدعى عليه:
تقام الدعوى المدنية على مرتكبي الجريمة وعلى المساهمين أو المشاركين فيها وكذلك على ورثتهم أو على الأشخاص المسؤولين عليهم مدنيا([13]) مما يعني أن الإدعاء المدني يكون ضد المتهم والورثة والمسؤول عن الحقوق المدنية.
أولا: المتهم:
يكون المدعى عليه في الدعوى المدنية هو المتهم لأنه المتابع في الدعوى العمومية، والدعوى المدنية تابعة لها وتهدف التعويض عن الضرر الناتج عن الجريمة موضوع المتابعة ويستوي في ذلك أن يكون المتهم متابعا بوصفه فاعلا وحيدا، أو مساهما أو شريكا.
ثانيا: الورثة:
لا يتأتى الإدعاء على ورثة المتهم في الدعوى المدنية إلا في صورة إدخالهم لمواصلة إجراءاتها بعد موت المتهم الذي كان مدعى عليه في طلب التعويض فلا يمكن توجيه الدعوى ضدهم ابتداء لأن الدعوى المدنية تابعة للدعوى العمومية إذا سقطت هذه بموت المتهم تعذر رفع الدعوى المدنية بعد ذلك إلى المحكمة الجنائية وهناك حالتين لدخول الورثة كمدعى عليهم:
الحالة الأولى: أن تكون الدعويان معا أمام المحكمة ويموت المتهم فتسقط الدعوى العمومية بموته وتواصل إجراءات الدعوى المدنية في مواجهة الورثة طبقا للمادة 12 من المسطرة التي تقضي ببقاء الإختصاص للمحكمة الجنائية في الدعوى المدنية بعد سقوط الدعوى العمومية.
الحالة الثانية: أن تكون الدعويان معا أمام المحكمة أيضا، ثم تنتهي الدعوى العمومية قبل وفاة الموروث بالتقادم أو العفو، أو إلغاء القانون، أو بصدور حكم اكتسب قوة الشيء المحكوم به، وتواصل إجراءات الدعوى المدنية وحدها في مواجهة الموروث وبعد موته يخلفه الورثة فيها بصفتهم مدعى عليهم.
ثالثا: المسؤول عن الحقوق المدنية:
يقصد بالمسؤول مدنيا الأشخاص الذين يقرر القانون مسؤوليتهم عن تعويض الأضرار التي يتسبب فيها خطأ غيرهم، وقد تعرض لهم قانون الالتزامات([14]) والعقود ونذكرهم على سبيل الحصر وهم الدولة، والبلديات والأبوان والمتبوعون وأصحاب الحرف وأخيرا الأقارب ومن يلتزم برقابة مختلي العقل وأضافت القوانين الخاصة([15]) الأوصياء والمقدمين والأولياء، ويرجع في معرفة شروط مسؤولية كل واحد من هؤلاء وحدودها إلى أحكام المسؤولية عن الغير في نظرية الالتزام.
وتكون المحكمة الزجرية مختصة أيا كان الشخص الذاتي أو المعنوي الخاضع للقانون المدني المسؤول عن الضرر، كما أنها تختص إزاء كل شخص معنوي خاضع للقانون العام إذا كانت دعوى المسؤولية ترمي إلى تعويض أضرار تسبب فيها وسيلة من وسائل النقل([16]).
المطلب الثالث: الأضرار القابلة للتعويض.
يصنف الضرر إلى نوعين رئيسيين هما: الضرر المادي والضرر المعنوي استنادا عندنا إلى نص الفصلين 77، 78، من (ق. ل. ع. المغربي).
ولقد قام الفقه ببيان المقصود بكل من الضررين المادي والمعنوي وأفاض في ذلك ونحن نكتفي أن نشير إلى أنه يقصد بالأول كل إخلال بحق أو بمصلحة مالية للمتضرر، أي كل إخلال بالذمة المالية للمتضرر.
ويقصد بالضرر الأدبي كل ضرر غير مادي أي كل ضرر يمس حقا أو مصلحة غير مالية للمتضرر "préjudice extra patrimonial" أي يمس ذمته الأدبية.
أما قانون المسطرة الجنائية المغربي فإنه حدد أصناف الضرر القابل للتعويض في الفصل السابع في ثلاثة أنواع: ضرر ذاتي، أو مادي، أو معنوي، وهو نفس التصنيف الذي أخذ به قانون الإجراءات الجنائية الفرنسية الحالي، فنص في الفقرة الثانية من الفصل الثالث منه على أن "الدعوى المدنية يمكن أن تقبل بشأن كل أنواع الأضرار، سواء منها المادية أو الجسمانية أو المعنوية"…
ويظهر من صياغتي نص الفصل السابع من قانون المسطرة الجنائية المغربي، والفصل الثالث من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي، أن الضرر يمكن أن يصنف في ثلاثة أنواع هي: الضرر الجسماني أو الأضرار الجسمانية، والضرر المادي أو الأضرار المادية، والضر المعنوي أو الأضرار المعنوية، فهل من فرق بين هذا التصنيف الثنائي التقليدي في القانون والفقه المدنيين والذي قسم الضرر إلى ضرر مادي وضرر أدبي؟
لكي نستطيع أن نتبين الجواب نرى ضرورة الحديث عن كل من الاصطلاحات الثلاثة: الأضرار الجسمانية، الأضرار المادية، والأضرار المعنوية.
أ- الأضرار الجسمانية:
إن الجريمة يمكن أن ينشأ عنها ضرر أو أضرار جسمانية([17])، وذلك ككل جرائم الأشخاص التي تقع اعتمادا على جسم الإنسان فتنتج عنها أضرار جسمانية، فيعتبر الضرر جسمانيا أو ذاتيا إذا مس حياة الإنسان أو سلامة جسمه، أي إذا ما مس حق الإنسان في الحياة، كجرائم القتل، بسائر الأنواع من قتل عمدي أو غير عمدي وكل اعتداء على حق الإنسان في السلامة الجسمانية، فيدخل في ذلك جرائم الإيداء الجسدي بسائر أنواعها، من ضرب أو جرح أو بثر عضو أو حرمان من منفعته أو ذهاب إحدى معاني الجسم من سمع وبصر وشم ولمس وذوق، واعتداء على العرض الذي يعتبر جزءا من الجسم([18])، بل يعتبر ضررا جسمانيا كل مساس بحق متصل بذات الإنسان فيدخل في ذلك الألم الجسماني الذي عانى منه الضحية، والتشويه الجسماني الذي لحق جمال المرء، والحرمان من مزايا أو المصالح التي كانت توفر للمرء نشاطا أو حيوية أو مزية تعود على سلامة جسمه بالنفع أو التي يترتب عن الحرمان منها تعكير في صفو حياته فيما أحدث له من ألم نفسي أو اضطراب عاطفي…
فالأضرار الجسمانية إذن عديدة ومتنوعة، ولذلك يمكن أن نقسمها إلى ثلاث زمر بالنظر إلى ما تحدثه من نقص أو ضياع في الذمة المالية للمرء أن بالنظر إلى ما يحدثه من خلل أو ضياع في ذمته المعنوية.
الزمرة الأولى: أضرار جسمانية تلحق الذمة المالية للمتضرر، فهي لذلك أضرار مالية: Préjudices patrimoniaux.
وهي تلك التي تنشأ عنها خسارة مالية للمتضرر، أو تفوت عليه كسبا، ككل الأضرار الجسدية التي يترتب عنها قعود عن ممارسة العمل أو النشاط المهني، أو تلحق خسارة مالية بالضحية، وذلك بسبب عجز الجسم عن ممارسة نشاطه، فتعجزه عن الكسب عجزا كليا أو جزئيا دائما أو عجزا مؤقتا، أي أن الضرر المالي يتمثل في الآثار الناشئة عن العجز الجسماني، من ضياع كسب ولحوق خسارة ونفقات طبية وصيدلية تطلبتها معالجة الجراح([19]).
أما الزمرة الثانية: من الأضرار الجسمانية فهي الأضرار التي لا تلحق الذمة المالية للمتضرر أو بتعبير آخر لا تخل بأية مصلحة مالية للمتضرر وإنما تمس بمصالحه غير المالية وهي عديدة، ولذلك جرى الفقه على تصنيفها بحسب الجانب الذي مسته في الإنسان أو الحق أو المصلحة غير المالية التي وقع الإخلال بها: فإن كان الضرر الجسماني الحق تشويها بجمال المرء كان الضرر جماليا préjudice esthétique وإن كان الضرر الجسماني قد نشأت عنه الآم صاحبت اللاصابات الجسمانية عبر عنه بالآلام الجسمانية، أو مقدار الالام الجسمانية quantum doloris وقد عبر عنه البعض بثمن الألم ونعتقد أن مقدار الآلام الجسمانية "هو مصطلح أقرب إلى الصحة من مصطلح "ثمن الآلام" prétium doloris الذي قد يفيد تعويض ذلك الآلام لا مقداره أو قدره([20]) وقد يصيب الضرر حقا أو مزية أو مصلحة كان يتمتع ويستفيد منها الضحية: فيقع نتيجة لذلك إنقاص من مستوى حياته، كأن يحرم من ممارسة نشاط رياضي أو يحرم من قيادة السيارة، أو يحرم من ممارسة أي نشاط قد كان يدخل عليه نوعا من السرور والمتعة النفسية، هذا النوع من الضرر اصطلح على تسميته بالحرمان أو النقص من الرصيد الحيوي Diminution du potentiel vital.
وقد يصيب الضرر القدرة الفكرية للضحية atteinte aux facultés intellectuelles فيعطلها أو يضعفها، وقد يلحق الضرر الجانب العاطفي في الإنسان وهو يتمثل في الالام العاطفية التي تمس الشعور([21]) أو العاطفة الأحاسيس وهو ما اصطلح على تسميته الضرر العاطفي prétiumaffections كضياع قريب عزيز عليه، ومن المعلوم أن كل مساس بمصلحة غير مالية يعد ضرر معنويا، ولذلك فإن مختلف تلك الأضرار- مادامت لا تمس الذمة المالية للإنسان فهي أضرار معنوية.
الزمرة الثالثة: أضرار جسمانية تصيب الضحية سواء في ذمته المالية أو ذمته المعنوية:
فمعظم الأضرار الجسمانية يترتب عنها ضرران مادي ومعنوي([22])، وذلك كالضرر الجمالي préjudice Esthétique يكون ضررا ماليا إذا كان المظهر الجمالي للضحية يعلب دورا في نشاطه المهني، فإنه يتسبب له في كارثة مالية مهنية حين يحول دون ظهوره على مسرح الحياة الفنية، وهو فيما يحدثه من الآم نفسية للضحية ضرر معنوي، ونفس القول يقال بالنسبة للعجز الجزئي الدائم فهو من ناحية ضرر مادي أو مالي فيما يترتب عليه من عواقب مالية، تتمثل فيما لحقه من خسارة مالية نتيجة النقص في قدرته على الكسب، وهو من ناحية ثانية يكون معبرا عن مقدار الآلام الجسمانية التي ستصاحب هذا العجز طيلة حياة الضحية وفي ذلك ضرر معنوي.
ب- الأضرار المادية:
يقصد بها كل مساس بحق أو مصلحة يكون محلها مالا منقولا كان أو عقارا، كالاعتداء على حق الملكية أو حق الحيازة، فإذا نشأ عن الضرر إنقاص للمزايا المالية التي تخولها تلك الحقوق لأصحابها كان الضرر ماديا، وإلا كان الضرر الناشئ عن المساس بها مجرد ضرر أدبي([23]) وكل جرائم الأموال([24]) – وهي التي يكون الحق موضوع الحماية القانونية فيها حقا ماليا- ينشأ عن ارتكابها –في غالب الأحيان- ضرر مادي ينشأ عن سلب الأموال واختلاسها وإتلافها، كما هي الحال في جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة وإصدار الشيك بدون رصيد، والتزوير في محررات عرفية، واستعمالها، والاعتداء على الملكية العقارية من سلب حيازة العقار وتغيير حدود فاصلة بين عقارين… وقد ينشأ عن تلك الجرائم أيضا أضرار أدبية كما استقر على ذلك رأي القضاء والفقه، كجريمة التزوير ويمكن أن ينشأ عنها ضرر لا يمس الثروة أو المال، ولكن يمس اعتبار الشخص وسمعته، ويحدث لديه اضطرابا وقلقا نفسيا شديدين([25]).
والواقع، أن كل اعتداء جرمي نشأ عنه المساس بحق مالي للمتضرر أو مصالح مالية له الا ويعتبر عند تقويمه وتقديره ضررا ماديا لا فرق بين أن يكون محل الاعتداء نفسيا أو مالا…
فالتقدير المالي لكل منهما، تقدير لضرر مادي لاحق بحق أو مصلحة مالية طبقا لما ينص عليه الفصل 98 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي عرفه "بأنه الخسارة التي لحقت المدعي فعلا والصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي يرتكب أضرارا به، وكذا ما حرم منه من نفع في دائرة الحدود العادية العادية لنتائج هذا الفعل…
ج- الأضرار المعنوية:
ثم إن الجريمة قد لا يقتصر ضررها الخاص الذي يلحق الشخص أو الأشخاص، على مجرد ضرر أو أضرار مادية جسدية كانت أو مالية، بل أنها قد تصيب بأداها الفرد في شعوره وعاطفته أو كرامته أو سمعته أو شرفه، كما هو الشأن في جرائم القذف والسب وكالآلام التي تلحق مشاعر أقارب المجني عليه في حالة جريمة إزهاق روحه.
ومن المعلوم أن كل ضرر ينتج عن المس بالكرامة الإنسانية أو الاعتبار أو السمعة أو العرض أو يصيب العاطفة من حزن وحرمان، إلا ويعتبر ضررا معنويا، لأنه يمس حقا أو مصلحة غير مالية للمتضرر – أي يصيب الذمة الأدبية له([26]).
لذلك فإن الضرر المعنوي يتعدد بدوره – كالضرر المادي- بتعدد مصادره([27])، فيمكن أن ينشأ عن ضرر يصيب الجسم- كما رأينا- مثل الآلام الجسمانية أو الآلام التي تصيب الإنسان في عاطفته نتيجة فقد عزيز عليه في جريمة قتل… ويمكن أن ينشأ عنه ضرر مادي يصيب المال- كحرمان الشخص من شيئه عندما يكون لهذا الشيء مكانة خاصة في نفس مالكه([28])، وقد ينشأ مستقلا عن أي ضرر جسماني أو مالي كجرائم القذف والسب التي تصيب الإنسان في كرامته وشرفه… بل أن بعض الفقه اعتبر كل اعتداء بوجه عام على حق ثابت للشخص ينشأ عنه ضرر أدبي([29])، كانتهاك حرمة السكن أو دخول أرض الغير رغم معارضة مالكها – ولكننا نعتقد أن هذا الإطلاق ليس له ما يبرره، إذ لابد من إثبات حصول ذلك الضرر مهما تبث الضرر المادي.
وإذا كان الضرر المعنوي يأتي مستقبلا عن الضرر المادي، فإنه في الغالب ما يأتي مقترنا بضرر مادي، كإصابة الجسم بجراح، أو التشويه في الوجه أو في الأعضاء، ينشأ عنها ضرر مادي، إذا نتج عنها إنفاق مال في العلاج والمداواة ونقص في القدرة على الكسب، وينشز عنها ضرر أدبي، يتمثل فيما خلفته من الآم جسدية ونفسية للضحية ومثل الضرر المعنوي، إلى يصيب سمعة تاجر- ينتج عنه في نفس الوقت خسارة مالية إذا نتج عنه مساس بسمعته التجارية أدى إلى نقص في مداخيله…
وكما يصيب الضرر المعنوي شخصا ذاتيا فإنه يمكن أن يصيب شخصا معنويا كشركة تجارية مثلا.
ويلاحظ أن المشرع المغربي لم يحدد الأشخاص الذين تجوز لهم المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي المتمثل في الالام العاطفية التي تلحقهم بسبب وفاة عزيز عليهم ما عدا ما نص عليه في المادة الرابعة من ظهير 2 أكتوبر 1984 المعتبر بمثابة قانون والمتعلق بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك: بأن لزوج المصاب المتوفى وأصوله وفروعه من الدرجة الأولى وحدهم الحق في التعويض عما أصابهم من ألم من جراء وفاته…
ونعتقد أن –ما نص عليه هذا الظهير- من حرمان الأقارب من الدرجة الثانية كالإخوة الذين لهم مكانة أسروية متميزة في المجتمع المغربي لا تقل شأنا عن أقارب الدرجة الأولى، من التعويض عما أصابهم من ضرر معنوي من جراء وفاة قريبهم (شقيقهم)، فيه ظلم وإجحاف بحقهم، ولعل الأفضل هو ما قرره المشرع المصري، حيث خولهم حق التعويض. المادة 222/2 من القانون المدني). وما كان مقررا في الاجتهاد القضائي المغربي.
نلخص من كل ما سبق عن تصنيف المشرع المغربي –وكذا الفرنسي- للضرر الخاص الناشئ عن الجريمة –إلى ثلاثة أنواع ضرر جسماني، وضرر مادي معنوي، حسب ما يستفاد من نص الفصلين 7 من قانون المسطرة الجنائية المغربي، والفصل الثالث من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي أنه تصنيف لم تكن الغاية منه الخروج عن التصنيف الثنائي التقليدي الذي قسم الضرر إلى نوعين ضرر مادي وضرر معنوي.
المطلب الرابع: خيار الضحية بين الطريق الجنائي والطريق المدني.
المتضرر من الجريمة إما أن يختار الطريق المدني أو الجنائي. وإذا اختار أحد الطريقين وجب تطبيق قاعدة "من يختار لا يرجع" في الحدود والشروط التي يضعها القانون([30]). وإذا اختار الطريق المدني وجب تطبيق قاعدة "الجنائي يوقف المدني ويقيده"([31]). ومن هنا سنقف فقرتين على افتراضين أو حالتين:
الفقرة الأولى: حالة اختيار الطريق المدني:
عندما يختار المتضرر طريق القضاء المدني نكون أمام عدة حالات:
- الحالة التي تبقى فيها الدعوى مدنية صرفة وفيها يقتصر المدني على المطالبة بالتعويض من غير أن يهتم بإثارة الدعوى العمومية ولا بطبيعة الجريمة التي تضرر منها ويعتمد فقط على الجريمة المدنية للحصول على التعويض بحيث إذا كانت النيابة العامة لم تتابع لسبب من الأسباب فإن لدعوى العمومية تختفي من المسرح القضائي ولا نبقى إلا أمام دعوى مدنية.
- الحالة التي ينتظر فيها الضحية نتيجة الدعوى العمومية ليتحرك قصد المطالبة بالتعويض وفيها أيضا تسير الدعوى المدنية حسب قواعد المسطرة العادية، لكن يكون على القاضي المدني أن لا يتجاهل القرار الذي اتخذته المحكمة الزجرية وأن لا يصدر قرارا يتناقض معه تطبيقا لقاعدة "الجنائي يقيد المدني"([32]).
- الحالة التي تباشر فيها الدعوى العمومية بعد الحكم في الدعوى المدنية وفيها لا يتقيد القاضي الجنائي بما حكم به القاضي المدني. وكون المدني لا سلطة له على الجنائي مسألة بديهية لأن القاضي المدني مادام لم يكلف بالنظر في الدعوى العمومية فإنه لم يكن عليه أن يبحث ما إذا كانت عناصر الجريمة متوافرة أو غير متوافرة وبالتالي وجب أن لا تكون ملاحظاته ملزمة بحيث تمنع على القاضي الجنائي تطبيق جزاء من الجزاءات على المجرم.
- الحالة التي تمارس فيها الدعوى المدنية أثناء ممارسة الدعوى العمومية، وهنا يجب على القاضي المدني أن يتوقف إلى أن تصدر المحكمة الزجرية قضاءها في الموضوع تطبيقا لقاعدة "الجنائي يوقف المدني". لأن القاضي المدني إذا كان عليه أن يساير الحكم الجنائي طبقا لهذه القاعدة فإنه لا يستطيع ذلك عمليا إلا إذا فصل القضاء الزجري قبله في الموضوع. ويستفاد هذا من مقتضيات الفصل العاشر من المسطرة الجنائية في فقرته الثانية "غير أنه يجب أن ترجئ المحكمة المدنية حكمها في هذه الدعوى في انتظار البث النهائي في الدعوى العمومية إن كانت هذه الدعوى جارية"([33]).
الفقرة الثانية: حالة اختيار الطريق الجنائي:
اختيار المتضرر للطريق الجنائي يكون عن طريق تدخله كطرف مدني إما قبل تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة، أما بعد ذلك وإذا توافرت شروط الاختيار السابقة واستعمل المتضرر هذا الخيار فإنه لا يمكنه بعد ذلك الرجوع فيه لأنه من اختيار لا يرجع، وذلك حتى لا يسيء برجوعه وانتقاله من قضاء إلى آخر إلى مركز المتهم. لكن هل قاعدة عدم الرجوع عامة تستعمل في الاتجاه الجنائي والمدني معا، أم هي قاصرة على منع الرجوع من المدني إلى الجنائي؟.
الشيء الذي كان متعارفا عليه من قبل هو أن الاختيار النهائي، ولكن القضاء في الوقت الحاضر يقرر بأن الاختيار لا يكون بدون رجعة إلا إذا كان لصالح الطريق المدني، على اعتبار أن هذا الطريق هو الأصل وأن اللجوء إلى القضاء الجنائي مجرد استثناء ولا يتوسع فيه. أما الرجوع من الجنائي إلى المدني فممكن لأنه الرجوع إلى الأصل ولأنه يحقق مصلحة المتهم ويجعله يتابع بطريقة أكثر لطفا حتى ولو نتج عن تدخل الطرف المدني تحريك الدعوى العمومية بصفة نهائية. والفقرة الأولى من الفصل 11 ق.م.ج. تساير هذا الاتجاه حينما قررت أن الفريق المتضرر الذي يقيم دعواه لدى المحكمة المدنية المختصة لا يسوغ له أن يرفعها لدى المحكمة الزجرية.
وبديهي أن استعمال الخيار يعني أن الشخص الذي يملكه كان متمكنا منه بالفعل بحيث إذا لم يتحقق يكون رجوعه من المدني إلى الجنائي ممكنا قانونا وهذا هو موضوع الاستثناء المنصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل 11 ق.م.ج.، التي سمحت للمتضرر بالرجوع من الطريق المدني إلى الطريق الجنائي وربطته بشرط عدم بث المحكمة المدنية في الموضوع بقولها "إلا أنه (المتضرر) يجوز له ذلك إن رفعت النيابة العامة لدى المحكمة الزجرية الدعوى العمومية قبل أن تصدر المحكمة المدنية حكمها في الموضوع". وعلى العموم فإن القانون لا يمنح الأفراد حقوقا في مقابل الإقدام على المغامرات، ولذلك فمن حق المطالب بالحق المدني أن ينتظر حتى يصبح هذا الطريق مفتوحا في وجهه بصورة طبيعية ليستعمل حقه في الاختيار. وعليه فتطبيق قاعدة "من يختار لا يرجع" لا يكون:
إلا إذا كانت القضية قد رفعت فعلا أمام القضاء المدني وعلى الأخص بعد قبول المناقشة من طرف الدفاع أما قبل ذلك فإن المتضرر يستطيع التخلي ولو بصورة ضمنية واللجوء إلى القضاء الزجري.
إلا إذا كان القضاء المدني الذي كلف بالنظر في القضية مختصا للبث فيها.
إلا إذا كان المتضرر وقت لجوئه إلى القضاء المدني عالما بطبيعة جرمية الفعل الضار، إما إذا كان جاهلا لها فإنه يستطيع الرجوع عند العلم.
إلا إذا كان الطلب المقدم للمحكمة الزجرية مماثلا في جميع الوجوه للطلب الذي قدم للجهة المدنية، أي إلا إذا اتحد السبب والموضوع والخصوم.
وعلى كل، فقاعدة من اختار لا يرجع مقررة لصالح المتهم وهو وحده الذي يستطيع التمسك بها فلا يكون للمحكمة ولا للنيابة إثارتها من جهتها وبصفة تلقائية. إلا أن الظنين لا يستطيع التمسك بها إلا إذا أثارها منذ البداية وعند افتتاح الدعوى العمومية وإلا اعتبر سكوته تخليا عن التمسك بها، وبالأحرى لا يمكنه أن يتمسك بها لأول مرة أمام المجلس الأعلى([34]).
المبحث الثاني: آليات حماية حقوق الضحايا وفق قانون المسطرة الجنائية.
المطلب الأول: الوساطة الجنائية كآلية.
الفقرة الأولى: التعريف بمؤسسة الصلح وخصائصها:
كما أشرنا سابقا، فإن الصلح الزجري يعتبر خطوة أولى في نظام الوساطة الجنائية، التي أقرها القانون في إطار السياسة الجنائية المعاصرة الهادفة إلى مواكبة التحولات التي طالت جميع الميادين وحل أزمة العدالة الجنائية وأزمة التشريع الجنائي بصفة عامة، فما هو تعريف الصلح وما هي خصائصه؟
- تعريف مؤسسة الصلح:
الصلح الجنائي أو الصلح الزجري مصطلحات مختلفة لمؤسسة قانونية واحدة استحدثها المشرع بمناسبة وضعه قانون المسطرة الجنائية المغربي.
وقد صنف بعض الفقه عن حق مسطرة الصلح ضمن بدائل المتابعة والتي تهدف إلى تحقيق غاية المشرع في تخفيف العبء عن المحاكم والحد من إحالة القضايا البسيطة على القضاء حيث أجاز للنيابة العامة إيجاد وسيلة غير تقليدية للبت في المساطر تقع بين المتابعة والحفظ وهو اتجاه يمكن للنيابة العامة من لعب دورها الاجتماعي المتمثل في ضمان حماية الصالح العام وحقوق الأفراد سواء كانوا مشتكين أو مشتكى بهم([35]).
كما اختلف بعض الفقه في تعريف الصلح إذ عرفه الدكتور عوض محمد عوض بأنه: "تلاقي إرادة المتهم وإرادة المجني عليه"([36])، في حين عرفه الدكتور علي زكي العرابي بأنه: "تخلص المتهم من الدعوى الجنائية إذا دفع مبلغا معينا خلال مدة معينة"([37])، أما في فرنسا فقد عرفه بعض الفقه بأنه: "الصلح يعني التراضي مع المتهم لأسباب تتعلق بالسياسة الجنائية"([38]).
- خصائص مؤسسة الصلح:
تتميز مؤسسة الصلح بخصائص متعددة يمكن تلخيصها فيما يلي:
¯إعلان الصلح من صاحب المصلحة، ويعني ذلك أن المشرع المغربي بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 41 من ق. م. ج صرح بأن الصلح لا يتم إلا بناء على طلب من له المصلحة وهو إما المتضرر أو المشتكى به، وبمفهوم المخالفة، فإن النيابة العامة لا يمكنها أن تقترح الصلح على طرفي الخصومة ولا يمكنها مباشرة مسطرة الصلح تلقائيا عند تقديم الأطراف أمامها، ومع ذلك أجاز ذات المشرع للنيابة العامة في حالة استثنائية مباشرة الصلح بصفة تلقائية إذا تخلف الضحية متى وجد بملف القضية تنازل كتابي أو في حالة عدم وجود ضحية بالمرة.
وإذا كان المشرع المغربي أجاز للنيابة العامة سلطة رفض أو قبول الصلح فإن القضاء الفرنسي وخاصة محكمة النقض قد بسطت رقابتها على القرار الصادر عن السلطة المختصة وأجازت الطعن فيه في حالة ما إذا كان القرار مشوبا بعيب الشطط في استعمال السلطة، معللة هذا بكون قرار النيابة العامة ذو طبيعة إدارية([39]).
¯ إجراء مسطرة الصلح على درجتين وهذا يعني بأن سلطة الصلح يتم إجراؤها على مرحلتين مرحلة النيابة العامة حيث يتم التفاوض ومرحلة رئيس المحكمة حيث يتم المصادقة على محضر الصلح بمقتضى أمر قضائي غير قابلة للطعن في غرفة المشورة.
¯تعلق مسطرة الصلح بجرائم الرشداء والأحداث على حد السواء، حيث يتبين من خلال المادة 461 من ق. م. ج. بأن المشرع المغربي أجاز للنيابة العامة سلوك مسطرة الصلح في الجرائم المرتكبة من لدن الأحداث، ولكن ليست في جميع الجرائم بل إن الأمر يهم الجنح المشار إليها في الفصل 41 من ق. م. ج.
الفقرة الثانية: شروط افتتاح مسطرة الصلح والإشكاليات التي تعترضها
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 41 من ق. م. ج يتبين أن المشرع حدد مجموعة أركان لمسطرة الصلح وذلك تحقيقا للغايات المتوخاة من هذه المسطرة وهي غربلة القضايا وعدم إثقال كاهل القضاء بالنزاعات البسيطة وإقرار السلم الاجتماعي.
ومع ذلك فإن أية مؤسسة قانونية مهما بلغت من الرقي والإبداع، إلا أنها تظل قاصرة عن درجة الكمال وتعترضها عوارض سلبية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، على اعتبار أن مؤسسة الصلح الزجري تتميز بطبيعتها الخاصة ولخضوعها لقواعد القانون المدني وقانون المسطرة المدنية فيما يتعلق بخصائص العقد وأركانه، ومن جهة أخرى لقواعد القانون الجنائي في الممارسة والآثار مما يجعل هذه المؤسسة تتسم عوارضها بطابع الخصوصية والفرادة.
وبناء عليه، يمكن تحيل أركان مؤسسة الصلح وعوارضها في فقرتين متتاليتين:
- أركان مؤسسة الصلح الزجري:
لكي يمكن الشروع في مسطرة الصلح الزجري بصفة قانونية لابد من توفر الأركان التالية:
- أولا: إرادة الأطراف الصريحة مرفقة بموافقة النيابة العامة وذلك عملا بمقتضيات المادة 41 من ق. م. ج. بحيث أن البادرة تبدأ من أحد أطراف الدعوى سواء كان متضررا أو مشتكى به ثم يوافق الطرف الآخر، وفي هذه الحالة يمكن للنيابة العامة مجاراة إرادة الأطراف والشروع في مسطرة الصلح الزجري، رغم أن القانون يمنح لهذه الأخيرة (النيابة العامة) كامل السلطة التقديرية في الموافقة على ذلك متى تبين لها أن المصلحة تقتضي إحالة الدعوى العمومية على القضاء بدل فضها بالصلح.
- ثانيا: يجب أن يتم تضمين اتفاق الصلح في محضر ينجز من قبل النيابة العامة تدون فيه جميع اقتراحات الطرفين وإشعارهما أو دفاعهما بتاريخ الجلسة المقرر إدراجها في غرفة المشورة، ويوقع على ذلك المحضر من لدن الطرفين والنيابة العامة ثم يحال على رئيس المحكمة قصد التصديق عليه.
- ثالثا: أن يتعلق الصلح بالجنح الضبطية وفقا للمادة 41 من ق. م. ج. إذ لا يمكن تصور مسطرة الصلح الزجري في الجنايات أو الجنح التأديبية بالنسبة لغير الأحداث.
- رابعا: ضرورة التصديق على محضر الصلح من قبل رئيس المحكمة أو من ينوب عنه إذ بعد أن يتم عرض محضر الصلح على الجهة المختصة، يقوم رئيس المحكمة أو من ينوب عنه بإصدار أمر قضائي غير قابل للطعن يتضمن ما تم الاتفاق عليه وأداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة مع ضرورة تحديد أجل لتنفيذ الاتفاق.
- خامسا: عدم ظهور عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية قبل التقادم، ويعني ذلك أنه متى ظهرت عناصر جديدة من شأنها التأثير على الدعوى العمومية كما لو تبين من خلال البحث أن الفعل الجرمي يكتسي طابعا تأديبيا وليس ضبطيا أو جناية فإنه في هذه الحالة يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية رغم إجراء مسطرة الصلح الزجري مادام أن هذه الأخيرة تعتبر حسب القانون المغربي سببا موقفا للدعوى وليس مسقطا لها.
- سادسا: ضرورة تنفيذ بنود الأمر القضائي داخل الأجل المحدد، لأن هذا التنفيذ هو الوسيلة الكفيلة بوضع حد للدعوى العمومية وإذا تعذر القيام بذلك كانت النيابة العامة ملزمة بتحريك الدعوى العمومية كما هو الشأن بالنسبة لعدم مصادقة رئيس المحكمة أو من ينوب عنه على محضر الصلح.
- الإشكاليات التي تعترض مؤسسة الصلح الزجري:
إن مؤسسة الصلح الزجري باعتبارها نتاجا فكريا رافق الحياة المجتمعية ثم أعيد إحيائها بشكل جديد لمواجهة أزمة السياسة الجنائية على المستويين العقابي والتشريعي فإنها هي الأخرى تضمنت مجموعة من العوارض يمكن تلخيصها فيما يلي:
- أولا: أي دور لرئيس المحكمة في مسطرة الصلح؟
كما أشرنا سابقا، يقوم رئيس المحكمة أو من ينوب عنه بالبت في مسطرة الصلح في غرفة المشورة بحضور الأطراف أو دفاعهم وكذلك النيابة العامة وذلك بإصداره أمرا قضائيا غير قابل للطعن وموقف للدعوى العمومية وفقا للمادة 41 من ق. م. ج، ولكن في حالة عدم المصادقة على محضر الصلح لأسباب خارجة عن إرادة الأطراف فتبقى سلطة رئيس المحكمة قاصرة على إتباع الأطراف والنيابة العامة والمصادقة على المحضر أم أنه يمكن لرئيس المحكمة مناقشة المضمون ومراقبة الشكليات وفي حالة خرقها يمكنه استعمال صلاحياته في الرفض؟.
زد على ذلك، فإن المشرع المغربي قلص جدا من دور رئيس المحكمة عندما أجاز للنيابة العامة إمكانية تحريك الدعوى العمومية متى ظهرت عناصر جديدة تؤثر في مسارها ما لم تتقادم بالرغم من مصادقة رئيس المحكمة على محضر الصلح وقيام الأطراف بتنفيذ بنوده، كما أنه لم يحدد ذات المشرع الطريقة القانونية التي تشعر بها النيابة العامة رئيس المحكمة بمسألة تنفيذ الأطراف مضمن الصلح.
- ثانيا: تأثير الجانب الشكلي على مسطرة الصلح الزجري:
ذلك أنه بعد موافقة الأطراف والنيابة العامة على إجراء الصلح يحرر محضر يتضمن جميع البيانات ثم يعرض على السيد رئيس المحكمة أو من ينوب عنه للمصادقة عليه في غرفة المشورة، وبالتالي فإن المشرع المغربي ربط مسطرة الصلح الزجري بجملة من الشكليات التي يتعين سلوكها إذ بدونها تنعدم المسطرة والحال أنه كان ينبغي على المشرع معالجة مسألة الصلح من خلال دوره في وضع حد للمتابعة مع ترك إرادة الأطراف مطلقة فيما يتعلق بتحديد الصلح وكيفية تنفيذه.
- ثالثا: أثر الصلح على مرتكبي الفعل الجرمي الواحد:
فبرجوعنا إلى الفقه والقضاء الفرنسيين وجانب من الفقه المصري نجد أنه ذهب إلى القول بأن الصلح لا يفيد منه شركاء الجاني، إذ أن الصلح قبل الحكم النهائي تتضمنه قواعد القانون المدني المتعلقة بالعقود التي تقرر قاعدة عامة مفادها عدم الاستفادة من الصلح إلا من كان طرفا في العقد هذا فضلا على الصلح يتماثل مع العفو الشامل([40]).
وخلافا لذلك، ذهب جانب من الفقه المصري إلى اعتبار أن تصالح بعض المتهمين أو المحكوم عليهم دون الآخرين يترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة لكل المتهمين لأن الصلح واحد لا يتعدد بتعدد الجناة واستنادا لمبدأ وحدة الجريمة([41]).
وهذا الاتجاه هو الذي نراه الأقرب للصواب في القانون المغربي لأن مسطرة الصلح تسري على جميع مرتكبي الفعل الإجرامي سواء كانوا شركاء أو مساهمين.
- رابعا: أثر مسطرة الصلح على الأحداث الجانحين:
لقد أعطت المادة 461 من ق. م. ج. للنيابة العامة في حالة ارتكاب الحدث لفعل جرمي حق تطبيق مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 41 من ق. م. ج. شرط موافقة الحدث ووليه وكذلك ضحية الفعل الجرمي على هذه المسطرة وذلك بغية تجنيب هؤلاء عواقب المسؤولية الجنائية اعتبارا لنقص أهليتهم الجنائية بالرغم من أن بعض الفقه لم يحبذ سلوك مسطرة الصلح بخصوص هذه النوعية من القضايا لكون العقاب بخصوصها يتسم بأنه ذو طبيعة علاجية وتقويمية وفق ما تضمنه تقرير الجمعية الوطنية الفرنسية بمناسبة سن قانون الصلح المالي لسنة 1994 والذي استبعد الأحداث من نطاق الصلح، مضيفا بأن الصلح يخالف مبدأ شخصية العقوبة حيث أن الذي يؤدي التعويض للضحية هو ولي أمر الحدث الجانح وليس الحدث نفسه مما يحول دون ردعه.
بخلاف المشرع المغربي الذي أقر مسطرة الصلح بالنسبة للأحداث الجانحين وربطها بضرورة موافقة الحدث ووليه القانوني، في حين لم يحدد نفس المشرع ما إذا كان الصلح يشمل جميع الأفعال الإجرامية دون تتميز بين الجنح الضبطية أو التأديبية أو الجنايات، وإن كنا نرى بأن مصلحة الحدث تقتضي شمل نظام الصلح لجميع القضايا.
المطلب الثاني: التعويض عن الاعتقال الاحتياطي كآلية.
الفقرة الأولى: الجهة الممكن إثارة مسؤوليتها عن الاعتقال الاحتياطي للتعويض عنه وشروطه:
طبعا إن تحديد الجهة المسؤولة عن التعويض عن الاعتقال الاحتياطي في حالة صدور الأمر بعدم المتابعة أو أن لا وجه لإقامة الدعوى لتخلف أحد أركانها، أو في حالة حفظ الملف… يبقى من المحتمات الرئيسية قبل معرفة شروط ذلك.
تحديد الجهة الممكن إثارة مسؤوليتها عن التعويض عن الاعتقال الاحتياطي
هذه الجهة التي قد تثار مسؤوليتها للتعويض عن الاعتقال الاحتياطي قد تكون في الدولة أو القاضي أو هما معا.
1: مدى إثارة مسؤولية الدولة عن التعويض عن الاعتقال الاحتياطي
لقد اختلفت التشريعات في الأخذ بقاعدة مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، مما كان له تأثير على وجهة الفقه والقضاء حيث ظهر اتجاهان في الموضوع.
استند الاتجاه الأول على الحجج التالية:
- إذا كانت الدولة تسأل عن أخطاء موظفيها بما لها عليهم من سلطة توجيه ورقابة، فإن القضاة مستقلون عنها، مما لا يجعها تملك توجيههم في قضائهم، بل يخضعون لحكم القانون ولضمائرهم([42]).
- إن مسؤولية الدولة لا تتقرر إلا في حالات استثنائية، ومنها مخاصمة القضاة كما جاء في المادة 391 من ق.م.م. وما بعدها، وليس في قانون المسطرة الجنائية ما يقرر هذا التعويض في مواجهتها([43]).
- وإذا كانت الدولة ستسأل عن التعويض فالذي يجب أن يسأل هو القاضي وليس الدولة([44])؛ لأنه لم يمحص بدقة وضعية الملف حتى يصدر الأمر بالاعتقال.
إن هاته الحجج لم تجد ترحيبا وقبولا من قبل الفقه بل انتقادا على النحو التالي:
- إن القول باستقلالية القضاء عن الدولة أمر غير أكيد، ذلك أن أعضاء النيابة العامة يخضعون لسلطتين إحداها تمثل السلطة القضائية وأخرى تمثل السلطة التنفيذية، مما يجعل من مبدأ الاستقلالية على غير إطلاقه، والأمر يتعداه ليشمل القضاء الجالس ومن ذلك وضعية تعيين قاضي التحقيق([45]). ولهذا متى كان الضرر نتيجة لسبب سير إحدى المصالح الحكومية فإن الدولة تسأل عنه.
- إن تقرير مسؤولية الدولة في حالات محصورة لا يعني بحال من الأحوال عدم المطالبة بالتعويض عن الاعتقال الاحتياطي، سيما وأن المشرع المغربي أقر بالتعويض في القسم الثالث الخاص بالمراجعة، لما تثبت براءة الشخص بعد تدارك خطأ في الواقع([46]).
- إن إثارة التعويض في مواجهة الدولة([47]) يرجع إلى ما تتوفر عليه هاته الأخيرة من ملاءة مالية تسمح لها تعويض المتضرر، مع إمكانية رجوعها على القاضي المصدر للاعتقال بما تمت تأديته للمعوض عن الاعتقال. وهي قاعدة مقررة حتى بشأن مخاصمة القضاة في المادة 400 من ق. م. م.
2: مدى إثارة مسؤولية القاضي عن التعويض عن الاعتقال الاحتياطي
اختلفت الآراء الفقهية حول إثارة مسؤولية القاضي في التعويض عن الأضرار التي لحقت المعتقل احتياطيا، إذ وجد اتجاه معارض وآخر مفند للحجج الرافضة لهذا التعويض.
يستند الرأي الرافض لمسؤولية القاضي على الحجج التالية:
- إن الأحكام القضائية تكون حجة بما جاء فيها، فلا يجوز إثبات عكسها متى استنفدت طرق الطعن. فإذا تم السماح للفرد للمطالبة بالتعويض عن تلك الأحكام بعلة أنها مخطئة؛ فإننا نهدم الحكم السابق ونفتح الباب من جديد للطعن في الإجراءات، وإثارة موضوع الإدانة والبراءة من جديد([48]).
- إن فتح باب المسؤولية في مواجهة القضاء سيعرقل أعماله، بل سيؤدي إلى قعود رجال القضاء عن تأدية واجباتهم على أتم وجه خوفا من المسؤولية التي قد تثار في مواجهتهم، إلى جانب الخشية من رجوع الدولة عليهم بالتعويض متى ثبت أخطاؤهم.
وقد حاول الاتجاه المؤيد لمساءلة القاضي أن يدحض هاته المسوغات بما يلي:
- عن حجية الشيء المحكوم فيه فقد تم الرد عليه بأنه لكي يضفي قوة الشيء المقضي به، يجب أن تتوافر فيه وحدة الموضوع والأشخاص والسبب، في حين أن المطالبة بالتعويض عن الانتقال الاحتياطي لا يوجد فيها وحدة للموضوع. لأن الموضوع في القضية الأولى هو الإدانة أو البراءة، أما في القضية الثانية فهو المطالبة بالتعويض. ثم أن الأشخاص في الدعوى الأولى هم مهتمون، بينما هم في الدعوى الثانية مدعون. وعن السبب في الدعوى الأولى هو الجريمة أما في الدعوى الثانية فهو المسؤولية عن الفعل الضار.
- وبخصوص حجة تردد القضاء في القيام بوظائفه خوفا من المساءلة فهي حجة واهية؛ لأن الأمر لا يتعلق بالبحث في المسؤولية الشخصية للقضاة، بل في مسؤولية الدولة اتجاه الأضرار التي لحقت بالمعتقلين، فالتعويض سوف يدفع من الخزانة العامة للدولة وليس من مال القاضي.
وهكذا يتبين أن إثارة مسؤولية الدولة والقاضي عن الأضرار التي لحقت المعتقل احتياطيا أصبحت أمرا لا مفر منه، غير أنه لا يجب أن تقع هاته المسؤولية على القاضي لوحده وشخصيا، وبالتالي مطالبته بالتعويض عما لحق المتضرر من ضرر من أمر الاعتقال، كما ذهب إلى ذلك المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات المنعقد في روما بين 27 شتنبر و 4 أكتوبر 1953، بل يتعين تقرير التعويض من خزينة الدولة على أن تعود هاته الأخيرة على القاضي مصدر الاعتقال الذي ألحق الضرر بالشخص المعتقل، وعلى أن يرفع المتضرر الدعوى في مواجهتها معا إذا توفرت الشروط التالية.
الفقرة الثانية: الشروط المتطلبة للتعويض عن الاعتقال الاحتياطي
حتى يستحق الشخص الذي تم اعتقاله قانونا التعويض لا بد أن تتوفر بعض الشروط الشكلية وأخرى موضوعية، والتي لا تخرج عن ما هو مقرر في قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي مادام أن قانونا مستمد منه.
بالنسبة للشروط الشكلية فيجب أن تتحقق فيها ما يلي:
- بيان تاريخ وطبيعة القرار القاضي بوضع الشخص رهن الاعتقال الاحتياطي والمؤسسة السجنية التي قضى فيها مدة الاعتقال.
- بيان الهيئة القضائية التي قررت براءته أو عدم متابعته، وأيضا تاريخ اتخاذ هذا القرار.
- بيان طبيعة وقيمة الأضرار التي أصابته.
- بيان عنوان مراسلة المطالب بالتعويض.
- وعلى ذلك يجب على مقدم الملتمس إرفاقه بمختلف الأدلة التي تثبت تعرض لهذا الاعتقال بترك له الحرية في اختيار هذه الوسائل.
وبالنسبة للشروط الموضوعية:
- يجب أن يتعرض المطالب بالتعويض لإجراء الاعتقال الاحتياطي، وفي هذا الاتجاه يجب بالضرورة إقصاء كل إجراء آخر ماس بالحرية الشخصية من البث فيه من طرف اللجنة: كالوضع تحت الحراسة أو الحجز الجمركي وكذا تنفيذ العقوبة([49]).
- يجب صدور قرار يقضي بعدم المتابعة أو براءة الشخص الذي تعرض للاعتقال الاحتياطي.
ومتى تحققت هذه الشروط إلا ووجب الحكم بالتعويض عن الأضرار المادي والمعنوية التي لحقت المتضرر من أمر الاعتقال وتقرر في النهاية عدم متابعته، أو أن لا وجه لإقامة الدعوى… وفي هاته لا مانع من المطالبة بإجراء خبرة بخصوص مختلف الأضرار التي أصابته استنادا إلى المادة 194 وما بعدها من ق م ج، مثل ما نص على ذلك ق إ ج الفرنسي([50]).
وتعيين خبير أو عدة خبراء إن لزم الأمر يعود للرغبة الصادقة للنظر في تقدير مختلف الأضرار التي لحقت بالمعتقل مادية كانت أو معنوية، وحتى يكون التعويض الذي سيحصل عليه مبنيا على تقدير صحيح خال من كل تقدير عشوائي غير مستند لمعايير تقديرية وجزافية([51]).
المطلب الثالث: الخطأ القضائي ومسطرة المراجعة كآلية.
يرتكز النظام القضائي بالمغرب والدول المماثلة على خلفية كسر احتكار السلطة في التوجه الديمقراطي، فكل قضاء فوقه قضاء وعلى خلفية الافتراض بضرورة وقوع الخطأ القضائي لذلك شرعت طرق الطعن العادية والاستثنائية.
إلا أن هذه الطرق جميعا لا تؤدي أحيانا إلى إعدام هذه العلة التي تلازم طبيعة عمل القضاة الذين لا يحكمون بعلمهم وإنما تعرض عليهم أحداث ونوازل عبر وسائط قد تكون سليمة وقد لا تكون.
بجرة قلم وبعد جلسات قد تطول أو تقصر يصدر حكم بالإعدام أو المؤبد في حق برئ ، فإذا بالحكم الذي قصد المشرع أن يكون عنوانا للحقيقة وترجمانا للعدل يصبح كالإمام الذي يحمل تحت عباءته البيضاء جانيا على الأبرياء أو كالراهب الذي يمرر تحت مسوحه السوداء كف العدوان خطأ على حريات البشر وأرواحهم أحيانا.
إن قضية دريفوس وغيرها ما تزال ندوبا على وجه العدالة البشرية وشاهدا يعذب ضمير الإنسانية على وقوع عدالة الأرض في عكسها حين تدين وتعاقب البريء.
ولما اجتهد المشرعون من أجل معالجة هذا الداء ابتدعوا مسطرة المراجعة واضعين نصب أعينهم خلق توازن دقيق بين هدفين:
- عد تأبيد النزاعات لأنه مهما كان الخوف من الخطأ القضائي مشروعا فإن الباب لا يمكن أن فيتح إلى ما لا نهاية أمام المتقاضين فيكون لأصحاب اللدد والكيد منهم أن يعرقلوا بدون حدود إرجاع الحقوق لمستحقيها أو يزعجهم عنها إضافة إلى إهدار وقت القضاء الثمين في ما لا طائل فيه والحيلولة بينه وبين اشتغاله بما ينفع الناس.
- إنصاف الأبرياء الذين سقطوا أو بالأحرى أسقطوا في شبكة الخطأ القضائي الذي اقتنعت البشرية بالإجماع أن جميع طرق الطعن لا يمكن أن تحول دون وقوعه وأنه لابد من فتح أبواب ضيقة هي أبواب المراجعة قصد الإطلاع من جديد على الوقائع والملابسات التي كانت سبيلا لقناعة المحكمة بإدانة شخص والحكم عليه بعقوبة طبقا لأحكام القانون الجنائي.
إن هذه المسطرة التي ابتدعها المشرعون هي المنصوص عليها بالفصل 565 من قانون المسطرة الجنائية المغربي وهي لا تستهدف سوى تدارك خطأ في الوقائع تضرر منه شخص حكم عليه من أجل جناية أو جنحة وليس من أجل تدارك الخطأ في القانون وهي لا تقبل إلا إذا انعدمت أية طريقة من طرق الطعن وفي الحالات وضمن الشروط المنصوص عليها حصرا في الفصول 566 و ما يليه من قانون المسطرة الأنف الذكر.
طبعا فإن هذه المسطرة هي التي تقابل المسطرة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية باسم آخر هو إعادة النظر وهي المسطرة الأم بالنسبة لمسطرة إعادة النظر الجديدة التي تم ابتداعها في التعديلات الأخيرة للمسطرة الجنائية بالفصل 563 وتم قصرها على قرارات المجلس الأعلى فقط.
ولعله ليس من لغو الكلام أن نقول بأن الخطأ القضائي الذي شرعت المراجعة من أجل تداركه ينبغي حسب طبيعة الأشياء أن يكون استثناء من قاعدة اعتبار الأحكام القضائية عنوانا للحقيقة ولذلك كان من باب الحكمة في الدول المتقدمة أن يقع التضييق في أسلوب معالجة هذا الاستثناء.
أما حينما يكون الأمر متعلقا بغير تلك الدول فإن الخطأ القضائي وهذا هو الواقع لا يبقى في حدود الاستثناء وإنما يتكاثر إلى درجة يصبح فيها شبيها بالقاعدة ومن حسن طالع السيد عمر الرداد في القضية المشهورة التي شغلت الناس في التسعينات من القرن الماضي أنه كان ضحية خطأ قضائي في بلد متقدم كفرنسا.
لذلك لا يبدو من الحكمة أن نقلد هذه الدول المتقدمة في التضييق على ضحايا الخطأ القضائي وإرهاقهم بما لا يوجد حتى في تلك الدول.
ومن دون شك فإن قرابة الخمسة ملايين ملف تعرض على القضاء المغربي في كل سنة وتسند إلى قضاة لا يصل عددهم إلى ثلاثة آلاف قاض يحتاج إلى الكثير فيما يتعلق بمساعدي القضاء من كتابة ضبط وضابطة قضائية وطب شرعي وما إلى ذلك من البنيات التحتية التي يقوم عليها عمل القضاء.
ورحم الله عهدا كانت هيئة الجنايات تدخل فيه إلى قاعة الجلسات بملفات معدودة بأصابع اليد فأصبحت الآن وكأنها قضاء مقاطعات من كثرة الملفات.
كيف لا تصل الأخطاء القضائية في وضع من هذا القبيل إلى نسبة غير مقبولة ولا معقولة وإن كانت لا تظهر إلا لعين المحترف القريب؟
من هنا تبدو محدودية مسطرة المراجعة من حيث معالجة الخطأ القضائي وإلحاحية الحاجة إلى إصلاح القضاء إصلاحا حقيقيا تقليصا لمساحة الظلم وتوسيعا لهيمنة الحق على نقيضه.
ومع ذلك فإن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه ولذلك فإنه رغم محدودية تلك المسطرة والخطأ في اعتبارها حلا مطلقا فإنها تبقى أداة فعالة لا غنى عنها.
ويا ليت المشرع المغربي في التعديلات الأخيرة قام بمراجعة المراجعة في قانون المسطرة الجنائية لأنها حقا تحتاج إلى المراجعة والتعديل.
لماذا؟
الجواب هو أن أسباب المراجعة في المسطرة التي بقيت على حالها دون تعديل في دار لقمان أربعة:
- إذا صدرت عقوبة في دعوى القتل وأدلى بعد ذلك بمستندات أو حجج ثبت منها قيام قرائن أو علامات كافية تدل على وجود المجني عليه المزعوم قتله.
- إذا صدرت عقوبة على متهم وصدر بعد ذلك مقرر ثان يعاقب متهما أخر من أجل نفس الفعل ولم يمكن التوفيق بين المقررين لما بينهما من تناقض يستخلص منه الدليل على براءة أحد المحكوم عليهما.
- إذا جرت بعد صدور الحكم بالإدانة متابعة شاهد سبق الاستماع إليه وحكم عليه من أجل شهادة الزور ضد المتهم ولا يمكن أثناء المناقشات الجديدة الاستماع إلى الشاهد المحكوم عليه بهذه الصفة.
- إذا طرأت واقعة بعد صدور الحكم بالإدانة أو تم الكشف عنها أو إذا تم تقديم مستندات كانت مجهولة أثناء المناقشات ومن شأنها أن تثبت براءة المحكوم عليه.
هذا وقد نص الفصل 567 من المسطرة الجنائية على أن المراجعة بناء على الأسباب الثلاثة الأولى تمارس من طرف الوكيل العام للملك بمبادرة منه أو بطلب من وزير العدل وللمحكوم عليه أو نائبه القانوني في حالة عدم الأهلية ولزوج المحكوم عليه المتوفى أو المصرح بغيبته وأولاده ووالديه وورثتهم والموصى لهم ولمن تلقى توكيلا خاصا منه قبل وفاته.
ويرجع حق طلب المراجعة في الحالة الرابعة المنصوص عليها في المادة 566 إلى وزير العدل وحده بعد استشارة لجنة مكونة من مديري الوزارة وثلاث قضاة من المجلس الأعلى يعينهم الرئيس الأول لهذا المجلس من غير أعضاء الغرفة الجنائية.
هذا هو بيت القصيد في خصوص القصور الذي بقي عالقا بمسطرة المراجعة للأحكام الجنحية والجنائية بالقانون المغربي.
فعلا فإن احتكار ممارسة الطعن بناء على السبب الرابع من طرف السيد وزير العدل احتكار لأوسع أبواب المراجعة الأمر الذي يجعلها ضيقة إلى أقصى الحدود.
وهو وأيم الحق وضع يخالف الأصول لأن وزير العدل هو رئيس النيابة العامة وهو بالتالي خصم المحكوم عليه و لا يتلاءم مع دولة الحق والقانون وتطور التشريع أن يقع تحكيم الخصم في حق تم تشريعه لفائدة خصمه.
إنه تحجير غير مبرر على المظلوم المتضرر من حكم قضى عليه وهو بريء يجعله غير قادر على المبادرة إلى عرض الطارئ أو المكشوف الذي من شأنه أن يثبت البراءة على القضاء.
ومن نافلة القول التأكيد على أنه حينما تكون الدولة متقدمة بنظامها الديمقراطي وقضائها المستقل القوي كيفا وكما وبالضمانات المتوفرة للمتقاضين إلى درجة الخطأ القضائي استثناء لكان لذلك التضييق والتحجير مبرر مشروع.
أما وأن الأمر يتعلق بعكس ذلك في الدول التي تؤدي بعملة التخلف ضريبة التاريخ الباهظة في هذا القطاع الذي يتعلق بحرية الإنسان وروحه أحيانا فإنه يصبح زيادة في النكد والإرهاق ومطية للحيلولة دون إصلاح الكثير من الأخطاء والتقليص من مساحة المنكر الذي يحاربه ضمير الإنسانية المعذب.
ومن المفارقات التي تبدو جلية للعيان أن قانون المسطرة الجنائية في الدولة التي نقلدها أحيانا كالببغاوات الملونة يأخذ بنهج مخالف لما يأخذ به المشرع المغربي من حيث سعة الضمانات المتوفرة للمحكوم عليه خطأ مقارنة بالفقرة الرابعة من الفصل 567 من القانون المغربي التي قننت احتكار وزير العدل للسبب الرابع الذي تنحشر تحت معطفه معظم حالات المراجعة.
نعم إن الفصل 622 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي يخول للمحكوم عليه حق المراجعة وليس للسيد وزير العدل وحده كما تنص على ذلك الفقرة السالفة الذكر كلما كانت هناك وقائع جديدة أو عناصر مجهولة لدى الهيئة الحاكمة خلال المحاكمة من شأنها أن تخلق الشك.
وهنا يجب أن ننتبه إلى الفرق بين هذه العبارات:"من شأنها أن تخلق الشك" وبين عبارة المشرع المغربي المقابلة في السبب الرابع وهي "من شأنها أن تثبت براءة المحكوم عليه".
إن العبارة الأخيرة للمشرع المغربي متشددة فهي لا تكفي بأن يكون طروء طارئ أو اكتشاف مجهول باعثا على الشك بل تستلزم أن يكون من شأنه إثبات البراءة.
ولذلك فإن وزير العدل بالمغرب بإمكانه أن يسير مع حرفية هذه العبارة ولا يمارس الحق تحت علة أن الطارئ أو المكتشف إن كان يبعث على الشك فليس من شأنه أن يثبت البراءة.
ويضاف إلى اتساع النص أن القضاء الفرنسي جعل من التأويل الجديد لواقعة معروفة مسبقا مدخلا للطعن بالمراجعة إذ أنه في قضية دانفال وربما سار على نفس النهج في قضايا أخرى اعتد في المراجعة بواقعة وجود الزرنيخ في جسد الضحية وقد كان ذلك معروفا ولكن تطور العلم أثبت أن المادة المذكورة قد لا تكون متسربة إلى الجسد بفعل فاعل ولكن قد يكون مصدرها طبيعيا ناتجا عن مرض.
كما وأنه اعتبر في أحكام أخرى الوقائع المجهولة بالنسبة للهيئة الحاكمة سببا للطعن حتى مع كون الوقائع السابقة للمحاكمة.
ومن المفيد في هذا السياق الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي في سنة 1946 خرج بمسطرة أخرى للمراجعة تتلاءم مع حرية التعبير وحماية الإبداع الفكري وعدم تسليط سيف المحاصرة عن طريق القضاء للأدب والفكر باسم حماية الأخلاق الحميدة كما وقع بالنسبة للشاعر الفرنسي بودلير عن ديوانه أزهار الشر.
وقد أصبح للمبدع أو لأحد أقربائه بعد وفاته أو لمجتمع رجال الأدب ممارسة هذا الحق من أجل مراجعة الحكم وإعادة الاعتبار إلى المبدع.
ولما تأسست المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أصبح من حق المواطن المنتمي لفضاء الاتحاد الأوروبي الكبير أن يمارس مسطرة خاصة للمراجعة لا ترتكز على ارتكاب الخطأ القضائي شأنها شأن مسطرة المراجعة العادية بل يكفي أن يكون هناك مس بحقوق الإنسان المتعارف عليها بمقتضى العهود والمواثيق الدولية (الفصل 626 إلى 7-626 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي).
هكذا يظهر كيف فتح المشرع الفرنسي الأبواب أمام ضحايا الخطأ القضائي وضحايا حراس معبد الأخلاق الحميدة وضحايا حقوق الإنسان رغم أن الفرق شاسع بين حقوق المواطنة والمجتمع المدني والقضاء الفرنسي وبين نظير هذه الثلاثة في المجتمع المغربي.
وهكذا أيضا يظهر كيف بقيت مسطرة المراجعة أسيرة مفهوم عتيق يضيف إلى ضيق المجال العام لنيل الحقوق ضيقا آخر مع أن قوة الشيء المقضي به المستوردة من البلد موضوع المقارنة ما هي بالوحي المنزل ولا هي بالجدار المقدس العالي الذي تتقطع تحته أنفاس المتطلعين إلى العدل.
هذا مع العلم أن المشرع المغربي حتى حينما افترض ظهور براءة من يستطيعون المرور فوق صراط مسطرة المراجعة فإنه لم يمنح هؤلاء مسطرة سريعة للحصول على تعويضات مناسبة ولا نص على ضرورة أن يكون الحكم الصادر مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون كما هو عليه الحال بالنسبة للأحكام الصادرة في النفقة والشغل مع أن ابتلاء المحكوم عليه الذي ظهرت براءته أنكى وأشد ضررا، ومدونة الدولة في مواجهته واضحة كنور الشمس والحاجة إلى النفاد المعجل بقوة القانون ألح من الإلحاح.
وبالأمس القريب قضى أحد ضحايا الخطأ القضائي نحبه بعد صدور الحكم بتعويضه بأسابيع و لو عاش زمنا آخر لعاش معاناة الانتظار إذ أن ورثته ما يزالون لحد الآن ينتظرون قرار محكمة الاستئناف بالرباط الأمر الذي يعتبر شاهدا على ضرورة أن تشفع الأحكام الصادرة بالتعويض بالنفاذ المعجل القانوني وليس القضائي وحسب.
ولا يفوتنا بمناسبة هذه الإطلالة على الخطأ القضائي ومسطرة المراجعة أن نقف على محطة أخرى وهي تشريع مسطرة إعادة النظر في قرارات المجلس الأعلى ضمت التعديلات الأخيرة التي عرفها قانون المسطرة الجنائية.
وأول ما يسترعي الانتباه في هذا الشأن هو أن المشرع سماها إعادة النظر ولم يسميها المراجعة مع أن المسألة في جوهرها مراجعة، وربما كانت العلة في ذلك أن نفس الجهة القضائية هي التي تتولى إعادة النظر في القضية بناء على أسباب محصورة خلافا لمسطرة المراجعة.
بيد أنه وحين جاء المشرع بهذه الإضافة الجيدة بعد هياط ومياط وشفاعة من قريش تبعا لما كان هناك من تضارب في القرارات القضائية فإن ما جاء به لم يرتق إلى مستوى تلبية الحاجة إلى أداة كافية لإسعاف ضحايا الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به.
إن المرء لا يدري كيف ساغ للمشرع أن يقصر هذه المسطرة على قرارات المجلس الأعلى دون غيره من المحاكم كما فعل مشرع قانون المسطرة المدنية مع أن الكثير من قرارات محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية في الميدان الزجري تتسرب إليها الأخطاء وتغفل المطالب وتفتقد إلى التعليل وتقضي بعدم القبول بناء على بيانات ذات صبغة رسمية يتبين عدم صحتها عن طريق وثائق جديدة وقع الاستدلال بها فيما بعد أو تستند إلى وثيقة أو وثائق مزورة.
هذا مع العلم أن المقارنة بين إعادة النظر بالمسطرة الجنائية وأختها المدنية يفضي إلى تمييز الأخيرة بأنها تحفظ حقوق الدفاع وتصون الإجراءات الجوهرية بل وتحمي النظام العام فالمجال بها أوسع وأرحب لكل من أنشب فيه الزمن مخالب الخطأ القضائي.
فعلا فإن الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية ينص ضمن الأسباب الواردة حصرا على الحق في إعادة النظر كلما صدر الحكم على أحد الطرفين بعدم إدلائه بمستند حاسم احتكره خصمه وفي كل مرة يقع الإخلال فيها بالفصول 371- 372 و 37 من نفس المسطرة.
وهذه الفصول منها ما يحمي النظام العام مثل تكوين الهيئة من خمس قضاة وعلنية الجلسات وتصدير القرارات باسم جلالة الملك والبيانات الإلزامية في كل قرار.
ومنها ما يحمي حقوق الدفاع التي هي أيضا من النظام العام مثل إبداء وكلاء الأطراف لملاحظاتهم الشفوية الأمر الذي يفرض منطقا استدعاءهم إلى الجلسة ليطلبوا أو لا يطلبوا الاستماع إليهم حسب ظروف كل قضية وحاجتها أو عدم حاجتها إلى ذلك التدخل الشفوي المتميز.
إذن فالمسطرة التي جاءت بها التعديلات الأخيرة في خصوص إعادة النظر تكشف عن خلفية التضييق التي لا يبررها إلا الشعور بضيق الإمكانيات المتاحة على مستوى الموارد البشرية والبنيات التحتية وهو منهج معكوس إذ كلما كانت تلك الإمكانيات ضيقة ومحدودة إلا وكثرت الأخطاء ولزم عن ذلك توسيع مجال المراجعة وإعادة النظر بدلا من تضييقها تضييقا تفلت معه الكثير من الأخطاء المسلطة على أرواح الناس وأموالهم وحرياتهم في المراجعة وهي صادرة عن العدالة المغربية باسم جلالة الملك.
خاتمة:
وفي الختم فقد حاولنا قدر الإمكان الإحاطة بإشكالية حماية حقوق الضحايا على ضوء قانون المسطرة الجنائية، وتبين لنا وبشكل جلي أن المشرع حاول ترسيخ فكرة حقوق الإنسان نظريا وعمليا، وتطبيق قاعدة البراءة فعليا كما هي منصوص عليها في المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية المعدل، وعلى غرار الاعتقال التعسفي الذي أحاطه المشرع بحماية واضحة، فإنه يتعين أن يعوض الشخص عن سلب حريته التي تمت باعتقاله احتياطيا بشكل قانوني، مادام أن هذا الاعتقال ليس بتدبير استثنائي كما قال المشرع، وإنما هو سلب لهاته الحرية لشهور، ولذلك فمن العدالة أن يعوض عن تلك الشهور متى تقرر عدم متابعته أو أن لا وجه لإقامة الدعوى.
دون إغفال مسألة الخطأ القضائي الذي يلبس لبوس حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به تطل بنا على أزمة القضاء المغربي التي تحتاج عاجلا لا آجلا إلى قطيعة مع حاضر يعرف عددا من القضاة لا يتجاوز ثلاثة آلاف لشعب يزيد عدده على الثلاثين مليونا وملفات تفتح في كل سنة تزيد على أربعة ملايين مع حالة سقيمة للفضاء الذي يعمل فيه القضاء والوسائط التي تسبق الفصل في القضايا أو تصاحبه أو تتلوه.
وأخيرا فإن هذا النقد لما هو عليه الحال لا يعني بأية حال التنكر للجوانب المضيئة في القانون وفي العمل القضائي بالمغرب بل إن الأمل في التغيير والتفاؤل في النظر إلى المستقبل والبحث عن الأفضل هي خلفيات ذلك النقد وقاعدته المشروعة.
[1] – لا عدل بغير توفر حق الدفاع، وكل قيد يرد على ممارسة هذا الحق إنما هو غل في عنق العدالة، وانحراف بها عن طريق الحق الذي تستهدفه أنظر طه أبو الخير: حرية الدفاع، منشأة المعارف الإسكندرية ط أولى – 1971 ص 22.
[2] – د. سعيد خالد علي الشرعي حق الدفاع أمام القضاء المدني (دراسة فقهية مقارنة بين القانونين المصري واليمني والفقه الإسلامي رسالة دكتوراه سعد سمك للنسخ والطباعة 1997 ص 1.
[3] – جاء في الفصل 9 من قانون العدل العسكري ما يلي:
"لا تبث المحكمة العسكرية إلا في الدعوى العمومية ولا يجوز لأي شخص أن يطالب بالحقوق المدنية أمام المحكمة العسكرية ما عدا في الأحوال التي ستبين في المادة 125 بعده".
جاء في الفصل 125 من قانون العدل العسكري ما يلي:
"إنه حيادا عن المبدأ المنصوص عليه في المادة السابقة من هذا القانون فإن المحكمة العسكرية التي أصدرت الحكم ببراءة المتهم تحكم بتعويضات الضرر التي يجوز منحها للمحكوم عليه أو لممثله على أثر إجراء مسطرة المراجعة".
[4] – نصت المادة 384 (ق.م.ج.ج) على ما يلي:
"ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية كما يلي:
- يتعرض المتهم على الأمر القضائي في الجنح طبقا للمادة 383.
- بالاستدعاء المباشر الذي يسلمه وكيل الملك أو الطرف المدني للمتهم أو عند الاقتضاء للمسؤولين عن الحقوق المدنية؛
- باستدعاء يسلمه أحد أعوان الإدارة المأذون له بذلك قانونا إذا كان هناك نص خاص يسمح لهذه الإدارة بتحريك الدعوى العمومية؛
- بالإحالة الصادرة عن قاضي التحقيق أو هيئة الحكم؛
- بالتقديم الفوري للجلسة في الحالة المنصوص عليها في المادة 74؛
- بإحالة من وكيل الملك بناء على تصريح مرتكب المخالفة أو المسؤول عن الحقوق المدنية المشار إليه في الفقرة الأخيرة من المادة 377.
[5] – جاء فيها ما يلي:
"تحدث في مقار محاكم الإستئناف غرفة جنحية تتألف من رئيس ومستشارين.
تنظر هذه الغرفة تطبيقا للظهير المشار إليه في الفصل الأول في الإستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية في الجنح والمخالفات.
يعهد إليها أيضا بالإختصاصات المخولة سابقا لغرفة الاتهام بمقتضى الظهير المشار إليه ما لم تكن منافية لمقتضيات هذا الظهير بمثابة قانون".
[6] – جاء فيها ما يلي:
"في حالة المتابعات الزجرية ضد الساحب يجوز لحامل الشيك الذي تنصب طرفا مدنيا أن يطالب أمام القضاء الزجري بمبلغ يساوي قيمة الشيك بصرف النظر عن حقه في المطالبة بالتعويض عند الاقتضاء، كما يجوز له أن يختار المطالبة بدينه أمام القضاء المدني".
[7] – راجع قرار للمجلس الأعلى جاء فيه ما يلي:
"يتحكم عند النزاع –بحث العلاقة السببية وثبوت سبب الالتزام من طرف المستفيد لشخص آخر".
قرار عدد 258 في الملف الجنحي عدد 52261 الصادر بتاريخ 4 أبريل 1977 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 129 شهر يوليوز 1973.
كما قضى المجلس الأعلى في قرار آخر ما يلي:
"يتعرض للنقض الحكم الذي يقضي على المدعى عليه بأدائه مبلغ شيك سلم له من طرف المدعى في حين أن هذا الأخير لم يتبين سبب الشيك".
قرار مدني صادر بتاريخ 12 أبريل 1962 قضاء المجلس الأعلى مجموعة رشيد عبود، الجزء 5، أكتوبر 1961-يوليوز 1962.
[8] – أنظر قرارا صادرا عن المجلس الأعلى عدد 805 بتاريخ 26 يناير 1961، مجموعة أحكام المجلس الأعلى الغرفة الجنائية2، ص 158 جاء فيه ما يلي:
" إن القاضي الجنائي عندما يقدم إليها طلب من أجل أداء قيمة الشيك الذي صدر بدون رصيد بصفة استثنائية قائما مقام القاضي المدني وفي هذه الحالة يجب عليه بالنسبة للإدلاء المطلوب أن يأخذ في اعتباره الاتفاقات المبرمة بين الطرفين، وأنه لا يستطيع أن يمنح المستفيد الموضوع اسمه في الشيك القيمة التي يطلبها إلى إذا ثبت له سبب الالتزام الذي أصدر الساحب الشيك وفاء له، هذا السبب الذي يكون غالبا دينا قائما وقت الإصدار لمصلحة المستفيد إزاء المتهم، كما يمكن أن يتحقق من التزام تحمل به هذا الأخير تصفية لدين على أحد من الغير".
[9] – الفقرة الأولى من المادة السابعة(م. ج.ج).
[10] – المادة 10 ( ق. م.ج.ج.).
[11] – المادة الثانية (ق.م.ج).
[12] – Voir, Gaston Stéfani, Geroge, Levasseur, Bernard Bouloc, Op. cit, P. 158.
[13] – المادة الثانية ( ق.م.ج).
[14] – الفصل 79 و 85 و 85 مكرر.
[15] – كالمادة 78 من ظهير المحافظة على الغابة (10 أكتوبر 1917)، والمادة 33 من ظهير الصيد في المياه الداخلية (11 أبريل 1922) والمادة 41 من قانون الصيد البحري (23 نوفمبر1973) ويقضي به مسؤولية الأولياء عن الأفعال التي يرتكبها أولادهم القاصرون.
[16] – المادة 9 ( ق.م.ج).
[17] – أنظر في الأضرار الجسمانية بصفة خاصة تولمان ومور في الضرر الجسماني – طبعة سنة 1957.
A. BAUFFIN de saint Morel : quelques aspects de la réparation du dommage corporel.
م. ب. سان موريل – في "بعض مظاهر التعويض عن الضرر الجسماني".
M. le Roy : l’évaluation du préjudice corporel : 7 édition 1997.
لوروي "تقدير الضرر الجسماني في التشريع العام المغربي 1978.
A. Benjelloun : la réparation du préjudice corporel en droit commun marocain mémoire D.E.S. 1978.
[18] – أنظر الدكتور عبد الوهاب حومد-الوجيز في المسطرة الجنائية ص 93.
[19] – أنظر تفصيل كل ذلك عند: تولمون و ج مور، المرجع السابق.
[20] – أنظر "ماركس لوري المرجع السابق د اللوز 1937 – ص 279 Marx le Roy op cit
[21] – تولمون ومور المرجع السابق A. Toulemon et J. Moore op cit
[22] – أنظر الدكتور سليمان مرقس – دروس الدكتوراه، المرجع السابق البند 61 – في إمكان اجتماع الضررين المادي والأدبي.
[23] – أنظر الدكتور سليمان موقس – المسؤولية المدنية في تقنيات البلاد العربية القسم الأول البند 63 ص 131.
[24] – أنظر في بيان الضرر المادي والضرر المعنوي في جرائم الأموال وخيانة الأمانة والنصب والتزوير… رسالة "جان بلامي المرجع السابق. Bellamg op cit P 44
[25] – أنظر في الموضوع أيضا Gavraud : Op cit
Chauveau Helie = Théorie de code pénal 6è édition tome 2 N 672.
[26] – أنظر حسين عامر – المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية- 318 طبعة أولى سنة 1956.
[27] – أنظر د. السنهوري –الوسيط، الجزء الأول البند 577 و د. مأمون الكزبري- مصادر الالتزام ص 401- وأنظر د. حسن المرصفاوي، المرجع السابق ص 132.
[28] – وقد نظر بعض الفقه إلى الإنسان على أنه مركب من لحم ودم ومن نفس وروح تتألم وتحس أي تصاب في الشخص فيحزن يفرح ويعشق ويكره ويرغب… وأن الضرر الجمساني الذي يصيب البدن أو الفرد هو ضرر مادي وما يصيب روح الإنسان أو الشخص فهو ضرر معنوي.
[29] – أنظر الدكتور سليمان مرقس – دروس الدكتوراه، المرجع السابق البند 61 – في إمكان اجتماع الضررين المادي والأدبي.
[30] – عمر أبو الطيب، الدعوى المدنية التابعة، ص: 335 وما بعدها.
[31] – عمر أبو الطيب، مرجع سابق، ص: 344. ولاحظ مقتضيات الفصل 10 ق. م. ج.
[32] – عمر أبو الطيب، الدعوى المدنية التابعة، ص: 335 وما بعدها.
[33] – تجدر الإشارة هنا، إلى أن الدعوى المدنية تصبح تابعة للدعوى الجنائية بل وتخضع إلى إجراءات المسطرة الجنائية، أنظر الخمليشي، مرجع سابق، ص: 173. وعمر أبو الطيب، مرجع سابق، ص: 359 وص: 366. وتبعية الدعوى المدنية للدعوى العمومية تفرض على القاضي أن يبث في الدعويين معا في حكم واحد يتعرض فيه إلى العقوبات الجنائية وإلى موضوع الدعوى المدنية الذي يتضمن المصاريف والمصادرة والرد والتعويض المدني. أنظر الخمليشي، ص: 174 و 175. وعمر أبو الطيب، ص: 366.
[34] – ويرجع هذا التقيد إلى نوع من التلطيف لمدلول الحكم الجنائي الذي يكتسي صفة مطلقة في مواجهة الحكم الجنائي وبالأحرى في مواجهة الدعوى المدنية التابعة، ولذلك فالقضية المبرمة هنا تكتسي طابعا فرديا يستدلها صفة النظام العام، فإثارتها هو حق للمتقاضي لأنه هو الذي ينتفع منها. أنظر عبد الوهاب حومد، المسطرة الجنائية المغربية، ص: 385.
[35] – حمد حكيم حسين حكيم – النظرية العامة للصلح وتطبيقاتها- بدون ذكر دار الطبع ولا سنة الطبع- ص 48.
[36] – عوض محمد عوض- المبادئ العامة في الإجراءات الجنائية- سنة 1999، ص 131.
[37] – علي زكي العرابي – المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية"- بدون ذكر دار الطبع ولا سنة الطبع- ص 131.
[38] – PASSAF M- procédure pénal – P.U.F.- 1995- P 481.
[39] – محمد حكيم حسين حكيم- م. س، ص 49.
[40] – محمد حكيم حسين حكيم- م. س، ص 49.
[41] – محمد حكيم حسين حكيم- م. س، ص 49.
[42] – د. مجدي محمود محب حافظ، الحبس الاحتياطي، م س، ص 210.
[43] – وعلى حد تعبير بعض الآراء: "فقد لا يجد صاحب المصلحة في التعويض عن الحبس الاحتياطي محلا للرجوع على القاضي، أو على من أسند إليه الاتهام، حيث يكون الضرر الناشئ عن الحبس الاحتياطي ليس وليد خطأ يمكن نسبته إلى فرد معين ولكنه يكون متمخضا عن أعمال السلطة القضائية، وهنا لا يجد من أضير من الحبس الاحتياطي سندا في التشريع المصري لرفع دعوى التعويض، فلا يوجد نص يقرر مسؤولية الدولة عن الأضرار وجدي شفيق فرج، الحبس الاحتياطي، م س، ص 187. ومجدي محمود محب حافظ، الحبس الاحتياطي، م س، ص 215.
[44] – كما ذهب إلى ذلك المنظمون والمشاركون في المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات المنعقد في روما بين 27 شتنبر و 4 أكتوبر 1953.
[45] – تنص المادة 52 من ق.م.ج.: "يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في المحاكم الابتدائية من بين قضاة الحكم فيها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل، بناء على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية.
يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في محاكم الاستئناف من بين مستشاريها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل، بناء على اقتراح من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف…"، ونفسه بالنسبة لقضاة الأحداث. أنظر المادة 467 و 485 من ق م ج.
[46] – تنص المادة 573 من ق م ج: "يمكن استنادا إلى المقرر الجديد المترتب عنه براءة المحكوم عليه، وبناء على طلبه الحكم له بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب الإدانة".
[47] – راجع عبد الرحيم صدقي، الحبس الاحتياطي، مكتبة النهضة المصرية 1993-1994، ص 62، ومحمد عبد الله محمد المر، الحبس الاحتياطي، م س، ص 418.
[48] – د. محمد عبد الله محمد المر، الحبس الاحتياطي، م س، ص 415.
[49] – P. Lingibé : La détention provisoire. OP, p 3. B. Callé : La détention provisoire. Op, P 102 et 103.
[50] – Article 149 : « A la demande de l’intéressé, le préjudice est évalué par expertise contradictoire réalisée dans les conditions des articles 156 et suivants ».
[51] – تشير الإحصائيات الصادرة عن اللجنة الوطنية للتعويضات بفرنسا إلى تصاعد نسبة التعويضات من 24% سنة 1996 إلى 66% سنة 1999، وبلغت تبعا لذلك المبالغ المصروفة في التعويضات تطورا كبيرا بلغ 6.491.000.00 فرنك فرنسي سنة 1999 مقابل 1.430.000.00 فرنك فرنسي سنة 1996 وهو ما يقدر ارتفاعه بنسبة 353%. أما متوسط التعويضات فقد بلغ 60.664.00 فرنك فرنسي سنة 1999 مقابل 62.985.00 سنة 1997 بعد أن كان 42.857.00 سنة 1996.