دور السعودية فى تشكيل المستقبل الاقليمي(رؤية محمد بن سلمان للشرق الاوسط والتحولات السياسية السعودية فى الشرق الاوسط) – الباحث : سامي محمد محمود أبو كامل طالب دكتوراه في العلوم السياسية في جامعة سوسة _تونس
دور السعودية فى تشكيل المستقبل الاقليمي
(رؤية محمد بن سلمان للشرق الاوسط والتحولات السياسية السعودية فى الشرق الاوسط)
The role of Saudi Arabia in Shaping the Regional Future (Mohammed Bin Salman’s Vision of the Middle East and Saudi Political Transformations in the Middle East)
الباحث : سامي محمد محمود أبو كامل
طالب دكتوراه في العلوم السياسية في جامعة سوسة _تونس
الملخص : يسعى ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان جاهداً لإعادة تنظيم العلاقات السياسية في منطقة الشرق الأوسط ، وتدشن السعودية مشروعاً ضخماً يتمثل في إعادة موضعة لموقعها على الخريطة السياسية الإقليمية لاعباً أساسياً ورئيسياً في الشرق الأوسط، وبشكل لا يعتمد إلا على لغة الأرقام والواقع والقدرة على مقاربة أعقد الملفات السياسية والمناطق الوعرة بسلاسة كبيرة.
الاهداف : ان التطورات السياسية الحاسمة في السعودية تدور حول خلق مسار سياسي متوازن ومتكيف مع التحولات الدولية المحيطة فى الشرق الاوسط وعلى أن يكون ذلك مبنياً على التغيرات التي تشهدها السعودية.
الاهمية : إلقاء الضوء على ابرز التحولات السياسية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، ودور السعودية في تشكيل المستقبل الاقليمي ورؤية ولي العهد محمد بن سلمان والتحولات السياسية السعودية فى الشرق الاوسط ˛ والآثار التي ترتبت عليها سواء على المستوى الدولي عموماً أو على المستقبل الإقليمي المتمثل بمنطقة الشرق الأوسط، وأخيراً على الصعيد الداخلي تمهيدًا لاستعراض التغيرات التي أصابت السياسة الخارجية السعودية كإستجابة لهذه التحديات المحلية والدولية والإقليمية.
النتائج والتحليلات : السعودية اليوم دولة تتطلع إلى المستقبل لتكون عضواً فاعلاً في صناعة التحولات في منطقة الشرق الأوسط متطلعة لتغيير النماذج التاريخية وقصص الماضي التي صبغت بها منطقة الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولأن السعودية هي الأكبر تأهيلاً في هذه المنطقة، وخاصة بعد مرور المنطقة بكل هذه العواصف الشرسة التي لحقت بمنطقة الشرق الأوسط وكان آخرها الثورات العربية، فقد استوجب الوضع صناعة مفهوم سياسي جديد يعيد تشكيل الاهتمام ويفتش بشكل جريء عن تلك الثقوب السوداء التي كانت تستهلك الكرم السعودي وتبتلع ما يجود به دون أن ينعكس ذلك على الواقع الذي منحت من أجله، سواء كانت أموالاً أو مبادرات سياسية أو ثقافية، بمعنى دقيق النهج السعودي القادم من هذه الأرض يجب أن تبنى له طرق صحية وصحيحة لكي يؤتي ثماره. والخلاصة انه في خضم محاولة فهم المواقف السعودية والنجاحات الكبيرة في إدارتها للملفات الخارجية، علينا أن نستحضر الثابت والمتركز الأساسي، وهو الإيمان العميق بمقدرات ومستقبل المنطقة، وأنه مرهون فقط بتغليب منطق الدولة واستقرارها والاستثمار في مقدراتها.
الكلمات الافتتاحية : سياسة محمد بن سلمان ˛ التحولات السياسية ˛ العلاقات السياسية فى الشرق الاوسط˛ التحولات السياسية الشرق اوسطية ˛ دور الادارة السعودية فى تشكيل المستقبل الاقليمي.
ABSTRACT
Introduction: The Crown Prince of Saudi Arabia, Prince Mohammed bin Salman, is striving to reorganize political relations in the Middle East region. ˛ Saudi Arabia is launching a huge project represented in repositioning its position on the regional political map as a major player in the Middle East, in a way that depends only on the language of numbers, reality and the ability to Approaching the most complex political files and difficult areas very smoothly
Objective: The critical political developments in Saudi Arabia revolve around creating a balanced political path that adapts to the surrounding international changes in the Middle East, and that this is based on the changes taking place in Saudi Arabia.
Importance: Shedding light on the most prominent political transformations taking place in the Kingdom of Saudi Arabia ˛ and the role of Saudi Arabia in shaping the regional future and the vision of King Mohammed bin Salman and the Saudi political transformations in the Middle East ˛ and their implications, whether on the international level in general or on the regional future represented by the Middle East region, Finally, on the domestic level, as a prelude to reviewing the changes that affected Saudi foreign policy as a response to these local, international and regional challenges.
Results and Analysis: Saudi Arabia today is a country looking to the future to be an active member in making transformations in a Middle Eastern region looking to change the historical models and stories of the past that have colored the Middle East since the end of World War II, and because Saudi Arabia is the most qualified in this region, especially after the passage of the region With all these fierce storms that afflicted the Middle East region, the latest of which was the Arab revolutions, the situation necessitated the creation of a new political concept that reshapes interest and searches boldly for those black holes that were consuming Saudi generosity and swallowing what it bounties without reflecting on the reality for which it was granted. Whether it is money or political or cultural initiatives, in a precise sense, the Saudi approach coming from this land must be built for it in healthy and correct ways in order for it to bear fruit.
In conclusion, in the midst of trying to understand the Saudi positions and the great successes in its management of foreign files, we have to evoke the constant and the main focus, which is the deep belief in the capabilities and future of the region, and that it only depends on giving priority to the logic of the state and its stability and investment in its capabilities.
Key Words: Mohammed bin Salman’s policy ˛ political transformations ˛ political relations in the Middle East ˛ political transformations in the Middle East ˛ the role of the Saudi administration in shaping the regional future
1 – المقدمة
بداية عام 2016، أصدرت المملكة العربية السعودية رؤية 2030. والتي هدفت لإحداث تغيير اقتصادي هيكلي وسياسى من خلال تقليل الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص. كما أعلنت التزامها بتحقيق مزيد من الشفافية والمحاسبة ومشاركة المواطن، وإتاحة مزيد من المساحات الاقتصادية والاجتماعية. وقد تبع إصدار الرؤية تنفيذ المملكة لعدد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، التي أدت لتحقيق انفتاح نسبي في المجال العام، ومنحت المرأة عددًا من الحقوق.
وفي الوقت نفسه، فإن المملكة تعاني من عدة مشكلات سياسية اقليمية ، أهمها الصراعات المستمرة داخل الأسرة المالكة حول السلطة، وتعامل النظام مع المعارضين والداعين لتغيير في شكل النظام السياسي ، وازدياد المعارضة داخل البلاد وخارجها, وفي ضوء ذلك تحاول الورقة البحثية تسليط الضوء على دور السعودية فى تشكيل المستقبل الاقليمي ورؤية الأمير محمد بن سلمان والتحولات السياسية السعودية فى الشرق الاوسط وما تبعها من إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية على التحول الديمقراطي في السعودية، باعتبار أن رؤية 2030 هي خطة تهدف للتغيير الهيكلي ، وإتاحة مزيد من المساحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتي قد ينتج عنها على المدى البعيد إعادة تشكيل النظام السياسي .
وظلت السعودية قلب العالم الإسلامي والعربي منذ نشأتها، لكنها اليوم تدشن مشروعاً ضخماً يتمثل في إعادة موضعة (repositioning) لموقعها على الخريطة السياسية الإقليمية لاعباً أساسياً ورئيسياً في الشرق الأوسط، وبشكل لا يعتمد إلا على لغة الأرقام والواقع والقدرة على مقاربة أعقد الملفات السياسية والمناطق الوعرة بسلاسة كبيرة، ومن هنا يمكن أن نفهم هذه الحالة المرتبكة التي يقف عليها المستهدفون لنجاحات المملكة، وما يتبع ذلك من لغط وأوهام تعكس عدم الفهم للثابت والمتحول ومرتكزات السياسة السعودية، لكن والحق يقال تقابل ذلك تحولات كبيرة في تلقي تلك النجاحات حتى من الصحافة الغربية ومراكز الأبحاث التي لم تقف فقط عن الإشادة بالتحولات الضخمة لمشروع الرؤية وتأثيره على المجتمع السعودي خلال أقل من خمس سنوات، فاليوم أيضاً يتحدثون بوضوح عن سعودية جديدة على مستوى السياسة والاستقرار والسيادة وقدرتها الفائقة على تحريك المياه السياسية الراكدة، ومنها التحركات الأخيرة لملفات ظلت عالقة في منطقة الشرق الأوسط من سوريا إلى اليمن، الى فلسطين قضية العرب الأولى وتغليب منطق الدولة العاقلة على ما عداه.
2 – مشكلة الدراسة
إن أحد التساؤلات المثارة في الأدبيات المعنية بالإقليم تلك التي تخص أثر التغير والاستمرار في السياسة الخارجية السعودية تجاة منطقة الشرق الاوسط ، في المرحلة الراهنة والمستقبلية، بعد تولي الأمير محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد السعودي. فقد تزامنت التغييرات الداخلية في المملكة مع الاضطرابات الإقليمية، لاسيما مع الدفع بقيادات جديدة لا تتردد في خوض أية مواجهات خارج حدودها الوطنية. فالسياسة الخارجية السعودية تتغير بتغير قيادتها السياسية، حيث إن إدراك النخبة السياسية لمصادر التهديد يختلف من نخبة إلى أخرى.
3 – أهداف الدراسة
تهدف الورقة البحثية إلى إلقاء الضوء على ابرز التحولات السياسية التي تشهدها المملكة العربية السعودية ˛ ودور السعودية فى تشكيل المستقبل الاقليمى ورؤية الملك محمد بن سلمان والتحولات السياسية السعودية فى الشرق الاوسط ˛ والآثار التي ترتبت عليها سواء على المستوى الدولي عموما ً أو على المستقبل الإقليمي المتمثل بمنطقة الشرق الأوسط، وأخيرا على الصعيد الداخلي تمهيداً لاستعراض التغيرات التي أصابت السياسة الخارجية السعودية كاستجابة لهذه التحديات المحلية والدولية والإقليمية. وقد كان هذا التغير في السياسة الخارجية نتيجة لعدة أسباب وأبعاد :
1 – بعد أمني داخلي : ويتمثل ذلك في المحاولات التي تقوم بها أمريكا من أجل احداث تغيير في طريقة إدارة النظام السياسي، كما أنها تسعى الى أحداث تغيير في النظام الإجتماعي.
2 – بعد أمني خارجي : ويتمثل ذلك في أن منطقة الشرق الأوسط أصبحت مسرحا للاضطراب اوعدم الإستقرار، فمن الحرب على افغانستان الى احتلال العراق واخيرا التهديد بضرب ايران مروربأهم وأعقد الملفات الساخنة وهو الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي يتمثل في اطول احتلال وبؤرة توتر دائم قد تنفجر في أي لحظة في حال لم يتم الوصول الى سلام عادل وحصول الفلسطينيين على دولة مستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية .
3 – بعد إقتصادي : كان لزاما على المملكة أن يكون لديها أكثر من شريك اقتصادي حتى تتخلص من عبْ الشراكة مع أمريكا ، لذا فقد كانت فكرة تنويع الشراكات هي الإستراتجية التي ستقوم عليها السياسة الخارجية السعودية.
4 – بعد سياسي : يتمثل في البحث عن قوى دولية اخرى بالإضافة الى امريكا كشركاء يدعمون السعودية في المحافل الدولية ولدى الراي العام العالمي.
5 – بعد عسكري : خلال تنويع الشراكات العسكرية تستطيع المملكة أن تناور وتتفاوض من منطق القوة لشراء الأسلحة والمستلزمات العسكرية والتدريب .
4 – أهمية الدراسة
تنقسم اهمية الدراسة الى جزئين رئيسيين :
أولاً: الأهمية النظرية :
تنبع أهمية الدراسة النظرية من تركيزها على العلاقة بين تشكيل المستقبل الاقليمى للمملكة والتحولات السياسية وما نتج عنها من إصلاحات ، وبين التحول السياسي للمملكة. فقد تناولت الأدبيات المملكة العربية السعودية من عدة مداخل؛ فتذهب بعض الأدبيات لتناول المملكة في سياق منطقة الخليج العربي وتطرح تساؤلات عن السلطوية والتحول نحو الديمقراطية، والسياسات الاقتصادية، والتغيرات الاجتماعية والثقافية.
ثانياً: الأهمية التطبيقية :
ان أهمية هذا البحث بتحديد أهم ملامح السياسة الخارجية السعودية في مرحلة معينة على تشكيل المستقبل السياسي فى منطقة الشرق الاوسط ، ومناقشة الأسس والثوابت التي استندت عليها السياسة السعودية في تعاملها مع تداعيات هذه الأحداث والتحولات الدولية الناجمة عنها فى الشرق الاوسط ، إضافة بالطبع للتهديدات المبطنة للمملكة العربية السعودية سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو العسكري وأخيرا تحديد التغيرات السياسية فى الشرق الاوسط التي شهدتها المملكة.
ان الطريقة التي تقدم بها السعودية العون والمساعدات الإنمائية، فقد اعتدنا أن نقدم المنح والودائع المباشرة دون قيود ونحن نغير ذلك الآن”، هذا النهج الاستراتيجي شكل منعطفا مهما للسياسة السعودية الخارجية، فالرسالة الحيوية تقول إن الأهم هو رؤية انعكاس حقيقي لرؤية السعودية يترك بصمته على سياساتها الخارجية، ولذلك يجب أن يفهم ذلك ككونه مساراً طبيعيا لفكرة التطور الشامل وليس المختزل بعيدا عن التفسيرات الناقصة حول مقومات الاستراتيجية السعودية القادمة وفضائها الجيوسياسي ودورها الفعلي كدولة لديها القدرة على قيادة المنطقة بشكل فعلي وتشاركية متزنة لخدمة المنطقة الشرق أوسطية .
الدول تتطور وتتحول والكثير لن يتقبل ببساطة أن تقود السعودية المنطقة بمنهجية تطورية متقدمة تتجاوز الكثير من القيم المعتادة عن دول الشرق الأوسط، السعودية تمتلك الحق المكتسب لها عندما تصيغ نموذجها الجيوسياسي وفقا لإمكاناتها فهي ذات تأثير جغرافي صنعه موقعها بين ثلاث قارات، ثانيا هي الدولة الإسلامية الأكثر أهمية بين دول العالم الإسلامي، ثالثا هي الدولة ذات الاقتصاد المتطور وتمتلك قيادة سياسات الطاقة في العالم ولديها مسؤولية إبقاء أسعار الطاقة دوليا في ميزان مقبول، رابعا هي عضو فاعل في مجموعة العشرين؛ الاقتصادات الأكبر في العالم.
5 – اسئلة الدراسة :
وينطلق هذا البحث من تساؤل رئيسي مفاده ” هل يندرج التحول في السياسة الخارجية السعودية في إطار ردود الفعل تجاه السياسة الأمريكية في المنطقة، أم أن هذا التحول هو نتاج طبيعي لتطور دور المملكة على المستويين الإقليمي والدولي والشرق اوسطى ونضج مؤسسات السياسة الخارجية السعودية وادارك أهمية وضرورة دور السعودية فى تشكيل المستقبل الاقليمى ورؤية ولي العهد محمد بن سلمان والتحولات السياسية السعودية فى الشرق الاوسط .
يتفرع عن هذه السؤال مجموعة من التساؤلات الفرعية هي:
أولاً : ما أبرز التحولات التي شهدتها السياسة الدولية ، وما هي أسباب هذه التحولات السياسية فى الاقليم؟
ثانياً : كيف انعكست هذه التحولات الدولية على سياسات القوى الإقليمية وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط؟
ثالثاً: ما هي أسس وثوابت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية؟
رابعاً: ما أثر التحولات على العلاقات السعودية الأميركية؟
خامساً: ما أهم ملامح التحول في السياسة الخارجية السعودية ؟
سادسا: ما أهم مواقف ومبادرات المملكة العربية السعودية في سعيها نحو تعزيز موقعها السياسي على المستويين الإقليمي والدولي؟ وقد تم الاجابة عنهم فى الاطار النظري والمفاهيمي.
6 – فروض الدراسة
تفترض الدراسة أن الإصلاحات السياسية التي نفذها ولي العهد محمد بن سلمان هي إصلاحات شكلية، تحاول السلطة من خلالها التكيف مع المتغيرات الداخلية والخارجية، وتهدف للحفاظ على استقرار واستمرار النظام وتركزه في يد الملك سلمان وولي عهده .
وأيضا تستخدم الورقة البحثية المنهج الوصفي التحليلي من أجل فهم تأثير رؤية 2030 على الواقع الاقليمي ومستقبل التحول السياسي في المملكة للشرق الاوسط .
وتتطرق الدراسة لتعريف التحول السياسي للملكة فى عهد الملك سلمان . ثم تنتقل بعد ذلك لتسليط الضوء على الدولة ودوائر النفوذ في النظام السياسي السعودي، وأخيرًا تناقش الورقة تأثير رؤية 2030 على التحول السياسي في المملكة والمستقبل الاقليمي.
7 – الإطار النظري والمفاهيمي
ينقسم الاطار النظري والمفاهيمي الى عدة محاور˛ حيث يتناول المبحث الاول (السعودية والدور الاقليمى فى الشرق الاوسط ودورها فى التطبيع مع اسرائيل)˛ بينما يتناول المبحث الثانى (ملامح التوجهات في السياسة الخارجية السعودية)˛ فى حين يتناول المبحث الثالث (التحولات السياسية على الصعيد الإقليمي) ˛ وايضا فقد تطرق المبحث الرابع الى (العلاقات السعودية مع دول المحيط الإقليمي) ˛ واخيرا ظهر المبحث الخامس بتوضيح (الشراكات السياسية الجديدة).
المبحث الاول
( السعودية والدور الاقليمى فى الشرق الاوسط ودورها فى التطبيع مع اسرائيل )
من الطبيعي أن تسيطر الشكوك على النخب السياسية العربية فيما يخص السعودية، فقد اعتادت صورة واحدة لسياسات المملكة التي قاربت مئويتها الأولى. فقد أثارت السياسات السعودية، الداخلية والخارجية، خلال السنوات الأربع الأخيرة موجة من التساؤلات المحيرة لمن اعتاد نمطاً محدداً لسياساتها لعقود ثمانية، ما دفع إلى سيطرة الشكوك على أهدافها السياسية الحقيقية، وخصوصاً ما يتعلق بطبيعة الدور الذي تسعى له ومستقبل التطبيع مع الكيان الصهيوني. ومن الطبيعي أن تسيطر الشكوك على النخب السياسية العربية، فقد اعتادت صورة واحدة لسياسات المملكة التي قاربت مئويتها الأولى، ولا تغادرها صور متتابعة، وخصوصاً أن مجمل تاريخها يؤكد ناحية واحدة، باعتبارها جزءاً من المشروع الغربي بشكل عام .
أولا : سيطر هذا الاتفاق على مجمل السياسات السعودية في كيفية تعاملها مع مجمل الملفات الداخلية والإقليمية والدولية التي تصب في خدمة المصالح الأميركية أولاً وآخراً، بما في ذلك القضية الفلسطينية التي تمثل أهم مسألة وجدانية وحقوقية لدى العرب والمسلمين، إضافةً إلى كل قوى التحرر من الهيمنة الغربية في العالم، فلم تكن من الناحية الفعلية تتبناها، بل حاولت من الناحية الفعلية أن تقلصها .
ساهمت مجموعة من العوامل في بدء إعادة تشكيل الرؤية السياسية للمملكة فى عهد الملك سلمان، وهي التي كان تبادلها التجاري مع الصين يتجاوز أي شريك آخر، ولم يعد نفطها يهم الولايات المتحدة إلا في حال اندلاع الحرب مع الصين بقطع موارد النفط الخليجية، فكان أن تشكل العامل الأول، بالمقارنة بين تعامل الشريك التجاري السابق المعتمد على الابتزاز والهيمنة والتنصل من الاتفاقيات، والشريك التجاري الحالي الذي يعتمد على مبدأ المصالح المشتركة وعدم التدخل في السياسات الداخلية والخارجية للدول .
ثانيا : كان اكتشاف السعودية أن العلاقة مع “إسرائيل” لن تؤمن الحماية لها، بل إن غايتها هي إيجاد دول بديلة من الولايات المتحدة يمكن أن تقوم بدور الدفاع عنها، بتحويل المواجهة مع إيران إلى الساحة الخليجية، بديلاً من ساحة فلسطين. وقد أدى رحيل رئيس الوزراء نفتالي بينيت وفوز اليمين الديني المتشدد، بقيادة بنيامين نتنياهو، دوراً محرجاً ومهماً في إعادة التفكير في الاعتراف الرسمي “بإسرائيل”.
ثالثا : يتعلق الامر بالعلاقة مع روسيا، التي منحت المملكة إشعاراً بوجود شريك مُطَمئن يمكنها الاعتماد عليه، ما دفع العلاقة بين الطرفين إلى تحالف نفطي مختلف ضمن إطار “أوبيك بلس”، الذي يتيح للطرفين التحكم في أسعار النفط بما يخدم مصالح بلديهما، ويمنع الولايات المتحدة من ابتزاز السعودية على حساب مصالحها، والتجارب في هذا المجال كثيرة.
رابعا : هو وضوح معالم جديدة على مستوى الصراع الدولي، وتراجع الولايات المتحدة عن مكانتها المهيمنة المطلقة، وبقاؤها قوة أكبر في مقابل قوى كبرى جديدة تخوض صراعاً معها على المستوى الاقتصادي والعسكري، بما يؤكد أن موعد ولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب والسياسات والثقافات قد اقترب.
خامسا : اكتشفته من خلال حربها في اليمن، التي كانت تعتبرها جزءاً من صراعها مع إيران، ليتبين لها بعد العجز عن القضاء على تجربة أنصار الله أن استمرار الصراع في اليمن أو مع إيران يمكن أن يشكل تهديداً لمستقبلها .
هذه العوامل مجتمعةً أتاحت للمملكة إعادة النظر في توجهاتها السياسية فى عهد الملك سلمان ، وخصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا، فاكتشفت هامشاً كبيراً للحركة، بما يمنحها دوراً كبيراً على مستوى العالم العربي، والشرق اوسطي وهي صاحبة مساحة هائلة وثروات باطنية لا تحصى، وذات بنية سكانية تجاوزت 32 مليون نسمة، فاندفعت للمصالحة مع إيران من البوابة الصينية، وتعزيز تحالفها مع روسيا، بإفشالها للعقوبات الأميركية على مستوى أسعار النفط، ثم انفتاحها على سوريا ونجاحها في إعادتها إلى الجامعة العربية، والبحث عن تسوية سياسية مقبولة في اليمن، واعترافها بقوة أنصار الله كرقم صعب تجاوزه.
هذا التحول السعودي منح المملكة دوراً جديداً ومختلفاً عن العقود الثمانية الماضية فى الشرق الاوسط ، فقد أدركت ضرورة خروج منطقة غرب آسيا من منطق ساحة الصراع، والتحول نحو بناء نظام إقليمي جديد بالشراكة مع تركيا وإيران، اللتين سبقتاها بأشواط في ذلك.
وعلى الرغم من عدم وجود خلفية عقائدية لرفض الاعتراف، فإن مكتسبات الدور الجديد للمملكة وإمكانية توسعه في المستقبل، وخصوصاً بعدما أصبحت القاطرة التي يعول عليها العرب كبيرة، كما أن هذا الدور الجدي يتناقض مع الدور الوظيفي للكيان الصهيوني الذي لا يسمح ببروز أي قوة إقليمية تتجاوزه، مهما كانت، وهذا ما أفاد السعوديين الذين واجهوا الضغوط الأميركية للتطبيع بشروط 3 أساسية ترفضها قطعياً “تل أبيب”، وهي تزويد السعودية بالأسلحة الأكثر تطوراً، وهذا خرق للتفوق الإسرائيلي، والثاني بناء مفاعل نووي سلمي، وهو مرفوض خشية تحوله إلى مشروع عسكري، والثالث هو حل القضية الفلسطينية وفقاً لمبدأ “حل الدولتين”، الذي ردّ عليه نتنياهو بضرورة إزالة التفكير بهذا المبدأ .
وعلى الرغم من أرجحية اختيار المملكة الدور الجديد على حساب التطبيع، فإن هذا الدور، إذا ما اختارته، لن يكتمل إلا بتبني القضية الفلسطينية بشكل كامل، ودعم المقاومة الفلسطينية بكل الأشكال، فلا دور ولا استقرار لأي دولة، أو للمنطقة عموماً، إلا بزوال هذا الكيان الغريب عن نسيج المنطقة.
فالسعودية تواجه تحديات داخلية وخارجية، أمنية وسياسية، أثرت فى التوجهات الحاكمة للسياسة الخارجية في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، إذ إن التهديدات الإقليمية الواسعة التي بدأت تطول المملكة، قد جعلت مسألة الفصل بين ما هو داخلي وخارجي غير واقعية من الناحية العملية.
ويبدو أن السياسة الخارجية السعودية سوف تستمر على نفس المنوال الذي سارت عليه، خلال العامين الماضيين، لاسيما أن ولي العهد محمد بن سلمان هو المهندس الرئيسي للسياسة الخارجية السعودية، سواء تجاه ملفات خارجية (إقليمية ودولية) أو فاعلين خارجيين (دول أو تنظيمات إرهابية أو ميليشيات مسلحة أو أفراد).
المبحث الثاني
ملامح التوجهات في السياسة الخارجية السعودية
تجدر الإشارة إلى أن أبرز ملامح التوجهات في السياسة الخارجية السعودية، بعد شغل ولي العهد محمد بن سلمان منصب ولاية العهد، سوف تتمثل في:
1- التصدي لتمدد النفوذ الإيراني في الإقليم، إذ تعد طهران مصدر التهديد الرئيسي لأمن السعودية، وفقا لرؤية ولي العهد محمد بن سلمان، على نحو ما تعكسه الحرب الباردة الجديدة بين الرياض وطهران، حيث تعتمد الأخيرة على “الوكلاء” عبر أذرعها المتمثلة في الجماعات المسلحة المنتشرة في بقع جغرافية مختلفة، بل وسيطرتها على هياكل صنع القرار في عدة عواصم عربية، بما أدى إلى إيجاد معادلة إقليمية جديدة تتجاوز مفهوم الهلال الشيعي القديم إلى محور سياسي يمتد من إيران، مرورا بالعراق ودمشق، وصولا إلى اليمن.
هذا المحور سوف يرتبط بمنظومة سياسية واقتصادية وعسكرية واحدة، مما يعني تحقيق المشروع الإيراني الساعي للهيمنة على المنطقة، وهو ما لا ترغب المملكة في تحقيقه، لأن الصعود في الدور الإقليمي لطهران مرهون بالتراجع في النفوذ الإقليمي للرياض. ومن هنا، تضع السعودية أولوية تشكيل تحالف من دول يجمعها مواجهة السياسات الإيرانية المزعزعة للأمن والاستقرار في الإقليم.
2- مواجهة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، إذ إن البلاد تعرضت، خلال الفترة الماضية، لعمليات إرهاب متقطعة من جانب تنظيم “داعش” ضد قوات الأمن والشيعة لإثارة الفتنة الداخلية وإشعال المواجهات المذهبية، وبصفة خاصة في بعض مناطق الاشتعال، على نحو ما يبرز جليا في المنطقة الشرقية، وربما تشهد الفترة المقبلة تصاعد في عمليات تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن، وتأثيراتها الانتشارية إلى الداخل السعودي وتعدد جبهات مواجهة التنظيمات المسلحة .
ويأتي ذلك التهديد لأمن واستقرار المملكة، نظرا لعدم قدرة أجهزة دول الجوار على ضبط الحدود الرخوة، فضلا عن اللامركزية في إدارة الحدود، بعد تعدد الفواعل المسلحة العنيفة من غير الدول. وشهدت هياكل الجماعات الإرهابية الجديدة تغيرا كبيراً، فلم تعد تلك الجماعات سرية ومحدودة العدد كما كانت من قبل، بل أضحت “شبه جيوش كبيرة” العدد، والمتركزة فى مناطق بعينها، مما جعل دولة مثل السعودية مهددة أمنيا، لاسيما بعد التماهي بين التنظيمات الإرهابية من جانب، والعصابات الإجرامية فى تسهيل تمويل خزانات الإرهاب، من جانب آخر.
3- استمرار محاربة الميليشيات المسلحة في الفناء الخلفي للمملكة، إذ برز تهديد التنظيمات المسلحة في اليمن، وخاصة ذات الطابع المذهبي والطائفي وتحديدا جماعة أنصار الله الحوثية التي تنتمي للشيعة الزيدية المدعومة من إيران، ويتوقع أن تتزايد عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية لاستعادة الشرعية، لاسيما أن ولي العهد محمد بن سلمان يعد المهندس الفعلي لحرب اليمن أو ما يعرف بعاصفة الحزم، منذ تدشينها في 26 مارس 2015.
وعلى الرغم من نجاح قوات التحالف في إضعاف البنية التسليحية الثقيلة للحوثيين وقوات صالح، فإن الأخيرة لديها قدرة على إيذاء السعودية، خاصة في جازان ونجران، بل يتم الهجوم على قوات التحالف في المناطق المحررة، فضلا عن صعوبة تحرير ميناء الحديدة من القبضة الحوثية، وهو ما يشير إلى أن إطالة المدى الزمني للحرب في اليمن دون استراتيجية واضحة أو حتى خطة خروج سوف يؤدي إلى ارتفاع التكلفة في الأرواح والأموال، بخلاف الأزمة الإنسانية التي ألمت بقطاعات واسعة من المجتمع اليمني.
ولا يحتمل أن تنسحب السعودية من فعاليات تلك الحرب، خاصة في ظل غياب حلول أو مبادرات سياسية يقبل بها قوات الحوثيين. فاليمن تواجه حالة من الفوضى، وليس مجرد فراغ في السلطة، وهو ما ينعكس تباعا على أمن السعودية.. بعبارة أخرى، تعد حرب اليمن اختبارا حقيقيا للوضع الأمني والعسكري في عهد ولي العهد محمد بن سلمان، لاسيما أنه يشغل منصب وزير الدفاع، إذ إن لها علاقة باستقرار المناطق الحدودية من جانب، وتنطوي على بعد طائفي سني- شيعي من جانب آخر. كما تشكل ساحة لصراع النفوذ والمكانة بين الرياض وطهران من ناحية ثالثة وأخيرة .
4- تخفيض منسوب الاشتباك على الساحة السورية، ربما تكون أحد ملامح التغير النسبي في السياسة الخارجية السعودية والدفاعية التقليل من مساحة الاشتباك على الساحة السورية، وتجنب دعم بعض التنظيمات التي عليها علامات استفهام بشأن تصنيفها كجماعة إرهابية، واللغط الذي تثيره الدوحة بشأن السياسات السعودية الداعمة لبعض تلك التنظيمات، وكذلك رؤية الرياض حيال توجه واشنطن بأن صار معارضا لبقاء الأسد، بحيث وجهت إدارة ترامب ضربتين عسكريتين لأهداف مباشرة لقوات الأسد.
كما أن واشنطن تدعم وجود قوات سوريا الديمقراطية (المزيج من قوات عربية وكردية) في المناطق الفارغة بعد سيطرة داعش عليها، بما يحقق هدفين يصبان في مصلحة السياسات السعودية: أولهما، عدم استحواذ قوات الأسد على تلك المساحات الجغرافية مرة أخرى بما لا يؤدي إلى تعزيز وجوده الميداني، ويصب في اتجاه دعم الدورين الإيراني والروسي، وهو على العكس من نهج إدارة أوباما، خاصة في العامين الأخيرين لها. وثانيهما، أن النهج الأمريكي يشير إلى تباين مع أنقرة فيما يخص دعم الأكراد الذين تعتبرهم حكومة أردوغان جماعة إرهابية، وهو ما تستغله الرياض، لاسيما في ظل توتر آخذ في التصاعد، على خلفية موقف أنقرة الداعم للدوحة بعد قرار ثلاث دول خليجية قطع العلاقات معها .
5- تدعيم أركان التحالف الرباعي (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر) في مواجهة قطر، لاسيما بعد قرار قطع العلاقات الدبلوماسية، وإدارة مواجهة مكشوفة مع الدوحة، في ظل التوافقات المشتركة بين الدول الأربع، على خلفية قيامها بدعم وتمويل وتوفير ملاذات آمنة للتنظيمات الإرهابية، والتدخل في الشئون الداخلية لدول الإقليم عبر دعم المعارضة المسلحة، والتحريض الإعلامي على النظم الحاكمة في تلك الدول.
فثمة إدراك نسبي للنخبة السعودية الراهنة، التي يمثلها ولي العهد محمد بن سلمان، لأهمية التصرف على أنه ائتلاف موحد لأن الدوحة تراهن على إحداث تفكيك لهذا التحالف، وخاصة التباعد بين الرياض والعواصم العربية الأخرى، على نحو ما فعلته في الأعوام الماضية، الأمر الذي يتعين إجراء تشاورات وتفاهمات منتظمة حتى تكون التحركات مشتركة، ويكون تضييق الخناق على الدوحة مشترك. ويعزز من ذلك احتمال تزايد تقوية العلاقات المصرية – السعودية – الإمارات خاصة إزاء الأزمة القطرية تبلور موقف أنقرة المنحاز للدوحة. أضف لذلك، إقرار مجلس النواب المصري بسعودية جزيرتي تيران وصنافير، لاسيما أن توجه الرياض بترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية مرهون بتحركات ولي العهد محمد بن سلمان ويعزز من شرعيته في الداخل.
ما يدعم هذا التوقع لمسارات تصالحية في العلاقات بين القاهرة والرياض تأكيد ولي العهد محمد بن سلمان في مقابلة له مع قناة الإخبارية السعودية في مطلع مايو الماضي أنه “لم يصدر موقف سلبي من الحكومة المصرية تجاه السعودية، ولم يصدر موقف واحد سلبي من الحكومة السعودية تجاه مصر. ولم تتأخر مصر عن السعودية ولا لحظة ولن تتأخر عن مصر أي لحظة، هذا اقتناع راسخ ليس لدى حكومة البلدين فحسب، بل لدى شعب الدولتين أيضا”.
وفيما يتعلق بقضية ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، قال ولي العهد محمد بن سلمان”ليس هناك مشكلة أصلا حول الجزر.. الذي حدث قبل سنة تقريبا هو فقط ترسيم الحدود البحرية.. والجزر مسجلة لدى مصر بأنها جزر سعودية، ومسجلة أيضا في المراكز الدولية بأنها جزر سعودية، وكل ما تم في العام الماضي هو ترسيم حدود بحرية، ولم يتم تنازل مصر عن أي شبر من أراضيها، أو يتم تنازل السعودية عن شبر من أراضيها. وترسيم الحدود جاء لأسباب المنافع الاقتصادية التي يمكن أن تنتج بعد ترسيم هذه الحدود، وعلى رأسها جسر الملك سلمان، أو إمدادات النفط، أو الغاز، أو الطاقة، أو الطرق”.
6- توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد سنوات من اهتزازها خلال إدارة أوباما، حيث كانت الرياض تعتبر واشنطن حليفا غير مستقر. ويهدف ولي العهد محمد بن سلمان إلى استعادة العلاقة الاستراتيجية مع القوى المركزية الدولية، وتقوية الاستثمارات المتبادلة والصفقات الاستثمارية والدفاعية، بما يؤدي إلى إعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية وتقوية التحالفات بين البلدين، في ظل إدارة ترامب على نحو يقود إلى مواجهة التهديدات الرئيسية ، وخاصة التصدى لسياسات إيران المزعزعة للاستقرار الإقليمي، وهزيمة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود (تنظيما الدولة الإسلامية في العراق والشام، والقاعدة في شبه الجزيرة العربية). فضلا عن رؤية بن سلمان لتعميق التعاون المشترك مع إدارة ترامب فيما يخص تسوية أزمتي سوريا واليمن، على نحو يطوي التوترات المعلنة بين الرياض وواشنطن خلال إدارة أوباما، وخاصة بعد تمرير الكونجرس في العام الماضي قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الذي يخول الأمريكيين مقاضاة الحكومة السعودية لدعمها “المزعوم” للإرهاب، وتحويل هذا القانون، في ظل قيادة بن سلمان، إلى “مسدس بدون رصاص”. وتجدر الإشارة إلى حصول ولي العهد محمد بن سلمان على دعم واشنطن في زيارته الأخيرة في مارس الماضي لتوليه ولاية العهد في المملكة، خاصة أن الأمير محمد بن نايف كان يعرف بصلاته الوثيقة مع مؤسسات الأمن والاستخبارات في الولايات المتحدة، لاسيما في إطار مكافحة الإرهاب، ويبدو أن واشنطن غيرت وجهتها نحو بن سلمان، لاسيما مع صفقات تسليح الجيش السعودي، التي تعرف بأنها “صفقة القرن”.
7- تعزيز المصالح المشتركة مع روسيا، حيث تشهد المرحلة الحالية إعادة تموضع السياسة الخارجية السعودية. وثمة أهداف رئيسية، على نحو ما عكستها زيارة ولي العهد محمد بن سلمان لموسكو، في 30 مايو الماضي، والتي تتمثل في تنويع التحركات الاستراتيجية الخارجية السعودية، والرهان على الدور الروسي في التعامل مع الأزمات الإقليمية، وخاصة الأزمة السورية رغم الخلاف في جزئية بقاء الأسد، والحد من نفوذ السياسة الإيرانية، وتعميق التعاون الاستخباراتي لمواجهة التنظيمات الإرهابية، والتوازن في سوق الطاقة العالمية، وتطوير القدرات النووية السعودية، وتقوية شبكة المصالح الاقتصادية المشتركة .
فالتحركات التي تشهدها جغرافيا الصراع في الإقليم، واستقرار أسعار النفط في العالم، وتحالفات القوى الإقليمية مع واشنطن تفرض على الرياض وموسكو التعايش على قاعدة خلاف. ويبدو أن هناك ترتيبات بأن يزور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز موسكو في وقت لاحق من هذا العام، بناء على دعوة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لاسيما في ظل إدراك روسي بأن ثمة تحولات يشهدها الإقليم بعد إعادة تأطير العلاقات الأمريكية – السعودية، بل والعلاقات الأمريكية- الخليجية بعد زيارة ترامب للسعودية كأول محطة في جولته الخارجية.
المبحث الثالث
التحولات السياسية على الصعيد الإقليمي
قبـل الخـوض بتفاصـيل الـدور السياسى السـعودي علـى الصـعيد الإقليمـي، تجـدر الإشـارة إلـى أن أهميـة هـذا الدور ينبع من اعتبارين يتعلق أولهما بالوزن السـعودي فـي الخلـيج، ويـرتبط ثانيهمـا بأهميـة الخلـيج بالنسـبة لأمن المملكة العربية السعودية بصفة عامـة. فالسـعودية تسـتمد أهميتهـا علـى الصـعيد الإقليمـي فـي الخلـيج مـن عـدة اعتبـارات، أهمهـا أن السـواحل السـعودية فـي الخلـيج تشـكل حـوالي (30%) مـن إجمـالي سـواحل الخلـيج، وهـي بـذلك ثالـث دولـة خليجيـة مـن حيـث طـول سـواحلها الخليجيـة بعـد إيـران ˛والإمـارات ˛كذلك فـإن المملكـة العربيـة السـعودية تعتبـر قـوة اقتصـادية – عسـكرية هامـة فـي منطقـة الخلـيج ،فـإذا مـا قارنـا المقـدرات السـعودية بإجمـالي مقـدرات الـدول الثمـاني المطلـة علـى الخلـيج، وهـي دول مجلـس التعاون الخليجي وايران والعراق، نجد أن المملكة العربية السعودية هى اكبر دولـة خليجيـة مـن حيـث المسـاحة. كمـا تعتبـر المملكـة العربيـة السـعودية ثالـث دولـة خليجية من حيث عدد السكان بعـد إيـران والعـراق ˛ أمـا مـن حيـث النـاتج القـومي الإجمـالي ، فتـأتي السـعودية فـي المقدمـة،
كما أن المملكة العربية السعودية تأتي في مقدمة الدول المطلة على الخليج من حيث حجـم النـاتج النفطـي وحجـم الاحتيـاطي النفطـي ،
أما من حيث المقدرة العسكرية ، فيمكن اعتبار المملكة العربية السعودية القوة العسكرية الثانية في النظام الإقليمي الخليجي حاليا بعـد إيـران، وهـي تحتـل هـذه المرتبـة بعـد خـروج العـراق مـن ميـزان القـوى فـي الخلـيج إثـر سـقوطه واحتلالـه مـن قبـل الولايـات المتحـدة .
بالإضـافة الـى أن أمـن الخلـيج ذا أهميـة مميـزة للسـعودية، إضـافة إلـى أن التهديـد لأمـن المملكة يظهر بشكل أكبر من الدول المطلة على الخليج العربي ، بخـلاف السـواحل السـعودية علـى البحـر الأحمر التي تخلو من النفط ، وكذلك نجد أن التهديدات على ساحل البحر الأحمر ليست دائمة كالقرصنة أو أنها لا تظهر على السطح بشكل مباشر مثل الصراع مع اسرائيل.
ويتناول هـذه المبحـث مناقشـة الـدور السـعودي فـي منطقـة الخلـيج وفـي منطقـة الشـرق الأوسـط عموما من خلال تحديد الرؤى التي يمتلكها صانع القرار السعودي لأمن الخليج والمتغيرات التي تحكم هذه الرؤيـة وصـياغتها خـلال المراحـل المختلفـة ، مـع التركيـز علـى التطـور الـذي أصـاب رؤيـة صـانع القـرار السـعودي كاسـتجابة للمتغيـرات الإقليميـة والدوليـة التـي أثـرت علـى الخلـيج وأمنـه خـلال السـنوات الأخيـرة والقضايا المتعلقة بدور دول المحيط الإقليمي وهي إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين .
دور المملكة على الصعيد الإقليمي
اولا : الحرب على أفغانستان
كانـت المملكـة العربيـة السـعودية فـي موقـف صـعب إبـان إعـلان الولايـات المتحـدة عـن نيتهـا فـي الهجوم علـى أفغانسـتان، حيـث تعـين علـى هـذا البلـد –مهـد الإسـلام- أن يتخـذ موقفـا دقيقـا يتضـمن الحفـاظ علـى علاقاتـه الوثيقـة مـع الولايـات المتحـدة التـي تهـاجم أفغانسـتان ، بـدون إثـارة غضـب شـعبها أو الزعامـة الدينيـة فيهـا، غيـر أن المملكـة اسـتطاعت بلـورة موقـف يتوافـق مـع سياسـتها الخارجيـة التـي لا تهتـز ثوابتهـا مطلقا ، فلم تقدم أي تسهيلات أو قواعد عسكرية بشكل مباشر للولايات المتحدة فـي حربهـا ضـد أفغانسـتان ،كما رفضت قتل الأبرياء والتجني على الشعب الأفغاني، إلا أنها أكدت وقوفها بجانب الولايات ˛ وكانـت المملكـة العربيـة السـعودية الأكثـر اسـتهدافا مـن بـين الـدول العربيـة والإسـلامية بالحملـة الأمريكية والغربية التي اتهمت الإسلام بالإرهاب، وفي المقابل كانت الأكثر حرصا على تبرئة الإسلام منهذه التهمة، وكان ذلك بسبب كون المملكة معقل الإسـلام وقبلتـه فـي العـالم بمـا تضـمه مـن مقدسـات إسـلامية، الأمـر الـذي ألقـى علـى عاتقهـا مهمـة الـدفاع عـن الإسـلام باعتبـاره دينـا وحضـارة فـي ظـل الهجمـة التـي تعـرض لهـا فـي أعقـاب الأحـداث ، وقـد ترتـب علـى ذلـك منطقيـا رفضـها الاشـتراك فـي تحـالف دولـي تقـوده واشـنطن لضـرب دولـة إسلامية هي أفغانستان.
ثانيا : الاحتلال الأميركي للعراق وأثره على الدور الإقليمي السعودي:
كانت وتيرة الأحداث بالمنطقة قد تصاعدت بعد عـا م علـى أحـداث سـبتمبر، وتصـاعد معهـا التـوتر بين العراق والولايات المتحدة، واتخذ الرئيس الأمريكي أكثـر الخيـارات تشـددا إزاء المسـألة العراقيـة، وحصـل على تفويض من الكونجرس باستخدام القوة إزاء العراق رغم التزام العراق بقرار مجلس الأمن الخاص بعودة لجان التفتيش بدون شروط عراقية ، وخرجت واشـنطن عـن الإجمـاع الـدولي ورفـض الغالبيـة العظمى من دول العالم والرأي العام العالمي، وذهبت مع بريطانيا إلى إعلان الحرب على العراق واحتلالها ˛ وجاء موقف المملكة مـن هـذا التوجـه الأمريكـي منسـجما مـع الثوابـت السـعودية فـي ضـرورة الحفـاظ على أمن واستقرار المنطقة، ومنع تصاعد التوتر فيها إلى الدرجة التي قد تفجر المنطقة بأكملها ،ومن هنا رفضـت المملكـة العربيـة السـعودية تقـديم دعـم غيـر محـدود للغـزو الأمريكـي للعـراق، فقـد أدركـت القيـادة السعودية منذ زمن بعيد أن بقاءها يتوقف على حسن نوايا الولايات المتحدة، حيث أن العلاقة الاسـتراتيجية التـي تـربط المملكـة بأمريكـا قائمـة علـى الاعتمـاد المتبـادل لتحقيـق المصـالح المشـتركة ، ففـي الوقـت الـذي تلتزم المملكة بتأمين امدادات النفط الى أمريكا لتسيير عجلة الاقتصاد الأمريكي، بالمقابل فإن على أمريكا تـوفير الغطـاء الأمنـي للسـعودية ضـد التهديـدات الإقليميـة والدوليـة، لكـن العلاقـات الأمريكيـة السـعودية شهدت توترات إضافة لرواج تكهنات كثيرة في تلك الفترة بأن الولايـات المتحـدة تسـعى لغـزو العـراق لا لتـأمين مـوارد الـنفط العراقيـة فحسـب، وانمـا مـوارد الـنفط السـعودية أيضـا ، ضـمن خطـة قـد تجعـل السـعودية هـدفا للحـرب. بالإضـافة الـى أن هنـاك توجـه نحـو البحـث عـن موا رد بديلة للنفط يُعتمد عليها لتخفيف العبء الناتج عن تذبذب اسعار النفط .
وعلى ذلك بقيت المملكة خلال أزمة العراق وما بعدها تحاول المزواجة بين إبداء قـدر مـن المرونـة تجاه مطالب الولايات المتحدة حتى تحتفظ معها بأكثر قدر ممكن من التوافق
المبحث الرابع
العلاقات السعودية مع دول المحيط الإقليمي
أولاً : إيران
تعود العلاقات السياسية بين إيران والسعودية وتيدة وقديمة. حيث تزامن تأسيس دولة آل سعود الملكية مع فترة حكم رضا خان في إيران وأقام النظامان الملكيان علاقات حسنة مع بعضـهما الـبعض منـذ البدايـة ، وبلغـت العلاقـات السياسـية السـعودية – الإيرانيـة أقصـى مـدى لهـا بتوقيـع معاهـدة الصـداقة بـين البلـدين فـي طهـران ، وقـد جـاءت هـذه المعاهدة لتحدد أسس إقامة علاقات سياسية ودبلوماسية وتجارية بين البلدين
وبعيـدا عـن التتبـع التـاريخي للتفـاعلات السـعودية الإيرانيـة خـلال الثمانينـات والتسـعينات مـن القـرن العشـرين وخصوصـا بعـد ظهـور التيـار الإصـلاحي فـي إيـران بقيـادة محمـد خـاتمي، فـإن مـا يهمنـا فـي هـذه الدراسـة هـو التحـول فـي السياسـة السـعودية تجـاه إيـران مـع بدايـة القـرن الجديـد، وبالتحديـد بعـد فـوز محمـود أحمـدي نجـاد برئاسـة الجمهوريـة الإسـلامية الإيرانيـة ، حيـث طـرح هـذا التغيـر فـي السياسـة الإيرانيـة أسـئلة كثيـرة وعلامـات اسـتفهام عـدة بشـأن مسـتقبل علاقـات إيـران الخارجيـة مـا بعـد خـاتمي، ذلـك الزعيم الإصلاحي الذي حافظ خلال فترة ولايتـه علـى سياسـة تميـل نحـو المرونـة والاعتـدال وتغليـب منطـق الحوار مع الآخر وهو الأمر الذي ساعد على تطور العلاقات السعودية الإيرانية. إلا أن هناك ثمة توجس من إمكانية حدوث تحولات كبرى خلال فترة ولاية أحمدي نجاد، بما ينعكس على علاقات إيـران مـع الـدول العربيـة، لا سـيما وأن الاعتبـارات الأيديولوجيـة مـازالـت تلعـب دوار فـي تحديـد توجهـات السياسـة الخارجيـة الإيرانيـة بدرجـة لا يمكـن التقليـل منهـا خاصـة عنـد التيـار المحـافظ المتشـدد، وان كانـت تطـوارت الأوضـاع الداخلية في إيران تتطلب الأخذ بمنهاج المصلحة الوطنية بما يشير إلى أن إيران انتقلـت مـن منطـق الثـورة إلـى منطـق الدولـة وأصـبحت طهـران بمقتضـاه أميـل للتصـرف كدولـة طبيعيـة ولـيس كدولـة صـاحبة رسالة .
وحافظت المملكة العربية السعودية على موقف ثابت من الملف النـووي الإيرانـي حيـث أن المملكـة تطالب بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل بما فيها منطقة الخليج ، وان المملكـة تؤيد المفاوضات الجارية بين دول الترويكا الأوروبية (ألمانيا ، بريطانيـا ، فرنسـا) وبـين إيـران بشـأن الملـف النـووي الإيرانـي، وان المملكـة تأمـل أن تسـفر هـذه المفاوضـات عـن نتـائج ايجابيـة تخـدم الاسـتقرار فـي المنطقـة . كمـا تعـرب عـن بـالغ قلقهـا مـن مخـاطر انتشـار أسـلحة الـدمار الشـامل ومـا لـذلك مـن آثـار سـلبية كبيـرة علـى البيئـة وأمـن واسـتقرار المنطقـة، وتـدعو إلـى حـل هـذه القضـية حـلا سـلميا فـي إطـار الضـمانات التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية وبما يعزز أمن واستقرار المنطقة
ثانياً: العراق
وجد انة في أعقاب الدمار الذي لحق بالمدن والمدنيين العراقيين بعد انتهاء الحرب على العراق، سعت السعودية إلى مساعدة المدنيين العراقيين. وأقامت لذلك مستشفى عسكريا في بغداد، وقدم هذا المستشفى الأدوية والعلاج لعدد كبير من المراجعين. كما قامت هيئات إغاثة سعودية بشحن كميات من الأغذية والمياه والمستلزمات الضرورية الأخرى للشعب العراقي. وبسبب الضغط الأمريكي واحتجاز عدد من الممرضين السعوديين العاملين في المستشفى السعودي، وكذلك لانعدام الأمن في بغداد اضطرت الحكومة السعودية إلى إغلاق هذا المستشفى بعد أربعة أشهر من افتتاحه .
وحدث تغيّر مهم في السياسة السعودية تجاه العراق بعد السماح بتشكيل حكومة مؤقتة فيه ووضع خطط لنقل السلطة إلى حكومة منتخبة، فقد دعمت السعودية مثل هذا التوجه نحو تعضيد النظام السياسي الجديد، بحيث يسهل ذلك على قوات التحالف الانسحاب في وقت لاحق من العراق. وسعت الحكومة العراقية المؤقتة إلى تطبيع علاقاتها مع السعودية ودول الجوار، وقام رئيس الوزارء العراقي بزيارة لسوريا والأردن ولبنان والسعودية بغرض إعادة العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول. كما حثت السعودية الحكومة العراقية وحكومة الولايات المتحدة على ضرورة أن تكون الانتخابات العراقية ممثلة لجميع شرائح المجتمع العراقي، إلا أن مقاطعة الأحزاب السنية لهذه الانتخابات جعلت التمثيل السني في الجمعية الوطنية العراقية ضعيفا ˛ ورغم كل الجهود السعودية تجاه العراق إلا أن الأوضاع الراهنة في العراق قد أوجدت مجالات للتوتر والقلق بين البلدين ومن بينها
:
1 – يشكل الانفتاح السياسي الموجود في العراق عامل إزعاج للمملكة العربية السعودية خشية انتقال
(عدوى) هذا الانفتاح السياسي إليها، حيث أن ديمقرطة المجتمع العراقي من خلال نشر المبادئ الديمقراطية المتمثلة بالإنتخابات الرئاسية والبرلمانية ، وأن مؤسسات الدولة موجودة لخدمة الشعب ولتحقيق الرفاه ، بكل تأكيد فإن تلك الأفكار والمبادئ سيكون لها الأثر الكبير على شعوب المنطقة بما فيها المملكة .
2 – يشكل انتعاش دور الحوزة العلمية والمرجعية الدينية الشيعية في النجف الأشرف عامل قلق جدي للمملكة بسبب وجود أقلية شيعية في المنطقة الشرقية (الاحساء) وهي منطقة الاحتياطي النفطي الهائل فيها، واحتمال تحول هذه المرجعية إلى قطب مؤثر جدي في تلك الأقلية .
3 – تخشى المملكة من احتمال توطن الاصولية الاسلامية (التكفيرية) في العراق (جماعة القاعدة وحلفاؤها) وما سيشكله ذلك من تأثير خطير في مسعى المملكة العربية السعودية الأمني للقضاء على البنية الارتكازية لهذه العناصر داخل أراضيها. وأن نجاح هذه العناصر بالتوطن في العراق سيشكل بنية ارتكازية جديدة لها تفتح لها آفاق واحتمالات العمل في العراق باتجاهها.
4 – يساور المملكة العربية السعودية قلق من احتمال نجاح المشروع الأمريكي في العراق (مشروع العلمنة والتغريب) وما سيمثله من انعكاس جدي على أسس ومرتكزات الحياة في المملكة العربية السعودية الأمر الذي سيضع الحكومة السعودية في مأزق بين الضغوط والتوجهات الأمريكية للتحديث من جهة والقناعات الأساسية للمواطن السعودي من جهة أخرى.
5 – وبنفس الدرجة من القلق تنظر السعودية إلى المشروع الاقتصادي العراقي وضخامة الاحتياطي النفطي العراقي والبرنامج الأمريكي للتعامل مع كل من الاقتصاد والنفط في العراق كتهديد وتحد جدي لها ولإمكاناتها الاقتصادية المستقبلية. فالبرغم من أن الاعتماد على النفط العراقي لن يتم على المدى القريب نظرا لعدم كفاءة البنية التحتية لانتاج النفط بالاضافة الى محدودية الانتاج النفطي العراقي في هذه المرحلة ، حيث أن إعادة تأهيل البنية التحتية للقطاع النفطي تتطلب تكاليف أكبر من العائد النفطي في هذه المرحلة. إلا أن ذلك لا يمنع من وجود تخوف من الجانب السعودي على المدى البعيد والذي سيفقدها دوا ر بارزا في المنطقة وعلى المستوى الدولي من خلال فقدانها للعب دور المنتج الأكبر والأهم للنفط .
6 – تنظر السعودية بعين القلق لاحتمال ارتقاء حكومة شيعية لسدة الحكم في العراق واحتمال نشوء تحالف استراتيجي (أو تكامل استراتيجي) بينها وبين إيران الأمر الذي سيأتي بإيران جارة للسعودية بريا مما سيشكل تهديدا جديا على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
ثالثاً: سوريا ولبنان
رغم العلاقات المتينة بين السعودية وسوريا منذ بداية عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت العديد من مشاهد التوتر بين البلدين، والتي تعود بالأساس إلى الاختلاف بين سياسة البلدين تجاه لبنان. فقد بدأت المؤشرات الأولية للخلاف السعودي السوري بالظهور ، وما يهمنا من أحداث لكثرتها ما له علاقة مباشرة بالطرفين السعودي السوري . فهناك معيار مهم للقياس هنا . اذا كانت الخلافات السعودية السورية استطاعت خلال 63 عام أن تستوعب كل ما حصل من أحداث جسيمة ، وأن تضع كل الاختلافات في المصالح والرؤى أمام تلك الأحداث تحت سقف المصالح المشتركة للبلدين ، فهذا يعني أن القيادة في البلدين كانت ترى أن العلاقة بينهما تمثل مصلحة عليا توجب إخضاع أية خلافات قد تطرأ لحدود هذه المصلحة ومقتضاياتها ، واذا كان هذا صحيحا فإن انفجار الخلاف في السنوات الأخيرة يؤشر الى تغير ما حصل على هذا المستوى ، او مستوى الرؤية لدى
القيادتين مما أثر على العلاقة بينهما. هذا التغير غالبا ما يكون مصحوبا بظروف وعوامل تؤدي الىمثل هذا التغيير ، وقد كانت مبرارت القلق السوري تسير في اتجاهين مترابطين الاتجاه الأول يتمثل بالتحولات الداخلية تزامنا مع تغير القيادة بتولي الرئيس بشار الاسد الحكم وما أفرزته من معارضة في الداخل . اما الاتجاه الثاني بسبب التحولات الإقليمية والدولية بحيث اصبحت تشكل تهديدا للنظام السوري .
ولكن كيف تعاملت المملكة مع كل تلك التعقيدات التي شابت العلاقة مع سوريا؟ فمع بدأ التوتر بالعلاقات السورية اللبنانية إثر حادثة اغتيال الحريري الذي اتهم البعض سوريا بالوقوف وراءها، بادرت السعودية إلى محاولة تهدئة هذا التوتر وخصوصا بعد التدخل الدولي بصورة سافرة في الأزمة،
وقد اثمرت الجهود السعودية لتهدئة الاوضاع بين البلدين والوصول الى حلول تكفل حقوق اللبنانيين وتضمن المصالح السورية في لبنان.
رابعاً: فلسطين
تعبـر سياسـة المملكـة العربيـة السـعودية إزاء القضـية الفلسـطينية عـن موقـف والتـزام المجتمـع السعودي العربي المسلم الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضيته الأولى ويضعها أساسـا لاهتماماتـه، ويضـع دعمها في مقدمة أولوياته. وقد قامت المملكة تجاه القضية الفلسطينية بكـل مـا يمليـه عليهـا إيمانهـا ودورهـا العربي والإسلامي والدولي. فلم تحـظ قضـية عربيـة باهتمـام المملكـة العربيـة السـعودية مثلمـا حظيـت قضـية فلسطين. فانطلاقا من ركيزتي العروبة والإسلام، واستمر جهد المملكة ودروها المحوري في القضية الفلسـطينية يتعـاظم فـي عهـد الملـك سلمان من خلال التزام المملكة الثابت والراسـخ بمناصـرة الحـق الفلسـطيني، وعـدم تـأثر موقـف المملكـة بما قد يطرأ من ظروف أو يظهر من أزمات، بالإضافة إلى القبول بما يراه أو يرتضـيه الشـعب الفلسـطيني لنفسه وعدم التدخل في شئونه الداخلية أو محاولة فرض رأي سياسي عليه. وهذا مـا ظهـر جليـا مـن خـلال موقف المملكة من فوز حركة المقاومة الإسـلامية (حمـاس) بالانتخابـات الفلسـطينية ووصـولها إلـى السـلطة بتشـكيل الحكومـة الفلسـطينية. وجـاء الموقـف الرسـمي للملكـة العربيـة السـعودية تجـاه هـذا التغييـر التـاريخي فـي فلسـطين ليؤكـد “أن المملكـة تقـدر أهميـة الانتخابـات الفلسـطينية الأخيـرة والتـي جـاءت اسـتجابة لمطالـب مـن إطـراف دوليـة هامـة وتطالـب بقبـول نتـائج هـذه الانتخابـات لكونهـا تعبـر عـن الإ اردة الحـرة للشـعب الفلسـطيني والتعامـل معهـا بشـكل موضـوعي وحكـيم وتجنـب الأحكـام المسـبقة والمواقـف المتعجلـة ، وتعبـر عـن أملهـا فـي قيـام حمـاس بتشـكيل حكومـة تحفـظ للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وترعى مصالحه والعمل على تحقيق تقدم في عملية السلام”
السياسة السعودية على الصعيد الدولي :
إن الاختلاف والتناقض في المصالح بين الدول يعني الاختلاف في السياسات الخارجية ، واذا ما كان نجاح سياسة خارجية لدولة ما –عمليا – على حساب فشل سياسـة خارجيـة لـدول أخـرى، فـإن إمكانيـة التصـادم فـي المصـالح الوطنيـة بـين الـدول والسياسـات الخارجيـة جـراء التعصـب الظـاهر لفكـرة المصـلحة العليا، يصبح أمرا منطقيا في عالم العلاقات الدولية.
فالعلاقات السعودية الأمريكية كانت قد شهدت منذ نشأة المملكة قبـل أكثـر مـن 24 عامـا علاقـات وثيقـة ووطيـدة راسـخة ، فقـد كـان السـبب تبـادل المصـالح القـوي بـين الطـرفين، وتحـول علاقتهمـا إلـى مـا يشـبه الورقـة فـي مهـب الـريح فـرض علـى المملكـة إعـادة النظـر فـي تحالفاتهـا السياسـية علـى الصـعيد الـدولي. ومـن هنـا بـدأت السـعودية بالبحـث عـن شـركاء جـدد سـواء علـى الصـعيد السياسـي أو الاقتصـادي إضـافة إلـى تبنـى المملكـة لسياسـة واضحة وقوية تجاه الإرهاب لتحسين صورة المملكة الخارجية بعد الشوائب التي لحقت بها.
المبحث الخامس
الشراكات السياسية الجديدة
يتناول المبحث الخامس ثلاثة محاور رئيسية ˛ حيث يتناول المحور الاول (التوجه السعودي نحو الشرق
)˛ بينما يتناول المحور الثانى (التوجه السعودي نحو أوروبا)˛ واخيرا يتناول المحور الثالث ( التوجه السعودي نحو
روسيا)
لذا انطلقـت السياسـة الخارجيـة السـعودية بعـد أحـداث سـبتمبر نحـو دول العـالم الفاعلـة سياسـيا لتعويض التراجع الحادث الـذي أصـاب العلاقـات السـعودية الأمريكيـة، وقـد تمثـل هـذا التراجـع فـي العلاقـات بين البلدين لعدة أبعـاد سياسـية وأمنيـة، فقـد سـعت بعـض النخـب السياسـية فـي أمريكـا الـى اسـتغلال أحـداث سـبتمبر فـي الضـغط علـى القيـادة السـعودية مـن أجـل تقـديم بعـض التنـازلات فيمـا يتعلـق بالعلاقـات مـع اسـرائيل، فقـد واجهـت المملكـة فـي تلـك الفتـرة حملـة اعلاميـة شرسـة مـن الإعـلام الأمريكـي والغربـي بشـكل عـام، بالإضـافة الـى قيـام الإدارة الأمريكيـة بنقـل قاعـدتها العسـكرية الـى قطـر، ايضـا كانـت هنـاك دعـوات أمريكية بضرورة إجراء تعديلات في نظام الحكـم، بالإضـافة الـى عامـل عـدم الاسـتقرار فـي المنطقـة متمـثلا بغزو افغانستان والعراق والتدخل في الشأن السوداني والتهديد باجراء عمل عسكري ضد ايران˛ كل تلك المؤشرات كانت تشير الى وجود ما يبـرر التحـول فـي السياسـة الخارجيـة السـعودية ، فتوجهـت نحـو الـدول الفاعلـة فـي آسـيا مثـل الصـين والهنـد وغيرهـا، وكـذلك الـدول الرئيسـية فـي العـالم مثـل روسـيا ودول الاتحـاد الأوروبي .
المحور الاول
التوجه السعودي نحو الشرق
فتحت الزيارة التي قام بها الملك سلمان لكل من الصين والهند وهونج كونج وماليزيا وباكستان واليابان وسنغافورة واندونيسيا ودول آسيوية أخري ، فتح الباب أمام قفزة سعودية جديدة نحو الشرق. ويبدو أن المملكة قد لجأت لهذه السياسة، نتيجة لمجموعة متنوعة من الأسباب الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية .
رغم النتائج المهمة التي حققتها الجولة الآسيوية للملك سلمان ، ممثلة في مجموعة الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية المهمة التي تم توقيعها، إلا أن الأبعاد والنتائج الإستراتيجية لتلك الجولة تفوق بكثير الحسابات الخاصة بالتجارة، رغم أهميتها˛ ومن ثم، فإن فهما موضوعيا شاملا لتلك الزيارة يقتضي الوقوف على تلك الأبعاد والنتائج.
وبداية لا يمكن فهم تلك الجولة بمعزل عن تطور مهم يطول السياسة الخا رجية للمملكة، وهو سياسة التوجه شرقا ، التي بدأت في التبلور خلال السنوات الأخيرة، ثم جاءت الجولة المهمة للملك سلمان لتؤكد هذا التوجه، وتضفي عليه بعدا أكثر مؤسسية ومنهجية.
ويرى بعض المحللين أن هذه الزيارة تعكس التشكيل الناضج لسياسة خارجية ناضجة تقوم في الوقت الراهن، وربما في المستقبل، على حقائق جيوسياسية أعقبت تفكك الاتحاد السوفيتي، تأخذ هذه السياسة الخارجية في الحسبان التغيرات الحاصلة في أوروبا، وحالة الجمود في العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية، وعدم الاستقرار في العراق والإشارات المقلقة القادمة من واشنطن بشأن إيران.
أن هذه الزيارة تجهز الساحة لقيام علاقات ديناميكية لا تقتصر على المملكة وتلك الدول المعنية فحسب، بل تشمل الدول الخمس الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وتمثل هذه الزيارة ذات المستوى الرفيع والأهمية البالغة إدراكا للأهمية المتزايدة لآسيا حليفا اقتصاديا في وقت نشهد فيه حقيقتين بارزتين هما :
أولاً : إن اقتصادات أقطار مجلس التعاون الخليجي شهدت حالة نشاط ، تبعا لارتفاع أسعار النفط، وتحتاج إلى ساحات جديدة للاستثمارات وتنويع اقتصاداتها.
ثانياً: إن الاستهلاك الآسيوي من البترول يشهد زيادة سريعة جدا في ظل الطفرة الاقتصادية الحالية˛ ومن المعروف أنّ دول الخليج العربية غالبا ما كانت ولا تزال تعتمد في سياساتها الدولية على حليف استراتيجي واحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية، لكنّ هذا الاعتماد وان تمّ بناء على مصالح مشتركة بين الطرفين في البداية، إلا أنّه وفي الوقت نفسه حدّ من خيارات هذه الدول وبالتالي من سياساتها ونفوذها على الصعيدين الإقليمي والدولي. ولكن ومع انهيار الاتحاد السوفييتي لم يعد هذا الوضع موجودا. واذا ما أخذنا في الاعتبار أن عالم (الأحادية القطبية) الذي نعيشه اليوم هو مرحلة انتقالية قصيرة المدى، وأنّ العلاقات الدولية قد ألفت العالم المتعدد الأقطاب، يرى البعض أن على دول الخليج أن تعيد النظر في سياسة الحليف الاستراتيجي الواحد خاصّة مع انحدار القوّة الأمريكية وفقدانها السياسات العادلة والمتوازنة لقضايا المنطقة مع الانحياز الواضح لإسرائيل، بالإضافة الى الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية ضد الأنظمة في المنطقة، كل تلك العوامل ساهمت بشكل كبير في أن تبدأ القيادة السعودية بالاعتماد على سياسة (عدم وضع كل البيض في سلة واحدة ).
وتتميز أهمية هذا التوجه شرقا بأنه يأتي في ظل الصعود القوي لاقتصادات دول جنوب شرق آسيا، خاصة الصين والهند وماليزيا، ليس فقط لتأثر المملكة ودول الخليج بما يجري في الشرق بحكم الجوار، ولكن للاستفادة من هذا التطور الاقتصادي والتكنولوجي العالي، فيما يمكن أن نسميه “الطفرة الاقتصادية الثانية للمملكة”. فنتيجة الارتفاع الملحوظ في أسعار النفط – والتي جعلت سعر البرميل يتجاوز الـ- 24 دولارا ، مما ساعد علي حدوث طفرة اقتصادية في المملكة العربية السعودية ˛ تقوم علي تنمية البني التحتية والقيام بمشاريع اقتصادية ضخمة، وبالتالي، فإن المملكة في أشد الحاجة للاستفادة من تجارب الدول الآسيوية وقدراتها التنموية والاقتصادية. وفي الوقت نفسه، تعيش دول مثل الصين والهند وماليزيا أزهي عصورها الاقتصادية والتي تتطلب تزايدا في استهلاك الطاقة والنفط والغاز، مما يجعلها بدورها في أشد الحاجة للمملكة باعتبارها أكبر مصدر لهذه الطاقة في العالم. واذاكانت هذه الدول التي زارها الملك سلمان .
و من هنا كان خيار الاتجاه شرقا ، حيث فرص التكامل الاقتصادي مع دول متقدمة ومزدهرة اقتصاديا ، وفرص التكامل السياسي، مع دول كانت تاريخيا نصيرة للقضايا العربية السياسية العادلة في المنطقة والعالم، وامكانات استعادة علاقات تاريخية قوية وعميقة، ظلت متواجدة عبر التاريخ، وكذلك إمكانية استعادة الروابط التاريخية والثقافية مع شعوب، سبقت حضارة الإسلام إليها، وصول الغرب إليها. كل تلك كانت مسوغات إستراتيجية الاتجاه شرقا ، التي تبررها نوايا وسلوكيات مشروعة تساهم، في ترسيخ أسس السلام والأمن الدوليين، كانت دوما تتجسد في سياسة المملكة المحبة للسلام، بالإضافة إلى أن هذه الإستراتيجية للتوجه شرقا زاخرة بعوائد سياسية واقتصادية تصب في المصلحة العليا للمملكة والدول الخليجية جميعا .
كما يؤكد البعض أن أهمية زيارة الملك عبد الله الأخيرة تكمن في حجم ووزن المملكة السعودية الاقتصادي والسياسي كقائدة لدول مجلس التعاون الخليجي، ما يشير لتوقع نمو كبير في سياسة “التوجه شرقا” بين دول الخليج مستقبلا ، وربما يزعج الغرب والولايات المتحدة تحديدا، خصوصا أن العلاقات السعودية الأمريكية مرت في السنوات الأخيرة بمطبات عديدة. فالزيارة فضلا عن مضامينها الاقتصادية الهامة ˛ وباعتبارها زيارة اقتصادية للشرق بنكهة سياسية- فهي من النوع الذي يستهدف ما يمكن أن نسميه “تنويع مصادر الاقتصاد والسياسة” بعدما ارتكز التعامل الاقتصادي على مدار نصف القرن الماضي على الغرب، حتى وصل الأمر إلى فرض إصلاحات والتهديد بعقوبات في الكونجرس .
المحددات الإستراتيجية لسياسة التوجه شرقاً :
يعود تطور التوجه السعودي نحو آسيا إلى عدد من المحددات الإستراتيجية المهمة، يتعلق بعضها بالتحولات الإستراتيجية المهمة في الأقاليم الآسيوية على المستويين السياسي- الأمني ،والاقتصادي، ويتعلق بعضها الآخر بالواقع الراهن في الدوائر التقليدية للسياسة الخارجية السعودية والخليجية وآفاقها المستقبلية، بحيث جاءت سياسة التوجه شرقا كنوع من التأقلم الإيجابي والواعي مع تلك التحولات. ويشار هنا إلى محددين أساسيين.
-
التحولات الإستراتيجية في منطقة جنوبي آسيا:
استندت العلاقات الخليجية مع منطقة جنوبي آسيا خلال العقود الماضية إلى عدد من المحددات التي لعبت دورا سلبيا إلى حد كبير في عدم تطوير تلك العلاقات، بل مثلت عقبات مهمة أمام التعاون عبر الإقليمي والحيلولة دون تطوير إطار للتعاون الاستراتيجي. وكان أبرز تلك المحددات الصراع التقليدي الهندي- الباكستاني وفي القلب منه الصراع حول كشمير، والعمالة الآسيوية في دول الخليج العربية. غير أن تلك المحددات قد شهدت تغيرا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة بدءا من النصف الثاني من التسعينات، في ضوء التحولات الإستراتيجية التي تشهدها العلاقات الإقليمية في منطقة جنوبي آسيا من ناحية، وتفاعلاتها عبر الإقليمية مع القوى الدولية الرئيسية في النظام الدولي وتطوير شراكات إستراتيجية عبر إقليمية من ناحية أخرى.
2 – موازنة سياسة (التوجه شرقاً بمقابل التوجه غرباً):
رغم العلاقات السعودية – والخليجية عامة- الجيدة مع الغرب إلا أن هذا التوجه تكتنفه مشكلة أساسية وهي وجود فجوة واضحة بين واقع الملفات السياسية والأمنية من ناحية، والملفات الاقتصادية والتجارية من ناحية أخرى، ففي الوقت الذي حقق فيه التعاون السياسي والأمني مستويات متقدمة من التعاون لاتزال الملفات الاقتصادية والتجارية تواجه الكثير من الصعوبات، خاصة تعثر مشروع اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي الذي بدأت المفاوضات بشأنه عقب توقيع اتفاقية التعاون بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي ، والتي نصت في مادتها الحادية عشرة على سرعة بدء المفاوضات من أجل إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين الطرفين. وهدفت دول المجلس من هذا المشروع إلى تأسيس (شراكة إستراتيجية) مع الاتحاد الأوروبي ترقى إلى مستوى العلاقات والمصالح الإستراتيجية بين الطرفين ،ومعالجة عدد من المشكلات الهيكلية في علاقاتهما التجارية، خاصة مشكلة العجز في الميزان التجاري لصالح الاتحاد الأوروبي ، فضلا عن ضعف الاستثمارات الأوروبية والتي لا تمثل سـوى واحد في المائة تقريبا من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في دول المجلس، تتركز في قطاع النفط بالأساس. وأصبح من الثابت أن التوجه الغربي في السياسة الخليجية يواجه الكثير من المشكلات، التي تثير بدورها الكثير من الشكوك حول إمكانية الوصول إلى هدف منطقة التجارة الحرة في المدى المنظور، وتحقيق التوازن بين العلاقات السياسية والاقتصادية
كما يشير البعض إلى أن المعنى الإستراتيجي للتوجه السعودي نحو الشرق، يمتد للحديث عن سعي دول الخليج ككل منذ غزو الكويت والتدخل الأمريكي في المنطقة للبحث عن روابط إستراتيجية -غير الرابطة العربية- مع تكتل الجوار الآسيوي الصاعد لحفظ أمنها وتنمية اقتصادها استعدادا لعصر انتهاء الوفرة النفطية. بعبارة أخرى هناك أهداف إستراتيجية أخرى أهم من مجرد توقيع اتفاقات اقتصادية ،ربما تمتد إلى استكشاف (شراكة إستراتيجية) مع الشرق الآسيوي استعدادا للتقلبات السياسية في عالم اليوم، وبحثا عن غطاء سياسي آخر غير الغطاء الغربي، على اعتبار أن الغطاء الآسيوي يختلف في أنه لا يخضع للعوامل الأيديولوجية أو للأهواء والمصالح والضغوط التي اشتهر بها الغرب في سياساته حتى الاقتصادية.
المحور الثاني
التوجه السعودي نحو أوروبا
بعد النجاحات التي حققتها الدبلوماسية السعودية في آسيا على كافة المستويات اتجهت للعمل على تعزيز العلاقات مع دول القارة الأوروبية. وجاءت الزيارتان اللتان قام بهما الملك سلمان لتحقيق هذا الهدف. وبطبيعة الحال كان للعلاقات الاقتصادية مكانتها في هذه الجولات ،ولكن ما يهمنا هنا هو الجانب السياسي والاستراتيجي، فهناك أهداف متعددة على أجندة العاهل السعودي، التي حملها خلال جولاته الأوروبية تتعلق بحزمة من الملفات والقضايا التي تتجاوز ملفات العلاقات الثنائية بين المملكة والدول التي توقف بها العاهل السعودي .
إن زيادة مساحة الفعل الأوروبي في قضايا المنطقة لمواجهة الفشل الذي منيت به السياسة الأمريكية في كافة تلك القضايا، هي الهدف الذي تسعى إليه المملكة من توسيع وتنويع تحالفاتها الإقليمية والدولية. فالفشل الأمريكي الواضح في العراق على كافة المستويات خاصة على المستويين الأمني والسياسي، وفي ظل الآثار الكارثية المترتبة على استمرار هذا الفشل وتعمقه ليس فقط على الدولة ،والمجتمع العراقي بل أيضا على المنطقة بأكملها خاصة في ظل تفجر الأزمات في مناطق مختلفة منها وارتباطها ببعضها البعض، يعني أن دوا ر أوروبيا وآسيويا بات مطلوبا للمساعدة على احتواء هذا الفشل ووضع استراتيجية للخروج من هذا المأزق.
ومن هنا جاء التوجه السعودية نحو أوروبا من أجل تحفيز الدورالأوروبي لمواجهة الأزمات المتفجرة في المنطقة، خاصة أن المملكة لا تستطيع تحمُّل أعباء التحديات التي تفرضها هذه الأزمات، وذلك لأن الضغوط التي تستطيع المملكة فرضها والحوافز التي يُمكنها تقديمها لا تكفي للنهوض بمثل هذه الأعباء. لذا اتجهت المملكة إلى البحث عن شركاء من خارج المنطقة لهم مصالح حيوية ويكونون قادرين على تقديم الدعم والعون الذي تحتاجه لمواجهة هذه الأزمات وتطوارتها وبما يساعد على تحقيق الاستقرار وحماية أمن المنطقة .
ومن المؤكد أن نجاح المملكة في اجتذاب شركاء من الخارج تربطها بهم مصالح متعاظمة كما هي الحال مع دول آسيا والاتحاد الأوروبي سيصب في مصلحتها من ناحية حماية أمنها وأمن المنطقة وتحقيق الاستقرار فيها من خلال التعامل مع الأزمات فيها، وخاصة أزمة البرنامج النووي الإيراني˛ ومحاولات طهران تقوية مركزها الإقليمي على حساب السعودية والدول العربية الأخرى، والتي في حالنجاحها ستكون لها آثار سلبية على استقرار المنطقة، لأن التغيرات الإستراتيجية المترتبة على امتلاك إيران للسلاح النووي ومن ثم لعبها دورا ومركزا إقليميا متقدما ، ستدفع الدول الأخرى إلى محاولة إحداث التوازن بامتلاك السلاح النووي، ما يعني دخول المنطقة في سباق تسلح يقضي على ما تبقى من أسس الاستقرار في المنطقة .
المحورالثالث
التوجه السعودي نحو روسيا
إن روسيا ونتيجة لمصالحها السياسية تتعاطف مع قضايا العرب وتتطابق آراؤها مع توجهات العالم العربي والإسلامي في الكثير من القضايا لا سيما في ما يتعلق بالحقوق العربية، وطالما ابدت رغبتها في توسيع التعاون بينها وبين العالم الإسلامي. ولعل هذا الاحساس اليقظ بقضايانا، جعل العرب وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية يلتفتون بعناية إلى دور وتأثير روسيا والاستفادة منه لصالح قضايانا، ولذا لم يكن مستغربا أن تكون السعودية من بين أوائل الدول التي أيدت انضمام روسيا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب. وبفضل ذلك شاركت روسيا لأول مرة بصفة مراقب في القمة الاستثنائية لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقدة في ديسمبر الماضي في مكة المكرمة .
وقد شهدت السنوات الخمس الماضية عددا متزايدا من الدراسات الروسية، التي تناولت علاقة روسيا بالمملكة العربية السعودية. وخلافا للأبحاث القديمة، بدت المقاربات الجديدة للخبراء الروس وقد صبت تركيزها على السياق الثنائي لهذه العلاقات، في أبعادها الاقتصادية بالدرجة الأولى، وأرى الباحثون الروس أن السياق الاستراتيجي، الإقليمي والدولي، للعلاقات الروسية السعودية يمكنه أن يغدو إطارا معززا للمضمون الثنائي وليس بديلا عنه، كما أن هذا الإطار لا يفترض به، في حال من الأحوال، أن يصبح مقيّدا للتفاعلات ثنائية الطابع، ولا يرمي بأية تداعيات سالبة عليها. وفي مقولة “الإطار المعزز”، يشير الباحثون الروس إلى قضايا موضع إجماع بين الطرفين، كتلك المرتبطة بالأمن الإقليمي، وجهود حظر الانتشار النووي، والتعاون في المؤسسات الدولية، وتعزيز حوار الحضارات.
وقد أثمر هذا التعاون والذي تعزز بزيارات متبادلة لمسئولي البلدين عدة اتفاقيات اقتصادية وعسكرية ساهمت بتطوير هذه العلاقة وتعزيزها.
8 – مصطلحات الدراسة
1 – محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود :
ولي عهد السعودية، ورئيس مجلس الوزراء. يرأس مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. هو نجل الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود من فهدة بنت فلاح آل حثلين.
2 – التحولات السياسة السعودية
التحول الكبير الذي طرأ على السياسة السعودية الخارجية -منذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في يناير 2015 – يعود في الأساس إلى التصدي للمشروع الإيراني في المنطقة، حيث لم يكن مقبولاً أن تستمر المملكة دولة مبادئ على الدوام بعيداً عن مصالحها الإستراتيجية، ودورها المحوري في المنطقة كضامن للأمن والاستقرار، وتحديداً بعد ثورات الربيع العربي. والتواريخ مهمة في رصد ذلك التحول، حيث أعلن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في يناير 2014 عن رؤيته في التوازن الجيو سياسي بين المملكة وإيران، وفي سبتمبر 2014 احتلت ميليشيات الحوثي صنعاء، ولم يكن الدور السعودي واضحاً، أو مبادراً في حينها،
3 – التسلسل الزمني السياسي :
مهم في قراءة التحول السياسي للمملكة، حيث بدأت إرهاصاته مع تولي الملك سلمان للحكم، ورؤيته البعيدة من أن الموقف الأميركي في عهد أوباما منحاز ومتخاذل مع إيران، وكان لا بد من التحرك، حيث كانت عاصفة الحزم بداية لموقف سعودي يتغيّر قبل التوقيع النهائي على الاتفاق الإيراني، وهو مؤشر على أن العاصفة لم تكن ردة فعل استباقية على الاتفاق وإنما على المشروع الإيراني إجمالاً في المنطقة، حيث قطعت المملكة خطوط التمدد الإيرانية في اليمن، وحماية حدودها الجنوبية من أي مهددات .
4 – الحزم السياسي :
كان من أهم أدوات التحول السياسي للمملكة؛ فلم يعد هناك مجال للتردد، أو الخوف من ردود الفعل الدولية، إلى جانب القدرة على بناء تحالفات عربية وإسلامية متعددة لتحصين المنطقة من أي محاولات اختراق أو تراجع في المواقف، حيث كان المشهد يعبّر عن لغة مصالح وليست مبادئ لم يلتزم بها أحد مع المملكة سابقاً، ونتيجة لذلك كان الخطاب السياسي مغايراً عن سنوات سابقة، والتحرك مدعوماً بحركة إصلاح اقتصادية في الداخل، حيث لا يمكن أن يكون هناك مشروع للتحول الداخلي من دون مشروع آخر للتحرك على الصعيد الخارجي، وهنا كانت القوة سياسية واقتصادية معاً في مشروع الحضور السعودي الفاعل دولياً.
9 – الدراسات السابقة:
1 – حيث تطرقـت دراسـة (العقباوي، شاهيناز ˛2019). حـاول فيها الكاتـب تقـديم تحليـل منهجـي للعلاقـة العضـوية بـين الإعـلام والنظـام السياسـي فـي الغـرب باسـتخدام المـنهج التـاريخي التحليلـي، وذلـك باستعراضـه للحملـة الإعلاميـة الكبيـرة التـي تعرضـت لهـا المملكـة العربيـة السـعودية بعـد أحـداث سـبتمبر، ويكشـف بعمـق عـن الترتيـب المسـبق لهـذه الحملـة مـن قبـل جهـات حكوميـة عليـا فـي الإدارة الأمريكيـة، لـم يـرق لهـا موقـف المملكـة الـرافض لضـرب أفغانسـتان أو اسـتخدام القواعـد الأمريكية الموجودة في السعودية لذلك.
2 – بينما فـي دراسـة (توفيق إبراهيم، حسنين ˛2023). بعنـوان “علاقـات حرجـة السـعودية بعـد أجداث سـبتمبر” صـادر عـن دار الـريس للكتـب والنشر تاريخ النشـر، لنـدن 2023، ينـاقش مؤلـف الكتـاب كيـف اسـتطاعت الولايـات المتحـدة اسـتمالة الـرأي العـالمي إلـى صـفها بعـد أحـداث سـبتمبر ، ليسـتيقظ العـالم، وهـو يشـهد بـزوغ عهـد إرهـاب الدولـة، فـي محاولـة القضـاء علـى إرهـاب التطـرف والتشـدد بـ”الحـرب العادلـة” التـي وجهـت قـذائف نيرانهـا علـى جبـال أفغانستان، وسهام اتهاماتها إلى الإسلام والمسلمين والعرب “ومحور الشر”، وأن أحداث سبتمبر قد أحـدثت شـرخا كبيـرا فـي جـدار العلاقـات الأميركيـة-العربيـة عامـة، والعلاقـات الأميركيـة-السـعودية علـى وجـه الخصوص.
3 – فى حين اظهرت دراسة (أحمد القحطانى ˛ مرفت حسين ˛ 2022) والتى كانت بعنوان “السعودية وتحديات القرن ” تناولـت كـل مـا يتعلـق بتحـديات المملكـة العربيـة السـعودية فـي القـرن الحـادي والعشـرين، حيـث ركـزت علـى مجمـل تحليـل الوضـع الماضـي والقائم حاليا لتصل من خلالـه إلـى البحـث فـي تفاصـيل التوجهـات السياسـية المطلوبـة حيـال تحـديات القـرن الحـالي سـواء علـى الصـعيد الـداخلي أو الخـارجي الإقليمـي والـدولي ، وبمختلـف قضـايا السـاعة السياسـية والاقتصادية والنفطيـة والجيوسياسـية، كمـا تعرضـت الدراسـة لانعكاسـات الحـادي عشـر مـن سـبتمبر، وأبعـاد الحملـة الإعلاميـة علـى السـعودية وأثرهـا علـى العلاقـات السـعودية الأمريكيـة .
4 – بينما اوضحت دراسـة (عبـد الجليـل حسـين ˛ 2022)˛ والتى كانت بعنـوان “الجزيـرة العربيـة والنظـام العـالمي الجديـد”، رسـالة ماجسـتير فـي معهـد البحوث والدراسات العربية ، وتم مناقشة ملامح النظام الدولي والإقليمي والتفاعل بينهما، ومرحلـة مـا بعـد الحـرب البـاردة و مفهـوم مـا يسـمى بالنظـام العـالمي الجديـد، مـع التركيـز علـى نظريـات ومقـولات أخـرى كنهايـة التـاريخ لفوكويامـا، وصـدام الحضـارات لهنتنجتـون، واحيـاء دور الأمـم المتحـدة، والواقعيـة الجديـدة. وتفـرد جـزءا للحـديث عـن أزمـة الخلـيج والنظـام العـالمي الجديـد فـي إطـار البيئـة الإقليميـة والدوليـة والهيمنـة الأمريكيـة علـى الإدارة الدوليـة ، وظهـور ملامـح نظـام عـالمي جديـد علـى مسـتوى القـوى العظمـى، ومسـتقبل الجزيـرة فـي ظـل هـذا النظـام، وانعكاسـات أحـداث 11 سـبتمبر علـى النظـام العالمي والجزيرة العربية وكيفية إدارة الأزمة دوليا.
10 – النتائج والتحليلات
قبل سنوات قليلة، لم تكن المملكة العربية السعودية مشغولة كثيرا باحتلال موقع القيادة في الإقليم العربي، وعلى الرغم من اقتراب المملكة من موقع القيادة الفعلية واكتسابها أغلب مؤهلاتها لم يتردد مصطلح القيادة السعودية للمنطقة أو المنافسة السعودية على القيادة الإقليمية، بل لم تعر المملكة اهتماما لبروز أدوار إقليمية لدول أخرى منافسة، بما فيها دولة قطر، التي نشطت بشكل ملموس في ساحات متعددة بينها ساحة الخليج التي تمثل الساحة الأولى للمملكة. وظلت المملكة أقرب إلى القوة المتثاقلة البطيئة التي لا تتحرك بسرعة ولا تتأثر بمشاغبات القوى الصغيرة، ونأت بنفسها عن التدخل في الصراعات والمعارك والحروب الدائرة بالإقليم، وسعت إلى التطوير الداخلي وتعظيم الاستفادة بنعمة الثراء المالي.
إعادة صياغة الدور السعودي إقليميا
ولكن ما أن تولى الملك سلمان زمام القيادة في يناير 2015 حتى بدت المملكة في صورة جديدة مختلفة عن السابق، فقد شرع الملك في إعادة ترتيب البيت الداخلي سواء بيت الحكم أو الدولة السعودية من الداخل بشكل عام، ولأجل ذلك صدرت عشرات القرارات الملكية تتناول مختلف شؤون الحياة السياسية والاقتصادية.
ولم يمض غير ثلاثة أشهر حتى أطلقت “عاصفة الحزم” في اليمن في سابقة غير معهودة في السياسية السعودية؛ فلم تدخل المملكة في حرب عسكرية مباشرة إلا حينما تعرضت هي أو إحدى شقيقاتها في الخليج لعدوان عسكري مباشر، وكانت تدخل هذه الحروب مستندة إلى تحالف دولي واسع بقيادة الولايات المتحدة.
أما في “عاصفة الحزم” فقد دخلتها بقرار مستقل ضمنت له الشرعية من المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وبنت المملكة تحالفا عربيا خاصا بها عمل خلفها وبقيادتها، وفضلا عن الحرب على جبهة اليمن تبنت المملكة سياسات أكثر تشددا إزاء القضية السورية في 2015 فأعلنت استعدادها لإرسال قوات عسكرية إلى سوريا، وتبنت سياسات أكثر صرامة إزاء الحليف الأمريكي والرئيس أوباما بعد أن تأكدت من أن سياساته التراجعية غير عابئة بأمن الخليج، فسعت إلى توسيع دوائر الشركاء العالميين والإقليميين مع روسيا والصين وفرنسا ومصر وباكستان وتركيا، ولم تتردد في تبني أقصى السياسات الراديكالية حتى مع أقرب حلفائها مثل لبنان حين قررت في فبراير 2016 وقف مساعداتها للجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية، على خلفبة مواقف حزب الله.
ومضت سياسة الحزم السعودية لتطال مختلف القضايا، فعقب تولي الملك سلمان تعاظم الحديث عن تبديل السعودية لتحالفاتها الإقليمية، وعن أنها لا تنوي الدخول في مواجهة إقليمية مع الإخوان وأنها تتجه للتقارب مع قطر وتركيا على حساب تحالفها مع مصر والإمارات، واتخذت المملكة بعض الخطوات التي كرست من هذه الانطباعات في البداية، فقد برزت مظاهر الود بينها وقطر ولم يعد الحديث عن إدرج الإخوان ضمن قائمة الإرهاب أمرا دارجا في الإعلام السعودي، وعاود بعض المتعاطفين مع الإخوان تصدر المشهد الإعلامي في المملكة، وإلى حد كبير اختفى من الخطاب السياسي السعودي تلك النزعة الحادة في المواجهة مع الإخوان، وحدث قدر من الفتور في علاقة المملكة بمصر مع هجوم كتاب سعوديين على الدور المصري، والانحياز لعلاقة المملكة بتركيا على نحو برز في الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين في ديسمبر 2015.
وفي الداخل السعودي ظهرت بعض الانتقادات لسياسة الملك الراحل (عبدالله بن عبدالعزيز) التي اعتبرها البعض أنها كانت ضعيفة وافتقدت إلى الحسم، وهو الأمر الذي كان محل جدال عميق، حيث دافع آخرون عن تلك السياسة التي اعتبروا أنها بلغت منتهى الحزم والقوة مع الولايات المتحدة قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي وضع خلالها الملك الراحل علاقات بلاده مع الولايات المتحدة على المحك بسبب القضية الفلسطينية، كما ذكر البعض بموقفه الحاسم من النظام السوري بعد اغتيال رفيق الحريري 2005، وكان الاستشهاد الأساسي بعضوية المملكة في مجموعة العشرين الاقتصادية الدولية منذ 2008 للإشارة إلى ما حققته السعودية في عهد الملك الراحل من اعتراف دولي بمكانتها كقوة اقتصادية دولية ذات تأثير كبير في الاقتصاد العالمي، كما ذكر البعض بموقف الملك خلال الثورات العربية منذ 2011 ووقوفه الحاسم مع مصر وبالتضاد مع الموقف الأمريكي وإدارة الرئيس أوباما، وبياناته المساندة للجيش والشعب في مصر بعد ثورة يونيو 2013، على نحو كان له أكبر الأثر في تثبيت أركان الدولة المصرية ونزع الشرعية عن تيار الإخوان المسلمين.
وليس الهدف مما سبق تأكيد موازاة حزم سياسة الملك عبدالله بحزم سياسة الملك سلمان، وإنما تحديد عناصر الاستمرارية والثبات في تلك السياسة برغم تغير الملوك، والتأكيد على أن كل تحدي أو تهديد تعرضت له المملكة كان له مقداره المناسب من الاستجابة التي لم تختلف كثيرا في عهد الملك الراحل عن عهد الملك الحالي، فالسياسات لم تكن ضعيفة، ولكن مواقف وتوجهات الملك عبدالله هي فقط التي لم تكن تروق لأنصار هذا الفريق من الناقدين، وهو ما جعلهم يعتبرون السياسات التي اختلفوا فيها معه مؤشرا على الضعف، وهو ما لم يكن صائبا على الإطلاق.
في ضوء ذلك، يمكن القول بأن هناك ملامح جديدة في سياسات المملكة برز بعضها في السنتين الأخيرتين لحكم الملك عبدالله، واتضحت بجلاء مع تولي الملك سلمان، وتشير جميعها إلى اتجاه المملكة إلى إعادة صياغة دورها الإقليمي على النحو التالي:
الاتجاه إلى القيادة المباشرة للإقليم:
فعلى الرغم من أن المملكة لم تدع قيادة الإقليم في العقود السابقة واكتفت باعتبارها واحدة ضمن مثلث القيادة العربي (مصر والسعودية وسوريا) على مدى عقد التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وعلى الرغم من أن نبرة الخطاب الإعلامي للمملكة وخطابها السياسي لم يركزا على ذلك، واعتكفت إلى حد كبير على دائرة محيطها الخليجي ممثلا في مجلس التعاون، إلا أنها اعتمدت في العالم العربي على أسلوب ونمط قيادة الموقف، وكانت بارعة فيه بشكل أساسي، فكانت تتدخل في الشأن الإقليمي بحسب ما تستدعيه ضرورات الموقف والظرف، كان ذلك واضحا في طرحها المبادرة العربية للسلام في مؤتمر القمة العربي في بيروت 2002، وبرز واضحا في موقفها خلال الثورات العربية 2011، ثم في 2013 على أثر ثورة 30 يونيو 2013 في مصر.
خلال تلك الفترة اكتفت السعودية بالقيادة غير المباشرة، وتركت قوى إقليمية أخرى تتصدر المشهد، بل لم يغرها التنافس القطري أو يدفعها للدخول في مواجهة لم ترها ضرورية.
وفي خلال السنتين الأخيرتين من حكم الملك عبدالله اقتربت السعودية من ممارسة القيادة المباشرة للإقليم، وتبنت سياسات استقلالية معبرة عن الاتجاه للإمساك بزمام الموقف والمبادرة وليس انتظار رد الفعل، وهو ما استكملته سياسات وتوجهات إدارة الملك سلمان والتي أبرزت التوجهات القيادية الاستقلالية للمملكة، بعد أن حسمت أمرها بيدها واتخذت قرار عاصفة الحزم الذي جعل المملكة تمسك بزمام المشهد الإقليمي، وأصبح هناك ما يشبه تصنيفا عربيا بين من هم مع المملكة ومن هم ليسوا معها، ولقد فرض هذا القرار على كافة القوى تكييف ذاتها مع القرار السعودي، وعلاوة على ذلك تمكنت المملكة من اختطاف وجذب الأنظار الإقليمية عبر قراراتها الجريئة والمبادرة في الداخل، وطرحها رؤية المملكة 2030 في إبريل 2016، والتي اجتذبت الانتباه الدولي بحديثها عن اعتزام إنشاء صندوق سيادي هو الأكبر في تاريخ البشرية بقيمة 2 تريليون دولار، وبتوجهاتها نحو تقليص الاعتماد على النفط.
حدود العسكرة في السياسة السعودية:
على الرغم من تبني المملكة لتوجهات وتوظيف للأدوات العسكرية في سياساتها الخارجية، إلا أن هناك توجها سعوديا لتبني مفهوم القيادة بالقوة الناعمة واكتساب مكانة إقليمية تجعلها تدير سياسات الإقليم من دون حاجة إلى عسكرة سياستها الخارجية، فلقد أدت عسكرة السياسة السعودية أهدافها الرئيسية في إبداء مظاهر الحسم والحزم خلال السنة الأولى من حكم الملك سلمان، ولكن بلوغ هذه السياسة أقصى مدى لها في اليمن وسوريا كان له تبعاته الإيجابية والسلبية، الذي من المرجح أن تستفيد منه المملكة خلال السنوات المقبلة على الجانب الإيجابي وأن تتراجع عن بعض جوانبه على الجانب السلبي، فلا تستطيع السعودية مواصلة سياسة الحزم بالأدوات العسكرية فقط، وهو ما يتعارض مع مكانتها الإسلامية، حيث أن من شأن العسكرة المتزايدة أن تنال من المكانة الروحية والدينية لها في العالم الإسلامي، وهناك حرص على التركيز على هذا الجانب في المستقبل، مع تركيز “رؤية 2030” على مفهوم أن مكانة المملكة لا تقتصر على قوة الاقتصاد والنفط، وإنما على مكانتها الدينية والحضارية وقيامها على رعاية وخدمة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وفي هذا إعادة تعريف واكتشاف لدور المملكة الإسلامي والعالمي. وهنا على الأرجح سوف تتركز قدرة المملكة على قيادة تحالف سياسي وعسكري إسلامي وعربي يكتفي بالردع ولا يمارس القوة بأدواتها العسكرية المباشرة إلا في الحالات النادرة وفي أضيق الحدود؛ فمكانة المملكة تفرض عليها إظهار القوة دون استعمالها، وذلك حتى تحتفظ بالتحالف القائم خلفها، وهو التحالف المبني بالأساس على مكانتها الدينية والروحية. وتمكن الظروف والأوضاع الراهنة المملكة من لعب هذا الدور القيادي الخاص، بالنظر إلى الافتقاد إلى مشروع إسلامي وعربي متماسك تقوم عليه قوة أخرى، حيث أن مختلف الدول العربية والإسلامية ليست في الوضع المناسب، أو لا تستطيع تشكيل تحالف من هذه النوعية يشكل القاطرة التي تجمع الكل حولها على نحو ما فعلت المملكة.
تحالفات القوة الناعمة أساسية لقوة المملكة فى الاقليم :
لا تستطيع المملكة منفردة الاضطلاع بدور عسكري إقليمي، ومن ثم فإن فهم دورها ومكانتها بالأساس يجعلها واسطة العقد بين قوى العالم العربي والإسلامي، وعلى خلاف الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، التي لم تكن تمكن المملكة من تبني فكرة القيادة في العالمين العربي والإسلامي، بسبب الصراع الدولي الثنائي القطبية وعلى مناطق النفوذ، فمع بروز فراغات القوة الإقليمية حاليا، ومع الترحيب الدولي بمثل هذه الأدوار للقوى المقتدرة في مناطقها تعد الأوضاع مناسبة لتحالف إقليمي تقوده المملكة يسد خانة في العالم الإسلامي والمحيط العربي، اللذين تتناهشهما التهديدات والصراعات على الأدوار والأيديولوجيا، ويتوقع أن يدخلا في صراعات ممتدة مع قوى الإرهاب والجماعات الإسلامية، وهو تحالف يشكل في الوقت نفسه قوة ردع أساسية ضد الاستفراد الإيراني بمنطقة الخليج.
وفي النهاية لن يقدر على محاربة الإرهاب إلا العالم الإسلامي نفسه، ولن يقدر على نزع وتصفية الأفكار المتطرفة إلا رؤى إصلاحية متطورة من داخل دار الإسلام، وهو ما لن ينجح فقط بالتحالفات العسكرية العربية الإسلامية أو الإسلامية الدولية، وإنما من خلال تطوير اجتهادات جديدة وتجديد النظام التعليمي وتطوير النظريات الدينية القديمة لإنتاج رؤى فقهية تناسب العصر.
ضمن هذا السياق، فإن الدور الإقليمي للمملكة السعودية فى عهد الملك سلمان يقوم بالأساس على مسؤوليتها تجاه تطوير وترقية أوضاع المسلمين، واستنبات رؤى اجتهادية عصرية تكرس تعايش العالم الإسلامي مع العالم غير الإسلامي، وتعيد طرح الإسلام بشكل حضاري باعتباره دينا قابلا للتفاهم والتصالح مع الأديان الأخرى، ويمكن للرؤى التجديدية التي تخرج منها أن تكون بالغة التأثير، خصوصا وأن هذه الرؤى تتبعها حركة المنظمات الخيرية الإسلامية. وهذا الجهد السعودي يحتاج لعقود طويلة لأجل أن يحدث أثره، وليعيد تعريف المسلمين بالإسلام الحقيقي، ويعيد تقديم الإسلام إلى غير المسلمين. وهنا يتحول لدور المملكة الإسلامي من دور تقليدي إلى دور حركي مندفع برؤية وأيديولوجيا على الأرجح أن تشكل بديلا تنويريا إسلاميا للأيديولوجيات المتطرفة التي خرجت من رحم العالم الإسلامي وتربت عليها أجيال انتهت بالظاهرة الإسلامية إلى أن أصبحت أشكالا مستنسخة من الحركات الإرهابية، وخرجت تماما عن دائرة الإسلام العظيم.
وباختصار أصبحت السعودية قائدة إقليمية بتوجهاتها العسكرية الراديكالية في الخارج، وبقدرتها على جذب الانتباه إلى أفكارها التطويرية الجديدة والجرئية في الداخل وعلى الصعيد الإٌقليمي
11 – المستخلص
ناقشت الدراسة تأثير التحولات السياسية السعودية للمملكة العربية السعودية فى الشرق الاوسط ، وطرحت إشكالية رئيسية تمحورت حول المشكلة التى يعيشها خصوم المملكة ومن لم يدرك حتى الآن «السعودية المتجددة»، وهم يعانون واحدة من أكثر أزمات التحليل السياسي الآن، وبالنظر الى النجاحات السعودية، والتي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، لا سيما على مستوى تحسين الأجواء الإقليمية في سبيل تكوين كتل توافقية في المنطقة، ليس في كل القضايا التي تخص المنطقة، وفي تغليب منطق الدولة ومصلحة البلاد في حالة التوتر والتنافسية بين الدول الكبرى مع الصعود الجديد للصين.
وقد هدفت الرؤية لإحداث نجاح سعودي لا يمكن أن تخطئه عين المراقب، حيث شكلت وحدة الموقف السياسي لدول الخليج تجاه القضايا الكبرى، على رأسها المخاوف الأمنية وحماية الاستقرار والحرب على الإرهاب والكيانات والميليشيات، ثابتاً لا يمكن التنازل عنه، ومع ذلك فوحدة المواقف السياسية لا تعني التطابق في وجهات النظر حول التعامل مع ملفات داخلية أو خارجية لا تؤثر على الرؤية الكلية المتصلة بالهوية المتجانسة للكيان الخليجي، وهذا السماح بوجهات نظر تختلف ولا تتضاد لم يعد حديث خاصاً، بل هو متاح للنقاش وتقريب وجهات النظر للوصول إلى موقف متجانس.
يجب علينا استشعار ملامح المرحلة التي دشنها العهد السعودي الجديد، والتي دشنت منطق الدولة، ومصلحتها فوق كل اعتبار، ومنحت هذا الكيان العظيم ثباتاً سياسياً وإعادة تعريف لما يستحقه من مكانة تجعله في مقدمة دول العالم العربي والإسلامي.
وهو ما يعني بعبارة أدق أن الاستقرار السعودي وتكريسه أسلوب عمل في المنطقة ليس مجانياً، بقدر ما أنه انعكاس لفهم حساسية المرحلة والتوقيت وإعادة موضعة المملكة بوصفها نموذجاً لدولة الاستقرار والرفاه رغم الكثير من التحديات التي على عاتقها، وأبرزها التحديات الأمنية وأزمات المنطقة المتراكمة والمعقدة.
واعتمدت على المنهج الوصفي التحليلي لتحليل العلاقة للمملكة والنظام السياسي الاقليمى حول الشرق الاوسط وخلصت الدراسة الى ان المرجح أن السياسة الخارجية والدفاعية السعودية سوف تحافظ على الكثير من توجهاتها الإقليمية والدولية بعد تصعيد الأمير محمد بن سلمان لمنصب ولاية العهد، وخاصة فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب، والتصدي لتمدد إيران، وتكثيف التحالف في مواجهة الدوحة وتركيا، ودعم الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وخلق شبكة من المصالح مع روسيا، بحيث يعكس الدخول في شراكات متعددة وليس شراكات حصرية، مع تغيرات في بعض الملفات الإقليمية، مثل تخفيض منسوب المشاركة في التفاعلات الداخلية السورية، وإعادة النظر في تحالفات قوات التحالف العربي داخل اليمن، على نحو يقود في التحليل الأخير إلى تنويع الخيارات، في ظل أزمات إقليمية شديدة السيولة والتحول في التحالفات، لاسيما مع بدء الدخول لعصر “المملكة الرابعة”.
المراجع العربية
1 – قبلان، مروان محرر˛ (2021). التحولات الاجتماعية في دول الخليج العربية: الهوية والقبيلة والتنمية. الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
2 – كوك، مريم ˛ (2022). القبلية الحديثة: رسم أمم جديدة في الخليج العربي (Tribal Modern: Branding New Nations in the Arab Gulf). لوس أنجلوس: مطبعة جامعة كاليفورنيا.
3 – عدنان، أحمد ˛ (2019). السعودية البديلة: ملامح الدولة الرابعة. بيروت: التنوير للطباعة والنشر والتوزيع.
4 – ابن صنيتان، محمد ˛ (2018). السعودية الدولة والمجتمع: محددات تكون الكيان السعودي. بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
5 – الزيدي، مفيد ˛ (2017). محاولات الإصلاح السياسي في السعودية. المستقبل العربي، 38(435).
6 – ريتش، بن حمد˛ (2018). الإصلاح الاستبدادي في المملكة العربية السعودية (Authoritarian Reformism in Saudi Arabia). العلاقات الدولية الإلكترونية، 13 يوليو. تاريخ الاطلاع 11 مارس 2023. https://www.e-ir.info/2018/07/23/authoritarian-reformism-in-saudi-arabia/
7 – ابن صنيتان، محمد ˛ (2023). دراسة في النخب السعودية: دراسة في التحولات والإخفاقات. بيروت: دراسات الوحدة العربية.
8 – محمدي، وجدي وسيد، حسن ˛ (2017). الإصلاح الاقتصادي في مواجهة التحديات الاقتصادية الحالية والمستقبلية للمملكة العربية السعودية. مجلة البحوث المالية والتجارية، 18(4).
9 – فارس، ناجي ساري ˛ (2016). الآثار الاقتصادية للسياسة النفطية في المملكة العربية السعودية. مركز دراسات البصرة والخليج العربي، 29.
10 – آل درويش، أحمد وآخرون ˛ (2018). المملكة العربية السعودية معالجة التحديات الاقتصادية الناشئة للحفاظ على النمو. صندوق النقد الدولي.
11 – كينينمونت، جين ˛(2017). رؤية 2030 والتقشف والتحول في العقد الاجتماعي في المملكة العربية السعودية (Vision 2030 and Saudi Arabia’s Social Contract Austerity and Transformation). المعهد الملكي للشئون الدولية (The royal institute of international affairs)، يوليو.
12 – نوروزمان، محمد ˛ (2018). رؤية المملكة العربية السعودية 2030˛ هل تنقذ الشرق الأوسط أم تغرقه؟ (Saudi Arabia’s ‘Vision 2030’: Will It Save Or Sink the Middle East?). العلاقات الدولية الإلكترونية (E-International Relations)، 10 يوليو.
13- مسعودي، يونس ˛ (2014). التحول الديمقراطي مقاربة مفاهيمية نظرية. مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية، مارس. العدد صفر، ص 149.
14- كريبش، نبيل ˛(2019). آفاق التحول الديمقراطي العربي في ظل الموجة الرابعة. مجلة العلوم الإنسانية، 31. ص 229.
15 – مسعودي، يونس (2018). التحول الديمقراطي مقاربة مفاهيمية نظرية. مرجع سابق. ص 150:152.
16- توفيق إبراهيم، حسنين (2023). الانتقال الديمقراطي: إطار نظري. مركز الجزيرة للدراسات، 24 يناير. تاريخ الاطلاع 20 إبريل 2023،
17 – العقباوي، شاهيناز ˛(2019). السعودية نحو مستقبل أكثر تميزًا ورؤية مختلفة للبناء. المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية، الاقتصادية والسياسية، 4 نوفمبر. تاريخ الاطلاع 11 مارس 2023، https://democraticac.de/?p=63222
18 – جبريل، أمجد أحمد (2019). أزمات النظام السعودي بين الاستمرارية والتغير. مجلة المعهد المصري للدراسات، 4(15)، ص 42.
19- أبو عامود، محمد سعد (2020). التحول الديمقراطي في دول الخليج. مجلة الديمقراطية، 9 (34).
20 – الدنسيوي، جمال ˛ (2021). العجز الديمقراطي في دول الخليج. مركز الدراسات الاستراتيجية، 159.
21- زغوني، رابح˛ (2022). الاقتصاد السياسي لدولة الريع النفطي العربية ما بعد الصدمة. مجلة المفكر، 17(1).
22- الدنسيوي، جمال˛ (2018). الدولة الريعية في منطقة الخليج العربي: السمات والأبعاد. مجلة الديمقراطية، 15.
23 – الاقتصاد السياسي للخليج ˛(2022). مركز الدراسات الدولية والإقليمية، جامعة جورج تاون، التقرير الثالث.
24 – بازوبندي، سارة ˛ هنية، آدم ˛ (2022). الرأسمالية والطبقية في دول الخليج العربي. إيمان معلوف (مترجم). الكويت: منشورات تكوين.