في الواجهةمقالات قانونية

عقوبة التعدد المعنوي في التشريع المغربي والمقارن –  سفيان العكشيوي

 

عقوبة التعدد المعنوي في التشريع المغربي والمقارن

 سفيان العكشيوي
باحث في المرحلة الأخيرة من سلك ماستر العدالة الجنائية والعلوم الجنائية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس

إن مفهوم الجريمة لا يتحقق قانونا إلا إذا وجد نص قانوني يجرم الفعل أو الامتناع ويعاقب عليه، فالجاني عند ارتكابه لجريمة واحدة يستحق عقوبة واحدة وهي العقوبة التي أقرها المشرع لتلك الجريمة المقترفة، وهنا نكون أمام الحالة العادية، إلا أنه قد يحدث أن ترتكب عدة جرائم ونكون  بصدد ما يعرف بتعدد الجرائم التي عرفه الفقه بأنه “اقتراف الشخص عدة جرائم لا يفصل بينهما حكم بات”، وعرفه البعض الآخر”بالحالة التي ينسب فيها للشخص عدة جرائم سواء كان ذلك عن فعل واحد قام به أو من عدة أفعال مادام لم يحكم عليه نهائيا في إحدى هذه الجرائم”[1].

والتعدد في الجرائم إما يكون ناشئا عن فعل واحد فيسمى تعدد معنوي (صوري) أو أن يكون ناشئا عن عدة أفعال  فيسمى تعدد مادي (حقيقي) هذا الأخير يقصد به ارتكاب الجاني عدة أفعال مادية مستقلة يكون كل منها جريمة قائمة بذاتها سواء أكانت هذه الجرائم من نوع واحد كأن تكون كلها سرقات أو من أنواع مختلفة كارتكاب جرائم قتل وضرب وسرقة واحتيال . . . إلخ.

أما النوع الثاني المتمثل في التعدد المعنوي (صوري)، وهو موضوع دراستنا فيقصد به الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة، فالفاعل في التعدد المعنوي يرتكب فعلا واحدا تنشأ عنه عدة جرائم لكل جريمة منها وصف قانوني مختلف عن الأخرى. فقد تتداخل فيما بينها الأوصاف القانونية للأفعال الجنائية بسبب وجود عناصر مشتركة بين بعض الجرائم وبعضها الآخر، وهذا التداخل قد يكون بين جريمتين مختلفتين في النوع : جناية أو جنحة أو مخالفة أو متحدتين فيه.[2]

ويثار التساؤل بهذا الخصوص حول عقوبة التعدد المعنوي للجرائم؟، إذ ساهمت الآراء والنظريات الفكرية حول عقوبة التعدد المعنوي للجرائم في دفع العديد من الدول للتصدي لهذا النوع من الأسباب التي تؤثر في تحديد العقوبة، وبناء عليه قررت أغلب التشريعات ومن بينها التشريع المغربي في حالة التعدد المعنوي العقاب على أشد الجرائم المرتكبة، إلا أن هذه التشريعات تختلف فيما بينها في بعض الأمور المتعلقة بالعقوبة الواجبة التطبيق على هذا النوع من الجرائم ومرد ذلك إلى الفلسفة العقابية المتباينة بين هذه القوانين والتي سنسعى إلى تحديدها في هذا المطلب.

أن المشرع المغربي أسوة بغيره من المشرعين الجنائيين بين العقوبة الواجبة التطبيق في حالة التعدد المعنوي للجرائم، وسنتناول في هذا المطلب العقوبة الواجبة التطبيق في القانون المغربي من خلال الفقرة الأولى، ثم العقوبات المنصوص عليها في بعض التشريعات العربية والغربية في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: عقوبة التعدد المعنوي للجرائم في القانون المغربي

نص المشرع المغربي على عقوبة التعدد المعنوي للجرائم في الفصل  118 ق.ج بقوله: “الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة يجب أن يوصف بأشدها”، ويتبين من خلال هذا الفصل أن المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات العربية الأخرى[3]، أخذ صراحة بنظرية الوصف الأشد، ويمكن تفسير هذا الموقف على النحو السابق بأنه سعي من طرفه إلى تحقيق نوع من التوازن العادل في عقاب الفاعل يراعي مصلحة الجاني من خلال التخفيف حينما يمنع مساءلته عن عدة جرائم بسبب تعدد الأوصاف التي يقبلها الفعل الواحد، مادام هذا الفاعل لم يرتكب في الحقيقة سوى فعلا واحدا، ومصلحة المجتمع في ردع كل من حاول إتيان مثل ذلك الفعل مجددا عن طريق مساءلة نفس الفاعل عن أشد الأوصاف الجنائية التي تترتب عن الفعل الذي اقترفه[4]

ولا يقصد من الفصل 118 من ق.ج.م بتوقيع العقوبة الأشد أنه لم يقع غيرها ولكن يكتفي المشرع بالعقاب على الوصف الأشد، ويتضح ذلك من خلال استعماله لعبارة “…يقبل أوصافا متعددة” فهو بذلك يقر بأن الأصل في التعدد المعنوي هو تعدد العقوبات، إلا أنه عاقب فقط على وصف واحد من بين هذه الأوصاف المتعددة ،وقد توخى من خلال ذلك الغاية من العقوبة وتحقيق العدالة الجنائية.

والمشرع عندما نص في الفصل أعلاه على عقوبة الوصف الأشد فإنه يكون بذلك قد استبعد تطبيق عقوبة الوصف الأخف أو تشديد العقاب عن طريق جمع عقوبات الأوصاف المترتبة عن الفعل الواحد ومعاقبة الفاعل عن جميع هذه الأوصاف، فلا يؤاخذ المتهم في حالة إذا نتج عن فعله تعدد معنوي للجرائم إلا عن الجريمة ذات الوصف الأشد، وعلى القاضي البحث وتحري هذا الوصف من بين جميع الأوصاف وتطبيق عقوبته وحدها دون العقوبات الأخرى للأوصاف الأخف.

ويقصد بعقوبة الوصف الأشد وفق المشرع المغربي جميع عقوبتها سواء كانت أصلية أو إضافية او تدابير وقائية، ويلاحظ بأنه جعل من قاعدة تطبيق عقوبة الوصف الأشد قاعدة أمرة باستخدام عبارة “… يجب أن يوصف بأشدها”، ومخالفة هذه القاعدة تؤدي إلى نقض الحكم[5] حيث قضت محكمة النقض[6] في أحد قراراتها على أنه “إذا كان الفعل الجرمي الواحد يقبل عدة أوصاف فإنه يوصف بأشدها ويعاقب مرتكبه بالعقوبة الأشد فقط”[7].

وسبيل القاضي في تحديد العقوبة الأشد هو المقارنة بين العقوبات المقررة لكل الجرائم المرتكبة، والعبرة عند المقارنة هي بتقدير القانون للعقوبات الأصلية[8] وفقا لترتيبها[9] في الفصل 14، وإذا اتحدت عقوبات الجرائم درجة ونوعا وجبت المقارنة على أساس الحد الأقصى دون الاعتداد بالحد الأدنى، فإذا كان الحد الأقصى واحدا كانت العبرة عندئذ بالحد الأدنى، وفي الحالة التي يتساوى فيها الحدان يجب النظر إلى ما يلحق بالعقوبات الأصلية من عقوبات إضافية وتدابير وقائية[10].

ولا يجب أن نفهم من تقرير المشرع المغربي في الفصل السابق عقوبة الوصف الأشد بأنه حدد العقوبة في الحد الأقصى لهذا الوصف، ذلك أنه قرر فقط توقيع العقوبة الأشد ويمكن للقاضي في إطار سلطته التقديرية أن يطبق النص المتضمن لعقوبة الوصف الأشد وينزل بها بسبب إعماله لظروف التخفيف[11] إلى حد يؤول في النهاية إلى التلازم مع مقتضى لنص عقوبة الوصف الأخف، فيؤدي ذلك في بعض الأحيان وحسب حيثيات النازلة إلى الحكم بأقل من الحد الأقصى المقرر لعقوبة بعض الجرائم الأخف.

ولا بد من التأكيد على أنه إذا طرأ مانع يحول دون توقيع العقوبة الأشد على الجاني كأن يتوقف تحريك المتابعة على شكوى من أحد الزوجين في حالة الخيانة الزوجية[12] وكانت هذه الجريمة هي الوصف الأشد، فإن هذا لا يعني الحكم ببراءته، بل يجب توقيع العقوبة المقررة للجريمة التي تليها في الشدة[13].

ويطرح التساؤل هنا حول مدى شرعية الحكم بالعقوبة الأشد فقط وإهمال باقي العقوبات الأخف؟.

يبدو من خلال الفصل 118 بأن المشرع المغربي متردد بشأن الحكم بعقوبات أخرى غير عقوبة الوصف الأشد[14]، حيث أوجب على القضاء النطق بالعقوبة الأشد في حالة التعدد المعنوي إلا أنه لم يحدد إذا كانت هذه العقوبة الأشد وحدها القابلة للتطبيق[15]، أم أنه يمكن للقاضي  في إطار سلطته التقديرية الحكم بعقوبات أخرى غير هذه العقوبة، خاصة أن قاعدة العقوبة الأشد لا تخلو من عيوب يظهر أثرها على الخصوص في الواقع العملي، فالمتهم الذي يرتكب فعلا واحدا وينتج عن هذا الفعل عدة أوصاف أو نتائج إجرامية تنطبق على أكثر من جريمة يعاقب على عقوبة الجريمة الأشد دون باقي العقوبات، ويؤدي هذا الأمر في بعض الأحيان إلى الإضرار بالجاني في حالة إذا انصرفت إرادته إلى تحقيق الجريمة الأخف، وبالضحية المطالب بجبر الضرر عن العقوبات الأخف التي منع المشرع على القاضي تطبيقها في حالة التعدد المعنوي.

على أن القول بجواز النطق بعدة عقوبات يتعارض مع منطوق الفصل 118 من المجموعة ومع مبادئ العدالة ومراعاة مصلحة الجاني، وهذا يدفعنا إلى التساؤل -مجددا- حول الحلول الممكنة للتوفيق بين مصالح الجاني والضحية من أجل إرضاء الطرفين وتحقيق شعور عام بالرضى على العقوبة المقررة؟.

ويرى بعض الشراح الفرنسيين مسايرة للنص النطق بالعقوبة الأشد وحدها على أن تعد في الوقت نفسه جزءا لا يتجزأ من باقي العقوبات لتحقيق العدالة[16].

كما يقترح أستاذنا العلمي المشيشي صياغة جديدة للفصل 118 من ق.ج مختلفة عن الصياغة الحالية بقوله: “الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة يجب أن يوصف بأوسطها تشددا في العقوبة”[17]، ويظهر من خلال هذه الصياغة كما سبقت الإشارة إلى ذلك بأنه يقترح تقرير العقوبة الوسطى بدل العقوبة الأشد المطبقة حاليا، وهو ما قد يسمح في نظرنا بتوسيع سلطة القاضي في تقدير العقوبة المناسبة لردع الفاعل من جهة وجبر الضرر بالنسبة للضحايا من جهة أخرى.

أما في مسودة مشروع القانون رقم 16.10 فقد ابقى على نفس الصياغة الواردة في القانون الجنائي الحالي، إلا أن سحبه من اجل مراجعته اختيار حكومي يدعو إلى قليل من التفاؤل حول التعديلات التي من الممكن أن تلحق الفصل 118 من القانون الجنائي الحالي وتراعي التوجهات الحديثة للسياسة الجنائية، خاصة فيما يتعلق بإشراك الضحية وأخذه بعين الاعتبار عند تقرير العقوبة.

بقي أن نشير في الأخير إلى أن المحكمة في تطبيقها لقاعدة الوصف الأشد تصطدم بقواعد الاختصاص، فإذا كان الوصف الأشد جناية واحيل الملف إلى المحكمة الابتدائية فإنها تدفع بعدم اختصاصها او تحيل الملف إلى الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف لأنها هي المختصة بالنظر في الجنايات المرتكبة[18]، فمن المعلوم أن قواعد الاختصاص النوعي تحدد اختصاص كل محكمة حسب الدرجة التي تنتمي إليها وهذا يؤدي إلى أن الوصف الذي يجعل من الفعل جنحة يعود البث فيه إلى المحكمة الابتدائية كدرجة أولى، ولمحكمة الاستئناف بغرفتها الجنحية كدرجة ثانية، والوصف الذي يجعل الجرم جناية يعود النظر فيه لمحكمة الاستئناف عبر غرفتها الجنائية.

والجهة التي يوكل إليها تحديد الوصف القانوني للفعل هي النيابة العامة حسب ما اسفر عليه البحث التمهيدي، وإلى قاضي التحقيق[19] سواء في التحقيق الابتدائي أو التفصيلي، وللمحكمة الحق في تغيير هذا الوصف كلما تبين لها أنه لا يصدق على الواقعة المقترفة من طرف المتهم، غير أن سلطتها هنا مقيدة في حالة ما إذا كان هذا التغيير من شأنه أن يشدد العقوبة، فيجب أن تشعر المتهم وتمنحه فرصة الدفاع عن نفسه والاستماع أيضا لملاحظات النيابة العامة وإلا تعرض حكمها للبطلان[20].

كان هذا بخصوص موقف المشرع المغربي من عقوبة التعدد المعنوي للجرائم، حيث تميز -كما رأينا- بالتردد في تحديد الاثار المترتبة عن الحكم بالعقوبة الأشد، وعدم تحديده لمصير العقوبات التبعية للجرائم الأخف، وإلى جانب المشرع المغربي اهتمت مختلف التشريعات المقارنة بعقوبة التعدد المعنوي للجرائم ونصت عليها في قوانينها الجنائية.

الفقرة الثانية: عقوبة التعدد المعنوي للجرائم في التشريعات المقارنة

اعتبر المشرع المصري التعدد المعنوي للجرائم وكأنه جريمة واحدة بصرف النظر عن تعدد الأوصاف الجنائية[21] حيث عاقب على الجريمة التي عقوبتها أشد دون باقي الجرائم الأخرى[22]، فنص في المادة 32 على أن الفعل الواحد من حيث الأساس قد كون جرائم متعددة، لكنه قام بتجميع هذه الجرائم في جريمة واحدة من أجل تطبيق عقوبة واحدة بالنسبة لها جميعا وقرر أنها العقوبة الأشد[23]، فمن يرتكب جريمة هتك عرض أنثى في الطريق العام طبقا للمادة 268 من قانون العقوبات المصري (الفصل 484 من القانون الجنائي المغربي)، يوصف فعله هذا بأنه يشكل جريمة هتك عرض أنثى وجريمة الإخلال العلني بالحياء المنصوص عليها في المادة 278 من قانون العقوبات المصري (الفصل 483 من ق.ج.م)، ولا يعاقب حسب المشرع المصري إلا عن جريمة هتك العرض باعتبارها الوصف الأشد للفعل.

وفي حالة تشابه الأوصاف الجنائية للفعل الواحد، كإطلاق شخص رصاصة يقتل بها اثنين، فالجاني في هذه الحالة يعاقب عن أي وصف كان من الوصفين المتماثلين فلا يسأل في المثال أنف الذكر إلا عن جريمة قتل واحدة[24]، ما لم توجد نصوص خاصة تحد من مبدأ توقيع العقوبة الأشد وتجعل من تعدد الأوصاف ظروفا مشددة، والمثال على ذلك ما نص عليه المشرع المصري في حالة الحريق العمد الذي يؤدي إلى موت أحد الأشخاص، حيث جاء في المادة 257 على أن موت أحد الأشخاص نتيجة الحريق العمد هو من الظروف المشددة وعقوبتها الإعدام.

وعلى نفس منوال المشرع المغربي والمشرع المصري، نص المشرع العراقي في المادة 141 من قانون العقوبات العراقي[25] على قاعدة الوصف الأشد في حالة التعدد المعنوي ، كما حدد نصوص خاصة تحد من هذه القاعدة ، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في المادة 406 من قانون العقوبات العراقي الذي عاقب بالإعدام الجاني الذي تعمد قتل شخصين فأكثر وإن كان ذلك بفعل واحد، وعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد إذا كان الجاني قصد قتل شخص واحد لكن الفعل ادى إلى قتل شخصين فأكثر، وهذا الأمر يختلف فيه المشرع العراقي عن المشرع المغربي الذي نص على قاعدة الوصف الأشد بصفة مطلقة.

ونفس الأمر بالنسبة للمشرع الأردني والسوري واللبناني والجزائري والقطري اللذان يأخذان صراحة بقاعدة الوصف الأشد في مواجهة حالة التعدد المعنوي للجرائم[26]، إلا أن هناك بعض الاختلافات على مستوى تحديد أثر التعدد المعنوي في كل قانون من هذه القوانين، ومن ذلك أن المشرع الأردني والسوري واللبناني يقرران وجوب ذكر جميع الأوصاف المنطبقة على الفعل الواحد عند الحكم بحالة التعدد المعنوي والوصف الأشد فإن لم تقم المحكمة بذلك يلحق حكمها عيب يؤدي إلى الحكم بالنقض[27] ، وهذا ما نجده حاضرا كذلك -لكن ليس بصيغة الإلزام- في الفصل 118 من القانون الجنائي المغربي، ولا نجده لدى المشرع المصري أو العراقي.

وإذا كان المشرع المغربي مترددا في تحديد مصير العقوبات التبعية والتكميلية للجرائم الأخف بالنسبة لحالة التعدد المعنوي، فإذا المشرع العراقي تدارك النزاع الفقهي والقضائي الذي ثارت ثائرته في تحديد مصير العقوبات الفرعية، حيث حسم الخلاف في المادة 86 من قانون العقوبات القطري، إذا نصت على أنه “لا يخل الحكم بالعقوبة الأشد المقررة للجريمة في المادتين (84، 85) بتوقيع العقوبات الفرعية المقررة للجرائم الأخرى”.

ومن اوجه الاختلاف بين التشريعات العربية، نجد ايضا ان التشريع العراقي لم يبين الترتيب الذي بموجبه يتم اختيار العقوبة الأشد على عكس التشريع المصري فقد بين ذلك[28]، أما المشرع المغربي فقد بين ذلك حيث ميز في الفصل 111 من القانون الجنائي بين الجنايات والجنح التأديبية والجنح الضبطية والمخالفات وحدد أحكامها في الفصول 16 و17 و18 من نفس القانون.

وهكذا يتبين لنا بأن أغلب التشريعات العربية ومن ضمنها التشريع المغربي أخذت بعقوبة الوصف الأشد، ومع ذلك اختلفت هذه التشريعات في ترتيب مجموعة من الاثار الناجمة عن توقيع العقوبة الأشد وفي طريقة تحديدها وتنفيذها، كما أن هذه التشريعات عند تحديدها لعقوبة الوصف الأشد استفادت مما كان عليه الأمر في التشريعات الغربية التي كانت سباقة إلى تحديد عقوبة الوصف الأشد والنص عليها صراحة في قوانينها.

ومن ابرز هذه التشريعات الغربية، نجد التشريع الفرنسي، الذي نص في المادة 5 من قانون العقوبات الفرنسي على أنه “في حالة تعدد الجنايات أو الجنح فإن العقوبة الأشد هي وحدها التي تطبق على الجاني”، فهو -أي المشرع الفرنسي- إلى جانب أنه لم يميز بين التعدد المادي والتعدد المعنوي، فإنه أخذ بعقوبة الوصف الأشد ورتب عليها أثار مشابهة للأثار المنصوص عليها في القوانين العربية، وخاصة قوانين كل من الجزائر والمغرب.

وهناك من التشريعات الغربية التي أجازت للقضاء إلى جانب حكمه بالعقوبة الأشد زيادة العقوبة إلى النصف في حالة التعدد المعنوي، ومن هذه التشريعات ما نص عليه المشرع السويسري في المادة 68 منه، حيث جاء فيه “إذا استحق المجرم أكثر من عقوبة مقيدة للحرية بواسطة فعل واحد أو أفعال متعددة فإن على القاضي أن يحكم عليه بعقوبة الجريمة الأشد وله ان يزيدها تبعا للظروف على أن لا تتجاوز هذه الزيادة نصف العقوبة المقررة لتلك الجريمة ولا يتقيد بالحد الأقصى لتلك الجريمة”.

أما المشرع الإيطالي فقد خالف جميع الاتجاهات التشريعية السابقة ونص على تعدد العقوبات في حالة التعدد المعنوي، ومع ذلك لا لم يقل احد من الفقهاء بأن الصيغة التي جاءت بها النصوص الخاصة بالتعدد المعنوي والواردة في قانون العقوبات الإيطالي خروجا على ما هو مسلم به، إذ أن الأصل أن يعاقب المشرع عن كل جريمة بالعقوبة المقررة لها والاستثناء هو إيقاع العقاب بعقوبة واحدة متمثلة بالجريمة ذات الوصف الأشد[29].

وهكذا يتبين لنا بعد جرد بعض مواقف التشريعات المقارنة المتعلقة بالتعدد المعنوي، بان أغلب هذه التشريعات اخذت بنظرية الوصف الأشد، والبعض منها أخذ بتعدد العقوبات في حالة تعدد الاوصاف كما هو الحال بالنسبة للمشرع الإيطالي، وهناك من التشريعات من حددت عقوبة مختلفة حيث أوجبت الحكم بالعقوبة الأشد وأجازت للقاضي ريادة هذه العقوبة إلى النص دون التقيد بالحد الأقصى للعقوبة الأشد كما هو الشأن بالنسبة للمشرع السويسري.

 

[1] حلال ثروت،” قانون العقوبات القسم العام، الطبعة  الأولى، الدار الجامعية للطباعة و النشر، مصر، الإسكندرية، سنة: 1984 ص:276.

[2] رأفت عبد الفتاح حلاوة، تعدت الجرائم والآثار الناشئة عنه دراسة مقارنه بالفقه الإسلامي،  دار النهضة العربية، 22 شارع عبد الخالق ثروت، القاهرة، بدون ذكر الطبعة، سنة: 2003،  ص: 6.

[3] والتي سنتعرف عليها بشيء من التفصيل في إطار الفقرة الثانية.

[4] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام، بدون دار النشر، طبعة 2019، ص 388.

[5] نجوى حدروني، مرجع سابق، ص 119.

[6] المجلس الأعلى سابقا.

[7] قرار عدد 1492 بتاريخ 19/02/1987 في الملف الجنحي رقم 10596/86، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 40.

[8] الفصول 16 و 17 و 18 من القانون الجنائي.

[9] حيث جاء فيه “العقوبات الأصلية إما جنائية أو جنحية أو ضبطية”.

[10] الفصول 32 و 61 و 62 من القانون الجنائي.

[11] ينص الفصل 146 “إذا تبين للمحكمة الزجرية، بعد انتهاء المرافعة في القضية المطروحة عليها، أن الجزاء المقرر للجريمة في القانون قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة، أو بالنسبة لدرجة إجرام المتهم، فإنها تستطيع أن تمنحه التمتع بظروف التخفيف، إلا إذا وجد نص قانوني يمنع ذلك.

ومنح الظروف المخففة موكول إلى تقدير القاضي، مع التزامه بتعليل قراره في هذا الصدد بوجه خاص، وآثار الظروف المخففة شخصية بحتة، فلا تخفف العقوبة إلا فيما يخص المحكوم عليه الذي منح التمتع بها…”.

[12] ينص الفصل 491 في فقرته الأولى على أنه ” يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية، ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه”.

[13] محمد عوض، قانون العقوبات / القسم العام، دار الجامعة الجديدة للنشر، طبعة 2000، 697.

[14] سامر سعدون العامري، تعدد الجرائم وأثره في العقاب والإجراءات الجزائية -دراسة مقارنة-، رسالة مقدمة إلى عمادة الدراسات العليا استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الحقوق قسم القانون العام، جامعة مؤتة، 2005، ص 132.

[15] فكان عليه إضافة عبارة “دون غيرها” أو عبارة “فقط” إذا قصد تطبيق عقوبة الوصف الأشد وحدها.

[16] إسماعيل محمود إبراهيم، مرجع سابق، ص 739.

[17] العلمي المشيشي، مرجع سابق، ص 91.

[18] فإذا افترضنا أن شخصا تم تقديمه للمحاكمة أمام محكمة ابتدائية من أجل جريمة الإخلال العلني بالحياء وفق الفصل 483 من ق.ج، واتضح بعد مناقشته للقضية أن الأمر يتعلق بهتك عرض قاصر يقل سنه عن 18 سنة بدون عنف، وفق الفصل 484 من ق.ج، فإن المحكمة تلجأ أولا إلى إعادة تكييف الجريم  المرتكبة من الوصف الأخف، الذي هو الإخلال العلني بالحياء، إلى الوصف الأشد الذي هو هتك عرض قاصر بدون عنف، وذلك تماشيا مع ما يفرضه الفصل 118 من ق.ج، وفي مرحلة ثانية تلجأ المحكمة المذكورة إلى إصدار حكمها بعدم اختصاصها نوعيا بالنظر في القضية تنفيذا لمقتضيات المادة 390 من قانون المسطرة الجنائية.

أوردته، نجوى حدروني، مرجع سابق، ص 121.

[19] في الحالات التي يتدخل فيها قاضي التحقيق في الدعوى العمومية وهي إما ان تكون إلزامية او اختيارية، حيث ينص الفصل 83 من قانون المسطرة الجنائية المغربي على أنه “يكون التحقيق إلزاميا:

1) في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة؛

2) في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث؛

3) في الجنح بنص خاص في القانون .

يكون اختيارياً فيما عدا ذلك من الجنايات وفي الجنح المرتكبة من طرف الأحداث، وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر”.

[20] حسن البكري، تعدد الجرائم وأثره على العقوبة، الطبعة الأولى 1999، مكتبة الرشاد، ص 85.

[21] سليمان عبد المنعم، النظرية العامة لقانون العقوبات، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2000، ص 379.

[22] تنص المادة 32 من قانون العقوبات المصري على أنه “إذا كون الفعل جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها”.

 

[23] شكري الدقاق، تعدد القواعد وتعدد الجرائم في ضوء الفقه والقضاء دار الجامعات المصرية، الإسكندرية، بدون تاريخ النشر، ص 229.

[24] علي حسين الخلف، تعدد الجرائم وأثره في العقاب في القانون المقارن، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، ص 138.

[25] جاء في المادة 141 من قانون العقوبات العراقي على أنه “إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بالعقوبة المقررة لها، وإذا كانت العقوبات متماثلة حكم بإحداها”.

[26] ينص المشرع الأردني في الفقرة الأولى من المادة 57 على أنه “إذا كان للفعل عدة أوصاف ذكرت جميعها في الحكم، فعلى المحكمة أن تحكم بالعقوبة الأشد”.

وجاء في المادة 180 من قانون العقوبات السوري ما يلي: “إذا كان للفعل عدة أوصاف ذكرت جميعا في الحكم على أن يحكم القاضي بالعقوبة الأشد”. ويطابقها نص المادة 181 من قانون العقوبات اللبناني.

أما المشرع القطري فقد نص في المادة 84 بأنه “إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة، فيجب اعتبار الجريمة في عقوبتها أشد، والحكم بعقوبتها دون غيرها”.

وينص المشرع الجزائري في المادة 32 من قانون العقوبات على أنه “يجب أن يوصف الفعل الواحد الذي يحتمل عدة أوصاف بالوصف الأشد من بينها”.

وتجدر الإشارة إلى أن ذكر هذه التشريعات العربية جاء على سبيل المثال، فقط فإلى جانب هذه التشريعات اخذت معظم قوانين الدل والعربية بقاعدة الوصف الأشد للعقوبة، إلا أنها تختلف في بعض الأمور من حيث تحديد الأثر وما إلى ذلك.

[27] نظام المجالي، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، طبعة 2005، ص 480.

[28] بين التشريع المصري الترتيب الذي يستعين به القاضي في تحديد العقوبة الأشد في الفصول 10 و11 و12 من قانون العقوبات المصري.

ينظر قانون العقوبات المصري.

[29] للتفصيل اكثر أنظر، محمد عوض، قانون العقوبات، القسم العام، روابي للطباعة والإعلان، الإسكندرية، بدون تاريخ النشر، ص 610.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى