في الواجهةمقالات قانونية

 صندوق الزكاة المغربي بين مطلب التفعيل والتدبير لأزمة “كورونا المستجد”

 صندوق الزكاة المغربي بين مطلب التفعيل والتدبير لأزمة “كورونا المستجد”

                                                          ياسر غالم

طالب باحث بسلك الماستر: المالية التشاركية

                                        كلية الحقوق فاس

لقد تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد أو الفيروس التاجي في ركود اقتصادي لم تشهد له دول العالم سواء المتقدمة أو النامية مثيلا منذ 1929 التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وبعد ذلك أزمة 2008 التي اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929[1]. حيث أحدث اضطرابا على مستوى تطلعات الدول التي كانت تتوقع نموا اقتصاديا متقدما لسنة 2020 خاصة الدول البترولية والصناعية، ثم إن هذه الجائحة خلقت ارتفاعا في مستوى البطالة في صفوف الطبقة العاملة سواء في القطاع المهيكل أو غير المهيكل إلى ما يقارب 20 مليون[2] شخص توقف عن العمل، هذا راجع إلى نتيجة فرض الحجر الصحي الذي فرضته جل دول العالم، ونتيجة لإغلاق الشركات والمقاولات الصغرى منها والمتوسطة التي تعتبر المحرك الأساسي للاقتصاد خاصة بالنسبة للدول النامية كالمغرب نموذجا.

إن المغرب كغيره من الدول ذاق وابل الجائحة[3] الناتجة عن تفشي الفيروس داخل التراب الوطني، حيث سارعت الدولة المغربية بقيادة الملك محمد السادس إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية منها إغلاق الحدود الترابية، وإحداث صندوق مواجهة جائحة كورونا، الذي خصصت له من ميزانية الدولة 10 مليار درهم، ثم أعقب هذه الفترة منذ 16 مارس، إحداث جملة من المراسيم والقوانين للحد من آثار فيروس كورونا الاجتماعية والاقتصادية.

من بين هذه القوانين المرسوم بمثابة قانون حالة الطوارئ[4]، الذي نص على فرض الحجر الصحي في كل جهات المملكة منذ 20 مارس 2020، إذ نتج عن هذا القانون توقف شريحة كبيرة من المجتمع المغربي عن العمل، والتي وجدت نفسها بدون دخل وعلى إثر ذلك توقفت مجموعة من المقاولات الصغيرة والمتوسطة عن العمل في ظروف استثنائية قد تجر بها إلى صعوبات. لذلك تم إحداث صندوق مواجهة كورونا[5] بإشراف جلالة الملك محمد السادس من أجل تعويض الطبقة العاملة في القطاعين المهيكل وغير المهيكل، والتخفيف على المقاولات والشركات من تداعيات كورونا، رغم ذلك يبقى هذا الصندوق محدود في مواجهة هذه الأزمة وتغطيته للاقتصاد الوطني الذي سيعاني من الركود الاقتصادي لمدة من الزمن حتى يعود للانتعاش من جديد.

لذلك من الأمور التي حان الوقت للتفكير فيها و بعزم صارم كيفية مواجهة العجز الاقتصادي المغربي ومحاولة النهوض به بعد جائحة كورونا بطرق تعزز تقوية الاقتصاد المغربي سواء على المستوى الوطني أو في مواجهة الاقتصادات العالمية ومن تلك الأمور ضرورة تفعيل صندوق الزكاة المغربي، الذي يعتبر من أهم مؤسسات المالية الإسلامية التي أبانت بالفعل عن مدى تدبيرها للأزمات الاجتماعية والاقتصادية في كثير من الدول العربية و الإسلامية التي أسست لهذا الحساب الزكوي.

من خلال هذه الورقة البحثية حول موضوع مؤسسة صندوق الزكاة يتبادر إلى ذهننا إشكالية مفادها إلى أي حد يمكن لصندوق الزكاة المغربي عند تفعيله أن يساهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن جائحة فيروس كورونا المستجد؟

أولا: الضرورة الملحة لتفعيل صندوق الزكاة المغربي

ثانيا: التأثيرات المحتملة لصندوق الزكاة المغربي في مكافحة الركود الاقتصادي                 الناتج عن أزمة كورونا.

أولا: الضرورة الملحة لتفعيل صندوق الزكاة المغربي

كما هو معلوم أن صندوق الزكاة ليس وليد اللحظة للتفكير في إحداثه حيث إن له وجود منذ أربعين سنة، فقد كان الملك الراحل الحسن الثاني قد طالب بإحداثه عبر مرحلتين الأولى في سنة 1979 والثانية في سنة 1998 حيث تم إحداثه بالفعل ليبقى بدون قانون منظم إلى يومنا هذا رغم أن الإشارة إليه تظهر في كل قوانين مالية الدولة.

ويشار إليه في كل قانون المالية إلى غاية القانون رقم 130.13[6] “للتذكرة” وتعود أسباب عدم تفعيله حسب اعتقادنا إلى عدة عوامل منها عوامل قانونية كعدم التوصل إلى قانون منظم لصندوق الزكاة على غرار مجموعة من الدول العربية والإسلامية، وأخرى ترجع إلى الجهة التي سيوكل لها تدبير هذا الحساب الذي يتميز بمجموعة من الخصائص عن غيره من الصناديق المحدثة في المملكة المغربية ومنها عدم وجود لجنة ذات كفاءة شرعية لممارسة رقابتها على هذا الصندوق الذي يتعين فيه بالدرجة الأولى اكتساب ثقة المزكين المسلمين من المجتمع المغربي وطمأنتهم حول الأموال التي سيخرجونها وعدم اصطدامها مع الجباية الضريبية. وكذلك طمأنة المزكين حول مآل الأموال التي ستوجه إلى الصندوق. ولهذه الأسباب نقترح مجموعة من الحلول من أجل التطبيق الفعلي لصندوق الزكاة وهي كالتالي:

–       الإسراع بتفعيل صندوق الزكاة لمواجهة التداعيات التي يشهدها المغرب من خلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا مطلب ضروري منه، نظرا للدور الكبير الذي تلعبه هذه المؤسسة في التخفيف من عبء الإنفاق على عاتق الدولة.

–       يسند الإشراف والرقابة للدولة حفاظا على أموال الزكاة من كل تلاعب واختلاس.

–       يجب أن تكون مؤسسة الصندوق تحت إشراف الدولة بتوجيه من القيادة العليا للبلاد.

–       يجب أن يكون التنظيم والتسيير إلى أفراد ميسورين أتقياء، يتطوعون لهذه المهمة السامية الشرعية، وأن يخضع الصندوق إلى رقابة صارمة من الدولة حفاظا على أموال الزكاة.

–       أن تكون ميزانية مؤسسة الصندوق مستقلة عن الميزانية العامة.

–       إخضاع مراقبة الصندوق إلى اللجنة الشرعية للمالية التشاركية[7] وذلك لما لهذه اللجنة من دور فعال في مجال الرقابة الشرعية من خلال مراعاة أحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية خاصة أن الزكاة تعتبر ركنا من أركان الشريعة الإسلامية السمحاء.

ثانيا: التأثيرات المحتملة لصندوق الزكاة المغربي في مكافحة الركود الاقتصادي                                    الناتج عن أزمة كورونا,

مما لا شك فيه أن الدولة المغربية تمر بأزمة خانقة في هذه الفترة التي تتزامن مع تفشي فيروس كورونا المستجد والذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية تمس الجانب الاقتصادي والاجتماعي للدولة.

ومن آثار هذه الجائحة التي أصبح يعاني منها المجتمع المغربي، انعدام الدخل اليومي وارتفاع درجة الفقر الناتج عن فرض الحجر الصحي وإن كان هذا الأخير فيه من الإيجابيات التي ظهرت من خلال الأرقام التي تسجل في صفوف المصابين والتي تعتبر إيجابية، وما استتبع هذا الحجر الصحي من انكماش اقتصادي، الأمر الذي فرض على السلطات المختصة بقيادة الملك إلى ضرورة إحداث صندوق خاص لمواجهة الأزمة ومخلفات الجائحة حيث رصدت له ميزانية ضخمة قدرت بم مجموعه حوالي 32 مليار درهم  وهو ما انعكس إيجابا في مواجهة الأزمة.

لكن يبقى لصندوق الزكاة دور لا يقل أهمية في مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

وصندوق الزكاة هو فكرة نشأت لمساعدة الفقراء والمساكين من الناس، من خلال تجميع الأموال التي تخرج من الزكاة في صندوق، ويوضع هذا الصندوق تحت إشراف مؤسسة مستقلة عن مؤسسات الدولة وتحت رقابة إشرافية من الجهات العليا داخل الدولة.

ولهذا الصندوق آثار في مجابهة الأزمة إن تم تفعيله ويمكن إبراز هذه الآثار في النقاط التالية:

–       تحويل جزء من أموال صندوق الزكاة إلى العاملين في القطاعات المتضررة من الأزمة الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا، حفاظا على الأجراء كيلا تتأثر هذه الطبقة التي تنحدر من الوسط الاجتماعي الكادح في معظمه من تداعيات الأزمة مستقبلا.

–       مساعدة الطبقات المعوزة والفقيرة وذلك من خلال رصد مبالغ مالية من الصندوق وتوجيهها إلى هذه الطبقات الفقيرة والمسجلة في قائمة حسابات صندوق الزكاة على غرار الدول العربية كالأردن[8] وقطر.

–       دوام دفع الزكاة طوال العام، الذي يتزامن مع فترة الانكماش الاقتصادي وعدم سقوطها بالتقادم، ومعنى ذلك أن تأثير الزكاة في مواجهة الأزمة التي يشهدها الركود الاقتصادي يستمر على مدار العام الكامل ويلاحقه إلى أن تختفي مشكلة الأزمة الاقتصادية، لأن الزكاة لا تسقط بالتقادم بل تظل دينا في عنق المسلم.

–       إذا أصبحت موارد الزكاة غير قادرة على مجابهة حالة الأزمة الاقتصادية، فإنه يمكن للمزكين أن يخرجوا الزكاة قبل حلول موعدها، وقد أجاز هذه المسألة بعض الفقهاء، وهذا معناه إذا كانت حالة المجتمع في حاجة ماسة إلى أموال خصوصا في الوضعية الراهنة التي يعيشها المغرب حاليا الناتجة عن فيروس كورونا المستجد.

–       المساهمة في القطاع الصحي عبر تخصيص جزء من أموال صندوق الزكاة وضخها في الصندوق المحدث لمواجهة كورونا من أجل شراء الأدوات الصحية اللازمة وتعبئتها.

وفي الختام نشيد بالدور الاقتصادي لصندوق الزكاة من خلال دراسة تجارب الدول السابقة في تفعيله سواء العربية أو الإسلامية، إذا ما أخذنا بالظرفية التي يشهدها العالم الحالي من جراء الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا المستجد، و عليه فالضرورة الحالية و ما يعرفه المغرب جراء هذه الجائحة تقتضي تفعيل مؤسسة صندوق الزكاة المغربي في أقرب الآجال.

 

[1]  حيث وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال نفس السنة إلى 19 بنك كما توقع أنداك المزيد من الإنهيارات الجديدة بين البنوك الأمريكية البالغة عددها 8400 بنك.

[2]  تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى ارتفاع البطالة العالمية، بنسب تتراوح بين 5.3 مليون كسيناريو متفائل و 24.7 مليون كسيناريو متشائم، وذلك زيادة عن عدد العاطلين عن العمل في عام 2019 و عددهم 188 مليون.

[3]  صعدت نسبة البطالة في السوق المغربي إلى 10.5 بالمئة من إجمالي القوى العاملة في الربع الأول من العام الجاري ارتفاعا من 9.1 في المئة في الفترة المقابلة من سنة 2019.

[4]– مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 28 رجب 1441 (23 مارس) يعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.

[5]– تم إحداث صندوق مواجهة كورونا بموجب المرسوم رقم 2.20.269 الذي تم نشره بالجريدة الرسمية ليوم الثلاثاء في 28 رجب 1441 (17 مارس 2020) بعد المصادقة عليه من لدن مجلس استثنائي للحكومة بتاريخ 16 مارس 2020.

 

[6]–  لم تزعم الحكومات المتتالية إلى حذف صندوق الزكاة من قانون المالية رغم أنه يأتي بدون اعتمادات متتالية وهذا يعتبر مخالفة للقانون التنظيمي للمالية.

[7] تم إحداث اللجنة الشرعية للمالية التشاركية بموجب ظهير رقم 1.15.02 وهي لجنة علمية متخصصة لدى الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى. الهدف من إحداث هذه اللجنة هو إبداء الرأي بشأن مطابقة الأنشطة و العمليات التجارية و المالية و الإستثمارية التي تقوم بها بعض المؤسسات و الهيئات المالية لأحكام الشريعة الإسلامية و مقاصدها.

[8]– تم إحداث صندوق الزكاة بالأردن سنة 1988، بموجب قانون صندوق الزكاة الأردني لسنة 1988.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى