مدة الشغل بين مدونة الشغل والقانون المقارن : رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص
مقدمة:
يعد الشغل آلية مهمة تضمن اندماج الفرد داخل المجتمع والتواصل مع أفراده، بحكم ضمانه للكرامة وإشباعه لمتطلبات الشخص الهادفة إلى سد الحاجة فضلا عن إثبات الوجود.
فالأجير كان قبل إحداث منظمة العمل الدولية، يستغل أبشع استغلال بواسطة استخدامه لمدة تزيد عن 16 ساعة في اليوم، مما دفع بمعاهدة فرساي إلى تحديد مدد قصوى للعمل خلال اليوم والأسبوع تتحدد في 8 ساعات في اليوم و 48 ساعة في الأسبوع لأجل تحسين ظروف العمل. وعلى هذا المنوال صار مضمون اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاص بتقنين وقت العمل، مدة الراحة والعطل[1]. وإلى جانب ذلك، تبنت منظمة العمل الدولية مبدأ 40 ساعة في الأسبوع بعد إصدار الاتفاقية رقم 47 لسنة 1947 التي تلزم الدول الأعضاء بتفعيل مضمونها، ودون التخفيض من قيمة الأجور المستحقة .
واعتبارا لأهمية الشغل داخل المجتمعات، فقد خصته جل التشريعات الاجتماعية بمقتضيات قانونية ترمي إلى تنظيم وتدبير مدة الشغل، لحماية طرفي عقد الشغل من جهة ولضمان استمرار العمل والسلم الاجتماعيين من جهة أخرى.
إن تنظيم ساعات العمل يوفر للطرف الضعيف في علاقة الشغل حماية قوية تستبعد كل أشكال السلطة المنفردة للمشغل في تحديد وقت العمل.
فلم يشهد المغرب أي تنظيم لمدة الشغل قبل الحماية و لا حتى عند بدايتها، إذ تعود أولى الخطوات في وضع قانون لمدة الشغل بتشريعنا إلى ظهير 13 يوليوز 1926 الذي حدد هده المدة بعشر ساعات في اليوم، تتخللها راحة إجبارية لمدة ساعة. ليظل بدلك متخلفا عن بعض التشريعات المقارنة كتونس التي صدر فيها قرار في هدا الموضوع يونيو 1933 و كدا فرنسا التي كانت سباقة في دلك على ضوء صدور قرار مماثل مند 1919. و بعد دلك أصدر المشرع المغربي ظهير 18 يونيو 1936 لتنظيم مدة العمل بالقطاع غير الفلاحي، أما بالنسبة للقطاع الفلاحي فقد كانت محددة بظهير 24 أبريل 1973.
و جاء إطلال مدونة الشغل من خلال القانون رقم 65.99 بتعديلات هامة قياسا بالتشريع السابق، والهادفة أساسا إلى تخفيض نسبي لمدة الشغل القانونية كخطوة قانونية تحفز على اعتماد تخفيض مناسب، فتم تخصيص الباب الأول من القسم الثالث لدراسة مدة الشغل الشيء الذي يعكس تجاوب المشرع المغربي مع التجارب الدولية[2] ومضمون الاتفاقية رقم 47 الصادرة سنة 1947.
تعد مدة الشغل[3] مجالا خصبا للنزاعات والمطالبات النقابية لكونها تندرج ضمن الموضوعات الأساسية للحياة المهنية والاجتماعية للأجير، إذ تتخذ صورة معيار هام لقياس مستوى تطور تشريع الشغل وطابعه الحمائي . لما يشهده تقنين مدة العمل من اختلافات واضحة من تشريع لآخر، بما في ذلك التباين الحاصل داخل التشريع الواحد.
يعكس نطاق التنظيم القانوني لمدة الشغل جانبا بارزا من المرونة لمراعاة التقدم الاجتماعي ولتحسين ظروف الحياة الاجتماعية، لذلك عمدت مدونة الشغل إلى خفض ساعات الشغل – قياسا بالتشريع السابق – ففي النشاطات غير الفلاحية انتقلت من 2496 ساعة في السنة إلى 2288 ساعة مع ترك الحرية للمشغل فيما يخص توزيعها حسب متطلبات المقاولة. وفي النشاطات الفلاحية من 2700 ساعة إلى 2496 ساعة في السنة ودون أن يرتب ذلك أي تخفيض في الأجور .
و قد تم اتخاذ هذا الإجراء اقتباسا من بعض التشريعات المقارنة خاصة القانون الفرنسي، الذي خفض ساعات العمل الأسبوعية إلى 35 ساعة في حكومة ليونيل جوسبان في نهاية التسعينات .
ومع العلم أن دراستنا لن تستقيم إلا بالوقوف عند بعض التشريعات المقارنة التي سنحصرها في بعض التشريعات العربية: كقانون العمل المصري، الجزائري، التونسي، والليبي لنكشف مدى مسايرة مدة الشغل بالمغرب للتشريعات العربية للوقوف عند نقاط التباين والتوافق التي تخص الجانبين. كما أن طبيعة بحثنا تستلزم استحضار التشريع الفرنسي باعتباره مصدر ومنبع إلهام لتشريعنا. وكل ذلك بهدف الوصول إلى ملامح الغموض والثغرات التي تشوب تنظيم مدة الشغل.
إلى جانب تقنين مشرعنا للمبادئ العامة في تنظيم وتوزيع مدة الشغل تبعا لفترات العمل: اليومي، الأسبوعي أو السنوي، يأتي باستثناءات تهم ظروف المقاولة وواقعها. لما قد يقتضيه الأمر من زيادة أو تقليص مدة الشغل العادية لمواجهة الوقائع الطارئة و الاستعجالية، والتي تتحقق وفق قوالب قانونية منظمة فضلا عن إمكانية اعتماد تدابير استثنائية في توزيع وقت العمل. والملاحظ أن نفس الحوار يدور عند جل التشريعات التي تهم دراستنا وإن اختلفت في المعطيات الواردة بالنصوص التشريعية، مما يعكس مرونة مشرعنا على غرار باقي التشريعات المقارنة في وضع الضوابط القانونية المنظمة لمدة الشغل، ويدعم هذه المرونة أيضا استجابة قانون الشغل لخصوصية بعض الفئات (كالأحداث، النساء، والمعاقين) المستفيدين من امتيازات تراعي خصوصيتهم وإن كانت لا تستجيب عموما لمستوى التشريع الدولي في هذا الخصوص.
وللإشارة فإن مدة الشغل تستدعي في غالب الأحيان تدخل بعض المؤسسات القانونية كالمنظمات المهنية والنقابية لتزويد أطراف عقد الشغل بالاستشارة اللازمة، ولأجل الوقوف عند مدى سلامة وصحة الإجراءات المتخذة .
وأمام توفير التشريعات المقارنة لجملة من الآليات التي من شأنها تقنين مدة الشغل يبقى التساؤل حول فعاليتها وذلك بقوة الجزاءات وإلا لما تحققت الغاية التي من أجلها وضعت تلك القواعد القانونية.
وإلى جانب التطرق لتنظيم المبدأ العام لمدة الشغل إلى جانب الاستثناءات والخصوصيات المتعلقة بهذا التنظيم القانوني. ننتقل للكشف عن تمظهرات الحق في الراحة والعطل والتغيبات لتمكين الأجير من استعادة نشاطه وحيويته ولأجل تخليصه من عناء ومشاق العمل، ويتأتى ذلك بإقرار جل تشريعات العمل لمجموعة من الحقوق التي تخول الخروج من ضغط مدة الشغل: كالراحة اليومية والراحة الأسبوعية، والعطلة السنوية ثم العطل أيام الأعياد المحددة بنصوص تنظيمية وكذا مختلف التغيبات التي تراعي ظروف الأجير بغية خلق توازن متكافئ بين ضرورات العمل ومتطلبات حياته الخاصة.
كما أن الوقوف عند تنظيم مدة الراحة والعطل يرسخ مرونة هامة تخص وجود أنماط عديدة تتماشى مع واقع المقاولة كإمكانية التخفيض من المدد أو وقفها أو تعطيلها أو ضمها…فإلى جانب القواعد العامة، نجد قواعد استثنائية مضمونة بعقوبات تتحدد عموما في الغرامات المالية مما يخدم المشغل ويحفز على خرق المضامين القانونية ما دمنا أمام جزاءات هشة.
إن تنظيم أوقات الشغل من المواضيع التي تشكل حقوقا والتزامات متبادلة لأنه من الإجراءات ذات الأهمية البارزة بالنسبة للأجراء مما حدا بالمشرع في مختلف الدول للتدخل من أجل تقنين مدة الشغل. وبهذا فإن الإطار القانوني يحد السلطة التقديرية لطرفي عقد الشغل على أساس حرية التعاقد المتمثلة في تعسف المشغل بوضع المدة الملائمة لخدمة مصالحه، وإن كان ذلك على حساب راحة ووقت الأجير.
كما تتلخص أهمية الموضوع بتحديد التشريعات الاجتماعية لمدد قصوى للشغل حفاظا على طاقة الأجير الجسمية والفكرية وذلك بتوفير الراحة والعطلة وفرص للتغيب في مناسبات خاصة، فضلا عن تحقيق أبعاد اقتصادية واجتماعية لخلق التوازن بين وتيرتي الإنتاج والإستهلاك من جهة، ومن جهة ثانية توفير مناصب جديدة للعمل ومكافحة البطالة [4].
كما يكتسي تخفيض مدة الشغل أهمية كبيرة تضمن أريحية الأجير ووسيلة لمكافحة البطالة، عملا بأن إنقاص ساعات العمل اليومي يمكن من تشغيل عدد أكبر من الأجراء ودون المساس بالأجر. كما أن المشغل لا يمكنه تقليص ساعات العمل إلا بموافقة الأجير ووفق مساطر إدارية خاصة نظرا لما لهذا التخفيض من أثر تبعي على الأجر[5].
فاستحقاق الأجير للتعويض رهين بعدم اشتغاله لدى مشغل آخر [6] والجدير بالذكر أن مدونة الشغل رممت الثغرات وأجابت نسبيا عن معظم التساؤلات في هذا الإطار كما سنرى لاحقا بمعرض حديثنا عن تقليص مدة الشغل العادية. و اعتبارا لتدخل المشرع في وضع قواعد عامة إلى جانب أخرى استثنائية تراعي جملة من الخصوصيات والظروف المستعجلة كما أن تنظيم الراحات والعطل لم يسلم من ذلك.
وفي هذا الصدد نتساءل عن مدى استقرار تنظيم مدة الشغل التي تخدم مصلحة الأجير من جهة وتحد من تعسف المشغل من جهة ثانية علما بأن هذا التأطير القانوني تشوبه استثناءات عدة تراعي ظروف المقاولة مما يقتضي تمديد أو تقليص ساعات العمل العادية و عن علاقة دلك بالأجر المستحق. فضلا عن مراعاة التقنين لخصوصية بعض الفئات (الأحداث، المعاقين، النساء). ولهذا يمكن الحديث عن المرونة في التقنين بشكل يخدم عموما مصلحة المقاولة ويتجاهل أحيانا مصلحة الأجير.
كما أن تنظيم الراحات والعطل يأخذ بعين الاعتبار حاجيات المقاولة ليتم بذلك التخفيض من مددها أو وقفها، وبهذا فإن تحديد مدة الشغل يراعي عموما متطلبات المقاولة وإن كان ذلك على حساب مصلحة الأجير ، فما المانع من منح هذا الأخير لمكافآت وتعويضات مالية إضافية كلما حققت المؤسسة أرباحا طائلة علما بأن الأجير يسقط في أزماتها ويتحمل صعوباتها الاقتصادية ولكن للأسف الشديد لا يستفيد عموما من تطورها وازدهارها .
ولهذا نتساءل عما يلي :
*ما هي مظاهر أو تجليات المرونة اللصيقة بتنظيم مدة الشغل القانونية وفق دراسة مقارنة بين مدونة الشغل والقانون المقارن ؟ وما مدى خدمتها لمصالح طرفي عقد الشغل ؟
*ما هي معالم الخروج عن ضغط مدة الشغل القانونية؟
وإلى أي مدى تستجيب للمصالح المتعارضة داخل المقاولة (المشغل /الأجير)؟
والغاية من هذا معالجة بصمات الغموض والثغرات التي تشوب تنظيم وتقنين مدة الشغل بالمدونة قياسا بالتشريع المقارن الذي سنحصره في بعض التشريعات العربية وفي التشريع الفرنسي نظرا لاعتماد المشرع المغربي على الطرح الفرنسي- في هذا الخصوص – ولنخلص في الأخير ببعض الاقتراحات التي ربما من شأنها تجاوز الثغرات المسجلة بخصوص التنظيم التشريعي لمدة الشغل .
وبهذا ستتم معالجة بحثنا من خلال فصلين :
نتناول في الفصل الأول : مرونة التنظيم القانوني لمدة الشغل.
بينما نخصص الفصل الثاني : لبحث مظاهر الخروج عن ضغط مدة الشغل.
الفصل الأول: مرونة التنظيم القانوني لمدة الشغل .
لقد كان ظهير 18 يونيو 1963 يمنع على الأجراء تجاوز ثماني ساعات في اليوم، وإما ثمانية وأربعين ساعة في الأسبوع وذلك بالقطاع غير الفلاحي.
أما بخصوص القطاع الفلاحي، فقد كانت مدة الشغل محددة بموجب ظهير 21 أبريل 1973 على أساس السنة لا اليوم ولا الشهر وذلك في حدود 2700 ساعة في السنة توزع حسب حاجيات المقاولة.
والملاحظ أن المشرع المغربي من خلال القانون رقم 99 –65 ضل وفيا لموقفه السابق وذلك بتفريقه بين القطاعين الفلاحي وغير الفلاحي في تحديد الحد الأقصى لساعات العمل وإن اتجه نسبيا نحو تخفيض مدة الشغل كما سنرى لاحقا، و الذي يبقى كخطوة تدعو المشرع المغربي بالتدرج في اعتماد تخفيض مناسب يراعي التشريع الدولي .
لقد أورد المشرع المغربي على غرار جل التشريعات المقارنة – محط الدرس- تنظيما قانونيا يهم القواعد العامة لتحديد ساعات الشغل العادية، وذلك بتجزيء وتوزيع فترات العمل، باليوم، الأسبوع، أو السنة حسب متطلبات المقاولة إلا أن تداعيات العمل وظروفه الاستثنائية تستحضر الخروج عن المبادئ العامة وذلك إما بتقليص أو زيادة مدة الشغل تماشيا مع واقع المؤسسة وظروفها.
كما راعى المشرع المغربي إلى جانب معظم التشريعات المقارنة خصوصية بعض الفئات (الأحداث، النساء، والمعاقين) المستفيدين من بعض التدابير الاحتياطية والحمائية قياسا بباقي الأجراء [7].
فتنظيم مدة الشغل يطبعه تعقيد النصوص التشريعية المتمثل في كثرة الاستثناءات التي تطال المبدأ العام المقرر، وفي تدخل اتفاقيات المقاولة والاتفاقيات الجماعية لتكريس الأوضاع الاستثنائية وبهذا نتساءل عن مدى الاستقرار في تنظيم مدة الشغل علما بوجود قواعد استثنائية إلى جانب أخرى عامة؟
وبهذا يمكننا الحديث عن مرونة النصوص التشريعية التي تستجيب لجملة من المتغيرات، مما يدفعنا للتساؤل عن إمكانية المرونة في تنظيم مدة الشغل وعن مدى استجابتها للمصالح المتعارضة داخل المقاولة (المشغل/ الأجير) ؟
وفي هذا الصدد فإن مرونة التقنين يعكسها التوزيع المرن لساعات الشغل العادية (المبحث الأول). والتدبير الاستثنائي لمدة الشغل (المبحث الثاني)، فضلا عن خصوصية تنظيم مدة الشغل مراعاة لفئات خاصة (المبحث الثالث). ويدعم هذه المرونة تدخل المنظمات النقابية والمهنية، وضمانا لاحترام المضامين القانونية ثم تخصيص عقوبات زجرية نتساءل عن مدى فعاليتها ؟ لنقف بذلك عند دور أهم المؤسسات القانونية المواكبة لتوزيع مدة الشغل وفعالية التقنين (المبحث الرابع).
المبحث الأول : التوزيع المرن لساعات الشغل العادية
استجابة لتوصيات منظمة الشغل الدولية ولمطالب النقابات العمالية لاعتبارات اقتصادية واجتماعية، سارع المشرع المغربي على منوال معظم التشريعات الاجتماعية لوضع حد أقصى لساعات العمل باعتماد أسلوب خاص لتوزيع مدة الشغل سواء على المستوى اليومي، الأسبوعي أو السنوي[8]. ولكل تشريع مذهب معين في هذا السياق.
وأمام إرساء الإطار العام لتحديد مدة الشغل العادية تم وضع أنماط لتدبير تلك المدة بشكل يتماشى مع طبيعة نشاط المقاولة وحاجياتها.
وعلى هذا الأساس سنتناول تحديد ساعات الشغل العادية للوقوف عند توزيع ساعات الشغل (المطلب الأول). لننتقل بعد ذلك لمعالجة أنماط تدبير ساعات الشغل العادية، الممكن اعتمادها في توزيع مدة الشغل وكل هذا تبعا لدراسة مقارنة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تحديد ساعات الشغل العادية
اعتمدت جل التشريعات المقارنة في تحديد مدة الشغل العادية أسلوب توزيعها وفق فترات أو مدد، لخلق توازن بين وتيرتي الإنتاج والاستهلاك من جهة ولضمان راحة الأجير من جهة أخرى، لما قد يترتب عن الإطالة في مدد الشغل من آثار سلبية قد تضعف جودة وقيمة الإنتاج وترهق كاهل الأجير[9].
لقد منحت مدونة الشغل مرونة في تدبير مدة الشغل حسب حاجيات المقاولة، يبرزها تقليص مدة الشغل قياسا بالتشريع السابق (ظهير 18 يونيو 1936) ودون ترتيب أي تخفيض في الأجر[10]، وهذه ضمانة تعكس مدلولا اقتصاديا واجتماعيا للتقليص من ساعات الشغل مما يجعل المدة المنتقصة كراحة إضافية للأجير[11].
ففي القطاعات غير الفلاحية تم تقليص مدة الشغل من 48 ساعة في الأسبوع إلى 44 ساعة. أما المدة الإجمالية القصوى تتحدد في 2288 ساعة سنوية دون تجاوز المدة اليومية ل عشر ساعات في اليوم[12]، مع مراعاة الاستثناءات الخاصة.
أما القطاع الفلاحي فيعكس مرونة أكبر حيث حددت المدونة الساعات الإجمالية القصوى في 2496 ساعة في السنة[13]. بينما تركت تحديد المدة الأسبوعية والحد الأقصى اليومي لقرار وزير التشغيل والتكوين المهني[14] وذلك بنص تنظيمي يتخذ بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا[15].
وبهذا سنتناول كيفية توزيع مدة الشغل وفق مدد يومية، أسبوعية وسنوية للوقوف عند مرونة المشرع المغربي قياسا بالتشريع المقارن في تنظيم وتوزيع ساعات الشغل.
الفقرة الأولى: التوزيع اليومي لمدة الشغل
يبرز استقراء مقتضيات المادة 184 من مدونة الشغل، عدم اعتماد المشرع على مبدأ التوزيع اليومي في تنظيم مدة الشغل، باستثناء إشارته إلى الحد الأقصى لساعات الشغل اليومية بالنشاط غير الفلاحي[16] والمتمثلة في 10 ساعات. على خلاف ما كان عليه الأمر في مشروع المدونة قبل المصادقة عليه والذي كان ينظمها على أساس 8 ساعات في اليوم .
وإذا كان القطاع غير الفلاحي حضي بإرساء مدة قصوى يومية، فإن هذا التحديد يغيب في القطاع الفلاحي[17].
أما بخصوص التشريعات المقارنة فلقد تجاوز معظمها[18] النقص الحاصل بالمدونة وذلك بتنظيم توزيع يومي لمدة الشغل. في الوقت الذي ساير بعضها الآخر[19] طرح المشرع المغربي وذلك بتكليف السلطات المختصة تحديد ساعات العمل طبقا لمقتضيات وحاجيات المؤسسة، فيحدد كل من التشريعين المصري والليبي الحد الأقصى لساعات الشغل الفعلي في 8 ساعات يومية. ليصير موقف المشرع الفرنسي رائد الميدان بتحديده لمدة الشغل اليومية في 6 ساعات قصوى مراعيا بذلك حماية الأجراء من التمديد المفرط لساعات العمل[20].
وموازاة مع ذلك، أوكل كل من المشرع التونسي والجزائري أمر تنظيم ساعات العمل للسلطات الإدارية المختصة فأسند الأول ضبط التوزيع اليومي -حسب الحصة والجهة وعند الاقتضاء حسب نوع الفلاحة- باتخاذ قرارات تصدر من كاتب الدولة للشباب والرياضة، والشؤون الاجتماعية وكاتب الدولة للتخطيط والاقتصاد الوطني، بعد استشارة لجان الشغل الفعلي ودون أن تنسحب هذه المقتضيات على الحراس والرعاة إذ يستلزم ذلك استشارة المنظمات النقابية المعنية بالأمر.
أما التشريع الجزائري فقد أولى للاتفاقيات الجماعية سلطة توزيع ساعات العمل داخل الأسبوع، باستثناء القطاع التعليمي والإدارة العمومية فيعود الاختصاص فيها للنصوص التنظيمية.
الفقرة الثانية: التوزيع الأسبوعي لمدة الشغل
اقتصرت المادة 184 من مدونة الشغل في تنظيم مدة الشغل الأسبوعية على القطاع غير الفلاحي دون الفلاحي كما سبق الذكر بنصها على مدة أسبوعية قصوى تتحدد في 44 ساعة. توزع بطريقة متساوية أو غير متساوية على أيام الأسبوع[21] شريطة التقيد بما يلي:
· عدم تجاوز سقف 10 ساعات في اليوم الواحد، وما زاد عن ذلك اندرج في خانة الساعات الإضافية.
· ضرورة استشارة المنظمات المهنية والنقابية للأجراء أو لجنة المقاولة إذا ما وجدت.
· احترام مبدأ الراحة الأسبوعية.
· ضرورة الإعلان عن كل تغيير قد يطرأ على هذا التوزيع في ظل مدة لا تقل عن 8 أيام[22].
وفي نفس النطاق تتماشى التشريعات المقارنة مع المدونة في وضع مدة أسبوعية قصوى لا يمكن تجاوزها إلا استثناءا تبعا لضوابط قانونية محددة.
حيث تبنى كل من المشرع المصري[23] والتونسي[24] مدة مرتفعة تصل إلى 48 ساعة في الأسبوع . بينما يعتمد المشرع الجزائري[25] مدة أقل تتحدد في 40 ساعة في الأسبوع في الظروف العادية. ليأتي المشرع الفرنسي بمقتضى قانوني جد هام يخص 35 ساعة في الأسبوع مع مطلع الألفية الثالثة بعد مخاض من الجدل الفقهي والتشريعي[26].
لذا نناشد المشرع المغربي اعتماد مدد منخفضة في تحديده لمدة الشغل أو على الأقل خلق انسجام مع مضمون الاتفاقية 64 لمنظمة العمل الدولية والتي تنص على مبدأ 40 ساعة في الأسبوع[27]. وإن كان موقف المدونة يعد محمودا حيث أطل بمقتضى هام لم تشهده المشاريع السابقة، يتمثل في ضرورة استشارة المنضمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا. وتنظم هذه الاستشارة بالنشاط الفلاحي فقط دون الأنشطة غير الفلاحية[28]، مما يجعل موقف المشرع المغربي محط انتقاد لعدم استناد هذا التمييز في الاستشارة إلى أي مبرر مقبول، على اعتبار أن الأمر يتعلق بإجراء شكلي يضمن حماية الطبقة الشغيلة[29]. وبهذا فرغم كل ما جاءت به مدونة الشغل من مقتضيات حمائية يبقى التخفيض من ساعات الشغل العادية ضرورة ملحة .
الفقرة الثالثة: التوزيع السنوي لمدة الشغل العادية
منحت مدونة الشغل بالمادة 184، مرونة أكبر بمعرض توزيعها للمدة السنوية الإجمالية إذ تصل في القطاع غير الفلاحي إلى 2288 ساعة في السنة. أما في القطاع الفلاحي فتتحدد في 2496 ساعة يتم توزيعها حسب حاجيات المقاولة شريطة الالتزام بما سبق ذكره بخصوص التوزيع الأسبوعي.
ونلاحظ في هذا الشأن قيام فئة من التشريعات بتنظيم المدة السنوية الإجمالية، بينما تعتمد فئة أخرى على مدد يومية أو أسبوعية مما يضيق من نطاق المرونة في توزيع مدة الشغل العادية. فنجد المشرع التونسي يحددها في مدة مرتفعة مقارنة بالمشرع المغربي، حيث تصل إلى 2700 ساعة في السنة باعتبار 300 يوم تم فيها الشغل الفعلي بينما نجدها في التشريع الجزائري منخفضة تتحدد في 1800 ساعة سنوية بالقطاع الفلاحي توزع على فترات حسب حاجيات الجهة أو النشاط. لينص بذلك المشرع الفرنسي[30] على مدة مهمة تصل في أقصاها إلى 1607 ساعة في السنة على أن تحدد المفاوضات والاتفاقيات مددا دنيا [31]. وبهذا يمتطي الموقف الفرنسي قمة الترتيب بإدراج مدد منخفضة تخدم مصالح الأجراء قياسا بالتشريعات الأخرى. ولذا نأمل من المشرع المغربي تبني هذا الطرح أو على الأقل الاقتراب منه بشكل ملحوظ .
وإلى جانب تنظيم وتوزيع ساعات الشغل العادية، نجد أنماطا خاصة في تدبير مدة الشغل تستدعيها ظروف المقاولة وحاجياتها.
المطلب الثاني: أنماط تدبير مدة الشغل
يلتزم المشغل بمقتضى عقد الشغل بتوفير ساعات الشغل المحددة قانونا بشكل يمنع تخفيضها أو تمديدها إلا تبعا لضوابط قانونية تؤطر ذلك، لما لهذا التخفيض من أثر تبعي على الأجر الذي يعد ركنا أساسيا في عقد الشغل[32]. غير أنه تماشيا مع ظروف الشغل ومتطلباته سمح المشرع المغربي للمشغل باعتماد التناوب والتعاقب في الشغل (الفقرة الأولى). كما أقر جانب من التشريعات نهج سياسة الاستمرارية في العمل للتغلب على حاجيات المقاولة، وأيضا نورد الحديث عن تدبير آخر يضمن مرونة أوسع في العمل وهو العمل لوقت جزائي (الفقرة الثانية) والذي لم ينتبه له المشرع المغربي بينما يشهد حضورا قويا بالتشريع الفرنسي.
الفقرة الأولى: اعتماد التناوب والتعاقب
جاء المشرع المغربي بمقتضيات هامة تأخذ بعين الاعتبار طبيعة نشاط بعض المؤسسات التي لا تمكن جميع الأجراء من العمل بنفس المنوال طيلة الأسبوع أو على مدار السنة. فسمح لها باللجوء إلى توزيع مناسب لمدة الشغل، سواء باعتماد نظام التوزيع الأسبوعي أو السنوي طبقا للضوابط القانونية. كما قد يكون لظروف المقاولة تأثير جانبي يرمي إلى اختيار طريقة ملائمة في توزيع ساعات العمل مع احترام الضمانات الموضوعية والإجرائية[33].
ولقد خول المشرع المغربي الحق في اعتماد الشغل بالتناوب والتعاقب[34]، خاصة في المقاولات التي تستلزم أسبابها التقنية تبنى هذا النمط من الشغل لما في ذلك من تأثير على صحة الأجير وعلى تنظيم حياته الاجتماعية[35]. فتمنع المادة 188 من مدونة الشغل تجاوز 8 ساعات في اليوم في حالة تنظيم الشغل بين فرق متتابعة، كما يجب أن تكون المدة متصلة مع التوقف لفترة استراحة لا تتعدى الساعة[36]. ويهدف هذا التقنين حفظ سلامة الأجير من أي اختلال أو ضرر اجتماعي وكذا مراعاة ظروف المقاولة ونشاطها لأجل أن تظل رهن إشارة العموم طيلة أيام الأسبوع.
وفي نفس السياق، تمكن المدونة[37] أيضا للمقاولات التي تتعاطى لمهنة أو حرفة واحدة أو مهنا مترابطة، وبناءا على طلب ثلاثة أرباع الأجراء والمشغلين المزاولين لنفس النشاط في دائرة عمالة أو إقليم أو جماعة، وبعد الترخيص من عامل العمالة أو الإقليم، من حق تطبيق توقيت موحد يتعلق بفتح أبوابها للعموم أو إغلاقها أو تطبيق نظام التناوب في توقيت الفتح والإغلاق، وذلك بغية توفير نمط موحد في تدبير مدة الشغل[38].
أما بالنسبة للتشريعات المقارنة[39]، فإن جلها لم ينتبه إلى تبني نمط التناوب والتعاقب وإنما اكتفت بتنظيم استمرارية العمل دون أخذ فترة الراحة كلما استدعت الضرورة ذلك، طبقا لظروف العمل وللتراخيص الإدارية. إلا أن المشرع التونسي صرح بالمادة 86 على إمكانية العمل بفرق متعاقبة نظرا لظروف العمل. مما يجعل من موقف المدونة في هذا الإطار غاية من الأهمية لما تخلق من توازن جيد يراعي تطلعات المقاولة من جهة، ويخدم راحة الأجير من جهة ثانية. غير أن خزينة المشرع الفرنسي على سبيل المثال حافلة بجملة من أنماط العمل تماشيا مع متطلبات المقاولة[40].
الفقرة الثانية : العمل لوقت جزئي
نلاحظ عدم انتباه المشرع المغربي لإدراج تقنين العمل بالوقت الجزئي رغم ما يحدثه من مرونة في تنظيم مدة الشغل، فضلا عن خدمته لمصالح أطراف عقد الشغل[41]. عكس المشرع الفرنسي الذي ينص على إبرام عقد الشغل لمدة معينة أو غير معينة قصد العمل لوقت جزئي.
يمارس العمل لوقت جزئي بانتظام خلال بعض الساعات اليومية أو الأسبوعية لفترة تقل نوعا ما عن مدة الشغل العادية[42]، بواسطة عقد قانوني يقبل بموجبه الأجير العمل لفترة أقل من الفترة العادية مقابل استحقاق أجر يقل نسبيا عن الأجر المعتاد.
وغالبا ما يفضل المشغل اعتماد هذا النمط من العمل لأنه يوفر مرونة واسعة في سير المقاولة، نظرا لما قد يشهده الاحتياج إلى الإجراء من انخفاض أو ارتفاع على مدار اليوم أو الأسبوع.
وإلى جانب التشريع الفرنسي، نجد بعض التشريعات العربية كالقانون التونسي الذي يسمح بتفعيل العمل لوقت جزئي اعتبارا لما يرتب من تجليات هامة تمكن من الاستجابة لمصلحتي المشغل والأجير على السواء[43] والمتمثلة فيما يلي:
· توفير مناصب عمل على مدار الأسبوع والسنة.
· تمديد ساعات العمل بفضل توفير مناصب جديدة.
· العمل وفق ساعات متفرقة داخل الأسبوع لوقت محدد .
· يتعلق الأمر هنا بالعمل لنصف الوقت.
في مقابل تسطير القواعد العامة لتنظيم وتوزيع مدة الشغل العادية ، ينتقل كل من مدونة الشغل والتشريع المقارن إلى تحديد الاستثناءات المتعلقة بمدة الشغل. مما قد يؤدي إلى تقليصها أو تمديدها لتكريس مرونة من نوع خاص.
المبحث الثاني : التدبير الإستثنائي لمدة الشغل العادية
لم يقتصر اهتمام مدونة الشغل عند تحديدها لمدة الشغل على معالجة الأزمات والظروف الاستعجالية فقط وإنما ترمي إلى الوقاية منها أيضا، على ضوء السلطات المخولة للمشغل في توزيع مدة الشغل العادية حسب حاجيات المقاولة، إذ يتمتع بحق التقليص من مدة العمل القانونية أو الزيادة فيها لكن تبعا للمضامين القانونية المؤطرة للحد من سلطة رب العمل في تفسير الظواهر لصالحه.
وفي بادئ الأمر سنتناول التقليص من مدة الشغل العادية في إطار دراسة مقارنة وإن كانت جل التشريعات العربية لم تخصه بالذكر، باستثناء ما يدل على التخفيض من ساعات العمل مما قد يهدد استمرارية علاقة الشغل كلما تعرضت المقاولة لأزمات اقتصادية. على أن نكتفي بالتشريع الفرنسي ولهذا سنخصص للتقليص من مدة الشغل العادية (المطلب الأول). ثم تمديد مدة الشغل العادية كل ضوء دراسة مقارنة (المطلب الثاني).
المطلب الأول : نطاق التقليص من مدة الشغل العادية
ضمانا لاستمرارية المقاولة أقرت مدونة الشغل تقليص مدة الشغل العادية، كآلية تسهل إفلات المقاولة من اللجوء إلى إنهاء علاقة الشغل عند اصطدامها بظروف وأزمات. ويتم ذلك بالتخفيض من ساعات العمل العادية مع تخفيض في الأجور تبعا لضوابط قانونية تحد من سلطة المشغل في المس باستقرار العمل[44]. عكس تشريع الشغل السابق الذي كان يكرس في العديد من القرارات القضائية منعه للتقليص من الأجور، معتبرا أن تنقيص ساعات العمل مخالفة لظهير: 18/06/1936 ، يعتبر في حقيقته " طردا تعسفيا"[45]، بل " وطردا تعسفيا مقنعا "[46] لأنه إخلال بأهم عنصر في عقد العمل وهو الأجر[47]، لأن التقليص من ساعات العمل لا يمكن أن يؤدي إلى تخفيض الأجرة[48].
وكما هو معلوم، فقد اكتفت المدونة بالتصريح عن إمكانية التقليص دون تحديد مجال حصري للقطاعات الخاضعة له[49]، مما يدفع للقول بصحة تطبيق هذا الإجراء على جميع القطاعات المنتمية لميدان مدونة الشغل. عكس مشروع 95 الذي كان يستثني القطاع الفلاحي من مسطرة إنقاص ساعات الشغل[50].
لذا نطالب من المشرع المغربي تغطية هذا النقص بتحديد دقيق لا يحتمل الغموض، لسد الاختلاف المحتمل في الأحكام الصادرة بهذا الخصوص. إذ فهناك من سيستند على المادة 66 من م ش لحصر القطاعات الخاضعة لمسطرة التقليص، في الوقت الذي يمكن لمحاكم أخرى الاعتماد على نطاق تطبيق قانون الشغل[51].
والملاحظ أن مدونة الشغل أسفرت أحكاما جديدة تخص تقليص مدة الشغل[52]، قياسا مع مقتضيات المشاريع السابقة[53]. الشيء الذي يقتضي الوقوف عند الأسباب المبررة للتقليص من مدة الشغل العادية ( الفقرة الأولى). واحترام المساطر الإدارية المناسبة لمدة التقليص (الفقرة الثانية). ثم التطرق للأجر المستحق عن التقليص (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: الأسباب المبررة للتقليص من مدة الشغل العادية
أولت مدونة الشغل اهتماما بالمقاولات التي تشهد اضطرابات اقتصادية من خلال منحها حق اللجوء إلى إنقاص ساعات العمل، مقيدة هذا الإجراء بوجود مبررات جدية لأزمات اقتصادية مؤثرة على النشاط الممارس[54] أو لظروف طارئة خارجة عن إرادة المشغل حفاظا على استقرار ومصلحة المقاولة [55].
إن عدم تحديد المشرع المغربي لمفهوم " الأزمة الاقتصادية" باستثناء تقييده لها بضرورة أن تكون أزمة عابرة"[56] أثار تدخل جانب من الفقه واصفا إياه بكونه مصطلح واضح يسهل ضبطه ومراقبته، سواء بالنسبة للقضاء وللسلطة المحلية. غير أن المعايير الممكن اعتمادها لاعتبار الأزمة عابرة يصعب ضبطها[57].
فإذا كانت الأزمة الاقتصادية تبرر التخفيض من مدة الشغل فقد تكون أيضا سببا للفصل الجزئي أو الجماعي للأجراء[58]، لأن التقليص يعد مجرد تدبير ظرفي ومؤقت يزول بزوال الأزمة وكبديل عن إنهاء علاقات الشغل[59]. وفي انتظار تدخل تشريعي لتحديد ضوابط معرفة الأزمة الاقتصادية، يبقى القضاء الملاذ الأخير للتأويل على ضوء سلطته التقديرية.
أما " الظروف الطارئة " الخارجة عن إرادة المشغل فيشوبها غموض واضح يمكن للمشغل استغلاله وادعاءه، مما قد يسبب في إثارة تأويلات مختلفة فقها وقضاء[60]، كما أن هذه الظروف قد تؤدي إلى استبعاد الاستحالة المادية المطلقة في التنفيذ، انطلاقا من استمرار الأجراء في القيام بأعمالهم لكن بفترات أقل من الحالة العادية [61].
إن استقراء النصوص القانونية لبعض التشريعات العربية [62] يبرز غياب الحديث عن تقليص مدة الشغل والاكتفاء بتنظيم تخفيض لساعات العمل العادية، ودون المساس بالمستوى المعيشي للأجراء وذلك بالنسبة لفئات معينة من الأجراء أو الأعمال الخطيرة أو عندما تقتضي الضرورة ذلك[63]. مما يعكس عدم مواكبتها لظروف المقاولة وواقعها نظرا لهشاشة مبدأ حماية الأجراء الشيء الذي يرجح كفة الفصل وإنهاء علاقة الشغل كلما اعترضت المؤسسة أزمات اقتصادية خانقة .
وموازاة مع المشرع المغربي، سمح القانون الفرنسي أيضا بتقليص ساعات الشغل لأسباب اقتصادية وأزمات خانقة. فكان قانون 2000 II Loi Aubrus ينص على أن يقتصر التقليص على المقاولات التي يتجاوز عدد أجرائها 20 أجيرا، ليفتح المجال بعد ذلك ابتداء من قانون 2003 أمام جميع أنواع المقاولات كيفما كانت قوتها الاقتصادية لاعتماد هذا الإجراء القانوني كلما استدعت الضرورة ذلك[64].
لذا نأمل من المشرع المغربي مسايرة الموقف الفرنسي لأجل أن تتمكن جميع المؤسسات من الاستفادة من مسطرة التقليص بدلا من حصرها في تلك التي تتوفر على 10 أجراء، للحد من سلطة المشغل في التقليص إذا كان يشغل أقل من 10 أجراء. مما يوضح إغفال النصوص التشريعية والتنظيمية للأخذ بعين الاعتبار خصوصية العمل داخل المقاولات الصغرى والمتوسطة[65] في الوقت الذي تنبه المشرع الفرنسي لذلك .
الفقرة الثانية : المساطر الإدارية المناسبة لمدة التقليص
يلزم المشرع المغربي، المشغل الذي يشغل اعتياديا عشرة أجراء أو أكثر والراغب في التقليص من مدة الشغل العادية بتبليغ ذلك لمنذوبي الأجراء والممثلين النقابيين حالة وجودهم، قبل أسبوع على الأقل من تاريخ الشروع في التقليص[66]. وأن يزودهم بكل المعلومات والإثباتات اللازمة والضرورية، مما يبين استعمال المشرع لعبارات ضاربة في العمومية دون تحديد لطبيعة تلك المعلومات. ولعله أراد بذلك ترك السلطة للجهات المعنية في طلب الوثائق اللازمة نظرا لصعوبة حصر لائحة الإثباتات الضرورية، لاختلاف أسباب التقليص من ساعات العمل[67].
وتماشيا مع هاجس استمرارية المقاولة، استقرت مدونة الشغل على مدة تقليص في حدود 60 يوما عوض 75 يوما في السنة (مشروع 99). ولإضفاء طابع المشروعية يتعين على المشغل استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين أو لجنة المقاولة حالة وجودها [68]، مع إلزامية استشارتهم أيضا في كل إجراء من شأنه الحد والتخفيف من حدة التقليص. مما يبرز موقف المدونة الإيجابي والمتمثل في إشراك المؤسسات السالفة الذكر لأجل حماية الطبقة الشغيلة[69] .
وإذا كان المشغل يعتزم التقليص لمدة تزيد عن 60 يوما في السنة، في هذه الحالة لم يكتف المشرع بالاستشارة بل تطرق لأهمية أخذ موافقة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين. وإذا ما تعذر الاتفاق صار المشغل ملزما بطلب إذن التقليص من عامل العمالة أو الإقليم وفق مسطرة الفصل الكلي أو الجزئي[70]تماشيا مع المادة 67 من م ش. وبهذا فمسطرة الإغلاق لم توضع فقط للفصل بل توجه أيضا للإغلاق المؤقت وللتقليص من ساعات العمل العادية [71].
لذا نأمل من المشرع المغربي إلزام المشغل بالاتفاق مع الممثلين النقابيين في كلتا الحالتين سواء كانت مدة التقليص تقل أو تزيد عن 60 يوما في السنة ، نظرا لما يقدمه الاتفاق من تفاوض وتبادل للآراء ومحاولة للتوفيق كلما تبت الخلاف. عكس الاستشارة فهي مجرد إبداء للرأي دون ضرورة التقيد به [72].
وأمام اعتماد المشرع المغربي على مدة سنوية لحصر التقليص، فإن توجه المشرع الفرنسي يغطي المجال بوضع مدة أسبوعية تصل إلى 32 ساعة أو سنوية محددة في 1460 ساعة[73] معتمدا على تقليص مرن كلما استدعت الضرورة ذلك، نظرا لاستفادة المقاولات من دعم ومساعدة صندوق الضمان الاجتماعي إضافة إلى صناديق أخرى تعمل على التخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية للمؤسسة. وفي قانون 2008 لم يتم تحديد الحد الأدنى للتقليص بل اكتفى المشرع بالإشارة إلى تحديد نطاقه في كل ساعة تقل عن 35ساعة على مستوى 4 أسابيع، على أن تقدر في عدة أيام أو نصف يوم .
الفقرة الثالثة: الأجر المستحق بعد التقليص من مدة الشغل
يدل منطوق المادة 185 من م ش ، على أن أداء الأجر بعد الإنقاص من مدة الشغل العادية لصيق بمدة الشغل الفعلية التي يكون قد قضاها الأجير في خدمة مشغلة، على ألا يقل عن 50 % من الأجر المعتاد قبل اللجوء للتخفيض [74]، ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء. وفي هذا الصدد يمكن الحديث عن تعديل ليس بجوهري لعقد الشغل، لأن المشرع أجازه طبقا لضوابط محددة [75].
إن تنظيم إنقاص الأجر يستدعي التساؤل عن مدى مساسه بالحد الأدنى للأجور المضمون قانونا؟ وهل نسبة التقليص المقررة للأجر والمحددة في 50 % من الأجر العادي تقتصر في الحالة التي لا تتعدى فيها مدة التقليص 60 يوما في السنة أم تخص بالذكر الحالة الأخرى التي تتجاوز فيها هذه المدة، علما بأن هذه النسبة جاءت واردة فقط بالاحتمال الأول[76]؟
بخصوص السؤال الأول يمكن الاعتماد على ما نصت عليه المدونة في العديد من أحكامها باحتساب الأجر على أساس ساعات العمل، وانطلاقا من أن المقتضيات القانونية المتعلقة بضمان الحد الأدنى القانوني للأجر[77] والتي تهم الحالات العادية دون أن تشمل أحكام التقليص من مدة الشغل التي تبرزها حالات استثنائية. الشيء الذي يقرر إمكانية نزول الأجر المستحق بعد التقليص إلى مادون الحد الأدنى للأجور تبعا لهاجس الحفاظ على مناصب الشغل. خلافا لمنطق التشريع الفرنسي [78] الذي يضمن الحد الأدنى للأجور مستفيدا من الدعم المخول من لدن صندوق الضمان الاجتماعي الذي يبلي البلاء الحسن في هذا الإطار ليستحق بذلك الأجر التالي:
%26 1 SMIG طبقا لقانون 2003.
أما بالنسبة للسؤال الثاني فيمكن تفسير غياب تحديد نسبة التخفيض في 50 % في الحالة التي تزيد فيها مدة التقليص عن 60 يوما، بكون طبيعة الأحكام تتسم بإجراء مفاوضات واتفاقات بما فيها حجم الأجر المستحق. وإذا ما فشل التشاور حسم عامل العمالة أو الإقليم في الأمر بمنح أو رفض الإذن بالتقليص ودون اعتبار ذلك الموقف بإغفال أو تجاهل المشرع المغربي للطابع المعيشي للأجر[79].
ويعاب على المشرع المغربي سكوته بالتنصيص عن إمكانية تعويض الجزء الضائع من الأجر غافلا بذلك الطابع المعيشي للأجر، مما يعكس عدم مواكبته لأقدم اتفاقيات الشغل الدولية في هذا المجال. في الوقت الذي نادى فيه جانب من الفقه[80] بضرورة التفكير في إحداث صندوق إسعافي لتدارك النقص الذي يمكن أن يمس الأجور بسبب هذا التقليص لتجاوز الآثار السلبية لفقدان الشغل، ولأجل مسايرة الطرح الفرنسي[81] القاضي بمنح تعويضات مهمة للأجراء نتيجة تقليص الأجور مراعاة للطابع المعيشي.
وإلى جانب تقليص المقاولة لساعات العمل لأجل مواجهة الأزمات الاقتصادية التي قد تتعرض لها. يسمح أيضا بتمديد وتجاوز الحد الأقصى القانوني لساعات العمل لكن وفق ضوابط قانونية محددة تقتضي التساؤل عن مدى الاستقرار والتبات في تنظيم وتحديد مدة الشغل العادية ؟ وما علاقة ذلك بالأجر المستحق؟
المطلب الثاني: تمديد مدة الشغل العادية
تؤدي الظروف الاستعجالية والأسباب الاقتصادية غالبا- وبصفة استثنائية- إلى الخروج عن الحد القانوني لساعات الشغل العادية. ويتأتى ذلك بعدم التقيد بساعات الشغل اليومية أو الأسبوعية وتشغيل الأجراء عددا من الساعات يفوق تلك المحددة قانونا[82].
وفي هذا الصدد سنتناول حالات تجاوز الحد الأقصى القانوني لساعات الشغل (الفقرة الأولى). أما الساعات الإضافية وإن كانت تشكل تمديدا لمدة الشغل العادية فسنخصص لها (الفقرة الثانية) لما تعرفه من خصوصية وإشكال يبتعد نوعا ما عن باقي الحالات الأخرى. مع الإشارة كلما اقتضى الحال لمواقف بعض التشريعات المقارنة لأجل تعزيز وتطوير سبل المعالجة والنقاش.
الفقرة الأولى: حالات تجاوز الحد الأقصى القانوني لساعات الشغل
إن مدونة الشغل أطالت في تحديد أسباب وحالات تمديد مدة الشغل العادية والمتمثلة فيما يلي:
§ استدراك الساعات الضائعة.
§ تنفيذ أشغال تحضيرية أو تكميلية.
§ إنجاز أشغال استعجالية أو زيادة استثنائية في نشاط المقاولة .
مقارنة مع بعض التشريعات العربية [83] التي اقتصرت بالإشارة فقط للظروف التي قد تكون أساس تمديد وتجاوز مدة الشغل العادية ودون الغوص في تفاصيل الحالات الموجبة لذلك، وإنما قامت بإدراجها جملة واحدة. غير أن المشرع الفرنسي [84] يسير في منحى مدونة الشغل بوضعه للائحة الأعمال والظروف التي تستلزم تجاوز مدة الشغل العادية مع سنه لمقتضيات تهم فئات خاصة من الأجراء كالأطر[85]. على خلاف المشرع المغربي الذي يأتي بتنظيم عام وإن كان يفرد لكل حالة تجاوز مدة الشغل العادية نطاقا خاصا.
وبهذا تقتضي دراستنا الوقوف عند الحالات الموجبة لتمديد مدة الشغل العادية:
الحالة الأولى: استدراك الساعات الضائعة
تسمح مدونة الشغل صراحة بالمادة 189 بتمديد مدة الشغل اليومية لاستدراك ساعات الشغل الضائعة بسبب توقف الشغل سواء كان جماعيا يهم كل المؤسسة أو في جزء منها، وذلك لأسباب عارضة أو لقوة قاهرة كانقطاع التيار الكهربائي أو لعطل في الآلات أو معدات المقاولة…
كما يمكن تدارك ما ضاع من ساعات الشغل، إثر قلة المعاملات أو الأزمات التي قد تعترض المقاولة كالكساد الذي يحصل في العمل بعض الأوقات والمواسم[86] شريطة احترام الضوابط القانونية التالية:
§ استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم بهدف التقليص من سلطة المشغل في اعتماد هذا الإجراء كلما شاء ذلك.
§ ألا تتعدى أيام استدراك ساعات الشغل الضائعة 30 يوما في السنة[87].
§ عدم تجاوز مدة الشغل اليومية 10 ساعات بحيث لا تفوق مدة التمديد ساعة واحدة اليوم، وإن كان يتضح انعدام أي جدوى من التنصيص على هذه المدة الأخيرة علما بأن المادة 184 من م ش قد حسمت الأمر بوضع 10 ساعات في اليوم كحد أقصى بدلا من 8 ساعات التي تم إقرارها بمشروع المدونة[88].
وإضافة إلى ذلك فإن المشرع المغربي بالمادة 227 يخول للمشغل حق استدراك ساعات الشغل الضائعة بسبب العطلة استنادا على الشروط الآتية:
§ استشارة منذوبي الأجراء والممثلين النقابيين عند وجودهم.
§ استدراك الساعات الضائعة خلال الثلاثين يوما الموالية لتاريخ العطلة.
§ ألا يباشر الاستدراك يوم استفادة الأجير من راحته الأسبوعية – وإن كان ذلك يمكن استثناءا -على ألا يصادف ذلك يوم عيد مؤدى عنه.
§ عدم تجاوز مدة الشغل اليومية 10 ساعات.
§ يلتزم المشغل بتبليغ العون المكلف بتفتيش الشغل كتابة بتواريخ مباشرة الاستدراك.
يتضح مما سبق، اعتماد مدونة الشغل على مساطر وإجراءات لضبط التدبير الاستثنائي لمدة الشغل، في الوقت الذي تكتفي فيه بعض التشريعات المقارنة[89] بتحديد الحد الأقصى لتمديد ساعات الشغل دون التمييز أو التفرقة فيما بين الحالات الموجبة لتجاوز مدة الشغل العادية. أما بخصوص استشارة المنظمات المهنية والنقابية فإنها تحضر تارة وتغيب تارة أخرى عكس المدونة التي جعلت من الاستشارة مبدأ إلزاميا.
الحالة الثانية: تنفيذ أشغال تحضيرية أو تكميلية
استثناءا على مدة الشغل العادية يسمح المشرع المغربي بمقتضى المادة 190 من م ش بتجاوز تلك المدة كلما اقتضت الضرورة تأدية أشغال تحضيرية أو تكميلية لا غنى عنها للنشاط العام للمؤسسة[90]. أو إذا كان الشغل المؤدى بها متقطعا أصلا[91]، والتي يتعذر إنجازها في ساعات العمل العادية فإنه يمكن تمديد ساعات الشغل للأجراء المعنيين بالأمر على ألا تتجاوز 12 ساعة في اليوم .
الحالة الثالثة: الأشغال المستعجلة
أمام غموض هذا المفهوم، يمكن للمقاولة أيضا الخروج عن مدة الشغل العادية إذا ما استدعى الأمر القيام بأشغال مستعجلة يستلزم إنجازها فورا، من أجل الوقاية من أخطار وشيكة الوقوع أو اتخاذ التدابير اللازمة للنجدة أو لتدارك الآفات الطارئة، سواء تعلق الأمر بأجهزة المؤسسة أو ببناياتها أو إصلاح ما تلف منها أو القيام بتدابير لأجل تفادي فساد بعض المواد[92]. وكلها حالات تسمح بالاستمرارية في الشغل طيلة يوم واحد تم تمديدها بساعتين خلال الثلاثة أيام التي تلي ذلك اليوم[93].
أولا : كيفية تطبيق التجاوز الاستثنائي
فإذا كانت بعض التشريعات المقارنة قد أغفلت الحديث عن سبل تطبيق تمديد مدة الشغل العادية فإن المشرع المغربي يسمح استثناءا بتجاوز الحد الأقصى القانوني لساعات الشغل، بوضع تأطير يهدف ضمان حماية الطبقة الشغيلة وذلك بحصر هذا الإجراء في صف الأجراء الذين يفوق سنهم ثماني عشر سنة [94]. مع إمكانية وضع استثناء آخر خاص بالأجراء الأحداث البالغين من العمر ستة عشر سنة، المشتغلون بالمصلحة الطبية وقاعة الرضاعة، وغيرها من المصالح المحدثة لفائدة أجراء المؤسسة وعائلاتهم، زيادة على أجراء المخازن وموظفي أماكن الشغل، ومن إليهم من الأعوان…وإن كانت تزودنا هذه المادة بعبارة غامضة تتمثل في "غيرها من المصالح المحدثة"و" من إليهم من الأعوان " مما قد يفقد مبدأ حماية الأحداث لمحتواه.
وفي هذا الإطار ، يتبين لنا إغفال المشرع المغربي للتنصيص على منع تطبيق هذا النظام على فئة النساء الأجيرات، وكذا المعاقين، بلورة للطابع الحمائي لقانون الشغل[95].
وترسيخا لمبدأ الرقابة في احترام المقتضيات القانونية تختص السلطة الحكومية المكلفة بالشغل[96]، بمهمة تحديد كيفيات تطبيق التجاوز الاستثنائي لمدة الشغل العادية، وذلك بحسب المهنة أو الصناعة أو التجارة أو الصنف المهني سواء على مستوى التراب الوطني أو على مستوى إقليم معين وذلك بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والنقابية للأجراء الأكثر تمثيلا [97].
ثانيا : التعويض المستحق عن التجاوز الاستثنائي
أما عن الأجر المستحق عن تجاوز الحد الأقصى القانوني لساعات الشغل العادية سواء في حالة الشغل المتقطع أصلا، أو إذا ما استدعت الضرورة القيام بأشغال مستعجلة فيؤدى الأجر بسعر الأجر المؤدى عن مدة الشغل العادية ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجير[98]. كما يمكن منح الأجير في مقابلها راحة تعويضية إذا كانت تلك الساعات زائدة عن ساعات الشغل العادية، مقررة أصلا لإعطاء الأجير فترة لتناول وجبة طعامه إذا كان وقت الطعام يتخلله وقت الشغل أو معدة بحكم طبيعة العمل المتقطعة، بحيث لا تناسب ساعات الشغل الفعلي وإنما ساعات حضور الأجير إلى عمله وكذلك إذا ما تخللت ساعات الشغل فترات استراحة طويلة خاصة بوابو البنايات المعدة للسكن، الحراس [99]….
وإذا كان المشرع المغربي يخول للأجير استحقاق أجره العادي وراحة تعويضية إن استلزم الأمر ذلك. فإن بعض التشريعات المقارنة سمحت بالاستفادة من الأجر الاعتيادي دون الراحة التعويضية لنخص بالذكر المشرع التونسي[100] الذي يمنح للأجير راحة مساوية للساعات التي تم استدراكها بالقطاع الفلاحي والاستفادة من أجر اعتيادي فقط في النشاط الفلاحي. بينما يسير المشرع الفرنسي في اتجاه المدونة بإقرار استفادة الأجير الخاضع لتجاوز مدة الشغل العادية من زيادة في الأجر وراحة تعويضية، مما يضمن حماية أكبر للأجير. لذا فحبذا لو نص المشرع المغربي على حق الأجير بالإضافة إلى أجره العادي في راحة تعويضية لأجل التخلص من مشاق العمل وإكراهات تمديد مدد الشغل .
الفقرة الثانية: ساعات الشغل الإضافية
أحاطت مدونة الشغل اللجوء للساعات الإضافية بمجموعة من القيود والضمانات لفائدة الأجراء حتى لا تستعمل لإفراغ الإنقاص من مدة الشغل من محتواه وهدفه، لهذا تشترط جل التشريعات توفر عنصر الضرورة والحصول على ترخيص مسبق من السلطات المختصة ودون تجاوز الحدود القصوى المسموح بها قانونا [101].
وفي هذا السياق سنتطرق لدراسته ظروف اللجوء للعمل الإضافي ومدته (أولا). ثم للأجر المستحق عن العمل الإضافي (ثانيا) .
أولا : ظروف اللجوء للعمل الإضافي ومدته
يتطلب إنجاز الساعات الإضافية مواجهة أشغال تقتضيها المصلحة الوطنية أو زيادة استثنائية في حجم العمل خارج نطاق استدراك ساعات الشغل الضائعة والأشغال التحضيرية أو التكميلية لأعمال لا غنى عنها للنشاط العادي للمقاولة أو لتفادي أخطار وشيكة، فتضطر بذلك المقاولة إلى تشغيل أجرائها خارج مدة الشغل العادية[102]، وفق ضوابط محددة بنص تنظيمي، على أساس استفادتهم من تعويضات عن الساعات الإضافية تضاف إلى أجرهم العادي تبعا لوقت إنجاز الساعات الإضافية[103].
ويعتبر في حكم ساعات الشغل الإضافية كل ساعة تجاوز عشر ساعات يومية حيث تحتسب الساعة الإضافية ابتداء من الساعة الحادية عشر[104]، كما يدخل في نطاقها كل ساعة شغل أنجزت سنويا ابتداء من الساعة 2289 فما فوق[105]، وكذلك الساعات المنجزة خارج أوقات الشغل بالنسبة للأجير الذي لم يشتغل الأسبوع بكامله، لجملة من الأسباب تنحصر في فصله من الشغل، أو استقالته، أو استفادته من العطلة السنوية المؤدى عنها، أو تعرضه لحادثة شغل، أو لمرض مهني أو استفادته من يوم عيد أو من عطلة. وينصب نفس الأمر على الأجير الذي ألحق بالشغل خلال الأسبوع [106].
يتضح مما سبق، وضع المشرع المغربي لنطاق الساعات الإضافية وسرد حالات اللجوء إليها وإن كان يشوبها نوع من الغموض نظرا لشساعة مفهوم العبارات المستعملة للتعبير عن ذلك، إذ فالأشغال التي تقتضيها المصلحة الوطنية عديدة ومجالها واسع وكذلك الزيادة الاستثنائية في حجم العمل التي قد تختلط بالأشغال الاستعجالية. زد على ذلك عدم تحديد المشرع لمدة قصوى للساعات الإضافية ضمانا لحماية الأجراء ولأجل مسايرة التشريعات المقارنة التي تقر بذلك وإن كانت تختلف مواقفها حول مدة الساعات الإضافية والأجر المستحق عنها.
فنجد المشرع المصري[107]، يسمح بتبني الساعات الإضافية لمواجهة ضرورات العمل غير العادي أو الظروف الاستثنائية مع احترام المساطر الإدارية المتعلقة[108] بهذا الشأن شريطة ألا تزيد ساعات العمل الفعلية عن 10 ساعات في اليوم، بحيث يستقل صاحب العمل بتقدير الحاجة إلى تقريرها أو إلغائها. وفي نفس الاتجاه يصرح كل من المشرع الجزائري[109]، الليبي[110]، والتونسي[111]، بإمكانية اللجوء للساعات الإضافية استجابة لضرورة مطلقة في الخدمة تقتضي الحصول على تراخيص من السلطات المختصة كممثلي العمال أو إعلام مفتش الشغل بذلك. وكل ذلك وفق مدد قصوى لا يتعين تجاوزها، حددها المشرع الأول في 12 ساعة يومية والثاني في 4 ساعات في اليوم بينما يشترط التشريع الثالث عدم تجاوز مدة العمل الأسبوعية ل 60 ساعة . أما المشرع الفرنسي فإلى جانب سنه لظروف العمل الإضافي يخول للمفاوضات أو للاتفاقيات الجماعية بمهمة اللجوء إليها، مما قد يفسح المجال لتوسيع نطاق الساعات الإضافية تبعا لتعويضات هامة تخص الأجر الإضافي والراحة التعويضية[112]. وبهذا فالمشرع الفرنسي يراعي محيط المقاولة وحماية المصالح المتعارضة بداخلها (المشغل/ الأجير) خلافا للتشريع العربي عموما والذي يشكو من نقص تغطية المناخ العام للساعات الإضافية دون الغوص في تنظيم التفاصيل مما يرتب وجود ثغرات تشريعية.
ثانيا : الأجر المستحق عن الساعات الإضافية
تختلف معظم التشريعات في نسبة وطريقة احتساب الأجر المستحق عن ساعات العمل الإضافي، حيث تقر مدونة الشغل باختلاف قيمة التعويض المضاف للأجر العادي حسب وقت إنجاز هذه الساعات. [113] سواء تم ذلك ليلا أو صباحا أو في يوم الراحة الأسبوعية، فيتحدد الأجر في 25 % من الأجر العادي إذا أنجزت صباحا و 50 % إذا أنجزت ليلا ، وترفع هذه النسب على التوالي إلى 50 % و 100 % إذا تمت الساعات الإضافية في اليوم المخصص للراحة الأسبوعية حتى ولو عوضت مدة الراحة، مما يبين اهتمام المشرع المغربي لمدة راحة الأجير ومنحه تعويضات تتناسب مع وقت القيام بالساعات الإضافية .
وقد تباينت جل التشريعات في تقدير نسبة الأجر المستحق فنجد جانب من التشريعات العربية[114]، لم يميز في تقدير الساعات الإضافية بين الفترة الصباحية والليلية . بينما سارع جانب آخر[115] إلى أخذ ذلك بعين الاعتبار. كما تميز فئة من التشريعات الاجتماعية كالتونسي بين القطاعين الفلاحي وغير الفلاحي، عكس المشرع المغربي الذي جاء بنظام موحد بين القطاعين ولا نرى سوءا في اعتماد هذا التمييز نظرا لاختلاف طبيعة وظروف العمل بين النشاط الفلاحي وغير الفلاحي .
أما بالنسبة للمشرع الفرنسي، فقد اعتمد على نظام تصاعدي في تحديد الأجر الإضافي بنسبة تعادل 25 % من الأجر العادي خلال 8 ساعات الأولى الإضافية، أما الساعات الموالية فتخول زيادة تقدر ب 50 % بالإضافة إلى راحة تعويضية تختلف نسبتها حسب عدد الأجراء بالمقاولة قد تصل إلى يوم كامل أو نصف يوم كما سمح هذا التشريع دون غيره للمفاوضات والاتفاقيات الجماعية بتقدير زيادة أخرى على ألا تقل عن 10 % من الأجر العادي[116].
معلوم أن مدة الشغل، تتميز باستيعاب قواعد عامة وأخرى استثنائية تقتضيها ظروف المقاولة، مما يضفي مرونة في التقنين يعكسها أيضا مراعاة خصوصية بعض الفئات (المعاقين، الأحداث، النساء). وبهذا فإلى أي مدى يستجيب تنظيم مدة الشغل لخصوصية هذه الفئة من الأجراء ؟
المبحث الثالث : خصوصية تنظيم مدة الشغل مراعاة لفئات خاصة
وضعت مدونة الشغل مقتضيات حمائية تهم فئات خاصة من الأجراء مقارنة بالتشريع السابق تبرز ملائمتها لمضمون بعض الاتفاقيات الدولية، فأوردت تنظيما قانونيا يخص حماية الأحداث، النساء، وتشغيل المعاقين، حيث كرست مبدأ المساواة في مدة الشغل بين الأجير الحدث والأجير الراشد، وأولت الاهتمام لأول مرة بوضعية الأجير المعاق[117]. في الوقت الذي أغفلت معظم التشريعات العربية إرساء مقتضيات خاصة بهذه الفئة .
والجدير بالذكر، أن المشرع المغربي، أقر شروطا مهمة تحفظ تشغيل الأجراء المعاقين في أحسن الظروف، بإخضاعهم للفحص الطبي واستشارة مفتش الشغل… أما بخصوص مدة الشغل فنلاحظ غياب أي مقتضى خصوصي يهم مدة الشغل العادية، على خلاف المشرع الفرنسي الذي سمح للمعاقين بتنظيم تدابير خاصة بوضعيتهم في إطار العمل العادي، كما يمتنع المشرع المغربي من تشغيلهم ليلا بصفة مطلقة، إلا أنه يمكن إخضاعهم للتدبير الاستثنائي لمدة الشغل العادية.
وبهذا سنحاول مناقشة المقتضيات الخاصة بتنظيم مدة الشغل لفئتي الأحداث والنساء الأجيرات وذلك قياسا بالتشريع المقارن لنتطرق للتحديد القانوني لمدة عمل الأحداث (المطلب الأول). ثم التحديد القانوني لمدة عمل النساء (المطلب الثاني).
المطلب الأول : التحديد القانوني لمدة عمل الأحداث
لقد سن المشرع المغربي قواعد قانونية من أجل حماية الأحداث ترمي إلى منع تشغيلهم في أعمال خطرة قد تلحق أضرارا بصحتهم كما أرسى خصوصيات لمدة عملهم (الفقرة الأولى). وضبط التشغيل الليلي (الفقرة الثانية) وذلك على غرار التشريع المقارن.
الفقرة الأولى: خصوصية تدبير مدة عمل الأحداث
حددت منظمة العمل العربية، بموجب الاتفاقية رقم 1 لسنة 1966 ساعات العمل اليومية للأحداث الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة في ست ساعات في اليوم، وهو نفس ما جاءت به المادة 17 من الاتفاقية العربية رقم 18 لسنة 1996 الخاصة بتشغيل الأحداث [118].
أما بخصوص التشريعات الوطنية[119]، فإن أغلبيتها أغفلت تمتيع الأجراء الأحداث بمقتضيات قانونية حمائية خاصة بتنظيم وتحديد ساعات العمل العادية لأن التقنين جاء بأحكام عامة تسري على كل الأجراء سواء كانوا أحداث أم بالغين غير أن المشرع الفرنسي أولى اهتماما في تحديد مدة عمل الأحداث انسجاما مع مستوى طاقاتهم البدنية والذهنية [120].
وبالنسبة لمدونة الشغل فرغم حداثتها تعد أقل حماية للحدث قياسا بالتشريعات المقارنة، لا سيما العربية منها، واتفاقيات الشغل الدولية والحجة في ذلك عدم تمييزها بين الأجراء الأحداث وغيرهم فيما يخص مدة الشغل العادية. عكس بعض التشريعات[121] التي راعت في تحديدها لساعات العمل العادية احتياجات الأحداث الصحية والتعليمية، وذلك بمنع تشغيلهم أكثر من ست ساعات في اليوم، وحظر تشغيلهم ليلا بصفة مطلقة في الصناعة والتجارة والمهن الحرة الخاضعة لأحكام قانون العمل[122]. لذا كان على المشرع المغربي عند تحديده لكيفية توزيع مدة الشغل وفق فترات مناسبة تتطلبها حاجيات المزروعات أو عند تحديده لكيفية توزيع ساعات الشغل اليومية الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الأحداث في ذلك [123].
كما تسمح المدونة للأجراء الأحداث البالغ عمرهم 16 سنة كما سبقت الإشارة إلى ذلك بخصوص حديثنا عن الساعات الإضافية بالمادة 191 من م ش التي تنص على إمكانية عمل الأحداث في استثناءات محددة. إلا أن الجدير بالقول أن هذه الاستثناءات التي أوردها المشرع تدور حول ما هو إيجابي في تكوين الحدث وما هو سلبي تترجمه بعض الحالات التي يغيب فيها إبداع المشرع وذلك بتكريس مساوئ القانون الملغى، ويتضح هذا من خلال صياغة عبارتي " غيرها من المصالح المحدثة لفائدة أجراء المؤسسة " و " ومن إليهم من الأعوان " التي تعد عبارات عامة وواسعة يمكن استغلالها بسوء نية من طرف المشغل لما له من سلطة ائتمارية ليفرض تمديد مدة شغل الحدث في أعمال أخرى لا علاقة لها بهاته المصالح[124].
كما تثير المادة 191 من م ش إشكالا يتمثل في عدم إشارتها إلى الجهة المختصة بتقرير هذه الاستثناءات هل هي السلطة الحكومية المختصة أم المشغلين وإن كان يبدو أن نظرة المشرع تولي للنصوص التنظيمية التي ستصدر في كيفية توزيع ساعات العمل، والاستثناءات المتعلقة بها، مهمة البث في ذلك[125]. ولو أن المشرع المغربي أراد أن يعهد الاختصاص لمؤسسة بعينها لأشار إلى ذلك بصفة صريحة.
وأمام سماح المشرع المغربي بتشغيل الأحداث ساعات إضافية[126] فإن بعض التشريعات المقارنة تمنع ذلك، كالمشرع الليبي والتونسي الذي يستلزم إخضاع الحدث لفحص طبي لإقرار مدى إمكانية تشغيله ساعات إضافية فماذا عن ضوابط العمل الليبي؟
الفقرة الثانية : ضوابط العمل الليلي للأحداث
إن استقراء المادة 172 من م ش يطالعنا بمنع تشغيل الأحداث دون سن السادسة عشر ليلا، غير أن هذا المنع ليس مطلقا، إذ أكثر المشرع المغربي من إيراد استثناءات تسمح بتشغيلهم ليلا[127] والمرتبطة أساسا بطبيعة نشاط المؤسسة وظروفها الطارئة.
يصبح تشغيل الأحداث ليلا مسموحا لفائدة المؤسسات التي تقتضي الضرورة أن يكون نشاطها متواصلا، أو موسميا، أو تستعمل مواد أولية أو في طور الإنجاز…بحيث تستصدر المقاولة المعنية رخصة استثنائية خاصة من مفتش الشغل تمكنها من تشغيل الأحداث دون 16 سنة في أي شغل ليلي[128].
والجدير بالذكر أن المادة السابقة أمدتنا بعبارات غامضة، تفتح المجال لكل مقاولة، بأن تستدعي استثناءا خاصا للاستفادة منه مرتكزة بذلك على عمومية العبارات. وأن ما يعمق هذا الطرح الإشكالي، ما جاء ت به الفقرة الثالثة من المادة 173 من م ش والتي لم يكلف أمامها المشرع نفسه عناء تضييق طلب الرخصة الاستثنائية وذلك بنهج معايير ومقاييس يمكن اعتمادها للحد من سلطة المشغل في تفسير الوقائع لصالحه على حساب الأجير الحدث، مما يدفعنا للاستغراب من موقف المشرع الذي يمنح استثناءا لاستثناء متعارضا بذلك مع فلسفة حماية الحدث [129].
ونافلة القول، فإن الحماية التي حاولت مدونة الشغل منحها للأحداث بمنع تشغيلهم ليلا إلا وفق استثناءات خاصة وكذا بتحديد ساعات تمديد عملهم إلا أنها تظل ناقصة بحكم تعارضها لمضمون الاتفاقيات الدولية للشغل ولبعض التشريعات التي تمنع بصفة مطلقة تشغيل الأحداث ليلا[130]. في الوقت الذي سمحت أخرى كالتشريع التونسي[131] الذي حصر عمل الأحداث في صورة محددة على سبيل الحصر، تتلخص في القوة القاهرة وكل ذلك بشرط استفادتهم من تدريب وتكوين مناسبين ويدعم ذلك موقف المشرع الفرنسي الذي يجعل من تشغيل الأحداث ليلا استثناءا ضيقا مع التنصيص على استفادة جميع أجراء العمل الليلي من فحص طبي كل 6 أشهر للوقوف عند سلامتهم الصحية.
لذا نناشد من المشرع المغربي وضع تعويضات مهمة تخص العمل الليلي نظرا لصعوبته خاصة بالنسبة للأحداث فحبذا لو أقر باستحقاق الأجير لأجر إضافي عوض الاقتصار على فترة راحة تتحدد كل يومين من الشغل الليلي، على ألا تقل عن 11 ساعة متوالية.
إلى جانب التحديد القانوني لمدة عمل الأحداث ننتقل الوقوف عند مظاهر الخصوصية في مدة عمل النساء.
المطلب الثاني : التحديد القانوني لمدة عمل النساء
إن الإطلاع على النصوص القانونية المتضمنة لسبل الحماية القانونية الخاصة بتشغيل النساء يبين لنا إقرار مبدأ المساواة بينها وبين الرجل الأجير، مما يعكس استجابة مدونة الشغل لمعايير العمل الدولية والعربية[132]. مع تفعيل المقتضيات القانونية الخاصة بالحماية الجنائية [133] خلافا لما كان سائد في التشريع السابق.
لقد أحاط المشرع المغربي على غرار بعض التشريعات العربية، المرأة الأجيرة بعناية مهمة انسجاما مع وضعيتها العائلية ومسؤولياتها ، نظرا لما قد يخلفه العمل في بعض الأوقات أو القيام ببعض الأشغال من أثار سلبية على صحتها[134]. لذا تم وضع تنظيم خاص يمنع تعاطي النساء لأعمال شاقة وضارة،[135] وإن كان يلاحظ غياب أي مقتضى قانوني يحدد مدة قصوى لعمل النساء[136]، إلا أنه تم التطرق لنطاق العمل الليبي (الفقرة الأولى). وثم إقرار استحقاق النساء الأجيرات تعويضا عن العمل الليبي ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: العمل الليلي للنساء
يثير سماح تشغيل المرأة الأجيرة ليلا أو حضره جدلا كبيرا في وجهات النظر بين المؤيد لهذا الحظر، لاعتبارات ثقافية واقتصادية والمناصر لرفع هذا الحظر تكريسا لمبدأ المساواة.
وفي هذا الصدد تبنت كل من منظمة الشغل الدولية منذ تأسيسها سنة 1948 بموجب الاتفاقية الدولية لنفس السنة الخاصة بتشغيل النساء ليلا[137]، وكذا منظمة الشغل العربية في الاتفاقية رقم 5 لسنة 1976 مبدأ منع العمل الليلي على النساء العاملات تاركة تحديد مفهوم العمل الليلي إلى السلطات المختصة في كل بلد عضو مع ضرورة استشارة المنضمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية الأجراء كلما استدعى الأمر ذلك.
فإذا كان تشريع الشغل السابق، لا يخرج عن مضمون الأحكام الواردة بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، فإن مدونة الشغل غيرت هذا المجرى فنصت صراحة بإمكانية تشغيل النساء ليلا مع مراعاة وضعهن الصحي والاجتماعي وتبعا للشروط التي حددها النص التنظيمي[138] والقاضي بتسهيل تشغيل النساء ليلا بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء، والممكن تلخيصها فيما يلي:
§ عند غياب وسائل النقل العمومي يجب توفير وسائل للنقل ذهابا وإيابا من محل إقامتهن إلى مقر الشغل.
§ تمتيعهن براحة لا تقل عن نصف ساعة بعد كل أربع ساعات من العمل مع احتسابها ضمن مدة الشغل الفعلية.
§ توفير وسائل للراحة الضرورية[139].
وفي ظل تكريس مرونة قانون الشغل ومراعاة ظروف المقاولة سمح المشرع المغربي[140] بتشغيل النساء ليلا، دون الرجوع للاستثناءات التي تحدد بنص تنظيمي وذلك بالمؤسسات التي تحتم الضرورة أن يكون النشاط فيها متواصلا وموسميا، أو أن ينصب الشغل فيها على مواد أولية أو في طور الإعداد وإذا ما تعرضت المقاولة لظروف استثنائية فتعذر عليها الاستفادة من الاستثناءات الواردة بالمادة 173 من م ش، يتدخل العون المكلف بتفتيش الشغل لمنح المقاولة رخصة استثنائية خاصة.
وبهذا يأتي تكريس العمل الليلي كنتيجة لتأثير تطور الإنتاج و متطلبات السوق والتنمية[141]، مما دفع بأغلب التشريعات للتدخل قصد تحديد المدة القصوى للعمل وتعيين أوقات الراحة بصورة تخدم ضمان راحة الأجير، بل وصل توجه بعضها إلى حد المنع المطلق للعمل الليلي على بعض الفئات العاملة كالأحداث وكذا منع النساء من العمل الليلي إلا وفق استثناءات خاصة تسمح بخرق مبدأ المنع[142]. كلما اقتضى الأمر ذلك كالقوة القاهرة وظروف العمل التي تستدعي القيام بأعمال من شأنها اجتناب خسارة أو تلف مواد أساسية مع تعليق هذا الإجراء بضرورة موافقة السلطات المختصة بكل تشريع كمفتشية الشغل أو طبقا لقرارات وزير العمل.
أما التشريع الفرنسي، فلم يسمح إلا استثناءا بتشغيل النساء لأجل ترسيخ استقرار النشاط الاقتصادي كما حدد الحد الأقصى للعمل الليلي في 40 ساعة في الأسبوع والمدة اليومية في 8 ساعات [143].
فحبذا لو تبنا مشرعنا هذا الموقف لأجل تكريس مبادئ الحماية للطبقة الشغيلة خاصة منهم الفئات الضعيفة[144]: كالأحداث والنساء .
الفقرة الثانية : التعويض المستحق عن العمل الليلي
كمقابل للعمل الليلي ينص المشرع المغربي بأن تتاح للنساء فترة راحة بين كل يومين من الشغل الليلي لا تقل عن إحدى عشر ساعة متوالية تشمل لزوما فترة الشغل الليلي [145] كما هي محددة قانونا ويمكن تخفيض هذه المدة إلى عشر ساعات في المؤسسات التي يكون العمل فيها مستمرا أو يعتمد على مواد أو محاصيل فلاحية سريعة التلف [146].
وتماشيا مع ما أتت به المدونة نجد التشريع التونسي يمنح لكل من نساء وأطفال العمل الليلي استراحة تعويضية خلال النهار دون تحديد لمدتها القانونية، مما يعهد الاختصاص إلى النصوص التنظيمية وممثلي العمال لأجل تحديد مدة الاستراحة التعويضية، على خلاف المشرع الفرنسي الذي جاء بمقتضى جد هام يمنح الأجير راحة تعويضية وأجرا إضافيا عن العمل الليلي وإذا كان العمل الليلي من شأنه خلق إكراهات ومشاق أمكن للأجير تقديم طلب لأجل العمل نهارا[147].
والملاحظ أنه كان على المشرع المغربي منح تعويضات أكثر فائدة وأهمية نظرا لما قد يتكبده الأجير من عمل ليلي، زد على ذلك إغفاله للتنصيص بشكل صريح ومطلق على منع تشغيل المرأة الحامل والمرضعة والمربية من العمل الليلي اعتبارا لظروفهن الخاصة[148]. على غرار ما جاءت به بعض التشريعات الأجنبية كفرنسا التي وضعت للمرأة الحامل مقتضيات هامة[149]، وكذا لأجل مسايرة المواثيق الدولية خاصة توصية (95) لحماية الأمومة لسنة 2000.
ومما لاشك فيه، أن مرونة تنظيم مدة الشغل يعكسها وجود القواعد العامة من جهة والقواعد الاستثنائية من جهة ثانية، فضلا عن مراعاة خصوصية بعض الفئات من الأجراء ، إلا أن ضمان تطبيق المقتضيات القانونية يستلزم تدخل بعض المؤسسات القانونية بالمقاولة والمتمثلة في دور المنظمات المهنية والنقابية كما أن فعالية التقنين تتطلب وضع جزاءات قوية لصد المخالفات .
المبحث الرابع : المؤسسات القانونية المواكبة لتوزيع مدة الشغل وفعالية
التقنين
تعتبر المقاولة وسيلة هامة لتحقيق مصالح اقتصادية واجتماعية وضمانا لتقدمها يتعين إشراك الأجراء في تسييرها وفي حل النزاعات، الشيء الذي يجعل من الحوار الاجتماعي أداة أساسية لتطوير المقاولات مما يدعو بضرورة تفعيل المشاركة العمالية والتي تتوزع ما بين تمثيلية واستشارية[150]، لأجل ترسيخ المرونة في تدبير مدة الشغل اعتمادا على أدوارها الطلائعية في هذا النطاق .
وليس ببعيد عن التنظيم والتأطير القانوني الذي أقره المشرع بخصوص تحديد مدة الشغل، وتوزيعها وتداعيات تجاوزها، نتساءل عن مدى فعالية هذه الضوابط القانونية[151] والتي لن تتأتى إلا بوضع جزاءات زجرية لضمان تطبيق واحترام القاعدة القانونية وإلا لما ظهرت الغاية من وراء التقنين .
ولهذا سنتطرق لدور المنظمات المهنية والنقابية في تنظيم وتوزيع مدة الشغل (المطلب الأول). لننتقل بعد ذلك لمدة فعالية الجزاء (المطلب الثاني) وذلك قياسا بالتشريع المقارن.
المطلب الأول : تدخل المنظمات المهنية والنقابية للأجراء
أقرت مدونة الشغل تحديد بعض المؤسسات القانونية التي تلعب دورا مهما في تنظيم وتوزيع مدة الشغل سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة[152]. ومن ذلك سنقتصر على المكانة التي تحتلها كل من المنظمات المهنية للمشغلين والنقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، مندوبي الأجراء والممثل النقابي في ترسيخ مبدأ المرونة في علاقة الشغل فضلا عن تحسين ظروف الشغل[153].
وسنعتمد لمعالجة هذه الآليات الوقوف عند دور المنظمات المهنية للمشغلين والنقابة للأجراء الأكثر تمثيلا(الفقرة الأولى). ودور الممثل النقابية مندوب الأجراء (الفقرة الثانية) نظرا لما لهم من خصوصية.
الفقرة الأولى: دور المنظمات المهنية للمشغلين والنقابية للأجراء الأكثر
تمثيلا
لا يمكن إخفاء الدور البارز الذي تضطلع به المنظمات النقابية في الدفاع عن مصالح الطبقة الشغيلة، مما يجعلها المحرك الأساسي لمسيرة الأجراء، إذ بواسطتها تم تحقيق العديد من المطالب إثر الصراعات التي تقع بين الأجراء والمشغلين وإن استلزم الحال توفير الشروط الدنيا لتحسين ظروف الشغل بالمقاولة[154].
على هذا الأساس وضعت مدونة الشغل مبدأ الاستشارة كمقتضى جد هام بموجبه استحضر المشرع بالمادة 184 من م ش، ضرورة استشارة السلطة الحكومية المختصة للمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا بخصوص توزيع الشغل في القطاع الفلاحي انسجاما للمتطلبات الضرورية للمزروعات وفق مدد يومية .
كما يعهد لهاته المؤسسة القانونية مهمة الوقوف عند ضرورة تمديد مدة الشغل العادية تبعا لشروط خاصة حددها المشرع لأجل أن تختص بالتحقق وإبداء الرأي في مدى إمكانية تجاوز مدة الشغل العادية مراعاة للحالات القانونية التي أوردتها المدونة[155]. كاستدراك الساعات الإضافية وتنفيذ الأشغال الاستعجالية والتكميلية…
أيضا حمل المشرع للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل عبء استشارتها أيضا للمنظمات المهنية والنقابية بخصوص تطبيق المواد ما بين 192 –187 وكذا المادة 196 من م ش لأجل البث في نهج سياسة الشغل بالتناوب والتعاقب بالمقاولات التي تقتضي طبيعة نشاطها بالعمل وفق هذا النمط[156].
كما أشار المشرع المغربي إلى دور المنظمات النقابية في تنظيم عمل الأحداث، النساء والمعاقين نظرا لما لهذه الفئات من خصوصيات تستلزم حماية مصالحهم وضمان استقرار علاقة شغلهم، الشيء الذي يبرز بصورة جلية إرادة المشرع المغربي في إشراك كل من المنظمات المهنية والنقابية في تنظيم وتوزيع مدة الشغل ليبقى الحوار والتفاوض الأداة الأسمى في تدبير مدة الشغل من أجل مرونة أوسع .
وناقلة القول: فإن دور المنظمات المهنية والنقابية للأجراء في تنظيم مدة الشغل يفتقر إلى سبل الدعم والتقوية، قياسا بالتشريع الفرنسي الذي يوسع من صلاحيات وسلطات المنظمات النقابية لترجمة صوت الطبقة الشغلية ولخلق نظام التعايش داخل المقاولة[157] التي تعكس تضارب المصالح بين المشغل والأجير. يغززها أيضا قيمة النصوص القانونية بهذا الشأن لكن بالرجوع إلى بعض التشريعات العربية نلاحظ هشاشة وضعف نظام المشاورات العمالية[158] الشيء الذي يفتح المجال تارة للنصوص التنظيمية المكملة أو لسلطة المشغل بالاتفاق مع الأجير وأي اتفاق قد يقع بين كتلتين غير متوازيتين لأن الاستشارة تحضر تارة وتغيب تارة أخرى كما لا تغطي بصورة كاملة نطاق مدة الشغل.
الفقرة الثانية : دور الممثل النقابي ومندوبي الأجراء
وليس بعيدا عما سبق مناقشته ندلي بدور كل من الممثل النقابي ومندوبي الأجراء خاصة في مسطرة التقليص من مدة الشغل فالأول ممثل النقابة غير منتخب داخل المقاولة، بينما الثاني ممثل للأجراء منتخب غير أن هذا التمييز لا يبعد مندوب الأجراء من أي انتماءات نقابية [159].
انطلاقا من المادتين 185 و 186 من م ش، يتضح إلغاء المشرع لمبدأ الاختيارية الذي كان يحضا به المشغل في ضل مشروع مدونة الشغل، وذلك بإلزام الاستشارة مع مندوبي الأجراء والممثل النقابي[160] كلما تعلق الأمر بتقليص لمدة الشغل لا يتجاوز 60 يوما في السنة، مما يعزز مكانة المنظمات النقابية في استقرار علاقة الشغل لإبعاد شبح التسريحات الفردية والجماعية للأجراء بسبب الصعوبات المالية والاقتصادية للمقاولة.
أما إذا زادت مدة التقليص عن 60 يوما في السنة صار المشغل ملزما بالاتفاق مع كل من مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين حول سبل التقليص وإمكانية إيجاد حلول للتخفيف من حدة الأزمة.
فحبذا لو تطلب المشرع المغربي الاتفاق في كلتا الحالتين كما أن هذا الاتفاق قد يستبدل بلجنة المقاولة عند وجودها.
إن ضمان احترام وتطبيق المقتضيات القانونية يقتضي وضع جزاء قانوني صارم وإلا لما تحققت الغاية التي من أجلها تم تشريع البنود القانونية.
المطلب الثاني: فعالية التقنين
معلوم أن الدولة تحرص على تطبيق القانون واحترامه بفعل الصفة الإلزامية المتصلة بالجزاء[161]، ويرجع سن المشرع المغربي لمقتضيات قانونية تهم تحديد مدة الشغل وأنماط توزيعها إلى وضع توازن بين المصالح المتعارضة داخل المقاولة وأيضا لضمان تطبيق القاعدة القانونية ولتحقيق كل هذا أرفق المخالفات بجزاءات يتعرض لها المشغل حالة خرقه للنصوص القانونية[162] وذلك مقارنة ببعض التشريعات .
إن الوقوف عند النصوص القانونية يبرز عدم فعالية الجزاء (الفقرة الأولى). مما يستلزم إيجاد سبل ملائمة لإصلاح عدم فعالية الجزاء القانوني (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مدى فعالية الجزاء القانوني
لضمان تطبيق النصوص القانونية عزز المشرع المغربي العديد من مقتضياته بجزاءات فمن أصل 586 مادة توجد أكثر من 50 مادة تتضمن نصوصا زجرية للمخالفات.
ومن بين هذه المقتضيات نجد تحديد المشرع لغرامة تتراوح ما بين 300 و500 درهم عند ارتكاب جملة من المخالفات التي تهم مدة الشغل[163]. كما وضع مقتضيات زجرية تهم ضمان تفعيل النصوص الخاصة بتشغيل الفئات الخاصة من الأجراء (الأحداث، النساء، والمعاقين).
والملاحظ هنا، هشاشة وضعف مبلغ الغرامات التي تعد العقوبة الرئيسية المعول عليها في زجر المخالفات التي حددها المشرع[164] ، وإن أقر بمبدأ تكرر العقوبات تماشيا مع عدد الأجراء الذين وقع الخرق في حقهم [165] فإنه يكون قد حدد سقفا لا يمكن تجاوزه الشيء الذي سيخدم مصالح المشغل على حساب الأجير مما لن يفعل ويدعم تطبيق القانون إذ قد يؤدي إلى ارتكاب المخالفات استنادا لهشاشة الجزاء [166] بحيث لازال النقاش رائجا حول مدى فعالية العقوبة على الرغم من رفع مبلغ الغرامات في معظم التشريعات كالقانون الفرنسي .
فحبذا لو أن المشرع المغربي غير موقفه هذا برفع مبلغ الغرامات وتشديد العقوبة عند العود، كما هو الشأن بالتشريع الليبي [167] الذي يصرح بتطبيق عقوبات أشد في القوانين الأخرى غير قانون العمل، كما يعمل في بعض الحالات من المخالفات على تحديد حد أدنى للغرامة دون وضع سقف أعلى ويقر بعقوبة حبسية عند العود خلال سنة وإن كانت المدة قليلة جدا لا تتجاوز شهرا أحيانا .
أما بخصوص التشريعين المصري[168] والتونسي[169] فيسايران اتجاه المشرع المغربي وذلك بإقرار حد أدنى وأقصى للغرامة وبتعددها حسب عدد الأجراء المعنيين [170] بينما يقر المشرع الفرنسي بغرامات مرتفعة.
الفقرة الثانية : سبل إصلاح عدم فعالية الجزاء القانوني
درءا للسلبيات التي ينطوي عليها تحديد سقف جامد لمبلغ الغرامة بصورة لا تضمن حماية الأجير مما قد يسبب الخلل في استقرار علاقات الشغل.
لذا يتم اقتراح ما يلي لأجل تجاوز الانتقادات الموجهة لضعف وهشاشة المخالفات:
§ تزويد القاضي بالسلطة التقديرية في تقرير قيمة العقوبة المناسبة لزجر المخالفة .
§ ضرورة التنصيص على رفع الحد الأدنى للغرامة وذلك تماشيا مع تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
§ حبذا لو نص المشرع المغربي بالمادة 204 على مبدأ تعدد الغرامة بتعدد الأجراء ضحايا المخالفة.
§ ضرورة التنصيص على عقوبات حبسية كلما اقتضى الأمر ذلك لردع المخالفين .
§ ضرورة استشارة وإشراك المنظمات المهنية والنقابية للأجراء عند تحديد الجزاء لإبداء وجهات النظر وتقديم الحجج اللازمة [171].
الفصل الثاني: مظاهر الخروج عن ضغط مدة الشغل
كان التطور التاريخي لعلاقات الشغل يعكس قيام مبدأ سلطان الإرادة الذي كان يحتكره المشغل باعتباره الطرف القوي في عقد الشغل مما يدفع الأجير للعمل ساعات طويلة – وبأجر قليل- في ظل ظروف غير ملائمة صحيا ولا توفر أية حماية قانونية عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، زد على ذلك الحرمان من الراحة الأسبوعية أو العطلة السنوية. إلا أن التنظيم القانوني لعلاقات الشغل خفف من عناء الأجراء من جهة وحقق السلم والعدالة الاجتماعيين من جهة ثانية.
وكما هو معلوم فإن العمل لساعات طويلة يستلزم طاقة لأداءه والتي تظل محدودة مقارنة بالبنية الفزيولوجية للإنسان، مما سيخلف آثار سلبية على صحة الأجير ومردودية الإنتاج ومن هنا ينبع استحقاق الأجير للراحة لأجل تجديد نشاطه ولتمكنيه من قضاء المصالح الخاصة ولخدمة الطاقة الإنتاجية .
ونظرا لأهمية الراحة وأثرها على الأجير من الناحية النفسية، الصحية والاجتماعية، راعى المشرع المغربي و معظم التشريعات المقارنة – التي اقتصرنا على دراستها – احتياجات الأجير للراحة لأجل استعادة نشاطه وحيويته فتم إقرار جملة من الراحات والعطل تتحدد بدءا بالراحة اليومية التي لا تقل عموما عن ساعة يوميا، غير أن الملامح الكبرى تتجلى في تنظيم الراحة الأسبوعية ، العطلة السنوية، العطل أيام الأعياد، ثم مختلف التغيبات والإجازات التي تراعي الحياة الخاصة للأجير .
والملاحظ أن تقنين مختلف الراحات والعطل يطبعه تواجد الراحة نظرا لتكيفها مع مجموعة من المتغيرات من جهة، وتهديدا لمبدأ استقرار الحق في الراحة والعطل من جهة ثانية، علما بأن الجزاءات أيضا هشة تتحدد غالبا في الغرامات المالية .
وفي هذا الإطار نتساءل عن مدى استقرار تنظيم الراحات والعطل وإلى أي مدى تستجيب هذه المضامين القانونية لراحة الأجير ؟
وبهذا سنتطرق لتدبدب الحق في الراحة الأسبوعية (المبحث الأول). ومرونة الحق في العطلة السنوية (المبحث الثاني) . ثم الراحة أيام الأعياد ومختلف التغيبات (المبحث الثالث) . لنقف بعد ذلك عند تجليات المرونة في تدبير مدد الراحة وإكراهاتها للمس مدى استجابة ذلك لمصالح المشغل ولتطلعات الأجير (المبحث الرابع) .
المبحث الأول : تدبدب الحق في الراحة الأسبوعية
تدخل المشرع المغربي إلى جانب التشريعات المقارنة لإقرار أسس متينة للسلم والعدالة الاجتماعيين بالتنصيص على حق الأجير في راحة أسبوعية للتخلص من عناء الشغل طيلة الأسبوع.
يعتبر الحق في الراحة الأسبوعية من أولى الحقوق التي أقرتها منظمة العمل الدولية للأجراء، على إثر مطالب الطبقة العاملة ومراعاة لظروف العمل التي تستلزم ضرورة الاستفادة من راحة أسبوعية لاستعادة النشاط والحيوية [172].
وإن كانت الراحة الأسبوعية تتميز باتساع نطاقها لغياب شروط استحقاقها -على خلاف العطلة السنوية – فإن وجود العديد من الاستثناءات التي تؤدي إلى تجاوز التنظيم العادي لمن شأنها تهديد استقرار حق الأجير في استحقاق الراحة كالتخفيض أو وقفها مثلا. مما يدفعنا للقول بتدبدب الحق في هذه الراحة .
هكذا إذن سنعرض بداية للمبدأ العام في تنظيم الراحة الأسبوعية (المطلب الأول). لننتقل بعد ذلك لتجاوز التنظيم العادي للراحة الأسبوعية (المطلب الثاني).
المطلب الأول : المبدأ العام لتنظيم الراحة الأسبوعية
سارع المشرع المغربي إلى جانب بعض التشريعات المقارنة لتحديد توقيت الراحة الأسبوعية، بتخصيص يوم معين للراحة وإن تم الاختلاف حول اليوم المحدد باختلاف التشريعات وذلك تماشيا مع تقاليد وأعراف كل بلد.
لمعالجة هذا المطلب سنتناول اتساع نطاق الراحة الأسبوعية (الفقرة الأولى). ثم التنظيم العادي للراحة الأسبوعية (الفقرة الثانية) على أن دراستنا لن تستقيم إلا بملامسة بعض التشريعات المقارنة.
الفقرة الأولى: اتساع نطاق تطبيق الراحة الأسبوعية
يعكس تنظيم المشرع المغربي لمدة الشغل حرصه الشديد على منح راحة أسبوعية بصورة لا ترتكز على أي مبدأ إقصائي يستلزم اعتبار السن، الجنس، أو الجنسية، أو الصنف المهني، بمعنى استبعاد الراحة الأسبوعية لشروط الاستحقاق عكس ما هو عليه بالنسبة للعطلة السنوية. وبهذا فإن المشرع المغربي يلغي كل العناصر التي من شأنها حرمان الأجير من حقه في راحة أسبوعية، ليستفيد بذلك كل الأجراء بدون استثناء حيث يستوي في ذلك الأجير الدائم والمؤقت، ومهما اختلفت مراكز العمل (عمال، مستخدمين، أطر) وكذا طريقة أداء أجورهم (بالساعة، يومية، أو شهريا). كما لا يأخذ مبدأ تطبيق الراحة الأسبوعية لخصوصية الأحداث كما هو الشأن في العطلة السنوية حيث تتطرق لمدد عامة تخص جميع فئات الأجراء باستثناء ما يدل على تجاوز التنظيم العادي والذي سنخصه بالذكر لاحقا.
وتبعا لأهمية التمتع بالراحة الأسبوعية لما لها من أثار إيجابية على الأجير نفسيا وصحيا وكذا اجتماعيا، وبما في ذلك وثيرة الإنتاج تدخلت اتفاقيات الشغل الدولية والعربية [173] لترسيخ الحق في إقرار الراحة الأسبوعية وكذلك الأمر بالنسبة لمعظم التشريعات المقارنة [174] والتي تنص على إلزامية الاستفادة من الراحة الأسبوعية وعن الإعلان في الأبواب الرئيسية للدخول عن أوقات العمل والراحة الأسبوعية مع الإشارة إلى كل تعديل قد يقع [175].
الفقرة الثانية: التنظيم العادي للراحة الأسبوعية
يأتي موقف المشرع المغربي منسجما مع باقي التشريعات المقارنة[176] التي تجعل من الراحة الأسبوعية حقا إلزاميا، حيث تنص المدونة في مادتها 205 بضرورة تمتيع الأجراء الخاضعين لها براحة أسبوعية إلزامية.
فماذا عن اليوم المخصص للاستفادة من الراحة الأسبوعية ؟
وكيف تتحدد مدتها على ضوء مدونة الشغل و القانون المقارن ؟
أولا: اليوم المخصص للراحة الأسبوعية
يخصص المشرع المغربي آخر الأسبوع للاستفادة من الراحة الأسبوعية وذلك يوم الجمعة أو السبت أو الأحد أو يوم السوق الأسبوعي، أما المشرع الفرنسي فيتخذ إلزاميا يوم الأحد لأجل الراحة [177].
كما تختلف بعض التشريعات العربية في تحديد اليوم المخصص للراحة الأسبوعية فإذا كان المشرع المصري قد أوكل تحديدها إلى سلطة رب العمل [178] طبقا لمصلحة المؤسسة ما لم تدخل المنشأة ضمن القرار الوزاري الذي يستثني بعض الجهات من استفادة جميع العمال من الراحة في نفس الوقت. كما أن جانبا من التشريعات[179] حددها في يوم الجمعة، بينما خص لها جانب آخر من التشريعات كل من أيام الجمعة السبت أو الأحد[180].
والملاحظ أن اختلاف التشريعات في تحديد يوم الراحة الأسبوعية ، يعكس مراعاة أغلبها للاعتبار الديني بجعل يوم الجمعة يوم راحة، لأجل التفرغ للشعائر الدينية وفي مقابل ذلك تفسح تشريعات أخرى المجال لتوسيع الأيام المخصصة للراحة وذلك تماشيا مع ظروف العمل ومتطلباته[181]. في الوقت الذي تعتبر فيه المدونة رائدة الميدان نتيجة اختيارها ليوم السوق الأسبوعي آخذة بعين الاعتبار المؤسسات البعيدة عن العمران بصفة عامة.
ثانيا : مدة الراحة الأسبوعية
تستغرق الراحة الأسبوعية بالتشريع المغربي مدة لا تقل عن 24 ساعة تحتسب من منتصف الليل إلى منتصف الليل، وبهذا يمنع تشغيل الأجراء أكثر من 6 أيام في الأسبوع، يمكن مبدئيا منحها لجميع الأجراء في نفس الوقت [182]، كما هو الأمر بالنسبة للتشريع الفرنسي الذي ينص على مقتضيات مشابهة للمدونة.
والجدير بالذكر، أن معظم التشريعات العربية تصرح بحق الأجير في راحة أسبوعية مدفوعة الأجر، لا تقل عن 24 ساعة متوالية، على نحو يحصر أيام العمل في 6 أيام الأسبوع وعلى العموم يمكن اعتبار الراحة الأسبوعية مدفوعة الأجر في حدود يوم كامل في الأسبوع[183]. وإن اختلفت بعض التشريعات حول أداء الأجر وذلك طبقا لما جاء باتفاقية مستويات العمل العربية لسنة 1976 والتي تفرض آليات زجرية إزاء العمال وأرباب العمل ضمانا لحسن التشغيل وحرصا على عدم بحث الأجير على عمل إضافي خلال راحته الأسبوعية لأجل تغطية حاجياته .
والملاحظ أن كل من المشرعين المغربي والفرنسي قد تنبها لمنع اشتغال الأجير لفائدة مشغل آخر خلال راحته الأسبوعية وذلك في إطار معالجة الالتزامات الواقعة على عائق الأجير[184]، بينما أغفلت بعض التشريعات التطرق بصفة صريحة لهذا المنع .
إن التنظيم العادي للراحة الأسبوعية لا يشهد تباتا بل تطبعه مرونة في التأطير القانوني يعكسها تجاوز القواعد العامة مراعاة لظروف المؤسسة وواقع النشاط الاقتصادي.
المطلب الثاني: تجاوز التنظيم العادي للراحة الأسبوعية
فإذا كان المبدأ العام في منح الراحة الأسبوعية هو إعطائها في نفس الوقت لجميع أجراء المقاولة الواحدة وذلك يوم الجمعة أو السبت أو الأحد أو يوم السوق الأسبوعي، فإن لظروف المقاولة وطبيعة الشغل تأثير يسمح بالخروج عن القواعد العامة. ويتأتى ذلك إما باختيار يوم آخر غير الأيام المحددة قانونا أو بمنح الراحة الأسبوعية بالتناوب، علما بأن هذا الاستثناء لا يمس بمبدأ استحقاق 24 ساعة على الأقل كما يمكن الحديث عن التخفيض أو وقف الراحة الأسبوعية الذي يستدعي الاستفادة من راحة تعويضية إلا أن بعض التشريعات المقارنة تشير إلى نمط آخر يتمثل في تجميع الراحة[185].
ونقترح لدراسة الاستثناءات التمييز بين الاستثناءات الخاصة بتدبير وقت الراحة الأسبوعية (الفقرة الأولى). و الاستثناءات الماسة بمدة الراحة الأسبوعية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الاستثناءات الخاصة بتدبير وقت الراحة الأسبوعية
أورد المشرع المغربي، حالات تقتضي الخروج عن المبادئ العامة للراحة الأسبوعية تبعا لطبيعة نشاط المقاولة وذلك باعتماد مبدأ التناوب، أو استجابة لمطالب أغلبية المشغلين والأجراء في تحديد يوم خاص للراحة وكل هذا دون المساس بمدة الراحة الأسبوعية ولكل تشريع خطته في الميدان.
أولا : الراحة الأسبوعية بالتناوب
إذا كان المبدأ العام يسمح بمنح جميع الأجراء راحة أسبوعية في نفس اليوم فإن لطبيعة الشغل ومتطلباته تأثير جانبي يمنع توقف العمل يوما كاملا، لهذا الغرض تجيز بعض التشريعات الاعتماد على مبدأ التناوب لأجل الاستفادة من الراحة [186].
فنجد المشرع المغربي يسمح للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل وبعد استشارتها للمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من أن ترخص للمؤسسات التي تود اعتماد الراحة الأسبوعية بالتناوب إما بصفة جماعية أو جزئية، على أن يتم إرفاق الطلب بالمبررات التي تأسس مشروعية اللجوء للتناوب تماشيا مع المصلحة الاقتصادية والتنافسية للمقاولة وبهذا يصير المشغل غير ملزم يمنح الراحة وفقا للقواعد العامة ابتداء من 12 ليلا[187].
أما بخصوص بعض التشريعات فنجد التشريع الجزائري في المادة 37 من قانون العمل، يسمح أيضا باللجوء إلى التناوب كلما كان التوقف عن العمل يتعارض مع نشاط المؤسسة أو يضر بالعموم بينما حاول المشرع التونسي بالمادة 96 من مجلة العمل حصر مجال التناوب، وذلك بسرد مجموعة من المؤسسات المرخص لها قانونا بمنح الاستراحة بالتناوب كما هو الأمر بالنسبة للتشريعين المغربي والفرنسي اللذين يلزمان بعض المؤسسات من أن تضل مفتوحة باستمرار لما قد يسببه توقف نشاطها من ضرر للعموم[188]. ونورد على سبيل المثال:
§ الفنادق والمطاعم والمقاهي ومؤسسات الترفيه.
§ المقاولات الصحفية.
§ المستشفيات والمصحات.
§ إنتاج المواد الغذائية…
غير أن الجدير بالذكر، أن المشرع المغربي يكتفي بإقرار راحة تناوبية بين الأجراء كلما استدع الأمر ذلك بينما يذهب المشرع الفرنسي إلى أبعد من ذلك عندما ينص على تعويض يصل إلى 40 % من الأجر المستحق، كما يصرح بدور " العامل أو الوالي " في التصريح بإمكانية العمل طيلة السنة أو في جزء منها بالنسبة للمقاولات التي قد تسبب ضررا في إغلاقها ليوم الأحد[189].
ورغم ما لي نظام التناوب من أهمية فإن جانبا من التشريعات كقانون العمل الليبي والمصري لم يتطرقا للتناوب وإنما نصا على أساليب استثنائية أخرى تخدم مصالح المقاولة ومتطلباتها.
ثانيا : الراحة الأسبوعية الاتفاقية
يخول المشرع المغربي للسلطة الحكومية وبعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، مهمة تحديد كيفية تطبيق نظام الراحة الأسبوعية[190]عندما يتطلب ذلك ما لا يقل عن ثلثي المشغلين الموجودين في دائرة عمالة أو إقليم…وما لا يقل عن ثلثي الأجراء الذين يمارسون نفس المهنة إذا كان يوم راحتهم الأسبوعية يوما محددا أو إذا كانوا يستفيدون من الراحة الأسبوعية بالتناوب فيما بينهم.
يبين هذا الإجراء مرونة تدبير وقت الراحة الأسبوعية بشكل يحفظ طلب الأجراء والمشغلين من جهة وإلزامية الحصول على ترخيص من السلطات المعنية من جهة أخرى، في الوقت الذي أغفلت بعض التشريعات العربية إدراج هذا النمط بقوانينها إلا أن ذخيرة المشرع الفرنسي زاخرة بعدة تدابير استثنائية تجعل من العمل يوم الأحد إمكانية متاحة نظرا لطبيعة نشاط المقاولات وظروفها [191].
الفقرة الثانية: الاستثناءات المتعلقة بمدة الراحة الأسبوعية
نظرا للظروف الاستثنائية التي قد تعترض نشاط واستمرارية العمل بالمقاولة يمكن المشرع المغربي على غرار بعض التشريعات المقارنة من الخروج عن المبادئ العامة في منح الراحة الأسبوعية والمتمثلة غالبا في تخفيض الراحة الأسبوعية، تعطيلها أو وقفها. كما يمكن الحديث عن تجميع الراحة الذي تختص به جانب من التشريعات – محط الدرس -.
أولا: تجميع الراحة الأسبوعية
أورد المشرع المغربي ثلة من الطرق الاستثنائية دون الإشارة لمبدأ التجميع الذي سنته بعض التشريعات المقارنة تماشيا مع طبيعة العمل بالأماكن البعيدة، كالتشريع المصري[192] الذي يقر باستمرارية العمل في المناطق البعيدة عن العمران كلما تطلبت ظروف التشغيل ذلك، بواسطة تجميع الراحة الأسبوعية المستحقة عن مدة لا تتجاوز 8 أسابيع بموافقة الجهة الإدارية المختصة وبعد اتفاق أطراف عقد الشغل، وفي نفس السياق يسير المشرع الليبي[193] مشترطا موافقة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لأجل تجميع الراحة الأسبوعية خلال شهرين على الأكثر للتمتع بها دفعة واحدة، وفي مقابل هذه المدد المرتفعة التي تصل إلى 8 أسابيع يأتي موقف المشرع التونسي[194] بمدة أقل لا تتجاوز الشهر الواحد لكي لا يتم إرهاق كاهل الأجير.
والملاحظ أن تجميع الراحة الأسبوعية لا ينسجم مع الغاية التي من أجلها تم تنظيم الراحة، الشيء الذي يستدعي عدم اللجوء إلى هذا النمط إلا عند الضرورة على ألا تتعدى مدة التجميع شهرا كاملا لضمان الاستفادة من الراحة بشكل موازي مع أداء العمل[195]. إلا أن هذه الانتقادات متجاوزة بالتشريع الفرنسي الذي يسمح بجمع العطلة في حدود 10 أيام في السنة وفق المفاوضات والاتفاقيات الجماعية وذلك حرصا على راحة الأجير. لذا نأمل من المشرع المغربي أن يدرج هذا النظام ضمن لائحة التنظيم الاستثنائي للراحة الأسبوعية لأجل تنويع التدابير الاستثنائية للراحة ولخدمة ظروف المقاولة وبشكل يراعي راحة الأجير.
ثانيا: تخفيض الراحة الأسبوعية
إذا كانت القاعدة القانونية تنص على إلزامية تمتيع الأجراء براحة أسبوعية لا تقل عن 24 ساعة، تحتسب من منتصف الليل إلى منتصف الليل، فاستثناءا من ذلك يسمح المشرع المغربي لكل مؤسسة تمنح أجرائها فرصة قضاء راحتهم الأسبوعية في وقت واحد أن تخفض فترة الراحة الأسبوعية إلى نصف يوم، وذلك نتيجة ظروف الشغل كأشغال الصيانة التي يجب إنجازها في يوم الراحة الجماعية للأجراء لأجل ضمان استمرارية الشغل بشكل عادي[196]. وبهذا يتم إعطاء الأجراء راحة تعويضية داخل أجل لا يتجاوز شهرا واحدا ، كمقابل عن تخفيض راحتهم من يوم كامل ومتصل إلى نصف يوم [197].
وضمانا لاحترام الضوابط القانونية التي تؤطر الراحة التعويضية فقد أوكلت مدونة الشغل إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تحديد ذلك، بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا .
وانسجاما مع مضمون النصوص القانونية السابقة الذكر تنص بعض التشريعات على تخفيض الراحة الأسبوعية إلى نصف يوم مقابل استفادة الأجراء من راحة تعويضية تساوي المدة المخفضة ، كالمشرع التونسي [198] الذي يسمح بتخفيض الراحة بالنسبة لمهن خاصة لا تتحمل التوقف يوما كاملا عن العمل لما قد يترتب عن ذلك من ضرر للعموم، ودون تطبيق هذا الاستثناء على الأحداث الذين لم يبلغوا بعد 16 سنة والنساء دون 20 سنة. أما بخصوص المشرع الفرنسي فيدلي بأنماط تكرس تخفيض الراحة، حيث يصرح بإمكانية مؤسسات البيع المجزئ للمواد الغذائية بالعمل إلى غاية 12 من زوال يوم الأحد، ليتم تكميل الراحة بنصف يوم آخر عن طريق التناوب كما جاء بأمد بعيد في تخفيض الراحة إلى نصف يوم خلال تنظيم شهري أو سنوي مع استفادة الأجير من التعويضات المناسبة. وبهذا يكون المشرع الفرنسي قد خدم المؤسسات التي تستدعي ظروف عملها وضع خطة للتخفيض تهم مدة معينة لتدارك الظروف الاستثنائية.
والملاحظ أن المشرع المغربي قد استعمل مصطلحات فضفاضة للوقوف عند تخفيض الراحة الأسبوعية" كأشغال الصيانة" الشيء الذي قد يهدد استقرار مبدأ الراحة، إلا أنه أحسن العمل عندما أقر باستشارة المنظمات المهنية والنقابية لضمان احترام القواعد القانونية. ونأمل لو توسع المشرع المغربي في تنظيم التخفيض ليسلك بذلك مسار المشرع الفرنسي في هذا الشأن كما كان عليه أن يمتع الفئات الخاصة" الأحداث، النساء" بحماية خاصة تمنع تخفيض راحتهم[199].
ثالثا: وقف الراحة الأسبوعية
تنص مدونة الشغل صراحة على إمكانية وقف الراحة الأسبوعية في الحالات التي تبررها طبيعة نشاط المؤسسة أو المواد المستعملة أو إنجاز أشغال استعجالية أو زيادة عادية في حجم الشغل[200] بحيث يعمل الأجير يوم الراحة لتدارك حوادث طارئة أو لتعويض أضرار حاذقة بالمؤسسة.
والملاحظ هنا أيضا غموض المصطلحات المستعملة والتي يمكن استغلالها بصورة خاطئة ضد الأجير، فما المانع من وضع المشرع المغربي للائحة خاصة تهم أغلبية المهن والمقاولات الملزمة بأن تظل مفتوحة للعموم كما هو الأمر ببعض التشريعات، كالفرنسي الذي يسمح بالعمل يوم الأحد في قطاعات محددة تتعلق بالصحة، التغذية مقابل الحصول على تعويض يصل إلى 40 % من الأجر المستحق. وهو موقف جد إيجابي نتمنى من المشرع المغربي تبنيه لينسجم مع بعض التشريعات العربية التي تخول للأجير الذي تم وقف راحته الأسبوعية، براحة تعويضية مماثلة ليوم راحته[201]. واستفادته من أجر إضافي يختلف حسب التشريعات الاجتماعية. حيث نجد المشرع الليبي[202] يمتع الأجير بأجر إضافي يعادل مثلي أجره العادي في الساعة التي اشتغلها. و الجزائري[203] يخول للأجير حق الانتفاع بالساعات الإضافية.
لذا فحبذا لو مكن المشرع المغربي للأجير الذي تم وقف راحته الأسبوعية بالإضافة إلى راحة تعويضية داخل أجل لا يتعدى شهرا واحدا من زيادة في الأجر. و الملاحظ أيضا إغفال المشرع المغربي إلى جانب بعض التشريعات العربية من تحديد الحد الأقصى للوقف، زد على ذلك الاعتماد على أجل طويل لأجل الاستفادة من الراحة التعويضية في الوقت الذي يشترط فيه جانب من التشريعات كالليبي مثلا أجل 3 أيام الموالية لتاريخ وقف الراحة الأسبوعية.
وبهذا فإن هذا الإشكال يجيب عنه القانون الفرنسي من خلال وقفه للراحة الأسبوعية مرتين في الشهر مع أمد أقصاه 6 مرات في السنة، مما يوفر حماية مهمة للأجير، وأما ساعات العمل فتعتبر بمثابة ساعات إضافية مما يخول للأجير أجرا إضافيا[204].
ومما لاشك فيه، أن تميز الراحة الأسبوعية بتنظيم عادي وأخر استثنائي يخدم ظروف ومصالح المقاولة ولكن يهدد مبدأ استقرار حق الأجير في الراحة الأسبوعية الذي يضل تابعا لإكراهات العمل وضرورياته. وإلى جانب الاستفادة من الراحة الأسبوعية يتأتى الحق في العطلة السنوية شريطة استيفاء شروط تفعيلها.
المبحث الثاني : مرونة الحق في العطلة السنوية
لترسيخ حماية الطبقة الشغيلة لم يكتفي المشرع المغربي، والتشريعات المقارنة بإعطاء الأجراء راحة في أيام الأعياد والعطل وإنما أقروا مقتضيات تخص العطلة السنوية [205].
اعتبارا لأهميتها في توفير الاستراحة اللازمة واستعادة الحيوية جراء العمل المتواصل طوال السنة لهذا الغرض تنص اتفاقيات الشغل الدولية والعربية [206] على ضرورة تمتيع الأجراء بعطلة سنوية مؤدى عنها، تختلف مدتها تبعا للتشريعات وتتميز بتنظيم استثنائي يسمح بضمها، تجزئتها أو بوقفها. الشيء الذي يضفي مرونة واسعة في الاستفادة من العطلة السنوية.
وعلى ضوء ذلك سنتطرق لمعالجة تفعيل العطلة السنوية ومدتها (المطلب الأول). ثم التنظيم الاستثنائي للعطلة السنوية (المطلب الثاني) .
المطلب الأول: تفعيل العطلة السنوية ومدتها
يلزم المشرع المغربي إلى جانب جل التشريعات كل مشغل باحترام الضوابط القانونية التي تقر بحق الأجير في عطلة سنوية مؤدى عنها كل سنة مع منع تشغيلهم أثناء تمتيعهم بهذه العطلة سواء كان ذلك بمقابل أو بدون مقابل –مبدئيا- سواء تعلق الأمر بمشغله أو لدى مشغل آخر . فالأجير الذي يخالف هذه الأحكام يعرض نفسه للفصل[207].
كما أن تفعيل العطلة السنوية يقتضي توفر شروط لاستحقاقها لأجل الاستفادة من مدة معينة تختلف باختلاف التشريعات.
وفي هذا الصدد سنتناول شروط استحقاق العطلة السنوية (الفقرة الأولى).
لنقف بعد ذلك عند تنظيم مدة العطلة السنوية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: شروط استحقاق العطلة السنوية
يربط المشرع المغربي استفادة الأجير من عطلة سنوية بضرورة استيفاء شرطين أساسيين يتلخصان في توفره على عقد شغل وعلى أقدمية معينة في خدمة نفس المشغل أو في نفس المؤسسة[208]. وقد أشارت المادة237 من م ش لمفهوم مدة الشغل المتصلة بكونها تلك الفترة التي يكون فيها الأجير مرتبطا مع مشغله بعقد الشغل أيا كان نوعه أو بعقد تدريب.
أولا: وجود عقد شغل أو تدريب
تستدعي استفادة الأجير من عطلة سنوية ارتباطه بعقد شغل، دون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النشاط الممارس صناعيا كان أو تجاريا أو فلاحيا وأيا كان نوع العقد محدد المدة أو غير محدد المدة [209]، أو كان الأجير مرتبطا بعقد تدريب من أجل الإدماج المهني أو التدرج المهني[210]. وكل هذا يفيد اشتراط جل التشريعات المقارنة لضرورة ارتباط الأجير بعقد شغل يعكس تبعيته للمشغل مقابل أجر وبغياب هذا الإطار القانوني تنتفي العطلة السنوية لأنه من المنطقي جدا توفر هذا الشرط [211].
ثانيا : قضاء أقدمية معينة
يتلخص هذا الشرط في ضرورة قضاء الأجير لمدة معينة من الشغل الفعلي في خدمة نفس المشغل أو نفس المقاولة، تتحدد في مدة لا تقل عن 6 أشهر من العمل المتواصل ما لم يتضمن عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي أو العرف مقتضيات أكثر فائدة للأجير[212].
كما تشترط معظم التشريعات الاجتماعية أيضا توفر فترة معينة من العمل المتصل لدى نفس المشغل وتختلف المدة المراد تحقيقها من تشريع لآخر. إذ نجد المشرع المصري يساير تشريعنا بتحديدها في 6 أشهر[213]. بينما تعرف هذه المدة ارتفاعا ملحوظا بالتشريعين الليبي والجزائري حيث تصل إلى سنة كاملة لأجل اكتساب الحق في العطلة السنوية[214]. إلا أنه يمكن اعتبار كل من التشريعين الفرنسي والتونسي أسياد الموقف بدليل اشتراط شهر واحد من الشغل الفعلي.
وانطلاقا مما سبق نطالب من المشرع المغربي مسايرة التشريعات المقارنة التي تستلزم قضاء شهر واحد لدى المشغل الواحد أو المقاولة الواحدة لاستحقاق العطلة السنوية لأن موقفه هذا غير منطقي ومجحف بالعديد من الأجراء[215].
الفقرة الثانية: تنظيم المدة العادية للعطلة السنوية
تعبر عن فترة الراحة السنوية فئة من التشريعات بالإجازة السنوية بينما تستعمل فئة أخرى مصطلح العطلة السنوية في الوقت الذي يستخدم جانب آخر الرخصة الخالصة للأجر، كما أن هذا الاختلاف الواقع في العبارات يدعمه أيضا تباين واضح بين التشريعات حول تنظيم المدة العادية للعطلة السنوية .
أولا : موقف المشرع المغربي
حدد المشرع لمدة العطلة السنوية حدا أدنى لا يمكن النزول عنه تبعا لمدد مختلفة حسب فئات الأجراء ضمانا للطابع الواقعي لقانون الشغل الذي يأخذ بعين الاعتبار سن الأجير، ما لم يتضمن عقد الشغل، اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي مقتضيات أكثر فائدة [216].
والملاحظ أن مدونة الشغل تميز في تحديد مدة العطلة السنوية بين الأجراء حسب سنهم خلافا لبعض التشريعات التي جاءت بمقتضيات عامة – كما سنرى لاحقا- فتنص على مدتين للعطلة السنوية مدة عادية ومدة استثنائية يتمتع بها الأجراء الأحداث الذين لا يتعدى سنهم 18 سنة[217]. فأعطت المدونة التقسيم التالي:
§ يوما ونصف من أيام الشغل الفعلي عن كل شهر من العمل.
§ ترفع إلى يومان بالنسبة للأجراء الذي لا يتجاوز سنهم 18 سنة، علما بأن غياب هذا البند الأخير واضح ببعض التشريعات الاجتماعية التي تجاهلته.
ويضاف إلى هاتين المدتين مدة إضافية تقدر بيوم ونصف يوم من أيام الشغل الفعلي عن كل فترة شغل كاملة مدتها 5 سنوات متصلة كانت أو غير متصلة إلا أن هذه الإضافة طويلة الأمد تستلزم استفاء مدة طويلة مقارنة بالتشريع المقارن.
ويراد بمفهوم "مدة الشغل المتصلة" تلك المدة التي يكون فيها الأجير مرتبطا بمشغله بعقد شغل تتخلله فترات خاصة بالتوقف تحتسب ضمن علاقة الشغل.
وللوقوف بدقة عند مدة الشغل الفعلية الواجب قضاءها يتعين مراعاة ما يلي:
§ تعتبر 26 يوما من الشغل الفعلي[218] بمثابة شهر حيث يتم احتساب 4 أيام كراحة أسبوعية على عكس بعض التشريعات التي تعتمد على مدد أقل لا تتجاوز 24 يوما وتبعا للسنة المرجعية الخاصة.
§ تعتبر مدة 191 ساعة في النشاط غير الفلاحي و208 ساعة في النشاط الفلاحي سواء كانت متصلة أو غير متصلة بمثابة شهر من الشغل، وينبني هذا التمييز على أساس التفرقة بين القطاعين في مدة الشغل العادية في الوقت الذي تستند فيه بعض التشريعات على معايير متباينة قد تتحدد بالأسبوع، اليوم، أو الساعة.
§ يساوي كل جزء من شهر الشغل بدأه الأجير شهرا كاملا من الشغل يجب احتسابه عند تحديد مبلغ التعويض عن العطلة السنوية إذا ما تم إنهاء عقد الشغل دون استفادة الأجير منها[219]. وهو مقتضى قانوني جد هام لم تنسجم معه للأسف معظم التشريعات المقارنة.
ونافلة القول، فإن كل اتفاق من شأنه التنازل المسبق عن العطلة السنوية أو التخلي عن التمتع بها ولو تم ذلك مقابل تعويض يعد باطلا ونظرا لأهمية هذا الشرط في تكريس الغاية التي من أجلها تم إرساء قواعد العطلة سارعت جل التشريعات إلى التصريح بذلك ضمن مضامين قوانينها.
ثانيا: موقف التشريع المقارن
إن الوقوف عند معالجة النصوص القانونية المنظمة لمدة العطلة السنوية يبرز تباين معظم التشريعات في تحديد تلك المدة، وفق نظام يعكس انسجام التقنين مع ظروف كل بلد وعاداته. إذ يحددها جانب من التشريعات في 14 يوما عن كل سنة من الخدمة وترفع إلى 24 يوما بالنسبة للأحداث والعمال الذين قضوا 5 سنوات في خدمة نفس صاحب العمل[220].
بينما يعمد المشرع التونسي في تحديدها إلى التمييز بين القطاعين الفلاحي وغير الفلاحي مخالفا بذلك معظم التشريعات المقارنة كالمشرع التونسي[221] لذا فما المانع من تبني المشرع المغربي لهذا النظام عند احتساب العطلة السنوية نظرا لتمييزه بين القطاعين بمعرض تنظيم مدة الشغل العادية.
كما يراعي المشرع التونسي خصوصية الأحداث بإفراده لمدة مغايرة لا تتجاوز 30 يوما للعمال الذين يقل سنهم عن 18 سنة، وتخفض هذه المدة لتصل إلى 22 يوما [222] بالنسبة للعمال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 20 سنة.
يتضح مما سبق تنوع المعايير المعتمدة من أجل تنظيم مدة العطلة السنوية، والمرتبطة عموما بالفئة العمرية أو الأقدمية أو بطبيعة الأعمال والأنشطة الممارسة[223]. كما هو الأمر بالنسبة للمشرع المصري الذي يمنح للعامل إجازة سنوية تتحدد في 21 يوما عن كل سنة خدمة، وترتفع بالأقدمية لتصل إلى 30 يوما بعد مرور 15 سنة لدى صاحب العمل، ونفس المدة يستفيد منها العامل الذي يتجاوز عمر 50 سنة[224].
كما أورد المشرع المصري نظاما قانونيا هاما يخص العمال الممارسين للأعمال الصعبة أو بالمناطق النائية بزيادة مدة إجازتهم ب 7 أيام وذلك وفق قرار يصدره الوزير المختص بعد أخذ رأي الجهات المعنية[225].
أما بخصوص التشريعين الجزائري[226] والفرنسي[227] فيتفقان في تحديد مدة مهمة تخول للأجير يومين ونصف عن كل شهر من العمل الفعلي شريطة ألا تتجاوز العطلة السنوية 30 يوما، و ذلك باعتماد فترة سنوية مرجعية تمتد من أول يونيو للسنة الماضية للعطلة إلى غاية 31 ماي من سنة العطلة.
لذا فحبذا، لو ساير مشرعنا طرح بعض التشريعات القاضية باحتساب أقدمية قصيرة لا تتعدى شهرا واحدا لأجل استحقاق العطلة السنوية . كما لو أسس لنظام مهم يقضي بمدد مرتفعة للعطلة على غرار المشرع الفرنسي – خاصة – الذي يمكن من رفع مدة الإجازة السنوية بالنسبة للشباب والأمهات الأقل من 21 سنة، أو لاعتبارات في السن أو لأقدمية الأجير إلى غير ذلك من المقتضيات القيمة[228].
إن التنظيم العادي للعطلة السنوية يقابله تنظيم استثنائي تقتضيه اعتبارات عدة تجعل من استقرار الحق في العطلة محط تدبدب.
المطلب الثاني: التنظيم الاستثنائي لمدة العطلة السنوية
لم يشر المشرع المغربي لفترات الاستفادة من العطلة السنوية باستثناء القطاع الفلاحي وتوابعه الذي يشهد تدخل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا لتحديد الفترات التي لا يسمح فيها لأجراء هذا القطاع بالاستفادة من العطلة السنوية المؤدى عنها[229]. أما بخصوص القطاع غير الفلاحي فيعود الاختصاص للمشغل لتحديد تواريخ العطلة السنوية[230]، ولا يتم ذلك إلا بعد القيام بالاستشارات اللازمة بما في ذلك استشارة الأجراء المعنيين بالأمر تبعا للحالة العائلية ومدة الأقدمية .
كما تنص معظم التشريعات بضرورة تمتيع الأجير بعطلة سنوية مدفوعة الأجر إلا أنه قد تطرأ ظروف استثنائية تجعل من إمكانية استحقاق الإجازة محط خلاف[231]. مما يستدعي استحقاق تعويض مناسب بهذا الخصوص لما قد يتعلق إما بضم العطلة السنوية أو تجزئتها أو بوقفها أو بالأحرى بانتهاء علاقة الشغل قبل استنفاذها.
كما تقر أيضا بضرورة استفادة الأجير من إجازته السنوية بصفة متواصلة إما كاملة أو بتجزئتها في فترات تختلف مددها الدنيا باختلاف التشريعات.
وفي هذا الإطار سنخص بالذكر التجزئة والضم (الفقرة الأولى). ثم التعويض عن العطلة السنوية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : التجزئة والضم
فيما يهم تجزئة العطلة السنوية وضمها والتي سبق للجنة الخبراء منذ سنة 1967 أن أثارت انتباه الحكومة إلى التعارض القائم بين الفصل 16 من ظهير 1946 والمادة الثانية من الاتفاقية الدولية رقم 52، اعتبارا لما قد يطرحه ضم العطلة السنوية من مشاكل قد يترتب عنها حرمان الأجير من مدة كافية للعطلة[232]. غير أن مدونة الشغل حسمت هذا النقاش بدليل المادة 240 التي تنص على إمكانية تجزئة العطلة السنوية أو الجمع بين أجزاء من مددها على مدى سنتين متتاليتين إذ يتم ذلك باتفاق صريح بين المشغل والأجير، بشكل يضمن حماية الأجير تبعا لمدة لا يجب أن تقل عن 12 يوما من العمل الفعلي يتخللها يومان من أيام الراحة الأسبوعية[233].
ونلاحظ في هذا الصدد اعتماد المشرع المغربي على مدة منخفضة قياسا ببعض التشريعات المقارنة كالفرنسي الذي يشترط تجزئة العطلة من 12 إلى 24 يوما بموافقة طرفي عقد الشغل، وعلى أساس استحقاق أيام إضافية أيضا قد تصل إلى 2 يومين عن كل 6 أيام زد على ذلك إقراره لمجموعة من البنود الحمائية للطبقة الشغلية الخاضعة للتنظيم الاستثنائي وخاصة منهم الأحداث الذين يمنع عنهم ضم أو تجزئة العطلة السنوية[234].
لذا فحبذا لو سار مشرعنا في هذا التيار ليقضي بمدة مرتفعة تهم التدبير الاستثنائي للعطلة لترسيخ وتكريس الطابع الحمائي للأجراء وإن كان للاتفاق حضور قوي قبل الإقدام على هذا الإجراء[235].
لذا كان على مشرعنا التشديد في العقوبات عكس ما هو عليه الأمر حاليا، لأن ضمان فعالية التطبيق يقتضي سن عقوبات زجرية متينة لصد المخالفات.
كما يمكن الوقوف عند بعض التشريعات العربية التي تجيز أيضا بتجزئة وضم العطلة السنوية على مدار مدد مختلفة لا تتعدى سنتين، حيث نجد المشرع الليبي[236] يسمح بتجزئة أو تأجيل الإجازة للسنة الموالية فيما زاد على ستة أيام تبعا لمدد منخفضة لا يقيدها الحد الأقصى مما قد ينشئ هامشا أوسع يزيد من سلطة رب العمل في نهج هذا المبدأ بدليل تجزيء الرخصة الخالصة للأجر على مدار يوم أو عدة أيام وذلك إلى حد النصف من مدتها الكاملة[237]. وإلى جانب التشريعات التي أقرت مقتضيات قانونية لتأطير هذا الحقل القانوني وإن كان يشوبها الضعف فإن جانبا آخر من التشريعات العربية قد تقاعس عن ذلك كالمشرع الجزائري[238] الذي يخول للمستخدم الحق في وضع برنامج العطل السنوية وتجزئتها بعد استشارة لجنة المشاركة إن وجدت وإن كان لهذه الاستشارة جانب إيجابي فإن لسلطة المستخدم تأثير جانبي من شأنه المساس بمصلحة العامل [239].
الفقرة الثانية: التعويض عن العطلة السنوية
كما سبقت الإشارة إلى ذلك فإن التشريع المغربي يساير جل التشريعات المقارنة في إقرار أحقية الأجير للعطلة السنوية لما لها من أثار إيجابية تمكنه من تجديد نشاطه واستعادة عافيته، مما قد يرتب غياب الأجير عن شغله لفترات محددة من السنة. لذلك نثير التساؤل التالي بخصوص مدى أحقية الأجير أو عدم أحقيته في التعويض عن العطلة السنوية المؤدى عنها أو التعويض عن عدم التمتع بها حالة إنهاء عقد الشغل [240].
وبهذا سنتطرق لعرض التعويض عن العطلة السنوية عند سريان عقد الشغل (أولا). وعند توقفه أو انتهاءه (ثانيا).
أولا : أثناء سريان عقد الشغل
يدفع الأجير خلال عطلته السنوية المؤدى عنها تعويضا يساوي ما كان سيتقاضاه لو بقي في شغله ويتضمن هذا التعويض الأجر وتوابعه المادية منها والعينية[241]، شريطة اشتغال الأجير مدة لا تقل عن 6 أشهر متتابعة في خدمة مقاولة واحدة أو لدى مشغل واحد. وإن كانت بعض التشريعات الاجتماعية تشترط مدة أقل تبلغ شهرا واحدا من العمل الفعلي.
ويؤدى التعويض المستحق عن العطلة السنوية المؤدى عنها في أجل أقصاه اليوم الذي يسبق عطلة الأجير المعني بالأمر[242]. وإلى جانب موقف المشرع المغربي نجد مسايرة معظم التشريعات المقارنة عندما صرحت بكون الإجازة السنوية مدفوعة الأجر بأجر كامل ضمانا للصبغة الحمائية التي تكتسي قانون الشغل[243].
ثانيا: أثناء توقف أو انتهاء عقد الشغل
يستحق الأجير تعويضا عن عدم تمتعه بعطلته السنوية المؤدى عنها، إذا قضى ما لا يقل عن ستة أشهر متتالية ثم أنهى عقد شغله.
كما يؤدي التعويض عن العطلة السنوية المؤدى عنها أو عن أقسامها التي لم يستفد منها الأجير في حالة تجزئة العطلة[244]. ويعادل هذا التعويض حسب الأحوال يوما ونصف يوم، أو يومين عن كل شهر في الشغل.
والجدير بالذكر، أنه مهما اختلفت الأسباب التي أدت إلى إنهاء عقد الشغل سواء تعلق الأمر بخطأ صادر من الأجير، أو بوفاته قبل استفادته من العطلة السنوية ففي هذه الحالة يلتزم المشغل بأداء التعويضات القانونية للورثة[245].
كما يقر المشرع المغربي باستحقاق الأجير لتعويض يساوي مدة الإغلاق الكلي أو الجزئي للمؤسسة إذا ما اقترنت العطلة السنوية بذلك، وكيفما كانت المدة التي يكون قد قضاها الأجير في الشغل حتى تاريخ الإغلاق[246] لأن الغاية الأساسية التي من أجلها شرعت العطلة تسمو على ضرورة استيفاء مدة استحقاقها نظرا لإغلاق المؤسسة.
كما أن الأجير الذي يوقف عقد شغله بسبب الخدمة العسكرية قبل استفادته
من العطلة السنوية المؤدى عنها، يستحق تعويضا عن عدم تمتعه بهذه العطلة وذلك عند مغادرته للمقاولة [247].
وتكريسا للطابع الحمائي لقانون الشغل، أعطت المدونة امتياز الرتبة الأولى للأجير بهدف استيفاء ماله من تعويض عن العطلة السنوية المؤدى عنها[248]. خلافا لمقتضيات الفصل 1248 من قلع ولمضمون معظم التشريعات المقارنة التي تقاعست عن الإدلاء بهذا المقتضى الهام[249]. وإن أجمعت واتفقت على استحقاق الأجير لتعويض يعادل قيمة أجره عن أيام العطلة السنوية إذا ما انتهى عقد الشغل لأي سبب من الأسباب [250]، باستثناء جانب منها كالتشريع التونسي الذي يسقط حق العامل إذا ما تم فسخ العقد على إثر ارتكابه لخطأ فادح مما يهدد بمبدأ استقرار علاقة الشغل داخل المقاولة[251].
ويمكن اعتبار كل من التشريعين المغربي والفرنسي أسياد الموقف نظرا لدسامة المقتضيات القانونية التي أطلوا بها مقارنة بباقي التشريعات التي أغفلت التطرق لبعض التفاصيل. والملاحظ أن المشرع الفرنسي قد ذهب بعيدا في هذا المجال بإقراره لتعويض الأجير عند وقف العطلة يصل إلى عشر الأجر المستحق عن السنة المرجعية [252] يدفع قبل نهاية الشهر وغالبا قبل مغادرة العمل ويسجل في لائحة الأجور كما لو كان أجرا، مما يوضح انسجام القانون الفرنسي وظروف المؤسسة أو لمتطلبات الأجير التي قد تقتضي ذلك. ويمكن القول بأن هذا البند القانوني من الأهمية بمكان إذ يخدم مصالح المؤسسة من جهة ويراعي تعويض الأجير من جهة ثانية وذلك باستحقاقه لأجره الكامل إضافة إلى تعويض مالي. ولذا فما المانع من وقف العطلة السنوية بتشريعنا إذا كان يسمح بوقف الراحات والإجازات الأخرى لأجل مسايرة المقاولة للظروف الاستثنائية و الطارئة وذلك بتقنين صريح يفي بالغرض.إلا أن دلك سيخدم مصالح المشغل على حساب راحة الأجير. إلى جانب استفادة الأجير من الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية. يحق له أيضا التمتع بعطلة العيد وبمختلف التغيبات لمراعاة ظروف العمل وخصوصية حياة الأجير إلا أن تنظيمها يستلزم التساؤل عن مددها القانونية وعلاقتها بالأجر المستحق.
المبحث الثالث : الراحة أيام الأعياد ومختلف التغيبات
أورد المشرع المغربي على غرار جل التشريعات المقارنة حق الأجير في استحقاق الراحة أيام الأعياد المؤدى عنها والمحددة بنصوص تنظيمية[253].
كما راعى تداعيات الحياة الخاصة للأجير فخوله جملة من التغيبات التي تراعي ظروف الأجير وحاجياته لخلق توازن بين ضرورة العمل وخصوصية الحياة.
وفي هذا الصدد سنعرض الحق في الراحة أيام الأعياد (المطلب الأول). ثم حق الأجير في التغيبات (المطلب الثاني).
المطلب الأول : الحق في الراحة أيام الأعياد
يحضا كل مجتمع بعاداته وتقاليده الخاصة تميزه عن غيره من المجتمعات منها ما هو ديني، وطني أو مهني يستوجب مراعاته والاحتفال به، مما دفع ببعض التشريعات المقارنة إلى جانب المشرع المغربي إلى إقرار حق الأجير في الراحة أيام الأعياد حرصا على تماسك مقومات الوطن وأصوله.[254] وأحيانا قد تحول ظروف العمل دون ذلك ليتم وقف الراحة أيام الأعياد مما يزعزع استقرار هذا الحق .
وفي هذا الصدد سنتطرق لمعالجة الاستفادة من الراحة أيام الأعياد المؤدى عنها (الفقرة الأولى). لننتقل بعد ذلك لوقف الراحة أيام الأعياد المؤدى عنها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الاستفادة من الراحة
تنص مقتضيات المادة 219 من م ش على حق الأجير في الاستفادة من عطلة العيد المؤدى عنها، وإذا ما اشتغل قبل يوم العيد مباشرة، أو إذا ما اشتغل لمدة 13 يوما خلال الشهر السابق ليوم العيد. كما يصرح المشرع بمنع اشتغال الأجير أيام الأعياد المؤدى عنها والمحددة لائحتها بنص تنظيمي.
وانسجاما مع المشرع المغربي تنص معظم التشريعات بأن أيام الأعياد والعطل مدفوعة الأجر ومحددة بنصوص تنظيمية، حيث نجد المشرع المصري[255] يقر بحق العامل في إجازة بأجر كامل في الأعياد المحددة بقرار الوزير المختص بحد أقصى 13 يوما في السنة[256]. عكس جل التشريعات[257] التي لم تتطرق للحد الأقصى وإنما أوكلت ذلك للنصوص التنظيمية للوقوف عند لائحة الأعياد كما هو الشأن بالنسبة لمشرعنا.
بينما يقر المشرع الفرنسي جملة من الأعياد والمناسبات المتنوعة التي تستلزم الحصول على راحة إلا أن هذه الاستفادة ليست إجبارية إلا بالنسبة للأحداث الذين يمنع وفق راحتهم لما لهم من خصوصية، كما يمنح إمكانية وضع أيام أخرى إلى جانب تلك المحددة قانونا لأجل مواكبة العرف المهني[258].
الفقرة الثانية : وقف الراحة
يخول المشرع المغربي رخصة العمل يوم العيد للمؤسسات التي تقتضي طبيعة عملها أن تضل مفتوحة للعموم، أو المؤسسات التي تعتمد أسلوب التناوب في الراحة الأسبوعية، والتي قد يسبب إغلاقها ضررا كمحلات بيع المواد الغذائية، المقاهي، المطاعم، الفنادق، المؤسسات الترفيهية… شريطة أن يلتزم المشغل بأداء تعويض إضافي للأجراء يضاف على الأجر المستحق وهو ما جاءت به معظم التشريعات المقارنة وإن اختلفت في قيمة الأجر الإضافي كما سنرى لاحقا.
يشترط المشرع المغربي أن تكون قيمة التعويض مساوية لمقدار الأجر[259] المستحق، كما يمكن استبدال التعويض الإضافي براحة تعويضية مؤدى عنها إذا ما اتفق المشغل والأجير المعني بالأمر على ذلك[260]. وهذا المقتضى أو الإمكانية المتاحة بتشريعنا تغيب عند جل التشريعات التي تقر بأجر إضافي فقط.
والجدير بالذكر، أن احتساب التعويض المستحق عن الراحة في أيام الأعياد المؤدى عنها يطبعه اختلاف واضح حسب طريقة أداء الأجر خلافا لباقي التشريعات المقارنة التي أتت بأحكام عامة تهم جميع الفئات ودون مراعاة خصوصية أداء الأجر[261]:
§ إذا كان احتساب الأجر على أساس الساعة أو اليوم، ففي هذه الحالة يتقاضى الأجير تعويضا يعادل ما كان سيتقاضاه لو بقي في عمله دون احتساب ما حصل عليه الأجير من تعويضات مرتبطة بالمخاطر أو استرداد مصاريف أو نفقات خاصة[262].
§ إذا كان احتساب الأجر يكون على أساس الشغل المنجز أو القطعة فيحدد التعويض بنسبة 26 % من الأجر على مدار 26 يوما التي سبقت يوم العيد المؤدى عنه [263].
§ لا يمكن الإنقاص من الأجر المحدد جزافيا بسبب عدم الاشتغال يوم العيد[264].
فإذا كان المشرع المغربي عموما يخول للأجير تعويضا إضافيا يعادل أجره المعتاد[265]، فإن جانبا من التشريعات أقر بذلك بينما ذهب جانب آخر إلى تقدير نسبة معينة إضافية. كما يقر المشرع التونسي[266]بأن اشتغال الأجراء أيام الأعياد يوفر لهم بالإضافة إلى أجورهم العادية منحة تعادل الأجر المعتاد دفعه من طرف المشغل، بينما يسمح التشريع المصري[267] بتعويض مرتفع يتلخص في مثلي الأجر العادي.
لذا فحبذا لو أقر مشرعنا بتعويض مناسب يضاعف الأجر المعتاد نظرا لما قد يرتبه وقف الراحة يوم العيد من أضرار متنوعة سواء على المستوى الاجتماعي أو النفسي .
كما نجد اختلاف التشريعات حول إمكانية تشغيل الأحداث يوم العيد فمنهم المؤيد ومنهم المعارض تكريسا للطابع الحمائي لقانون الشغل [268].
وضمانا لخلق توازن بين ضرورات العمل ومتطلبات الحياة الخاصة للأجير تم وضع تغيبات متنوعة تخدم ظروف هذا الأخير بمراعاة الظروف الصحية و العائلية و قضاء الأغراض الشخصية المتنوعة .
المطلب الثاني : حق الأجير في التغيبات
خولت التشريعات المقارنة مختلف الرخص القانونية التي تمكن الأجير من التغيب وفق مدد متباينة لقضاء متطلبات الحياة الخاصة، وذلك إما لظروف صحية أو اجتماعية أو القيام بأغراض شخصية…
وأمام تنوع رخص التغيب يجد الأجير نفسه أمام ضيق يتلخص في مدى استحقاقه للأجر بأكمله، إذ يستفيد من الأجر تارة ويحرم منه تارة أخرى.
وفي هذا الصدد سنخص بالذكر معالجة التغيبات الراجعة للظروف الصحية للأجير (الفقرة الأولى) ثم التغيبات الراجعة للأسباب والأحوال العائلية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الغياب الراجع إلى الظروف الصحية للأجير
توجد عدة حالات تبرر غياب الأجير نتيجة ظروف الحياة الاجتماعية كالتغيب بسبب المرض أو نتيجة الأحداث العائلية[269] أو لأسباب أخرى على أن نقف عند أهمها قياسا ببعض التشريعات. وتختلف مدد التغيب باختلاف التشريعات مما قد يرتب استحقاق الأجر بكامله تارة أو سقوط هذا الحق تارة أخرى مع احتفاظ الأجير بمركزه المهني [270].
أولا : إجازة المرض
تأتي حاجة الأجير للراحة، كضرورة ملحة لأجل استرداد عافيته إثر إصابته بمرض أو حادثة تعذر التحاقه بالشغل، ولتفعيل مسطرة الإجازة المرضية يلتزم الأجير بإشعار مشغله وتقديم تبرير بهذا الخصوص خلال 48 ساعة الموالية لتعذر التحاقه بعمله[271] اللهم إلا إذا أحالت القوة القاهرة دون ذلك.
يمكن رفع مدة الإجازة إلى أكثر من 4 أيام بسبب تدهور صحة الأجير، ويتم ذلك عن طريق الإدلاء بشهادة طبية للمشغل تتضمن مدة احتمالية للغياب على أن يبقى من حق هذا الأخير إخضاع الأجير إلى طبيب يختاره بنفسه لإجراء الفحص المضاد[272]. ويمكن للمشغل اعتبار الأجير في حكم المستقبل، إذا زاد غيابه لمرض غير المرض المهني، أو لحادثة غير حادثة الشغل عن 180 يوما متوالية في السنة [273]. وقد ذهب المجلس الأعلى في ظل القانون السابق إلى اعتبار غياب الأجير عن العمل بسبب المرض لمدة 26 أسبوعا خلال فترة 365 يوما متوالية بمثابة المستقيل عن عمله[274] ولا يستحق التعويض عن الإشعار أو الفسخ [275].
وبقي أن نشير أن الأجر لا يؤدي عن الغياب المبرر بسبب المرض أو الحادثة -غير المرض المهني أو حادثة الشغل[276]-، ما لم ينص عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي على خلاف ذلك، بحيث يتكلف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمنحهم تعويضات يومية عن المرض وذلك في حدود ثلثي الأجر اليومي طيلة 52 أسبوعا على الأكثر خلال 24 شهرا الموالية لتاريخ العجز [277].
أما بخصوص التشريعات المقارنة، فيلاحظ اختلافها في إقرار المدد المخصصة للإجازة المرضية وكذا في طريقة احتساب الأجر المناسب، حيث يقرر المشرع المصري[278] للعامل إجازة مرضية عن كل ثلاث سنوات من الأقدمية تصل إلى شهر بأجر كامل ثم 8 أشهر بأجر يعادل 75 % من أجره ثم 3 أشهر بدون أجر إذا ما قررت الجهة الطبية المختصة احتمال شفاءه[279]. كما جاء أيضا بمقتضى جد هام لا يشهد مثيله بمدونة الشغل يتمثل في إمكانية الاستفادة من متجمد الإجازة السنوية إلى جانب ما يستحقه العامل من إجازة مرضية كما له أن يطلب تحويل الإجازة المرضية إلى إجازة سنوية إذا سمح له بذلك.
كما يسير المشرع الليبي[280] في نفس الاتجاه، بوضعه لنظام تراتبي في احتساب الأجر المستحق للعامل وإن كان بنسب متوسطة وتبعا لمدد قصيرة حيث يتقاضى 50 % من الأجر عن الستين يوما الأولى الموالية لتاريخ وقوع العجز وترفع إلى 60 % عن 120 يوما الموالية لذلك، بينما يسمح المشرع الجزائري للعامل باستحقاق مرتب الشهر الواحد على أن يتعلق الأمر بعطلة مرضية قصيرة الأمد [281].
وإذا كانت مختلف التشريعات تقتصر على مرض الأجير فقط، فإن المشرع الفرنسي تجاوز هذا النطاق ليقر بإجازة الأباء عند مرض أبنائهم قد تصل إلى 4 أشهر قابلة للتجديد[282]. كما يستفيد الأجير من إجازة مرض الموت التي لم تشر لها جل التشريعات وقد تصل إلى 3 أشهر، مقابل استحقاق أجر كامل مؤدى من طرف صندوق الضمان الاجتماعي[283].
لذا نأمل لو نص مشرعنا بصفة صريحة على إمكانية استحقاق الأجير خلال إجازته المرضية لأجره الكامل دون الرجوع إلى صندوق الضمان الاجتماعي الذي يوفر نسبا منخفضة أو على الأقل رفع نظام تمويل هذا الصندوق لما له من مكانة مهمة في هذا الإطار.
ثانيا: إجازة الأمومة
تنص اتفاقية العمل الدولية رقم 103 لسنة 1952 المراجعة [284] المتعلقة بحماية الأمومة، على حق المرأة الحامل في إجازة لا تقل عن 12 أسبوعا على أن تتضمن مدة إلزامية بعد الوضع فضلا عن الحق في إجازة إضافية قبل وبعد الوضع ويسمع لها باستحقاق أجرها كاملا لاعتبارها كما لو كانت تزاول نشاطها .
و لقد استجابت مدونة الشغل لمضمون هذه الاتفاقية [285] بدليل المادة 152 التي خولت للمرأة الحامل الحق في إجازة ولادة مدتها 14 الأسبوع ما لم تكن مقتضيات أفيد للأجير في عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي ويتم تمديد إجازتها حالة تدهور صحتها[286].
والملاحظ أن نصوص مدونة الشغل الخاصة بمدة التغيب أغفلت الحديث عن أداء الأجر بسبب الوضع أو الأمومة[287]، إلا ما جاءت به بخصوص فترات التوقف لأجل الرضاعة المحددة مدتها في ساعة كل يوم على مدى 12 شهرا. في الوقت الذي أجاب التشريع الفرنسي بشكل مستفيض على هذه الثغرة بإقراره لإجازة الأمومة أو الحضانة تبلغ 16شهرا، كما يمكن أن تصل إلى 22 أسبوعا مقابل استحقاق تعويض يومي. كما يستفيد رب الأسرة من إجازة بسبب ازدياد مولود جديد مدفوعة الأجر من لدن المشغل مدة 3 أيام الأولى، أما 11 يوما الموالية فيتكلف صندوق الضمان الاجتماعي بدفع الأجر عنها وقد تتجاوز مدة الإجازة 18 يوما عن الولادة المتعددة[288].
ويمكن القول، بأن كلا من المشرعين المغربي و الفرنسي كانا أكثر اهتماما بالمرأة الحامل خاصة في سياق إجازة الأمومة[289]، مقارنة بالتشريعات الأخرى كما سنرى لاحقا. حيث بنصف المشرع الليبي بالمادة 43 من قانون العمل على حق العاملة التي قضت 6 أشهر متصلة لدى صاحب العمل في إجازة وضع بنصف أجر مدتها 50 يوما تشمل ما قبل الوضع وبعده، كما يمكنها تمديد غيابها على ألا تتعدى في مجملها 3 أشهر بالإضافة إلى تمتيعها بمكافأة تحتسب على أساس جزء من الأجر خلال مدة معينة إذا إما تحققت أقدمية 5 سنوات [290] بينما تتقاعس بعض التشريعات كالمشرع الجزائري[291] في تحديد عطلة الأمومة وإنما ترك الاختصاص للنظام الداخلي للمؤسسة لأجل إيجاد تسهيلات مهمة .
الفقرة الثانية: حالات التغييب لأسباب عائلية
لقد راعى المشرع المغربي في المادة 274 من مدونة الشغل على غير التشريعات المقارنة خصوصية الحياة العائلية للأجير طبقا لظروف ولضروريات تضطره للغياب أحيانا ولأجل ذلك تم منحه رخصا للتغيب بسبب الأحداث العائلية التالية:
§ الزواج:
– زواج الأجير: أربعة أيام
– زواج أحد أبناء الأجير أو أحد ربائبه: يومان
§ الوفاة:
– وفاة زوج الأجير، أو أحد أبنائه، أو أحفاده أو أصوله أو أبناء زوجه من زواج سابق: ثلاثة أيام.
– وفاة أحد إخوة أو إحدى أخوات الأجير، أو أحد إخوة أو إحدى أخوات زوجه، أو أحد أصول زوجه: يومان.
§ تغيبات أخرى :
– الختان: يومان.
– عملية جراحية تجرى للزوج أو لأحد مكفوليه من الأبناء: يومان
والجدير بالذكر أن مدة التغيبات بسبب الأحداث العائلية لا تتجاوز 4 أيام وخلالها يمنع المشغل من إنهاء علاقة الشغل فضلا عن تمتيع الأجير بالأجر جزئيا أو كليا حسب حالات الغياب إذ يستحق عن تغيبه بسبب الزواج لمدة 4ايام إلا أجر يومين فقط[292] ما لم ينص على خلاف ذلك بعقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي ويحرم الأجير من الأجر إذا ما تعلق الأمر بزواج أحد أقاربه يحصل فقط على أجر يوم واحد حالة وفاة زوجه أو أبيه أو أمه أو أحد أبناءه[293].
فإذا كان المشرع المغربي يحرم الأجير إما كليا أو جزئيا من أجره حسب حالات التغيب لأسباب عائلية فإن بعض التشريعات المقارنة تخالفه في ذلك حيث نجد المشرع الفرنسي يخول الأجير إجازة تصل إلى 4 أيام مقابل استحقاق الأجر بأكمله [294]، إضافة على تنظيمه لجملة من الإجازات التي يفتقر لها تشريعنا كإجازة الأبوة التي يستفيد منها الأجير عند استيفاءه للأقدمية المشترطة .
كما أن الوقوف عند المشرع الجزائري يعكس استحقاق العامل ل 3 أيام كاملة مدفوعة الأجر بمناسبة حدث من الأحداث العائلية كزواج العامل أو ولادة مولود له أو زواج أحد فروعه أو وفاة أحد الأصول[295]… كما يخول المشرع الليبي مكافأة خاصة تهم زواج العامل، أو عند الوضع على أساس استيفاء أقدمية محددة في 5 سنوات [296].
ولذا نناشد من مشرعنا الإقرار باستحقاق الأجير لأجره العادي بأكمله أو على الأقل بجزء من قيمته عوض التركيز على الحرمان من الأجر في بعض حالات التغيب. وإلى جانب هذه التغيبات نجد تغيبات أخرى متنوعة..
أولا : التوقف لأغراض شخصية متنوعة
لم يجعل المشرع المغربي أداء فريضة الحج من بين الأسباب المخولة للإجازة على خلاف جل التشريعات العربية التي نصت على ذلك حيث أورد المشرع المصري[297] حق العامل في إجازة بأجر كامل لمدة شهر لأداء فريضة الحج والعمرة بعد مرور أقدمية تقدر ب 5 سنوات، بينما يصرح المشرع الليبي بإجازة لا تتعدى 25 يوما لأداء فريضة الحج شريطة استيفاء مدة 3 سنوات متصلة لدى نفس رب العمل[298]. إلا أن المشرع الجزائري لم يشترط استكمال أقدمية معينة لاستحقاق إجازة الحج التي تأتي مرة واحدة خلال الحياة المهنية.
وضمانا لاستقرار علاقات الشغل منح المشرع المغربي للأجير إلى جانب بعض التشريعات العربية [299] الحق في التوقف عن العمل لمدد مختلفة لأجل قضاء أغراضه الشخصية كاجتياز الامتحان أو المشاركة في المباريات الرسمية أو الاستفادة من التكوين المهني أو المشاركة في العمل النقابي بالمقاولة إذا ما تحققت في الأجير الصفة التمثيلية ويعزز هذا التنوع والاختلاف الحاصل في الإجازات اختلاف مواقف التشريعات حول استحقاق الأجر. مما يفضي بنا للقول بأهمية الموقف الفرنسي الذي يحتفظ غالبا بالأجر الكامل حتى لو تعلق الأمر بإجازة التكوين الفردي إذا يمنح للأجير خلالها تعويضا ماليا إذا ما كان التكوين يتم بمبادرة من المقاولة[300].
مما لا شك فيه، أن الإطار القانوني للراحات والعطل يتضمن ثوابت ومتغيرات تضمن مرونة القاعدة القانونية بشكل يراعي مصالح المشغل والمقاولة على حساب راحة الأجير الذي يتخبط في التدابير الاستثنائية والتعويضات الضعيفة زد على ذلك هشاشة الجزاء القانوني والمتمثل في الغرامات المالية وفي هذا الصدد نتساءل عن أهم مظاهر المرونة وإكراهاتها .
المبحث الرابع : تجليات المرونة عند تدبير مدة الراحة وإكراهاتها
أطلت مدونة الشغل على غرار باقي التشريعات بمبادئ قانونية تسمح بتكييف الحق في الراحات والعطل مع متغيرات ظروف المقاولة مما يدفعنا للقول بمرونة الضوابط القانونية .
وبما أنه سبق التطرق للتنظيم العادي والاستثنائي لمختلف الراحات وفق دراسة مقارنة فإننا سنقتصر بالتركيز على مدونة الشغل للوقوف عند أهم مظاهر المرونة والمتجلية أساسا ضمن محوري الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية لنخلص إلى اكتشاف مدى استجابة هذا التأطير القانوني لطرفي عقد الشغل؟ .
وإلى أي مدى يمكن الحديث عن استقرار تنظيم الراحات والعطل؟
وفي هذا الصدد سنقف عند تكريس المرونة في تقنين الراحة والعطل (المطلب الأول). لننتقل بعد ذلك لمعالجة علاقة تدبير الراحة بطرفي عقد الشغل (المطلب الثاني).
المطلب الأول : تكريس المرونة في الراحة والعطل
تضمنت مدونة الشغل عدة مبادئ تسمح بتطبيق المرونة عند تنظيم الراحات والعطل وكذا مختلف التغيبات على أن نقتصر فقط على توزيع الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية لما لهما من مدى كبير مقارنة مع باقي العطل والتغيبات .
الفقرة الأولى : المرونة في منح الراحة الأسبوعية
ترد على مبدأ استحقاق كل أجير لراحة أسبوعية مدتها 24 ساعة متصلة عدة استثناءات تكرس طابع المرونة الذي يصبغ قانون الشغل ومن أهمها:
§ إمكانية وضع إجراءات خاصة بالراحة الأسبوعية بالنسبة لبعض أصناف الأجراء نظرا لظروفهم الخاصة، وذلك بنص تنظيمي يتخذ بعد استشارة المنظمات المهنية والنقابية [301].
§ يحق لوزارة التشغيل و التكوين المهني بعد استشارتها للمنظمات المهنية والنقابية الأكثر تمثيلا، بوضع كيفية تطبيق الراحة الأسبوعية عندما يتعلق الأمر بطلب صادر عن مالا يقل عن ثلثي المشغلين في دائرة عمالة أو إقليم أو جماعة أو حي معين من جهة، وما لا يقل عن ثلثي الأجراء المنتمين لنفس المهنة من جهة أخرى[302].
§ العمل تبعا لمبدأ التناوب في منح الراحة الأسبوعية بين الأجراء كلما استدعت ذلك طبيعة العمل بالمقاولة كما يسمح اعتماد هذا النظام من طرف المقاولات التي تبرر ذلك بشرط حصولها على إذن صادر من وزارة التشغيل بعد استشارتها للمنظمات المهنية والنقابية في ذلك .
§ يمكن تخفيض مدة الراحة الأسبوعية إلى نصف يوم لضمان استمرارية الشغل بكيفية عادية [303].
§ يمكن وقف الراحة الأسبوعية تبعا لنشاط المقاولة ومتطلباته .
الفقرة الثانية : المرونة في منح العطلة السنوية
تتجلى أهم مظاهر المرونة فيما يلي :
§ يتكلف المشغل بتحديد توزيع العطلة السنوية بعد استشارة منذوبي الأجراء والممثلين النقابيين عند وجودهم (المادة 245 من م ش).
§ وجود أنظمة متباينة في حساب العطلة السنوية مراعاة لفئات خاصة ( الأحداث).
§ يمكن ضم أو تجزئة العطلة السنوية على مدار سنتين متتاليتين (المادة 240 من م ش).
§ اعتماد التناوب في منح العطلة السنوية وإغلاق المقاولات بواسطة برنامج يتفق عليه عامل العمالة أو الإقليم وبعد أخذ رأي المندوب الإقليمي للشغل ( المادة 248 من م ش).
§ يأخذ بعين الاعتبار عند تحديد توزيع قضاء الأجراء للعطلة السنوية، الحالة العائلية، ومدة الأقدمية بالمقاولة.
§ وجود خصوصية في كيفية تحديد مبلغ التعويض عن العطلة السنوية في الحالات الخاصة كالوكيل المتجول والوسيط [304] وحالة الأجراء المصابين بحادثة شغل أو مرض مهني ( المادة 266 من م ش ).
المطلب الثاني : علاقة تدبير مدة الراحة بطرفي عقد الشغل
يأتي تنظيم المشرع المغربي لفترات خاصة براحة الأجير سواء منها اليومية، الأسبوعية، السنوية أو مختلف الإجازات لأجل تمكين الأجير من استعادة نشاطه وحيوية حتى يتمكن من بذل مجهودات قيمة عند انصرام مدد الراحة التي تخدم مصلحة الأجير يعكسها على العموم استفادته من العطلة من جهة واستحقاقه للأجر من جهة أخرى. باستثناء بعض التغيبات الخاصة مما قد يثقل كاهل المشغل بتوقف الشغل من ناحية أولى، وبضرورة دفع الأجر مبدئيا من ناحية ثانية.
فإلى أي مدى يستجيب تنظيم ومرونة الراحة والعطل لمصالح المشغل (الفقرة الأولى). ولتطلعها الأجير (الفقرة الثانية). علما بأن الجزاء القانوني ضعيف ينحصر عموما في الغرامات المالية مما يفقد القواعد القانونية من محتواها ويحفز على خرقها بدلا من الحرص على تطبيقها.
الفقرة الأولى : خدمة مصالح المشغل
إلى جانب ترسيخ مدونة الشغل لضوابط تنظيم الراحات والعطل تسمح للمقاولات بتبني أنظمة خاصة تطبع سياسة توزيع الراحة إذ تتضمن عدة أنماط تم التطرق إليها سلفا كنظام التناوب، الضم والتجزئة، التخفيض ، أو وقف العطل وكل هذا تبعا لحدود قانونية تقتضي استشارة المنظمات المهنية والنقابية الأكثر تمثيلا مما يضعف هامش المرونة في تدبير الوقت للحد من سلطة المشغل في نهج الاستثناءات المتعلقة بالراحة والعطل بصورة اعتباطية، عندما يلجأ بسوء نية إلى استغلال رخص الإجازة القانونية للتمتع بحرية أكبر في اختيار نمط العمل الذي يتناسب ونشاط المقاولة إلا أن تدخل السلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل والمنظمات المهنية والنقابية يحول دون ذلك .
كما يدعم المشغل موقفه بوجود جزاءات هشة تحفر على خرق الضوابط القانونية والتي تنحصر أساسا في غرامات مالية لا تتعدى 20 ألف درهم، ودون الإشارة إلى العقوبات الحبسية مما يخدم مصالح المشغل على حساب راحة الأجير.
الفقرة الثانية: خدمة تطلعات الأجير
كما هو معلوم فإن المشرع المغربي أقر جملة من الراحات والعطل تستدعي احترام حدودها وإن كان الجزاء هزيل لكن يأتي تدخل وزارة التشغيل والمنضمات المهنية والنقابية للسهر على تطبيق التقنين عن طريق تقديم الاستشارات اللازمة في هذا الخصوص.
والملاحظ أن المشرع المغربي يعتمد أحيانا على مدد قصيرة للراحات والعطل قياسا بالتشريع المقارن خاصة منه الفرنسي ومما يزيد الطين بلة السماح بتخفيض بعض العطل ووقفها مما يجعل راحة الأجير محط نقاش.
فحبذا لو رفع المشرع من مدد بعض الراحات والعطل وأقر بعقوبات حبسية على غرار بعض التشريعات المقارنة لأجل تعزيز وضمان تطبيق القواعد القانونية من جهة وكذا للاستجابة لتطلعات الأجير الطرف الضعيف في عقد الشغل من جهة ثانية.
خاتمة :
معلوم أن مدة الشغل تتفاعل مع عدد كبير من المعطيات العملية، الاقتصادية والاجتماعية، لذا من الممكن أن يؤثر تمديد فترتها الزمنية بشكل سلبي على قدرات الأجير .
كما أن مدة الشغل تعد إحدى أهم الآليات التي تمكن الدول من توفير فرص جديدة للشغل عن طريق تقليص ساعات العمل اليومية.
إلا أن التطور التكنولوجي الذي يحضا به العالم حاليا يمكن من تحقيق نفس حجم الإنتاج في مدة اقل مما كان عليه سابقا مما يدعم فلسفة تقليص مدة الشغل التي فعلتها نسبيا مدونة الشغل وإن كانت بوتيرة متواضعة لا تنسجم مع مضمون اتفاقيات الشغل الدولية [305].
وحرصا على ضمان راحة الأجير، جاءت معظم التشريعات بمقتضيات قانونية تهم تنظيم مختلف الراحات، العطل والتغيبات التي تراعي الحياة الخاصة للأجير. والملاحظ عموما أن هذا التأطير القانوني يطبعه تعقيد النصوص التشريعية، نظرا لوجود قواعد عامة مرنة الشيء الذي يهدد استقرار علاقة الشغل لما قد يترتب عن ذلك من تجاوزات وخروج عن المبادئ العامة لمدة الشغل ومختلف الراحات والعطل. مما يجعل من الحق في الراحة محط نقاش نظرا لوجود أنماط استثنائية موازية للتنظيم العادي والمتمثلة في التخفيض، الوقف، الجمع…وإن كانت جل التشريعات التي كانت – محط الدرس – قد أوردت ضوابط قانونية تراعي خدمة المصالح المتعارضة داخل المقاولة (المشغل/ الأجير)، بدعمها لتدخل وزارة التشغيل إلى جانب المنظمات المهنية والنقابية لإبداء الاستشارات الضرورية. غير أن ضعف وهشاشة الجزاء يفقد القواعد القانونية من محتواها ويشجع على خرقها.
إن الوضع الراهن يستدعي تخفيض مدة الشغل دون تخفيض الأجر لضمان فرص جديدة للتشغيل ولتوفير الراحة، لأن التطلع إلى مزيد من تخفيض وقت الشغل مبتغى يطرح على صعيد المستقبل لخلق توازن داخل سوق العمل من ناحية، ومن ناحية أخرى لضمان تحسين المردودية بتقليص التغيبات والزيادة في الإنتاج.
كما يحق للأطراف الاجتماعيين تخفيض مدة الشغل بتحديد مدة تكون أكثر فائدة للأجراء بدل المدة التي حددها القانون، ويتأتى ذلك عن طريق الاتفاقيات الجماعية بهدف إيجاد توازن نفسي واجتماعي وبيئي.
وفي هذا الصدد، يتم التساؤل عن دور التوقيت المستمر في توفير التوازن بين مدة الشغل والراحة، وعن تدخل مجتمع الإعلام والمعلوميات في تثبيت التوقيت المستمر، لتصير بذلك المبادئ الاستثنائية قواعد عامة .
والظاهر من خلال دراستنا لموضوع مدة الشغل بين مدونة الشغل والقانون المقارن أنه تشوبه ثغرات متعددة نناشد بترميمها ومن هنا نورد بالمناسبة تقديم بعض المقترحات التي ربما من شأن أخذها بعين الاعتبار تجاوز أبرز الثغرات التي يطرحها تقنين مدة الشغل:
§ ضرورة التخفيض من مدة الشغل العادية عما هو عليه لتنسجم مع مناخ التشريع الدولي.
§ ضبط توزيع مدة الشغل العادية بفترات محددة يومية، أسبوعية، سنوية وفق صورة تهم القطاعين معا الفلاحي وغير الفلاحي.
§ الانفتاح على التشريع المقارن لأجل اعتماد أنماط مختلفة في تدبير وقت العمل: كالعمل لوقت جزئي.
§ ضبط مسطرة التخفيض الاستثنائي من مدة الشغل القانونية للحد من انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية على الأجر.
§ ضبط حالات اللجوء لتجاوز مدة العمل القانونية وذلك بالتدقيق فيها مع استبدال العبارات الفضفاضة بأخرى واضحة للحد من سلطة المشغل في استغلالها لصالحه.
§ الرفع من قيمة التعويضات الممنوحة للأجير عند اللجوء للتدبير الاستثنائي لمدة الشغل القانونية .
§ توفير الحماية الضرورية للفئات الخاصة (الأحداث، النساء، المعاقين) وذلك بتحديد الحد الأقصى لمدة عملهم فضلا عن تدعيم المقتضيات الحمائية الخاصة بمدة عملهم .
§ منع تشغيل الأحداث والنساء ليلا بصفة مطلقة.
§ الرفع من المقتضيات الحمائية الخاصة بالمعاقين.
§ تدعيم الدور الاستشاري للمنظمات المهنية والنقابية برسم تدخلهم في مدة الشغل .
§ حبذا لو رفع المشرع من قيمة الغرامات بدلا من تحديدها في سقف جامد مع التنصيص على زيادة الحد الأدنى تماشيا مع تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
§ الرفع من حجم المقتضيات الحمائية الخاصة بمدة الراحة والعطل خاصة تلك الممنوحة للفئات الخاصة من الأجراء(الأحداث، النساء، والمعاقين).
§ التشديد في إمكانية الخضوع للتدبير الاستثنائي الخاص بتنظيم الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية ضمانا لراحة الأجير.
§ الرفع من حجم التعويضات الممنوحة عند اللجوء للتدبير الاستثنائي لمدة الراحة أو العطلة لتفادي الآثار السلبية إلى قد تلحق بالأجير ليتم التنصيص على سبيل المثال بمبدأ الجمع بين الراحة التعويضية والأجر الإضافي.
§ استبدال الحرمان الكلي أو الجزئي من الأجر حالة بعض التغيبات الخاصة باستحقاق الأجر كاملا ضمانا للطابع المعيشي للأجير.
§ لضمان احترام الأحكام القانونية الخاصة بالراحة والعطل يقتضي الأمر تشديد العقوبات لزجر المخالفات .
لائحة المراجع
الكتب بالعربية:
-أحمد زكي البدوي : تشريعات العمل في الدول العربية ومستويات العمل الدولية ، المعارف الإسكندرية ، طبعة أولى 1960.
-الحاج الكوري : القانون الاجتماعي المغربي، الطبعة الأولى 1999.
-الحاج الكوري، مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99-65 طبعة – 2004.
-المصطفى شنضيض : نظام الشغل، مطبعة فضالة رقم الإيداع القانون 2343/2006 طبعة 2006.
-بشرى العلوي : الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي، دراسة ميدانية ودليل للعمل القضائي معجز بأحدث الاجتهادات القضائية، الدار البيضاء، طبعة 2007.
-عبدالعزيز العتيقي : مختصر القانون الاجتماعي، طبعة 2002.
-عبدالعزيز العتيقي: قانون الشغل المغربي، دراسات وأبحاث طبعة دار النشر المغربية ( عين السبع ) الدار البيضاء، طبعة 1997 .
-عبدالعزيز العتيقي، محمد الشرقاني ، محمد القوري اليوسفي: مدونة الشغل مع تحليل لأهم المستجدات، مكناس ، طبعة يناير 2003.
-عبدالكريم غالي : مواضع في القانون الاجتماعي المغربي، الرباط طبعة 1998.
-عبدالكريم غالي: مدونة الشغل وأنظمة الحماية الاجتماعية في ظل المستجدات الاقتصادية والتكنولوجية الحديثة، طبعة جديدة لدار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة 2005.
-عبداللطيف خالفي: الوسيط في علاقات الشغل الفردية، مراكش، الطبعة الأولى 2001.
-عبداللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل " الجزء الأول"، علاقات الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية ، مراكش ، الطبعة الأولى 2004.
-علي عوض حسن : الوجيز في شرح قانون العمل، دار الكتب القانونية المجلة الكبرى طبعة 1999.
-عبد الناصر توفيق العطار: شرح أحكام قانون العمل ، طبعة 1989
-عبد الواحد كرم: قانون العمل، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1998.
-عبد الودود يحي : شرح قانون العمل، دار الفكر العربي (تاريخ الطبع غير مذكور).
-محمد الشرقاني : علاقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل، طبعة يناير 2003.
-محمد حسن منصور : قانون العمل ، دار الجامعة الجديدة 2007 للطباعة والنشر (تاريخ الطبع غير مذكور).
-محمد حسين منصور: قانون العمل في مصر ولبنان، دار النهضة العربية، الجزء الأول بيروت طبعة 1995.
-محمد سعيد بناني: قانون الشغل بالمغرب ،علاقات الشغل الفردية، الجزء الأول، دار النشر المغربية، الدار البيضاء 1981.
-محمد عبد الخالق عمر: قانون العمل الليبي، المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر الطبعة الأولى، الاسكندرية ، شتنبر 1970.
-محمود جمال الدين زكي : عقد العمل في القانون العمل المصري، الطبعة الثانية لمطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، طبعة 1982 .
-محمود رمضان : الوسيط في شرح قانون العمل ، دراسة مقارنة مع التطبيقات القضائية لمحكمتي التمييز والنقض، دار الثقافة للنشر والتوزيع طبعة 2006.
-نعمان محمد محمود: قانون العمل عقد العمل الفردي، دار المعرفة الجامعية،(تاريخ الطبع غير مذكور).
-همام محمد محمود زهران: قانون العمل، عقد العمل الفردي، دار الجامعة الجديدة، طبعة 2003.
-يحيى الصافي :الأجراء والمشغلون، الحقوق والالتزامات المتبادلة، مطبعة ربانيت ماروك ، الرباط ، طبعة 2006.
Ouvrages:
-Administration du travail : « Bureau international du travail » Genève première édition 1997.
-Damien Doré : « 35 heures comprendre et négocier », éditions liaisons 2000.
-Francis Lefebvre : « Travail à temps partiel», dossier pratique, éditions 1998 .
-Françoise Favennec Hery :« Temps de travail des cadres , temps de travail de demain», édition liaisons 2003.
-Henri jacot et Bernard Bailbé avec collaboration de carole sifflet curié et Frédéric : « démystifier le dialogue sociale », éditions d’organisation 1998.
-édition liaisons:« 35 heures la nouvelle durée légale du travail », mars 2000.
-Jean Rivero, jean savatier :« droit du travail », collection dirigée par maurice du vergier ( l’année d’édition n’est pas indiqué).
-Michel Despax :« le droit du travail », sixième édition, revue et corrigé 60 mille, France, 1986.
-Pièere jardillier :« les conditions du travail », 3ème édition, France, Février 1993.
-Véronique Roy : « droit du travail 2004 » imprimé en France, dépôt légal, 1er édition , Paris 2004.
الأطروحات والرسائل :
الأطروحات :
-أحمد بودراع: " تطبيق الاتفاقيات الدولية للشغل في إطار الممارسة المغربية"، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام "، جامعة محمد الخامس ، بالرباط ، 2001-2002.
-عبدالقادر الحسني:" نحو توحيد تشريعات العمل في الوطن العربي "، الجزء الثاني ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ، بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس ( السنة غير مذكورة).
-عمار تيزاوي:" مدونة الشغل والتنمية الاقتصادية والاجتماعية "، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ، بجامعة الحسن الثاني ، عين الشق، الدار البيضاء ، 2006-2007.
-فريدة المحمودي " إشكالية ممارسة الحق في الشغل على ضوء قانون الشغل المغربي"، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، بجامعة محمد الخامس بأكدال الرباط 2000/20001.
-ميمون الوكيلي:" المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل"( دراسة مقارنة) الجزء الاول، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق بجامعة الحسن الثاني ، عين الشق، الدار البيضاء، 2006-2007.
– وفاء بنفضول المجدوبي :" تنظيم علاقات الشغل عن طريق المفاوضة الجماعية" أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ، بجامعة محمد الخامس ، الرباط أكدال برسم السنة الجامعية 2006-2007.
الرسائل :
-خالد بنهاشم : "استقرار التعاقد في قانون الشغل" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، بجامعة الحسن الثاني عين الشق الدار البيضاء ، 2006-2007.
-خالد زرايكة: " الفصل المبرر للأجراء أية حماية لاستقرار علاقات الشغل الفردية"، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بجامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء 2006-2007.
-سيد المختار ولد محمد المصطفى، " العالم" "مؤسسة الحوار الاجتماعي كأداة لإنعاش المقاولة في القانون المغربي والقانون الموريتاني " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بجامعة محمد الخامس الرباط 2005-2006.
-طارق زهير حماية الحدث العامل في التشريع المغربي" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء 2006-2007.
– عبدالسلام المودن:" حماية الأمومة في التشريع الاجتماعي المغربي"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ، بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس 2002 – 2003.
-عبداللطيف قرياني :" تشغيل الأطفال إشكالية ملاءمة التشريع المغربي، للشغل للاتفاقيات الدولية" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس 2002-2003.
-محمد أوعيسى :" أثر التخفيض القانوني لمدة العمل القانونية على الأجر في مدونة الشغل " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الأول بوجدة 2004-2005.
-محمد بنلقة:" سلطة رب العمل في تعديل عقد الشغل" دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، بجامعة محمد الأول بوجدة 2004-2005.
– محمد عابي:" الرقابة القضائية للفصل في القانون المغربي والمقارن ( فرنسا – مصر)" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ، بكلية الدار البيضاء ، 1984– 1985.
-ليلى بلعافية :" جانب المرونة في علاقات الشغل وفق مدونة الشغل " بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، بجامعة محمد الخامس بالرباط 2006-2007.
-يونس العياشي :" دور التشريع والقضاء في حماية حق الشغل في أفق 2010 " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ، بجامعة محمد الخامس بالرباط 2005-2006.
المقالات:
-الحاج الكوري : "قانون الشغل والحوار الاجتماعي" ، قراءة في المشروع الجديد لقانون الشغل المغربي، مجلة القانون المغربي العدد 1 يناير 2002.
-الرافة وتاب: " الحماية القانونية للطرف الضعيف في مدونة الشغل الجديدة"، الملف، العدد 8، مارس 2006.
-بلال العشري: " مستجدات مدونة الشغل في مجال إنهاء عقود الخدمة"، مجلة المحاكم المغربية، عدد 109، يوليوز- غشت 2007.
-بوزيان الفهمي: " نظام تعدد العقوبات الزجرية في قانون الشغل " مجلة الإشعاع العدد السابع والعشرون، غشت 2003.
-رشيد الفلالي المكناسي:" قراءة نقدية لمشروع مدونة الشغل، المجلة المغربية للقانون الاجتماعي ، 1994.
-مباركة دنيا:" المشاركة العمالية في تسيير المؤسسة الشغلية"، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون ، العدد الخامس، 2002.
-محمد الكشبور: " وضعية القاصر في القانون الاجتماعي"، مجلة الإشعاع، العدد 12، السنة السابعة، يونيو 1995.
-محمد ليديدي: " قواعد تنفيذ الاحكام وإشكالياتها في منازعات الشغل"، رسالة المحاماة، العدد التاسع، أكتوبر 1993.
-مجلة الشغل :دار الإسهامات في أدبيا ، المؤسسة محمد الهادي في عبدالله متفق عام للشغل ، طبع بالمطبعة الأساسية تونس 2005. ( المعلومات التعريفية المكملة غير واردة بالمجلة).
Articles:
– Mohamed said bennani : « les licenciements économiques et les instruments juridiques libératoires de l’employeur », Revue Marocaine de droit social, N° 1, 1994.
– Rachid filali meknasi: « lecture critique du projet de code du travail », Revue Marocaine de droit social, N° 2, 1994.
المجلات :
– مجلة القانون المغربي
– مجلة الملف
– مجلة المحاكم المغربية
– مجلة الإشعاع
– المجلة المغربية للقانون الاجتماعي
– المجلية المغربية للاقتصاد والقانون
– مجلة رسالة المحاماة
– مجلة الشغل
Revues :
-Revue Marocaine de droit social
القوانين المعتمدة:
– مدونة الشغل المغربية رقم 65.99الصادرة سنة 2004 .
– قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003.
– قانون العمل الليبي رقم 58 لسنة 1970.
– قانون العمل الجزائري رقم 11.90 لسنة 1990.
– قانون العمل الفرنسي لسنة 2005 و المعدل سنة 2008.
– مجلة العمل التونسية رقم 27 لسنة 1966، و المراجع سنة 1996.
الفهـــــــرس
مقدمة :………………………………………………………. 1
الفصل الأول: مرونة التنظيم القانون لمدة الشغل ………………….. 7
المبحث الأول: التوزيع المرن لساعات الشغل العادية …………. 8
المطلب الأول: تحديد ساعات الشغل العادية………………….. 9
الفقرة الأولى : التوزيع اليومي لمدة الشغل …………… 10
الفقرة الثانية : التوزيع الأسبوعي لمدة الشغل………….. 11 الفقرة الثالثة: التوزيع السنوي لمدة الشغل العادية ……… 12
المطلب الثاني: أنماط تدبير مدة الشغل ……………………… 13
الفقرة الأولى: اعتماد التناوب والتعاقب……………….. 14
الفقرة الثانية : العمل لوقت جزئي …………………… 15
المبحث الثاني : التدبير الاستثنائي لمدة الشغل العادية …………. 16
المطلب الأول : نطلق التقليص من مدة الشغل العادية …………. 17
الفقرة الأولى : الأسباب المبررة للتقليص من مدة الشغل العادية 18
الفقرة الثانية : المساطر الإدارية المناسبة لمدة التقليص …. 20
الفقرة الثالثة: الأجر المستحق بعد التقليص من مدة الشغل . 21
المطلب الثاني: تمديد مدة الشغل العادية ……………………… 23
الفقرة الأولى : حالات تجاوز الحد الأقصى القانوني
لساعات الشغل ………………………… 24
الحالة الأولى : استدراك الساعات الضائعة …………….. 24
الحالة الثانية : تنفيذ أشغال تحضيرية أو تكميلية ………… 26
الحالة الثالثة : الأشغال المستعجلة ……………………. 26
أولا : كيفية تطبيق التجاوز الاستثنائي …………………. 27
ثانيا : التعويض المستحق عن التجاوز الاستثنائي ……….. 28
الفقرة الثانية : ساعات الشغل الإضافية ……………….. 28
أولا : ظروف اللجوء للعمل الإضافي ومدته …………… 29
ثانيا : الأجر المستحق عن الساعات الإضافية………….. 31
المبحث الثالث : خصوصية تنظيم مدة الشغل مراعاة لفئات خاصة .. 32
المطلب الأول : التحديد القانوني لمدة عمل الأحداث ……………. 33
الفقرة الأولى : خصوصية تدبير مدة عمل الأحداث …….. 33
الفقرة الثانية : ضوابط العمل الليلي للأحداث …………… 35
المطلب الثاني : التحديد القانوني لمدة عمل النساء ……………… 37
الفقرة الأولى : العمل الليلي للنساء ……………………. 37
الفقرة الثانية : التعويض المستحق عن العمل الليلي ……… 39
المبحث الرابع : المؤسسات القانونية المواكبة لتوزيع مدة الشغل
وفعالية التقنين ……………………………….. 41
المطلب الأول : تدخل المنظمات المهنية والنقابية للأجراء ………. 41
الفقرة الأولى : دور المنظمات المهنية للمشغلين والنقابية
للأجراء الأكثر تمثيلا …………………… 42
الفقرة الثانية : دور الممثل النقابي ومندوبي الأجراء ……. 43
المطلب الثاني : فعالية التقنين ………………………………. 44
الفقرة الأولى : مدى فعالية الجزاء القانوني ……………. 45
الفقرة الثانية : سبل إصلاح عدم فعالية الجزاء القانوني …. 46
الفصل الثاني: مظاهر الخروج عن ضغط مدة الشغل…………… 47
المبحث الأول : تدبدب الحق في الراحة الأسبوعية ……………. 48
المطلب الأول : المبدأ العام لتنظيم الراحة الأسبوعية ………….. 48
الفقرة الأولى : اتساع نطاق تطبيق الراحة الأسبوعية ….. 49
الفقرة الثانية: التنظيم العادي للراحة الأسبوعية ………… 50
أولا: اليوم المخصص للراحة الأسبوعية ……………. 50
ثانيا : مدة الراحة الأسبوعية ………………………. 51
المطلب الثاني : تجاوز التنظيم العادي للراحة الأسبوعية ……… 52
الفقرة الأولى: الاستثناءات الخاصة بتدبير وقت
الراحة الأسبوعية ……………………. 52
أولا : الراحة الأسبوعية بالتناوب ………………….. 52
ثانيا : الراحة الأسبوعية الاتفاقية …………………… 54
الفقرة الثانية : الاستثناءات المتعلقة بمدة الراحة الأسبوعية 54
أولا : تجميع الراحة الأسبوعية …………………….. 55
ثانيا : تخفيض الراحة الأسبوعية ……………………. 55
ثالثا: وقف الراحة الأسبوعية ……………………….. 57
المبحث الثاني : مرونة الحق في العطلة السنوية ……………… 59
المطلب الأول: تفعيل العطلة السنوية ومدتها …………………. 59
الفقرة الأولى : شروط استحقاق العطلة السنوية ……….. 60
أولا : وجود عقد شغل أو تدريب ……………………. 60
ثانيا : قضاء أقدمية معينة ………………………….. 60
الفقرة الثانية : تنظيم المدة العادية للعطلة السنوية ………. 61
أولا : موقف المشرع المغربي ………………………. 61
ثانيا : موقف التشريع المقارن ……………………….. 63
المطلب الثاني: التنظيم الاستثنائي لمدة العطلة السنوية ………….. 65
الفقرة الأولى : التجزئة والضم ……………………….. 65
الفقرة الثانية: التعويض عن العطلة السنوية …………….. 67
أولا : أثناء سريان عقد الشغل ………………………… 67
ثانيا: أثناء توقف أو انتهاء عقد الشغل …………………. 68
المبحث الثالث : الراحة أيام الأعياد ومختلف التغيبات ………….. 70
المطلب الأول : الحق في الراحة أيام الأعياد ………………….. 70
الفقرة الأولى : الاستفادة من الراحة ………………….. 70
الفقرة الثانية : وقف الراحة …………………………. 71
المطلب الثاني : حق الأجير في التغيبات …………………….. 74
الفقرة الأولى: الغياب الراجع إلى الظروف الصحية للأجير 74
أولا : إجازة المرض ………………………………. 74
ثانيا : إجازة الأمومة ………………………………. 76
الفقرة الثانية: حالات التغييب لأسباب عائلية …………… 78
المبحث الرابع : تجليات المرونة عند تدبير مدة الراحة وإكراهاتها . 81
المطلب الأول : تكريس المرونة في الراحة والعمل ……………. 81
الفقرة الأولى : المرونة في منح الراحة الأسبوعية ……… 81
الفقرة الثانية : المرونة في منح العطلة السنوية ………… 82
المطلب الثاني : علاقة تدبير مدة الراحة بطرفي عقد الشغل …….. 83
الفقرة الأولى : خدمة مصالح المشغل …………………. 83
الفقرة الثانية: خدمة تطلعات الأجير …………………… 84
الخاتمة ………………………………………………………… 85
لائحة المراجع ………………………………………………….. 88
الفهرس ………………………………………………………… 97