مسطرة الإعفاء في قانون المنافسة – الدكتور : طارق بوجندار دكتور في الحقوق كلية العلوم القانونية والسياسية جامعة الحسن الأول-سطات
مسطرة الإعفاء في قانون المنافسة
Exemption procedure in competition law
?الدكتور : طارق بوجندار
دكتور في الحقوق كلية العلوم القانونية والسياسية جامعة الحسن الأول-سطات
ملخص:
تعتبر مسطرة الإعفاء أحد المساطر التي تبناها مشرعنا الوطني في إحدى مواده في القانون رقم 12.104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة والدي تبناه أيضا المشرع الفرنسي في مدونة تجارته ويعنى بها إعفاء كل مقاولة كانت طرفا في اتفاق مناف للمنافسة من توقيع العقوبة المالية عليها، جزئيا أو كليا إدا قامت بالتبليغ عنه وبينت فاعليتها أمام سلطة المنافسة.
لاسيما ولتفعيل هده المسطرة يستوجب توافر مجموعة من الشروط بالإضافة إلى إتباع بعض الإجراءات من أجل الاستفادة من الإعفاء الجزئي أو الكلي من العقوبة المالية التي توفرها هاته المسطرة وكل دلك تم تبيانه في مقالنا أدناه.
Abstract:
The exemption procedure is one of the procedures adopted by our national legislator in one of its articles in Law No. 12.104 relating to freedom of prices and competition, which was also adopted by the French legislator in his trade code. It means exempting every company that was a party to an anti-competitive agreement from imposing a financial penalty on it, in part or in whole, if it By reporting it and showing its effectiveness before the competition authority.
Especially, in order to activate this procedure, a set of conditions must be met, in addition to following some procedures in order to benefit from the partial or total exemption from the financial penalty provided by this ruler, and all this is explained in our article below.
مقدمـــة:
من البديهي أن قانون المنافسة، تقليديًا وطبيعيًا، قانون قمعي يهدف إلى محاربة السلوك الضار بالمنافسة، وعلى وجه الخصوص الممارسات المنافية للمنافسة. ولكن مع ذلك، ففي السنوات الأخيرة، شهد الإطار القانوني للمنافسة ظهور وسائل ما فتئت، بالفعل، تشهد نجاحًا متزايدًا بالتوازي مع سلطة القمع، وهذه الوسائل تسمى المساطر التفاوضية التي تهدف إلى تمكين سلطات ضبط المنافسة من أدوات مرنة، مع إشراك الفاعلين الاقتصاديين في الانخراط في مسلسل اتخاذ القرار، وتقوية كذلك دورها كضابط للمنافسة، بعيدا عن الاكراهات المسطرية التي يعرفها الضبط القضائي.
حيث بما أن سياسة ضبط المنافسة المرتكزة على الطابع الردعي لم تعد تجدي نفعا في حظر الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، والكشف عن مرتكبيها؛ فإن أغلب التشريعات المقارنة، ومنها التشريع المغربي من خلال القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، قد اتجه إلى تبني تلك المساطر التفاوضية، المبنية على التفاوض والحوار بين سلطات المنافسة والمقاولات والهيئات المعنية، والتي قد تشكل سلاحا قويا من أجل ضمان المنافسة الحرة في السوق.
وتندرج مسطرة الاعفاء موضوع دراستنا إحدى تلك المساطر، حيث أخذ المشرع المغربي بها من خلال المادة 41 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، الذي استوحاها من التشريع الفرنسي في المادة L.464-2-IV من مدونة التجارة الفرنسية. ويقصد بها إعفاء كل مقاولة كانت طرفا في اتفاق منافٍ للمنافسة من توقيع العقوبة المالية عليها، كليا أو جزئيا، إذا قامت بالتبليغ عنه والكشف عن فاعليه أمام سلطة المنافسة. بيد إن إعمال هذه المسطرة يستوجب توافر بعض الشروط (الفقرة الأولى) واتباع بعض الإجراءات (الفقرة الثانية) من أجل الاستفادة من الاعفاء الكلي أو الجزئي من العقوبة المالية التي يخولها اللجوء إلى هذه المسطرة.
الفقرة الأولى: شروط الاستفادة من مسطرة الاعفاء
يقتضي اللجوء إلى مسطرة الاعفاء أن تتوفر شروط جوهرية عامة في طلب الترشيح المقدم من المنشأة من أجل الاستفادة منها (أولا)، ثم شروط جوهرية خاصة بكل حالة على حدة، وذلك حسب ما إذا كانت المنشأة تستحق اعفاء كليا أو جزئيا من العقوبة المالية (ثانيا).
أولا) الشروط الجوهرية العامة للاستفادة من مسطرة الاعفاء.
لابد من الإشارة بداية إلى أن المشرع المغربي لم يفصل في شروط الاستفادة من مسطرة الاعفاء، اللهم ما هو مضمن في المادة 41 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، التي تقابلها المادة L.464-2-IV من مدونة التجارة الفرنسية اللتين يمكن أن نستخلص منهما وجوب توفر شرطين من أجل الاستفادة من مسطرة الاعفاء، حيث يتجلى هذان الشرطان في أنه لا يعمل بهذه المسطرة إلا في حالة تكييف الممارسة على أنها اتفاقٌ منافٍ للمنافسة، طبقا للمادة 6 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي والمادة L.420-1 من مدونة التجارة الفرنسية(1)، وأن تكون المنشأة المشاركة فيه ساهمت في اثبات وقوع تلك الممارسة مع تحديد فاعليها، وتقديم معلومات عنها لمجلس المنافسة أو سلطة المنافسة (2).
بيد أن المفوضية الأوروبية للمنافسة أضافت شرطين آخرين تمثلا في وجوب خروج المنشأة المرشحة للاستفادة من تلك المسطرة من مشاركتها في ذلك الاتفاق المفترض (3)، وألاّ تكون قد أجبرت منشأة أو منشآت أخرى على المشاركة في ذلك الاتفاق أو البقاء فيه (4).
1) تحديد الممارسة المعنية بمسطرة الاعفاء.
نلاحظ أن المادة 41 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي والمادة
L.464-2-IV من مدونة التجارة الفرنسية نصتا على الممارسة المعنية بمسطرة الاعفاء بشكل صريح، حيث بينت أنه لا يُعمل بهذه الأخيرة إلا في الاتفاقات المنافية المنافسة التي تنظمها مقتضيات المادة 6 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي، والمادةL. 420-1 من مدونة التجارة الفرنسية، مما يدل على أنه يُسْتبعد من نطاقها باقي الممارسات الأخرى، كالتعسف في وضعية الهيمنة أو في وضعية التبعية الاقتصادية أو الممارسة المتعلقة بعرض أو ممارسة أسعار بيع مخفضة بشكل تعسفي للمستهلكين. إلا أن التوجيه الذي أصدرته سلطة المنافسة الفرنسية في 15 أبريل 2015 المتعلق ببرنامج الاعفاء، الممثل لقواعد التبصير المكملة للمقتضيات المنظمة له في مدونة التجارة الفرنسية، ضيق أكثر من نطاق مسطرة الاعفاء، وجعله يقتصر على نوع خاص من الاتفاقات المسمى بالكارتل أو بالأحرى الاتفاقات الافقية التي تكون بين المنشآت، والتي تهدف إلى ضبط وتحديد الاثمنة وحصة الإنتاج والمبيعات، أو تلك التي تهدف إلى تقسيم الأسواق. والامر نفسه فعله التوجيه الصادر عن لجنة المنافسة الأوروبية سنة 2006 الذي جعل نطاق مسطرة الاعفاء مقتصرا بشكل عام على الاتفاقات السرية الافقية التي تصبو إلى ضبط الاثمنة وتقسيم الأسواق.
2) وجوب مساهمة المنشأة وتعاونها في اثبات الممارسة بتقديم معلومات عنها
يجب على المنشأة أن تتعاون مع مجلس المنافسة أو سلطة المنافسة بشكل حقيقي وكلي ودائم، طوال مسطرة البحث والتحقيق، ومنذ وضعها طلب الترشيح من أجل الاستفادة من مسطرة الاعفاء؛ مما يعني على الخصوص أن تزود سلطة المنافسة بجميع المعلومات التي في حوزتها عن ذلك الاتفاق المفترض، وكذا جميع أدلة اثباته، وأن تكون رهن إشارتها عند كل طلب يتعلق بالمساهمة في اثبات الوقائع المعنية به، وأن تضع كذلك رهن إشارتها أجراءها أو ممثليها الحاليين أو القدماء من أجل استفسارهم. كما يجب عليها أن تحافظ على جميع الادلة المتعلقة بإثبات ذلك الاتفاق المفترض، وذلك بعدم تزويرها أو إفسادها، وأن تمتنع عن الكشف للأغيار عن نيتها في تقديم طلب الاعفاء، وكذا مضمونه، في الوقت الذي تنوي التقدم به إلى سلطة المنافسة. ويجب على المنشاة كذلك تحديد هوية المشاركين معها في الاتفاق المزعوم، وتقديم الوصف المفصل عن ذلك الاتفاق، لاسيما المنتجات والخدمات المعنية، والمناطق التي سوف تتأثر به، مع تحديد مدته وطبيعته.
3) وجوب خروج المنشأة من الاتفاق المفترض
يعد ضرورة خروج المنشأة من الاتفاق المفترض شرطا مجمعا عليه بين أغلب برامج الاعفاء في دول الاتحاد الاوروبي، وذلك سيراً على درب التوجيه الصادر عن لجنة المنافسة الأوروبية في 8 دجنبر 2006 الذي نص على أنه “يجب أن تكون المنشأة قد أنهت مشاركتها في الاتفاق المزعوم، دون تأخير بعد تقديم طلبها، باستثناء ما يعتبر، في رأي اللجنة، ضروريًا بشكل معقول للحفاظ على نزاهة عمليات التفتيش”. وهو شرط لم نجد له نصا في التشريع المغربي والفرنسي، ولكن سلطة المنافسة الفرنسية ذهبت في اتجاه ما هو معمول به في الاتحاد الاوروبي، وفي أغلب دولها، ونصت من خلال التوجيه الذي أصدرته في 15 أبريل 2015، على شرط وجوب على المنشأة، من حيث المبدأ، وضع حد لمشاركتها في ذلك الاتفاق المفترض دون تأخير أو لاحقا، ابتداء من تاريخ تبليغها من سلطة المنافسة برأي الاعفاء. مع أنه يمكن لهذه الأخيرة أن تقرر تأجيل ذلك التاريخ، وذلك من أجل المحافظة على سرية المسطرة وضمان فعالية تدابير التحقيق.
4) عدم اجبار منشأة أخرى على المشاركة في الاتفاق المفترض أو البقاء فيه
ينبغي الإشارة إلى أن الدولَ أعضاءَ الاتحاد الاوروبي لم تكن مجمعة حول شرط عدم استفادة المنشأة طالبة الاعفاء من الحصانة من العقوبة، إذا أجبرت منشأة أو منشآت أخرى على المشاركة في الاتفاق المزعوم، حيث لم يأخذ بهذا الشرط إلا فرنسا واسبانيا وبريطانيا التي ذهبت في منحى التوجيه الصادر عن المفوضية الأوروبية للمنافسة الذي نص بالحرف على أن “كل منشأة اتخذت تدابير من أجل اكراه منشآت أخرى على المشاركة في الاتفاق أو البقاء فيه، لا يمكن أن تستفيد من الحصانة من العقوبة (الغرامة). ولكن دائما يمكن لها الاستفادة من الاعفاء الجزئي من العقوبة، إن استوفت معاييره وشروطه المطلوبة”.
ثانيا) الشروط الجوهرية الخاصة بالاستفادة من حالة الاعفاء الكلي أو الجزئي من العقوبة المالية
لم تبين النصوص المنظمة لمسطرة الاعفاء في التشريعين المغربي والفرنسي شروطَ استفادة المنشأة من الاعفاء من العقوبة عند كل حالة على حدة، ومتى تستحق الاعفاء الكلي أو الجزئي من العقوبة المالية، لذا نجد أن سلطة المنافسة الفرنسية اتجهت إلى بيان ذلك من خلال التوجيه الذي سبق الإشارة إليه، والذي أصدرته في 15 أبريل 2015، حيث وضعت لكل حالة شروطا خاصة، حسب الاستحقاق، وذلك على المنوال التالي:
أ) شروط استفادة المنشأة من حالة الاعفاء الكلي من العقوبة المالية
يختلف المعيار هنا بين حالة عدم توفر سلطة المنافسة على أيّ معلومات عن ذلك الاتفاق المفترض من ذي قبل (1-1)، وحالة توفرها عليها، ولكنها غير كافية من أجل إثباته (2-1).
1) حالة عدم توفر سلطة المنافسة على أي معلومات عن الاتفاق المفترض من قبل.
تمنح سلطة المنافسة لكل منشأة سباقة بتزويدها بالمعلومات والأدلة عن جود الاتفاق المفترض إعفاء كليا من العقوبة المالية إذا كانت السلطة لا تتوفر مسبقا على معلومات وأدلة كافية لإجراء، بمبادرتها الخاصة، تدابير التحقيق اللازمة المنصوص عليها في المادة L.450-4 من مدونة التجارة الفرنسية؛ وكانت تلك المعلومات والأدلة المقدمة من المنشأة من شأنها أن تسمح لسلطة المنافسة بإجراء تلك التدابير.
وفي سبيل تحقيق ذلك، يجب على المنشأة طالبة الاعفاء أن تزود سلطة المنافسة، كتابة أو شفويا، باسمها وعنوانها، وكذا فروعها التي سوف يشملها الاعفاء، وأن تحدد المشاركين معها في الاتفاق المزعوم مع إعطاء وصفي تفصيلي عنه، بتحديد طبيعته ومدته والمناطق التي سوف تتأثر به، وكذا جميع الوثائق الاثباتية التي تحوزها وقت تقديم طلبها، والتي من شأنها المساعدة على استخلاص المعلومات عن الأماكن والاوقات والاجتماعات التي كانت بين المشاركين عن ذلك الاتفاق المفترض.
2) حالة توفر سلطة المنافسة على معلومات عن الاتفاق المفترض من ذي قبل
إذا كانت سلطة المنافسة تتوفر مسبقا على معلومات عن ذلك الاتفاق المفترض، ولكنها غير كافية للقول بوجود مخالفة لأحكام قانون المنافسة؛ فإنها تمنح للمنشأة المعنية اعفاء كليا من العقوبة المالية شريطة أن تكون سباقة بتزويدها بالأدلة الكافية التي تسمح لها بإثبات وجود المخالفة المنصوص عليها في المادة L.420-1 من مدونة التجارة الفرنسية، وذلك عند تقديمها طلب الاعفاء؛ وألا تكون هناك أي منشأة قبلها مستفيدة من الاعفاء الكلي من العقوبة المالية طبقا للحالة السابقة (1-1).
ب) شروط الاستفادة من حالة الاعفاء الجزئي من العقوبة المالية.
إذا لم تتوفر أي من الشروط السابقة ذكرها في الحالات أعلاه، من أجل الاستفادة من الاعفاء الكلي من العقوبة المالية؛ فإن المنشأة طالبة الاعفاء لا تفقد كليا فرصة الاستفادة من الاعفاء، بل يمكن لها الحصول على إعفاء جزئي من العقوبة المالية، إذا زودت سلطة المنافسة بأدلة تكتسي “قيمة إضافية حاسمة” بالمقارنة مع تلك التي تتوفر عليها سلطة المنافسة أو الإدارة من قبل، والتي من شأنها إثبات وجود الاتفاق المفترض.
وفي هذا الصدد بين توجيه المفوضية الأوروبية للمنافسة المقصود “بقيمة إضافية حاسمة” بالحالة التي تكون فيها الأدلة المقدمة من المنشأة طالبة الاعفاء تعزز بطبيعتها أو بدرجة وضوحها قدرة لجنة المنافسة في إثبات وجود الاتفاق المزعوم، وأثناء تقديرها لذلك، تأخذ اللجنة، عموما، بعين الاعتبار بشكل تراتبي:
- أن الادلة الكتابية المزامنة للاتفاق المفترض ذات قيمة أعلى من تلك التي أنشئت لاحقا؛
- وأن تلك المتعلقة مباشرة بوقائع القضية لها قيمة أعلى من تلك المرتبطة بها بشكل غير مباشر؛
-
وأن الأدلة الثابتة التي لا جدال فيها، ذات قيمة أعلى من تلك التي يجب تأكيدها عند النزاع.
كما حدد هذا التوجيه نسبة الاعفاء الجزئي من العقوبة المالية التي سوف تستفيد منها المنشأة أو المنشآت المقدمة للأدلة التي تحمل قيمة إضافية حاسمة، وذلك حسب أسبقية الطلب على الشكل التالي:
- في نسبة تتراوح بين 30 إلى 50 % بالنسبة للمنشأة الأولى؛
- وبين 20 إلى 30 % بالنسبة للمنشأة الثانية،
-
وفي نسبة لا تتجاوز 20 % بالنسبة لباقي المنشآت الأخرى.
بينما حدد توجيه سلطة المنافسة الفرنسية هذه النسبة في:
- نسبة بين 25 إلى 50 % بالنسبة للمنشأة الأولى التي زودت السلطة بأدلة ذات قيمة إضافية حاسمة؛
- وبين 15 إلى 40 % بالنسبة للمنشأة الثانية؛
-
وفي نسبة لا تتعدى 25 % لباقي المنشآت الأخرى.
الفقرة الثانية: الإجراءات المتبعة للاستفادة من مسطرة الاعفاء.
لكي يتم فتح هذه المسطرة يقتضي الامر اتباع بعض الإجراءات (1)، قبل أن يتم البت فيها واصدار القرار بشأنها (2).
أولا) إجراءات فتح المسطرة
تتميز الاجراءات المتبعة للاستفادة من مسطرة الاعفاء في التشريعين المغربي والفرنسي، من حيث الجهة المختصة لتلقي طلب الاعفاء، عن الاجراءات المتبعة في التشريع الأوروبي، حيث إن المادة 28 من المرسوم التطبيقي لقانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، التي تقابلها المادة R.464-5 من مدونة التجارة الفرنسية، تطرقتا إلى هذا الاجراء، حيث أعطت المادة 28 إلى المنشأة أو الهيئة التي تطلب الاستفادة من هذه المسطرة إمكانية أن تتقدم بطلبها إلى السلطة الحكومية المكلفة بالمنافسة، أو إلى رئيس مجلس المنافسة، مما يعني ازدواجية الخيار بين شباك السلطة الحكومية المكلفة بالمنافسة أو شباك مجلس المنافسة المتمثل في شخص رئيسه، كما خولت المادة R.464-5 من مدونة التجارة الفرنسية للمقاولة الخيار بين شباك المدير العام للمنافسة والاستهلاك ومحاربة الغش، أو شباك المقرر العام لسلطة المنافسة، على خلاف ما هو موجود في تشريع الاتحاد الأوروبي الذي اعتمد نظام الشباك الوحيد، إذ خول للمقاولة المرشحة للاستفادة من هذه مسطرة أن تتقدم بطلبها إلى المديرية العامة للجنة المنافسة.
وأما بخصوص شكل تقديم هذا الطلب، فإنه يمكن أن يقدم، في التشريع المغربي والفرنسي، إما بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسلم أو شفويا، وفي حالة تقديمه شفويا، فإنه يثبت تاريخه كتابة، ويتم تلقي تصريح ممثل المنشأة أو الهيئة في أقرب الآجال بواسطة محضر تصريح من لدن باحث تابع للسلطة الحكومية المكلفة بالمنافسة أو من لدن مقرر تابع لمجلس المنافسة. أما في تشريع الاتحاد الأوروبي فإن شكل تقديم هذا الطلب فيمكن حتى أن يكون بواسطة البريد الالكتروني أو الهاتف.
وبمجرد تسجيل طلب الاعفاء الوارد على مجلس المنافسة أو سلطة المنافسة، إما عن طريق رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسلم، وإما عن طريق تصريح شفوي المضمن كتابة في محضر، يتم ترتيبه حسب أسبقية طلب كل منشأة على حدة، في حالة تعددها، طبقا لما يسمى في التوجيه الأوروبي والفرنسي بنظام العلامة الهادف الى احترام مبدأ تراتبية الطلبات الواردة على سلطة المنافسة، وإلى حماية درجة الطلب المقدم من المنشأة المرشحة للاستفادة من مسطرة الاعفاء، في مدة محددة، ضمن الطلبات الواردة على سلطة المنافسة، و بالتالي يحميها في “السباق” نحو الاعفاء الذي قد يكون محتدما بينها وبين عدة منشآت التي تقدمت هي الأخرى بطلباتها. ويشترط للاستفادة من هذا النظام أن تزود المنشأة سلطة المنافسة باسمها وعنوانها، وأن تحدد المشاركين معها في الاتفاق المزعوم، مع إعطاء وصفي تفصيلي عنه، بتحديد طبيعته ومدته والمناطق التي سوف تتأثر به، مع نقل جميع المعلومات والأدلة إلى الهيئة، والتي تكون من طبيعتها تبرير طلب الاعفاء، وذلك في غضون الحد الزمني الذي حدده المقرر العام وقت تقديم طلب الاعفاء.
تقوم المصالح التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالمنافسة والمقرر العام لمجلس المنافسة بتبادل المعلومات فيما بينها في شأن كل مسطرة مقدمة لديهما، وكذا حول وجود بحث أو تحقيق محتمل يتعلق بالممارسات المثارة قيد الإنجاز قبل الشروع في المسطرة، وذلك من أجل معرفة كل ما من شأنه إعطاء صورة واضحة عن الممارسة محل طلب الاعفاء، وما إذا كانت محل بحث أو تحقيق، ثم يقوم المقرر المعين لدراسة طلب الاعفاء، بعد ذلك، بإعداد تقرير يستند إلى المعلومات والأدلة المقدمة من مقدم طلب الاعفاء، وفقًا للشروط التي تطرقنا إليها آنفا، وكذلك، عند الاقتضاء، على أساس الايضاحات المقدمة من قبل المنشأة تلقائيا، أو بناء على طلب من المقرر الذي يحقق من استيفاء الطلب للشروط المطلوبة من أجل الاستفادة من الإعفاء الكلي أو الجزئي من العقوبات المالية، ثم بعد ذلك يعد المقرر مقترحات للإعفاء من العقوبات، ويبين الشروط التي يمكن لمجلس المنافسة أن يقيد بها هذا الإعفاء في رأيه ، ويوجه التقرير ثلاثة أسابيع على الأقل قبل موعد الجلسة إلى المنشأة أو الهيئة المعنية وإلى مندوب الحكومة.
وبعد الاجتماع إذن في الجلسة المنعقدة بهذا الخصوص، يتداول المجلس حول الطلبات المقدمة، ثم يصدر، بطلب من المقرر العام أو الإدارة، رأيًا بالإعفاء يحدد الشروط التي يخضع هذا الإعفاء المزمع، بعد تقديم مندوب الحكومة والمنشأة أو الهيأة المعنية لملاحظاتها، ويوجه هذا الرأي إلى المنشأة أو الهيأة وإلى الإدارة، ولا يتم نشره.
ولكن في حال اعتبرت هيئة البت أن طلب الاعفاء لم يستوف الشروط المطلوبة، وبمفهوم المخالفة لنص المادة 41، فإنها تصدر رأيا بعدم قبول طلب الاعفاء، ويتم إرجاع المعلومات والأدلة المقدمة إلى المنشأة إذا طلبت ذلك، وهذا ما يؤكده كذلك توجيه سلطة المنافسة الفرنسية.
وتكمن وظيفة هذا الرأي في أنه يسمح بتبليغ المنشأة بالاستفادة المشروطة من الاعفاء، سواء كان كليا أو جزئيا، ويعتبر نوعا من التدابير التحضيرية للقرار الذي سوف تصدره الهيئة فيما بعد، ويلعب دور القرار المشروط بالإعفاء.
ثانيا) البت في جوهر القضية وإصدار قرار بشأنها.
وبعد أن اجتمعت هيئة البت وأصدرت رأيها بالإعفاء المشروط، وبلغته لطالبه، كما تطرقنا لتفاصيل ذلك سابقا، فإنها تجتمع كذلك من جديد لكي تصدر قرارا نهائيا بشأن الطلبات المرشحة للاستفادة من الاعفاء، سواء كان كليا أو جزئيا.
وعندما ترى هذه الهيئة، عند ضوء دراستها للقضية في الجوهر، أن الشروط المنصوص عليها في الرأي بالإعفاء قد تم احترامها من قبل المنشأة؛ فإنها تصدر قرارا نهائيا تمنح من خلاله للمنشأة إعفاء كليًا أو جزئيًا من العقوبات المالية، كما هو مبين في الرأي المشروط بالإعفاء الذي سبق وأن أصدرته، وتحدد نسبة هذا الاعفاء بشكل الدقيق، إذا كان الاعفاء الممنوح جزئيا.
ولكن إن اعتبرت الهيئة، عند بتها في جوهر القضية، أن الشروط المنصوص عليها في الرأي المشروط بالإعفاء، وفقًا لما ذكر آنفا، لم يتم الوفاء بها؛ فإنه ينتج عن ذلك، إما سحب الاستفادة من الاعفاء الكلي أو الجزئي من العقوبة، في حالة حدوث انتهاك خطير للرأي المشروط بالإعفاء، وإما منح تخفيض أقل من ذلك الثابت في الرأي المشروط، في حالة حدوث خرق أقل شدة لذلك الرأي.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه يمكن للمنشأة غير المقتنعة بقرار مجلس المنافسة أو سلطة المنافسة، والقاضي بمنحها اعفاء كليا أو جزئيا من العقوبة، أن تطعن في ذلك القرار أمام محكمة الاستئناف بالرباط، بالنسبة للمغرب، طبقا لمقتضيات المادة 44 من قانون رقم 104.12 التي نجدها تنص على أنه ” تقدم الطعون ضد القرارات الأخرى المتخذة من لدن مجلس المنافسة أمام محكمة الاستئناف بالرباط…”. وأمام محكمة الاستئناف بباريس، بالنسبة لفرنسا، طبقا للمادة L.464-8 من مدونة التجارة الفرنسية التي نصت على ذلك بشكل صريح في فقرتها الأولى، وحددت أجل الطعن في 30 يوما يبدأ من تاريخ التبليغ، وهو الاجل نفسه الذي نصت عليه المادة 46 من قانون حرية الأسعار والمنافسة المغربي. كما خولت المادة L.464-8 الحق في الطعن في ذلك القرار لكل من الأطراف المعنية ووزير الاقتصاد، في حين خولته المادة 46 من قانون المنافسة المغربي للأطراف المعنية ومندوب الحكومة أو هما معا.
خاتــــمة:
ولابد في الأخير من الإشارة إلى أن منح الاعفاء الجزئي من العقوبة يبدو أنه يخضع للسلطة التقديرية لسلطة المنافسة، التي قد تقرر منح أو رفض مثل هذا الإجراء، وتحديد مقداره أو نسبته. ولكن المسألة تبدو دقيقة أكثر فيما يتعلق بالإعفاء الكلي من العقوبة، أي الحصانة منها، لأنه ليس من السهل دائمًا تحديد ما إذا كان هذا الإجراء حقا للمنشأة أم لا، للاختلافات الموجودة في هذا الصدد بين برامج الاعفاء، حيث إن برنامج الاعفاء الفرنسي اعتبره حقا للمنشأة إن توفرت شروطه، بينما اعتبره برنامج الاعفاء الألماني مكنة خاضعة للسلطة التقديرية لسلطة المنافسة التي تقرر منح الاعفاء الكلي أو رفضه.
المراجع والمصادر
-
NOURDDINE Toujgani « Les procédures négociées en droit de la concurrence » contribution au série colloque international organisé par la Faculté de de Fès et Faculté de droit de Toulon Var sous le thème « Les Mutations du Droit de la Concurrence dans l’Espace Euro-Méditerranéen » publication de la FSJES_Fés N° 2 Janvier, 2012.
-
VIALFONT Arnauld, « Le droit de la concurrence et les procédures négociées », RIDE, n°2, 2007.
-
Communiqué de procédure du 3 avril 2015 au programme de clémence français, publié par l’Autorité de la Concurrence Française.
-
Olivia FRANCO, Quelle convergence des programmes nationaux de clémence ? L’exemple des programmes français, britannique, allemand, italien et espagnol, Doctrines / Concurrences N° 3-2009.
-
Jean Christophe Roda, La clémence en Droit de la Concurrence, Etude comparative Des Doits Américains et européens, Presse Universitaire d’Aix Marseille, 2008.
E. Cuziat, La clémence, une procédure exigeante, Concurrences N°3-2013.