في الواجهةمقالات قانونية

مدى استيعاب مسطرة الإنقاذ  لأزمة المقاولات في ظل وباء كورونا

 

 

“مدى استيعاب مسطرة الإنقاذ  لأزمة المقاولات في ظل وباء كورونا”

بقلم الدّكتورة أمينة رضوان

 باحثة في العلوم القانونية

 

عمل نظام معالجة صعوبات المقاولة، الذي تضمّنه الكتاب الخامس من القانون رقم 95/15 بمثابة مدونة التجارة الجديدة على استشعار الصعوبات في مهدها والوقاية منها بإحداث آليتي الوقاية الداخلية والوقاية الخارجية، وقيامه على الفلسفة العلاجية، بحيث أصبح لا يلجأ إلى التصفية القضائية إلا بعد فشل مخططي الاستمرارية والتفويت، و قد تم نسخه و تعويضه بالقانون رقم 73.17 فيما يتعلق بمساطر صعوبات المقاولة (1) . ويهدف هذا القانون إلى تحيين الإطار القانوني لمساطر صعوبات المقاولة، من أجل معالجة ما يهدد استمراريتها، بمنح ترسانة قانونية قوية ومرنة في الوقت ذاته، وبإرساء مقومات ثقافة الحكامة الجيدة في التسيير والكشف المبكر عن العراقيل، قبل تدخل القضاء الذي ينتهي في الغالب بالتصفية القضائية.

ولا يعني مرور المقاولة أو المؤسسة بصعوبات اقتصادية بالضرورة توقف نشاطها، إذ إن هذا الأخير يتابع حتى بعد إصدار حكم بالتسوية القضائية، مما يعني استمرار عقود الشغل، والحفاظ على مناصب تشغيل الأجراء، إلا إذا دعت الضرورة القصوى إلى إنهاء البعض منها، حيث يكون ذلك وفق مسطرة حمائية تنظمها المواد من 66 إلى 71 من م. ش.

وقد سخّر المشرع مجموعة من الأجهزة القضائية وغير القضائية للسهر على حماية المصالح الموجودة بالمقاولة ومن بين تلك الأجهزة نذكر: مراقب الحسابات، الذي يعد المعلن عن الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال، والسنديك المكلف بتسيير عمليات التسوية والتصفية القضائية، ابتداء من تاريخ صدور حكم بفتح المسطرة حتى قفلها، والقاضي المنتدب الساهر على السير السريع للمسطرة وعلى حماية المصالح الموجودة بها، بالإضافة إلى تنامي دور جهاز القضاء في التدخل في مسطرة المعالجة، حيث لم يعد دوره بعديا يقتصر على فض النزاعات والخلافات التي قد تطرأ، بل أصبح دوره قبليا كذلك (2)

وقد أثر  فيروس كورونا كوفيد 19 على المقاولات بشكل عام التي تضررت بسببه، حيث تأثرت المقاولات الصغيرة جدا بنسبة 90 بالمائة ، تليها المقاولات الصغرى والمتوسطة بنسبة 8 بالمائة، في حين لم تتأثر أنشطة التعاونيات إلا بنسب محدودة تمثلت في 2 بالمائة،  كما تأثرت المقاولات التجارية وتلك التي تعمل على توريد الخدمات للمقاولات بنسب تجاوزت 20 بالمائة، و المقاولات السياحية بنسبة 13,5 بالمائة، ومقاولات البناء بـ12,7 بالمائة، والمقاولات العاملة في مجال التواصل والمجال الرقمي بنسبة 10,5 بالمائة (3 ).

وانطلاقا من ذلك كان لا بد من إنقاذ هذه المقاولات من الصعوبات الاقتصادية التي سببتها لها أزمة كورونا كوفيد 19  و النهوض بوضعيتها المالية، حفاظا على المقاولة بصفة عامة ودعما للاقتصاد الوطني و جلبا للاستثمار الأجنبي. و قد ظهرت جهود المغرب انطلاقا من إنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية التي جاءت بعدة تدابير لحماية المقاولة، و التي اتخذت تدابير على المستوى الجبائي، كما أحدثت آليات جديدة لتدبير أزمة كورونا من خلال خلق صندوق الضمان المركزي أو ما يسمى بضمان أكسجين ،  و في الاطار نفسه أحدثت صندوق ضمان المقاولين الذاتيين كوفيد 19 ، وأعطت مكنة للمقاولين الذاتيين لتأجيل أجل الادلاء بالإقرارات المتعلقة بمجموع الدخل الخاصة بالضريبة المنصوص عليها في المادة 82 من المدونة العامة للضرائب.

وفي هذا السياق نتساءل عن إمكانية استيعاب مسطرة الإنقاذ لأزمة المقاولات التي خلفتها جائحة كورونا كوفيد 19، فالقانون رقم 73.17 جاء بمسطرة الانقاذ التي تهدف إلى تمكين المقاولات من تجاوز صعوباتها، من أجل ضمان استمرارية نشاطها و الحفاظ على مناصب الشغل و تسديد خصومها ، حيث يمكن أن تفتح هذه المسطرة بطلب من كل مقاولة دون أن تكون في حالة توقف عن الدفع تعاني من صعوبات ليس بمقدورها تجاوزها و من شأنها أن تؤدي بها في أجل قريب إلى التوقف عن الدفع، و تبدأ المسطرة بإيداع طلب من طرف رئيس المحكمة لدى كتابة الضبط بالمحكمة المختصة يبين فيه نوعية الصعوبات التي من شأنها أن تخل باستمرارية نشاط المقاولة، ويكون هذا الطلب مرفقا بالقوائم التركيبية لآخر سنة مالية، مؤشر عليها من طرف المحاسب إن وجد، و بجرد لقيمة جميع أموال المقاولة المنقولة و العقارية، و بقائمة المدينين مع الاشارة إلى عناوينهم و مبلغ ديونهم و الضمانات الممنوحة لهم بتاريخ التوقف عن الدفع، و بجدول التحملات و بقائمة الأجراء وممثليهم إن وجدوا، و بنسخة من النموذج 7 من السجل التجاري، و بوضعية الموازنة الخاصة بالمقاولة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، ويمكن لرئيس المحكمة الادلاء بكل وثيقة معززة لطلبه تبين بشكل واضح نوع الصعوبات التي تعتري نشاط المقاولة، و يجب على رئيس المقاولة تحت طائلة عدم القبول أن يرفق طلبه بمشروع مخطط الانقاذ الذي يحدد فيه جميع الالتزامات الضرورية لإنقاذ المقاولة، و طريقة الحفاظ على نشاطها و على تمويله، بالإضافة إلى كيفيات تصفية الخصوم و الضمانات الممنوحة قصد تنفيذ مشروع مخطط الانقاذ.(4)

و لا شك أن مسطرة الانقاذ جاءت في سياق تحسين رتبة المغرب في مؤشر تصنيف تطور مناخ الأعمال و لتعزيز الأمن الاقتصادي و الحكامة الجيدة في تسيير المقاولة، و الغاية من إحداثها كما يتضح ذلك من تسميتها هي تمكين المحكمة التجارية من التشخيص المبكر للمقاولات المتعثرة و التي تعرف صعوبات لا تصل بها إلى مرحلة التوقف عن الدفع (5) . و لمّا شرعت مسطرة الإنقاذ لإنقاذ المقاولات من الصعوبات الاقتصادية و المالية التي تعترضها، فإن أزمة كورونا شكلت إحدى أهم الصعوبات التي واجهت المقاولات على مرّ العصور، و من هنا يكون لازما تفعيل هذه المسطرة في هذه المرحلة بالذات، لإنقاذ المقاولات من الأضرار الاقتصادية التي سببتها الجائحة. وكما ذكرنا أعلاه فإن من أهم أهداف مسطرة الانقاذ الحفاظ على مناصب الشغل، أي استمرارية عقود الشغل الجارية، وهذا فيه  تعزيز لحقوق الأجراء داخل المقاولة خاصة أن القانون رقم 73.17 جاء بمستجد من الأهمية بمكان عندما استثنى عقود الشغل من نطاق العقود الجارية بمقتضى الفقرة الرابعة من المادة 588 من مدونة التجارة، و يبرز ذلك عندما استثنى المشرع التجاري عقود الشغل من خيار الفسخ الممنوح للسنديك فيما يتعلق بالعقود الجارية حفاظا على استمرارية نشاط المقاولة  و الحفاظ على مناصب الشغل مما يسهم في ترسيخ مقومات السلم الاجتماعي (6) و هو ما ينسجم مع مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 19 من مدونة الشغل التي جاء فيها “إذا طرأ تغيير على الوضعية القانونية للمشغل، أو على الطبيعة القانونية للمقاولة، و على الأخص بسبب الارث، أو البيع، أو الادماج، أو الخوصصة، فإن جميع العقود التي كانت سارية المفعول حتى تاريخ التغيير، تظل قائمة بين الأجراء و بين المشغل الجديد، الذي يخلف المشغل السابق في الالتزامات الواجبة للأجراء، و خاصة فيما يتعلق بمبلغ الأجور، و التعويضات عن الفصل من الشغل، و العطلة المؤدى  عنها”. و هذا يدفعنا إلى القول أن المشغل أو صاحب المقاولة في إطار ما يملك من سلطة تقديرية يمكنه أيضا  تعديل عقود الشغل بما يضمن مصلحة المقاولة و تجاوزها للصعوبات الاقتصادية العالقة بها، و هو المقتضى الذي يستند على نص المادة 21 من مدونة الشغل التي جاء على أنه “يمتثل الأجير لأوامر المشغل، في نطاق المقتضيات القانونية أو التنظيمية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي. يمتثل الأجير أيضا للنصوص المنظمة لأخلاقيات المهنة” و لكن في نطاق حفظ حقوق الأجراء  و المكاسب الناشئة عن عقود شغلهم مالم يتفق الطرفان على مزايا أكثر فائدة للأجير (7) و تبقى سلطة المشغل في تعديل عقد الشغل محدودة بضرورة حماية المقاولة و حماية الأجراء العاملين فيها ، و مقيدة بمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود بدون أي تعسف من جانبه، مع مراعاة النظام العام في قانون الشغل و تطبيق مبدأ المقتضى الأصلح للأجير، في استحضار تام للفلسفة التي قام عليها نظام صعوبات المقاولة من أجل تأمين استمرارية نشاط المقاولة و تفادي وصولها إلى مرحلة التصفية القضائية، و هو ما يقتضي بذل تضحيات من جميع مكوناتها حتى تسلم من الوقوع في هذه المرحلة الأخيرة، فتعديل عقد الشغل لمساعدة المقاولة على الخروج من أزمتها المالية و صعوباتها الاقتصادية أحسن من فشل هذه المسطرة والدخول في مرحلة الفصل الاقتصادي للأجراء وفق الاجراءات المنصوص عليها في المواد من 66 الى 71 من مدونة الشغل، لكن نؤكد أن كل تعديل في إطار مساطر صعوبات المقاولة يجب أن يكون مبررا و ضمن القيود التي رسمها المشرع ، سواء في إطار مدونة التجارة أو مدونة الشغل حماية للأجراء من أي تعسف أو تجاوزات في استعمالها.

وفي هذا الصدد جاء مقترح قانون الذي همّ تعديل المادة 574 مكررة من مدونة التجارة، و قد جاء هذا المقترح لمساعدة المقاولة المغربية للخروج من آثار جائحة كورونا و الحيلولة دون إفلاسها بما سينجم عن هذا الافلاس من آثار وخيمة، و هو ما تطلب إلغاء شرط توقف المقاولة عن الدفع حتى تستفيد من مسطرة الانقاذ مع تعزيز هذا المقتضى بشروط قانونية أخرى متمثلة في بتقديم قوائم تركيبة لآخر سنة مالية مؤشر عليها من طرف خبير محاسبي أو خبير معتمد تفيد أن المقاولة قبل جائحة كورونا كانت في عافية، و اذا كان مخطط الانقاذ تم باتفاق مع الدائنين فإن المحكمة تقبله على الفور و تحدد له مدة لتنفيذ مخطط الانقاذ على ألا تتجاوز سنة، و يمكن للمقاولة أن تتفق مع الدائنين كلهم أو بعضهم على تمديد هذه المدة ، وخلال مدة تنفيذ المخطط يتعين وقف المتابعات الفردية و كل اجراءات التنفيذ التي قد يباشرها الدائنون على أصول المقاولة، كما تتوقف الفوائد القانونية و الاتفاقية ما لم يتم الاتفاق مع الدائن على خلاف ذلك، هذا و يتعين أن يتقدم صاحب المقاولة بالطلب وفق مبدأ حسن النية تحت طائلة متابعته بجريمة خيانة الأمانة(8) .

الهوامش

  • الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.26 بتاريخ 2 شعبان 1439 (19 أبريل 2018) – منشور ج ر ع 6667 بتاريخ 6 شعبان 1439 (23 أبريل 2018) ص 2345.
  • ذة . أمينة رضوان – حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة – مطبعة الأمنية الرباط – س 2017 – ص 11 و 12 .
  • المغرب: دراسة تشير إلى تأثر المقاولات الصغرى بالأزمة الحالية المرتبطة بانتشار فيروس كورونا المستجد- بحث وطني قامت به الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا و الصغيرة و المتوسطة. https://www.findevgateway.org/ar/news/almghrb-drast-tshyr-aly-tathr-almqawlat-alsghry-balazmt-alhalyt-almrtbtt-bantshar-fyrws-kwrwna
  • أنظر المادة 560 و ما يليها من م.ت.
  • ذ. لحسن العيوض – القانون رقم 73.17 القاضي بنسخ و تعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة : السياق ومواطن الاصلاح – مجلة الارشاد القانوني – ع 6/ مساطر معالجة صعوبات المقاولة في ضوء القانون رقم 73.17 و مستجدات العمل القضائي- مارس 2019 – ص 28.
  • ذ. لحسن العيوض – مرجع سابق – ص 39.
  • أنظر الفقرة الثانية من المادة 19 من م. ش.
  • مقترح قانون يقضي يقضي بتتميم الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة كما تم نسخه و تعويضه بموجب القانون رقم 73.17 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.26 بتاريخ 2 شعبان 1439 (19 أبريل 2018) تقدم به النائبان السيد عبد الرحمان ابليلا و السيد مصطفى مشارك – رقم التسجيل 206 – تاريخ التسجيل 13/05/2020.

 

 

 

 

 

 

 

“مدى استيعاب مسطرة الإنقاذ  لأزمة المقاولات في ظل وباء كورونا”

بقلم الدّكتورة أمينة رضوان

 باحثة في العلوم القانونية

 

عمل نظام معالجة صعوبات المقاولة، الذي تضمّنه الكتاب الخامس من القانون رقم 95/15 بمثابة مدونة التجارة الجديدة على استشعار الصعوبات في مهدها والوقاية منها بإحداث آليتي الوقاية الداخلية والوقاية الخارجية، وقيامه على الفلسفة العلاجية، بحيث أصبح لا يلجأ إلى التصفية القضائية إلا بعد فشل مخططي الاستمرارية والتفويت، و قد تم نسخه و تعويضه بالقانون رقم 73.17 فيما يتعلق بمساطر صعوبات المقاولة (1) . ويهدف هذا القانون إلى تحيين الإطار القانوني لمساطر صعوبات المقاولة، من أجل معالجة ما يهدد استمراريتها، بمنح ترسانة قانونية قوية ومرنة في الوقت ذاته، وبإرساء مقومات ثقافة الحكامة الجيدة في التسيير والكشف المبكر عن العراقيل، قبل تدخل القضاء الذي ينتهي في الغالب بالتصفية القضائية.

ولا يعني مرور المقاولة أو المؤسسة بصعوبات اقتصادية بالضرورة توقف نشاطها، إذ إن هذا الأخير يتابع حتى بعد إصدار حكم بالتسوية القضائية، مما يعني استمرار عقود الشغل، والحفاظ على مناصب تشغيل الأجراء، إلا إذا دعت الضرورة القصوى إلى إنهاء البعض منها، حيث يكون ذلك وفق مسطرة حمائية تنظمها المواد من 66 إلى 71 من م. ش.

وقد سخّر المشرع مجموعة من الأجهزة القضائية وغير القضائية للسهر على حماية المصالح الموجودة بالمقاولة ومن بين تلك الأجهزة نذكر: مراقب الحسابات، الذي يعد المعلن عن الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال، والسنديك المكلف بتسيير عمليات التسوية والتصفية القضائية، ابتداء من تاريخ صدور حكم بفتح المسطرة حتى قفلها، والقاضي المنتدب الساهر على السير السريع للمسطرة وعلى حماية المصالح الموجودة بها، بالإضافة إلى تنامي دور جهاز القضاء في التدخل في مسطرة المعالجة، حيث لم يعد دوره بعديا يقتصر على فض النزاعات والخلافات التي قد تطرأ، بل أصبح دوره قبليا كذلك (2)

وقد أثر  فيروس كورونا كوفيد 19 على المقاولات بشكل عام التي تضررت بسببه، حيث تأثرت المقاولات الصغيرة جدا بنسبة 90 بالمائة ، تليها المقاولات الصغرى والمتوسطة بنسبة 8 بالمائة، في حين لم تتأثر أنشطة التعاونيات إلا بنسب محدودة تمثلت في 2 بالمائة،  كما تأثرت المقاولات التجارية وتلك التي تعمل على توريد الخدمات للمقاولات بنسب تجاوزت 20 بالمائة، و المقاولات السياحية بنسبة 13,5 بالمائة، ومقاولات البناء بـ12,7 بالمائة، والمقاولات العاملة في مجال التواصل والمجال الرقمي بنسبة 10,5 بالمائة (3 ).

وانطلاقا من ذلك كان لا بد من إنقاذ هذه المقاولات من الصعوبات الاقتصادية التي سببتها لها أزمة كورونا كوفيد 19  و النهوض بوضعيتها المالية، حفاظا على المقاولة بصفة عامة ودعما للاقتصاد الوطني و جلبا للاستثمار الأجنبي. و قد ظهرت جهود المغرب انطلاقا من إنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية التي جاءت بعدة تدابير لحماية المقاولة، و التي اتخذت تدابير على المستوى الجبائي، كما أحدثت آليات جديدة لتدبير أزمة كورونا من خلال خلق صندوق الضمان المركزي أو ما يسمى بضمان أكسجين ،  و في الاطار نفسه أحدثت صندوق ضمان المقاولين الذاتيين كوفيد 19 ، وأعطت مكنة للمقاولين الذاتيين لتأجيل أجل الادلاء بالإقرارات المتعلقة بمجموع الدخل الخاصة بالضريبة المنصوص عليها في المادة 82 من المدونة العامة للضرائب.

وفي هذا السياق نتساءل عن إمكانية استيعاب مسطرة الإنقاذ لأزمة المقاولات التي خلفتها جائحة كورونا كوفيد 19، فالقانون رقم 73.17 جاء بمسطرة الانقاذ التي تهدف إلى تمكين المقاولات من تجاوز صعوباتها، من أجل ضمان استمرارية نشاطها و الحفاظ على مناصب الشغل و تسديد خصومها ، حيث يمكن أن تفتح هذه المسطرة بطلب من كل مقاولة دون أن تكون في حالة توقف عن الدفع تعاني من صعوبات ليس بمقدورها تجاوزها و من شأنها أن تؤدي بها في أجل قريب إلى التوقف عن الدفع، و تبدأ المسطرة بإيداع طلب من طرف رئيس المحكمة لدى كتابة الضبط بالمحكمة المختصة يبين فيه نوعية الصعوبات التي من شأنها أن تخل باستمرارية نشاط المقاولة، ويكون هذا الطلب مرفقا بالقوائم التركيبية لآخر سنة مالية، مؤشر عليها من طرف المحاسب إن وجد، و بجرد لقيمة جميع أموال المقاولة المنقولة و العقارية، و بقائمة المدينين مع الاشارة إلى عناوينهم و مبلغ ديونهم و الضمانات الممنوحة لهم بتاريخ التوقف عن الدفع، و بجدول التحملات و بقائمة الأجراء وممثليهم إن وجدوا، و بنسخة من النموذج 7 من السجل التجاري، و بوضعية الموازنة الخاصة بالمقاولة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، ويمكن لرئيس المحكمة الادلاء بكل وثيقة معززة لطلبه تبين بشكل واضح نوع الصعوبات التي تعتري نشاط المقاولة، و يجب على رئيس المقاولة تحت طائلة عدم القبول أن يرفق طلبه بمشروع مخطط الانقاذ الذي يحدد فيه جميع الالتزامات الضرورية لإنقاذ المقاولة، و طريقة الحفاظ على نشاطها و على تمويله، بالإضافة إلى كيفيات تصفية الخصوم و الضمانات الممنوحة قصد تنفيذ مشروع مخطط الانقاذ.(4)

و لا شك أن مسطرة الانقاذ جاءت في سياق تحسين رتبة المغرب في مؤشر تصنيف تطور مناخ الأعمال و لتعزيز الأمن الاقتصادي و الحكامة الجيدة في تسيير المقاولة، و الغاية من إحداثها كما يتضح ذلك من تسميتها هي تمكين المحكمة التجارية من التشخيص المبكر للمقاولات المتعثرة و التي تعرف صعوبات لا تصل بها إلى مرحلة التوقف عن الدفع (5) . و لمّا شرعت مسطرة الإنقاذ لإنقاذ المقاولات من الصعوبات الاقتصادية و المالية التي تعترضها، فإن أزمة كورونا شكلت إحدى أهم الصعوبات التي واجهت المقاولات على مرّ العصور، و من هنا يكون لازما تفعيل هذه المسطرة في هذه المرحلة بالذات، لإنقاذ المقاولات من الأضرار الاقتصادية التي سببتها الجائحة. وكما ذكرنا أعلاه فإن من أهم أهداف مسطرة الانقاذ الحفاظ على مناصب الشغل، أي استمرارية عقود الشغل الجارية، وهذا فيه  تعزيز لحقوق الأجراء داخل المقاولة خاصة أن القانون رقم 73.17 جاء بمستجد من الأهمية بمكان عندما استثنى عقود الشغل من نطاق العقود الجارية بمقتضى الفقرة الرابعة من المادة 588 من مدونة التجارة، و يبرز ذلك عندما استثنى المشرع التجاري عقود الشغل من خيار الفسخ الممنوح للسنديك فيما يتعلق بالعقود الجارية حفاظا على استمرارية نشاط المقاولة  و الحفاظ على مناصب الشغل مما يسهم في ترسيخ مقومات السلم الاجتماعي (6) و هو ما ينسجم مع مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 19 من مدونة الشغل التي جاء فيها “إذا طرأ تغيير على الوضعية القانونية للمشغل، أو على الطبيعة القانونية للمقاولة، و على الأخص بسبب الارث، أو البيع، أو الادماج، أو الخوصصة، فإن جميع العقود التي كانت سارية المفعول حتى تاريخ التغيير، تظل قائمة بين الأجراء و بين المشغل الجديد، الذي يخلف المشغل السابق في الالتزامات الواجبة للأجراء، و خاصة فيما يتعلق بمبلغ الأجور، و التعويضات عن الفصل من الشغل، و العطلة المؤدى  عنها”. و هذا يدفعنا إلى القول أن المشغل أو صاحب المقاولة في إطار ما يملك من سلطة تقديرية يمكنه أيضا  تعديل عقود الشغل بما يضمن مصلحة المقاولة و تجاوزها للصعوبات الاقتصادية العالقة بها، و هو المقتضى الذي يستند على نص المادة 21 من مدونة الشغل التي جاء على أنه “يمتثل الأجير لأوامر المشغل، في نطاق المقتضيات القانونية أو التنظيمية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي. يمتثل الأجير أيضا للنصوص المنظمة لأخلاقيات المهنة” و لكن في نطاق حفظ حقوق الأجراء  و المكاسب الناشئة عن عقود شغلهم مالم يتفق الطرفان على مزايا أكثر فائدة للأجير (7) و تبقى سلطة المشغل في تعديل عقد الشغل محدودة بضرورة حماية المقاولة و حماية الأجراء العاملين فيها ، و مقيدة بمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود بدون أي تعسف من جانبه، مع مراعاة النظام العام في قانون الشغل و تطبيق مبدأ المقتضى الأصلح للأجير، في استحضار تام للفلسفة التي قام عليها نظام صعوبات المقاولة من أجل تأمين استمرارية نشاط المقاولة و تفادي وصولها إلى مرحلة التصفية القضائية، و هو ما يقتضي بذل تضحيات من جميع مكوناتها حتى تسلم من الوقوع في هذه المرحلة الأخيرة، فتعديل عقد الشغل لمساعدة المقاولة على الخروج من أزمتها المالية و صعوباتها الاقتصادية أحسن من فشل هذه المسطرة والدخول في مرحلة الفصل الاقتصادي للأجراء وفق الاجراءات المنصوص عليها في المواد من 66 الى 71 من مدونة الشغل، لكن نؤكد أن كل تعديل في إطار مساطر صعوبات المقاولة يجب أن يكون مبررا و ضمن القيود التي رسمها المشرع ، سواء في إطار مدونة التجارة أو مدونة الشغل حماية للأجراء من أي تعسف أو تجاوزات في استعمالها.

وفي هذا الصدد جاء مقترح قانون الذي همّ تعديل المادة 574 مكررة من مدونة التجارة، و قد جاء هذا المقترح لمساعدة المقاولة المغربية للخروج من آثار جائحة كورونا و الحيلولة دون إفلاسها بما سينجم عن هذا الافلاس من آثار وخيمة، و هو ما تطلب إلغاء شرط توقف المقاولة عن الدفع حتى تستفيد من مسطرة الانقاذ مع تعزيز هذا المقتضى بشروط قانونية أخرى متمثلة في بتقديم قوائم تركيبة لآخر سنة مالية مؤشر عليها من طرف خبير محاسبي أو خبير معتمد تفيد أن المقاولة قبل جائحة كورونا كانت في عافية، و اذا كان مخطط الانقاذ تم باتفاق مع الدائنين فإن المحكمة تقبله على الفور و تحدد له مدة لتنفيذ مخطط الانقاذ على ألا تتجاوز سنة، و يمكن للمقاولة أن تتفق مع الدائنين كلهم أو بعضهم على تمديد هذه المدة ، وخلال مدة تنفيذ المخطط يتعين وقف المتابعات الفردية و كل اجراءات التنفيذ التي قد يباشرها الدائنون على أصول المقاولة، كما تتوقف الفوائد القانونية و الاتفاقية ما لم يتم الاتفاق مع الدائن على خلاف ذلك، هذا و يتعين أن يتقدم صاحب المقاولة بالطلب وفق مبدأ حسن النية تحت طائلة متابعته بجريمة خيانة الأمانة(8) .

الهوامش

  • الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.26 بتاريخ 2 شعبان 1439 (19 أبريل 2018) – منشور ج ر ع 6667 بتاريخ 6 شعبان 1439 (23 أبريل 2018) ص 2345.
  • ذة . أمينة رضوان – حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة – مطبعة الأمنية الرباط – س 2017 – ص 11 و 12 .
  • المغرب: دراسة تشير إلى تأثر المقاولات الصغرى بالأزمة الحالية المرتبطة بانتشار فيروس كورونا المستجد- بحث وطني قامت به الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا و الصغيرة و المتوسطة. https://www.findevgateway.org/ar/news/almghrb-drast-tshyr-aly-tathr-almqawlat-alsghry-balazmt-alhalyt-almrtbtt-bantshar-fyrws-kwrwna
  • أنظر المادة 560 و ما يليها من م.ت.
  • ذ. لحسن العيوض – القانون رقم 73.17 القاضي بنسخ و تعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة : السياق ومواطن الاصلاح – مجلة الارشاد القانوني – ع 6/ مساطر معالجة صعوبات المقاولة في ضوء القانون رقم 73.17 و مستجدات العمل القضائي- مارس 2019 – ص 28.
  • ذ. لحسن العيوض – مرجع سابق – ص 39.
  • أنظر الفقرة الثانية من المادة 19 من م. ش.
  • مقترح قانون يقضي يقضي بتتميم الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة كما تم نسخه و تعويضه بموجب القانون رقم 73.17 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.26 بتاريخ 2 شعبان 1439 (19 أبريل 2018) تقدم به النائبان السيد عبد الرحمان ابليلا و السيد مصطفى مشارك – رقم التسجيل 206 – تاريخ التسجيل 13/05/2020.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى