في الواجهةمقالات قانونية

الطعن في قرارات المحافظ العقاري بشأن رفض و إلغاء مطلبي التحفيظ و التعرض، أية خصوصية؟

 

                          حمزة شيكي:

طالب باحث في القانون الخاص بكلية سلا.

 

الطعن في قرارات المحافظ العقاري بشأن رفض و إلغاء مطلبي التحفيظ و التعرض، أية خصوصية؟

 

يعد المحافظ العقاري أبرز المؤسسات القانونية في نظام التحفيظ العقاري المغربي، و التي أناط بها المشرع بمقتضى القانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري مهمة الإشراف على مسطرة التحفيظ من بدايتها إلى حين انتهائها، بحيث يمكنه و في أية مرحلة من مراحل المسطرة اتخاذ سلسلة من القرارات، سواء تعلق الأمر بمطلب التحفيظ الذي يتم التقدم به بداية ممن له المصلحة في ذلك، مرورا بما قد يعترضه من تعرضات، و انتهاءا بقرار تأسيس الرسم العقاري من عدمه.

ولما كان الطعن في  قرارات المحافظ العقاري  في شأن  رفض و إلغاء مطلبي التحفيظ و التعرض   موضوع دراستنا، فإن الأمر يقتضي منا بالضرورة بحث طبيعة تلك القرارات(المطلب الأول) من جهة، و بيان خصوصية الطعن فيها (المطلب الثاني)من جهة أخرى.

المطلب الأول: الجدل القائم حول طبيعة قرارات المحافظ العقاري

مما لا يعتريه ظل من الشك، أن المحافظ سلطة إدارية، فهو موظف معين بقرار من وزير الفلاحة، ويوجد على رأس مصلحة إدارية تقوم بنشاط المرفق العمومي الإداري.

غير أن طبيعة و تنوع القرارات التي يصدرها المحافظ (تحفيظ- تشطيب- إلغاء…)، جعلت البعض يصفه بكونه قاضي عقاري في النظام الإداري، بل هناك من ذهب أبعد من ذلك و اعتبره سلطة قضائية بالإضافة إلى سلطاته الإدارية.

هكذا وجب البحث في المعايير التي يتأسس عليها القرار الإداري، بحيث نجد المعيار المادي أو الموضوعي، وهو ذلك المعيار الذي يهتم بطبيعة القرار في حد ذاته وليس بمجرد مظهره الخارجي، بحيث ينصب على دراسة عناصره الداخلية مع الانكباب على الهدف المنشود منه، و هو إحداث أثر قانوني يتطابق إلى حد ما مع مصلحة الدولة[1]، و أمام عدم دقة هذا المعيار، فقد تم إقرار معيار  آخر شكلي، يأخذ بعين الاعتبار صفة صاحب القرار، حيث يتعين أن يصدر القرار الإداري عن الإدارة بصفتها سلطة عامة[2].

هكذا يقول الأستاذ “أحمد أجعون” في كتابه “المنازعات العقارية بين المحاكم العادية و المحاكم الإدارية”، الصادر سنة 2016، ص260، أن المحافظ ليس بقاضي كما أن أعماله لا تخضع للمعايير و الشروط المستوجبة في الأعمال القضائية.

هذا و قد لعب القضاء دورا أساسيا في تصنيف قرارات المحافظ العقاري في دائرة القرارات الإدارية، وبالتالي قبولها للطعن بالإلغاء، بحيث اعتبر المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- في إحدى قراراته، أنه تقبل قرارات المحافظ على الأملاك العقارية الطعن بالإلغاء بوصفه سلطة إدارية ما لم يرسم المشرع لها طريقا آخر للطعن[3].

هكذا فإن قيام المحافظ ببعض الأعمال>> شبه القضائية أو المساعدة للقضاء<< لا ينفي عنها طابعها الإداري اعتبارا للمعيار الشكلي(أو العضوي) الذي ينظر إلى مصدر القرار[4].

و عليه فإن اعتبار قرارات المحافظ العقاري قرارات إدارية يترتب عنه قابليتها للطعن بالإلغاء أمام المحاكم الإدارية، غير أن الملاحظ أن المشرع قد خص الطعن في قرارات المحافظ  بتنظيم فريد من نوعه .

الأمر الذي يستدعي التساؤل، ما هي الجهة القضائية المؤهلة للنظر في قرارات المحافظ بشأن رفض و إلغاء مطلبي التحفيظ و التعرض؟ و أين تظهر خصوصية الطعن فيها؟

المطلب الثاني: خصوصية الطعن في قرارات المحافظ بشأن رفض و إلغاء مطلبي التحفيظ و التعرض

لما كانت قرارات المحافظ العقاري ذات طابع إداري، فإنها تقبل بالتالي الطعن أمام القضاء الإداري، غير أن الملاحظ أن المشرع قد خص بعض قرارات المحافظ العقاري بدعوى موازية، وهي عبارة عن دعوى قضائية أخرى تمارس لدى جهة أخرى غير الجهة المألوفة لممارسة دعوى الإلغاء[5]. كل هذا يدعونا للتساؤل، أين تظهر خصوصية الطعن في قرارات المحافظ العقاري بشأن رفض و إلغاء مطلبي التحفيظ و التعرض ؟

لما كان الفصل 118 من الدستور المغربي ينص على قابلية جميع القرارات الإدارية للطعن أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة دون فتحه أية إمكانية للخروج عن هذه القاعدة الدستورية الأصلية، فإن جل القرارات ذات الطابع الإداري يمكن الطعن فيها، و كل مقتضى قانوني يخالف ذلك يجرنا للحديث عن عدم دستوريته.

هكذا فإن المادة 8 من القانون 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية، نصت على أنه” تختص المحاكم الإدارية… بالبث ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطة الإدارية بسبب تجاوز السلطة…”. وعليه تكون قرارات المحافظ العقاري باعتبارها قرارات إدارية، قابلة للطعن فيها أمام المحاكم الإدارية.

على أن ما يثير التساؤل، هو ما ورد في نص المادة 360 من قانون المسطرة المدنية، التي جاء فيها أنه: “…لا يقبل طلب الإلغاء الموجه ضد المقررات الإدارية إذا كان في استطاعة من يعنيهم الأمر المطالبة بحقوقهم لدى المحاكم العادية”. و هو نفس المقتضى الذي أكدت عليه المادة 23 من القانون 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية[6].

 أولا: الطعن في قرارات المحافظ بشأن رفض و إلغاء مطلب التحفيظ

بالاطلاع على مقتضيات القانون14.07 ظ.ت.ع فيما يتعلق بقرارات المحافظ بشأن مطلب التحفيظ، نجدها تتنوع بين رفض مطلب التحفيظ و إلغائه. الأمر الذي يجعلنا نتساءل، ما مدى قابلية قرارات المحافظ بشأن رفض مطلب التحفيظ و إلغائه للطعن ؟ وما هي الجهات المختصة بذلك؟

إن الفلسفة العامة التي سار على هديها مشرع قانون التحفيظ العقاري من خلال الإجراءات المنظمة لمسطرة التحفيظ، تدلنا على أن الإلغاء يعتبر وسيلة للضغط على طالب التحفيظ و حثه على العناية و الجدية لطلبه الرامي إلى التحفيظ، لذلك تتعدد حالات الإلغاء بتعدد التزامات طالب التحفيظ. أما رفض التحفيظ، فلا يعدو كونه آلية قانونية للتخلص من مطالب التحفيظ الفاقدة للصحة و المشروعية أو المفتقرة للحجج الكافية المثبتة لملكية الحق العيني لطالب التحفيظ[7].

إن المتأمل في مقتضيات الفصل 23 ظ.ت.ع يلحظ تعدد الحالات التي يتخذ فيها المحافظ قرار إلغاء مطلب التحفيظ، بحيث قد يتم تأسيسا على تغيب طالب التحفيظ في الموعد المقرر لإجراء التحديد أو عدم قيامه بما يلزم لإجرائه، أو بناءا على تعذر تحديد العقار بسبب النزاع، ناهيك عن إشارة المشرع في الفصل 50 من نفس القانون إلى إمكانية اتخاذ المحافظ العقاري لقرار إلغاء مطلب التحفيظ جزاءا للتماطل في المسطرة(مسطرة التحفيظ). لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا لسياق، ما مدى قابلية هذه القرارات(قرار رفض و إلغاء مطلب التحفيظ) للطعن أمام غياب إشارة المشرع لإمكانية الطعن فيها؟ ومن هي الجهة المختصة بذلك؟

إجابة عن هذا التساؤل، فإنه بخصوص إمكانية الطعن في قرار إلغاء مطلب التحفيظ قد انقسم الفقه إلى اتجاهان، الأول: يعتبر أن قرارات إلغاء مطلب التحفيظ غير محصنة ضد الطعن القضائي، لأن الأصل أن جميع قرارات المحافظ العقاري قابلة للطعن الإداري أو القضائي إلى ما استثني بنص خاص[8]، بينما الثاني يرى عدم قابلية قرار إلغاء المطالب للطعن القضائي إلى كون سكوت المشرع عن الخوض في هذه المسألة يفهم منه استبعاد هذه الطائفة من القرارات من دائرة الطعن[9].

أما فيما يخص الجهة القضائية المختصة بالنظر في قرار إلغاء مطلب التحفيظ، فإن العمل القضائي قد استقر على أن الطعن في قرارات المحافظ العقاري تحكمه قاعدة و استثناء، فالقاعدة هي أن جميع قرارات المحافظ يجوز الطعن فيها أمام القضاء الإداري، أما الاستثناء فهو ما ورد عليه النص في الفصلين 37 مكرر و 96 و فصول أخرى من قانون التحفيظ العقاري، و هذا ما جرى عليه العمل القضائي على مستوى محاكم الموضوع و محكمة النقض[10]، بحيث يكون الطعن في هذه القرارات استثناءا أمام القضاء العادي.

أما فيما يخص قرارات المحافظ بشأن رفض مطلب التحفيظ، فإنه بالعودة لمقتضيات القانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري نجد أنه يكتسي خصوصية في الطعن فيه، بحيث ينعقد الاختصاص في ذلك للمحكمة الابتدائية طبقا لنص المادة 37 مكرر منه، و التي جاء فيها أنه:” يجب على المحافظ على الأملاك العقارية في جميع الحالات التي يرفض فيها طلبا للتحفيظ… يكون هذا القرار قابلا للطعن أمام المحكمة الابتدائية التي تبث فيه مع الحق في الاستئناف و تكون القرارات الاستئنافية قابلة للطعن بالنقض”، و بذلك نلاحظ عدم إشارة المشرع لإمكانية الطعن بالتعرض و باقي طرق الطعن الأخرى في قرارات المحافظ بشأن رفض مطلب التحفيظ، و بذلك يكون قد استثنى امكانية  استعمالها.

وهو ما يتلاءم و مقتضيات المادة 109 ظ.ت.ع، التي جاء فيها أنه” لا تقبل الأحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري الطعن إلا بالاستئناف و النقض”، بحيث يتضح من خلال قراءة هذه الفقرة، حصر المشرع ضمنيا إمكانية الطعن في الأحكام الصادرة في المادة العقارية، على الطعن بالاستئناف و النقض فقط.

ثانيا: الطعن في قرارات المحافظ بشأن رفض و إلغاء مطلب التعرض

بالعودة إلى مقتضيات القانون 14.07، نجد أن الطعن في قرارات المحافظ بشأن مطلب التعرض، يتخذ شكلان هما: الطعن في قرار المحافظ بشأن رفض مطلب التعرض و إلغائه.

فبالرجوع لنص المادة 29 ظ.ت.ع نجد أنه: “يكون قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي”، و عليه فإذا كانت المادة السالفة الذكر قد أشارت صراحة لعدم قابلية قرار المحافظ بشأن رفض التعرض لأي طعن قضائي، فإنه و بمفهوم المخالفة قد تركت هناك إمكانية للطعن فيه أمام السلطة الإدارية التي تعلو عليه، ونخص بالذكر المحافظ العام على الأملاك العقارية.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن المشرع لما أقر في نص المادة 29 ظ.ت.ع عدم قابلية قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض للطعن القضائي، فإنه لم يميز بين ما إذا كان الأمر يتعلق برفض مطلب التعرض العادي أم التعرض الاستثنائي، على أننا نرجح كون المقصود في ذلك هو التعرض الاستثنائي فقط، و نزكي ذلك بأنه من غير العادل المساواة بين التعرض العادي و التعرض الاستثنائي، فإذا كان الأول يقدم داخل الأجل القانوني المخصص له و بالتالي لا يبقى للمحافظ العقاري إلا أن يقبله، إذ لا سلطة له في ذلك باستثناء تقديره لجدية ذلك التعرض، فإن الثاني على العكس من ذلك يقدم خارج الأجل القانوني، بحيث تبقى للمحافظ العقاري كامل سلطة التقديرية في قبوله أو رفضه. فضلا عن ذلك فإن المشرع لما تحدث عن عدم إمكانية قرار المحافظ العقاري بشأن رفض التعرض  للطعن القضائي، فإن ذلك كان بمناسبة حديثه عن التعرض الاستثنائي ليس إلا، و بالتالي لا مجال للقول بتطبيق نفس الحكم القاضي بعدم القابلية للطعن القضائي على قرار المحافظ بشأن رفض التعرض العادي.

و قد يقول قائل بأن المشرع لم يبين مدى إمكانية الطعن في قرار المحافظ بشأن رفض التعرض العادي، و عليه فإنه يخضع لنفس أحكام الطعن في قرار رفض التعرض الاستثنائي، هنا نؤكد بأن عدم تصريح المشرع المغربي بقابلية قرار المحافظ العقاري بشأن رفض التعرض العادي لا ينبغي أن يفهم منه ذلك، ما دام الأصل ان جل القرارات الإدارية قابلة للطعن ما لم يقتضي القانون خلاف ذلك.

أيضا فإن المشرع لما أتاح للمحافظ العقاري بموجب المادة 32 ظ.ت.ع إمكانية اتخاذ قرار إلغاء مطلب التعرض متى تحققت دواعي ذلك، فإنه لم يبين مدى إمكانية الطعن في ذلك القرار، هنا نعيد التأكيد على ما سبق لنا توضيحه، بأن عدم إشارة المشرع لإمكانية الطعن في بعض قرارات المحافظ العقاري لا ينبغي أن يفهم منها عدم قابليتها لأي طعن، ما دام الأصل جواز الطعن في كافة القرارات الإدارية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك[11]، وهو نفس التوجه الذي سلكه بعض الفقه بأن هذا القرار ليس هناك ما يستثنيه من الخضوع لدعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة إذا أثبت المتضرر ذلك[12].

 

 

 

 

[1] – المهدي الوافي، رقابة القضاء لقرارات المحافظ على الأملاك العقارية، بحث نهاية التكوين، المعهد العالي للقضاء، سنة 2015-2017، ص 123.

[2] – المهدي الوافي، نفس المرجع، ص 124.

[3] – قرار المجلس الأعلى بتاريخ 2005/10/19 تحت عدد 739 في الملف عدد 05/2372، أورده المهدي الوافي، نفس المرجع، ص 125.

[4] -أحمد أجعون، نفس المرجع، ص 261.

[5] – عبد الله حداد، القضاء الإداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية، مطابع منشورات عكاظ، الرباط، 1994، ص92 وما بعدها.

[6]– التي جاء في فقرتها الأخيرة، أنه: ” لا يقبل الطلب الهادف إلى إلغاء قرارات إدارية إذا كان في وسع المعنيين بالأمر أن يطالبوا بما يدعونه من حقوق بطريق الطعن العادي أمام القضاء الشامل”.

 

[7] – عبد الإله المرابط، مقال تحت عنوان “التمييز بين رفض التحفيظ و إلغاء المطالب في قانون التحفيظ العقاري”، منشور بمجلة الحقوق، سلسلة” الأنظمة و المنازعات العقارية، نظام التحفيظ العقاري في ضوء القانون رقم 14.07، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2012،ص

[8] – محمد ابن الحاج السلمي، سياسة التحفيظ العقاري في المغرب بين الإشهار العقاري و التخطيط الإجتماعي- الإقتصادي، رسالة السلك العالي للمدرسة الوطنية للإدارة العمومية، السنة الجامعية 1977- 1978، ص113.

[9] – أحمد الشحيتي، قرارات المحافظ على الملكية العقارية بين القابلية و عدم القابلية للطعن، مجلة التحفيظ العقاري، العدد السابع، يناير 2000، ص83.

[10] – عبد الإله المرابط، نفس المرجع، ص 83.

 

[11] – فبالرجوع لمقتضيات المادة 8 من القانون 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية نجدها تمنح الإختصاص للمحكمة الإدارية للبث ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة. هذا و قد استثنت المادة 9 من نفس القانون إمكانية الطعن في المقررات التنظيمية و الفردية الصادرة عنالوزير الأول و قرارات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الإختصاص المحلي لمحكمة إدارية، بحيث جعلت محكمة النقض هي المختصة بشأن البث إبتدائيا و إنتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بهذه الأخيرة. وعليه فإن المحافظ العقاري بإعتباره سلطة إدارية تكون قراراته بشأن إلغاء التعرضات قابلة للطعن فيها أمام القضاء الإداري، ما دام أنه لا وجود لنص خاص يعارض ذلك.

[12] – أحمد أجعون، مرجع سابق، ص268.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى