بحوث قانونيةمقالات قانونية

بعض ملامح نظام ضمان الودائع المصرفية في القانون الجزائري

الأستاذ: فرحي محمد

باحث دكتوراه في القانون الخاص

أستاذ متعاقد بالملحقة الجامعية مغنية، جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان

إطار بالمؤسسة الاستشفائية الجامعية الأم والطفل تلمسان

الإيداع النقدي في المجال المصرفي عقد يضع بموجبه الزبون مبلغا نقديا لدى البنك، ويترتب على هذا العقد – الذي يخول البنك ملكية النقود المودعة لديه وحرية التصرف فيها لحسابه الخاص- التزامُ البنك بردِّ القدر العددي للنقود المودعة لديه في الميعاد المحدد حسب الاتفاق، والذي قد يكون عند الطلب أو بعد أجل معين أو بشرط إخطار سابق.

ولمّا كان البنك يلعب دور الوسيط من خلال إعادة ضخ الأموال المتلقاة من الجمهور في العجلة الاقتصادية عن طريق عمليات الائتمان المتنوعة الصور فيتحصل بذلك على أرباحه، فإن أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو البحث عن الدافع الذي يجعل المودعين يقبلون على البنك بأموالهم رغم ما قد يحيط بالعملية من خطر يهدد أموالهم؟

ومع ذلك وفي ظل تعدد الغايات بالنسبة لأطراف العقد، فإن الأكيد تعدد الضمانات القانونية بالنسبة للمودعين، منها ما يمكن وصفها بالضمنية والمتمثلة على سبيل المثال في الشروط الواجب توافرها في مؤسسي البنوك والمسيرين، وكذا الإجراءات الخاصة التي تتطلبها عملية إنشاء البنوك، بالإضافة إلى شرط رأس المال الأدنى الواجب توافره لممارسة هذا النشاط .

ورغم أهمية ودور هذه الشروط في ضمان الاستقرار في النظام المصرفي قد يحدث في كنف الاقتصاد الحر، أن يتعرض بنك أو مجموعة بنوك لأزمات مالية من شأنها أن تعرض ودائع الزبائن لخطر الضياع.

وتفاديا لهذا الوضع، حرص المشرع على غرار عديد التشريعات المقارنة على إحداث نظام يُمكّن المودعين من استرداد أموالهم أو على الأقل جزء منها،  وذلك بتوفر شروط معنية؛ فما هو أصل ومضمون هذا النظام؟ وعلى أي أساس يتدخل لتعويض المودعين؟

 

 

المبحث الأول

         مضمون و نشأة نظام ضمان الودائع المصرفية

    رغم كون الوديعة النقدية من أهم صور العقود المصرفية إن لم نقل عمادها، إلا أن البحث عن سبل لحماية المودعين لم يكن مواكبا لهذا التقدم، وهذا ما سنوضحه من خلال التطرق للتجارب الأولى لهذا النظام لدى بعض التشريعات المقارنة، ثم المراحل التي مرّ بها في الجرائر:


المطلب الأول

التطور التاريخي لنظام ضمان الودائع المصرفية لدى بعض التشريعات المقارنة

قبل الخوض في الأصل التاريخي لأنظمة ضمان الودائع المصرفية لابدّ من إعطاء تعريف لهذه الآلية:

الفرع الأول: تعريف نظام ضمان الودائع المصرفية

نظام ضمان الودائع المصرفية رغم تعدد مسمياته في التشريعات المقارنة، يعتبر جزءً من منهج الإصلاحات المصرفية المتولدة عن الأزمات التي هزت أركان بعض الأنظمة المصرفية. وبالموازاة مع هذا التنوع في الأسماء، تختلف هذه الأنظمة من دولة إلى أخرى في عدة نقاط لاسيما ما تعلق بالهدف من وجودها؛ حيث تنشئ في بعض الأنظمة بغرض حماية صغار المودعين، على اعتبارهم قليلي أو عديمي الدراية بالشأن المصرفي؛ في حين تسعى دول أخرى من وراء إقرار هذا النظام إلى حماية البنوكـ، وبالتالي حماية النظام المصرفي ككل.

كما يوجد اختلاف من حيث قيمة التعويض الممنوح من قبل صندوق الضمان بحيث يشمل نسبة معينة من المبلغ المودع، أو في حدود سقف معين لا يمكن تجاوزه مهما كانت قيمة الأموال المودعة؛ وقد يغطي الضمان المبالغ المودعة بنسبة مائة بالمائة ( 100 %)، وهو ما تأخذ به النرويج مثلاً. بالإضافة إلى اختلافات أخرى تتمثل أساسا في الهيئة المخولة بإنشاء هذه الأنظمة، حرية الانضمام إليها ومصادر تمويلها، وعملة الوفاء…إلخ.

وينصرف مفهوم آلية الضمان إلى حماية ودائع الزبائن وتعويضهم كليا أو جزئيا من خلال مساهمات البنوك المشتركة في صندوق ضمان الودائع إذا ما تعرضت هذه الودائع للخطر نتيجة تعثر البنك المودعة لديه وتوقفه عن الدفع.

الفرع الثاني: بروز معالم نظام الضمان لدى بعض التشريعات المقارنة

تعود البدايات الأولى لنظام ضمان الودائع البنكية إلى سنة 1829 في ولاية نيويورك بالولايات الأمريكية المتحدة لتنتشر في عدة ولايات أخرى. لكن ومع نهاية القرن التاسع عشر، ونتيجة لعدم الاستقرار الاقتصادي الناجم عن الحروب ورداءة المواسم الزراعية، وما انجرّ عنه من أداء سلبي للبنوك وبالتالي إفلاس أغلبها، ما أفرز بالضرورة إرهاق لكاهل أنظمة التعويض عن الودائع ما أدى إلى أُفول جزء كبير منها.

وإذا كان واقع الولايات الأمريكية المتحدة أنها أول دولة اعتمدت أنظمة لضمان الودائع المصرفية على مستوى بعض الولايات، فإن أول دولة تبنته هي تشيكوسلوفاكيا – سابقا- سنة 1924، وذلك من خلال إنشاء صندوقين؛ أولهما صندوق الضمان الخاص الذي يتولى مساعدة البنوك على استعادة الخسائر الناجمة عن الحرب العالمية الأولى، أما الثاني فهو صندوق الضمان العام ويعمل على المساعدة في تشجيع وزيادة الادخار. تلا هذه التجربة تبني أنظمة مشابهة من قبل بعض الدول على غرار تركيا سنة 1960، والذي أطلق عليه” صندوق تصفية المصارف”، ثمّ ألمانيا عام 1974، فبريطانيا سنة 1979، وفرنسا عام 1985….إلخ.

أما بالنسبة للدول العربية فيعود السبقُ في اعتماد هذا النظام للبنان من خلال إنشاء مؤسسة وطنية لضمان الودائع عام 1966، لتليها تشريعات أخرى على غرار البحرين سنة 1993 من خلال هيئة أطلق عليها اسم “مجلس حماية الودائع”، ثم السودان عام 1996…إلخ، مع الإشارة إلى وجود مشاريع قيد الدراسة في دول أخرى قصد اعتماد أنظمة مشابهة.

من خلال هذا العرض الموجز للتطور التاريخي لأنظمة ضمان الودائع المصرفية، يتضح جليا أنها أنظمة حديثة النشأة إذا ما قورنت بأقدمية وأصالة المنظومات المصرفية في هذه الدول، وخاصة العمليات التي تقوم بها، لاسيما المتعلقة بقبول ودائع الجمهور.

كما أن خروج هذه الأنظمة لحيز الوجود – رغم تعدد مسمياتها- جاء في أغلب الحالات كنتيجة حتمية لظاهرة إفلاس البنوك التجارية وما يتبعها من حالة هرع في البيئة المصرفية في هذه البلدان، أو مخافة الوقوع في حالات تعثر تعيق عملية إعادة الأموال المودعة لأصحابها.

المطلب الثاني

نظام ضمان الودائع المصرفية في القانون الجزائري

بالنسبة للجزائر وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة التي اعتمدت أنظمة لضمان ودائع الجمهور، يعتبر هذا الأخير حديث النشأة، فأول إقرار له كان بموجب المادة 170 من القانون 90-10 المؤرخ في 14 أبريل 1990 المتعلق بالنقد والقرضالملغى، ثم جاء ليؤكد على تبني هذا النهج من خلال المادة 118 من الأمر 03-11 الصادر بتاريخ 26 أوت 2003 المتضمن قانون النقد والقرض، المعدل والمتمم، مع الإشارة إلى وجود بعض التعديلات:

الفرع الأول: نظام ضمان الودائع البنكية على ضوء القانون 90-10 المتعلق بالنقد والقرض

تنصُّ المادة 170 من القانون 90-10 على تبني نظام لضمان الودائع البنكية وذلك في شكل شركة مساهمة ضمان الودائع المصرفية، تُلزم البنوك وفروع البنوك الأجنبية العاملة في الجزائر بالاكتتاب في رأس مالها، وذلك بالعملة الوطنية وجوبا، على أن يخول للبنك المركزي الاضطلاع بدور المؤسس الوحيد لهذه الشركة، دون أن يكتتب أسهما في رأس مالها. وفضلا عن الأسهم التي تحوزها البنوك المنخرطة في شركة ضمان الودائع، فإنها تُلزم بدفع منحة ضمان سنوية قدرها اثنان بالمائة (2%) على الأكثر من مبلغ ودائعها بالعملة الوطنية. على أن يُحدد هذه النسبة مجلس النقد والقرض سنويا، وذلك بحكم صلاحياته في هذا المجال.

وتضاف إلى هذه الموارد المالية منحة تدفعها الخزينة العمومية طبقا للإجراءات المالية المعمول بها في شركة ضمان الودائع البنكية، تكون قيمتها مساوية للمبلغ المدفوع من قبل البنوك المنخرطة. وبدلالة المادة 170 فقرة 09 من القانون 90-10 فإن هذا النظام يشكل ضمانة ذات مصلحة عمومية.

الفرع الثاني: تفعيل نظام ضمان الودائع البنكية بعد أزمة البنوك الخاصة

حاول مجلس النقد والقرض من خلال إصدار النظام رقم 97-04 المتعلق بنظام حماية الودائع البنكية رسم أهم المعالم الأساسية لهذه الآلية، ومع ذلك فقد ظل تفعيل مضمون المادة 170 من القانون 90-10 ومحتوى النظام رقم 97-04 المكمّل لها مجمدًا.

لكن وبعد حوالي ثلاثة عشر (13) سنة من صدور القانون 90-10، وبعد توالي حادثتي إفلاس بنك الخليفة، ثم البنك الصناعي والتجاري تمَّ إحداث صندوق لضمان الودائع البنكية في ماي 2003 أوكلت مهمة تسييره لشركة مساهمة أُسست لهذا الغرض من قبل البنك المركزي، هي شركة ضمان الودائع البنكية.

وبعد مدة ليست بالطويلة من تاريخ تفعيل صندوق الضمان تمّ إصدار الأمر 03-11 المتعلق بالنقد والقرض المعدل والمتمم، – والذي كما سبقت الإشارة – أكّد على تبني هذا النظام. لكن الملاحظ أنّ نص المادة 118 منه لا تعتبر مجرد إعادة صياغة حرفية لنص المادة 170 من القانون 90-10 الملغى، بل تجلت فيها بوضوح بعض مظاهر التّغير منها على سبيل المثال:

  1. بالنسبة لصياغة المادتين 170 من القانون 90-10 و118 من الأمر 03-11 المعدل والمتمم: يلاحظ استعمال عبارة ” شركة ضمان الودائع” في المادة الأولى، والاكتفاء بالمقابل بعبارة “صندوق ضمان الودائع” في المادة الثانية، بحيث يجب الرجوع بخصوص هذه الأخيرة للنظام رقم 04-03 ، لينصَّ بدوره بأن مهمة تسير هذا الصندوق توكل لشركة مساهمة.

وما يمكن قوله في هذا الشأن استحسان الصياغة الحالية على أساس أن هذا النظام يقوم على إنشاء صندوق ضمان توكل مهمة تسييره لشركة مساهمة.

  1. بالنسبة لمساهمة البنوك في تمويل صندوق الضمان: يمكن القول أن هذه المساهمة كانت محل تعديل نحو التخفيض في نسبتها، بحيث نص القانون الملغى على نسبة قدرها اثنين بالمائة (2%) على الأكثر من مبلغ ودائع البنك بالعملة الوطنية، على أن يتولى مجلس النقد والقرض بحكم صلاحياته في هذا المجال تحديد هذه النسبة سنويا. في حين حُدِّد هذا المبلغ بنسبة واحد بالمائة (%1) من إجمالي الودائع بالنسبة للقانون الساري المفعول.

3- مساهمة الخزينة العمومية في تمويل صندوق الضمان: فبعد أن نصت صراحة المادة 170 فقرة 9 من القانون رقم 90-10، على ضرورة مساهمة الخزينة العمومية في تمويل الصندوق من خلال منحة تدفعها طبقا للإجراءات المالية المعمول بها في شركة ضمان الودائع، على أن يكون مبلغ هذه المنحة مساوِ لمبلغ المنحة المقدمة من قبل البنوك مجتمعة، يلاحظ عدم التطرق لهذه المساهمة من خلال المادة 118 من الأمر رقم 03-11، المعدل والمتمم، ما يعني إعفاء الخزينة العمومية من هذا الالتزام. والذي يعتبر في الحقيقة مورد مالي مهم من شأنه أن يعزز ملاءة الصندوق، وبالتالي إمكانية التصدي للتعثرات المالية للبنوك، خاصة في حال كونها متزامنة.

4- العملات محل التعويض: في هذا الخصوص تنصُّ المادة 170 فقرة 06 من القانون الملغى صراحة أن الودائع التي يشملها نظام الضمان وبالتالي التي تكون محل تعويض هي المبالغ المودعة بالعملة الوطنية، على الرغم من النص في الفقرة 05 من نفس المادة على اعتبار جميع الودائع العائدة لنفس الشخص لدى بنك معين بمثابة وديعة واحدة ولو تمّ الإيداع بعملات مختلفة.

ومن خلال استقراء المادة 118 من الأمر رقم 03-11 المتعلق بالنقد والقرض المعدل والمتمم، يلاحظ تحاشي الخوض في مثل هذا الحكم، ما يستنتج منه شمول نظام التعويض للأموال المودعة والعائدة للشخص الواحد لدى نفس البنك وإن تعددت عملات هذه الودائع، وذلك في حدود سقف معين. ما يمكن أن يُحسب – في حدود- في إيجابيات التعديل من باب أنه يعطي ضمانات أكبر للمودعين، ويسمح بإدخال العملات الأجنبية لاسيما الصعبة منها في دائرة النشاط البنكي، وما يستتبع ذلك من إيجابيات على الاقتصاد الوطني ككل.

المبحث الثاني

مجال تدخل شركة ضمان الودائع المصرفية وإجراءات تعويض المودعين

يعتبر نظام ضمان الودائع البنكية تجسيد لمبدأ التضامن والتعاون بين البنوك التجارية، بغية ضمان حقوق المودعين لدى أحدها في حال تعرضه لحالة التوقف عن الدفع. ما يعني أن هدف هذه الآلية يتمثل في تعزيز الثقة في النظام المصرفي عن طريق وضع إطار قانوني لحل مشكلات البنوك المتعثرة، كما يساهم من ناحية أخرى في زيادة المنافسة بين البنوك خاصة الصغيرة منها وحديثة النشأة. أي أن المشرع حددّ لهذا النظام مجال معين قصد التدخل لتحقيق الأهداف المرجوة وذلك وفق إجراءات خاصة.

 

 

المطلب الأول

    مجال تدخل شركة ضمان الودائع المصرفية

بالاستناد إلى معيار الدور الموكل لمؤسسات تأمين الودائع المصرفية يمكن تقسيمها إلى نوعين، بحيث تعتمد بعض الدول ما يعرف بأنظمة ضمان وقائية، في حين تتبنى دول أخرى أنظمة ضمان علاجية.

الفرع الأول: الدور الوقائي لأنظمة ضمان الودائع المصرفية

تتدخل أنظمة ضمان الودائع البنكية في هذه الحالة ليمتدّ دورها إلى ممارسة نوع من الرقابة على البنوك المعنية، كإجراء تحريات على حسابات البنك، دراسة الوضع المالي للبنك، والمشاكل والتهديدات التي قد تواجهه، ما يتبعه بالضرورة إمكانية تقديم بعض التوجيهات والإرشادات، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى حد تمويل البنك المعني.

الفرع الثاني: الدور العلاجي لأنظمة الضمان

على خلاف النوع الأول، تتبنى بعض الدولنظام تأمين للودائع المصرفية يقوم على أساس عدم التدخل في شؤون النظام المصرفي في الحالات العادية. ما يعني أنّ مهمة الرقابة والإشراف في ظل هذه الأنظمة توكل لأجهزة معينة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يبقى تدخل شركات أو صناديق الضمان مقرون بحالة وقوع البنك في حالة عدم القدرة على دفع الودائع المستحقة لأصحابها.

وعلى هذا النهج سار المشرع، بحيث تنصُّ المادة 118 فقرة 5 من الأمر رقم 03-11، المتعلق بالنقد والقرض، المعدّل والمتمّم بأنه:” لا يمكن استعمال هذا الضمان إلا في حالة توقف البنك عن الدفع”. وهذا ما تؤكده المادة 13 فقرة 01 من النظام رقم 04-03 المتعلق بضمان الودائع المصرفية.

ويبقى الأخذ بأحد النمطين مقترن بطبيعة وخاصية النظام المصرفي لكل بلد. ورغم أن لكلا النظامين مساوئ ومحاسن، فإنه بالنسبة للنظام الثاني يبقى أهم ما يحسب في خانة سلبياته – كنظام- هو تركيزه على غاية واحدة هي تعويض المودعين – حسب الطريقة المقررة في كل دولة – دون الاهتمام بمحاولة إنقاذ البنك المتعثر، ومنه بالضرورة الاستقرار المنشود في النظام المصرفي .

المطلب الثاني

إجـــــــــــــراءات تعويـــــــــض المودعين

حال المشرع الجزائري أنه أخذ بنظام الضمان العلاجي، وهذا ما يجعل تدخل شركة الضمان مرتبط بحالة توقف البنك عن الدفع، على أن يتم هذا التعويض لأشخاص معينة، وفق إجراءات محددة.

 

 

 

الفرع الأول: الإجراءات المتبعة لتقديم التعويض

مباشرة إجراءات تعويض المودعين مقترنة بشرط عدم توفر ودائع الزبائن لدى بنك مساهم في صندوق الضمان، أي وصول البنك إلى حالة التوقف عن الدفع.

هذه الوضعية عرّفتها المادة 13 من النظام رقم 04-03 – أي في إطار القانون المصرفي- بأنها الحالة التي يصبح فيها البنك المعني عاجزا عن دفع ودائع مستحقة وذلك لأسباب مرتبطة بوضعيته المالية، والتي تختص اللجنة المصرفية بالإطلاع عليها بمراقبة نسب ومعدلات قواعد الحذر.
أما من الناحية الفقهية فهي حالة استحالة مواجهة الديون أو الخصوم المستحقة على شركة من خلال الأصول المتواجدة بحوزتها.

وقد اعتمد الفقه الفرنسي في محاولة لتحديد المقصود بحالة التوقف عن الدفع على معيارين، أولهما حالة عدم الالتزام باحترام النسب الاحتياطية، أما الثاني فيكمن في استحالة وجود مصادر تمويل في الساحة المصرفية، أي من باقي البنوك، ما يجعل البنك المعني في وضعية صعبة. كما ذهب بعض الشُّراح إلى تحديدها في فترة رفض البنك المركزي منح القروض لفائدة البنك المتعثر.

وبخصوص مباشرة الإجراءات، فإنه يقع على عاتق اللجنة المصرفية، وذلك في ما عدا حالة قيام إجراء خاص بتسوية قضائية أو إفلاس ضرورة التصريح بعدم توفر الودائع في أجل أقصاه واحد وعشرون (21) يومًا، بعد أن تكون قد أثبتت بأن البنك لم يدفع وديعة مستحقة لأسباب قد ترتبط بوضعيته المالية. على أن تتولى اللجنة المصرفية إشعار شركة ضمان الودائع المصرفية بمعاينة عدم توفر الودائع.

كما يتولى البنك المعني تبليغ مودعيه فورًا ودون أي تأخير عن طريق رسالة موصى عليها بالوضعية التي آلَ إليها، أي عدم توفر ودائعهم ، بالإضافة إلى توضيح الإجراءات الواجب عليهم إتباعها، والوثائق المثبتة لحقوقهم، والتي يتعين عليهم تقديمها لشركة الضمان قصد الاستفادة من التعويض المقدم من طرفها. بعد ذلك تتكفل شركة ضمان الودائع المصرفية بمراجعة مستحقات المودعين المدرجة في حالة الودائع غير المتوفرة، وتعمدُ على دفعها لأصحابها في أجل أقصاه ستة (6) أشهر ابتداءً من تصريح اللجنة المصرفية بعدم توفر الودائع، أو في حالة غياب هذا التصريح اعتبارًا من تاريخ حكم المحكمة المختصة إقليميا بالإفلاس أو التسوية القضائية. مع الإشارة إلى إمكانية تجديد هذا الأجل- أي ستة (6) أشهر إضافية – من طرف اللجنة المصرفية متى وجدت لذلك مبررات جدية.

 

 


الفرع الثاني: مميزات التعويض الممنوح للمودعين

باستيفاء الإجراءات المشار إليها أعلاه تقدم شركة الضمان التعويض للمودع كقاعدة عامة وذلك في حدود سقف معين:

1- المستفيد من التعويض: حددت المادتين الرابعة والخامسة من النظام رقم 04-03 على التوالي الأموال المشمولة والمستثناة من نظام الضمان، على أن يستفيد من هذا الضمان كقاعدة عامة صاحب الوديعة، وهذا بدلالة المادة 10 من النظام رقم 04-03، على اعتبار أن جل الحسابات البنكية يتم فتحها من قبل أصحابها الذين يتولون إيداع أموالهم فيها.

وقد يكون للمودع الواحد ودائع متعددة لدى نفس البنك وإن كانت مودعة في شبابيك مختلفة تابعة له، ومهما اختلفت العملات التي تمّ بها الإيداع فإن مجمل هذه الودائع تأخذ مفهوم الوديعة الوحيدة. أما إذا تجاوز مجموع المبالغ المستحقة على المودع مجموع وديعته، فإن هذا الأخير أي المودع، يبقى مدينا بهذا الرصيد للبنك، طبقا للشروط التي ينصّ عليها التشريع الساري المفعول.

وطالما رخّص المشرع بفتح حسابات لدى البنوك بصفة فردية أو جماعية، مع تفاوض أو بدونه أو شائعة، فإنه في حالة الحساب المشترك بين شخصين أو أكثر فإن الحساب يوزع بالتساوي بين الشركاء المودعين، ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك.

كما قد يتم الإيداع في حساب من طرف شخص ليس بصاحب الحق في الأموال المودعة، فإن صاحب الحق هو المستفيد من الضمان شرط أن يتم التعرف على هويته، أو يمكنه الإطلاع عليها قبل معاينة عدم توفر الودائع.

كما يجب أن تراعى في حالة تعدد ذوي الحقوق الحصة العائدة لكل واحد منهم طبقا لما تقضي به الأحكام القانونية في هذا المجال، وكذا الأحكام المنظمة لسير المبالغ المودعة.

2- قيمة التعويض الممنوح: رغم تعدد الطرق التي يجب على أساسها دفع مبلغ التعويض، أخذ المشرع بطريقة تحديد سقف أقصى للتعويض، وذلك في حدود ستة مائة ألف دينار جزائري (600000دج). بمعنى أن صاحب الوديعة التي يقل أو يساوي مقدارها السقف المحدد يتحصل على تعويض كلي أي عن كامل مبلغ الوديعة. أما إذا تعلق الأمر بوديعة يفوق مقدارها السقف المذكور أعلاه، فإن التعويض يكون فقط في حدود الحد الأقصى أي 600000 دج. وهنا يكون المشرع قد ساوى في الضمان بين وديعة مقدارها يساوي 600000دج وبين وديعة قد تتجاوزها بعشرات المرات أو تفوق.

3- العملة المتعمدة في منح التعويض: رغم أنّ المشرع قد أقحم الودائع بالعملة الصعبة في مفهوم الودائع القابلة للتعويض من قبل صندوق الضمان، إلا أن التعويض يكون وجوبا بالعملة الوطنية.

الخاتمة:

دخل النظام المصرفي الجزائري عهده الجديد منذ عقدين ونيف من الزمن، ولم يسجل سوى إفلاس بنكين في بداية العقد السابق. هذا الوضع يدعو للتفاؤل بمستقبل المنظومة لمصرفية. لكن في الحقيقة يبقى ذلك مرهون ببذل المزيد من الجهود في المجال التشريعي و التنظيمي لاسيما بخصوص الدور المنوط بصندوق ضمان الودائع المصرفية بوصفه صمام أمان لهذا النظام، ولن يتأت ذلك إلا من خلال الاستئناس بالتجارب الناجحة للدول في هذا المجال.

وإذا كان الملاحظ بخصوص التجربة الجزائرية- الحديثة نسبيا – تراجع مصادر تمويل صندوق الضمان، بحيث سجلت المادة 118 فقرة 3 من الأمر 03-11، انخفاض في النسبة الواجب على البنوك المُساهمة دفعها، بالإضافة إلى سكوت النص عن مساهمة الخزينة العمومية في عملية التمويل، على اعتبار أن هذا الضمان ذو مصلحة عامة كما كان مقرراً في إطار القانون 90-10 .

ومن ناحية أخرى، عدم شمول نظام الضمان لكل البنوك الناشطة في الحقل المصرفي بالإضافة للعمل بتعليمة الحكومة الرامية إلى إلزام المؤسسات العمومية بفتح حساباتها وإيداع أموالها لدى البنوك العمومية وهذا منذ الفاتح سبتمبر 2004. هذه المعطيات من شأنها أن تؤثر على التطور المنشود لهذا القطاع.

وإذا كان للتعليمة الحكومية المشار إليها، الأسباب الموضوعية الكافية لإصدارها في تلك الحقبة، يبقى أن الأوضاع الراهنة تقتضى ضرورة إعادة التفكير في سبل كفيلة بضمان حقوق المودعين من جهة وحماية مبدأ المنافسة بين البنوك من جهة ثانية؛ ما يعني بالضرورة ضمان استمرارية البنوك واستقرارها.

 

 

 

 

قائمة المراجع المستعملة:

أولاً: المراجع باللغة العربية:

1 عبد الحميد الشواربي، عمليات البنوك في ضوء الفقه، القضاء والتشريع وصيغ العقود والدعاوى التجارية وفقا لقانون التجارة رقم 17 لسنة 1999، منشأة المعارف، مصر، 2006.

2 بريش عبد القادر، أهمية ودور نظام التأمين على الودائع – مع إشارة إلى حالة الجزائر- ملتقى المنظومة المصرفية الجزائرية والتحولات الاقتصادية- واقع وتحديات.

3 بن علي بلعزوز، مداخل مبتكرة لحل مشاكل التعثر المصرفي: نظام حماية الودائع و الحوكمة، مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا، العدد05.

4 محمد إلفي، دور حماية الودائع في سلامة واستقرار النظام المصرفي –حالة الجزائر-،مذكرة ماجستير، قسم العلوم الاقتصادية، جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، 2004-2005.

5 حوحش أمينة، آليات معاجلة العجز البنكي في القانون الجزائري، مذكرة ماجستير في الحقوق، كلية الحقوق، بن عكنون، الجزائر.

ثانياً: المراجع باللغة الفرنسية:

  1. Kamel CHEHRIT, Guide techniques et pratiques bancaires, financières, et boursières, éditions G. A. L. (ex. M. L. P) 2003, Alger.
  2. Mansour Mansour, Systèmes et pratiques bancaires en Algérie, éditions Houma, 2006, Alger.
  3. G . RIPERT et R.ROBLOT par PH. Delebeque et M. Germain, Traite de droit commercial, Tome 2, 17eme édition, H.G.D.J., 2004.
  4. Nussembau MAURICE, La cessation de paiement des banques, revue de droit bancaire et bourse, N°55, MAI. GUIN 1996.

ثالثاً: القوانين والأنظمة:

  1. القانون 90-10 المؤرخ في 14 أبريل 1990 المتعلق بالنقد والقرض، المعدّل والمتمم، (ج. ر العدد 16، المؤرخ في 18 أبريل 1990) الملغى.

  2. الأمر 03-11 المؤرخ في 26 أوت 2003 المتعلق بالنقد والقرض، المعدل والمتمم،(ج. ر العدد 52 المؤرخ في 27 أوت 2003).
  3. النظام رقم 90-01 المؤرخ في 04 جويلية 1990، المتعلق بالحد الأدنى لرأسمال البنوك والمؤسسات المالية العاملة في الجزائر، (ج. ر العدد 39 المؤرخ في 21 أوت 1991)، الملغى.
  4. النظام رقم 92-05 المؤرخ في 22 مارس 1992 يتعلق بالشروط التي يجب أن تتوفر في مؤسسي البنوك والمؤسسات المالية ومسيريها ممثليها، ( ج. ر العدد 08 المؤرخ في 07 فيفري 1993).
  5. النظام رقم 97-04 المؤرخ في 31 ديسمبر 1997، المتعلق بنظام الودائع المصرفية، (ج. ر العدد 17، المؤرخ في 25 مارس1997).
  6. النظام رقم 04-01 المؤرخ في 04 مارس 2004، المتعلق بالحد لرأسمال البنوك والمؤسسات المالية العاملة في الجزائر، (ج. ر العدد 27 المؤرخ في 28 أبريل 2004).
  7. النظام رقم 04-03 المؤرخ في 04 مارس 2004، يتعلق بنظام ضمان الودائع المصرفية، (ج. ر العدد 35 المؤرخ في 02 جوان 2004).
  8. النظام رقم 08-04 المؤرخ في 23 ديسمبر 2008، يتعلق بالحد الأدنى لرأسمال البنوك والمؤسسات المالية العاملة في الجزائر، (ج. ر العدد 72 المؤرخ في 24 ديسمبر 2008).

 

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى