في الواجهةمقالات قانونية

الدكتور نفيد يونس : جنحة عدم التقيد بقرارات وأوامر السلطات العمومية في حالة الطوارئ الصحية -المتعلقة بفيروس كورونا “كوفيد 19

 

جنحة عدم التقيد بقرارات وأوامر السلطات العمومية

في حالة الطوارئ الصحية

-المتعلقة بفيروس كورونا “كوفيد 19

الدكتور نفيد يونس باحث في القانون الجنائي والعلوم الجنائية – جامعة القاضي عياض مراكش.

 

منذ أن صادق مجلس الحكومة المغربية على  مرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وأيضا على المرسوم رقم 2.20.293 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – “كوفيد 19″، ومنذ تاريخ نشر المرسومين في الجريدة الرسمية بتاريخ 24مارس2020، تم إقرار المادة الرابعة من المرسوم الخاص بحالة الطوارئ أعلاه  لزجر المخالفين لقرارات وأومر السلطات العمومية أثناء حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها بعقوبة جنحية.

فما هي شروط تحقق هذه الجريمة بعد تحديد الركن القانوني الذي تحدثنا عنه أعلاه (الفقرة الأولى)؟ وهل يلزم توفر القصد الجنائي لتحقق هذه الجريمة، وما هي عناصر العقاب الخاصة بهذه الجريمة (الفقرة الثانية)؟

الفقرة الأولى: شروط تحقق الجريمة

تتحقق عناصر وشروط تحقق جنحة عدم التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية طبقا للمادتين الثالثة والرابعة من مرسوم بقانون رقم 2.20.292 أعلاه، وطبقا للمادة الثانية من المرسوم رقم 2.20.293 أعلاه، عندما تتحقق الشروط الآتية:

أولا: مخالفة القرارات والأوامر داخل آجال حالة الطوارئ الصحية وأماكن فرضها

ثانيا: عدم التقيد بقرارات وأوامر السلطات العمومية

ثالثا: الإتيان بأحد الأفعال المجرمة المنصوص عليها في إعلان حالة الطوارئ

أولا: مخالفة القرارات والأوامر داخل آجال حالة الطوارئ الصحية وأماكن فرضها

إن هذا الشرط من اهم عناصر تحقق الجريمة أعلاه، فلابد أن يكون توقيف المتهم المتلبس بارتكاب الجريمة وفقا للمادة 56من قانون المسطرة الجنائية أو الذي ثبت مخالفته للأوامر والقرارات داخل آجال فرض حالة الطوارئ الصحية التي تم تحديد نطاقها بصيغة دقيقة.

فتبعا للمادة الأولى من مرسوم رقم 2.20.293 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – “كوفيد 19″، فالمقتضيات الزجرية المتعلقة بالجريمة أعلاه يسري تطبيقها ومفعولها حتى الساعة السادسة مساء من يوم 20أبريل2020 .

أما بخصوص مكان سريان هذه المقتضيات الزجرية تبعا لنفس المادة، فيشمل تطبيقها وتفعيل مقتضياتها سائر أرجاء التراب الوطني دون استثناء.

ثانيا: عدم التقيد بقرارات وأوامر السلطات العمومية

فلابد أن تكون القرارات والأوامر الصادرة عن السلطات العمومية، قد قامت بفرضها الحكومة من خلال إعلان حالة الطوارئ الصحية سواء من خلال المراسيم أو المقررات التنظيمية أو الإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات.

وذلك بالرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، وشريطة أن لا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات التي تقدمها التي للمرتفقين.

وعليه أصدرت الحكومة باقتراح من وزير الداخلية ووزير الصحة وبناء على مجموعة من المراسيم والدستور بالمصادقة على مرسوم رقم 2.20.293 المشار إليه أعلاه يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – “كوفيد 19″، والذي جاء بمجموعة من التدابير الوقائية الاستعجالية التي يجب على السلطات العمومية أن تتخذها من أجل الحد من تفشي جائحة فيروس كورونا- كوفيد 19، ولتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم.

ثالثا: الإتيان بأحد الأفعال المجرمة المنصوص عليها في إعلان حالة الطوارئ

تشمل الأفعال المجرمة والتي تتحقق بها جريمة عدم التقيد بقرارات أوامر السلطات العمومية في حالة الطوارئ الصحية المتعلقة بفيروس كورونا- كوفيد 19 وفقا للمادتين الثالثة والرابعة من مرسوم بقانون رقم 2.20.292 أعلاه، وطبقا للمادة الثانية من المرسوم رقم 2.20.293 أعلاه،  اتيان الشخص أو الأشخاص أحد الأفعال التالية:

  • مغادرة الشخص لمحل سكناه

وأوضح بلاغ لوزارة الداخلية أن حالة الطوارئ الصحية ” لا تعني وقف عجلة الاقتصاد، ولكن اتخاذ تدابير استثنائية تستوجب الحد من حركة المواطنين، من خلال اشتراط مغادرة مقرات السكن باستصدار وثيقة رسمية لدى رجال وأعوان السلطة، وفق حالات معينة.

وذلك لاتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة، طبقا لتوجيهات السلطات الصحية، حيث بمجرد تواجد الشخص خارج مكان سكناه، يعتبر متلبسا بجريمة عدم التقيد بأوامر وقرارات السلطات العمومية، ما عدا في حالات الاستثناء المنصوص عليها.

  • تنقل الشخص خارج محل سكنه

ويمكن أن يشمل فعل التنقل منع جميع تنقلات الأشخاص كيفما كانت وسيلة التنقل خارج مكان سكناهم، سواء كانت عبر الدراجات النارية أو السيارات أو غيرها من الوسائل.

وتم استثناء مجموعة التنقلات من دائرة التجريم والمنع في حالات الضرورة القصوى التي حددت في الحالات التالية:

– التنقل لأسباب عائلية ملحة من أجل مساعدة الأشخاص الموجودين في وضعية صعبة

–  في حالة الحاجة إلى الإغاثة

– التنقل إلى مقرات العمل، ولاسيما إلى المرافق العمومية الحيوية والمقاولات الخاصة والمهن الحرة في القطاعات والمؤسسات الاساسية المحددة بقرارات للسلطات الحكومية المعنية لضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.

وقد  حدد بلاغ لوزارة الداخلية بأن التنقل للعمل يشمل  الإدارات والمؤسسات المفتوحة، بما فيها الشركات والمصانع والأشغال الفلاحية، والمحلات والفضاءات التجارية ذات الارتباط بالمعيش اليومي للمواطن، والصيدليات، والقطاع البنكي والمصرفي، ومحطات التزود بالوقود، والمصحات والعيادات الطبية، ووكالات شركات الاتصالات، والمهن الحرة الضرورية، ومحلات بيع مواد التنظيف.

كما أكد البلاغ بأن التنقل سيقتصر على الأشخاص الضروري تواجدهم بمقرات العمل، شريطة أن يتم تسليمهم شهادة بذلك موقعة ومختومة من طرف رؤساءهم في العمل،

– التنقل من أجل اقتناء المنتجات والسلع الضرورية للمعيشة، بما في ذلك اقتناء الأدوية، والتنقل بهدف التطبيب

ج- كل تجمع أو تجمهر أو اجتماع لمجموعة من الأشخاص

ويستثنى من هذا المنع الاجتماعات التي تنعقد لأغراض مهنية، مع مراعاة التدابير الوقائية المقررة من قبل السلطات الصحية.

د- عدم إغلاق المحلات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلنة

يدخل هذا الفعل ضمن دائرة الأفعال المجرمة ما عدا المحلات التجارية التي تم السماح لها بصفة استثنائية من طرف السلطات الادارية بالفتح كالصيدليات وأماكن بيع المنتوجات الغذائية الأساسية، وبعض المرافق العمومية الحيوية والمقاولات الخاصة والمهن الحرة في القطاعات والمؤسسات الأساسية المحددة بقرارات للسلطات الحكومية المعنية لضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.

وتنص المادة الثالثة من المرسوم على أنه: وعملا بأحكام المادة الثانية أعلاه، يتخذ ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية، جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ المعلنة، سواء كانت هذه التدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي، أو كانت ترمي إلى فرض أمر بحجر صحي اختياري أو إجباري، أو فرض قيود مؤقتة على إقامة الأشخاص بمساكنهم، أو الحد من تنقلاتهم، أو منع تجمعهم، أو إغلاق المحلات المفتوحة للعموم، أو إقرار أي تدبير آخر من تدابير الشرطة الإدارية. كما يخول لهم وللسلطات الصحية المعنية حق اتخاذ أي قرار أو إصدار أي أمر تستلزمه حالة الطوارئ الصحية المعلنة، كل في حدود اختصاصاته.

ه-  عرقلة تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة بمقتضى حالة الطوارئ الصحية

وذلك سواء بواسطة العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه.

و- تحريض الغير على مخالفة قرارات السلطات العمومية المتخذة بشأن حالة الطوارئ الصحية

وذلك سواء كان التحريض بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية،  وأي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرضِ دعامةً إلكترونية.

لابد من الاشارة أن هذه الجريمة من الجرائم الشكلية التي لا يشترط فيها تحقق النتيجة التي من أجلها تم تجريم الفعل، أي بمجرد إتيان الشخص أحد الأفعال المجرمة أعلاه وفقا للشروط التي حددناها سابقا يكون المتهم الشخص محل مساءلة ومتابعة قضائية سواء كان المتهم مريضا بالفيروس أم غير مريض به وسواء نقل المرض أم لم ينقله لغيره.

الفقرة الثانية: الركن المعنوي وعناصر العقاب

لابد أن نحدد عناصر الركن المعنوي لهذه الجريمة أولا، ثم أن نبين العقوبات المقررة لهذه الجريمة في حالة تحقق جيمع أركانها وشروطها ثانيا.

أولا: الركن المعنوي

تعتبر هذه الجريمة من الجرائم التي لا يستلزم فيها المشرع تحقق القصد الجنائي الخاص، المتمثل في وجوب إثبات الدافع من ارتكابها، وإنما يكفي فقط توفر القصد الجنائي العام بعنصريه: أي العلم والإرادة.

وإن كان عنصر العلم بالجريمة من الناحية القانونية عنصرا مفترضا طبقا لمقتضيات القانون الجنائي الذي تقضي بأنه لا يعذر أحد بجهله للقانون، أما عنصر الارادة فلابد أن يكون المتهم قد أتى الفعل عن حرية اختيار وعن إرادة أي دون إكراه من أحد، وأن يكون متمتعا بحرية الاختيار بمعنى غير مجنون أو صغير غير مميز إلى غير ذلك.

ثانيا: عناصر العقاب

بموجب المادة الرابعة من مرسوم بقانون رقم 2.20.292 أعلاه، يعاقب كل شخص يخالف الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية وفقا للشروط التي تحدثنا عنها أعلاه بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد.

وتعني العبارة الأخيرة (وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد) أنه في حالة كان الفعل المرتكب يكون جريمة عقوبتها أشد من ذلك، فإنه يتم المتابعة من أجل الجريمة الأشد.

وللإشارة فقط فيمكن في حالة موافقة النيابة العامة بمقتضى المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية، أن يطلب المدعى عليه إجراء صلح في القضية وبالتالي أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا.

كما يمكن للمحكمة إيقاف تنفيذ العقوبة تبعا للفصل 55 من القانون الجنائي، إذا لم يكن قد سبق الحكم على المتهم بالحبس من أجل جناية أو جنحة عادية.

ويمكن أيضا تمتيع المتهم بظروف التخفيف بتعليل خاص طبقا للفصول 146و 150 من قانون المسطرة الجنائية، بحيث يمكن أن ينزل القاضي بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر في القانون دون أن ينقص الحبس عن ستة أيام والغرامة عن اثني عشر درهما. و يجوز له أيضا أن يحكم بإحدى العقوبتين فقط.

كما نوصي ونتمنى مستقبلا أن تفعل العقوبات البديلة للعقوبة السالبة للحرية خصوصا فيما يتعلق بالجنح الضبطية، كمثال يمكن تسخير المدان للقيام بخدمة لفائدة إحدى المؤسسات العمومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى