بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

يوسف الوشيخي : دعوى بطلان إجراءات توزيع حصيلة التنفيذ

” دعوى بطلان إجراءات توزيع حصيلة التنفيذ ”

يوسف الوشيخي

باحث في العلوم القانونية

خريج ماستر العقود والأعمال

تعتبر مرحلة توزيع حصيلة التنفيذ المرحلة الأخيرة والحاسمة من مسطرة الحجز التنفيذي إذ خلالها يتم الإقتضاء الفعلي لمبلغ الدين وبالتالي إنقضاء علاقة المديونة في حدود ما تم الوفاء به ، وإذا كانت عملية التوزيع لا تثير مشاكل معتبرة في حالة وجود دائن واحد أو دائنين متعددين تكفي الحصيلة المذكورة للوفاء بحقوقهم جميعا ، فإنه بالمقابل قد تثار العديد من المنازعات في حالة تزاحم مجموعة من الدائنين على ذوي المراتب المختلفة على حصيلة غير كافية لسداد كل الديون وبالتالي فإن مسطرة التوزيع لا تستقيم ولا تتسم بمسار إجرائي طبيعي بل قد تتخللها بعض العوارض التي تؤثر على سيرها العادي .

ومن هذه العوارض نجد دعوى بطلان إجراءات التوزيع التي تعتبر منازعة موضوعية في مسطرة التوزيع فهي من ناحية منازعة متعلقة بالتنفيذ لأن موضوعها هو إجراءات التوزيع التي تعتبر المرحلة الثالثة والختامية لإجراءات التنفيذ بعد الحجز والبيع ، كما أنها من ناحية أخرى تعتبر منازعة موضوعية لأن موضوعها الأصلي هو بطلان إجراءات التوزيع ، والملاحظ أن المشرع المغربي لم يفرد دعوى بطلان إجراءات التوزيع بأي تنظيم قانوني ، على عكس ما هو عليه الأمر في القانون المصري مثلا الذي نظم هذه الدعوى ضمن النصوص المتعلقة بالتوزيع ، وأمام هذا القصور القانوني فإنه يتعين علينا الوقوف عند شروط هذه الدعوى (الفقرة الأولى ) ، ثم لآثار الحكم الصادر في دعوى البطلان ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى : شروط دعوى بطلان إجراءات التوزيع .

يفرض مبدأ الشرعية الإجرائية أن تتم إجراءات التوزيع وفق الشكل المرسوم لها قانونا وهو ما يعطي لكل من تضرر من الإجراء الذي لم يحترم إمكانية المنازعة في سلامة مسطرة التوزيع والمطالبة تبعا لذلك بإبطالها ، وحتى يتم قَبول دعوى بطلان إجراءات يجب إحترام مجموعة من الشروط نجملها في ما يلي :

أولا : ضرورة إحترام القواعد العامة المتعلقة برفع الدعوى .

تخضع دعوى بطلان إجراءات التوزيع للقواعد العامة المتعلقة برفع الدعوى المنصوص عليها في الفصل 1 و 32 من ق م م ، وينبغي تقديم هذه الدعوى في شكل مقال مكتوب مقال إلى رئيس كتابة ضبط المحكمة التي تباشر أمامها إجراءات التوزيع يؤدى عنها الرسم القضائي طبقا للفصل 23 و 24 من قانون المالية لسنة 1984 تطيبقا لمضمون الفصل 60 منه .

وينبغي أن يتوفر في من تقدم بهذه الدعوى على الصفة والمصلحة والأهلية ، وأن تكون مبنية على سبب معقول وأن يكون موضوعها إبطال إجراءات توزيع حصيلة التنفيذ وحتى تثبت الصفة لممارسة هذه الدعوى ، فإنه ينبغي أن على رافعها أن يكون طرفا في المسطرة أي أن يكون بيده سند تنفيذي مثبت لدين محقق ، وأن يكون قد سبق أن تدخل في إجراءات التوزيع عن طريق الإدلاء بسنداته داخل أجل 30 يوما بعد مرور مدة 10 أيام من تاريخ آخر إعلان معلق بسبورة المحكمة طبقا للفصل 507 من ق م م ، وبمفهوم المخالفة فعدم تقديم الدائن لوثائقه داخل الأجل القانوني رغم إعلامه يسقط حقه في رفع دعوى البطلان وذلك لإنعدام الصفة ، وجاء في أحد قرارات محكمة النقض ، أنه لا يخول للدائن المرتهن حق الطعن بالبطلان في إجراءات التوزيع مادام أنه ليس من حقه التعرض على تسلم منتوج بيع الأصل التجاري وفي الإتفاق على توزيعه ، بل الأكثر من ذلك أنه ليس له الحق في التسجيل بلائحة الدائنين المشاركين في مسطرة التوزيع بالمحاصة ، وبعبارة أدق فإن صفة الادعاء في رفع هذه الدعوى مقرونة بضرورة أن يكون مقدم دعوى البطلان طرفا في مشروع التوزيع وأن يكون قد تضرر من إجراءات التوزيع ، وهذا المقتضى الأخير هو ما نص عليه المشرع المصري في المادة 484 من قانون المرافعات حيث جاء فيها ” … لا يحكم بالإبطال إلا لضرر يكون قد لحق بحقوق مدعيه … ” ، أما إذا كان الأمر يتعلق بضرر ناتج عن أسباب الأولوية أو الترتيب في الدعوى تكون غير مقبولة لإنعدام محلها ، ولكون المشرع قد حدد طريقا خاصة للمنازعة والإعتراض على مشروع التوزيع .

ثانيا : أن يكون سبب البطلان لاحقا على صدور الحكم في الإعتراض .

يجب أن تتأسس دعوى بطلان إجراءات التوزيع على أسباب لاحقة على صدور الحكم في الإعتراض وفوات الحق في التدخل وبمفهوم المخالفة أن الأسباب السابقة لصدور الحكم في الإعتراض لا يمكن أن تؤسس عليها دعوى بطلان إجراءات التوزيع ، لوجود طريق آخر وهو الإعتراض على مشروع التوزيع ، كما أنه من غير المقبول السماح بتأسيس دعوى البطلان على أسباب سابقة عن الحكم في الإعتراض لأن من شأن ذلك إفراغ دعوى الإعتراض من محتواها ، ما دام أنه يجوز في جميع الأحوال اللجوء إلى دعوى البطلان ، وهذا ما يفسر ما ذهب إليه المشرع المصري بخصوص قصر حق ادعاء البطلان بالنسبة للأشخاص الذين لم يتم إعلانهم أو إختصامهم في دعوى الإعتراض حيث جاء في المادة 484 من قانون المرافعات المدنية والتجارية أن ” لكل من لم يكلف من ذوي الشأن الحضور أمام قاضي التنفيذ أن يطلب وقت تسليم أوامر الصرف إبطال الإجراءات ، وذلك إما بطريق التدخل في جلسة التسوية أو بدعوى أصلية يرفعها بالطريق المعتادة … ” .

وهذا الفهم هو ما يؤكده الموقف القضائي ، إذا قضت في هذا الصدد محكمة الإستئناف بالرباط : ” بأن الدائن الذي لم يستدعي للإطلاع على مشروع التوزيع والاعتراض عليه لا يمكنه الطعن في التوزيع النهائي عن طريق تعرض الغير الخارج عن الخصومة بسبب تواجده طرفا في مسطرة التوزيع وإنما يمكن تقديم دعوى بطلان مسطرة التوزيع ، وكذا التوزيع النهائي الذي لا يمكن الإحتجاج به في مواجهته مع احقيته في الرجوع على باقي الدائنين في حدود حصته ” .

وهكذا فقد يتم تأسيس دعوى بطلان إجراءات التوزيع على عدة أسباب ، وتتثمل في مجموعة من الحالات نذكر منها :

1- الحالة التي فيها التوزيع دون استدعاء أي من الدائنين الذين يعتبرون طرفا في إجراءات التوزيع .

2- الحالة التي يتم فيها التوزيع بناء على الغش أو تواطؤ بين المنفذ عليه وأحد الدائيين ، ومثال ذلك أن يتبين أن السند التنفيذي الذي اعتمده أحد الدائنين كان مبنيا على وثائق صورية ، وقضى تبعا لذلك بإلفائع ، ففي هذه الفرضية يحق لباقي الدائنين المطالبة بإسترداد النصيب الذي نابه إثر توزيع حصيلة التنفيذ ، وذلك تطبيقا لقاعدة أن الغش يفسد جميع التصرفات .

3- الحالة التي يثبت فيها أن أحد الدائنين استوفى دينه مرتين ، الأولى عن طريق الأمر بالصرف والثانية من خارج حصيلة التنفيذ ، وأخفى هذه الواقعة الواقعة أثناء توزيع حصيلة التنفيذ ، ومن ثم فالمفروض أن يوزع مناصفة على دائنيه ، ولذلك يمكنهم المطالب, بإستردادها من خلال المطالبة بإجراءات التنفيذ . .

4- الحالة التي يستحق فيها العقار من تحت يد الراسي عليه المزاد بحيث يكون له الحق في المطالبة بإسترداد إجراءات التوزيع لإسترداد ما دفعه .

ثالثا : ضرورة مراعاة أجل تقديم دعوى البطلان .

حرصا على إستقرار عملية التوزيع وحتى لا يبقى الدائنون مهددون بالرجوع عليهم في أي وقت ، فقد عمل المشرع المصري على تحديد أجل معين لمباشرة دعوى البطلان ، بانصرامه يسقط الحق في إثارة البطلان ، ويحدد لأجل المذكور في تسليم أوامر الصرف لمستحقيها ، حيث جاء في المادة 486 من قانون المرافعات المدينة والتجارية على أنه ” بعد تسليم أوامر الصرف لمستحقيها لا يكون لمن لم يعلن أو يختصم حق إبطال إجراءات التوزيع وإنما يكون له حق الرجوع على المتسبب من العاملين بالمحكمة إن كان لها وجه ” ، وهذا النص لا نجد له نظير في القانون المغربي ، حيث إن المشرع المغربي لم يحدد أجلا معين لرفع دعوى بطلان إجراءات التوزيع ، وأمام هذا الفراغ التشريعي يرى أحد الفقه أن موقف المشرع المصري في هذا الصدد جدير بالتأييد وذلك لما يتوفر له من آثار إيجابية بخصوص استقرار التوزيع المفضي إلى إطمئنان يؤدي إلى شيوع الثقة كأساس للإئتمان العقاري ، مما يفرض ضرورة إعتماده ضمن أحكام التوزيع في قانون المسطرة المدينة .

الفقرة الثانية : آثار الحكم ببطلان إجراءات التوزيع .

إن الطعن في إجراءات التوزيع يؤدي إلى إنحراف مسطرة التوزيع إلى منازعة موضوعية إذ يتعدى النظر فيها محاكم الموضوع ، لتصل أحيانا إلى محكمة النقض ، مما تبقى معه هذه الدعوى من أهم العوارض التي تؤدي إلى تعديل مسطرة التوزيع .

فبعد تقديم دعوى بطلان إجراءات التوزيع مستوفية للشروط الشكلية والموضوعية تنتقل المحكمة للبت في موضوعها ، ففي حالة عدم تأسيسها على سبب من الأسباب التي سبق الإشارة إليها في الفقرة السابقة ، فإن المحكمة تصرح برفض الطلب ليتم الاسترسال في توزيع منتوج البيع .

أما في حالة تأسيس الدعوى على سبب مقبول ، فإنها تحكم ببطلان إجراءات التوزيع وهو ما يستوجب إرجاع الأوضاع إلى الحالة السابقة على تحقق البطلان ، وإرجاع الحالة في نطاق مسطرة التوزيع ينصرف إلى تصحيح الإجراءات الباطلة والإجراءات التالية لها عن طريق إعادتها من أولها ، أما الإجراءات السابقة فتبقى صحيحة ، غير أن هذا التصحيح يصطدم غالبا بإنتهاء الإجراءات وتوزيع حصيلة التنفيذ على الدائنين وهو ما يحيلنا في هذا الصدد إلى بحث السند المبرر لإرجاع الحالة إلى ماكانت عليه .

نشير في البداية إلى أن الحكم الإنتهائي المتعلق بالتوزيع بعتبر سندا قانونيا لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه والقول بهذا الطرح يثير مدى أمكانية إعتباره سندا تنفيذيا ؟

في هذا الصدد ذهب أحد الفقه إلى إعتبار الحكم بالبطلان سندا تنفيذيا لإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التوزيع ، أو قبل اتخاذ الإجراء الباطل من إجراءات التوزيع ، وذلك مسايرة لتوجه محكمة النقض من حيث اعتبار الحكم بالنقض سندا لإرجاع الوضع إلى ما كان عليه ، وهو توجه جدير بالتأييد ، فنطاق القوة التنفيذية للحكم بالبطلان يقتصر فقط على إعادة الإجراءات .

إن تصحيح الإجراءات الباطلة قد يصطدم بإنتهاء الإجراءات وتوزيع حصيلة التنفيذ على الدائنين ، خاصة وان المشرع لم يرتب على تقديم دعوى البطلان وقف إجراءات التوزيع بقوة القانون ، بخلاف توجهه بخصوص دعوى بطلان إجراءات الحجز العقاري وهي وضعية حسب أحد الفقه تقتضي من صاحب المصلحة المبادرة إلى الإستعانة ببعض التدابير التحفظية لضمان عدم توصل الدائنين بحصيلة التنفيذ ، ومن هذه التدابير نجد دعوى وقف إجراءات التوزيع مؤقتا ، ودعوى وقف استخلاص قوائم التوزيع .

ولجوء صاحب المصلحة إلى هذه الدعاوى لا يمنعه كذلك بعد تسليم أوامر الصرف للدائنين من المطالبة بإيقاع حجز لدى الغير على ما فضل من حصيلة التنفيذ غير المؤداة ، أو على النصيب الخاص بأحد الدائنين بناء على أمر من السيد رئيس المحكمة في إنتظار البت في دعوى البطلان ، مادام أنه بتسلم الدائن لأمر بالصرف تنتقل إليه ملكية الجزء المخصص له من حصيلة التنفيذ .

وفي إطار الحديث عن الآثار المترتبة عن تقديم دعوى بطلان إجراءات التوزيع يثار التساؤل حول مدى إمكانية مطالبة الطرف المتضرر بتعويض عن الضرر الاحق به نتيجة عدم إحترام الإجراءات المحددة قانونا ؟

الملاحظ أن المشرع المغربي لم يخص مسألة التعويض في إطار دعوى بطلان إجراءات التوزيع بأي نص ، بخلاف توجهه في إطار دعوى بطلان الحجز العقاري وذلك بموجب الفقرة الثانية من الفصل 484 من ق م م ، وقد كان المشرع المصري أكثر صراحة في هذا الإطار إذ نص على الحق في التعويض سواء كانت قوائم التوزيع قد سلمت أم لا ، وذلك من خلال أحكام الفقرة الثانية من المادة 484 من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي تنص على أنه ” … ولا يحكم بالإبطال إلا لضرر يكون قد لحق بحقوق مدعيه ، فإذا حكم به أعيدت الإجراءات على نفقة المتسبب فيه من العاملين بالمحكمة وألزم بالتعويضات إن كان لها وجه ” ، كما ورد أيضا في المادة 486 من نفس القانون على أنه بعد تسلم أوامر الصرف لمستحقيها لا يكون لمن لم يعلن أو يختصم حق إبطال إجراءات التوزيع وإنما يكون له الرجوع على المتسبب من العاملين بالمحكمة بالتعويضات إن كان له وجه “.

ويرى أحد الفقه أنه رغم عدم التأطير القانوني لمسألة التعويض في إطار دعوى بطلان إجراءات التوزيع في القانون المغربي ، فإنه يجوز للطرف المتضرر تقديم طلب إضافي أو تبعي إلى جانب دعوى البطلان من أجل التعويض عن الضرر اللاحق به من جراء عدم إحترام الإجراءات للشروط القانونية التي لو تمت بشكل صحيح لتحصل المتضرر على منفعة مالية ، وذلك طبقا للقواعد العامة المنصوص عليها في ظهير الإلتزامات والعقود استنادا إلى قواعد المسؤولية التقصيرية ، غير أنه وحسب أحد الباحثين فإنه يجب التمييز فيما يتعلق بالتعويض بين حالتين : حالة إرجاع الحالة إل ماكانت عليه قبل الإجراء المعيب وإعادة الإجراءات وفق الشروط القانومية حيث لا يستحق المتضرر إلا تعويضا عن الضرر اللحق به من جراء التأخر في قبض ما ينوبه من حصيلة التنفيذ فقط ، أما في حالة عدم التمكن من إعادة الإجراءات لتقديم الدعوى بعد التأشير على أوراق المصروف من طرف رئيس المحكمة ، فإن الحق في التعويض يكون له مح ويحق للمتضرر أن يطلبه عن ما كان سينوبه من منتوج البيع والضرر الحاصل له من جراء التأخر في قبضه .

وفي الأخير يجب أن نأكد على أن عدم تنظيم دعوى بطلان إجراءات توزيع حصيلة التنفيذ ، يجعل هذه الدعوى رهينا بتأويل وإجتهاد أجهزة التنفيذ القضائية ، وهو ما يحتم على المشرع تنظيم هذه الدعوى على غرار دعوى بطلان إجراءات الحجز ، وتحديد شورطها الشكلية والموضوعية وأجالها .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى